منهاج الكرامة في معرفة الإمامة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

منهاج الكرامة في معرفة الإمامة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة عاشوراء للتحقيقات والبحوث الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-6-9
الصفحات: ٢١٦

وهذا يدلّ على أنّه أفضل من غيره ، فيكون هو الإمام.

البرهان الثالث والثلاثون :

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (١).

روى الحافظ أبو نعيم ، بإسناده إلى ابن عبّاس ، قال : لمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : هم أنت وشيعتك. تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غضابا (٢) مقمحين (٣).

__________________

في : ٢٦٤ / الحديث ٧٣ بلفظ قريب.

وأخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٣٠٩ / الحديث ٣٠٥ عن ابن عباس ، والقندوزي في ينابيعه ٢ : ٢٤٢ / الحديث ٦٧٨ عن عبد الله بن مسعود ، وقال : رواه صاحب الفردوس.

(١) البيّنة : ٦.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : عصاه.

(٣) رواه الحافظ أبو نعيم في «ما نزل من القرآن في علي» كما في «النور المشتعل» : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ / الحديث ٧٦ ، ورواه في : ٢٧٦ / الحديث ٧٧ بلفظ مختلف.

وقد أخرج الحديث الخوارزمي في مناقبه : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / الحديث ٢٤٧ عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب عليّ عليه‌السلام ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ بأسانيد وألفاظ مختلفة ، والحاكم الحسكاني في شواهده ٢ : ٤٥٩ ـ ٤٧٣ / الأحاديث ١١٢٥ ـ ١١٤٨ بأسانيده عن يزيد بن شراحيل الأنصاري وابن عباس وجابر بن عبد الله ، والإمام الباقر عليه‌السلام ، وأبي برزة الأسلمي ، وبريدة بن حصيب الأسلمي ، وأبي سعيد الخدري ، ومعاذ.

وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ذيل الآية عن ابن عساكر عن جابر ، وعن ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعا ، وعن ابن عدي عن ابن عباس ، وعن ابن مردويه عن علي عليه‌السلام.

وأخرجه القندوزي في ينابيع المودّة ١ : ٢٢٣ / الحديث ٤٨ عن المناقب بسنده عن عامر بن واثلة ضمن خطبة لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام جاء فيها : فقال ابن الكوّاء : أخبرني عن قوله تعالى : (آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البريّة) فقال : أولئك نحن وأتباعنا ... الحديث. وفي ٢ : ٣٥٧ / الحديث ٢١ وفي ٢ : ٤٥٢ / الأحاديث ٢٥٢ ـ ٢٥٤ عن الديلمي والزرندي عن ابن عباس ، وذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة : ١٨ عن مجاهد ، قال : هم عليّ عليه‌السلام وأهل بيته ومحبّوهم.

١٤١

وإذا كان خير البريّة ، وجب أن يكون هو الإمام.

البرهان الرابع والثلاثون :

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (١)

في تفسير الثعلبي عن ابن سيرين ، قال : نزلت في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ بن أبي طالب ، زوّج فاطمة عليّا ، وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا (٢). ولم يثبت لغيره ذلك ، فكان أفضل ، فكان هو الإمام.

البرهان الخامس والثلاثون :

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٣).

أوجب الله تعالى علينا الكون (مع المعلوم فيهم) (٤) الصدق ، وليس إلّا المعصوم ؛ لتجويز الكذب في غيره ، فيكون هو عليّا عليه‌السلام ؛ إذ لا معصوم من الأربعة سواه.

في حديث أبي نعيم ، عن ابن عباس : إنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام. (٥)

__________________

(١) الفرقان : ٥٤.

(٢) تفسير الثعلبي وعنه : العمدة لابن البطريق : ٢٨٨ / الفصل ٣٠ ـ الحديث ٤٦٩ ، و«ما روته العامّة من مناقب أهل البيت» للشرواني : ٩٤ / الفصل ٣ ، والقندوزي في ينابيعه ١ : ١٤٨ / الحديث ١٣ ، و ١ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ / الحديث ٨ ، وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١ : ٥٣٨ / الحديثان ٥٧٣ و ٥٧٤ عن السدي وابن سيرين.

والشبلنجي في نور الأبصار : ١٠٠ ، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ٢٩ ـ ٣١ عن أنس بن مالك ، وقال : أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي ، وأخرجه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ٢٨ ـ المقدّمة ٨ عن محمد بن سيرين.

(٣) التوبة : ١١٩.

(٤) في «ش ١» و«ش ٢» : مع الصادقين المعلوم منهم.

(٥) رواه أبو نعيم في «ما نزل من القرآن في علي» كما في «النور المشتعل : ١٠٢ ـ ١٠٥ / الأحاديث ٢٣ ـ ٢٥ ، عن

١٤٢

البرهان السادس والثلاثون :

قوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (١).

من طريق أبي نعيم ، عن ابن عبّاس : أنّها نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ عليه‌السلام خاصّة ، وهما أوّل من صلّى وركع (٢).

وهو يدلّ على أفضليّته ، فيدلّ على إمامته.

__________________

ابن عباس ، وعن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

وأخرجه الكنجي الشافعي في الكفاية : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ عن ابن عباس ، وقال : هكذا رواه محدّث الشام في تاريخه في ترجمة علي عليه‌السلام.

وأخرجه الخوارزمي في المناقب : ٢٨٠ / الحديث ٢٧٣ عن ابن عباس ، والحاكم الحسكاني في شواهده ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٥ / الأحاديث ٣٥٠ ـ ٣٥٧ ، بأسانيده عن الصادق عليه‌السلام وعن ابن عباس وعن الباقر عليه‌السلام وعن عبد الله بن عمر ، وفيه : يعني محمّدا وأهل بيته.

