الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١

الموسوعة القرآنيّة خصائص السور - ج ١

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٢

و (بيتي) (١) و (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) (٦) [نوح] (٢) و (دعائي) (٣). وكذلك إذا لقيتها ألف ولام زائدتان ، فإن شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين ، وإن شئت فتحتها ، كيلا يجتمع حرفان ساكنان. إلّا أنّ أحسن ذلك الفتح ، نحو قول الله تبارك وتعالى (جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي) [غافر : ٦٦] (٤) و (نِعْمَتِيَ الَّتِي) (٥) وأشباه ذا. وبه نقرأ. وإن لقيته أيضا ألف وصل بغير لام ، فأنت فيه أيضا بالخيار ، إلّا أنّ أحسنه ، في هذا ، الحذف ، وبه نقرأ (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) [الأعراف : ١٤٤] (٦) و (هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) (٣١) [طه] (٧).

__________________

(١). وفي السبعة ٦٥٤ إلى عاصم برواية أبي بكر ، وغير من أخذ بقراءة الفتح ، وفي الحجّة ٣٢٥ بلا نسبة ، وفي الكشف ١ : ٣٢٥ إلى ورش ، ٣٢٧ إلى ابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي وإلى ابن عامر في رواية ابن ذكوان.

(٢). وفي السبعة ٦٥٢ بالهمز إلى وحمزة والكسائي ، وفي رواية عبّاس إلى أبي عمرو ؛ وفي الحجّة ٣٢٥ بلا نسبة ، وفي الكشف ١ : ٣٢٧ إلى ابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي ، و ٢ : ٣٣٨ إلى الكوفيين. وهي القراءة المثبتة في المصحف الشريف.

(٣). بالهمز في السبعة ٦٥٢ إلى ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ونافع ، وفي الحجّة ٣٢٥ بلا نسبة ، وفي الكشف ١ : ٣٢٥ إلى نافع برواية ورش ، وإلى قالون ، ٣٢٧ إلى ابن كثير ، وفي التيسير ٦٥ إلى نافع وأبي عمرو وابن كثير ، و ٦٦ إلى ابن عامر ؛ وبلا همز ، في السبعة ٦٥٢ إلى خلف وابن كثير ؛ وفي الحجّة ٣٢٥ بلا نسبة.

(٤). وقراءة الفتح في الكشف ١ : ٣٢٥ إلى نافع ورش وإلى قالون ، وفي التيسير ٦٧ نسبها إلى «كلّهم» قراءة السكون ، في الكشف ١ : ٣٢٧ إلى ابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي ؛ وفي التيسير ٦٦ إلى حمزة والكسائي.

(٥). البقرة ٢ : ٤٠ و ٤٧ و ١٢٢ ؛ وقراءة الفتح في السبعة ١٩٧ إلى غير عاصم برواية المفضل ، والكشف ١ : ٣٢٥ إلى نافع برواية ورش وإلى قالون ، وفي التيسير ٦٧ نسبها إلى «كلّهم» وقراءة السكون في السبعة ١٩٧ إلى عاصم برواية المفضّل ، وفي الكشف ١ : ٣٢٧ إلى ابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي.

(٦). قراءة الإسكان في السبعة ٣٠١ إلى حمزة ونافع وعاصم ، وباختلاف عن ابن عامر ، والكشف ١ : ٣٢٧ إلى نافع وابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي وفي التيسير ٦٧ إلى نافع. وقراءة فتح الياء في السبعة ٣٠٢ إلى أبي عمرو وباختلاف عن ابن عامر ، وفي الكشف ١ : ٣٢٥ إلى نافع برواية ورش ، وإلى قالون ، و ٣٢٦ إلى أبي عمرو ؛ وفي التيسير ٦٨ إلى أبي عمرو.

(٧). قراءة الإسكان في السبعة ٤٢٦ إلى نافع وحمزة والكسائي وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر ؛ وفي الكشف ١ : ٣٢٥ إلى ورش وقالون ، و ٣٢٧ إلى نافع وابن كثير ، و ٣٢٨ إلى حمزة ، و ٣٢٩ إلى الكسائي ؛ وفي التيسير ٦٧ إلى نافع. وقراءة فتح الياء في السبعة ٤٢٦ إلى أبي عمرو وابن كثير ؛ وفي الكشف ١ : ٣٢٥ إلى نافع في رواية ورش ، وإلى قالون ؛ و ٣٢٦ إلى أبي عمرو ؛ و ٢ : ١٠٩ إلى ابن كثير وأبي عمرو ، وهذا مناقض لما جاء في ١ : ٣٢٧ عن ابن كثير ؛ وفي التيسير ٦٨ ، إلى أبي عمرو.

١٦١

فإذا كان شيء من هذا الدّعاء ، حذفت منه الياء ، نحو (يا عِبادِ فَاتَّقُونِ) (١٦) [الزمر] و (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) [يوسف : ١٠١] و (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) (٩٣) [المؤمنون].

ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدّعاء وغيره ، من كلّ شيء (١). وذلك قبيح ، قليل ، إلّا ما في رؤوس الآي ، فإنّه يحذف الوقف ، كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي ، نحو قول طرفة بن العبد [من الطويل وهو الشاهد الرابع والأربعون] :

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض (٢)

وقوله (٣) [من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون] :

ألا هبّي بصحنك فاصبحينا

ولا تبقي خمور الأندرين (٤)

هذا إذا وقفوا ، فإذا وصلوا قالوا : «من بعضي» و «الأندرينا» ، وذلك في رؤوس الآي كثير ، نحو قوله تعالى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) [ص : ٨] و (إِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١). فإذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة ، وهي قراءة العامّة ، وبها نقرأ ، لأنّ الكتاب عليها.

وقد سكت قوم بالياء ووصلوا بالياء (٥) ، وذلك على خلاف الكتاب ، لأنّ الكتاب ليست فيه ياء ، وهي اللغة الجيّدة (٦). وقد سمعنا عربيّا فصيحا ينشد [من الطويل وهو الشاهد السادس والأربعون] :

فما وجد النّهديّ وجدا وجدته

ولا وجد العذريّ قبل جميل (٧)

يريد «قبلي» فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم «قبل» ، إعمال ما ليس فيه ياء ،

__________________

(١). هي لغة هذيل البحر ٥ : ٢٦١ ، اللهجات العربيّة ٥٤٩ و ٥٥٠.

(٢). ديوانه ١٧٢ ، ومجاز القرآن ٢ : ٣ ، والكتاب ١ : ١٧٤ ، والكامل ٢ : ٥٤٩.

(٣). هو عمرو بن كلثوم التغلبي.

(٤). البيت هو مطلع معلّقته المشتهرة. ويمكن الرجوع فيه إلى كل شروح المعلّقات المختلفة.

(٥). هي قراءة يعقوب ، واللهجات العربيّة ٥٥١.

(٦). هي لغة الحجاز ، اللهجات العربية ٥٥٠.

(٧). ورد في الإنصاف ٢ : ٢٨٣ ، والهمع ، ١ : ٢١٠ والدرر ١ : ١٧٦ بلا عزو.

١٦٢

فقال : «قبل جميل» وهو يريد «قبلي». كما قال بعض العرب «يا ربّ اغفر لي» فرفع وهو يريد «يا ربّي».

وأمّا قوله سبحانه (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (١٠) [الأحزاب] و (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) (٦٧) [الأحزاب] فتثبت فيه الألف لأنّهما رأس آية (١) ، لأنّ قوما من العرب ، يجعلون أواخر القوافي إذا سكتوا عليها ، على مثل حالها إذا وصلوها ، وهم أهل الحجاز. وجميع العرب إذا ترنّموا في القوافي ، أثبتوا في أواخرها الياء والواو والالف.

