منهاج الكرامة في معرفة الإمامة

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

منهاج الكرامة في معرفة الإمامة

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة عاشوراء للتحقيقات والبحوث الإسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-90423-6-9
الصفحات: ٢١٦

نهاره وليلته ألف ركعة ، ولم يخلّ بصلاة اللّيل حتّى في ليلة الهرير (١).

قال ابن عباس : رأيته في حربه وهو يرقب الشمس ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما ذا تصنع؟ فقال : انظر إلى الزوال لأصلّي ، فقلت : في هذا الوقت؟! فقال : إنّما نقاتلهم على الصلاة.

فلم يغفل عن فعل العبادة في أوّل وقتها في أصعب الأوقات ، وكان إذا أريد إخراج شيء من الحديد من جسده ترك (٢) إلى أن يدخل في الصلاة ، فيبقى متوجّها إلى الله تعالى غافلا عمّا سواه ، غير مدرك للآلام التي تفعل به.

وجمع بين الصلاة والزكاة ، فتصدّق وهو راكع ، فأنزل الله تعالى فيه قرآنا يتلى ، وتصدّق بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام حتّى أنزل فيه وفيهم (هَلْ أَتى) ، وتصدّق ليلا ونهارا وسرّا وجهارا ، وناجى الرسول فقدّم بين يدي نجواه صدقة (٣) ، فأنزل الله تعالى فيه قرآنا ؛ وأعتق ألف عبد من كسب يده ، وكان يؤجر نفسه وينفق على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الشّعب.

وإذا كان أعبد الناس كان أفضل ، فيكون هو الإمام.

الثالث :

أنّه عليه‌السلام كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقضاكم عليّ» (٤)

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٤٤ / الحديث ١٢٢٣ ، وحلية الأولياء ١ : ٦٩ ، وبحار الأنوار ٤١ : ١٧ ، عن أبي يعلى في المسند وشرح النهج ١ : ٩ (طبع بيروت ذات أربع مجلدات).

(٢) في «ش ١» و«ش ٢» : يترك.

(٣) في «ر» : صدقات.

(٤) الاستيعاب ٣ : ٣٨ ، بلفظ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في أصحابه : (أقضاهم علي بن أبي طالب.)

وفيه : وقال عمر بن الخطاب : علي أقضانا وأبي أقرؤنا ... الحديث ، وعن ابن عباس قال : قال عمر : علي أقضانا.

وفي مناقب الخوارزمي ٨١ ، الفصل ٧ ـ الحديث ٦٦ بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أقضى أمّتي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وفي ذخائر العقبى : ٨٣ ، عن أنس ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أقضى : أمّتي عليّ ، وفيه : عن عمر قال : أقضانا علي. أخرجه الحافظ السلفي.

١٦١

والقضاء يستلزم العلم والدين وفيه نزل قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١).

ولأنه عليه‌السلام كان في غاية الذكاء والفطنة ، شديد الحرص على التعلّم ، ولازم رسول الله ـ الذي هو أكمل الناس ـ ملازمة شديدة ليلا ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العلم في الصّغر كالنقش في الحجر» ، فيكون علومه أكثر من علوم غيره ؛ لحصول القابل الكامل والفاعل التامّ ، ومنه استفاد الناس العلم.

أمّا النحو ، فهو واضعه ؛ قال لأبي الأسود الدؤلي : «الكلام كلّه ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف» ... وعلّمه وجوه الإعراب.

