نفحات القرآن - ج ٤

آية الله ناصر مكارم الشيرازي

نفحات القرآن - ج ٤

المؤلف:

آية الله ناصر مكارم الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-8139-98-9
ISBN الدورة:
964-8139-75-X

الصفحات: ٤٠٠

وقال بعض المفسّرين : إنّ (الأول) و (الآخر) يشمل كل زمان ، و (الظاهر) و (الباطن) يشمل جميع حقيقة المكان ، لذا فالآية المذكورة كناية عن حضور الله تعالى الدائمي في كل مكانٍ وزمان (١).

وواضح أن تعبير «الزمان» وما شاكل في العبارات المذكورة هو لضيق البيان ، وإلّا فالله سبحانه فوق الزمان والمكان.

* * *

وفي الآية الثانية وبالرغم من أنّ الحديث عن فناء سكّان الأرض ، لكنّها بالحقيقة لاتنحصر بأهل الأرض فقط ، يقول تبارك وتعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).

صحيح أنّ التعبير بعبارة (من عليها) إشارة إلى الموجودات العاقلة من الجن والإنس ، لكنّه وكما احتمل بعض المفسّرينَ لا يستبعد أن يكون المقصود منها جميع الكائنات الحّية الأرضية (من باب التغليب) ، وعلى أيّة حال فالهدف الأساس من الأية هو بيان فناء جميع الموجودات وبقاء الذات الإلهيّة المقدّسة.

ولو أنّ (وَجه) في اللغة يعني قرص الوجه ، لكنّه في مثل هذه الحالات يعني الوجود والذات.

ولا يُستبَعد أن يكون التعبير بعبارة «ذو الجَلال والإكْرام» إشارة إلى الصفات الإلهيّة السلبيّة والثبوتية ، لأنّ «ذو الجلال» تحكي عن الصفات السلبية ، بمعنى أنّ الله تعالى أجَلُّ وأعْلى من أن يوصف بها ، و «الإكرام» إشارة إلى الصفات المُظهرة لكمال الشي ، وهي الصفات الإلهيّة الثبوتيّة ، كعلم الله وقدرته.

أجَل ، إنّ الإله صاحب الجمال والجلال باقٍ دائماً ، ومن سواه فانٍ.

والجدير بالذكر هو كون الآية من «سورة الرحمن» التي يفيض محتواها بذكر النّعَم

__________________

(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٧١٨.

١٤١

الإلهيّة المختلفة ، فهل إنّ مسألة فناء وموت الكائنات الحّية هي أيضاً من جملة النّعَم الإلهيّة!؟

نعم ، إنّها من النعم ، لأنّها من جهة تخلع عن الإنسان لباس الشرك وتدعوه إلى التوحيد الخالص وتُفهمه بأنّ المستحق للعبادة والإلوهية هو ذات «ذو الجلال والإكرام» الباقية فقط ، لا الموجودات الفانية الزائلة. ومن جهة أُخرى تحذّر الإنسان ليستفيد من ساعات عمره بأفضل وجهٍ وأكمله.

ومن جهةٍ ثالثة تُعزّي الإنسان وتُصبّره لكي يقف أمام مصائب ومشكلات الدهر التي تواجهه في الحياة الدنيا من حيث كونها زائلة أيضاً ، ومن جهةٍ أُخرى فإنّ هذا الفناء مقدمة للبقاء وطريق الخلاص من سجن هذه الدنيا والإنتقال إلى عالم الآخرة ونعيمها الذي لا يزول.

* * *

أمّا الآية الثالثة فقد وردت في ذيل قصّة إيمان سحرة فرعون وتهديد فرعون لهم بالقتل ، وهي ذات مفهومٍ عميقٍ وواسع ، حيث نقلت كلام اولئك السحرة الذين آمنوا وقالوا لفرعون : (إِنَّا آمَنَّا بِرَبَّنا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرهْتَنَا عَليهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى).

«البقاء المطلق» : يعني الأبدية ، وكما قُلنا سابقاً فإنّ «الأبديّة» لا تنفصل عن الأزليّة أيضاً.

ومن المسلَّم به أنّ أبديّة ذاته المقدّسة ملازمة لأبدية لطفه وإنعامه ، لذا فقد علم اولئك السحرة الذين آمنوا بوجوب ترجيح هذه النعمة الخالدة على النِعمِ الفرعونية الحقيرة الزائلة.

* * *

١٤٢

بعد أن أبطلت الآية الرابعة والأخيرة من بحثنا كل ألوان الشرك ، فنّدت ماسواه من المعبودات ، حيث قالت : (كُلُّ شَىْءٍ هالِكٌ إلّاوَجْهَهُ).

وهذه الجملة بالحقيقة هي بمنزلة الدليل على الحكم السابق ، لأنّ الموجودات الفانية الزائلة لا تليق بالالوهيّة والعبادة ، والوجود الوحيد الذي يليق بهذا المقام هو الباقي والقائم دائماً فقط.