وأمّا قوله تعالى (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ) [مريم : ٤٥] فأنّث هذا الاسم بالهاء ، كقولك «رجل ربعة» و «غلام يفعة». أو يكون أدخلها ، لما نقص من الاسم عوضا (٢). وقد فتح قوم ، كأنّهم أرادوا «يا أبتا» ، فحذفوا الألف ، كما يحذفون الياء (٣) ، كما قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون] :

ولست بمدرك ما فات منّي

ب «لهف» ولا ب «ليت» ولا «لو أنّي»

يريد : «لهفاه». وممّا يدلك على أنّ هذا الاسم أنّث بالهاء ، قول الشاعر (٤) [من الطويل وهو الشاهد السابع والأربعون] :

تقول ابنتي لمّا رأتني شاحبا

كأنّك فينا يا أبات غريب (٥)

فردّ الألف ، وزاد عليها الهاء ، كما أنّث في قوله «يا أمتاه» (٦) ، فهذه ثلاثة

__________________

(١). إثبات الألف في الأولى والثانية وصلا ووقفا في الطبري ٢١ : ١٣٢ إلى عامّة قرّاء المدينة وبعض الكوفيين ، وفي السبعة ٥١٩ و ٥٢٠ إلى عاصم في رواية أبي بكر ، وإلى نافع وابن عامر وإلى أبي عمرو في رواية أيضا ؛ وفي الكشف ٢ : ١٩٤ إلى نافع وابن عامر وأبي بكر وفي التيسير ١٧٨ إلى غير حمزة وأبي عمرو وابن كثير وحفص والكسائي. وفي الجامع ١٤ : ١٤٥ إلى نافع وابن عامر في رواية ، وأبي عمرو والكسائي أيضا ؛ وفي البحر ٧ : ٢١٧ إلى غير حمزة وأبي عمرو وابن كثير والكسائي وحفص.

(٢). في الكشف ٢ : ٣ نسبت في الآية السابقة ١٩ : ٤٤ قراءة (أبه) بالهاء إلى ابن كثير وابن عامر.

(٣). في الكشف ٢ : ٣ إلى ابن عامر وفي البحر ٦ : ١٩٣ زاد الأعرج وأبا جعفر.

(٤). هو أبو أبي الحدرجان كما في نوادر أبي زيد ٢٣٩ ، وليس أبا الحدرجان كما في معجم شواهد العربية ٣٨.

(٥). في نوادر أبي زيد ٢٣٩ بلفظ «أباه» بالهاء ، وفي الصحاح «أبا» ، والخصائص ١ : ٣٣٩ وشرح الأبيات للفارقي ٨٣ ، والمقاييس «شحب» ، والأساس «شحب» ، واللسان «إلى» ، ثم أعاد ذكره ب «رأت وشك رحلتي» بدل «رأتني شاحبا» ولم يعزه إلّا أبو زيد.

(٦). في اللسان «أمم : الام والأمة الوالدة. ويقال يا أمة لا تفعلي.

١٦٣

أحرف. ومن العرب من يقول : «يا أمّ لا تفعلي» ، رخّم كما قال : «يا صاح» (١). ومنهم من يقول «يا أميّ» و «يا أبي» ، على لغة الذين قالوا : «يا غلامي (٢). ومنهم من يقول «يا أب» و «يا أمّ» ، وهي الجيّدة في القياس (٣).

وأمّا قوله تعالى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) [الآية ٤٠] ، فمن العرب من يهمز (٤) ومنهم من لا يهمز (٥). ومنهم من يقول (إسرائل) يحذف الياء التي بعد الهمزة ، ويفتح الهمزة (٦) ، ويكسرها (٧).

باب المجازاة

فأمّا قوله تعالى (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [الآية ٤٠] فإنّما جزم الاخر ، لأنّه جواب الأمر ؛ وجواب الأمر مجزوم مثل جواب ما ، بعد حروف المجازاة ، كأنه تفسير «إن تفعلوا» أوف بعهدكم (٨) وقال في موضع آخر (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) [الفتح : ١٥]. وقال جلّ جلاله (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١) [الأنعام] ، فلم يجعله جوابا ، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون ، فقال «ذرهم في حال لعبهم» وقال أيضا (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) [الحجر : ٣] وليس من أجل الترك يكون ذلك ، ولكن قد علم الله أنه يكون ، وجرى على الإعراب كأنّه قال : «إن تركتهم ألهاهم الأمل» (٩) ، وهم كذلك ، تركهم أو لم يتركهم. كما أنّ بعض الكلام ، يعرف لفظه والمعنى على خلاف ذلك ، وكما أنّ بعضهم

__________________

(١). في الصحاح واللسان والتاج «صحب» ، أنه لا يجوز ترخيم المنادى إلا في هذا وحده في كلام العرب.

(٢). هي لغة الحجاز. اللهجات العربية ٥٥٠.

(٣). هي لغة هذيل. البحر ٥ : ٢٦١ ، واللهجات العربيّة ٥٤٩ و ٥٥٠.

(٤). في البحر ١ : ١٧١ إلى الجمهور.

(٥). في البحر ١ : ١٧١ إلى أبي جعفر والأعشى وعيسى بن عمر ، والجامع ١ : ٣٣١ بإغفال أبي جعفر.

(٦). في البحر ١ : ١٧١ بلا نسبة.

(٧). في البحر ١ : ١٧١ إلى ورش.

(٨). هذا الرأي للخليل كما في الكتاب ١ : ٤٤٩.

(٩). في الكتاب ١ : ٤٥١ هذا المعنى والاستشهاد بالآية (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١) [الأنعام] ولكن بعبارة أخرى.

١٦٤

يقول : «كذب عليكم الحجّ» (١) ف «الحجّ» مرفوع ، وإنّما يريدون أن يأمروا بالحج. قال الشاعر (٢) [من الكامل وهو الشاهد الثامن والأربعون] :

كذب العتيق وماء شنّ بارد

إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي

وقال (٣) [من الوافر وهو الشاهد التاسع والأربعون] :

وذبيانيّة توصي بنيها

ألا كذب القراطف والقروف (٤)

قال أبو عبد الله (٥) : «القراطف» ، واحدها «قرطف» : وهو كلّ ما له خمل من الثياب. و «القروف» ، واحدها «قرف» : وهو وعاء من جلود الإبل كانوا يغلون اللحم ، ويحملونه فيه في أسفارهم. ويقولون : «هذا جحر ضبّ خرب» والخرب هو الجحر. ويقول : أحدهم : «هذا حبّ رمّاني». فيضيف الرمّان إليه وإنّما له الحبّ ؛ وهذا في الكلام كثير.

وقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤] و (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٥٣] فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للأمر (٦). وقد زعم قوم ، أنّ هذا إنّما هو على «فليغفروا» و «قل لعبادي فليقولوا» ، وهذا لا يضمر كلّه ، يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا لجاز قول الرجل : «يقم زيد» ، وهو يريد

__________________

(١). نسبتها كتب اللغة إلى الخليفة عمر بن الخطاب ، الصحاح واللسان والتاج «كذب» وعبارة الصحاح : «قال الأخفش : فالحجّ مرفوع ب «كذب» ومعناه نصب ، لأنّه يريد أن يأمر بالحج كما يقال : «أمكنك الصيد» يريد : «ارمه» قال الشاعر : «البيت» ، وفي اللسان نسبت العبارة إلى النضر بن شميل مع تغيير طفيف فيها. وفي التكملة «كذب» بعبارة مغايرة.