وأمّا الفقه ، فالفقهاء كلّهم يرجعون إليه ؛ أمّا الإمامية فظاهر ؛ لأنّهم أخذوا علمهم منه ومن أولاده ، وأمّا غيرهم فكذلك ، أمّا أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمد وزفر ، فإنّهم أخذوا عن أبي حنيفة ، والشافعيّ قرأ على محمد بن الحسن وعلى مالك ، فرجع فقهه إليهما ، وأمّا أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعيّ ، فرجع فقهه إليه ، وفقه الشافعيّ راجع إلى (أبي حنيفة) (٢) وأبو حنيفة قرأ على الصادق ، والصادق قرأ على الباقر ، والباقر [قرأ] على زين العابدين ، وزين العابدين قرأ على أبيه ، وأبوه قرأ على عليّ عليه‌السلام. وأمّا مالك فقرأ على ربيعة الرأي (٣) ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وعكرمة على عبد الله بن عبّاس ، وعبد الله بن عبّاس تلميذ عليّ عليه‌السلام.

وأمّا علم الكلام ، فهو أصله ، ومن خطبه استفاد الناس ، وكلّ الناس تلاميذه : فإنّ المعتزلة انتسبوا إلى واصل بن عطاء وهو كبيرهم ، وكان تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفيّة ، وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذ عليّ عليه‌السلام : والأشعريّة تلامذة أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعري ، وهو تلميذ أبي علي الجبائي ، وهو شيخ من شيوخ المعتزلة.

وعلم التفسير إليه يعزى ؛ لأن ابن عباس كان تلميذه فيه ، قال ابن عباس : حدّثني

__________________

(١) الحاقّة : ١٢.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ش ٢».

(٣) في «ر» : الرازي.

١٦٢

أمير المؤمنين من تفسير الباء من (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من أوّل الليل إلى آخره.

وأمّا علم الطريقة ، فإليه منسوب ، فإنّ الصوفية كلّهم يسندون الخرقة إليه.

وأمّا علم الفصاحة ، فهو منبعه ، حتّى قيل في كلامه أنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، ومنه تعلّم الخطباء. (١)

وقال : «سلوني قبل أن تفقدوني! سلوني عن طرق السماء فإنّي أعلم بها من طرق الأرض»! (٢) وإليه يرجع الصحابة في مشكلاتهم ، و(رووا في عمر) (٣) قضايا كثيرة قال فيها : «لو لا عليّ لهلك عمر» ، وأوضح كثيرا من المشكلات : جاء إليه شخصان كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة ، فجلسا يأكلان ، فجاءهما ثالث فشاركهما ، فلمّا فرغوا رمى لهما ثمانية دراهم ، فطلب صاحب الأكثر خمسة ، فأبى عليه صاحب الأقلّ ، فتخاصما ورجعا إلى عليّ عليه‌السلام فقال : قد أنصفك ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّ حقّي أكثر وأنا أريد مرّ الحقّ ، فقال : إذا كان كذلك فخذ درهما واحدا وأعطه الباقي. (٤)

ووقع مالكا جارية عليها جهلا في طهر واحد ، فحملت فأشكل الحال ، فترافعا إليه ،

__________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ٦ ـ ٧.

(٢) روي هذا الحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة ، وقد أخرجها بهذا اللفظ القندوزي في ينابيع المودّة ٣ : ٢٠٨ / الباب ٦٨ ضمن خطبة مفصّلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام. ورواه في ٣ : ٢٢٤ بلفظ آخر عن أحمد في مسنده ، بسنده عن ابن عباس.

وأخرج الخوارزمي في مناقبه ، عن أبي البتري حديثا بهذا المضمون ؛ المناقب : ٩١ ـ ٩٢ / الحديث ٨٥ ، كما اخرج في ص ٩٠ ـ ٩١ / الحديث ٨٣ عن سعيد بن المسيب ، قال : ما كان في أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد يقول «سلوني» غير علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وأخرج الكنجي الشافعي في الكفاية : ٢٠٨ / الباب ٥٢ عن أبي الطفيل ، قال : قال عليّ بن أبي طالب : سلوني عن كتاب الله ، فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل ثمّ قال : هكذا أخرجه صاحب الطبقات ، وما كتبناه إلّا من هذا الوجه. انتهى. وأخرجه بهذا اللفظ ابن عبد البر صاحب الاستيعاب في كتابه ٣ : ٤٣.