وذكرها سبط بن الجوزي في التذكرة : ١٦ ، قال : ومنها في براءة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، قال علماء السير : معناه كونوا مع علي عليه‌السلام وأهل بيته ، قال ابن عباس : عليّ عليه‌السلام سيّد الصادقين.

وأخرجها السيوطي في الدر المنثور ٣ : ٢٩٠ عن ابن مردويه عن ابن عباس ، وعن ابن عساكر عن أبي جعفر. وأخرجها القندوزي في ينابيع المودّة ١ : ٣٥٨ / الباب ٣٩ ـ الحديثان ١٥ و ١٦ عن ابن عباس ، والصادق عليه‌السلام والباقر والرضا عليهما‌السلام ، وفيه : الصادقون هم الأئمة من أهل البيت.

(١) البقرة : ٤٣.

(٢) رواه أبو نعيم الحافظ بسنده عن ابن عباس في «ما نزل من القرآن في علي» كما في «النور المشتعل» : ٤٠ / الحديث ١. وأخرجه سبط ابن الجوزي في التذكرة : ١٣ ، وقال : روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أوّل من ركع مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فنزلت فيه هذه الآية.

والخوارزمي في المناقب : ٢٨٠ / الفصل ١٧ ـ الحديث ٢٧٤ ، والحاكم الحسكاني ١ : ١١١ / الحديث ١٢٤ ثم قال : أخرجه الحبري في تفسيره.

١٤٣

البرهان السابع والثلاثون :

قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) (١).

من طريق أبي نعيم ، عن ابن عبّاس ، قال : أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ بن أبي طالب وبيدي ونحن بمكّة ، وصلّى أربع ركعات ، ثم رفع يده إلى السماء ، فقال : اللهمّ إنّ موسى بن عمران سألك ، وأنا محمّد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري ، وتحلل (٢) عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي ، عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أخي ، اشدد به أزري وأشركه في أمري. قال ابن عبّاس ، فسمعت مناديا ينادي : يا أحمد ، قد أوتيت ما سالت (٣). وهذا نصّ في الباب.

البرهان الثامن والثلاثون :

قوله تعالى : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤).

من مسند أحمد بن حنبل ، بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده ، فذكر عليه قصّة مؤاخاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، فقال عليّ : لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ؛ فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العقبى والكرامة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثني بالحقّ نبيّا

__________________

(١) طه : ٢٩.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : تحلّ.

(٣) رواه أبو نعيم في «ما نزل من القرآن في علي» كما في «النور المشتعل» : ١٣٨ ـ ١٣٩ / الحديث ٣٧.

وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده ١ : ٤٧٨ ـ ٤٩٠ / الأحاديث ٥١٠ ـ ٥١٧ بأسانيده عن حذيفة بن أسيد وأسماء بنت عميس وابن عبّاس وأم سلمة وأنس بن مالك وعليّ عليه‌السلام ، وأخرجه ابن المغازلي في المناقب : ٣٢٨ / الحديث ٣٧٥ بتفصيل أكثر ، وأخرجه القندوزي في الينابيع ٢ : ١٥٣ / الباب ٥٦ ـ الحديث ١٢٧ عن أسماء بنت عميس مختصرا ، وقال : أخرجه أحمد في المناقب.

وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ٤ : ٢٩٥ ذيل الآية عن السلفي في «الطيوريات» عن أبي جعفر محمد بن علي.

(٤) الحجر : ٤٧.

١٤٤

ما اخترتك (١) إلّا لنفسي ، فانت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ورفيقي (٢) (وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة ، وأنت أخي ورفيقي) (٣) ، ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) المتحابّون في الله ينظر بعضهم إلى بعض. (٤) والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة ، فلمّا اختصّ عليّ عليه‌السلام بمؤاخاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان هو الإمام.

__________________

(١) في نسخة الحجريّة : أخّرتك.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : وارثي.

(٣) ما بين القوسين ليس في «ر».

(٤) أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهده ١ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / الحديث ٤٣٦ عن ابن عباس ، قال : نزلت في عليّ بن أبي طالب وحمزة وجعفر وعقيل وأبي ذر وسلمان وعمّار والمقداد والحسن والحسين عليهم‌السلام.

وأخرج المحب الطبري في ذخائر العقبى : ٦٦ عن ابن عمر ، قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه ، فجاء عليّ تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد! قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة ، ثم قال : أخرجه الترمذي ، وقال : حديث حسن ، وأخرجه البغوي في «المصابيح» في الحسان.

ثم قال المحبّ الطبري : وفي رواية من حديث الإمام أحمد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له لمّا قال : آخيت بين أصحابك وتركتني! قال : ولم تراني تركتك ؛ إنّما تركتك لنفسي ، أنت أخي وأنا أخوك.

وأخرج في الرياض النضرة ١ : ١٣. عن زيد بن أوفى ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده ... ثم ساق حديث المؤاخاة ، ثم قال : أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال ، وخرّج الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب عليّ بن أبي طالب معنى حديث المؤاخاة مختصرا.

وأخرج القندوزي في الينابيع ١ : ٣٥٤ / الباب ٣٩ ـ الحديث ٣ في تفسير الآية عن أحمد بن حنبل في مسنده وابن المغازلي في المناقب بسنديهما عن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام قال : فينا نزلت هذه الآية (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ، وقال : أيضا عن جعفر الصادق عليه‌السلام مثله.