(٢). قيل هو عنترة ، وقيل بل الخرز بن لوذان السّدوسي. ديوان عنترة ٢٧٣ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ : ٣٠٢ ، واللسان «كذب» ، والتاج «كذب» ، وقال إنه في ديوانيهما.

(٣). هو معقر بن حمار البارقي «الصحاح» «ق ر ف» «والجمهرة» «ر ف ق» اللسان «كذب» ، و «قرف» ، وشرح التبريزي للسقط ١٣٦٦ ، والخزانة ٢ : ٢٨٩ ، والتاج كذب.

(٤). في الصحاح «قرف» ب «وصت» و «بأن كذب» «والجمهرة» رفق ب «أوصت» و «بأن» وفي الخزانة كالجمهرة وفي المقاييس كالصحاح وفي التاج «كذب». كالجمهرة.

(٥). هو أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي أو محمد بن سلّام الجمحيّ. انظر مناقشة إشارة هذه الكنية إليه في منهج الأخفش الأوسط ٥١ ، ٥٤.

(٦). نقله في زاد المسير ٥ : ٤٧ ، والبحر ٦ : ٤٩ ، والإملاء ٢ : ٦٩ ، ورد عليه الرأي في الأخير.

١٦٥

«ليقم زيد». وهذه الكلمة أيضا أمثل ، لأنّك لم تضمر فيها الفاء مع اللام.

وقد زعموا أنّ اللام قد جاءت مضمرة ، قال الشاعر (١) [من الوافر وهو الشاهد الخمسون] :

محمّد تفد نفسك كلّ نفس

إذا ما خفت من شيء تبالا (٢)

يريد : «لتفد» ، وهذا قبيح. وقال : «يتق الله امرؤ فعل كذا وكذا» ومعناه : «ليتّق الله». فاللفظ يجيء كثيرا ، مخالفا للمعنى. وهذا يدلّ عليه. قال الشاعر (٣) في ضمير اللام [من الطويل وهو الشاهد الحادي والخمسون] :

على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي

لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (٤)

يريد «ليبك من بكى» فحذف ، وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام [من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون] :

فيبك على المنجاب أضياف قفرة

سروا وأسارى لم تفكّ قيودها

يريد : «فلبيك» فحذف اللام.

باب تفسير أنا وأنت وهو

وأمّا قوله تعالى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (٤٠) و (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (٤١) ، فتقرأ (وَإِيَّايَ) ؛ وقد شغلت الفعل ، بالاسم المضمر ، الذي بعده الفعل. لأنّ كلّ ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو ، فهو منصوب ، نحو قولك : «زيدا فاضرب أخاه». لأنّ الأمر والنهي ، مما يضمران كثيرا ، ويحسن فيهما الإضمار ، والرفع أيضا جائز ، على أن لا يضمر. قال الشاعر (٥) [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون] :

__________________

(١). قيل هو الأعشى ، وقيل أبو طالب ، وقيل الإمام عليّ بن أبي طالب.

(٢). الكتاب ١ : ٤٠٨ ، وشرح التبريزي لسقط الزند ١١٢٥ ، وأمالي الشجري ١ : ٣٧٥. وليس في ديوان الأعشى ، ولا ديوان أبي طالب.

(٣). هو متمّم بن نويرة ـ متمّم ومالك ٨٤ ، والكتاب ١ : ٤٠٩ وشرح الخوارزمي لسقط الزند ١١٢٤ ، وشرح شواهد المغني ٢٠٤.

(٤). متمّم ومالك ٨٤ ب «وليبك» بدل «أويبك». وانظر شرح ابن يعيش ٧ : ٦٠ والمغني ١ : ٢٢٥.

(٥). لم تفد المراجع والمصادر شيئا في معرفته. والشاهد في الكتاب ١ : ٧٠ وإعراب القرآن للزّجّاج ١ : ١٩٠ والمغني ١ : ١٦٥.

١٦٦

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا

وأمّا قوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) [النور : ٢] و (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] فزعموا ـ والله أعلم ـ أنّ هذا على الوحي ، كأنّه يقول : «وممّا أقصّ عليكم الزّانية والزّاني ، والسّارقة والسّارق». ثمّ جاء بالفعل ، من بعد ما أوجب الرفع ، على الأوّل على الابتداء ، وهذا على المجاز ، كأنّه قال «أمر السّارق والسّارقة وشأنهما ممّا نقصّ عليكم» ومثله قوله (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [محمد : ١٥] ثمّ قال من الآية نفسها (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ) كأنه قال : «وممّا أقصّ عليكم مثل الجنة» ، ثمّ أقبل يذكر ما فيها ، بعد أن أوجب الرفع في الأوّل على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا (١) ، إذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأوّل ، وهو في الأمر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام ، نحو قوله جلّ جلاله (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤]. وإنّما فعل هذا في حروف الاستفهام ، لأنّه إذا كان بعده اسم وفعل ، كان أحسن أن يبتدأ بالفعل قبل الاسم ، فإن بدأت بالاسم ، أضمرت له فعلا ، حتى تحسّن الكلام به ، وإظهار ذلك الفعل قبيح.

وما كان من هذا ، في غير الأمر والنهي والاستفهام والنفي ، فوجه الكلام فيه الرفع ، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرئ نصبا ورفعا (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] (٢).

وأمّا قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ

__________________

(١). قراءة النصب الآية النور ، في الشواذ ٣٢ إلى عيسى بن عمرو ، في المحتسب ٢ : ١٠٠ ، وفي الجامع ١٢ : ١٥٦ كذلك ، وزاد في البحر ٦ : ٤٢٧ يحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبا جعفر وشيبة وأبا السمال ورويسا. وقراءته لآية المائدة في الشواذ ٣٢ ، إلى عيسى بن عمر ، وفي البحر ٣ : ٤٧٦ إلى عيسى وابن أبي عبلة.

(٢). قراءة الرفع في معاني القرآن ٣ : ١٤ ، إلى عاصم وأهل المدينة والأعمش ، مع التنوين عند الأخير ، وفي الطبري ٢٤ : ١٠٤ إلى عامة قرّاء الأمصار ، إلّا ابن أبي إسحاق ، وأنّ الأعمش كان ينوّن ؛ وفي الجامع ١٥ : ٣٤٩ إلى ابن عباس «وغيره». وفي البحر ٧ : ٤٩١ إلى الجمهور وابن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب ؛ وقراءة النصب في معاني القرآن ٣ : ١٤ إلى الحسن ؛ وفي الطبري ٢٤ : ١٠٥ إلى ابن أبي إسحاق ؛ وفي الشواذ ١٣٣ إلى ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر ؛ وفي الجامع ١٥ : ٣٤٩ إلى الحسن وابن أبي إسحاق ؛ وفي البحر ٧ : ٤٩١ زاد الأعمش ، وروى المفضّل عن عاصم صرفها ، وعدم التصرف.

١٦٧

بِقَدَرٍ) (٤٩) [القمر]فهو يجوز فيه الرفع (١) ، وهي اللغة الكثيرة ؛ غير أنّ الجماعة اجتمعوا على النصب (٢) ، وربّما اجتمعوا على الشيء ، كذلك ممّا يجوز ، والأصل غيره. لأنّ قولك : «إنّا عبد الله ضربناه» ، مثل قولك «عبد الله ضربناه» ، لأنّ معناهما في الابتداء سواء. قال الشاعر (٣) [من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون] :

فأمّا تميم بن مرّ

فألفاهم القوم روبى نياما

وقال (٤) [من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون] :

إذا ابن أبي موسى بلال بلغته

فقام بفأس بين وصليك جازر

ويكون فيهما النصب. فمن نصب (وأمّا ثمود) ، نصب على هذا.

