نفحات القرآن - ج ٤

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٤

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-98-9
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٤٠٠

افتَحْ بَينَنَا وَبَينَ قَومِنَا بِالحَقِّ وَأَنتَ خَيرُ الفَاتحينَ). (الأعراف / ٨٩)

يعود إلى التأكيد على هذا المفهوم أيضاً ، لأنّ الفاتحين الجهلاء لا يمكنهم دائماً أداء أفعالهم بشكل لائق ، لذا فخير الفاتحين هو الفتّاح العليم بكل شيء وفي جميع الأحوال.

* * *

٢٦ ـ الرحمن ٢٧ ـ الرحيم ٢٨ ـ أرحم الراحمين ٢٩ ـ الودود ٣٠ ـ الرؤوف ٣١ ـ اللطيف ٣٢ ـ الحفيّ

تُعد صفتا (الرحمن) و (الرحيم) من جملة صفات الفعل الإلهيّة التي ترد على الألسن دائماً ، وتتكرر بأستمرار في كل صلاة ، وبداية السور القرآنية ، بل وفي بداية كل عمل فهي تُنبيُ عن لطف الباري ورحمته اللامحدودة تجاه عباده ، بل تجاه جميع الموجودات وهي رمز كونه أرحم الراحمين.

ومن مستلزمات هذا المفهوم ودُّهُ ومحبته ولطفه وعنايته ورأفته ، وقد تكررت هذه الصفات السبع كثيراً في الآيات القرآنية ، فلنتأمل خاشعين في نماذج منها :

١ ـ (قُلِ ادْعُوااللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحمنَ أَيّاً مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (١). (الإسراء / ١١٠)

٢ ـ (إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُم رَحِيماً). (٢) (النساء / ٢٩)

٣ ـ (وَأَنتَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ). (٣) (الأعراف / ١٥١)

٤ ـ (وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ). (البروج / ١٤)

__________________

(١) تكررت كلمة «رحمن» في ٥٦ موضعاً من القرآن ـ عدا البسملة ـ مما يدل على اهتمام القرآن البليغ بهذه الصفة.

(٢) تكررت كلمة «رحيم» في ١١٤ موضعاً من القرآن ـ عدا البسملة ـ مما يحكي أيضاً عن اهميتها البليغة.

(٣) وردت كلمة الراحمين أربع مرّات في القرآن الكريم ، أحياناً بنحو الخطاب كما ورد في الآية أعلاه ، وأحياناً كضمير غائب مثل «وهو أرحم الراحمين». (يوسف / ٦٤ / ٩٢).

٢٤١

٥ ـ (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). (١) (البقرة / ١٤٣)

٦ ـ (... وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ). (٢) (الأنعام / ١٠٣)

٧ ـ (... إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا). (٣) (مريم / ٤٧)

توضيح وبلاغ :

بحثنا مفهوم كلمتي (الرحمن) و (الرحيم) في المجلّد الأول من هذا التفسير بصورة مفصّلة ، ولا حاجة إلى التكرار ، ونكتفي هنا بالقول : إنّ كلتيهما مأخوذتان من مادّة (الرحمة).

ومعروف بين العلماء أنّ صفة (الرحمن) ترمز إلى الرحمة الإلهيّة العامّة التي تشمل الموالي والمعادي ، والمؤمن والكافر ، والمحسن والمسي ، (كأنواع النعم والمواهب الإلهيّة العامّة التي ينتفع منها جميع العباد).

و (الرحيم) : ترمز إلى (الرحمة الخاصّة) الإلهيّة التي خص بها عباده المؤمنين وجعلها من نصيب المحسنين والمتقين.

وأمّا عبارة (أرحم الراحمين) فإنّها استُعملت كصفة من الصفات الإلهيّة ، لأنّ شعاعاً من رحمته قد دخل في قلوب عباده أيضاً ، فالوالدان رحيمان وعطوفان على وِلدهما ، والكثير من الناس يكنّون في قلوبهم الرحمة والمحبة تجاه أصدقائهم وأحبائهم ، إلّاأنّ هؤلاء جميعهم يمثّلون شعاعاً ضعيفاً من رحمة الله ، بل في الحقيقة إنّ جميع هذه الرحمات مجازيّة ، ورحمة الله هي الرحمة الحقيقيّة ، لأنّ ذاته المقدّسة غنيّة عن كُلّ شيء ، في حين أنّ المحبّة والرحمة الموجودة فيما بين الناس غالباً ماتنبع من تأثيرهم في مصير بعضهم وحاجتهم إلى بعضهم.

__________________

(١) وردت كلمة «رؤوف» في أربعة عشر موضعاً من القرآن مصحوبة في أغلبها بصفة الرحمة كما هو الحال في الآية المذكورة أعلاه ، وأحياناً في عبارة (رؤوف بالعباد).

(٢) وردت كلمة «لطيف» في سبعة مواضع من القرآن استُعملت في جميعها كصفة لله سبحانه.

(٣) وردت كلمة «حفي» في موضعين فقط من القرآن وفي واحدٍ منهما فقط كصفة لله سبحانه وتعالى (وهو الآية أعلاه).

٢٤٢

علاوةً على هذا ، فإنّ رحمة غيره محدودة في أُطرٍ خاصّة ، إلّارحمته فهي غير محدودة من كل ناحية.

يُستنتج بشكلٍ إجماليٍّ من موارد استعمال هذه الصفة التي وردت في أربع آيات قرآنية ، أنّها استعملت في الحالات التي وصلت بها المشكلة حدّها الأقصى ، فقد وردت هذه الصفة في قصة النبي أيوبَ عليه‌السلام بعد تحمُّله كل تلك الخطوب المنهكة ، وفي قصّة يوسف عليه‌السلام عندما كان أخوته بمنتهى القسوة (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيهِ إِلّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). (يوسف / ٦٤)

أو بعد معرفتهم أخاهم يوسف إذ خجلوا وندموا كثيراً على مافعلوا (قَالَ لَاتَثْرِيبَ عَلَيكُمُ اليَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ). (يوسف / ٩٢)

وما ورد في قصة موسى عليه‌السلام عندما رجع إلى قومه ورآهم يعبدون العجل وعاتبَ أخاه هارون (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلِأَخِى وأَدْخِلْنَافِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحمُ الرَّاحِمِينَ). (الأعراف / ١٥١)

ومن هنا يتضح لزوم الإعتصام بهذه الصفة الإلهيّة الملهمة للأمل والرجاء ، في الظروف العصيبة ، والأحداث المعقدّة جدّاً والأليمة ، والتفيؤ بظل رحمته ، علاوةً على لزوم السعي لكي نكون مظهراً لهذه الصفة الإلهيّة وبعث شعاع منها في وجودنا على الأقل.