وأخرجه الطبراني في معجمه الأوسط ٨ : ٣٣٠ / الحديث ٧٦٧١ بسنده عن أبي هريرة ، قال : قال عليّ بن أبي طالب : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟ قال : فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وإنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء. وإنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيلا وجعفرا في الجنّة إخوانا على سرر متقابلين : أنت معي وشيعتك في الجنّة ، ثم قرأ رسول الله (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [لا] ينظر بعضهم في قفا صاحبه.

١٤٥

البرهان التاسع والثلاثون :

قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) الآية (١).

من كتاب الفردوس لابن شيرويه ، يرفعه عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو يعلم الناس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) قالت الملائكة : بلى فقال تبارك وتعالى ؛ أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ أميركم. (٢) وهو صريح في الباب.

البرهان الأربعون :

قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٣).

أجمع المفسّرون على أنّ صالح المؤمنين هو عليّ عليه‌السلام ، وروى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ هذه الآية (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال : صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب. (٤)

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) الفردوس ٣ : ٣٥٤ / الحديث ٥٠٦٦ ، ويؤيده الرواية التي نقلها صاحب الفردوس في ٣ : ٢٨٣ / الحديث ٤٨٥١ عن سلمان مرفوعا قال :

كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله معلّقا يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق [آدم] بأربعة ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم نزل في شيء واحد حتّى افتراقنا في صلب عبد المطلب فجزأني وجزأ عليّ بن أبي طالب.

(٣) التحريم : ٤.

(٤) رواه أبو نعيم الحافظ في «ما نزل من القرآن في علي» كما في «النور المشتعل» : ٢٥٧ / الحديث ٧١ بسنده عن أسماء بنت عميس.

١٤٦

واختصاصه بذلك يدلّ على أفضليّته ، فيكون هو الإمام. والآيات المذكورة في هذا المعنى كثيرة ، اقتصرنا على ما ذكرناه للاختصار.

المنهج الثالث : [في الأدلّة المستندة (إلى السنّة) المنقولة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله]

في الأدلّة المستندة (إلى السنّة) (١) المنقولة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي اثنا عشر :

الأوّل :

ما نقله الناس كافّة ، أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢) جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بني عبد المطّلب في دار أبي طالب ، وهم أربعون رجلا ، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مدّ من البر ، ويعدّ لهم صاعا من اللبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد

__________________

وأخرجه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ١٣٨ / الباب ٣٠ بسنده عن أسماء بنت عميس ، قالت : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله عزوجل : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قلت : من هو يا رسول الله؟ فقال : هو عليّ بن أبي طالب. ثم قال الكنجي الشافعي هكذا رأيت رواية أئمّة التفسير عن آخرهم ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٢٤٤ ذيل الآية عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر بأسانيدهم عن علي عليه‌السلام وأسماء بنت عميس وابن عباس.

وأخرجه ابن المغازلي في المناقب : ٢٦٩ / الحديث ٣١٦ بسنده عن مجاهد ، قال : صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب. وأخرج القندوزي في الينابيع ١ : ٢٧٨ / الباب ٢٢ ـ الحديث ٢ عن أبي نعيم والثعلبي بسنديهما عن أسماء بنت عميس ، قالت : لمّا نزل قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ ...) الآية ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : ألا أبشّرك! إنّك قرنت بجبرئيل ، ثم قرأ هذه الآية ، فقال : فأنت والمؤمنون من أهل بيتك الصالحون.

أقول : أمّا المتظاهرتان على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فهما عائشة وحفصة. انظر صحيح البخاري ٦ : ١٩٥ / كتاب التفسير ، ومسند أحمد ١ : ٣٣ / الحديث ٢٢٢ ، و ١ : ٤٨ / الحديث ٣٤١ ، والدر المنثور ٦ : ٢٤٤ ذيل الآية ، والكشّاف للزمخشري ٤ : ٥٦٦ ، قال (إِنْ تَتُوبا) خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ، ليكون أبلغ في معاتبتهما.

ثم نقل قصّة استفسار ابن عبّاس من عمر عن المتظاهرتين ، وجوابه بأنّهما حفصة وعائشة.

(١) ما بين القوسين سقط من «ش ١».

(٢) الشعراء : ٢١٤.

١٤٧

واحد ، ويشرب الفرق (١) من الشراب في ذلك المقام ، فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتّى شبعوا (ولم يتبيّن ما أكلوا) (٢) ، فبهرهم بذلك وتبيّن لهم آية نبوّته. ثم قال : يا بني عبد المطلب ، إنّ الله بعثني بالحق (٣) إلى الخلق كافّة ، وبعثني إليكم خاصّة ، فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنّة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فمن يجبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكن (أخي و) (٤) وصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟

فلم يجب أحد منهم.

فقال أمير المؤمنين : أنا يا رسول الله أوازرك على هذا الأمر فقال : اجلس ، ثمّ أعاد القول (٥) على القوم ثانية ، فأصمتوا وقمت فقلت مثل (٦) مقالتي الأولى ، فقال : اجلس! ثمّ أعاد على القوم مقالته ثالثة ، فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقمت فقلت : أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر. فقال : اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي.

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : ليهنك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا عليك. (٧)

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : القرب.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : ولم يبين ما أكلوه.

(٣) ليست في «ر».

(٤) ما بين القوسين في «ر» فقط.

(٥) ليس في «ر».

(٦) ما بين القوسين في «ر» فقط.