(٣) في «ش ١» و«ش ٢» : وردّ عمر في.

(٤) الاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٤١ ـ ٤٢ مفصّلا ؛ وذخائر العقبى للمحبّ الطبري : ٨٤.

١٦٣

فحكم بالقرعة ، فصوّبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : الحمد لله الذي جعل لنا ـ أهل البيت ـ من يقضي على سنن داود (١). يعني به القضاء بالإلهام.

وركبت جارية أخرى فنخستها ثالثة ، فوقعت الراكبة فماتت ، فقضى بثلثي ديتها على الناخسة والقامصة ، وصوّبه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)

وقتلت بقرة حمارا ، فترافع المالكان إلى أبي بكر ، فقال : بهيمة قتلت بهيمة ، لا شيء على ربّها! ثم مضيا إلى عمر فقضى بذلك أيضا ، ثم مضيا إلى عليّ عليه‌السلام فقال : إن كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه ، فعلى ربّها قيمة الحمار لصاحبه ، وإن كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتلته فلا غرم على صاحبها! فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد قضى عليّ بن أبي طالب بينكما بقضاء الله عزوجل (٣) والأخبار العجيبة في ذلك لا تحصى كثرة وإذا كان أعلم ، وجب أن يكون هو الإمام لقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٤)

الرابع :

أنّه كان أشجع الناس ، وبسيفه ثبتت قواعد الإسلام وتشيّدت أركان الإيمان ، ما انهزم

__________________

(١) المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ٣٥٣ عن أبي داود وابن ماجة في سننهما وابن بطة في الإبانة وأحمد في فضائل الصحابة وأبو بكر بن مردويه في كتابه ، وفيه : قيل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتى إلى علي باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولد ، هم كلّهم يزعم أنه وقع على أمّه في طهر واحد ذلك في الجاهليّة ، فقال علي عليه‌السلام : إنّهم شركاء متشاكسون ، فقرع على الغلام باسمهم ، فخرجت لأحدهم ، فألحق الغلام به وألزمه ثلثي الدية لصاحبيه ، وزجرهما عن مثل ذلك.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٥٤ عن أبي عبيد في غريب الحديث ، وابن مهدي في نزهة الأبصار عن الاصبغ بن نباتة.

(٣) الصواعق المحرقة : ٧٣ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٥٤ عن مصعب بن سلام عن الصادق عليه‌السلام ، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : ٣٤ ـ ٣٥ / الفصل ١.

(٤) يونس : ٣٥ والآية والعلمتان اللتان قبلها ساقطة من «ر».

١٦٤

في موطن قطّ ، ولا ضرب بسيفه إلّا قطّ ، وطالما كشف الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يفرّ كما فرّ غيره

ووقاه بنفسه لمّا بات على فراشه مستترا بإزاره ، فظنّه المشركون ـ وقد اتّفقوا على قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّه هو ، فأحدقوا به وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهرا ، فيذهب دمه ؛ لمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ، ولا يتمّ لهم الأخذ بثاره لاشتراك الجماعة في دمه ، ويعود كلّ قبيل إلى رهطه ، وكان ذلك سبب حفظ دم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتمّت السلامة ، وانتظم به الغرض في الدعاء إلى الملّة فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفتك به ، ثار إليهم فتفرّقوا عنه حين عرفوه ، وانصرفوا وقد ضلّت حيلتهم وانتقض تدبيرهم (١)

وفي غزاة بدر ـ وهي أوّل الغزوات ـ كانت على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة ، وعمره سبعة وعشرون سنة ، قتل عليه‌السلام منهم ستّة وثلاثين رجلا بانفراده ، وهم أعظم من نصف المقتولين ، وشرك في الباقين. (٢)

وفي غزاة احد انهزم الناس كلّهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وحده ، ورجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفر يسير أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف ، وجاء عثمان بعد ثلاثة أيّام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ذهبت فيها عريضة! (٣)