وقد قُلنا : إنّ (الوجه) في اللغة يعني قرص الوجه ، لكنها تستعمل في بعض الأحيان أيضاً بمعنى (الذات) ـ كما هو في بحثنا هذا ، وما فسّره البعض بمعنى الدين أو العمل الصالح وما شاكله لا دليل عليه ، إلّاأن يُؤّل بمعنى الذات الإلهيّة المقدّسة.

وعلى أيّة حال ، فإنّ هذه الآية دليل واضح على أبديّة الذات الإلهيّة المقدّسة ، ونعلم جميعاً أنّ الأبدية غير مفصولة عن الأزليّة.

والموجودات الاخرى من الأموال ، الثروات ، والمقامات والسموات والأرض ، جميعها في زمرة الممكنات ولا تفنى وتهلك في النهاية فحسب ، بل هي فانية وهالكة حتى في حالها الحاضر ، لأنّها لاتملك في ذاتها شيئاً ، ولولا الذات الإلهيّة المقدّسة التي تفيض عليها بالوجود لحظةً بعد اخرى ، لفنت وهلكت.

ويظهر أنّ (الفناء) هُنا بمعنى موت الموجودات الحّية ، أو بمعنى تلاشي الموجودات الاخرى ، وعليه فلا تضاد بينها وبين الآيات التي تقول : بأنّ تُراب الإنسان يبقى ليصير مصدراً لحياته في الآخرة ، أو التي تقول : بأنّ أجزاء الأرض والجبال تبقى بعد أن تتلاشى لينشأ منها عالم جديد.

ويرد هنا السؤال التالي وهو : يُستَنتَج من الآيات القرآنية أنّ كلاً من الجنّة والنار موجودتان حاليّاً ومُعَدّتان ، حيث قال تعالى بخصوص الجنّة : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ). (آل عمران / ١٣٣)

وقال بخصوص النار : (أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (آل عمران / ١٣١)

أفهل تفنيان في النهاية أيضاً؟

وفي الجواب على هذا السؤال ، قيل : إنّه لا تنافي بين عموميّة الآية أعلاه مع استثناء

١٤٣

بعض الموارد الخاصّة التي تحصل بإرادة الله تعالى أيضاً! (١).

علاوةً على ذلك وكما قلنا سابقاً : إنّ الموجودات الإمكانية هي فانية في حال وجودهاأيضاً ، لأنّ بقاءَها قائم ببقاء الله سبحانه. (تأمل جيداً).

* * *

يتّضح من مجموع ماذكرناه أنّ القرآن الكريم وضّح مسألة أزليّة وأبديّة وجود الله تعالى بصورة تامّة ، على الرغم من عدم استعماله كلمتي (الأبد) و (الأزل) ، لكنّه استعمل تعابير من قبيل (الأول) و (الآخر) و (الباقي) و (عدم الفناء والهلاك) والتي تُفصح عن مفهومي الأزليّة والأبديّة.

واللطيف أن البعض قالوا : إنّ كلمة (أزل) مأخوذة من جملة (لا يزال) ، والتي هي بالأصل مأخوذة من مادّة (زوال) ، أي التحُّول والتغيُّر ، ولعلّ هذا هو السّر في عدم استعمالها في الآيات القرآنية ، بل استُعملَت كلمة (أوَّل) بدلاً عنها ، والتي لها مفهوم أوضح وأبقى.

و (الأبد) في اللغة أيضاً بمعنى (الزمن الطويل) ولا تُعطي مفهوم (الآخر) ، لذا فما ذُكرَ في القرآن الكريم بخصوص الله سبحانه (الأول والآخر والباقي وغير الفاني) أبلغ من كلمة (الأزل) وكلمة (الأبد) من كل ناحية ، ولو أنّ هاتين الكلمتين قد وصلتا مرحلة الوضوح في عصرنا وزماننا الحاضر على أثر كثرة استعمالهما في هذين المفهومَين.

* * *

توضيحات

١ ـ النظرة الفلسفية لأزلية وأبديّة الله تعالى

لقد ذكرنا سابقاً بانّه لا يوجد أحد من المؤمنين يُنكِر أزليّة وجود الله عزوجل وأبديته ، لأنّه لو لم يكُن أزليّاً لاستلزم أن يكون حادثاً ، وإن كان حادثاً لاحتاج إلى علّة اخرى ،

__________________

(١) تفسير الكبير ، ج ٢٥ ، ص ٢٤.