* * *

الرحمة الإلهيّة الواسعة في الأحاديث الإسلاميّة :

لسعة رحمة الله انعكاسات واسعة في الأحاديث الإسلامية ، والنماذج التالية تحكي عن هذه الحقيقة :

١ ـ في حديث عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام قال : «الله رحيم بعباده ، ومن رحمته أنّه خلق مائة رحمة واحدة في الخلق كلهم فبها يتراحم الناس ، وترحم الوالدة ولدها .... فإذا كان يوم

٢٤٣

القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة فيرحم بها امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

٢ ـ في حديث آخر عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان يوم القيامة نشر الله تعالى رحمته حتى يطمع ابليس في رحمته» (٢).

٣ ـ قيل لعلي بن الحسين عليه‌السلام يوماً أنّ الحسن البصري قال : ليس العجب ممن هلك كيف هلك إنّما العجب ممن نجا كيف نجا فقال عليه‌السلام : «ليس العجب ممن نجا كيف نجا ، وإنّما العجب ممن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله» (٣).

إلهي لا يعزّ على كرمك اللامتناهي أن تشملنا بزاوية من رحمتك الواسعة هذه.

وكلمة (ودود) مشتقة من مادّة (وُدّ) ـ بضم الواو ـ التي هي في الأصل بمعنى حب الشيء وتمنّي وجوده ، لذا تستعمل في كلا المعنييْن (المحبة والتمنّي).

هذا ماورد في المفردات ومقاييس اللغة ، لكن لسان العرب ذكرها بمعنى المحبّة فقط ، في حين أنّ موارد استعمالها في القرآن الكريم تدل بوضوح على أنّها استُعملت في معنى التمنّي والمحبّة أيضاً.

وعلى أيّة حال فإنّ هذه الكلمة صيغة من صيغ المبالغة وتعني الشخص الكثير المحبة ، واللطيف أنّ هذه الصفة قد وردت في القرآن الكريم مصحوبةً بصفة الغفور مرّة ، وبصفة الرحيم مرّة اخرى ، وكلاهما تتأكدان بصفة (الودود).

يقول المرحوم الكفعمي في مصباحه : عندما تستعمل كلمة (ودود) كصفة من الصفات الإلهيّة ، فإنّها تعني من يحب عباده فيرضى عنهم ويتقبل أعمالهم ... أو بمعنى مَنْ يلقي حب عبده في قلوب الآخرين حيث قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٤). (مريم / ٩٦)

«الودود» : (الودود) فعول بمعنى (مفعول) كما يقال : هيوب بمعنى مهيب ، يراد به أنّه

__________________

(١) مستدرك سفينة النجاة نمازي شاهرودي ، ج ٤ ، ص ١٣٥.

(٢) بحارالأنوار ، ج ٧ ، ص ٢٨٧ ، (باب ما يظهر من رحمته تعالى في القيامة).

(٣) سفينة البحار ، ج ١ ص ٥١٧.

(٤) مصباح الكفعمي ، ص ٣٢٥.

٢٤٤

مودود ومحبوب ، ويقال : بل فعول بمعنى فاعل كقولك : غفور بمعنى غافر ، أيّ يود عباده الصالحين ويحبهم ، والود والوداد مصدره المودة، وفلان ودّك ووديدك أيّ حبّك وحبيبك (١).

واحتمل بعض أرباب اللغة كذلك أنّ كلمة (ودود) هنا تُعطي مفهوم اسم المفعول ، وترمز إلى محبوبيّة الله من قبل عباده المؤمنين (٢).

لكننا نعتقد بأنّ المعنيين الثاني والثالث ضعيفان ، ويظهر من موارد استعمال هذه الكلمة أنّ معناها الدقيق هو (المحبّة والتمني) الذي ذكرناه.

ومن البديهي اختلاف مفهوم المحبّة الإلهيّة مع مفهوم المحبة الإنسانية ، فالمحبّة في الإنسان نوعٌ من التوجّه القلبي والرغبة الروحية ، في حين أنّ الله ليس له قلبٌ ولا روح ، لهذا فإنّ محبته لعباده تأتي بمعنى فعله لما يُسبب خير البشر وسعادتهم ، وتدل على لطفه وعنايته.

ويظهر أنّ السبب في تفسير البعض كلمة (ودود) كإسم مفعول هو أنّهم لاحظوا بأنّ المحبّة بمعنى اسم الفاعل لا تليق بشأن الباري ، لأنّها من عوارض الموجودات الإمكانية. لكنها عندما تختصّ بالباري تعالى فانّما يُقصد منها آثارها الخارجيّة ، وليس هذا هو المكان الوحيد الذي يستوجب هذا المعنى والتفسير ، بل هنالك الكثير من الصفات والأفعال الإلهيّة من هذا القبيل بالضبط ، كقولنا : إنّ الله يغضب على المذنبين ، أي يتصرف معهم تصرُّف الغضبان ، وإلّا فالغضب الذي يُعطي معنى الهياج والاضطراب في نفس الإنسان لا يصدق أن يكون في الباري تعالى أبداً.

وعلى أيّة حال فإنّ الإيمان بهذه الصفة الإلهيّة له أثره التربوي العميق (كما هو الحال في بقية الصفات) ، لأنّ محبّة الله لعباده تؤدّي إلى إيجاد محبة العباد له ، فالمحبّة الحقيقيّة لا تكون من طرفٍ واحد أبداً.

وعندما تدخل محبته في قلوب عباده ويعشقونه سيسيرون باتجاه رضاه ، لأنّ العاشق يخطو وفق ما يرتضيه معشوقه دائماً.

__________________

(١) توحيد الصدوق ، ص ٢١٤.

(٢) مجمع البحرين ، مادّة (ود) ؛ توحيد الصدوق ، ص ٢١٤.

٢٤٥

وجاءت كلمة (رؤوف) من مادّة (رأفة) وتعني (الرحمة) ـ حسب قول الراغب الإصفهاني ـ والجدير بالذكر أنّ تسعة حالات من الإحدى عشرة حالة التي وردت فيها هذه الصفة الإلهيّة في القرآن الكريم رافقتها صفة (الرحيم) (١) ، لذا فإنّ صِفَتيْ (رحيم) و (رؤوف) توكّدان مفهوم بعضهما البعض.

وهنالك جدال بين المفسّرين والمتكلّمين حول الاختلاف الموجود بين صفتي (رؤوف) و (رحيم)؟ فاعتقد البعض منهم بأنهما تعطيان مفهوماً واحداً ، وعليه فإنّ ذكرهما إلى جنب بعضهما ذو صبغة تأكيد على الرحمة الإلهيّة اللامتناهية.