وتعجّبت الملائكة من ثبات علي عليه‌السلام ، وقال جبرئيل وهو يعرج إلى السماء «لا سيف إلّا ذو الفقار ، ولا فتى إلّا عليّ» (٤) ، وقتل عليّ عليه‌السلام أكثر المشركين في هذه الغزاة ، وكان الفتح

__________________

(١) وفيه : نزل (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) كما سبقت الإشارة إليه ، وانظر الفصول المهمة : ٤٦ ـ ٤٧ / الفصل ١.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ٨. وانظر الفصول المهمة : ٥٣ ـ ٥٤ «ذكر أسماء رءوس الكفر الذين انفرد عليه‌السلام بقتلهم».

(٣) ذكر فرار عثمان في معركة أحد وتغيبه عن بدر وتخلّفه عن بيعة الرضوان في صحيح البخاري ٥ : ١٢٦٥ / باب غزوة أحد ، وجاء فيها محاولة الدفاع عنه بتأويلات باردة. وانظر بحار الأنوار ٢٠ : ٨٤.

(٤) مناقب الخوارزمى : ١٧٢ ـ ١٧٣ / الحديث ٢٠٨ ، وذخائر العقبى : ٧٤ ، وقال : خرّجه الحسن بن عرفة العبدي

١٦٥

فيها على يديه عليه‌السلام.

روى قيس بن سعد عن أبيه ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : أصابتني يوم أحد ستّ عشرة ضربة ، سقطت إلى الأرض في أربع منهنّ ، فجاءني رجل حسن الوجه (حسن الكلم) (١) طيّب الريح ، فأخذ بضبعي فأقامني ، ثم قال : أقبل عليهم فإنّك في طاعة الله وطاعة رسوله ، فهما عنك راضيان ، قال عليّ : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته ، فقال : يا عليّ ، أما تعرف الرجل؟ قلت : لا ، ولكن شبّهته بدحية الكلبي ، فقال : يا عليّ ، أقرّ الله عينك ، كان جبرئيل عليه‌السلام. (٢)

وفي غزاة الأحزاب ـ وهي غزاة الخندق ـ لمّا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عمل الخندق أقبلت قريش يقدمها أبو سفيان ، وكنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف ، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد ، ونزلوا من فوق المسلمين ومن تحتهم ، كما قال تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) (٣).

فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمسلمين وهم ثلاثة آلاف ، وجعل الخندق بينهم ، واتّفق المشركون مع اليهود ، وطمع المشركون بكثرتهم وموافقة اليهود.

وركب عمرو بن ودّ وعكرمة بن أبي جهل ودخلوا من مضيق في الخندق إلى المسلمين ، وطلب المبارزة ، فقام عليّ عليه‌السلام وأجابه ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه عمرو ، فسكت ، ثمّ طلب المبارزة ثانيا وثالثا ، وكلّ ذلك يقوم عليّ ويقول له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه عمرو ، فسكت ، ثمّ طلب المبارزة ثانيا وثالثا ، وكلّ ذلك يقوم عليّ ويقول له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّه عمرو ، فأذن له في الرابعة.

فقال له عليّ عليه‌السلام : كنت عاهدت الله ألّا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلّتين إلّا

__________________

وبحار الأنوار ٢٠ : ٨٤ ـ ٨٦ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٨٧.

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : حسن السلام واللمة.

(٢) بحار الأنوار ٢٠ : ٩٣ ، عن خصائص العلوية ، وقريب منه في ترجمة الإمام علي من أسد الغابة.

(٣) الأحزاب : ١٠.

١٦٦

أخذتها منه ، وأنا أعودك إلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال أدعوك إلى النزال! قال : ما أحبّ أن أقتلك فقال له عليّ عليه‌السلام : ولكنّي أحبّ أن أقتلك.