١٤٤

لاستحالة وجود المعلول بدون علة. وإذا آمنّا بأزليته سبحانه فإنّها مصحوبة أيضاً بأبديته ، لأنّ الوجود الأزلي لامحدود حتماً ، ووجود كهذا سيكون أبديّاً بالطبع ، مضافاً إلى ذلك فإنّ نفس التفكر في حقيقة وجود الله تعالى يوصل إلى هاتين الصفتين بسهولة ، لأنّ دلائل إثبات وجود الله تفيد كونه (واجب الوجود) ، ونعلم أنّ واجب الوجود لا يُمكن أن يكون منفصلاً عن الوجود أبداً ، أو بعبارة أصح ، الوجود عين ذاته ، ولم يُعطَ له من الخارج ليُؤخذ منه في زمانٍ ما ، ووجود كهذا كان منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد.

وقد تُجمع هاتان الصفتان في صفة واحدة هي (السرمديّة) ، لأنّ الوجود السرمدي هو الوجود الذي لا بداية له ولا نهاية كما قال بعض أرباب اللغة.

وما قاله بعض ذوي الأفكار الضيقة من إمكانية تصُّور ذات تكون وجوداً واجب الوجود في زمانٍ ، وغير واجب للوجود في زمان آخر ، إنّما هو كلام واهٍ جدّاً ولا أساس له ، ويدل على عدم فهمهم معنى (واجب الوجود) بصورة صحيحة ، لأنّه وكما قُلنا سابقاً : فإنّ واجب الوجود هو عين الوجود ، فكيف يُمكن أن ينفصل عن الوجود!؟

وكذلك مانُقِلَ عن بعض الأشاعرة من اعتقادهم بأنّ صفة البقاء والأبديّة زائدة على الذات الإلهيّة المقدّسة ، إنما يدل على عدم دقّتهم في معنى ومفهوم واجب الوجود.

* * *

٢ ـ أزلية الله تعالى وأبديته في الروايات الإسلاميّة

هنالك خُطب عديدة في نهج البلاغة أكّدت على هذا المعنى ، وكمثال على ذلك :

نقرأ في الخطبة ١٦٣ : «ليس لأوليته ابتداءٌ ، ولا لأزليته انقضاءٌ».

وجاء في الخطبة ١٨٥ : «مُستشهدٌ بحدوث الأشياء على أزليته».

كما نقرأ في نفس الخطبة : «واحدٌ لا بعدد ، ودائمٌ لا بأمد».

وجاء في اصول الكافي في فصل «معاني أسماء الله» في تفسير «هو الأول والآخر» عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «هو الأول قبل كل شيء وهو الآخر على مالم يزل ولا تختلف

١٤٥

عليه الصفات والأسماء ، كما تختلف على غيره» (١).

وجاء في حديث آخر عن نفس الإمام عليه‌السلام في تفسير وصف «الأول» : «الأول لا عن أوّل قبله ، ولا عن بدءٍ سبقه ، والآخر لا عن نهاية ... ولم يزل ولا يزول بلا بدءٍ ولا نهاية» (٢).

* * *

٣ ـ الإجابة عن سؤال

يرد هذا السؤال عادةً في مباحث معرفة الله تعالى ومن قِبَل الأفراد قليلي الخبرة وهو : أنتم تقولون : إنّ لكل شيء خالقاً ومبدعاً ، إذن فمن خلق الله عزوجل؟

والعجيب هو أنّ بعض فلاسفة الغرب طرحوا هذه الأسئلة أيضاً ، وهي علامة على مقدار تصورهم السطحي في المباحث الفلسفيّة وتفكيرهم البدائي.

يقول الفيلسوف الإنجليزي الشهير (برتراندراسل) في كتابه (لِمَ لا أكون مسيحيّاً؟) : «كنت اعتقد بالله في شبابي ، وكنت أعتقد ببرهان علّة العلل كأفضل دليلٍ عليه ، وهو أنّ كل ما نراه في الوجود ذو علّة معينة ، ولو تتبّعنا سلسلة العلل لانتهت بالعلّة الأولى ، وهي مانُسميّه بالله.

لكنني تراجعت عن هذه العقيدة بالمرّة فيما بعد ، لأنني فكرت بأنّه لو كان لكلّ شيء علّة وخالق ، لوجب أن يكون لله علة وخالق أيضاً» (٣).

لكننا لا نعتقد بأنّ أحداً له أدنى اطلاع على المسائل الفلسفية الخاصّة بمباحث معرفة الله تعالى ، وما وراء الطبيعة ، يحار في الإجابة عن هذا السؤال ، فالمسألة واضحة جدّاً ، فعندما نقول : إنّ لكل شيءٍ خالقاً وموجداً ، نقصد (كُلّ شيء حادثٍ وممكن الوجود) ، لذا

__________________

(١) اصول الكافي ، ج ١ ص ١١٥ (باب معاني الأسماء) ح ٥.

(٢) المصدر السابق ، ص ١١٦ ، ح ٦.

(٣) برتراند راسل ، في كتابه (لِمَ لَم أكُن مسيحيّاً).