(٧) حديث العشيرة من الأحاديث المتواترة التي تناقلتها كتب التواريخ والسيرة والحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة.

فقد رواه أحمد في مسنده ١ : ١١١ / الحديث ٨٨٥ ، وفي ١ : ١٥٩ / الحديث ١٣٧٥ ، ورواه الطبري في تاريخه

١٤٨

الثاني :

الخبر المتواتر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١) خطب الناس في غدير خم ، وقال للجمع كلّه : أيّها الناس ، ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله!

فقال له عمر : بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. (٢)

والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرّف ، لتقدّم التقرير منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : ألست أولى منكم بأنفسكم؟

الثالث :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

أثبت له جميع منازل هارون من موسى للاستثناء ، ومن جملة منازل هارون أنّه كان خليفة لموسى ، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا ، وإلّا لزم تطرّق النقص إليه ، ولأنه خليفة مع وجوده وغيبته مدّة يسيرة ، وبعد موته وطول الغيبة أولى بأن يكون خليفته.

__________________

٢ : ٢١٦ ، كما في الغدير ٢ : ٢٧٨ ، والنسائي في خصائصه : ٨٦ ـ ٨٧ ، وأخرجه الكنجي الشافعي في الكفاية : ٢٠٤ ـ ٢٠٧ / الباب ٥١ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ١٣ : ٢١٠ ، والحاكم الحسكاني في شواهده ١ : ٤٨٦ / الحديث ٥١٤ ، ثم قال : وقد ورد عن أنس بن مالك ، وورد في الباب عن سلمان الفارسي.

وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٨ : ٣٠٢ ، والقندوزي في الينابيع ١ : ٣١١ ـ ٣١٢ الباب ٣١ ـ الحديث ١ ، والخوارزمي في مناقبه : ١٢٥ ـ ١٢٦ / الفصل ١٢ ـ الحديث ١٤٠.

وهذا غيض من فيض ، وقد ذكر العلّامة صاحب الغدير بعض مصادره وألفاظه في الغدير ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٨٤.

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) حديث الغدير من الأحاديث المتواترة التي أفاضت كتب الفريقين بتناقلها ، وقد ذكرها أعلام المؤرخين والمحدّثين والمفسّرين والمتكلّمين.

انظر الغدير ١ : ٦ ـ ٨ ، وفضائل الخمسة ١ : ٣٤٩ ـ ٤٠٦ ، وكفاية الطالب : ٥٠ ـ ٦٥ / باب ١ في بيان صحّة خطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله بماء يدعى خمّا.

١٤٩

الرابع :

أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلفه على المدينة مع قصر مدّة الغيبة ، فيجب أن يكون (له خليفة) (١) بعد موته ، وليس غير عليّ عليه‌السلام (خليفة له في حال حياته) (٢) إجماعا ؛ لأنّه لم يعزله عن المدينة (٣) ، فيكون خليفة له بعد موته فيها ، وإذا كان خليفة في المدينة كان خليفة في غيرها إجماعا.

الخامس :

ما رواه الجمهور بأجمعهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لأمير المؤمنين : أنت أخي ووصيّي

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : خليفته.

(٢) ما بين القوسين ليس في «ر».

(٣) وقد استخلفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المدينة حين خرج إلى غزوة تبوك ، وقد عرف هذا الحديث بحديث المنزلة ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام فيه : يا علي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، ألّا أنّه لا نبيّ بعدي.

وقد روى هذا الحديث أحمد في مسنده ١ : ١٧٠ / الحديث ١٤٦٦ ، و ١ : ١٧٣ / الحديث ١٤٩٣ ، و ١ : ١٧٥ / الحديث ١٥١٢ ، و ١ : ١٨٥ / الحديث ١٦١١ بسنده عن سعد بن أبي وقّاص.

والبخاري في صحيحه باب غزوه تبوك بسنده عن مصعب بن سعد عن أبيه ، ومسلم في صحيحه ٧ : ١٢٠ / كتاب فضائل الصحابة ـ باب «من فضائل علي» بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن سعد ، وعن عامر بن سعد عن أبيه ، وعن إبراهيم بن سعد عن سعد.

والنسائي في الخصائص : ٧٦ ـ ٨٧ ، والحاكم في المستدرك ٣ : ٣٣٧ ، والخوارزمي في مناقبه : ١٠٨ ـ ١٠٩ / الفصل ٨ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٨١ ـ ٢٨٧ / الباب ٧٠ ، وقال في ص ٢٨٣ : هذا حديث متّفق على صحّته ، رواه الأئمة الحفّاظ كأبي عبد الله البخاري في صحيحه ، ومسلم بن الحجاج في صحيحه ، وأبي داود في سننه ، وأبي عيسى الترمذي في جامعه ، وأبي عبد الرحمن النسائي في سننه ، وابن ماجة القزويني في سننه ، واتّفق الجميع على صحّته حتّى صار ذلك إجماعا منهم. قال الحاكم النيسابوري : هذا حديث دخل في حدّ التواتر.

كما أخرجه المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ٦٣ ـ ٦٤ ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ١٨ ـ ١٩ ، وابن الصباغ في الفصول المهمة : ٣٩ / الفصل الأول.

١٥٠

وخليفتي من بعدي وقاضي ديني (١). وهو نصّ في الباب.

السادس : المؤاخاة

روى أنس قال : لمّا كان يوم المباهلة وآخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار ، وعليّ واقف يراه ويعرف مكانه ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فانصرف عليّ باكي العين ، (فافتقده النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما فعل أبو الحسن؟ قالوا : انصرف باكي العين) (٢) قال : يا بلال ، اذهب فائت به.

