الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٢

ويتبعها «الحركات» التي هي بعضها أو جنسها ، لتخص هذه المعاني بخصوصيات مفيدة. ألا ترى أن «لبس ، يلبس» بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع تعني الخلط ، وأنها غير «لبس ، يلبس» بكسر ففتح فهذه من اللّباس. وإن مصدر الاولى «اللّبس» بفتح اللام ، ومصدر الثانية «اللّبس» بضمها؟

أقول : كان على اللغويين ، وأصحاب المعجمات أن يستشهدوا بالآية للدلالة على معنى «الخلط» في ترجمة «لبس».

٧ ـ قال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٤٨).

قوله جل شأنه : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) ، أي فدية.

أقول : وانصراف «العدل» إلى الفدية شيء من الكلم الإسلامي ، الذي عرفناه في لغة القرآن.

٨ ـ عثو :

قال تعالى (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (٦٠).

جاء في كتب اللغة :

قال ابن سيده : عثا عثوّا وعثي عثوّا : أفسد أشدّ الإفساد.

وقال : وقد ذكرت هذه الكلمة في المعتل بالياء على غير هذه الصيغة من الفعل ، وقال في الموضع الذي ذكره : عثي في الأرض عثيّا وعثيّا وعثيانا ، وعثى يعثى ؛ عن كراع وهو نادر ، كل ذلك أفسد.

وقال كراع : عثى يعثى مقلوب من عاث يعيث ، فكان يجب على هذا يعثي إلّا أنه نادر ، والوجه عثي في الأرض يعثى.

وقرأ القرّاء كلهم : (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) بفتح الثاء من عثي يعثى عثوّا ، وهو أشدّ الفساد ، وفيه لغتان أخريان لم يقرأ بواحدة منهما : إحداهما عثا يعثو ، قال ذلك الأخفش وغيره ، ولو جازت القراءة بهذه اللغة ، لقرئ : «ولا تعثوا» ولكن القراءة سنّة ولا يقرأ إلّا بما قرأ القرّاء به.

واللغة الثانية : عاث يعيث.

قال الأزهري : واللغة الجيّدة عثي يعثى ، لأنّ يفعل لا يكون إلّا فيما ثانيه وثالثه أحد حروف الحلق.

١٠١

أقول : وهذه اللغة التي قرأ بها عامة القرّاء (وَلا تَعْثَوْا) ، لم تبق في العربية المعاصرة ، بل بقي مقلوبها وهو عاث يعيث.

ومن المفيد أن أشير إلى أنّ بين الأجوف والناقص تبادلا في الصيغ ، يتبين في طائفة من الأفعال منها : رأى وراء ، وأنى وآن ، وعثا وعاث وغير ذلك.

٩ ـ قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (٨٤).

أقول : عقّب الله ـ جل وعلا ـ على القتل الذي عبّر عنه بسفك الدماء بالإجلاء عن الديار. وهذا يعني أن العدوان بالإجلاء يأتي بعد اقتراف القتل في قسوته وفظاعته.

١٠ ـ قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٩١).

أقول : إن لغة الحوار تستدعي استحضار الأحوال الماضية ، وهذا يسوّغ بل يوجب استعمال صيغة الفعل الحاضر في سياق الماضي ، فجاء في الآية : نؤمن ، فلم تقتلون أنبياء الله ، وقد عبّر عنه أهل العلم من المتقدمين بقولهم : حكاية حال ماضية.

١١ ـ قال تعالى : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً) [الآية ١٢٨].

(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١٣١).

(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٣٢).

أقول : المراد بمادة «أسلم» في هذه الآيات الخضوع والإذعان ، وقوله تعالى : (مُسْلِمَيْنِ لَكَ) مخلصين لك وجهينا ، وهو من قوله تعالى : (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ). أي : أخلص وجهه وأذعن وخضع. ومن هنا كانت كلمة «الإسلام» بمصطلحها المعلوم مشيرة إلى أن «المسلم» من أسلم وجهه لربه ، وخضع وأذعن وأطاع.

١٢ ـ قال تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (١٣٨).

١٠٢

قال الزمخشري في «الكشّاف ١ : ١٩٦» :

(صِبْغَةَ اللهِ) مصدر مؤكد منتصب على قوله (آمَنَّا بِاللهِ) (١) ، وهي فعلة من «صبغ» ، كالجلسة من «جلس» ، وهي الحالة التي يقع فيها الصبغ.

والمعنى : تطهير الله ، لأنّ الإيمان يطهّر النفوس. والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه المعمودية ، ويقولون هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال : الآن صار نصرانيا حقّا ، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم : قولوا آمنّا بالله ، وصبغنا الله بالإيمان صبغة ، لا مثل صبغتنا ، وطهّرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا. أو يقول المسلمون : صبغنا الله بالإيمان صبغته ، ولم نصبغ صبغتكم. وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريقة المشاكلة ، كما تقول : لمن يغرس الأشجار : اغرس كما يغرس فلان ، تريد رجلا يصطنع الكرم.

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) يعني أنه يصبغ عباده بالإيمان ويطهّرهم من أو ضار الكفر ، فلا صبغة أحسن من صبغته.

أقول : لقد احتملت كلمة «الصبغة» هذا المعنى الاصطلاحي ، وهو التطهير حتى صرنا نجدها في مصطلح غير المسلمين ، بمعنى التطهير والتقديس ، فالصبّاغ مثلا في عربية صابئة اليوم ، هو الذي يقوم بعمل الصبغ ، أي : التطهير بصب الماء على من يريد التطهّر ، برسوم معرفة لدى الصابئة.

١٣ ـ وقال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) [الآية ١٤٨].