١٤٦

فهذه القاعدة الكليّة صادقة فقط بخصوص الأشياء التي لم تكُن من قبل وحدثت فيما بعد ، لا بخصوص واجب الوجود الذي كان موجوداً منذ الأزل وسيبقى إلى الأبد ، فوجود أزليٌّ لا يحتاج إلى خالق ، لكي نسأل عن خالقه!؟ فهو قائم بذاته ولم يكن معدوماً من قبلُ أبداً ، لكي يحتاج إلى علّة وجوديّة.

وبتعبيرٍ آخر : إنّ وجوده من ذاته لا مِن خارج ذاته ، وهو لم يكُن مخلوقاً ، هذا من جهة ، ومن جهةٍ أُخرى كان من الأفضل ل (برتراندراسل) ومؤيّديه أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال : لو كان لله خالقٌ فسيرد نفس هذا الإشكال مع الخالق المفترض ، وهو : من خلق ذلك الخالق!؟ ولو تكررت هذه المسألة وافترضنا أنّ لكلّ خالق خالقاً لأدى ذلك إلى التسلسل ، وبطلانه من الواضحات ، ولو توصَّلنا إلى وجودٍ يكون وجوده من ذاته ولا يحتاج إلى موجدٍ وخالق آخر (أي واجب الوجود) ، فذلك هو الله رب العالمين.

ويُمكن توضيح هذه المسألة ببيانٍ آخر وهو : إننا لو لم نكن من المؤمنين على سبيل الفرض وكُنّا نؤيّد عقيدة المادييّن ، لواجهنا نفس هذا السؤال ، فبتصديقنا قانون العليّة في الطبيعة ، وأنّ كلّ شيء في العالم معلول لآخر ، سيرد هذا السؤال الذي واجهه المؤمنون بالله تعالى وهو : لو كانت جميع الأشياء معلولة للمادّة فما هي العلّة التي أوجدت المادة إذن؟

وسيضطّرون أيضاً للقول : إنّ المادة أزليّة ، وكانت موجودة منذ الأزل ، وستبقى إلى الأبد ، ولا تحتاج إلى علّة وجوديّة ، وبتعبيرٍ آخر هي (واجب الوجود).

وعلى هذا الأساس نُلاحظ أنّ جميع فلاسفة العالم سواء الإلهيين منهم أو المادييّن يؤمنون بوجودٍ أزليٍّ واحدٍ ، وجودٍ لا يحتاج إلى خالقٍ ومُوجد ، بل كان موجوداً منذ الأزل.

والتفاوت الوحيد هو أنّ الماديين يعتقدون بأنّ العلّة الاولى فاقدة للعلم والمعرفة والعقل والشعور ، ويعتقدون بأنّها جسم ولها زمان ومكان. لكن المؤمنين يعتقدون بأنّ العلّة الاولى ذات علمٍ وإرادة وهدف ، وهو الله تعالى وينزّهونه عن الجسميّة والزمان والمكان ، بل يعتقدون بأنّه فوق الزمان والمكان.

وجميع الأدلة التي أوردناها سابقاً في بحوث معرفهّ الله تعالى تؤيد هذه الحقيقة ، وهي

١٤٧

أنّ المبُديء الأول لهذا العالَم ذو علم واطلاعٍ غير محدود.

وعليه فقد أخطأ (راسل) في تصوره بأنّه يستطيع التهُّرب من مخالب هذا السؤال بترك زمرة المؤمنين والإلتحاق بالمادّيين ، لأنّ هذا السؤال ملازم له دائماً ، حيث إنّ الماديين يعتقدون أيضاً بقانون العليّة ويقولون : إنّ لكل حادثة علّة معينة.

إذن ، فالطريق الوحيد في حلِّ هذه المشكلة هو إدراك الفرق جيداً بين (الحادث) و (الأزلي) ، وبين (ممكن الوجود) و (واجب الوجود) ، لكي نعلم أنّ الذي يحتاج إلى خالقٍ هو الموجودات الحادثة والممكنة ، أي أنّ كل مخلوقٍ يحتاج إلى خالق ، وما ليس بمخلوق فلا يحتاج إلى خالق.

* * *

١٤٨

الله الحي القيّوم

تمهيد :

وردت صفتي «الحي» و «القيوم» كراراً في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية في وصف الباري عزوجل ، فحياته خالدة وثابتة ، وهو قائم بذاته وكل شيء قائم به.

ولكن من البديهي أنّ كلمة الحياة بالنسبة للباري ذات مفهومٍ يختلف عن المفهوم الذي يصدق علينا والكائنات الحيّة الاخرى ، لأنّ حياتنا تُعرف عن طريق آثار معينة من قبيل التنفُّس ، دقات القلب ، الاحساس والحركة ، النمو والتناسل وما شاكل ذلك ، في حين أنّها جميعاً لا معنى لها بالنسبة إلى الله سبحانه وتعالى.

