٢٩ ـ بصيرة
فى ذكر لقمان عليهالسلام
اتفقوا على أنه اسم أعجمىّ ممنوع من الصّرف ، قيل عبرانىّ ، وقيل سريانىّ. قيل هو عاد من قوم هود الذى سأل الله تعالى طول العمر فاستجاب دعاءه وعمّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة إلى أن أدرك سليمان ، وكان له من الحكم والتجارب ما لم يكن لأحد. قال وهب بن منبّه : خيّر لقمان بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة على النبوّة ، كأنه استعظم احتمال أعباء النبوّة. وقيل لم يكن هذا لقمان عاد ، بل كان عبدا أسود أطاع الله تعالى وأطاع مالكه فارتضاه الله تعالى ورزقه الحكمة. ومن الدّليل على علوّ قدره ورفعة شأنه أنّ الله تعالى ذكر مواعظه فى أشرف الكتب السماويّة الذى هو القرآن ، ونقلها / على لسان أشرف الرّسل إلى أشرف الأمم ، وذكر اسمه فى موضعين من التنزيل قال ، تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(١) ، الثانى عند ذكر مواعظه (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ)(٢) ، (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(٣) ، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)(٤) ، (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ)(٥).
قال الثعلبىّ : كان لقمان مملوكا ، وكان أهون مملوكى سيّده عليه ، وأوّل ما ظهر من حكمته أنّه كان مع مولاه فدخل مولاه الخلاء فأطال الجلوس فناداه لقمان : إنّ طول الجلوس على الخلاء يضرّ بالكبد ويورث الباسور ، ويصعّد الحرارة إلى الرأس ، فاجلس هوينا وقم ، فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء. وروى أنّه كان حبشيّا نجّارا.
وقال أبو هريرة : مرّ رجل بلقمان والنّاس مجتمعون عليه فقال : ألست العبد الأسود الذى كنت ترعى بموضع كذا؟ قال : بلى. قال : فما بلغ بك ما أرى؟ قال : صدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنينى.
__________________
(١) الآية ٢ سورة لقمان
(٢) الآية ١٣ سورة لقمان
(٣) الآية ١٧ سورة لقمان
(٤) الآية ١٨ سورة لقمان
(٥) الآية ١٩ سورة لقمان