فحمي عمرو ونزل عن فرسه ، وتجاولا ، فقتله عليّ عليه‌السلام وولده (١) ، وانهزم عكرمة ، ثمّ انهزم باقي المشركين واليهود. وعنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قتل عليّ لعمرو بن ودّ أفضل من عبادة الثقلين. (٢)

وفي غزاة بني النضير قتل عليّ عليه‌السلام رامي قبّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسهم ، وقتل بعده عشرة منهم فانهزموا.

وفي غزاة السلسلة وفي غزاة جاء أعرابي فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ جماعة من العرب قصدوا أن يبيّتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من للوادي؟ فقال أبو بكر : أنا له ، فدفع إليه اللواء وضمّ إليه سبعمائة ؛ فلمّا وصل إليهم قالوا له : ارجع إلى صاحبك فإنّا في جمع كثير ، فرجع.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الثاني من للوادي؟ فقال عمر : أنا ذا يا رسول الله ، فدفع إليه الراية ، ففعل كالأوّل ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم الثالث : أين علي بن أبي طالب؟ فقال : أنا ذا يا رسول الله ، فدفع إليه الراية ، فمضى إلى القوم فلقيهم بعد صلاة الصبح ، فقتل منهم ستّة أو سبعة وانهزم الباقون. وأقسم الله تعالى (بفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام) (٣) فقال (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (٤) السورة (٥).

وقتل من بني المصطلق مالكا وابنه ، وسبى كثيرا من جملتهم جويرية بنت الحارث بن

__________________

(١) في «ر» فقط.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ٣٢ بسنده عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمّتي إلى يوم القيامة. ومقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٤٥.

(٣) في «ش ٢» بفعله.

(٤) العاديات : ١.

(٥) إرشاد المفيد : ٦٠ ـ ٦١ ، بحار الأنوار ٢١ : ٧٨.

١٦٧

أبي ضرار ، فاصطفاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجاء أبوها في ذلك اليوم ، فقال : يا رسول الله ابنتي كريمة لا تسبى ، فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يخيّرها (فاختارت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١) ، فقال : أحسنت وأجملت ، ثم قال : يا بنيّة لا تفضحي قومك! فقالت : اخترت الله ورسوله! (٢)

وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها على يد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، دفع صلى‌الله‌عليه‌وآله الراية إلى أبي بكر فانهزم ، ثمّ إلى عمر فانهزم ، ثمّ إلى عليّ عليه‌السلام وكان أرمد العين ، فتفل في عينه ، وخرج فقتل مرحبا ، فانهزم الباقون وغلّقوا عليهم الباب ، فعالجه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقلعه وجعله جسرا على الخندق ـ وكان الباب يغلقه عشرون رجلا ـ ودخل المسلمون الحصن ونالوا الغنائم ، وقال عليه‌السلام : والله ما قلعت (٣) باب خيبر بقوّة جسمانيّة ، بل بقوّة ربّانيّة. (٤) وكان فتح مكّة بواسطته عليه‌السلام.

وفي غزاة حنين خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متوجّها إليهم في عشرة آلاف من المسلمين ، فعاينهم أبو بكر وقال : لن نغلب اليوم من كثرة ، فانهزموا ولم يبق مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير تسعة من بني هاشم وأيمن ابن أم أيمن ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام بين يديه يضرب (٥) بالسيف ، وقتل من المشركين أربعين (نفرا فانهزموا) (٦).

الخامس :

إخباره بالغائب والكائن قبل كونه.

فأخبر بأنّ طلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة : «لا والله ما يريدان العمرة

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في «ر».

(٢) الإرشاد للمفيد : ٦٢.

(٣) في «ر» : فتحت.

(٤) أمالي الصدوق : ٤١٥ / المجلس ٧٧ ، في رسالته عليه‌السلام إلى سهل بن حنيف.

(٥) سقط من «ر».

(٦) ما بين القوسين سقط من «ر». وانظر الارشاد للمفيد : ٧٤.