إذن ، علينا أن نبحث عن مفهوم ومعنى الحياة بالنسبة إلى الله عزوجل.

ومن المُسَلَّم أنّها حياة أسمى وأرفع من الحياة الماديّة ، وسنتطرق إلى شرحها بعد تفسير الآيات إن شاء الله تعالى.

بعد هذا التمهيد المختصر نتوجّه إلى القرآن الكريم ونمعن خاشعين في الآيات التالية بأسماع قلوبنا :

١ ـ (اللهُ لَاإلَهَ إِلَّا هُوَ الحَىُّ القَيُّومُ). (البقرة / ٢٥٥)

٢ ـ (اللهُ لَاإِلَهَ إِلَّا هُو الحىُّ القَيُّومُ). (آل عمران / ٢)

٣ ـ (وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلْحَىِّ القَيُّومِ وَقَد خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلماً). (طه / ١١١)

٤ ـ (وَتَوكَّلْ عَلَى الحَىِّ الَّذِى لَايَمُوتُ). (الفرقان / ٥٨)

٥ ـ (هُوَ الحَىُّ لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). (غافر / ٦٥)

١٤٩

شرح المفردات :

«حي» : من مادّة «حياة» ، وكما قال صاحب مقاييس اللغة : فإنّ هذه المادّة بالأصل ذات معنيَين ، أحدهما (الحياة) في مقابل الموت ، والآخر (الحياء) في مقابل الوقاحة وعدم الخجل.

ولكن بعض محققي اللغة أرجعوها إلى أصلٍ واحد ، فقالوا : إنّ الحياء والإستحياء أيضاً نوع من طلب الحياة والسلامة في مقابل الوقاحة وعدم الخجل والذي يُعتبَر نوعاً من فقدان الحياة والسلامة.

وعلى أيّة حال ، فكلمة (الحياة) ذات معنىً واسع ، فقد تُستعمل بخصوص الأرض والنباتات مثل : (وَيُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). (الروم / ١٩)

وقد تُستعمل بخصوص الحيوانات كقول إبراهيم عليه‌السلام : (رَبّ أَرِنى كَيْفَ تُحْىِ اْلمَوْتى). (البقرة / ٢٦٠)

أو قد تستعمل للإنسان ، مثل : (وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ). (الحج / ٦٦)

أو بخصوص مُطلق الحياة والممات مثل : (يُخْرِجُ الحَىَّ مِنَ المَيِّتِ). (الروم / ١٩)

أو بخصوص الحياة المعنويّة مثل : (استَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحيِيكُم ...). (الأنفال / ٢٤)

وأحياناً تُستعمل بخصوص الحياة الأخرويّة مثل : (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ ..). (العنكبوت / ٦٤)

والأسمى من الجميع استعمالها بخصوص الباري جلّ وعلا ، كما هو في الآيات السابقة ، وسنرى أن الحياة الحقيقية والأزليّة والأبديّة والقائمة والثابتة التي لا يشوبها أي لونٍ من ألوان الموت والهلاك هي حياة الله عزوجل فقط.

«قيّوم» : صيغة مبالغة من مادة «قيام» ، والقيام يعني الوقوف ، أو التصميم ، والمعنى الثاني يعود على المعنى الأول ، لأنّ الإنسان عندما يُصمم على فعلٍ معين ينهض للقيام به ، لذا فقد استُعمِلت هذه الكلمة بمعنى التصميم.

١٥٠

واعتقد البعض أن كلمة (قيوم) تُعطي معنى القائم ، والحافظ ، والمدير ، والمدبّر ، لأنّه يؤمّن للأفراد أو بقية الموجودات الاخرى مايقّومُهم.

وعندما تُستعمل هذه الكلمة بخصوص الباري تعالى فإنّها تعني من يقوم بأمر المخلوقات وأرزاقهم وأعمارهم وحياتهم وموتهم ، ويُدبّر أمورهم المختلفة ، ويؤمّن احتياجاتهم.

وقد فسّرها البعض بمعنى القائم بالذات ومقوّم الموجودات الاخرى ، والذي لا يتفاوت مع المعنى السابق تفاوتاً ملحوظاً (١).

جمع الآيات وتفسيرها

الله قائم بذاته والإنسان قائم بالله :

يُلاحظ في الايتين الأولى والثانية أنّهما ـ وضمن إشارتهما إلى وحدانية الله تعالى ـ تحدثتا عن حياة الباري وقيمومته ، قال تعالى : (أَللهُ لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ القَيُّومُ).

وكما أشرنا سابقاً فإنّ حياة الباري تتفاوت كُلياً عن حياة الإنسان والحيوان والنبات ، فحياته حياة حقيقية لأنّها عين ذاته ، لا عارضة ولا مؤقتة.

حياته بمعنى العلم والقدرة (نفس الصفتَين اللتين شرحناهما في البحوث السابقة) ، لأنّهما العلامة الأصيلة للحياة.