الجهة (بكسر الجيم) والوجهة والوجهة (بكسر الواو وضمّها) واحد. والذي جاء في لغة التنزيل : «الوجهة» بكسر الواو ، والذي درجت عليه العربية أن فاء الكلمة إذا كان مكسورا حذف في الغالب في المصادر نحو : «عدة» و «سنة» بكسر عين الكلمة إشارة للواو المكسورة التي حذفت ، وقد تحذف الواو وهي مفتوحة إذا كانت فاء الكلمة نادرا نحو «سعة» و «ضعة» ، وقد يكون الفتح على السين والضاد بسبب العين الصوت الثالث في الكلمة.

__________________

(١). الآية : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) (١٣٦).

١٠٣

هذه ملاحظات وليست قواعد لأننا نعرف أن في العربية كثيرا من الكلم تبدأ بواو مكسورة فلا تحذف الواو ولا تبدل نحو وصال ووفاق. ولكننا نجد وجاه ووجاه قد تحوّلت الى تجاه وتجاه ، ووراث إلى تراث ، ووصاد إلى إصاد ، وغير هذا ممّا اشتملت عليه فرائد العربية.

وإبدال الواو «ياء» بسبب كسر ما قبله ، لا يقتصر على كون الواو فاء الكلمة ، فقد تبدل الواو ياء في المصادر للأفعال الجوف نحو : الصّون مصدر «صان» ، ولكنك تقول الصّيان والصّيانة ، والقوم مصدر «قام» ، ولكنك تقول القيام والقيامة.

وقد تجد الاسم من هذه المصادر بالواو مع كسرة ما قبله نحو الصّوان للشيء الذي يصان به ، ولك أن تقول الصّوان بالضم ، كما تقول «القوام» بالكسر ، وقوام الأمر نظامه ونصابه وملاكه.

وتقول في المصادر على «فعلة» بالكسر غيلة من الفعل «غال يغول» كما تقول «طيلة» و «ميتة» وغير ذلك.

١٤ ـ قال تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) [الآية ١٨٧].

والمعنى : تظلمون أنفسكم وتنقصونها حظّها من الخير. والاختيان من الخيانة ، كالاكتساب من الكسب فيه زيادة وشدة «الكشاف ١ : ٢٣٠».

أقول : لقد تعقّبت الفعل «اختان» ، وهو «افتعل» من «خان» ، فلم أحظ به في غير الآية الكريمة المشار إليها.

وليس لنا في العربية المعاصرة غير الفعل المجرد «خان». غير أن المزيد «اختان» جاء ليؤدي فائدة خاصة ، تنأى به عن معنى الفعل المجرد.

١٥ ـ قال تعالى : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [الآية ١٩١].

قوله (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) في الآية يعني : حيث وجدتموهم في حلّ أو حرم. والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة. ومنه رجل ثقف ، أي سريع الأخذ لأقرانه ، قال :

فإمّا تثقفوني فاقتلوني

فمن أثقف فليس إلى خلود

أقول : وهذا المعنى في مادة «ثقف» لا نعرفه في العربية المعاصرة ، وذلك أن «الثقافة» بمعناها المعاصر غلبت على الكلمة ، حتى نسي الناس أنّ الأصل فيها للثقاف ، وهو الآلة التي

١٠٤

تعضّ الرماح وتقبضها لتقويمها ، والثقف هو القبض والضبط.

١٦ ـ قال تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [الآية ١٩٦].

قال الزمخشري (الكشاف ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠) :

(فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) يقال : أحصر فلان إذا منعه أمر من خوف ، أو مرض أو عجز.

قال الله تعالى : (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ٢٧٣].

وحصر إذا حبسه عدوّ عن المضيّ ، أو سجن ، ومنه قيل للمحبس : الحصير وللملك الحصير لأنه محجوب. هذا هو الأكثر في كلامهم ، وهما بمعنى المنع في كل شيء ، مثل : صدّه وأصدّه ، وكذلك قال الفرّاء وأبو عمرو الشيباني ، وعليه قول أبي حنيفة رحمهم‌الله تعالى ، كل منع عنده من عدو كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار.

(فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي : فما تيسّر منه.

والهدي ما أهدي إلى مكّة من النّعم ، وقرئ : (حتّى يبلغ الهديّ محلّه) بالتخفيف والتشديد الواحدة هدية وهديّة.

ثم أطلق الهدي أو الهديّ على جميع الإبل ، وإن لم تكن هديا تسمية للشيء ببعضه.

وقال تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [الآية ١٩٦] النسك : شاة. وعن كعب بن عجرة أن رسول ا (ص) قال له : «لعلّك آذاك هو امّك»؟ قال : نعم يا رسول الله. قال : «احلق رأسك وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك شاة».

والنّسك مصدر ، وقيل : جمع نسيكة. وقرأ الحسن : أو نسك بالتخفيف.

١٧ ـ قال تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [الآية ٢٢٦] قال الزمخشري في «الكشاف ١ : ٢٦٨» :

«قرأ عبد الله : آلوا من نسائهم. وقرأ ابن عباس : يقسمون من نسائهم : فإن قلت كيف عدّي ب «من» ، وهو معدّى ب «على»؟

قلت : قد ضمّن في هذا القسم

١٠٥

المخصوص معنى البعد ، فكأنه قيل : يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين.

ويجوز أن يراد لهم : (من نسائهم تربّص أربعة أشهر) كقوله : لي منك كذا.

والإيلاء من المرأة أن يقول : «والله لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا ، على التقييد بالأشهر ، أو لا أقربك على الإطلاق».

أقول : هذا هو معنى «الإيلاء» في الآية ، وأصله القسم.

وجاء في كتب اللغة :

والألوة ، والألوة ، والألوة ، والأليّة على فعيلة ، والأليّا كله اليمين ، والجمع ألايا.