فمضى إليه وقد دخل منزله باكي العين ، فقالت فاطمة : ما يبكيك لا أبكى الله عينيك (٣)؟قال : آخى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني ولم يؤاخ بيني وبين أحد ، قالت : لا يحزنك الله ، لعلّه إنّما (٤) ذخرك لنفسه.

فقال بلال : يا عليّ ، أجب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فقال آخيت بين المهاجرين والأنصار (يا رسول الله) (٥) وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، قال : إنّما ادّخرتك (٦) لنفسي ، ألا يسرّك أن تكون أخا نبيّك؟ قال : بلى يا رسول الله ، أنّى لي بذلك.

فأخذ بيده فأرقاه المنبر ، فقال : اللهم إنّ هذا منّي وأنا منه ، ألا إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى ، ألا من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، فانصرف عليّ قرير العين ، فاتّبعه عمر فقال : بخّ

__________________

(١) مرّ بعض مصادر الحديث في حديث العشيرة ، وانظر كفاية الطالب للكنجي الشافعي : ٢٠٤ ـ ٢٠٦ بسنده عن البراء بن عازب.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ش ١».

(٣) في «ش ١» و«ش ٢» : عينك.

(٤) في «ر» فقط.

(٥) ما بين القوسين في «ر» فقط.

(٦) في «ر» : اخترتك.

١٥١

بخّ يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن. (١)

والمؤاخاة (٢) تدلّ على الأفضليّة ، فيكون هو الإمام.

السابع :

ما رواه الجمهور كافّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حاصر خيبر تسعا (٣) وعشرين ليلة ، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب ، وخرج مرحب يتعرّض للحرب ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ، فقال له : خذ الراية ، فأخذها في جمع من المهاجرين ، فاجتهد ولم يغن شيئا ورجع منهزما.

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : مسلم.

(٢) ويدعى بحديث المؤاخاة وقد سبقت الإشارة إلى بعض مصادره في حديث المنزلة وحديث الغدير.

وانظر كفاية الطالب للكنجي الشافعي : ١٩٢ ـ ١٩٦ / الباب ٤٧ حيث أخرج في ص ١٩٣ حديثا عن جابر بن عبد الله ، وفي ص ١٩٤ عن ابن عمر ، ثم قال : هذا حديث حسن عال صحيح أخرجه الترمذي في جامعه ، فإذا أردت أن تعلم قرب منزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتأمّل صنعه في المؤاخاة بين أصحابه ، جعل يضمّ الشكل إلى الشكل ، والمثل إلى المثل ، فيؤلّف بينهم ، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر ، وادّخر عليّا عليه‌السلام لنفسه واختصّه باخوّته ، وناهيك بها من فضيلة وشرف (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.) ثم أخرج حديثا عن أحمد بن حنبل في المناقب ، عن سعيد بن المسيب ، ثم أخرج في ص ١٩٦ حديثا عن صحيح مسلم بسنده عن سهل بن سعد ، وختم بحديث عن جابر فيه أبيات لأمير المؤمنين عليه‌السلام أنشدها ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع. وهي :

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي

معه ربيت وسبطاه هما ولدي

جدّي وجدّ رسول الله متّحد

وفاطم زوجتي لا قول ذي فند

صدّقته وجميع الناس في ظلم

من الضّلالة والإشراك والنكد

فالحمد لله شكرا لا نفاد له

البرّ بالعبد والباقي بلا أمد

فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : صدقت يا عليّ.

وقال : أخرجه ابن إسحاق في سيرته.

انظر ذخائر العقبى : ٦٦ ـ ٦٧ ذكر إخائه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وانظر مصادر حديث المؤاخاة في الغدير ٣ : ١٠٥ ـ ١١٧.

(٣) في «ش ١» و«ش ٢» : بعضا.

١٥٢

فلمّا كان من الغد تعرض لها عمر ، فسار غير بعيد ، ثم رجع يجبن أصحابه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جيئوني (١) بعلي عليه‌السلام

فقيل : إنّه ارمد. فقال : أرونيه تروني (٢) رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ليس بفرار.

فجاءوه بعلي ، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه ، فبرئ ، وأعطاه الراية ، ففتح الله على يده ، وقتل مرحبا (٣) ووصفه عليه‌السلام بهذا الوصف يدلّ على انتفائه عن غيره ، وهو يدلّ على أفضليّته ، فيكون هو الإمام.

الثامن : خبر الطائر

روى الجمهور كافّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتي بطائر ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليّ يأكل معي من هذا الطائر.

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : جيئوا.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : أروني.

(٣) ويعرف بحديث الراية رواه البخاري في الصحيح ٥ : ١٧١ / باب غزوة خيبر بسنده عن سلمة : وبسند آخر عن سهل بن سعد ، ورواه مسلم في صحيحه ٧ : ١٢١ / كتاب فضائل الصحابة ـ «باب من فضائل على رضي الله عنه» بسنده عن أبي هريرة ، وبسند آخر عن سهل بن سعد ، وفي ٧ : ١٢٢ بسنده عن سلمة بن الأكوع.

ورواه أحمد في مسنده ١ : ١٨٥ / الحديث ١٦١١ عن عامر بن سعد عن أبيه ، و ٥ : ٣٥٨ / الحديث ٢٢٥٢٢ بسنده عن بريدة الأسلمي و ٥ : ٣٣٣ / الحديث ٢٢٣١٤ بسنده عن سهل بن سعد ، و ٢ : ٣٨٤ / الحديث ٨٧٦٤ بسنده عن أبي هريرة ، و ٥ : ٣٥٣ / الحديث ٢٢٤٨٤ ، بسنده عن بريدة.