وأمّا قوله تعالى (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٣١) [الإنسان] وقوله (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) (٢٧) [النازعات] ثم قال (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) [النازعات] وقال (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٤) [الرحمن] ثم قال (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (٧) [الرحمن] وقال (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) (٣٩) [الفرقان] فهذا ، إنّما ينصب ؛ وقد سقط الفعل على الاسم بعده ، لأنّ الاسم الذي قبله قد عمل فيه ، فأضمرت فعلا ، فأعملته فيه ، حتّى يكون العمل من وجه واحد. وكان ذلك أحسن ، قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون] :

نغالي اللّحم للأضياف نيئا

ونرخصه إذا نضج القدور (٥)

يريد «نغالي باللّحم» فإن قلت

__________________

(١). هي قراءة نسبت في الشواذ ١٤٨ ، والمحتسب ٢ : ٢٠٠ ، والجامع ١٧ : ١٤٧ ، إلى أبي السمال ؛ وفي البحر ٨ : ١٨٣ زاد عن ابن عطية قوما من أهل السنة.

(٢). في القرطبي ١٧ : ١٤٧ الى الجماعة ، وفي البحر ٨ : ١٨٣ الى الجمهور.

(٣). هو بشر بن أبي خازم الأسدي. انظر ديوانه ١٩٠ والكتاب ١ : ٤٢ ، والصحاح «روب».

(٤). هو ذو الرّمّة غيلان ؛ انظر ديوانه ٢ : ١٠٤٢ ؛ والكتاب ١ : ٤٢ ، ومعاني الفراء ١ : ٢٤١ ب «أتيته».

(٥). في معاني القرآن ٢ : ٣٨٣. وفي التهذيب «غلا» ب «تغالى» و «تبذله» ، وأساس البلاغة «غ ل و» واللسان «غلا» ، ب «التقدير» ، وشرح الأبيات للفارقي ٢٤ و ٢٠١ ب «نبذله» ، والصحاح «غلا» ؛ وفيها كلها بلا عزو.

١٦٨

(يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ) ليس بنصب في اللفظ ، فهو في موضع نصب قد عمل فيه كما فعلت : «مررت بزيد وعمرا ضربته» ، كأنك قلت : «مررت زيدا» وقد يقول هذا بعض الناس. قال الشاعر (١) [من المنسرح وهو الشاهد السابع والخمسون] :

أصبحت لا أحمل السّلاح ولا

أملك رأس البعير إن نفرا (٢)

والذّيب أخشاه إن مررت به

وحدي وأخشى الرّياح والمطرا

وكلّ هذا ، يجوز فيه الرفع على الابتداء ، والنصب أجود وأكثر.

وأمّا قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) (٣).

فإنّما هو على معنى «يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال».

وهذه واو ابتداء لا واو عطف ، كما تقول : «ضربت عبد الله وزيد قائم». وقد قرئت نصبا (٤) ، لأنّها مثل ما ذكرنا ، وذلك لأنّه قد يسقط الفعل ، على شيء من سببها ، وقبلها منصوب فعطفتها عليه ، وأضمرت لها فعلها فنصبتها به. وما ذكرنا في هذا الباب من قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، وقوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) [النور : ٢] ليس في قوله (فَاقْطَعُوا) و (فَاجْلِدُوا) خبر مبتدأ ، لأنّ خبر المبتدأ هكذا ، لا يكون بالفاء. فلو قلت «عبد الله فينطلق» لم يحسن. وإنّما الخبر ، هو المضمر الذي فسّرت لك ، من قوله «وممّا نقصّ عليكم» وهو مثل قول الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون] :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم

وأكرومة الحيّين خلو كما هيا

وكأنّه قال : «هؤلاء خولان» كما تقول : «الهلال فانظر إليه» كأنّك قلت : «هذا الهلال فانظر اليه» فأضمر الاسم.

فأمّا قوله تعالى(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها

__________________

(١). هو الربيع بن ضبع الفزاري «المعمّرون ٩» ، والكتاب ١ : ٤٦.

(٢). في الكتاب «كما سبق» ب «أردّ» بدل أملك ، وفي التحصيل ب «أن يقرأ» ، وفي البيان ٢ : ٦٨ و ٢٩١ ب «أرد» في كليهما.

(٣). آل عمران ٣ : ١٥٤ ، وقد وردت قراءة الرفع في معاني القرآن ١ : ٢٤٠ والطّبري ٧ : ٣٢١ بلا نسبة.

(٤). في معاني القرآن ١ : ٢٤٠ ، والطّبري ٧ : ٣٢١ ذكر النّصب ولم ينسب قراءة.

١٦٩

مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : ١٦] ، فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ ، لأنّ «الذي» إذا كان صلته فعل ، جاز أن يكون خبره بالفاء ، نحو قول الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧] ثم قال ، في الآية نفسها : (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) [النساء : ٩٧].

باب الواو

أمّا قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) [الآية ٤٥] ، فلأنّه حمل الكلام على «الصلاة». وهذا كلام منه ما يحمل على الأوّل ، ومنه ما يحمل على الاخر. وقال أيضا (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] فهذا يجوز على الأوّل والاخر ؛ وأقيس هذا ، إذا ما كان بالواو ، أن يحمل عليهما جميعا. تقول : «زيد وعمرو ذاهبان». وليس هذا مثل «أو» ، لأنّ «أو» إنّما يخبر فيه عن أحد الشيئين. وأنت في «أو» بالخيار ، إن شئت جعلت الكلام على الأوّل ، وإن شئت على الاخر ؛ وأن تحمله على الاخر أقيس ، لأنّك إن تجعل الخبر على الاسم الذي يليه الخبر ، فهو أمثل من أن تجاوزه الى اسم بعيد منه. قال تعالى (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١] ، فحمله على الأول ؛ وقال في موضع آخر (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [القصص : ٧٣] وقال (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً) [النساء : ١١٢] فحمله على الاخر. قال الشاعر [من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون] :

أمّا الوسامة أو حسن النّساء فقد

أوتيت منه لو أنّ العقل محتنك

وقال ابن أحمر (١) [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون] :

رماني بداء (٢) كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل (٣) الطويّ رماني

__________________

(١). انظر ترجمته فيما سبق ، وفي مجاز القرآن ٢ : ١٦١ نسب البيت إلى الأزرق بن طرفة بن العمرّد الفراصي الباهل.

(٢). في الكتاب ١ : ٣٨ ، ومجاز القرآن ٢ : ١٦١ ، ومعاني القرآن ١ : ٤٥٨ ، والصحاح «جول» ، وإعراب القرآن للزجاجي ٢ : ٦١١ ، ب «بأمر» بدل «بداء».

(٣). في تحصيل الشّنتمري ١ / ه ٣٨ ، ومعاني القرآن ، والصحاح ، وإعراب القرآن للزّجاجي «كما سبق» ب «جول» بدل «أجل» وفي مجاز القرآن كما سبق ب «دون» بدل «أجل».

١٧٠

وقال الاخر (١) [من المنسرح وهو الشاهد الستون] :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف

وهذا مثل قول البرجمي (٢) [من الطويل وهو الشاهد الحادي والستون] :

من يك أمسى بالمدينة داره

فإنّي وقيّارا بها لغريب (٣)

باب اسم الفاعل

وقال تعالى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [الآية ٤٦] ، فأضاف قوله (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ، ولم يقع الفعل. وإنّما يضاف ، إذا كان قد وقع الفعل ، تقول : «هم ضاربو أبيك» إذا كانوا قد ضربوه. وإذا كانوا في حال الضرب ، أو لم يضربوا ، قلت : «هم ضاربون أخاك» ، إلّا أنّ العرب قدتستثقل النون ، فتحذفها في معنى إثباتها ، وهو نحو (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) مثل (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران : ١٨٥] (٤) ولم تذق بعد. وقد قرأ بعضهم : (ذائقة الموت) (٥) على ما فسّرت لك. وقال الله جلّ ثناؤه : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) [القمر : ٢٧] ، وهذا قبل الإرسال ، ولكن حذفت النون استثقالا. وقال (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) [الكهف : ١٨] ، فأثبت التنوين ، لأنه كان في الحال.