قال الشاعر :

قليل الألايا حافظ ليمينه

وإن سبقت منه الأليّة برّت

رواه ابن خالويه : قليل الإلاء ، يريد الإيلاء فحذف الياء ، والفعل آلى يؤلي إيلاء : حلف ، وتألّى يتألّى تألّيا وأتلى يأتلي ائتلاء.

وفي التنزيل العزيز : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) [النور ٢٢].

وقال أبو عبيد : «لا يأتل» هو من ألوت. أي : قصّرت.

وقال الفرّاء : الائتلاء : الحلف.

وقرأ بعض أهل المدينة : ولا يتألّ ، وهي مخالفة للكتاب من تألّ ، وهي مخالفة للكتاب من تألّيت ، وذلك أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ حلف أن لا ينفق على مسطح بن أثاثة وقرابته الذين ذكروا عائشة ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية ، وعاد أبو بكر إلى الإنفاق عليهم.

وقد تألّيت وأتليت وآليت على الشيء وآليته ، على حذف الحرف : أقسمت. أقول : ولم يبق من هذا الفعل في العربية المعاصرة إلا قول المعربين :

فلان لا يألو جهدا ، أي لا يقصّر ، وهو معنى آخر عرفته العربية في عصورها المتتابعة ، وليس هذا موطن الشاهد في [الآية ٢٢٦].

كما بقي قولهم : آليت على أن أقوم بما يجب عليّ بمعنى عزمت وأقسمت.

ومما يجب أن نلاحظه أن هذا الاستعمال الأخير لا يرد في اللغة المعاصرة إلّا فعلا ما ضيا ليس غير.

١٠٦

١٨ ـ قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [الآية ٢٢٨].

البعولة : جمع بعل ، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في الحزونة والسهولة. ويجوز أن يراد بالبعولة المصدر ، من قولك : بعل حسن البعولة. يعني : وأهل بعولتهن.

أقول : وردت «فعولة» من أبنية التكسير فيما كان مفردة «فعل» بالفتح فالسكون نحو الحزونة ، والسهولة ، والفحولة ، والخيوطة ، جموع حزن ، وسهل ، وفحل ، وخيط.

ولقد جرت العامية الحضرية في العراق على شيء من هذا ، نحو سير للجلد يقال في جمعه : «سيورة» ، وفي «مهر» يقولون : «مهورة».

فائدة :

من أسلوب القرآن في الحفاظ على نظام الجمل في حدودها ، وأقسامها ، وتساوق بعضها مع بعض ، أن الآية قد تأتي غير كاملة ، فيما يتطلبه المعنى لغرض من الوفاء بنظام هذه الجملة القرآنية ، لتأتي منسجمة مع سائر الجمل في الآيات قبلها وبعدها ، ومن ذلك قوله تعالى :

(ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢١٩) (١).

أقول : إن نهاية الآية كان يمكن أن تنتهي عند قوله تعالى : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) من الآية التالية ٢٢٠ ، وهي تكملة لقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) ؛ بيد أن من حكمته تعالى أن يحافظ على النظام البديع في نظم جرى على هذا. وأنت إذا أردت أن تستوفي هذه النماذج التي تتصل بلغة القرآن ونظامها وبنائها ، وجدت الشيء الكثير.

ألا ترى أنّ في قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (١٨٦). عناية ما بعدها عناية لما توافر لهذا الأسلوب الحكيم البليغ من النظم البديع ، متمثّلا في الكسر في كلمة (الداع) ، والاستعاضة عن الكسر الطويل بكسر قصير؟ فليس هذا شيئا يتصل برسم القرآن ، وهو مما درج عليه القائلون في

__________________

(١). العفو : نقيض الجهد ، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع.

١٠٧

أنه «خط المصحف». إن كلمة (الداع) كان ينبغي أن تكون «الداعي» بالياء الطويلة ، وهو شيء متطلب صحيح واجب ، واستبعاد هذه الحركة الطويلة يخدم البناء القرآني في جعل هذه الكلمة «الداع» ، بالحركة القصيرة منسجمة مع الحركة التي تليها في «إذا» وهي الكسرة القصيرة.

وليس شيء من الاقتصار على القول ب «رسم المصحف» ، أن تأتي الكلمة «دعان» بالنون متلوّة بحركة قصيرة هي الكسرة القصيرة ، وكان حقّها الحركة الطويلة فترسم ياء «دعاني». إن ذلك ليخدم هذا البناء البديع فيتهيّأ منه ، أن تكون «وقفة» على (دعان) ، فيحسن بهذا الوقف النظم والبناء ، ولا يتم هذا الحسن لو كان الوقف على «دعاني» بالياء.

١٩ ـ قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) (٢٣١).

قال الزمخشري «في الكشاف ١ : ٢٧٧» :

(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) كان الرجل يطلّق المرأة ، ويتركها حتى يقرب انقضاء عدّتها ، ثم يراجعها لا عن حاجة ، ولكن ليطوّل العدّة عليها ، فهو الإمساك ضرارا.

أقول : لقد حفلت لغة القرآن بالمصطلح الحضاري العلمي ، ولعل التجربة اللغوية في توفير المصطلح تتمثل بجلاء في العربية القرآنية الشريفة ، التي برهنت أن العربية لغة الفكر في شتّى صوره. إن «الإمساك ضرارا» في مسألة الطلاق من الكلم الفني ذي الدلالة الاجتماعية في هذه اللغة العريقة القديمة.

٢٠ ـ قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) [الآية ٢٣٢].

روي أن الآية نزلت في معقل بن يسار ، حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول. وقيل : في جابر بن عبد الله ، حين عضل بنت عمّ له ، والوجه أن يكون خطابا له.