في حين وضَعَ البعضُ الآخر ـ كابن الأثير في نهايته ـ فرقاً بينهما ، وهو : إنّ الرأفة مرحلة أدقّ وأسمى من الرحمة ، ولا تستعمل أبداً في المسائل الرديئة ، لكن الرحمة تستعمل في المسائل المكروهة التي توجد من ورائها مصلحة معينة (فقد يُمكن أن يُقال : إنّ الرحمة التي يحملها فلان دفعت به إلى قطع إصبعه المتعفّن وقايةً من سريان العفونة إلى بقية أعضاء بدنه ، لكنه لا يصح استعمال تعبير «الرأفة» هنا) (٢).

يقول المرحوم الكفعمي في مصباحه حول تفسير هذه الكلمة : (قال البعض : إنّ الرأفة مرحلة أسمى من الرحمة ، في حين اعتقد البعض الآخر بأنّ دائرتها أكثر محدوديّة من دائرة الرحمة).

يقول المفسّر الكبير المرحوم الطبرسي في ذيل الآية ١٢٨ من سورة التوبة : يعتقد البعض بأنّ صفتي (رؤوف) و (رحيم) لهما مفهوم واحد ، ماعدا كون الرأفة مرحلة أقوى من الرحمة ، في حين قال جماعة آخرون : (تستعمل كلمة رؤوف) في المطيعين و (رحيم) في المذنبين ، ثم نقل عن بعض العلماء السالفين قولهم إنّ الله لم يجمع بين هاتين الصفتين بحقِ أيٍّ من أنبيائه ، لكنّه فعل ذلك كرامةً لنبيِّ الإسلام محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وصفه في هذه الآية : (بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) ، وكذلك وصف ذاته جلّ وعلا حيث قال : (إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). (٣) (البقرة / ١٤٣)

__________________

(١) البقرة ، ١٤٣ ؛ التوبة ، ١١٧ ؛ التوبة ، ١٢٨ ؛ النحل ، ٧ و ٤٧ ؛ الحج ، ٦٥ ؛ النور ، ٢٠ ؛ الحديد ، ٩ ؛ الحشر ، ١٠.

(٢) نهاية ابن الأثير ، مادّة (رأف) ، ونفس هذه المادّة في (لسان العرب) و (مجمع البحرين).

(٣) تفسير مجمع البيان ، ج ٥ ، ص ٨٦.

٢٤٦

قال الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية : (بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). (التوبة / ١٢٨) قيل : هما واحد ، والرأفة شدّة الرحمة ، وقيل : رؤوف بالمطيعين منهم ، رحيم بالمذنبين ، وقيل : رؤوف بأقربائه ، رحيم بأوليائه ، رؤوف لمن رآه ، رحيم بمن لم يره ، وقال بعض السلف : لم يجمع الله سبحانه لأحد من الأنبياء بين اسمين من اسمائه إلّاالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه قال : بالمؤمنين رؤوف رحيم.

وكذلك نلاحظ هنا ما لهذه الصفة الإلهيّة من الأثر التربوي والبلاغ الخاص في قلوب المؤمنين ، لأننا نرى بأنّ الله رؤوف رحيم ، ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رؤوف رحيم أيضاً ، لذا يجب أن يكون شيعتهم ومحبّوهم رؤوفين رحماء أيضاً ، وينعكس على وجودهم شعاعٌ من الرحمة الإلهيّة العامة والخاصة.

تكررت كلمة (لطيف) سبع مرّات في القرآن الكريم ، وقد وردت كصفة من صفات الله في جميع هذه الموارد وغالباً مااقترنت بصفة (خبير) (١). ووردت لوحدها في موضعين فقط (٢).

وعلى أيّة حال فإنّ هذه الكلمة مشتقة من مادّة (لطف) ، وتعني : العمل الظريف والدقيق والمحبّة والحنان ، وتُطلق أيضاً على كلّ من الموجودات الصغيرة اللينّة ، والحركات الظريفة ، والقيام بالأعمال الدقيقة ، والأمور التي لاتدركها حواس الإنسان.

وعندما تختصّ هذه الصفة بالباري تعالى فإنّها تعطي معنى الرفق والمداراة الإلهيّة بينه وبين عباده ، وتوفيقهم وحفظهم من المشاكل (٣).

يقول ابن الأثير في تفسير هذه الكلمة : اللطيف من يجمع بين (الرفق في العمل) و (العلم بدقائق المنافع وإيصالها إلى أصحابها).

ويقول المرحوم الكفعمي رحمه‌الله في (المصباح) : «إنّ دعوة الباري ، في المشكلات ، بهذه

__________________

(١) الأنعام ، ١٠٣ ؛ الحج ، ٦٣ ؛ لقمان ، ١٦ ؛ الملك ، ١٤ ؛ الأحزاب ، ٣٤.

(٢) يوسف ، ١٠٠ ؛ الشورى ، ١٩.

(٣) مفردات الراغب الأصفهاني ولسان العرب ، مادّة (لطف).

٢٤٧

الصفة له أثر عميق في رفع وإزالة المنغّصات» (١).

وقد فسّر المرحوم العلّامة الصدوق رحمه‌الله ، في كتاب التوحيد ، هذه الصفة الإلهيّة كمايلي : «إنّه لطيفٌ بعباده ، يُحسنُ إليهم ، ويُنعم عليهم ، ثم أضاف قائلاً : اللطف هو نفس الإحسان والعزّة ، ثم ذكر الحديث الشهير الذي يقول : «إنّ معنى اللطيف إنّه هو الخالق للخلقِ اللطيف» كما أنّه سمي) «العظيم لأنّه الخالق للخلق العظيم».

ومن الممكن الجمع بين كل هذه المعاني في مفهوم كلمة (لطيف) الواسع.

أمّا السّر من اقتران صفة (اللطيف) بـ (الخبير) في أغلب الآيات القرآنية فهو أنّ صفة (الخبير) ـ طبقاً لما قاله بعض المحققين تشير إلى الإطلاع العميق والعلم والإحاطة الدقيقة بالحقائق ، ممّا يتناسب مع مفهوم صفة (اللطيف).

إنّ البلاغ والأثر التربوي الذي يتركه الإيمان بهذه الصفة واضح جدّاً لأنّه يؤمل الإنسان بالألطاف الإلهيّة الخفيّة والجليّة من جهة ، ومن جهةٍ اخرى يحث بني البشر للتلطف والترحّم على بعضهم البعض ، ومن جهة ثالثة يدفعهم إلى الاطلاع على مخلوقات الله الظريفة جدّاً والتفكُّر فيها ، ولكل واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة أثر بليغ في تربية الناس.