١٦٨

وإنما يريدان البصرة» ؛ فكان كما قال. (١)

وأخبر وهو (بذي قار جالس لأخذ البيعة : يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون ، يبايعوني) (٢) على الموت ، فكان كذلك ، وكان آخرهم أويس القرني (٣).

وأخبر بقتل ذي الثدية ، وكان كذلك (٤). وأخبره شخص بعبور القوم في قضيّة النهروان ، فقال «لم يعبروا» ثم أخبره آخر بذلك ، فقال : «لم يعبروه ، وإنه ـ الله ـ لمصرعهم» فكان كذلك (٥) وأخبر بقتل نفسه الشريفة (٦). وأخبر جويرية بن مسهر بأنّ اللعين يقطع يديه ورجليه ويصلبه ، ففعل به معاوية ذلك (٧). وأخبر ميثم التّمار بأنّه يصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة ، وهو أقصرهم خشبة ، وأراه النخلة التي يصلب عليها ؛ فوقع كذلك (٨)

وأخبر رشيد الهجري بقطع يديه ورجليه وصلبه وقطع لسانه ؛ فوقع (٩). وأخبر كميل بن زياد بأنّ الحجّاج يقتله ؛ فوقع (١٠). وإنّ قنبرا يذبحه الحجّاج ؛ فوقع. (١١) وقال للبراء بن

__________________

(١) الإرشاد : ١٦٦ ، وإعلام الورى : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ش ١».

(٣) الإرشاد للمفيد : ١٦٦ ـ ١٦٧ ، وإعلام الورى : ١٧٠.

(٤) الإرشاد : ١٦٧ ، وإعلام الورى : ١٧٠.

(٥) الإرشاد : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، وإعلام الورى : ١٧١ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

(٦) الإرشاد : ١٦٨ ، وتذكرة الخواص : ١٧٢ ـ ١٧٥ ؛ والفصول المهمة لابن الصباغ : ١٣١ ؛ ومناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣١٠ ـ ٣١١.

(٧) الإرشاد : ١٧٠ ، وإعلام الورى : ١٧٢ ، وشرح النهج ١ : ٢٠٩ ، في إخباره بالمغيبات.

(٨) الإرشاد للمفيد : ١٧٠ ، واعلام الورى : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، وشرح النهج ١ : ٢١٠.

(٩) الإرشاد للمفيد : ١٧١ ـ ١٧٢ ، وإعلام الورى : ١٧٤ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٩.

(١٠) الإرشاد للمفيد : ١٧٢ ـ ١٧٣ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(١١) الإرشاد للمفيد : ١٧٣ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.

١٦٩

عازب : «إنّ ابني الحسين يقتل ولا تنصره» فكان كما قال. واخبر بموضع قتله (١).

وأخبر بملك بني العبّاس وأخذ الترك الملك منهم ، فقال : «ملك بني العبّاس يسر لا عسر فيه ، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان على أن يزيلوا ملكهم لما قدروا أن يزيلوه ، حتّى يشدّ عنهم مواليهم وأرباب دولتهم ، ويسلّط عليهم ملك من الترك يأتي عليهم من حيث بدأ ملكهم ، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها ، ولا ترفع له راية إلّا نكّسها ، الويل الويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك حتّى يظفر ، ثمّ يدفع بظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحقّ ويعمل به» وكان الأمر كذلك حيث ظهر هولاكو من ناحية خراسان ، ومنه ابتدأ ملك بني العبّاس ؛ حيث بايع لهم أبو مسلم الخراساني.

السادس : أنّه كان مستجاب الدعاء

دعا على بسر بن أرطاة بأن يسلبه الله عقله ؛ فخولط فيه (٢). ودعا على العيزار بالعمى فعمي (٣) ودعا على أنس بن مالك لمّا كتم شهادته بالبرص ، فأصابه (٤). وعلى زيد بن أرقم بالعمى ، فعمي (٥).

السابع :

أنّه لمّا توجّه إلى صفّين لحق بأصحابه عطش شديد ، فعدل بهم قليلا ، فلاح لهم دير ،

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ١٧٤ ، وإعلام الورى : ١٧٥ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٠.