وقال (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً) [الدخان : ١٥] ، على ذلك أيضا. وزعموا

__________________

(١). هو في الكتاب ١ : ٣٨ ، وتحصيل عين الذهب كذلك والمقاصد النحوية ١ : ٢٢٨ قيس بن الخطيم ، وفي مجاز القرآن ١ : ٣٩ الى عبد الله بن امرئ القيس الأنصاري ، وفي معاني القرآن ٢ : ٣٦٣ هو مرار الأسدي وفي ١ : ٤٣٤ و ٤٤٥ و ٣ : ٧٧ بلا عزو ؛ وفي الإنصاف ١ : ٦١ الى درهم بن زيد الأنصاري. وفي ديوان قيس بن الخطيم ه ١١٥ ، أنّه عمرو بن امرئ القيس الخزرجي.

(٢). هو في الكتاب ١ : ٣٨ ، وتحصيل عين الذهب كذلك والخزانة ٤ : ٢٢٣ ، واللسان «قير» والمقاصد النحوية ٢ : ٣١٨. والبرجمي هو ضابي بن الحارث البرجمي ، ترجمته في الشعر والشعراء ١ : ٣٥٠ ، وطبقات الشعراء ١ : ١٧٢.

(٣). في الكتاب ، وتحصيل عين الذهب ، والخزانة ، واللسان ، والمقاصد النحوية ، كما سبق ب «رحله» بدل «داره». واختلفت في «قيار» بين الرفع والنصب.

(٤). والأنبياء ٢١ : ٣٥ ، والعنكبوت ٢٩ : ٥٧.

(٥). في الشواذ ٢٣ إلى اليزيدي وفي الجامع ٤ : ٢٩٧ إلى الأعمش ، ويحيى ، وابن أبي إسحاق ؛ وفي البحر ٣ : ١٣٣ كما السّابقين ، وزاد أبا حياة في نقل ابن عطية.

١٧١

أنّ هذا البيت ينشد هكذا [من البسيط وهو الشاهد الثاني والستون] :

هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عمرو (١) بن مخراق (٢)

فأضاف ، ولم يقع الفعل ، ونصب الثاني على المعنى ، لأنّ الأوّل فيه نيّة التنوين. وقال (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [العنكبوت : ٣٣] فالنّصب وجه الكلام ، لأنّك لا تجري الظاهر على المضمر ، والكاف في موضع جرّ ، لذهاب النون. وذلك لأنّ هذا ، إذا سقط على اسم مضمر ، ذهب منه التنوين والنون ، إن كان في الحال وإن لم يفعل ، تقول : «هو ضاربك الساعة أو غدا» و «هم ضاربوك». وإذا أدخلت الألف واللام ، قلت : «هو الضارب زيدا» ، ولا يكون أن تجرّ زيدا ، لأنّ التنوين كأنّه باق في «الضارب» ، إذا كان فيه الألف واللام ، لأنّ الألف واللام تعاقبان التنوين. وتقول : «هما الضاربان زيدا» و «هما الضاربا زيد» لأنّ الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجمع.

فإذا أخرجت النون من الاثنين والجمع من أسماء الفاعلين ، أضفت ، وإن كان فيه الألف واللام ، لأنّ النون تعاقب الاضافة ؛ وطرح النون ، هاهنا ، كطرح النون في قولك : «هما ضاربا زيد» ولم يفعلا ، لأن الأصل في قولك : «الضاربان» إثبات النون ، لأنّ معناه وإعماله ؛ مثل معنى «الذي فعل» وإعماله قال الشاعر (٣) [من المنسرح وهو الشاهد الثالث والستون] :

الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائنا نطف (٤)

وفي كتاب الله (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ)

__________________

(١). في الكتاب ١ : ٨٧ ب «عون» ، والخزانة ٣ : ٣٧٦ ، والمقاصد النحوية ٣ : ٥٦٣ كذلك.

(٢). البيت في الخزانة ، كما سبق ينسب إلى جابر بن رألان السنبسي ، وقيل جرير ، وقيل تأبّط شرّا ، وفي المقاصد النحوية ، كما سبق إلى جرير ، وليس في ديوان تأبّط شرّا ، ولا في ديوان جرير.

(٣). هو عمر بن امرئ القيس الخزرجي «ديوان قيس بن الخطيم ه ١١٥» ، وقيل بل قيس بن الخطيم أو شريح بن عمرو ، أو عمرو بن قيس ، أو مالك بن العجلان «الخزانة ٢ : ١٨٨» ، وشرح الأبيات للفارقي ٢١٢.

(٤). شرح الأبيات للفارقي كما سبق ب «ورائهم» ، وفي الخزانة الروايتان ، وانظر فيها ٢ : ٣٣٧ و ٤٨٣ و ٣ : ٤٠٠ و ٤٧٣ ، وفي الصّحاح «وكف» ب «ورائهم وكف» ، وفي التهذيب «وكّف» ب «العشير ولا. ورائهم وكف» ، وفي الخزانة ٢ : ٣٣٧ ب «وكف».

١٧٢

[الحج : ٣٥] (١) ، وقد نصب بعضهم ، فقرأ : (والمقيمي الصلاة) (٢) و «الحافظو عورة» استثقالا للاضافة ، كما حذفت نون «اللذين» و «الذين». قال الشاعر (٣) [من الكامل وهو الشاهد الرابع والستون] :

أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا

قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا

وقال (٤) [من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون] :

فإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (٥)

فألقى النون. وزعموا أنّ عيسى بن عمر (٦) كان يجيز [من المتقارب وهو الشاهد السادس والستون] :

فألفيته غير مستعتب

ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٧)

كأنّه إنّما طرح التنوين لغير معاقبة إضافة ، وهو قبيح إلّا في كلّ ما كان معناه «اللّذان» و «الّذين» ، فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك. ولو جاز هذا البيت ، لقلت : «هم ضاربو زيدا» ، وهذا لا يحسن. وزعموا أنّ بعض العرب قرأ (واعلموا أنّكم غير معجزي الله) [التوبة : ٢] وهو أبو السمّال (٨) وكان فصيحا. وقد قرئ هذا الحرف (إنّكم

__________________

(١). الحج ٢٢ : ٣٥ ، وهي في الجامع ١٢ : ٥٩ ، والبحر ٦ : ٣٦٩ ، قراءة الجمهور ، ومعاني القرآن ٢ : ٢٢٥ بلا نسبة.

(٢). وهي في الشواذ ٩٥ إلى ابن أبي إسحاق ، وفي المحتسب ٢ : ٨٠ زاد الحسن وأبا عمرو ، وكذلك في البحر ٦ : ٣٦٩ ؛ وفي الجامع ١٢ : ٥٩ قصرت على أبي عمرو ، وفي معاني القرآن ٢ : ٢٢٥ بلا نسبة ، وب «المقيمين» ونصب الصلاة إلى عبد الله بن مسعود.

(٣). هو الأخطل غياث بن غوث التغلبي. ديوانه ٤٤ ، والكتاب ، وتحصيل عين الذهب ١ : ٩٥.