وكلمة (حفيّ) مشتقة من مادّة (حفاء) على وزن (سمَاء) ومن مادّة (حَفا) على وزن (جَفا) ولها عدّة معانٍ ذكرتها مصادر اللغة ، من جملتها : سير الإنسان حافي القدمين ، والإلحاح في السؤال ، العلم والإطلاع على شيء ، الإلحاح في عمل الخير.

وقال جماعة أيضاً : إنّها تعطي معنى ترقق جلد القدم ، وكعب الحذاء ، وحافر الجواد ، بسبب كثرة السير (٢).

إلّا أنّه ليس مستبعداً أن يكون الأصل الحقيقي لكل هذه المعاني هو الالحاح في السير بشكل يصبح جلد القدم أو الحذاء رقيقاً أو مُستهلكاً ، ثم استعملت في حالة الالحاح والمبالغة في كل شيء من قبيل : الالحاح في السؤال عن شيء ما بقصد الاطلاع ، والالحاح في طلب علم الخير.

__________________

(١) مصباح الكفعمي ، ص ٣٢٢.

(٢) مفردات الراغب ؛ لسان العرب ؛ مقاييس اللغة ؛ نهاية ابن الأثير ؛ تاج العروس ؛ وكتاب العين.

٢٤٨

ووردت هذه الكلمة في القرآن في ثلاثة موارد ، الأول في مورد الإلحاح في السؤال ، كما في قوله تعالى : (إِن يَسْأَلكُمُوهَا فَيُحفِكُم تَبخَلُوا)!. (محمد / ٣٧)

وفي مورد العلم والمعرفة كما في قوله تعالى : (يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا). (الأعراف / ١٨٧)

وفي مورد الإلحاح في عمل الخير كما في الآية : (سَلَامٌ عَلَيكَ سَأَستَغفِرُ لَكَ رَبِّى إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيًّا). (مريم / ٤٧)

وعلى أيّة حال فعندما تختصّ هذه الكلمة بالباري تعالى فإنّها يُمكن أن تعطى معنى العالم والخبير ، وفي هذه الحالة تكون من صفات الذات وليس الفعل ، وربّما تأتي بمعنى منتهى الإحسان والمحبّة أيضاً ، فتُعد في هذه الحالة من صفات الفعل الإلهي.

وبالمناسبة فانّها وردت في القرآن كصفة مرّة واحدة فقط ، وبمعنى منتهى الإحسان والمحبّة والتي وردت في قصة إبراهيم وعمّه التي ذكرناها سابقاً.

ويتضح البلاغ التربوي الذي تحمله هذه الصفة الإلهيّة في طياتها ، بقرينة ما ذكرناه في الصفات المشابهة لها ، وذلك لأنّها تحيي بصيص الأمل في قلوب العباد وتقربهم نحوه ـ سبحانه ـ من جهة ، ومن جهة اخرى تعطي درساً في الإحسان والمحبّة والحنان.

* * *

٣٣ ـ الغافر ٣٤ ـ الغفور ٣٥ ـ الغفّار ٣٦ ـ العفوّ ٣٧ ـ التوّاب ٣٨ ـ الجبّار

يُعد الغفران والرحمة الإلهيّة وعفو الباري عن المذنبين وقبول توبتهم ، أصول مجموعة من صفات فعل الله التي أوردنا ستة نماذج منها أعلاه.

وقد وردت هذه الصفات الإلهيّة في آيات قرآنية عديدة سنطلع عليها بعد أن نتأمل خاشعين في الآيات التالية :

١ ـ (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوبِ). (١) (غافر / ٣)

__________________

(١) وردت هذه الصفة في آية واحدة من القرآن الكريم.

٢٤٩

٢ ـ (إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَّحِيمٌ). (١) (البقرة / ١٧٣)

٣ ـ (... أَلَا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ). (٢) (الزمر / ٥)

٤ ـ (... إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ). (٣) (الحج / ٦٠)

٥ ـ (... إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). (٤) (البقرة / ٣٧)

٦ ـ (... المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ). (٥) (الحشر / ٢٣)

توضيح وبلاغ :

اشتقت كلمة (غافر) و (غفور) و (غفّار) من مادّة (غَفْر) وهي بالأصل تعني (التغطية) ، وبخاصية تغطية الشيء عن التلوُّث ، وكلمة (غفير) تعني الذائبة أو الظفيرة الطويلة التي تغطّي الرقبة ، و (مغفر) تعني الخوذة التي تستعمل لتغطية الرأس في القتال.

وهذه الكلمة عندما تختصّ بالله سبحانه فإنّها تعني المغفرة وستر الذنب ، ولكن (غافر) اسم فاعل ، و (غفور) و (غفّار) من صيغ المبالغة.

وقال جماعة : عندما تستعمل كلمة (غفور) كصفة من الصفات الإلهيّة فإنّها تعني الساتر على عباده بغطاء رحمته ، وقد ورد هذا التعبير أيضاً في كلام بعض العلماء وهو : أُطلقت صفة (غفار) على الله لأنّه يستر ذنوب عباده بمغفرته متى ما أذنب العبد ورجع إليه بالتوبة (٦).

وكلمة (عفوّ) مشتقّة من مادّة (عَفْو) وكما قال ابن منظور في (لسان العرب) وابن أثير في

__________________

(١) تكررت صفة «غفور» في القرآن ٩١ مرّة ، واقترنت بصفة «رحيم» في أغلب الموارد كما في الآية أعلاه.

(٢) وردت صفة «غفار» في القرآن أربع مرّاتٍ فقط ، اقترنت في ثلاثٍ منها بصفة «عزيز» كما في الآية المذكورة أعلاه (ص ، ٦٦ ؛ الزمر ، ٥ ؛ غافر ، ٤٢) ووردت لوحدها في موضعين فقط (طه ، ٨٢ ؛ نوح ، ١٠).

(٣) وردت هذه الصفة في القرآن خمس مرّات اقترنت في أربعٍ منها بصفة غفور (الحج ـ ٦٠ ، المجادلة ، ٢ ؛ النساء ، ٤٣ و ٩٩) ، وفي واحدٍ منها فقط بصفة (قدير) (النساء ، ١٤٩).

(٤) استعملت كلمة «تواب» في القرآن الكريم في أحد عشر مرّةً كصفة من صفات الله واقترنت جميعها بصفة (رحيم) عدا موردين منها وفي موردٍ بصفة (حكيم) (النور ، ١٠) ، ولوحدها في موردٍ واحدٍ فقط (النصر ، ٣).

(٥) وردت كلمة «متكبّر» في القرآن ثمان مرّات ، وكصفة من صفات الباري في موضعٍ واحدٍ فقط.