ورواه ابن المغازلي في المناقب : ١٧٦ ـ ١٨٩ / الأحاديث ٢١٣ ـ ٢٢٤ بأسانيد والفاظ مختلفة ، ورواه النسائي في الخصائص : ٤٨ عن عامر بن سعد ، وفي ص ٤٩ و ٥٠ بطريقين عن سعد بن ابي وقاص ، وفي ص ٥٢ عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن أبيه ، وفي ص ٥٣ و ٥٤ بطريقين عن بريدة ، وفي ص ٥٦ عن سهل بن سعد. وفي ص ٥٧ و ٥٨ بطريقين عن أبي هريرة ، وفي ص ٦٠ عن عمران بن الحصين.

وأخرجه المحب الطبري في ذخائر العقبى : ٧٢ ـ ٧٣ عن سهل بن سعد ، وسلمة بن الأكوع وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي رافع مولى رسول الله بألفاظ مختلفة.

١٥٣

فجاء عليّ عليه‌السلام فدقّ الباب ، فقال أنس بن مالك : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة ، فانصرف (١).

ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال أوّلا ، فدقّ عليّ عليه‌السلام الباب ، فقال أنس : أولم أقل لك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة؟ فانصرف.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما قال في الأوليين ، فجاء علي عليه‌السلام فدقّ الباب أشدّ من الأوليين ، فسمعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال له أنس أنّه على حاجة ، فأذن له بالدخول وقال : يا عليّ ، ما أبطأك عنّي؟ قال : جئت فردني أنس ، ثم جئت فردّني ، ثم جئت الثالثة فردّني.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس ، ما حملك على هذا؟ فقال : رجوت أن يكون الدّعاء لأحد من الأنصار.

فقال : يا أنس ، أفي الأنصار خير من عليّ؟! أو في الأنصار أفضل من عليّ؟! (٢)

وإذا كان أحبّ الخلق إلي الله تعالى ، وجب أن يكون هو الإمام.

__________________

(١) في «ش ١» : فرجع.

(٢) هو من الأحاديث الصحيحة التي وثق سنده أئمة الحديث ، ويعرف بحديث الطائر ، وقد عقد له الكنجي الشافعي بابا في كتاب كفاية الطالب ذكر فيه طرق الحديث وأسانيده عن الترمذي في جامعه الصحيح ، وعن الخطيب في تاريخه ، وعن ابن نجيح البزاز في الأول من منتقى أبي حفص عمر البصري ، وعن المحاملي فى أماليه ، ثم قال : وحديث أنس الذي صدّرته في أول الباب أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري عن ستة وثمانين رجلا كلّهم رووه عن أنس ، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم ... ثم ذكر أسماء الرواة ، ثم ذكر حديثا آخر بسند آخر عن عمر بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقال : وروي من وجه آخر وفيه رد الشمس عليه ، ذكرته في فصل ردّ الشمس ، ورواه عبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري ويعلى بن مرّة الثقفي ، كلّهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن الرواة عدة كثيرة من كبار التابعين المتّفق على ثقتهم وعدالتهم ، المخرّج حديثهم في الصحاح ، ممن لا ارتياب في واحد منهم ، والحديث مشهور وبالصحة مذكور.

وقد رواه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٣٠ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى : ٦١ ـ ٦٢ بطريقين ، ورواه النسائي في الخصائص : ٥١ ـ ٥٢ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٣٨ ـ ٣٩ ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ٣٧ / الفصل ١.

١٥٤

التاسع :

ما رواه الجمهور من أنّه عليه‌السلام أمر أصحابه بأن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، وقال : إنّه سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ، وقال : هذا وليّ كلّ مؤمن بعدي. وقال في حقّه : إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة. (١)

فيكون عليّ بعده كذلك ، وهذه نصوص في الباب.

العاشر :

ما رواه الجمهور من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (٢)

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق (٣)»

__________________

(١) ذكرنا بعض مصادره في حديث الغدير.

(٢) ويدعى بحديث الثقلين ، ويدلّ على تلازم أهل البيت مع القرآن وعدم انفكاكهما عن بعضهما ، وبطلان الأخذ بأحدهما دون الأخر ، وعلى بطلان قول من قال : حسبنا كتاب الله

وقد رواه أئمّة الحديث ؛ رواه مسلم في صحيحه ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / كتاب الفضائل ـ باب «من فضائل عليّ رض» عن زيد بن أرقم. وأحمد في مسنده ٣ : ١٧ / الحديث ١٠٧٤٧ عن أبي سعيد الخدري ، ٤ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ / الحديث ١٨٧٨٠ عن زيد بن أرقم ، و ٤ : ٤٩٨ / الحديث ١٨٨١٥ عن أبي الطفيل ، و ٥ : ١٨٢ / الحديث ٢١٠٦٨ ، و ٥ : ١٨٩ / الحديث ٢١١٤٥ عن زيد بن ثابت ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٢٤ ، عن زيد بن أرقم ، والنسائي في خصائصه : ٩٣ عن زيد بن أرقم ، والديلمي في الفردوس ١ : ٦٦ ـ ٦٧ / الحديث ١٩٤ عن أبي سعيد الخدري ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٥١ ـ ٥٣ عن زيد بن أرقم ؛ والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ١٦ عن زيد بن أرقم ، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : ٤٠ / الفصل ١ عن الترمذي عن زيد بن أرقم.