كذا ذكر الزمخشري.

والعضل : الحبس والتضييق. ومنه : عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج ، وأنشد لا بن هرمة :

١٠٨

وإن قصائدي لك فاصطنعني

عقائل قد عضلن عن النكاح

وجاء في «لسان العرب» في الكلام على هذه الآية (عضل) :

أن العضل في هذه الآية من الزوج لامرأته ، وهو أن يضارّها ولا يحسن عشرتها ، ليضطرّها بذلك إلى الافتداء بمهرها الذي أمهرها ، سمّاه الله تعالى عضلا ، لأنه يمنعها حقّها من النفقة ، وحسن العشرة ، كما أن الوليّ إذا منع حرمته من التزويج ، فقد منعها الحق الذي أبيح لها من النكاح إذا دعيت إلى كفء لها.

أقول : و «العضل» بهذا المعنى شيء له خصوصية دلالية خاصة أشارت إليه الآية. وهذه الخصوصية أكسبت اللفظ دلالة الاصطلاح الإسلامي الذي عرف من الآية الكريمة.

٢١ ـ وقال تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) [الآية ٢٣٦].

قوله : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) معناه إلّا أن تفرضوا لهنّ فريضة ، أو حتى تفرضوا. وفرض الفريضة تسمية المهر.

أقول : و «الفريضة» بهذا الاستعمال كلمة مفيدة ، يصح أن نجد لها مكانا في العربية المعاصرة ، فكثيرا ما تستعمل في عصرنا الفعل : «عيّن» فيقال : عيّن له مكافأة أو معونة أو شيئا مثل هذا.

٢٢ ـ وقال تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) [الآية ٢٣٩].

قوله : (فَرِجالاً) ، أي : فصلّوا راجلين ، وهو جمع راجل كقائم وقيام. وقرئ : فرجالا بضمّ الراء ، ورجالا بالتشديد ، ورجلا.

أقول : و «الرجال» : جمع راجل ، ومثله «قيام» : جمع قائم وغير ذلك ، وقد يتّضح هذا من قوله تعالى : (أَوْ رُكْباناً) ، والركبان : جمع راكب ، فكأنّ الآية أشارت لمن يمشي على رجليه ، أو لمن هو راكب.

وكثيرا ما يأتي اللفظ في العربية واحدا ، ودلالته على اثنين ، مثلا فالرّجال : جمع راجل كما في الآية ، والرجال : جمع رجل أيضا.

٢٣ ـ وقال تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) [الآية ٢٥٩].

١٠٩

قال الزمخشري «في الكشاف ١ : ٣٠٧» :

(لَمْ يَتَسَنَّهْ) : لم يتغيّر ، والهاء أصلية أو هاء السكت ، واشتقاقه من السنة على الوجهين ، لأنّ لامها هاء أو واو ، وذلك أن الشيء يتغيّر بمرور الزمان.

وقيل : أصله «يتسنّن» ، من الحمأ المسنون ، فقلبت نونه حرف علة ، كتقضّي البازي. ويجوز أن يكون معنى (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تمرّ عليه السنون التي مرّت عليه ، يعني هو بحالة كما كان ، كأنه لم يلبث مائة سنة. وفي قراءة عبد الله : (فانظر إلى طعامك ، وهذا شرابك لم يتسنّ) ، وقرأ أبي : (لم يسّنّه) ، بإدغام التاء في السين.

أقول :

إن كلمة «سنة» مثل شفة من الكلم الثنائي ، الذي تحوّل في العربية إلى ثلاثي إفادة من الواو أو الهاء ، وقد ذهب اللغويون القدامى إلى أن الواو أو الهاء أصل ثالث ، ذهب عن الكلمة فردّ إليها في الكلمات التي قامت على الأصل وهو المفرد «سنة» ، فقالوا في الجمع سنوات وسنهات ، كما قالوا شفاه وشفهات وشفوات ، وقالوا في المنسوب : سنويّ وسنهيّ ، كما قالوا : شفويّ وشفهيّ ، وقالوا في الفعل سانه كما قالوا شافه ، والمسانهة معروفة كالمشافهة وكذلك المساناة.

وقد تجاوزت العربية هذا الحدّ في جعل الصوت الثالث في «السنة» واوا ، أو هاء ، فأفادت من التاء علامة التأنيث فيها ، فكانت الصوت الثالث في مادة «سنت» فقالوا :

رجل سنت : قليل الخير ، والجمع سنتون ولا يكسّر.

وأسنتوا فهم مسنتون : أصابتهم سنة وقحط وأجدبوا ، ومنه قول ابن الزّبعرى :

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكّة مسنتون عجاف والتاء في «سنت» عند سيبويه على بدل التاء من الياء ، ولا نظير له إلّا قولهم ثنتان ، حكى ذلك أبو علي.

وفي «الصحاح» : أصله من السنة قلبوا الواو تاء ليفرقوا بينه وبين قولهم : أسنى القوم إذا أقاموا سنة في موضع.

وقال الفرّاء : توهّموا أن الهاء أصلية إذ وجدوها ثالثة فقلبوها تاء ، تقول منه أصابتهم السنة ، بالتاء.

١١٠

وفي الحديث : وكان القوم مسنتين ، أي مجدبين أصابتهم السنة ، وهي القحط والجدب.

وفي حديث أبي تميمة : الله الذي إذا أسنت أنبت لك ، أي : إذا أجدبت أخصبك.

ويقال : تسنّت فلان كريمة آل فلان إذا تزوّجها في سنة القحط.

وفي «الصحاح» يقال : تسنّتها إذا تزوّج رجل لئيم امرأة كريمة ، لقلّة مالها وكثرة ماله.