(٦) مصباح الكفعمي ص ٣٢٠ ؛ توحيد الصدوق ص ٢٠٨ ؛ مفردات الراغب ؛ لسان العرب ؛ مقاييس اللغة ، مادّة (غفر).

٢٥٠

(النهاية) : هي بالأصل تعني المحو ، لكن الراغب في مفرداته اعتقد بأنّ هذا المعنى ليس أصل الكلمة ، بل أصلها الأساسي هو (القصد لأخذ الشيء) ، لذا تُطلق على الرياح العاصفة التي تسبب الدمار أو الذهاب بالأشياء المختلفة ، وإن أُطلقت (عفوّ) على (المَحو) فلأنّه نوعٌ من القصد لأخذ شيء معين.

وأُطلقت كلمة (عفوّ) على نمو النبات لأنّه يشق التراب ويظهر.

وقد ذُكر في مقاييس اللغة اصلان لهذه الكلمة هما : ترك الشيء أو طلبه ، ثم أرجع بقية المعاني إلى هذين المفهومين ، ومن جملتها (العفو) بمعنى المحو والإبادة ، و (العفاء) بمعنى التراب المتروك.

وعلى أيّة حال عندما تستعمل هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى فإنّها تُعطي معنى غفران الذنوب ، ومحو آثار المعصية ، وترك المعاقبة عليها ، لكن بما أنّ (عفوّ) صيغة مبالغة فإنّها تعني (كثير العفو) (١).

وسبب التأكيد على هذه الصفة الإلهيّة هو أنّه تعالى لولا عفوه لما نجا أحدٌ من تبعات الذنوب ، قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «اللهم احملني على عفوك ولا تحملني على عدلك» (٢).

وفي وصيةٍ له عليه‌السلام لمالك الأشتر : «ولا غنى بك عن عفوه ورحمته» (٣).

إنّ عفو الله من السعة بحيث لا يحدّه شيء ، والشيء الوحيد الذي استثناه القرآن منه هو الشرك ، لذا فقد ورد حديث عن الإمام الحسن العسكري أنّه عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليعفو يوم القيامةِ عفواً يُحيط على العباد حتى يقول أهل الشرك والله ربّنا ماكُنّا مشركين»(٤).

ومن جهةٍ اخرى فإنّه تعالى يلقّن عباده درس العفو والصفح ، ويوصيهم بالعفو عن بعضهم مهما أمكنهم ، راجين بذلك من الله أن يعفو عن ذنوبهم.

__________________

(١) «عُفوّ» على وزن «فعول» أُدغم واواْها.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢٧.

(٣) المصدر السابق ، الكتاب ٥٣.

(٤) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ٦ ، ح ١٢ ، الباب ١٩ عفو الله.

٢٥١

وقد ورد في حديثٍ نبوي تعبيرٌ عجيب يبيّن أهميّة العفو ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه يُنادي منادٍ يوم القيامة من كان له على الله أجرٌ فليقم ، فلا يقوم إلّاالعافون ، ألم تسمعوا قوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١). (الشورى / ٤٠)

طبعاً أنّ العفو ليس مسألة أخلاقية فقط ، بل هو مسألة اجتماعية مهمّة ، لأنّه لو بُني مجتمع معين على أساس الإنتقام وسفك الدماء لحل الجدال والنزاع الذي يحدث بينهم ولما عُرف طعمٌ للعزّة والسكينة أبداً ، لذا فقد ورد في حديثٍ نبويّ ، أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّاعزّاً» (٢).

واصطلاح (توّاب) هي صيغة مبالغةٍ مشتقة من مادّة (توبة) و (التوبة) ـ حسب رأي مقاييس اللغة ـ تعني (العودة والرجوع) ، وتستعمل عادةً في مجال (الرجوع عن الذنب) ، كما ورد ذلك في لسان العرب.

لكن للراغب الإصفهاني تعبير آخر في المفردات حول تفسير هذه الكلمة ، وهو : (التوبة) ترك الذنب بأفضل وجهٍ ممكن ، وقسّم الإعتذار ثلاثة أقسام :

الأول : هو أن يقول أحد : (إنني لم أرتكب هذا الذنب أبداً) ، الثاني : أن يقول : (قد فعلت ذلك ولكنْ بدليل كذا وكذا أي يُبرر فعلته) ، والثالث : أن يقول : (فعلت وأسأت ولن أفعل هذا فيما بعد) فمعنى التوبة هذا (أي الوجه الثالث) ولا رابع لها.

وعلى أيّة حال ، فعندما تختصّ هذه الصفة بالله تعالى فإنّها تعني إمّا قبول توبة العباد ، أو توفيقهم إلى التوبة ، كما قال المرحوم الكفعمي في مصباحه.

والجدير بالإنتباه أنّ كلمة (توبة) في القرآن الكريم عندما تُنسب إلى العباد تتعدّى بحرف (إلى) مثل : (تُوبُوا إِلَى اللهِ) (التحريم / ٨)

وعندما تُنسب إلى الله تتعدى عادة بحرف الجر (على).

وهذا التفاوت في التعبير يشير ظاهراً إلى نقطة لطيفة وهي : أنّ التوبة على أيّة حال تعني

__________________

(١) سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٢٠٨.

(٢) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ١٠٨ ، باب العفو ، ح ٥.

٢٥٢

الرجوع من الذنب ، ولكن رجوع العباد من الذنب يتحقق بترك الذنب والإعتذار ، أمّا رجوع الله فيتحقق بإرجاعه لهم اللطف والرحمة اللتين منعهما عنهم بسبب اقترافهم ذلك الذنب المعيّن ، ولأنّ الرجوع هنايخص مقاماً عالياً وسامياً عُبّر عنه بكلمة (على) التي تستعمل في موارد العلو عادةً.

وذكر هذه الصفة (توّاب) بشكل صيغة مبالغة يشير أيضاً إلى هذه النقطة وهي : لو أذنب العبد وتاب مرّة أو مرّات ، ثم تراجع عن توبته فلا ييأس من عفو الله ورحمته لأنّه تعالى توّاب أي (كثير التوبة).

والأثر التربوي للتوبة غير خافٍ على أحد ، لأنّه لو كانت أبواب التوبة مغلقة في وجه العباد لكفى ذنب واحد لإقناطهم من اللطف الإلهي ، والرمي بهم في دوّامة ذنوبٍ أكبر ، أمّا عندما يُشاهدون هذا الباب مفتوحاً أمامهم ، وبحر الرحمة الإلهيّة واسعاً (بحكم كونه تعالى توّاباً) ، فسيندفعون إلى الرجوع من ذنوبهم وإصلاح وجبران ماصدر منهم ، ويُعَدُّ هذا بحد ذاته سُلَّماً للتكامل الإنساني.