(٢) الإرشاد للمفيد : ١٦٩ ، وبحار الانوار ٢١ : ٢٠٤.

(٣) الإرشاد : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٩ ، وبحار الانوار ٤١ : ١٩٨ ـ ١٩٩. والعيزار هو رجل اتهمه أمير المؤمنين عليه‌السلام برفع أخباره إلى معاوية.

(٤) الإرشاد : ١٨٥ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ، وبحار الانوار ٢١ : ٢٠٤.

(٥) الإرشاد : ١٨٥ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٨١ وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج في ترجمة زيد بن أرقم.

١٧٠

فصاحوا بساكنه وسألوه عن الماء ، فقال : بيني وبينه أكثر من فرسخين ، ولو لا أني أتى بما يكفيني كلّ شهر على التقصير لتلفت عطشا ، فأشار أمير المؤمنين إلى مكان قريب من الدير وأمر بكشفه ، فوجدوا صخرة عظيمة فعجزوا عن إزالتها ، فقلعها وحده ، ثم شربوا الماء ، (فنزل إليه الراهب وقال له : أنت نبيّ مرسل أو ملك مقرّب؟ (١)) قال : لا ، ولكنّي وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأسلم على يده ، وقال : إنّ هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى جماعة قبلي ولم يدركوه ، وكان الراهب من جملة من استشهد معه ، ونظم القصّة السيّد الحميري في قصيدته المذهبة (٢).

الثامن :

ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا خرج إلى بني المصطلق جنب عن الطريق وأدركه الليل ، فنزل بقرب واد وعر ، فهبط جبرئيل عليه‌السلام آخر الليل وأخبره (٣) أنّ طائفة من كفّار الجن قد استوطنوا (٤) الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ بأصحابه ، فدعا بعليّ عليه‌السلام وعوّذه وأمره بنزول الوادي ؛ فقتلهم عليه‌السلام (٥)

التاسع :

رجوع الشمس له مرتين ، إحداهما في زمن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والثانية بعده.

أمّا الأولى : فروى جابر وأبو سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل عليه جبرئيل يوما

__________________

(١) «في «ش ١» و«ش ٢» : فجاء صاحب الدير عنده وقال : أنت رسول الله؟

(٢) الإرشاد للمفيد : ١٧٦ ـ ١٧٨ ، وأورد في آخرها قصيدة السيّد الحميري البائية المذهبة ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، وإعلام الورى : ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٣) في «ش ١» و«ش ٢» : وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) في «ر» : استبطنوا.

(٥) الإرشاد للمفيد : ١٧٨ ـ ١٧٩.

١٧١

ناجيه من عند الله تعالى ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلم يرفع رأسه حتّى غابت (١) الشمس ؛ فصلّى عليّ العصر بالإيماء ، فلمّا استيقظ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : سل الله تعالى يردّ عليك الشمس لتصلّي العصر قائما! فدعا فردّت الشمس ، فصلى العصر قائما (٢) وأمّا الثانية : فلمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ، وصلّى بنفسه في طائفة من أصحابه العصر ، وفاتت كثيرا منهم ، فتكلّموا في ذلك ، فسأل الله تعالى ردّ الشمس فردّت ، ونظمه السيد الحميري في قصيدته المذهّبة ، فقال :

ردّت عليه الشمس لمّا فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتّى تبلّج نورها في وقتها

للعصر ثمّ هوت هويّ الكوكب

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : فائت.