والسّنتة والمسنتة : الأرض التي لم يصبها مطر فلم تنبت ، عن أبي حنيفة ، قال : فإن كان بها يبيس من يبيس عام أوّل فليست بمسنتة ، ولا تكون مسنتة حتى لا يكون بها شيء.

وقالوا : عام سنيت مسنت : جدب.

وسانتوا الأرض : تتبّعوا نباتها.

فأنت ترى أن «السنة» تصرفت بها العربية فكانت منها فوائد كثيرة.

٢٤ ـ قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الآية ٢٧٩].

قول تعالى : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ) [الآية] [٢٧٩] فاعلموا بها من «أذن بالشيء» إذا علم به ، وقرئ : فأذنوا بها ، والمعنى فأعلموا بها غيركم. وهو من الإذن وهو الاستماع ، لأنه من طرق العلم.

وقرأ الحسن : فأيقنوا ، وهو دليل لقراءة العامّة. فإن قلت : هلّا قيل بحرب الله ورسوله؟ قلت : كان هذا أبلغ لأنّ المعنى فأذنوا بنوع من الحرب عظيم عند الله ورسوله. «الزمخشري ١ : ٣٢٢».

أقول : والإذن بمعنى الإعلام ليس ممّا نعرفه في غير هذه الآية.

أما قول الزمخشري إن الإذن هو الاستماع ، فهو إشعار لنا أن «الإذن» ، وهو المصدر من الفعل «أذن» ، قد جاء من «الأذن» ، وهي عضو السمع ، كما أن «المعاينة» جاءت من العين ، و «الأنفة» جاءت من الأنف.

٢٥ ـ قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [الآية ٢٨٦].

قال الزمخشري «في الكشاف ١ : ٣٣٢» :

(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ، ينفعها ما كسبت من خير ، ويضرّها ما

١١١

اكتسبت من شرّ ، لا يؤاخذ بذنبها غيرها ، ولا يثاب غيرها بطاعتها. فإن قلت : لم خصّ الخير بالكسب ، والشرّ بالاكتساب؟ قلت : في «الاكتساب» اعتمال ، فلمّا كان الشرّ ممّا تشتهيه النفس ، وهي منجذبة إليه وأمّارة به ، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه. ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير ، وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال».

أقول :

لو استقرينا الآيات الكريمة في سائر سور القرآن ، لنتبيّن حقيقة ما ذهب إليه الزمخشري من أن الفعل المزيد «اكتسب» ، قد خصّ بالشرّ في حين أن الفعل المجرّد «كسب» ، قد خصّ بالخير ، لاهتدينا إلى أنّ المزيد والمجرّد بمعنى ، وأنّ الفعل المجرّد يأتي للخير كما يأتي في الشرّ ، ومثله الفعل المزيد «اكتسب» ، وسنعرض لطائفة من الآيات :

قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) [الآية ٢٦٧].

(لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) [الآية ٢٦٤].

(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) (٣) [الأنعام].

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [الآية ١٣٤].

(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [الآية ٢٨٦].

إنّ الفعل «كسب» ، في هذه الآيات يجيء خاصا بالخير ، غير أننا نجد هذا الفعل خاصا بالشر كما في قوله تعالى :

(وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٩٦) [الأعراف].

(أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨) [يونس].

(وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) [النساء : ١١١].

(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً) [النساء : ١١٢].

ونأتي إلى المزيد «اكتسب» ، فنجده ، قد خصّ بالشر ، كما في قوله تعالى :

(لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) [النور : ١١].

(لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [الآية ٢٨٦].

١١٢

كما نجد هذا الفعل المزيد ، قد خصّ بالخير ، كما في قوله تعالى :

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) [النساء : ٣٢].

لقد بدا لنا أن لا فرق بين المجرّد والمزيد ، وأنّ الاختصاص الذي ذهب إليه الزمخشري غير حاصل في كلام الله عزوجل ، وذلك ممّا أفدناه من الآيات التي أشرنا إليها ، وهي قليل من كثير.

والذي سوّغ للزمخشري أن يذهب إلى القول بالاختصاص ، والتفريق بين «كسب» ، و «اكتسب» ، أنّ الفعل الأول قد سبقة المجرور باللام ، وأنّ الفعل الثاني قد سبقة المجرور ب «على».

ومن المعلوم أنّ استعمال اللام في الجرّ يفيد هذا الذي دفع الزمخشري إلى القول بالاختصاص بالخير ، كما أنّ استعمال «على» يفيد ما ذهب إليه من الاختصاص بالشر ، كقولنا : يوم لك ويوم عليك. فالاختصاص بالخير أو الشر قد جاء من استعمال الخافض ، وهو اللّام في الأوّل ، و «على» في الثاني.

١١٣
١١٤

المبحث السادس

المعاني اللغوية في سورة «البقرة» (١)

أمّا قوله تعالى (الم) [الآية ١] ، فإن هذه الحروف أسكنت ، لأنّ الكلام ليس بمدرج ، وإنّما يكون مدرجا ، لو عطف بحرف العطف ، وذلك أنّ العرب تقول في حروف المعجم كلّها بالوقف ، إذا لم يدخلوا حروف العطف ، فيقولون : «ألف باء تاء ثاء» ويقولون : «ألف وباء وتاء وثاء». وكذلك العدد عندهم ، ما لم يدخلوا حروف العطف فيقولون : «واحد اثنان ثلاثة». وبذلك ، وعلى أنه ليس بمدرج ، قطعت ألف «اثنين» ، وهي من الوصل. فلو كان وصلها بالذي قبلها ، لذهبت ، ولكن هذا من العدد ؛ والعدد والحروف كلّ واحد منها شيء مفصول على حياله. ومثل ذلك (المص) (١) [الأعراف] ، (الر) (٢) و (المر) [الرعد] ، و (كهيعص) (١) [مريم] و (طسم) (١) (٣) و (يس) (١) [يس] ، و (طه) (١) [طه] ، و (حم) (١) (٤) و (ق) [ق] و (ص) [سورة ص]. إلا أنّ قوما قد نصبوا (يس) (١) و (طه) (١) و (حم) (١) (٥) وهو