ومن جهةٍ اخرى فانّها تعطي الناس هذا الدرس وهو أن لا يتشددوا تجاه أخطاء أصحابهم ، ويفتحوا أمامهم طريق العودة والإصلاح ، ويعطوا لغيرهم مايؤملونه من ربّهم ، أي العفو.

والتعابير الواردة في الروايات الإسلاميّة بصدد التوبة من الظرافة والجمال بحيث تجذب الإنسان إلى مثل هذا الخالق التوّاب ، وتوقدُ في قلبه جذوةَ العشق الإلهي.

ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ الله تعالى أشدُّ فرحاً بتوبة عبده مِنْ رجُلٍ أضَلَّ راحلَتَهُ وزادَهُ في ليلةٍ ظلماءَ فَوجَدَها» (١).

وفي حديثٍ آخرَ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصف به التوبة بأنّها أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى حيث قال : «وليس شيء أحبُّ إلى الله من مؤمنٍ تائبٍ أو مؤمنةٍ تائبة» (٢).

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٤٣٥ باب التوبة ، ح ٨.

(٢) مستدرك الكلام البحار ، ج ٦ ، ص ٢١ ، باب التوبة وأنواعها ، ح ١٥.

٢٥٣

واشتقت كلمة «جبّار» من مادّة (جبر) ومعناها الأصلي ـ كما قال الراغب ـ : إصلاح الشيء بضرب من القهر ، ولهذا فقد تستعمل هذه الكلمة أحياناً بمعنى الإصلاح ، كقول الذي يُصلح العظم : «جبرتُ العظم» ، وورد في الدعاء المأثور : «ياجابرالعظم الكسير».

وأحياناً تستعمل بمعنى القهر والغلبة ، وكما قال صاحب مقاييس اللغة : هو جنس من العظمة والعلو والاستقامة ، يقال : نخلة جبّاره للتي طالت وخرجت عن متناول اليد.

«الجَبْر» : يعني إرغام الشخص على فعلٍ معينٍ ، وهي مأخوذة أيضاً من أصل القهر والغلبة.

وعلى أيّة حال ، فعندما تُستعمل كلمة «جبّار» بخصوص الباري سبحانه فإنّها تعني ـ كما قال المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد : «القاهر الذي لا يُنال ، وله التجبر والجبروت أيّ التعظّم والعظمة» (١) ، أو يعني الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق. كما ذكر ذلك المرحوم الكفعمي في «مصباحه» ضمن ذكره لمعانٍ اخرى (٢).

وكذلك جابر الكسر ، والقنوط ، والندم الحاصل من اقتراف الذنوب.

قال المرحوم الطبرسي في «مجمع البيان» : «لا يستحق أن يوصف به على هذا الاطلاق إلّا الله تعالى ، فإن وصف به العباد فانّما يوضع اللفظ في غير موضعه ويكون ذماً (لأنّها تحكي عن حب الرئاسة والتكبُّر والظلم والفساد)».

إنّ هذه الصفة الإلهيّة ترشدنا من جهة إلى عظمة وعلو المقام الإلهي ، ومن جهة اخرى إلى رحمته وعطفه وعنايته في جبر الكسر والحرمان والذنوب.

* * *

٣٩ ـ الشكور ٤٠ ـ الشاكر ٤١ ـ الشفيع ٤٢ ـ الوكيل ٤٣ ـ الكافي

إنّ الصفات الخمس المذكورة أعلاه من صفات الفعل أيضاً ، وهي مجموعة من الصفات

__________________

(١) توحيد الصدوق ، ص ٢٠٦.

(٢) مصباح الكفعمي ، ص ٣١٩.

٢٥٤

المبينة لأنواع النّعَم والمواهب الإلهيّة ، وحماية ودفاع الباري تعالى عن عباده ، لهذا يُلاحظ وجود ترابُط وثيق فيمابينها ، ولهذا السبب أوردناها هنا في مجموعة واحدة.

لنعود إلى القرآن الكريم ونمعن خاشعين في الآيات التالية :

١ ـ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ). (١) (الشورى / ٢٣)

٢ ـ (فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). (٢) (البقرة / ١٥٨)

٣ ـ (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِىٌّ وَلَا شَفِيعٌ). (٣) (الأنعام / ٥١)

٤ ـ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيْلٌ). (٤) (الأنعام / ١٠٢)

٥ ـ (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ). (٥) (الزمر / ٣٦)

جمع الآيات وتفسيرها

إنّ كلمتي (شاكر) و (شكور) مشتقتان من مادّة (شُكر) وهي تعني ـ كما جاءَ في (فروق اللغة) ـ الإعتراف بالنعمة من باب تعظيم المنعم ، وقال صاحب (مصباح اللغة) : الشكر هو الإعتراف بالنعمة واداء الطاعة وترك المعصية ، لهذا فقد يحصل أحياناً باللسان وأحياناً اخرى بالعمل. وقال الراغب في مفرداته : إنَّ معناه الأصلي هو «تصوّر النعمة وإظهارها» ، ويقابله (الكفر) و (الكفران) : وهو نسيان النعمة وسَترُها ، ويُطلق تعبير (الشكور) على الحيوان الذي يُطهِرُ آثار عناية واهتمام صاحبه من خلال السمنة ، ثم قسّم الشكر إلى ثلاثة

__________________

(١) وردت كلمة «شكور» في تسعة مواضع من القرآن ، أربعة منها كصفة للباري (فاطر ، ٣٠ و ٣٤ ؛ الشورى ، ٢٣ ؛ التغابن ، ١٧).

(٢) وردت كلمة «شاكر» في أربعة مواضع من القرآن ، إثنان منها فقط كصفة لله سبحانه (البقرة ، ١٥٨ ؛ النساء ، ١٤٧).

(٣) وردت كلمة «شفيع» في خمسة مواضع من القرآن ، في ثلاثة منها فقط كصفة للباري سبحانه (الأنعام ، ٥١ و ٧٠ ؛ السجدة ، ٤).

(٤) وردت كلمة «وكيل» في أربعة وعشرين موضعاً من القرآن ، وفي بعض هذه المواضع فقط كصفة للباري مثل : (آل عمران ، ١٧٣ ؛ هود ، ١٢ ؛ يوسف ، ٦٦ ؛ القصص ، ٢٨ ؛ النساء ، ٨١ و ١٠٩ ؛ و...).

(٥) وردت كلمة «كافي» في موضعٍ واحدٍ فقط من القرآن الكريم وهو المذكور أعلاه.

٢٥٥

أقسام : الشكر القلبي ، الشكر اللساني ، والشكر العملي.