فهو ليس قائم بذاته فحسب ، بل إنّ قيام الموجودات الاخرى ومربوبيتها وتدبير جميع أمورها بيده سبحانه.

وخلاصة الكلام ، إنّ حياته ليس لها أدنى شَبه بحياة سائر الموجودات الحيّة ، حياته (ذاتيّة) ، (أزليّة) ، (أبديّة) (ثابتة) و (خالية من كل ألوان النقص والمحدوديّة) ، حياته تدل على إحاطته العلمية بكلّ شيء ، وقدرته على كل شيء.

* * *

__________________

(١) مقاييس اللغة ؛ مفردات الراغب ؛ لسان العرب.

١٥١

أمّا الآية الثالثة ، فبعد أن أشارت إلى يوم القيامة قالت : (وَعَنَتِ الوُجُوُهُ لِلْحَىّ اْلقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً).

«عَنت» : من مادّة (عَنْوة) وقد وردت بمعنى الخضوع والذلة ، لذلك يُطلق على الأسير «عاني» ، لأنّه ذليل وخاضع بيد الآسِر.

وقد نُسب الخضوع والذل هنا للوجوه ، لأنّ الوجه أشرف عضو في الإنسان ، علاوة على أَنّ ردود الفعل النفسيّة ومن جملتها الخضوع تظهر على وجه الإنسان قبل كلّ شيء.

والتأكيد على صفتي (الحي) و (القيوم) في مسائل عالم الآخرة يُعَدُّ إشارةً لطيفةً إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ حياة الله تعالى الخالدة وقيمومته الشاملة ستظهر وتتجلّى في ذلك اليوم بصورة أفضل ، وسيتجلّى أيضاً ضعف الإنسان وعجزه واحتياجه للذات الإلهيّة المقدّسة بصورة أوضح. لأنّ جميع الناس قد بُعثوا بعد موتهم وقد يظهر عليهم العجز والضعف والحاجة إلى لطف الله تعالى في تلك المحكمة الإلهيّة العظيمة.

* * *

وأمّا الآية الرابعة فقد وصفت الباري سبحانه وتعالى بالوجود الحي الذي لا يموت أبداً ، وأمرت الرسول بالتوكُّل عليه حيث قالت : (وَتَوَكّلْ عَلَى الحَىِّ الَّذِى لَايَمُوتُ).

وبديهي أنّ الإنسان المؤمن بامتلاكه لهذا الأساس المتين سوف لا يخشى من أي أحد ، ولا يهاب ، أو يستوحش من أي حادثة.

يتّضح هُنا أنّ هذه الآية مع أنّها تبيّن أصلاً عقائدياً ، فهي ذات مردودات أخلاقية وعمليّة في نفس الوقت ، وتقوّي أُسس التوكُّل في روح الإنسان وقلبه.

* * *

وفي الآية الخامسة والأخيرة نلاحظ انعكاس نفس هذا المعنى والمفهوم بمردودات عمليّة وأخلاقيّة أُخرى ، قال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لَاإِلَهَ إِلّا هُوَ) ، ولأنّه كذلك (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).

١٥٢

يظهر من لحن الآية ـ كما قال الفخر الرازي في تفسيره أنّها تُفيد الحصر (١) ، أي أنّ الحي حقيقةً هو الله وحده ، وإن كان للآخرين حياة فهي زائلة ومقرونة بالموت التدريجي ، ولذلك ليست لهم اللياقة للُالوهية والمعبوديّة ، ومن هنا يتضح ضرورة الإخلاص له في الدين والعبادة ونفي كل أنواع الشرك عنه.

* * *

يستفاد من مجموع الآيات المذكورة أنّ وصف الله عزوجل بالحياة الباقية لا يُقصد منه الحياة المشوبة بالموت والهلاك والفناء أو التغيُّر ، بل هي الحياة الملازمة لقيامه بذاته وقيام الموجودات الاخرى به ، الحياة التي تشع على المخلوقات ، وتلهم التوكُّل والإخلاص ، وبالنتيجة حياة تعطي درساً في التوحيد وتنفي كل ألوان الشرك.

توضيحان

١ ـ حقيقة الحياة

إنّ تقسيم الموجودات إلى قِسمين ، موجودات حيّة وموجودات ميّتة ، تقسيم يفهمه كُلّ واحدٍ من الناس مهما كان مستواه من الفهم والشعور ، لأنّه يرى بعينيه التفاوت الموجود بين الموجودات الحية والميتة ، ومع ذلك فقد عجز أذكى العلماء عن الإجابة عن هذا السؤال : ما هي حقيقة الحياة؟ فهم يقرّون أنّ الحياة ظاهرة معقدة جدّاً وذات أسرارٍ لم يتوصل العلم والعقل البشري إلى أعماقها لحد الآن!