__________________

(١). انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش ، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد ، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب ، بيروت ، غير مؤرّخ

(٢). يونس ١٠ : ١ وهود ١١ : ١ ويوسف ١٢ : ١ وابراهيم ١٤ : ١ والحجر ١٥ : ١

(٣). الشعراء ٢٦ : ١ والقصص ٢٨ : ١

(٤). غافر ٤٠ : ١ ، وفصلت ٤١ : ١ ، والشورى ٤٢ : ١ ، والزخرف ٤٣ : ١ ، والجاثية ٤٥ : ١ ، والأحقاف ٤٦ : ١

(٥). ذكر نصب [يس] في معاني القرآن ٣ : ٣٧١ ولم ينسبه قراءة ونسب في الشواذ ١٢٤ فتح النون من [يس] والفاء من [ق] والدال من [ص] إلى عيسى بن عمر ، ونسب في المحتسب ٢ : ٢٠٣ فتح النون من [يس] إلى ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ، ونسب في الجامع ١٥ : ٣ ونصب النون في [يس] إلى عيسى وفي البحر ٧ : ٣٢٣ كما في المحتسب.

١١٥

كثير في كلام العرب ، وذلك أنّهم جعلوها أسماء كالأسماء الأعجمية «هابيل» و «قابيل». فإمّا أن يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنّه قال : «اذكر حم وطس ويس» ، أو جعلوها كالأسماء ، التي هي غير متمكّنة فحرّكوا آخرها واحدة كفتح «أين» ، وكقول بعض الناس (الحمد لله) بكسر الدال. وقرأ بعضهم (ص) و (ن) و (ق) (١) بالفتح ، وجعلوها أسماء ليست بمتمكّنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماء للسورة ، فصارت أسماء مؤنّثة. ومن العرب من لا يصرف المؤنث إذا كان وسطه ساكنا نحو «هند» و «جمل» و «دعد». قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الرابع] :

وإنّي لأهوى بيت هند وأهلها

على هنوات قد ذكرن على هند

وهو يجوز في هذه اللغة أو يكون سمّاها بالحرف ، والحرف مذكّر ، وإذا سمّي المؤنث بالمذكّر لم ينصرف ، فجعل (ص) وما أشبهها ، اسما للسورة ولم يصرف ، وجعله في موضع نصب.

وقرأ بعضهم (صاد والقرآن) (٢) فجعلها من «صاديت» ثم أمر ، كما تقول «رام» ، كأنه قال : «صاد الحقّ بعملك» اي : تعمّده (٣) ، ثم قال (وَالْقُرْآنِ) [ص : ١] فأقسم ، ثم قال (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) (٢) [ص]. فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنّهم زعموا أن «بل» هاهنا انّما هي «إنّ» فلذلك صار القسم عليها (٤).

__________________

(١). في الطبري ٢٣ : ١١٨ نسبت إلى عيسى بن عمر وهي مرجوحة عنده وفي الشواذ ١٢٩ كذلك وفي المحتسب ٢ : ٢٣٠ اقتصر على فتح الدال من (ص) وفي الجامع ١٥ : ١٤٣ نسبت الثلاثة إلى عيسى ، وزاد في البحر ٧ : ٣٨٣ محبوبا عن ابن عمر ، وفرقة لم يعيّنها واقتصر في الشواذ ١٢٤ على فتح الميم من (حم) ونسبة إلى عيسى بن عمر ، وكذلك في الجامع ١٥ : ٢٩٠. وجاءت في الأصل (ن) مكتوبة اللفظ (نون)

(٢). سورة ص ٣٨ : ١. في معاني القرآن ٢ : ٣٩٦ خفض الدال من (ص) إلى الحسن. والطبري ٢٣ : ١١٨ إلى عبد الله بن أبي إسحاق ، وهي مرجوحة بقراءة السكون ، وفي الشواذ ١٢٩ زاد أبا السمال ، وفي المحتسب ٢ : ٢٣٠ إلى أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق. وفي الجامع ٥ : ١٤٢ زاد نصر بن عاصم وفي البحر ٧ : ٣٨٣ زاد أبا السمال وإبراهيم بن أبي عبلة.

(٣). في إيضاح الوقف والابتداء ١ : ٤٨٣ و ٤٨٤ نقل الرأي بلفظ مخالف وزيادات.

(٤). نقله في الصحاح واللسان «بلل».

١١٦

وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور ، فقال بعضهم : «إنّما هي حروف يستفتح بها» فإن قيل «هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى»؟. فإنّ معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت ، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا ، علامة لانقطاع ما بينهما ، وذلك موجود في كلام العرب ، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز ، وهو الشاهد الخامس] :

بل.

وبلدة ما الإنس من آهالها (١) أو يقول [من الرجز ، وهو الشاهد السادس] :

بل.

ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا (٢) ف «بل» ليست من البيت ولا تعدّ في وزنه ، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر (٣). وقال قوم : «إنّها حروف ، إذا وصلت ، كانت هجاء لشيء يعرف معناه ، وقد أوتي بعض الناس علم ذلك. وذلك أن بعضهم ، كان يقول : «الر» و «حم» و «ن» هذا هو اسم «الرحمن» جل وعزّ ، وما بقي منها ، فنحو هذا».