ولهذه الكلمة عدّة معان في حالة استعمالها في ما يخص الباري تعالى ، منها :

إنّه يتقبّل القليل من الطاعة ويعطي الكثير من الثواب ، أو الذي يُعطي جزيل النعم ويرضى بما قلَ من الشّكْر. وهو في الحقيقة يعني المجازاة والمكافأة على العمل ، ولكن ليس بمقدار العمل بل بمقدار لطف الخالق تعالى.

واعتقد البعضُ كالمرحوم الكفعمي في «المصباح» والمرحوم الصدوق في «التوحيد» بأنّ كلمة (الشُّكر) عندما تُستعمل بخصوص الباري تعالى تكون ذات صفةٍ مجازيّة.

ولكن لو قلنا بأنّ معناها اللغوي هو ما ورد في كتاب (العين) أي (معرفة الإحسان) ، لصدق استعمالها الحقيقي بالنسبة إلى الباري تعالى.

إنّ الوحي الإلهي الذي بين لنا هذه الصفة الإلهيّة يدعونا من جهة إلى معرفة الحق تعالى الذي هو من العظمة بحيث يكافىء بالثواب الجزيل على أقل الأعمال الحسنة ، فيتشكر بهذه الطريقة من عباده ، ومعرفة هذه الحقيقة من قبل العباد يُعد حافزاً مهماً باتجاه عمل البر والخير ، ومن جهة أُخرى تعلمنا كيفية رد جميل وإحسان الآخرين ، وأن لا يقتصر الرد على مقابلة ما قدّمه الآخرون لنا بالمثل ، بل يتعدى رد الجميل إلى مضاعفة الاحسان والبر.

وقد ورد في الدعاء المأثور عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «يا مَنْ يشكُرُ اليسيَر ويعفو عَنِ الكثيرِ وهُوَ الغفورُ الرحيم ، إغفرْ ليَ الذنوبَ التي ذهبتْ لذّتُها وبقيتْ تَبعتُها» (١).

كما ورد عنه عليه‌السلام أنّه كُتبَ في التوراة : «اشكرْ على مَنْ أنعَمَ عليك ، وأَنْعِمْ على مَنْ شَكَرَكْ» (٢).

اشتقت كلمة (شفيع) من مادّة (شفع) على وزن نفع ـ التي هي في الأصل تعني ضم شيءٍ إلى آخر للحصول على نتيجة مطلوبة ، وفي مقابلها (وَتر). ويقال للشاة التي يرافقها وليدها في التنقُّل : (شافع) ، ويُستعمل مصطلح حق الشفعة بخصوص شريكين باع أحدهما حصته

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٥٨٩ ، باب الدعوات الموجزات ، ح ٢٨.

(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٧١١ ، مادة (شكر) ؛ وأصول الكافي ج ٢ ، ص ٩٤ ، باب الشكر ، ح ٣.

٢٥٦

لرجُلٍ ثالث ، لكن شريكه يريد شراء الحصّة التي باعها للشخص الثالث بنفس المبلغ ، ليضم حصّة شريكه إلى حصته بهذه الطريقة.

ويُطلق على العين الحولاء (شافعة) أيضاً ، لأنّها ترى الواحد إثنين ، وقد وردت هذه الكلمة بمعنى المعين والمساعد أيضاً (١).

واستُعملت كلمة (الشفاعة) في مورد «طلب العفو عن ذنب شخصٍ من قبل فردٍ ذي شخصيّة مرموقة» ، وكأنّ الشخص المحترم ـ صاحب المقام ـ يقف إلى جوار المذنب ليتلطف صاحب الحق على المذنب ويرقّ له.

والشفاعة في القرآن ذات بحوث واسعة ، وسنبحثها بصورة مفصّلة في سلسلة مباحث التفسير الموضوعي إن شاء الله (٢) ، وما نبحثه هنا هو انتخاب هذه الصفة كواحدة من الصفات الإلهيّة.

وعلى أيّة حال فإنّ إطلاق كلمة (شفيع) على الله سبحانه ، وخاصة في يوم القيامة ، يشتقّ من سلطته المطلقة ، وعدم قدرة أي أحدٍ على فعل شيءٍ دون إذنه سبحانه ، وحتى شفاعة الشفعاء كالأنبياء والأئمة والملائكة والمؤمنين المخلصين فانّها لا تُقبَل إلّا بإذنه : (مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ). (البقرة / ٢٥٥)

ولهذا السبب خاطب سبحانه رسوله الكريم في الآية : (قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلكُ السَّماوَاتِ وَالأَرضِ). (الزمر / ٤٤)

ولأنّه سبحانه يُعطي إذن الشفاعة ، فالشفيع الواقعي هو تعالى ، وكأنهّ سبحانه يشفع عند ذاته المقدّسة لعبادِهِ المذنبين ، وهذه أسمى مراتب العظمة.

وقال جماعة أيضاً : إنّ سبب إطلاق اسم شفع او (شفيع) على الله سبحانه هو حضوره مع عباده في كل مكان ، حيث قال : (مَا يَكُونُ مِن نَّجوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُم) (٣). (المجادلة / ٧)

__________________

(١) مصباح اللغة ، مقاييس اللغة ، لسان العرب ، نهاية ابن الأثير ، التحقيق في كلمات القرآن الكريم ، وكتاب العين.

(٢) هنالك بحث مفصّل حول هذه المسألة في التفسير الأمثل ، ذيل الآية ٤٨ من سورة البقرة.

(٣) مصباح الكفعمي ، ص ٣٤٤ ، قاموس اللغة مادّة (شفع).

٢٥٧

لكننا نستبعد هذا المعنى لأنّ كلمة الشفيع تُعطي في مفهومها نوعاً من المساعدة والحماية والتكامل والتربية.

وتجدر الإشارة إلى وجود نوعين من الشفاعة : «تكوينيّة وتشريعيّة» ، فالشفاعة التشريعيّة هي ما عُرف من شفاعة شخصٍ وجيه عند صاحب حقٍّ لتخليص مذنبٍ من عقوبة معيّنة ، وأمّا الشفاعة التكوينيّة فهي ربوبيّة الله على الموجودات وسوقهم نحو التكامل وفق قوانين الخلق والتكوين.

وما توحي لنا هذه الصفة من بلاغٍ تربوي : هو الإنتباه إلى هذه الحقيقة ، وهي عدم جواز القنوط من لطف الله وعفوهِ ورحمته ، لأنّه يشفع عند ذاته المقدّسة لعباده أيضاً ، ويأمر الأنبياء والملائكة والأئمّة أيضاً ليشفعوا لمذنبي الأمم (طبعاً في المحل اللائق للشفاعة).