(٤). هو الأشهب بن رميله ، كما في الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٩٦ ، ومجاز القرآن ٢ : ١٩٠ ، والخزانة ٢ : ٥٠٧ و ٣ : ٤٧٣ ، وفيها أيضا أنّ أبا تمام نسبه في مختار أشعار القبائل إلى حريث بن محفض.

(٥). في الكتاب «كما سبق» ب «وإنّ» ، وفي الخزانة ٢ : ٥٠٧ اختلاف رواياته ب «الألى» و «مارت» بدل «حانت».

(٦). هو أبو عمر عيسى بن عبد الله الثقفي المولود بين عامي ٧٥ و ٨٠ المتوفى عام ١٤٩ ، ترجمته في مراتب النحويين ٣١ ، وطبقات النحويين ٤٠ ، وإنباه الرواة ٢ : ٣٧٤ ، وبغية الوعاة ٢٧٠.

(٧). البيت لأبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو في ديوانه ٣٨ ، وفي الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٨٥.

(٨). هو أبو السمال قعنب بن أبي قعنب العدوي البصري ، له اختيار في القراءة شاذ عن العامة ، رواه عنه أبو زيد سعيد بن أوس ترجمته في غاية النهاية ٢ : ٢٧ ، وطبقات القرّاء ٢ : ٢٧.

١٧٣

لذائقو العذاب الأليم) (١) وهو في البيت أمثل ، لأنّه أسقط التنوين ، لاجتماع الساكنين. وإذا ألحقت النون ، نصبت لأنّ الإضافة قد ذهبت ، قال تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [النساء : ١٦٢] وقال (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً) [الأحزاب : ٣٥] قال الشاعر (٢) [من الكامل وهو الشاهد السابع والستون] :

النّازلون بكلّ معترك

والطيّبون معاقد الأزر

باب اضافة الزمان الى الفعل

قال تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [الآية ٤٨] فنوّن اليوم ، لأنّه جعل «فيه» مضمرا ، وجعله من صفة اليوم ، كأنّه قال «يوما لا تجزي نفس عن نفس فيه شيئا». وإنّما جاز إضمار «فيه» ، كما جاز إضافته إلى الفعل ، تقول : «هذا يوم يفعل زيد». وليس من الأسماء شيء ، يضاف الى الفعل ، غير أسماء الزمان ، ولذلك جاز إضمار «فيه». وقال قوم : «إنّما أضمر الهاء ، أراد «لا تجزيه» ، وجعل هذه الهاء اسما لليوم مفعولا ، كما تقول : «رأيت رجلا يحبّ زيد» تريد : «يحبّه زيد». وهو في الكلام يكون مضافا ، تقول : «اذكر يوم لا ينفعك شيء» : أي : «يوم لا منفعة» ؛ وذلك ، أنّ أسماء الحين قد تضاف إلى الفعل ، قال تعالى (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (٣٥) [المرسلات] أي «يوم لا نطق» ، وقد قرأ بعضهم (هذا يوم لا ينطقون) (٣) وكذلك (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) [الصافات : ٢١ والمرسلات ٣٨] وكلّ ما أشبه هذا ، فهو مثله. ولا يضاف إلى الفعل شيء ، إلّا الحين ، إلّا أنّهم قد قالوا (٤) [من الوافر وهو الشاهد الثامن والستون] :

__________________

(١). الصافات ٣٧ : ٣٨ ؛ وفي البحر ٧ : ٣٥٨ ، أنها إلى أبي السمال وأبان عن ثعلبة ، عن عاصم ، وأنّ كسر الباء الى الجمهور.

(٢). هو خرنق بن هفان الشاعرة الجاهلية. ديوانها ٢٩ ، والكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ١٠٤ و ٢٤٦ و ٢٤٩ و ٢٨٨.

(٣). في الشواذ ١٦٧ هي قراءة الأعرج والأعمش ، وفي البحر ٨ : ٤٠٧ زاد زيد بن علي وعيسى وأبا حياة ، وعاصما في رواية.

(٤). لم تفد المراجع شيئا عن القائل ، وإن كان البغدادي في الخزانة ١ : ١٣٥ قد أورد أنه في الكتاب منسوب إلى الأعشى ، ولا نسبة في الكتاب في الموضوع الذي ورد فيه ١ : ٤٦٠.

١٧٤

باية تقدمون الخيل زورا

كأنّ على سنابكها مداما (١)

(وقالوا) (٢) [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون] :

ألا من مبلغ عنّي تميما

باية ما تحبّون الطّعاما (٣)

فأضاف «آية» الى الفعل. وقالوا : «اذهب بذي تسلم» و «بذي تسلمان» فقوله : «ذي» مضاف إلى «تسلم» ، كأنه قال : «اذهب بذي سلامتك» ، وليس يضاف الى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام : «واتّقوا يوم تجزي نفس فيه» ، فلم تنوّن اليوم ، جاز ؛ كأنّك أضفت ، وأنت لا تريد أن تجيء ب «فيه» ، ثمّ بدا لك بعد ، فجئت به ، كما تقول : «اليوم آتيك فيه» فنصبت «اليوم» لأنّك جئت ب «فيه» بعد ما أوجبت النّصب وقال قوم : «لا يجوز إضمار» «فيه» ؛ ألا ترى أنّك لا تقول : «هذا رجل قصدت» وأنت تريد «إليه» ولا «رأيت رجلا أرغب» وأنت تريد «فيه» (٤) ؛ والفرق بينهما ، أنّ أسماء الزمان يكون فيها ، ما لا يكون في غيرها ، وإن شئت حملتها على المفعول في السّعة ، كأنك قلت : «واتّقوا يوما لا تجزيه نفس» ، ثمّ ألقيت الهاء ، كما تقول : «رأيت رجلا أحبّ» وأنت تريد «أحبّه».

باب من

التأنيث والتذكير

أمّا قوله تعالى (تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [الآية ٤٨] ، فهو مثل قولك : «لا تجزي عنك شاة» و «يجزي عنك درهم» و «جزى عنك درهم» و «وجزت عنك شاة». فهذه لغة أهل الحجاز ، لا

__________________

(١). في الكتاب وتحصيل عين الذهب ١ : ٤٦٠ ب «شعثا» بدل «زورا» ، وفي الكامل ٣ : ١١٦٨ كذلك ، وفي المغني ٢ : ٤٢٠ ب «يقدمون» و «شعثا» ، وفي شرح السيوطي ٢٧٤ كذلك. وفي الهمع ٢ : ٥١ بالتاء «وشعثا» ، وفي الدرر ٢ : ٦٣ بالتاء و «شعثا» أيضا.

(٢). زيادة يقتضيها السياق ، وهو في الكتاب ١ : ٤٦٠ يزيد بن عمرو بن الصعن ، وفي تحصيل عين الذهب ه ١ : ٤٠٦ إلى زيد بن عمرو بن الصعق ، وفي الاشقاق ٢٩٧ إلى الصعق عمرو بن خويلد.

(٣). في الكامل ١ : ١٤٧ ب «ألا أبلغ لديك بني تميم» و «يحبّون» بالياء ، وفي الاشتقاق «كما سبق» كذلك ، وفي المقاييس «أبي» مثل الكامل ، وبالتاء ؛ وفي المغني ٢ : ٤٢٠ بالتاء.

(٤). في الجامع ١ : ٣٧٧ نسب إلى الكسائي قوله : «لا يجوز أن تقول» هذا رجل قصدت «ولا» رأيت رجلا أرغب» وأنت تريد «قصدت إليه» و «أرغب فيه».

١٧٥

يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى : «أجزأت عنه وتجزئ عنه شاة» ، وقوله «شيئا» ، كأنّه قال : «لا تجزئ الشاة مجزى ولا تغني غناء». وقوله تعالى (عَنْ نَفْسٍ) يقول : «منها» أي : لا تكون مكانها.