وقالوا : قوله تعالى (كهيعص) (١) [مريم] كاف ، هاد ، عالم ، صادق ، فأظهر من كل اسم منها حرفا ليستدلّ به عليها. فهذا يدلّ ، على أن الوجه الأوّل لا يكون إلّا وله معنى. لأنه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك ، لأن (الم) و (طسم) (١) و (كهيعص) (١) ليست مثل شيء من

__________________

(١). ورد في الصحاح «بلل» بلفظ «آهالها» ولم يعز. وكذلك ورد في «اللسان» «أهل» وبعده :

ترى بها العواهق من وئالها

وورد في «بلل» مع مصراع ثالث هو :

كالنار جرّت طرفي حبالها ولم يعز في أيّ

(٢). ورد في الصحاح «بلل» وفي اللسان «بلل» ولم يعز فيهما. وهو لعبد الله العجاج. انظر ديوانه (٣٤٨) ، والكتاب (٢ : ٢٩٩) ، والأمالي ١ : ٣٨ ، والخصائص (١ : ١٧١) ، وشرح شواهد المغني للسيوطي (٢٦٨).

(٣). نقل الجوهري في الصحاح «بلل» وفعل ابن منظور في اللسان فعله وزاد في مصاريع الرجز اللامي.

١١٧

الأسماء ، وإنما هي حروف مقطّعة.

وقرأ قوله تعالى (الم (١) اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران] بفتح الميم ، لأنّها لقيها حرف ساكن ، فلم يكن من حركتها بدّ. فان قيل : «فهلّا» حرّكه بالجر»؟ فان هذا لا يلزم فيها ، وإنما أرادوا الحركة ، فإذا حرّكوها بأي حركة كانت ، فقد وصلوا الى الكلام بها ، ولو كانت كسرت لجاز ، ولا أعلمها إلّا لغة (١).

وقال بعضهم : «فتحوا الحروف التي للهجاء ، إذا لقيها الساكن ليفصلوا بينها وبين غيرها. وقالوا : «من الرجل» ففتحوا لاجتماع الساكنين. ويقولون «هل الرجل» و «بل الرجل» وليس بين هذين وبين «ومن الرجل» فرق ، إلّا أنّهم قد فتحوا «من الرجل» لئلّا تجتمع كسرتان ، وكسروا (إِذِ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٩٣]. وقد اجتمعت كسرتان لأنّ «من» أكثر استعمالا في كلامهم من «إذ» ، فأدخلوها الفتح ليخفّ عليهم. وإن شئت قلت : «ألم» حروف منفصل بعضها من بعض ، لأنّه ليس فيها حرف عطف ، وهي أيضا منفصلة ممّا بعدها ، فالأصل فيه أن تقول (ألم الله) فتقطع ألف (اللهُ) (٢) إذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت «واحد ، اثنان» فقطعت. وكما قرأ القراء (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] فبيّنوا النون لأنّها منفصلة (٣). ولو كانت غير منفصلة لم تبين إلّا أن يلقاها أحد الحروف الستة. ألا ترى أنّك تقول «خذه من زيد» و «خذه من عمرو» فتبيّن

__________________

(١). نسبت في الشواذ ١٩ إلى عمرو بن عبيد وفي البحر ٢ : ٣٧٤ إلى ابن حياة ، وروي أن ابن عطية نسبها إلى الرواسي ، وأنّ الزمخشري نسبها إلى عمرو بن عبيد. وقد أنكر أبو إسحاق الزّجّاج هذا الرأي على الأخفش ، وقال «الذي حكاه الأخفش من كسر الميم خطأ لا يجوز ولا تقوله العرب لثقله» (اعراب القرآن ١ : ١٤٣) ونقل القرطبي رأي الأخفش في الجامع (٤ : ١)

(٢). هي قراءة الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبي جعفر الرواسي (إعراب القرآن ١ : ١٤٣) وقال ابن مجاهد إنّها قراءة عاصم (السبعة ٢٠٠)

(٣). في معاني القرآن ٣ : ١٧٢ قرأ الإخفاء ، ولم ينسبها قراءة البيان إلى الأعمش وحمزة (٣ : ١٧٢) ، وفي الطبري ٢٩ : ١٦ أنّ الكسائي كان يدغم النون الاخرة في (نون) و (يس) أو يخفيها بناء على الاتصال ، ونسب إظهار النون فيهما إلى قرّاء الكوفة. وفي السبعة ٦٤٦ ، أنّ إخفاء النون إلى عاصم والكسائي ، وتبيينها إلى عاصم في رواية ، وإلى ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي عمرو وحمزة ، وفي الجامع ١٨ : ٢٢٣ أنّ الإدغام إلى أبي بكر والمفضّل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب. أمّا في البحر ٨ : ٣٠٧ فإدغام النّون وإسكانها إلى الجمهور وإظهار النون إلى حمزة وأبي عمرو وابن كثير وقالون وحفص.

١١٨

النون في «عمرو» ولا تبيّن في «زيد». فلمّا كانت ميم ساكنة ، وبعدها حرف مقطوع مفتوح ، جاز أن تحرّك الميم بفتحة الألف ، وتحذف الالف في لغة من قال : «من أبوك» فلا تقطع. وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج ، فقرأوا (نون والقلم) فأثبتوا النّون ولم يبيّنوها. وقالوا (يس (١) وَالْقُرْآنِ) [يس] (١) فلم يبيّنوا أيضا. وليست هذه النّون ها هنا بمنزلة قوله (كهيعص) (١) [مريم] و (طس تِلْكَ) [النمل : ١] و (حم (١) عسق) (٢) [الشورى].