ومن المعلوم أنّ الإنتباه إلى هذه المسألة له أثر عميق في المنع من تكرار الذنب لكي يبقى الأمل في الشفاعة ، وتبقى قابليته لنيلها محفوظة. هذا من جهة ، ومن جهةٍ اخرى أنّها تعلّم العباد ليتأسّوا بذلك أيضاً ويشفعوا للنادمين والمحرومين والضعفاء.

وقد ورد في الحديث الشريف «إشفعوا تؤجروا» (١).

أمّا كلمة «وكيل» فهي مشتقّة من مادّة «وَكْل» ـ على وزن وصل ـ وهي في الأصل تعني الإعتماد على الآخرين ، ولكون لازمَ هذا المعنى الضعف والعجز في بعض الجوانب فقد أُطلقت كلمة (وكل) على الضعفاء والعاجزين ، ويُطْلق (وكال) على الدواب التي تسير دائماً في مؤخّرة القافلة أوالقطيع ، وكأنّها تعتمد في المسير على غيرها (٢).

وطبقاً لذلك فإنّ «وكيل» من يعتمد عليه ، ويلتجأ إليه الإنسان في حل مشاكله.

وعليه عندما تستعمل هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى ـ كما قال المرحوم الصدوق في كتاب التوحيد : «فإنّها تعني حافظنا وحامينا ومعتمدنا وملجأنا ، نحن وجميع موجودات عالم الوجود» (٣).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٨٤ ، ذيل الآية ٨٥ من سورة النساء.

(٢) مقاييس اللغة ؛ مفردات الراغب ؛ ولسان العرب.

(٣) توحيد الصدوق ، ص ٢١٥.

٢٥٨

قال المرحوم الكفعمي في المصباح : «بأنّها تعني من وُكِلَتْ إليه جميع أمورنا» (١). وما قاله البعض في تفسيرها بتكفُّل الرزق هو في الواقع تبيان مصداقٍ واحدٍ ، وإلّا فهي ليست محدودة بالرزق فقط.

يقول الزبيدي في تاج العروس في شرح القاموس : (التوكُّل) هو إظهار العجز والإتّكاء على الغير ، هذا من حيث اللغة ، وأمّا عند أصحاب الحقيقة ، فهو الأعتماد على ما عند الله واليأس ممّا في أيدي النّاس ، «المتوكّل على الله» يُطلق على من يعتقد بأنّ الله يكفيه رزقه وجميع أموره ، يتكّل على الله وحده لا على غيره (٢).

يُستنتج من الآيات القرآنية بوضوح أن توكّل المؤمنين على الله وحده من شؤون التوحيد ، لأنّ كلّ شيءٍ وكلَّ أمرٍ يرجع إليه ، كما ورد في قوله تعالى : (وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعْبُدهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ). (هود / ١٢٣)

وكذا في قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ). (إبراهيم / ١٢)

لِمَ لا نتوكّل عليه ونعتمد عليه في جميع أمورنا وهو العزيز الرحيم!؟ قال تعالى : (وَتَوَكَّل عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ). (الشعراء / ٢١٧)

إنّ البلاغ الذي تعطينا إيّاه هذه الصفة الإلهيّة هو أنّها توصينا بعدم الضياع في عالم الماديّات وعدم الإنخداع بالقدرات الماديّة الظاهريّة ، وعدم الاعتماد والإتّكال على المخلوقات الضعيفة العاجزة ، بل التوكُّل فقط على الذات الإلهيّة المقدّسة ، والإستعانة به سبحانه فقط والوثوق به والخضوع لحضرته جلّ وعلا فقط.

ومن جهةٍ اخرى علينا أن نسعى ونبذل ما في وسْعنا لنكون عوناً للآخرين من باب التخلّق بأخلاق الله ، ونحاول حل مشاكلهم تقرّباً إلى الله تعالى.

وقد ورد في حديثٍ عن الإمام علي عليه‌السلام أنّه قال : «التوكُّل على الله نجاة من كُلّ سوء وحرزٌ من كُلّ عدو» (٣).

__________________

(١) مصباح الكفعمي ، ص ٣٢٦.

(٢) تاج العروس ، مادّة (وكل).

(٣) بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٧٩ ، باب ما جُمع من جوامع الكلم ، ح ٥٦ ،.

٢٥٩

أمّا كلمة (كافي) فهي مأخوذة من مادّة (كفاية) طبقاً لما جاء في مقاييس اللغة ولسان العرب ـ وهي تعني الإقدام على عملٍ معيّن والتمكُّن منه ، ولكن الراغب يقول في مفرداته : (الكفاية) هي رفع حاجةٍ والوصول إلى المقصود ، و (كُفية) ـ على وزن كنية ـ تعني الغذاء الكافي ، و (كفيّ) ـ على وزن (خفيّ) ـ تعني المطرالذي يحلُّ مشكلة الجفاف (١).

وعندما تُستعمل هذه الكلمة بخصوص الله سبحانه فإنّها تعني المدير لأمور عباده وحلّال مشاكلهم والمبلّغ ـ من يتوكّل عليه ـ مناه دون أن يكله إلى غيره.

وقد مرّ علينا في الدعاء : (يا كافى المهمّات) أو مثله (يَا كَافِى مِن كُلِّ شَىء).

إنّ مفهوم هذه الصفة الإلهيّة ذو جانبين ، فمن جهة يزيل سُحُب اليأس والقنوط المظلمة عن سماء روح الإنسان ، ويمنع من استسلام وركوع الإنسان لعظمة حجم المشاكل ، لأنّه (أيّ الإنسان المؤمن) يعلم أنّ معبوده يُدعى بالكافي ويكفيه ما يهمّه من أموره ومشكلاته ، قال تعالى : (أَلَيسَ اللهُ بِكَافٍ عَبدَهُ)(الزمر / ٣٦)

ومن جهة اخرى ، ومن باب التخلُّق بأخلاق الله ، يلهمه الجدّ والاجتهاد في كفاية الضعفاء والمحرومين أمورهم مهما أمكنه ، ويعكس شعاعاً من أنوار الصفات الإلهيّة في نفسه في هذا المجال.

* * *

٤٤ ـ الحسيب ٤٥ ـ سريع الحساب ٤٦ ـ أسرع الحاسبين ٤٧ ـ سريع العقاب ٤٨ ـ شديدُ العقاب

تشير الصفات الخمس المذكورة أعلاه ، والتي هي من صفات الفعل ، إلى مسألتي الحساب والعقاب بصورة عامّة ، وتُعدُّ تحذيراً للعباد ليُراقبوا أعمالهم خشية اقتراف الذنوب والتخلُّف عن أداء الوظائف والتعدّي على حقوق الآخرين ، ولا ينسوا في حالات الضعف

__________________

(١) تاج العروس في شرح القاموس ، مادّة (كفيّ).

٢٦٠