وأمّا قوله تعالى (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) [الآية ٤٨] ، فإنّما ذكر الاسم المؤنّث ، لأنّ كلّ مؤنّث فرّقت بينه وبين فعله ، حسن أن تذكر فعله ، إلّا أنّ ذلك يقبح في الإنس ، وما أشبههم ممّا يعقل. لأنّ الذي يعقل ، أشدّ استحقاقا للفعل. وذلك ، أنّ هذا إنّما يؤنّث ويذكّر ، ليفصل بين معنيين. والموات ك «الأرض» و «الجدار» ، ليس بينهما معنى ، كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبّه بالموات ، وما يعقل يشبّه بالمرأة والرجل ، نحو قوله تعالى (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٣) [يوسف] لما أطاعوا صاروا كمن يعقل ، قال تعالى (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩] فذكر الفعل حين فرقّ بينه وبين الاسم (١) وقال أيضا (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [الحديد : ١٥] (٢) وتقرأ (تؤخذ) (٣). وقد يقال أيضا ذاك في الانس ، زعموا أنهم يقولون : «حضر القاضي امرأة». فأمّا فعل الجميع ، فقد يذكّر ويؤنّث : لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل ، ألا ترى أنك تؤنث جماعة المذكّر ، فتقول : «هي الرّجال» و «هي القوم» ، وتسمي رجلا ب «بعال» ، فتصرفه ، لأنّ هذا ، تأنيث مثل التذكير ، وليس بفصل ، ولو سميته ب «عناق» ، لم تصرفه ؛ لأنّ هذا تأنيث ، لا يكون للذّكر ، وهو فصل ما بين المذكر والمؤنث ، تقول : «ذهب الرجل» و «ذهبت المرأة» ، فتفصل بينهما. وتقول : «ذهب النساء» و «ذهبت النساء» و «ذهب الرجال» و «ذهبت الرجال».

__________________

(١). في إعراب القرآن ١ : ٤٦ نسبت هذه الآراء إلى سيبويه ، والرأي الأخير وحده إلى الأخفش.

(٢). في معاني القرآن ٣ : ١٣٤ والطبري ٢٧ : ٢٢٨ ، والجامع ١٧ : ٢٤٧ ، والبحر ٨ : ٢٢٢ ، إلى جمهور عامّة القرّاء. وفي السبعة ٦٢٦ ، والحجّة ٢١٥ ، والكشف ٢ : ٣٠٩ ، والتيسير ٢٠٨ استثنى منهم ابن عامر.

(٣). في السبعة ٦٢٦ ، والحجّة ٢١٥ ، والكشف ٢ : ٣٠٩ ، والتيسير ٢٠٨ إلى ابن عامر وزاد في الجامع ١٧ : ٢٤٧ يعقوب. وفي معاني القرآن ٣ : ١٣٤ إلى بعض أهل الحجاز ، وفي الطبري ٢٧ : ٢٢٨ إلى أبي جعفر القارئ ، وفي الشواذ ١٥٢ زاد «جماعة» ، وهارون عن أبي عمرو ؛ وفي البحر ٨ : ٢٢٢ زاد على ما مرّ ، الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر.

١٧٦

وفي كتاب الله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) [الشعراء] و (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) [الأنعام : ٦]. قال الشاعر (١) [من الطويل وهو الشاهد السبعون] :

فما تركت قومي لقومك حيّة

تقلّب في بحر ولا بلد قفر

وقال : (جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) [آل عمران : ٨٦ و ١٠٥] و (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) [يوسف : ٣٠]. وقال الشاعر أشدّ من ذا وقد أخّر الفعل ، قال [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون] :

فإمّا تري لمّتي بدّلت

فإنّ الحوادث أودى بها

أراد «أودت بها» مثل فعل المرأة الواحدة ، يجوز أن يذكّر ، فذكر هذا.

وهذا التذكير في الموات أقبح ، وهو في الإنس أحسن ، وذلك أنّ كلّ جماعة من غير الانس ، فهي مؤنثة تقول : «هي الحمير» ، ولا تقول «هم». إلّا أنهم قد قالوا : «أولئك الحمير» ، وذلك أن «أولئك» قد تكون للمؤنث والمذكر تقول : «رأيت أولئك النساء». قال الشاعر (٢) : [من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون] :

ذمّي المنازل بعد منزلة اللّوى

والعيش بعد أولئك الأيّام (٣)

وأمّا قوله تعالى (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [الآية ٤٩] و (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) [الآية ٥٠] وأمكنة كثيرة ، فإنّما هي على ما قبلها ، إنّما يقول : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) [الآية ٤٧] و «اذكروا إذ نجّيناكم» و «اذكروا إذ فرقنا بكم البحر» و «اذكروا إذ قلتم يا موسى لن نصبر» (٤) وقال بعضهم «فرّقنا» (٥).

__________________

(١). في معجم شواهد العربية أنّ شاهدا ينتهي بهذه القافية للحطيئة ، وليس في ديوانه. والموضع الذي عثر عليه فيه رمز له ب «صف» ، ولا يوجد في مسرد الرموز مرجع له هذا الرمز. ولكن في ديوان الأخطل ٢٢٠ بيت مقارب معنى ، هو قوله من قصيدة يهجو بها ابن صفار المحاربي :

فما تركت حيّاتنا لك حية

تقلّب في أرض براح ولا بحر

فلعلّه هو برواية أخرى.

(٢). هو جرير بن عطية بن الخطفي.

(٣). ديوانه ٥٥١ (الصاوي) وفيه ب «ذم» و «الأقوام» ، وفي الخزانة ٢ : ٤٦٧ ب «ذم» أيضا ، والمقاصد النحوية ١ : ٤٠٨ كذلك.

(٤). إشارة إلى الآية ٦١.

(٥). في الشواذ ٥ ، والمحتسب ٨٢ ، والجامع ١ : ٣٨٧ ، والبحر ١ : ١٩٧ إلى الزهري.

١٧٧

وقال تعالى (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الآية ٥١] أي : واعدناه انقضاء أربعين ليلة ، أي : رأس الأربعين ، كما قال أيضا (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] وهذا مثل قولهم «اليوم أربعون يوما منذ خرج» و «اليوم يومان» أي : «اليوم تمام الأربعين» و «تمام يومين» (١).

باب أهل وآل

وقوله تعالى (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [الآية ٤٩] ، فإنّما حدّث عمّا كانوا يلقون منهم. و (يَسُومُونَكُمْ) في موضع رفع ، وإن شئت جعلته في موضع نصب على الحال ، كأنه (٢) يقول «وإذ نجّيناكم من آل فرعون سائمين لكم» والرفع على الابتداء.

وأمّا «آل» ، فإنها تحسن إذا أضيفت الى اسم خاصّ ، نحو : «أتيت آل زيد» ، و «أهل زيد» ، و «أهل مكة» و «آل مكة» ، و «أهل المدينة» ، و «آل المدينة» ،. ولو قلت : «أتيت آل الرجل» و «آل المرأة» لم يحسن ، ولكن : «أتيت آل الله» وهم ، زعموا ، أهل مكة.

وليس «آل» ، بالكثير في أسماء الأرضين وقد سمعنا من يقول ذلك (٣). وإنّما هي همزة ، أبدلت مكان الهاء ، مثل «هيهات» و «أيهات» (٤).

(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ) [الآية ٥٠] أي فرقنا بين الماءين حين مررتم فيه.