فهذه النونات لا تبيّن في القراءة ، في قراءة أحد ، لأنّ النّون قريبة من الصاد ، فالصّاد والنّون من مخرج طرف اللسان. وكذلك التّاء والسّين في (طس تِلْكَ) وفي (حم (١) عسق) (٢) [الشورى] ، فلذلك لم تبيّن النون إذ قربن منها. وتبيّنت النون في (يس) (١) و (ن) لبعد النون من الواو ، لأنّ النون بطرف اللسان ، والواو بالشّفتين.

وقال : (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢) وقال (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [الآيات ١٧٣ و ١٨٢ و ٢٠٣] فنصبهما بغير تنوين. وذلك أنّ كلّ اسم منكور نفيته ب «لا» ، وجعلت «لا» الى جانب الاسم ، فهو مفتوح بغير تنوين ، لأنّ «لا» مشبّهة بالفعل ، كما شبّهت «إنّ» و «ما» بالفعل. و (فيه) في موضع خبرها ، وخبرها رفع ، وهو بمنزلة الفاعل ، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به ، و (لا) بمنزلة الفعل. وإنّما حذفت التنوين منه لأنّك جعلته و «لا» اسما واحدا ، وكلّ شيئين جعلا اسما لم يصرفا (٢). والفتحة التي فيه لجميع الاسم ، بني عليها ، وجعل غير متمكّن. والاسم الذي بعد «لا» في موضع نصب عملت فيه «لا».

وأما قوله (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ

__________________

(١). انظر الهامش السابق أيضا في السبعة ٥٣٨ ، تبيين النون فيها إلى رواة نافع ، وعدم التبيين إلى نافع في رواية ، ونسب في الكشف ٢ : ٢١٤ عدم التبيين إلى ورش وأبي بكر والكسائي وابن عامر وفي الجامع ١٥ : ٣ نسب إدغام النون بالواو إلى اهل المدينة والكسائي ، واسكان النّون إلى أبي عمرو والأعمش وحمزة ، ونسب في البحر ٧ : ٣٢٣ سكون النّون مدغمة في الواو إلى الجمهور والكسائي وأبي بكر وورش وابن عامر ، وأنّ سائر السبعة قرءوا النّون ساكنة

(٢). أي «بنيا».

١١٩

(يَحْزَنُونَ) (٦٢) [يونس] (١) فالوجه فيه الرفع ، لأنّ المعطوف عليه لا يكون إلّا رفعا ورفعته ، لتعطف الاخر عليه. وقد قرأها قوم نصبا ، وجعلوا الاخر (رفعا) على الابتداء.

وقوله (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [الآية ١٩٧] ، فالوجه النصب (٢) لأنّ هذا نفي ولأنّه كلّه نكرة. وقد قرأ قوم (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فرفعوه كلّه (٣) ، وذلك أنّه قد يكون هذا المنصوب كلّه ، مرفوعا في بعض كلام العرب ، قال الشاعر (٤) [من البسيط وهو الشاهد السابع] :

وما صرمتك حتّى قلت معلنة

لا ناقة لي في هذا ولا جمل (٥)

وهذا جواب لقوله «هل فيه رفث أو فسوق» ، فقد رفع الأسماء بالابتداء ، وجعل لها خبرا ، فلذلك يكون جوابه رفعا. وإذا قال «لا شيء» فإنّما هو جواب «هل من شيء» لأن «هل من شيء» قد أعمل فيه «من» بالجر ، وأضمر الخبر ، والموضع مرفوع ، مثل : «بحسبك أن تشتمني» فإنّما هو : «حسبك أن تشتمني». فالموضع مرفوع ، والباء قد عملت.

وقد قرأ قوم : (فلا رفث ولا فسوق)

__________________

(١). وورد التعبير أيضا في أحد عشر موضعا آخر من القرآن الكريم مسبوقا بالفاء ، أو الواو ، أو أن. «انظر المعجم المفهرس» يحزنون

(٢). في معاني القرآن ١ : ١٢٠ نسبت إلى القرّاء بلا تحديد ، واستثنى في السبعة ١٨٠ ابن كثير وأبا عمرو ، وكذلك الكشف ١ : ٢٨٦ وقال إنّ عليها الأعرج وشيبة والأعمش وأبا رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ، واستثنى في التيسير ٨٠ ابن كثير وأبا عمرو ونسبت في البحر ٢ : ٨٨ إلى الكوفيين ونافع ، أمّا في حجّة ابن خالويه ٧١ والمشكل ٦٢ ، والجامع ٢ : ٤٠٨ فلم تنسب.

(٣). في المصاحف ٥٨ نسبت إلى عبد الله مع «رفوث» بدل «رفث» ، وفي الشواذ ١٢ نسبت إلى أبي جعفر المدني ، وفي الجامع ٢ : ٤٠٩ إلى أبي جعفر بن القعقاع ، وإلى نافع في رواية ، ونسبت في البحر ٢ : ٨٨ إلى أبي جعفر ، وأنّها رويت عن عاصم بطريق المفضّل عنه (أمّا في المشكل ٦٣ فأوردها ولم ينسبها وفي التيسير ٨٠ عدم الاختلاف في فتح «جدال» انظر الطبري ٤ : ١٥٤ ومعاني القرآن ١ : ١٢٠ والسبعة ١٨٠ وحجّة ابن خالويه ٧١ ، والكشف ١ : ٢٨٥ و ٢٨٦ والتيسير ٨٠ والجامع ٢ : ٤٠٨ والبحر ٢ : ٨٨).

(٤). هو الراعي النّميري. الكتاب ١١ : ٣٥٤ واللسان (لقا).

(٥). ورد في شرح الأشموني بلفظ هجرتك «باب لا التي تنفي الجنس» ، وفي شعر الراعي النميري ص ١١٢ بلفظ هجرتك.

١٢٠