لذا يُعَدُّ خلق موجودٍ حيٍ (وحتى خلية واحدة بسيطة لها أبسط صور الحياة) عملاً شاقّاً ومعقّداً جدّاً بالنسبة للإنسان ، وقد طالع العلماء سنوات عديدة في هذا المجال ولا يزالون عاجزين عن القيام بذلك ، وعلى فرض أنّهم سيستطيعون يوماً ما وبإلاستعانة بوسائل وطرق طبيعية مختلفة خلق خلية حيّة من موادٍ طبيعيّة ميتة فسيواجهون العجز أيضاً في

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ٣٦٦ ؛ وتفسير الكبير ، ج ٢٧ ، ص ٨٤.

١٥٣

إدراك تنوع الحياة وكيفية ظهور الصور المختلفة لها.

ويُمكن القول باختصار : إنّ مُظهِر الحياة بصورها المختلفة ذو علمٍ لا محدود وقدرةٍ مطلقة ، ويُعَدُّ ظهور أنواع الكائنات الحيّة أوضح دليلٍ على علم الله عزوجل وقدرته العظيمة.

وكما تقدم فإنّ الحياة لها عدّة أقسام ، ابتداءً من حياة النبات وحتى حياة الإنسان فصاعداً ، وهذه الحياة المتنوعة لها آثار مختلفة أيضاً.

وعندما يصل العلماء إلى حياة الإنسان يقولون : هي الحالة المقرونة بالعلم والشعور والقدرة والفعاليّة.

ومن الواضح إنّ علمنا وقدرتنا لا تمثل حقيقة الحياة ، بل هي من مستلزماتها ، لذا قد يكون الإنسان حياً من دون علمٍ وقدرةٍ.

ومن المسَّلم أنّ حياة الإنسان والتي هي من عوارض الجسم ، لا يمكن تصورها للباري جل وعلا.

والتصور المقبول عن حياة الباري تعالى هو العلم اللا محدود وقدرته على كل شيء ، وبهما يمكن إثبات أعلى مفهومٍ للحياة له عزوجل.

* * *

٢ ـ الأدلة على حياته سبحانه

أ) اعتبر عامّة علماء الإسلام صفة الحياة من الصفات الإلهيّة المُسلمة ، ووصفوه سبحانه بالحي القيّوم. وكما عرفنا آنفاً فإنّ الآيات القرآنية أكّدت هذا المعنى والمفهوم كِراراً بالرغم من أن للمفسرين تعابير مختلفة في تصوير حياة الله سبحانه وتعالى.

وأكثرها وضوحاً ومقبوليّةً هو ماذكرناه آنفاً من كون حياة الباري تعني إحاطته بكل شيءٍ علماً ، واقتداره على فعل كُلّ شيء ، وإلّا فالحس والحركة ودقّات القلب والتنفُّس والتفكُّر وأمثال ذلك لا مفهوم لها بالنسبة إلى الله عزوجل.

١٥٤

ومن هنا يتضح الدليل على أنّه عزوجل حيٌّ وقيوم ، لأنّه عندما يكون علم الإنسان المحدود وقدرته الحقيرة دليلاً على حياة الإنسان ، فكيف بمن يكون علمه غير محدود وقدرته مطلقة؟ فلابدّ وأن تكون حياته أسمى وأكمل من غيره ، بل الحياة عين ذاته.

ب) علاوةً على هذا ، فهو سبحانه خالق الحياة ، فهل يُمكن أن يكون واهب الشيء مفتقر إليه!؟

وأمّا قيموميته التي قالوا في تفسيرها : (هو القائم بذاته المقوّم لغيره) ، فهي أيضاً من صفاته الملازمة لوجوب وجوده وخالقيته وربوبيته سبحانه.

وقد عدّ البعض مسألة حفظ سائر الموجودات وإعطائهم جميع حاجاتهم ضمن مفهوم «القيّوم» ، ولكنها لا تزيد على ما قُلناه بطبيعة الحال.

يقول المرحوم العلّامة «الطباطبائي» في تفسير «الميزان» : «اسم القيوم أمُّ الأسماء الاضافية الثابتة له تعالى جميعاً (صفات الفعل) وهي الأسماء التي تدل على معان خارجة عن الذات بوجه ، كالخالق والرازق والمبدأ والمعيد والمحيي والمميت والغفور والرحيم والودود وغيرها» (١).

وعليه يُعتبر ذِكر (ياحىُّ ياقيّوم) من الأذكار الإلهيّة الجامعة ، لأنّ صفة (الحي) هي الأساس لجميع صفات الذات أي العلم والقُدرة ، و (القيّوم) تضم جميع صفات الفعل.

نختم هذا الكلام بحديثٍ غني عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حيث قال : «لمّا كان يوم بدرٍ جئتُ أنظر مايصنع النبيُّ فإذا هو ساجد يقول ياحيّ ياقيوم فتردّدتُ مرّاتٍ وهو على حاله لايزيد على ذلك إلى أن فتح الله له» (٢).