وأمّا قوله تعالى (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) [الآية ٥٤] ، فانتصب (الْعِجْلَ) ، لأنّه مفعول به ، تقول : «عجبت من ضربك زيدا». وقوله (بارِئِكُمْ) مهموز لأنه من «برأ الله

__________________

(١). في إعراب القرآن ١ : ٤٧ ، والجامع ١ : ٣٩٥ ، والبحر ١ : ١٩٩ نقلت هذه الآراء ، مع هذه الأمثلة للأخفش ونسبت إليه.

(٢). عبارة الأخفش في الرفع والنصب بنصها ، في إعراب القرآن ١ : ٤٦ ، والجامع ١ : ٣٨٤.

(٣). نقل عن الأخفش في إعراب القرآن ١ : ٤٦ ، والجامع ١ : ٣٨٢ ، والبحر ١ : ١٨٨ ، آراؤه في هذا اللفظ بعبارات تغاير هذه ولعلّها منقولة من كتاب آخر له وفي الموضعين الأوّلين ينكر الكسائي استعمال «ال» في البلدان.

(٤). أشير في الإبدال والمعاقبة ٢٩ وما بعدها ، إلى الإبدال في هاتين اللفظتين «أهل» و «هيهات». وفي الإبدال ٢ : ٥٧١ إلى ثانيهما ؛ وفي اللهجات العربية ٤٩١ أنّ طيّئا كانت تبدل الهمزة هاء في «إن» الشرطية وهمزة النداء ؛ وأنّ اللغة الجنوبية ، كانت تبدل الهمزة هاء ؛ وفي الجامع نسب الرأي إلى النحاس ١ : ٣٨٣.

١٧٨

الخلق» «يبرأ» «برآ». وقد قرأ بعضهم ، هذه الهمزة بالتخفيف ، فجعلها بين الهمزة وبين الياء (١). وقد زعم قوم ، أنّها تجزم (٢) ، ولا أرى ذلك إلّا غلطا منهم ، سمعوا التخفيف ، فظنّوا أنّه مجزوم ، والتخفيف لا يفهم إلّا بمشافهة ، ولا يعرف في الكتاب. ولا يجوز الإسكان ، إلّا أن يكون أسكن ، وجعلها نحو «علم» و «قد ضرب» و «قد سمع» ونحو ذلك (٣).

سمعت من العرب ، من يقول : (جاءت رسلنا) (٤) جزم اللام ، وذلك لكثرة الحركة ، قال الشاعر (٥) [من السريع وهو الشاهد الثاني والسبعون] :

وأنت لو باكرت مشمولة

صهباء مثل الفرس الأشقر (٦)

رحت وفي رجليك ما فيهما

وقد بدا هنك من المئزر

وقال امرؤ القيس (٧) [من السريع وهو الشاهد الثالث والسبعون] :

فاليوم أشرب غير مستحقب

إثما من الله ولا واغل (٨)

وقال آخر [من الرجز وهو الشاهد الرابع والسبعون] :

إنّ بني ثمره فؤادي

وقال آخر [من الرجز وهو الشاهد الخامس والسبعون] :

__________________

(١). في الشواذ ٥ ، أنّ القراءة بالياء إلى الأشهب ؛ وفي السبعة ١٥٤ إلى أبي عمرو ؛ وكذلك في الكشف ١ : ٢٤١.

(٢). في السبعة ١٥٤ و ١٥٥ أنّها إلى أبي عمرو ؛ وفي حجّة ابن خالويه ٥٤ ، والكشف ١ : ٢٤٠ والجامع ١ : ٤٠٢ كذلك.

(٣). في الكتاب ٢ : ٢٥٧ و ٢٥٨ هي لغة بكر بن وائل ، وأناس كثير من بني تميم ، وانظر اللهجات العربية ١٧١ ولهجة تميم ١٦٦ و ١٦٧ و ١٦٨.

(٤). هود ١١ : ٦٩ ، و ٧٧ ؛ والعنكبوت ٢٩ : ٣١ و ٣٣.

(٥). هو الأقيشر المغيرة بن عبد الله الأسدي «شرح الخوارزمي لسقط الزند ١٦٨٣ ، والخزانة ٢ : ٣٧٩ ، والأقيشر الأسدي وأخبار شعره ٦ ، ؛ وقيل هو الفرزدق ، أمالي ابن الشجري ٢ : ٣٧ ؛ وليس البيتان في ديوانه.

(٦). في الأقيشر ٦٦ : فقلت» بدل «وأنت» و «صهبا كلون» وفي مجالس ثعلب ٨٨ و ١١٠ «صفرا كلون» ، وفي شرح الخوارزمي ب «لون» بدل «مثل» ، وفي أمالي ابن الشجري ب «حمراء».

(٧). هو امرؤ القيس بن حجر الكندي ، شاعر أولى المعلّقات ، انظر ترجمته في الأغاني ٨ : ٦٢ ، وطبقات فحول الشعراء ١ : ٥١ والشعر والشعراء ١ : ١٠٥.

(٨). ديوان امرئ القيس ١٢٢ ، وفي الكامل ١ : ٢٠٩ ، والاشتقاق ٣٣٧ ب «أسقى» بدل «أشرب.

١٧٩

يا علقمه يا علقمه يا علقمه

خير تميم كلّها وأكرمه

وقال (١) [من الرجز وهو الشاهد السادس والسبعون] :

إذا اعوججن قلت صاحب قوّم

بالدّوّ أمثال السّفين العوّم (٢)

ويكون «رسلنا» على الإدغام (٣) ، يدغم اللام في النون ويجعل فيها غنّة.

والإسكان في (بارئكم) على البدل لغة الذين قالوا : «أخطيت» وهذا لا يعرف (٤).

باب الفعل

أمّا قوله تعالى (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [الآية ٥٥] فيقال : «جهارا» أي : «عيانا يكشف ما بيننا وبينه» كما تقول : «جهرت الرّكيّة» إذا كان ماؤها قد غطّاه الطين فنفي ذلك حتّى يظهر الماء ، ويصفو (٥).

وأمّا قوله تعالى (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) [الآية ٥٧] ، ف «الغمام» واحدته «غمامة» ، مثل «السّحاب» واحدته «سحابة» (٦). وأما «السّلوى» ، فهو طائر لم يسمع له بواحد ، وهو شبيه أن يكون واحده «سلوى» ، مثل جماعته ، كما قالوا : «دفلى» للواحد والجماعة ، و «سلامى» للواحد والجماعة ، وقد قالوا «سلاميات» ، وقالوا «حبارى» للواحد ، وقالوا للجماعة : «حباريات» ، وقال بعضهم للجماعة «حبارى». قال الشاعر (٧) [من الطويل وهو الشاهد السابع والسبعون] :

وأشلاء لحم من حبارى يصيدها

إذا نحن شئنا صاحب متألّف (٨)

وقالوا : «شكاعى» للواحد

__________________

(١). هو «أبو نخيلة» الخصائص ١ / ه ٧٥».

(٢). الكتاب وتحصيل عين الذهب ٢ : ٢٩٧ ، ومعاني القرآن ٢ : ١٢ و ٣٧١.

(٣). وهو من الإدغام الكبير ، إذ حذف حركة اللام ، فسكّنت أولا ، ثمّ أدغمها في النون ثانيا.

(٤). لم نجد من يأخذ بهذه اللغة ، لو لا ما يتكرّر دائما من أنّ أهل الحجاز يتخفّفون من الهمزة.

(٥). في الصحاح «جهر» ، نقل لهذه الفقرة مع تقديم وتأخير.

(٦). في الجامع ١ : ٤٠٥ ، نقل عنه هذه العبارة.

(٧). هو الفرزدق همّام بن غالب ، ديوانه ٢ : ٥٥٥ ، وشرح المفصّل ٥ : ٩٠.

(٨). في شرح المفصّل ، العجز : لنا قانص من بعض ما يتخطّف.

١٨٠