(٣) رواه ابن المغازلي في المناقب : ١٣٢ ـ ١٣٤ / الأحاديث ١٧٣ ـ ١٧٧ ، بأسانيده عن ابن عباس بطريقين ، وإياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه ، وأبي ذر.

وأخرجه المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ٢٠ عن ابن عباس وعلي عليه‌السلام ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٥٠ عن

١٥٥

وهذا يدلّ على وجوب التمسّك بقول أهل بيته ، وسيّدهم عليّ عليه‌السلام ، فيكون واجب الطاعة على الكلّ ، فيكون هو الإمام دون غيره من الصحابة.

الحادي عشر :

ما رواه الجمهور من وجوب محبّته وموالاته.

روى أحمد بن حنبل في مسنده : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيده حسن وحسين ، وقال : «من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة» (١).

وروى ابن خالويه ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها الله تعالى بيده ثمّ قال لها : «كوني» فكانت ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي (٢)».

وعن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : «حبّك إيمان ، وبغضك نفاق ، وأوّل من يدخل الجنّة محبّك ، وأوّل من يدخل النار مبغضك ، وقد جعلك أهلا لذلك ، فانت منّي ، وأنا

__________________

أبي ذر ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ٢٦ ـ المقدّمة ـ عن أبي ذر ، وابن حجر في الصواعق : ٩١ ؛ الآية السابعة ، والسيوطى في الدر المنثور ١ : ٧١ ـ ٧٢ ؛ ذيل الآية ٤٧ من سورة البقرة عن علي عليه‌السلام قال : إنّما مثلنا في هذه الأمّة كسفينة نوح وكباب حطّة في بني إسرائيل. وأخرجه القندوزي في ينابيعه بألفاظ مختلفة. انظر الينابيع ١ : ٩٣ و ٩٤ / الباب ٤ ، ٢ : ١١٨ / الباب ٥٦ ، ٢ : ٢٥٢ / الباب ٥٦ ، ٢ : ٣٢٧ / الباب ٥٦ ، ٢ : ٤٤٣ / الباب ٥٩ ، ٢ : ٤٧٢ / الباب ٥٩.

(١) مسند أحمد ١ : ٧٧ / الحديث ٥٧٧ بسنده عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه ، ومناقب الخوارزمي : ١٣٨ / الحديث ١٥٦.

(٢) رواه ابن المغازلي في المناقب بألفاظ مختلفة عن ابن عباس ، وزيد بن أرقم ، وأبي هريرة. المناقب : ٢١٥ ـ ٢١٩ / الأحاديث ٢٦٠ ـ ٢٦٤ ، والخوارزمي في مناقبه : ٧٦ / الفصل ٦ ـ الحديث ٥٨ عن زيد بن أرقم ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٤٧ ، عن زيد بن أرقم ، وأبو نعيم في الحلية ١ : ٨٦ عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويتمسّك بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثمّ قال لها «كوني» فكانت ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي.

١٥٦

منك ، ولا نبيّ بعدي».

وعن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله ، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول : «هذا وليّي وأنا وليّه ، عاديت من عادى ، وسالمت من سالم (١)».

وروى أخطب خوارزم ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جاءني جبرئيل من عند الله عزوجل بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض «إنّي افترضت محبّة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على خلقي ، فبلّغهم ذلك عنّي (٢)».

والأخبار في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين ، وهذا يدلّ على أفضليّته واستحقاقه للإمامة.

الثاني عشر :

روى أخطب خوارزم بإسناده إلى أبي ذر الغفاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر وقد حارب الله ورسوله ، ومن شكّ في عليّ فهو كافر (٣)».

وعن أنس ، قال : كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فرأى عليّا عليه‌السلام مقبلا ، فقال : «أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة (٤)».

وعن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعليّ عليه‌السلام «يا عليّ لا يبالي من مات وهو يبغضك مات يهوديّا أو نصرانيّا (٥)».

__________________

(١) مرّ بعض مصادر الحديثين السابقين في آية. (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) وحديثي المؤاخاة والغدير.

(٢) مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٣٧ ، ومناقب الخوارزمي : ٦٦ / الحديث ٣٧.

(٣) رواه ابن المغازلي في المناقب : ٤٥ ـ ٤٦ / الحديث ٦٨ ، عن أبي ذر ، والمناوي في كنوز الحقائق : ١٥٦ ، وعنه ينابيع المودة للقندوزي ٢ : ٨٢ / الباب ٥٦ ـ الحديث ١١٨ ، والغدير ١٠ : ٢٧٤.

(٤) أخرجه القندوزي في الينابيع ٢ : ٢٤٩ / الباب ـ ٥٦ الحديث ٧٠٠ وقال : رواه صاحب الفردوس والإمام أحمد.

وابن المغازلي في المناقب : ٤٥ / الحديث ٦٧ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى : ٧٧ وقال : أخرجه النقّاش.

(٥) رواه الديلمي في الفردوس ٥ : ٣٣٠ / الحديث ٨٣٣٩ عن بهز بن حكيم مرفوعا : يا عليّ ما كنت أبالي من

١٥٧

قالت الإماميّة : إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل هذه الأحاديث ، ونقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات ، وجب علينا المصير إليها ، وحرم العدول عنها.

المنهاج الرابع :

في الأدلّة على إمامته ، المستنبطة من أحواله عليه‌السلام ، وهي اثنا عشر :

الأوّل :

أنّه عليه‌السلام كان أزهد الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وطلّق الدنيا ثلاثا ، وكان قوته جريش الشعير ، وكان يختمه لئلّا يضع الإمامان عليهما‌السلام فيه أدما ، وكان يلبس خشن الثياب ، قصيرها ، ورقع مدرعته حتّى استحيى من راقعها ، وكان حمائل سيفه من اللّيف ، وكذا نعله.