ومن هذا الحديث نفهم الآثار المفيدة والمباركة لهذا الذكر الشريف لذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة ١٦٠ من نهج البلاغة : «فلسنا نعلَمُ كُنه عظمتك إلّاإنّا نعلَمُ أَنّك حيُّ قيوم لا تأخذُكَ سِنَةٌ ولا نوم».

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢ ، ص ٣٤٨.

(٢) تفسير روح البيان ، ج ١ ، ص ٤٠٠ ، في ذيل آية الكرسي الآية ٢٥٥ من سورة البقرة.

١٥٥
١٥٦

ب) صفات الجلال لله

سبحانه وتعالى

(الصفات السلبيّة)

١٥٧
١٥٨

تمهيد :

يُعبَّر عن الصفات السلبيّة بـ «صفات الجلال» عادةً ، لأنّ الله سبحانه (أجَلّ) من أن يوصف بمثل هذه الصفات التي تُعبّر جميعها عن وجود النقائص والعيوب.

وهذه الصفات تقع في مقابل «صفات الجمال» التي تدعى ب «الصفات الثبوتية» وتحكي عن جمال ومحاسن الذات الإلهيّة المقدّسة.

وبعبارة اخرى يمكن القول : بأنّ جميع الصفات السلبية مجموعة في هذه الجملة وهي (إنّ الله مقدّس ومنزّه عن كل ألوان العيوب والنقائص وعوارض وصفات الممكنات).

وقد بُحثت أقسام مهمّة من هذه الصفات في علم الكلام بالإستلهام من الآيات القرآنية ، منها :

إنّه تعالى ليس «مُركّباً».

ليس له جسم.

لا يُرى.

لا يسعه مكان أو زمان.

منزّه عن كل ألوان الفقر والحاجة.

ذاته ليست محلاً للحوادث والعوارض والتغيُّر والتحوُّل أبداً.

وصفاته عين ذاته لا زائدة عليها.

وعليه ينبغي من جهة طرح مسألة (صفات الجلال) بشكل كلّي وشامل ، ومن جهةٍ أُخرى التحقيق في الصفات الحساسة بتفصيل أكثر.

بعد هذا التمهيد نتوجه إلى القرآن الكريم ونتأمل خاشعين في الآيات التالية :

١٥٩

١ ـ (يُسَبِّحُ للهِ مَا فِى السَّماوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ العَزِيزِ الْحَكيمِ). (الجمعة / ١)

٢ ـ (هُوَ اللهُ الَّذِى لَاإِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوُسُ) (الحشر / ٢٣)

٣ ـ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون / ٩١)

٤ ـ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ). (١) (الصافّات / ١٨٠)

شرح المفردات :

«القدوس» : صيغة مبالغة من مادّة «قدس» ، وهي في الأصل بمعنى النزاهة والطّهارة ، وكما قال صاحب (مقاييس اللغة) : فإنّ سبب إطلاق هذه الصفة على الله عزوجل هو لقداسة ونزاهة ذاته عن الأضداد والأكفّاء والصاحبة والولد.

ويُستنتج من كلام الراغب في (المفردات) ، وابن منظور في (لسان العرب) ، أنّ هذه الكلمة تُستعمل عادةً للتنزيه الإلهي أو لتطهير عباده ، وحتى صاحب مقاييس اللغة يقول : في الأغلب أنّ هذه الكلمة من المصطلحات الإسلاميّة الخاصّة.

وسُميت أرض (القادسيّة) بهذا الاسم لأنّ إبراهيم الخليل عليه‌السلام دعا الله عزوجل لتطهيرها وتقديسها.

ومن الجدير بالذكر أنّ الراغب يعتقد بأنّ هذه الكلمة تُستعمل فقط بخصوص التطهير المعنوي لا التطهير الظاهري وإزالة الخبائث.

وتقديس العباد لله تعالى بأن ينزهوه من كلِّ نقصٍ وعيبٍ.

وأمّا (التسبيح) وكما يقول بعض أرباب اللغة : فذو معنَيين :

الأول : النفي ، وقد ورد في الآيات القرآنية بمعنى نفي كل ألوان العيوب والنقائص عن الله تعالى.

__________________

(١) ورد هذا التعبير وكذلك تعبير الآية التي قبلها في ستة موارد في القرآن الكريم ، حيث ينزه الله تعالى عما يصفه به المشركون والجاهلون (الانعام ، ١٠٠ ؛ الأنبياء ، ٢٢ ؛ المؤمنون ، ٩١ ؛ الصافات ، ١٥٩ ، و ١٨٠ ، الزخرف ٨٢) ومضافاً إلى الآيات التي تشتمل على عنوان (تسبيح الله) فكلها توضح مقصودنا ، وقد ذكرنا منها نماذج مختلفة أعلاه.

١٦٠