روى أخطب خوارزم ، عن عمّار ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يا عليّ إنّ الله تعالى زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة (أحبّ إليه) (١) منها ؛ زهّدك في الدنيا وبغّضها إليك ، وحبّب إليك الفقراء ، فرضيت بهم أتباعا ، ورضوا بك إماما ، يا عليّ طوبى لمن أحبّك وصدق عليك ، والويل لمن أبغضك وكذب عليك ، أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في دينك وشركاؤك في جنّتك ؛ وأمّا من أبغضك وكذب عليك فحقيق على الله تعالى يوم القيامة أن يقيمه مقام الكذّابين. (٢)

__________________

مات من أمّتي وهو يبغضك ، مات يهوديّا أو نصرانيا.

وابن المغازلي في المناقب : ٥٠ ـ ٥١ / الحديث ٧٤ عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه معاوية بن حيدة القشيري ، ثمّ قال :

قال يزيد بن زريع : فقلت لبهز بن حكيم : أحدّثك أبوك عن جدّك عن النبيّ؟ قال : الله! حدّثني أبي عن جدّي وإلّا فأصمّ الله أذني بصمام من نار!.

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : هي أحب إلى الله.

(٢) مناقب الخوارزمي : ١١٦ / الفصل ١٠ ـ الحديث ١٢٦. الفردوس للديلمي ٥ : ٣١٩ / الحديث ٨٣١١ عن

١٥٨

قال سويد بن غفلة : دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام القصر ، (١) فوجدته جالسا ، بين يديه صحفة فيها لبن حازر (٢) أجد ريحه من شدّة حموضته ، وفي يديه رغيف أرى قشار الشعير في وجهه ، وهو يكسر بيده أحيانا ، فإذا غلبه كسره بركبته فطرحه فيه ، فقال : ادن فأصب من طعامنا هذا! فقلت : إنّي صائم! فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من منعه الصيام من طعام يشتهيه ، كان حقّا على الله أن يطعمه من طعام الجنّة ويسقيه من شرابها.

قال : فقلت لجاريته وهي قائمة بقرب منه : ويحك يا فضّة ، ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟ (ألا تنخلون) (٣) له طعاما ممّا أرى فيه من النخالة؟ فقالت : لقد تقدّم إلينا ألّا ننخل له طعاما.

قال : ما قلت لها؟ فأخبرته ، فقال : بأبي وأمّي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيّام حتّى قبضه الله عزوجل. (٤)

واشترى يوما ثوبين غليظين ، فخيّر قنبرا فيهما ، فأخذ واحدا ولبس هو الآخر ، ورأى في كمّه طولا عن أصابعه فقطعه. (٥)

قال ضرار بن ضمرة : دخلت على معاوية بعد قتل عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : صف لي عليّا ، فقلت : أعفني! فقال : لا بدّ أن تصفه ، فقلت : أما إذ لا بدّ ، فإنّه كان ـ والله ـ بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، غزير العبرة ،

__________________

ـ عمار مختصرا.

(١) في «ر» : العصر.

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : حار. واللبن الحازر : الحامض.

(٣) في «ش ١» : لا ئنخلين ، وفي «ش ٢» : ألا تنخلين.

(٤) مناقب الخوارزمي : ١١٨ / الفصل ١٠ ـ الحديث ١٣٠ وتذكرة الخواص : ١١٢ ، وقال : وأخرجه أحمد أيضا في الفضائل.

(٥) تاريخ دمشق ٣ : ١٩١ / الحديث ١٢٤١ ، وأسد الغابة ٤ : ٢٤.

١٥٩

طويل الفكرة ، (يقلّب كفّه ويعاتب نفسه) (١) ، يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب.

وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن ـ والله ـ مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين ، لا يطمع القويّ في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غرّي غيري ، أبي تعرّضت أم لي تشوّقت؟! هيهات هيهات ، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها ؛ فعمرك قصير ، وخطرك يسير (٢) ، وعيشك حقير ، آه من قلّة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق!.

فبكى معاوية ، وقال : رحم الله أبا الحسن! كان ... والله ... كذلك ، (قال معاوية : كيف كان حبّك له؟ قال : كحبّ أمّ موسى لموسى ، قال :) (٣) فما حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن من ذبح ولدها في حجرها ، فلا ترقأ عبرتها ، ولا يسكن حزنها. (٤)

وبالجملة ، فزهده لم يلحقه أحد فيه ولا يسبقه أحد إليه عليه‌السلام ، وإذا كان أزهد الناس ، كان هو الإمام ؛ لامتناع تقدّم المفضول عليه.

الثاني :

أنّه عليه‌السلام كان أعبد الناس ، يصوم النهار ويقوم اللّيل ، ومنه تعلّم الناس صلاة اللّيل ونوافل النهار ، وأكثر العبادات والأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت ، وكان يصلّي في

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ر».

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : كثير.

(٣) ما بين القوسين ليس في «ر».

(٤) تذكرة الخواص : ١١٨ ـ ١١٩ ، وذخائر العقبى : ١٠٠ ، وقال ، أخرجه الدولابي وأبو عمر وصاحب الصفوة ، والاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٤٤ ، عن الحرمازي رجل من همدان ، والفصول المهمة : ١٢٩ / الفصل ١ ، وحلية الأولياء ١ : ٨٤.

١٦٠