(٢) أخرج حديث ردّ الشمس طائفة كبيرة من أئمّة الحديث ، وقد أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٣٠٦ / الحديث ٣٠١ عن فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، عن أسماء بنت عميس ، وفي : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ الحديث ٣٠٢ ، عن أسماء بنت عميس ، وأخرجه ابن المغازلي في مناقبه : ٩٦ / الحديث ١٤٠ بسنده عن أسماء بنت عميس ، وفي : ٩٨ / الحديث ١٤١ بسنده عن أبي رافع ، وأخرجه سبط ابن الجوزي في التذكرة : ٤٩ ـ ٥٠ ، حديث «في ردّ الشمس له» عن فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام ، عن أسماء بنت عميس. وله كلام مع من ضعّف الحديث ، قال في آخره : وقد حبست (الشمس) ليوشع بالإجماع ، ولا يخلو إمّا ان يكون ذلك معجزة لموسى أو كرامة ليوشع ؛ فإن كان لموسى فنبيّنا أفضل منه ، وإن كان ليوشع ، فعليّ (عليه‌السلام) أفضل من يوشع ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل.

وهذا في حقّ الآحاد فما ظنّك بعلي ... ثم استشهد سبط ابن الجوزي بما ذكره أحمد في الفضائل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله الصديقون ثلاثة ... وعليّ بن أبى طالب وهو أفضلهم وقد مرّ الحديث آنفا فاكتفيت بالإشارة إليه.

وأخرج الحديث الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٣٨١ ـ ٣٨٧ عن أسماء بنت عميس ، وقال : هكذا ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور ، وأخرجه بطريق آخر عن أسماء بنت عميس ، وقال : هكذا رواه أبو الوقت في الجزء الأول من أحاديث الأمير أبي أحمد ، ورواه عن عامر بن واثلة أبي الطفيل في حديث المناشدة يوم الشورى ، ثم قال : هكذا رواه الحاكم في كتابه ، وقد تكلّم في الحديث من حيث الإمكان ، فروى حديث ردّ الشمس لنبيّ من الأنبياء حسب ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم ومسند أحمد ، ومن حيث عدالة من نقل ذلك ، وذكر جمع ممن رواه من العلماء. وانظر كتاب «الغدير» للعلّامة الأميني ٣ : ١٢٦ ـ ١٤١ فقد استقصى الكلام في رواة حديث ردّ الشمس من الأعلام.

١٧٢

وعليه قد ردّت ببابل مرّة

أخرى وما ردّت لخلق معرب (١)

العاشر :

ما رواه أهل السيرة أنّ الماء زاد في الكوفة وخافوا الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فركب بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج الناس معه ، فنزل على شاطئ الفرات فصلّى ، ثم دعا وضرب صفحة الماء بقضيب في يده ، فغاض الماء وسلّم عليه كثير من الحيتان ، ولم ينطق الجرّي والزمّار والمارماهي ، فسئل عن ذلك ، فقال : أنطق الله لي ما طهر من السموك ، وأصمت ما حرّمه ونجّسه وأبعده (٢).

الحادي عشر :

روى جماعة أهل السيرة أنّه عليه‌السلام كان يخطب على منبر الكوفة ، فظهر ثعبان فرقى المنبر ، فخاف الناس وأرادوا قتله فمنعهم ، فخاطبه ثمّ نزل ، فسأل الناس عنه ، فقال : إنّه حاكم من حكّام الجنّ التبس عليه قضيّة فأوضحتها له ، وكان أهل الكوفة يسمّون الباب الذي دخل منه «باب الثعبان» ، فأراد بنو أميّة إطفاء هذه الفضيلة ، فنصبوا على ذلك الباب فيلا مدّة طويلة حتّى سمّي «باب الفيل (٣)».

الثاني عشر :

الفضائل إمّا نفسانيّة أو بدنيّة أو خارجيّة ؛ وعلى التقديرين الأوّلين فإمّا أن تكون

__________________

(١) الإرشاد للمفيد : ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وقد أورد بيتا رابعا للحميري يقول فيه :

إلّا ليوشع أوله من بعده

ولردّها تأويل أمر معجب

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣١٦ ـ ٣١٨ ، وإعلام الورى للطبرسي : ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) الإرشاد للمفيد : ١٨٣ ، ومناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٣٣٠ ، وإعلام الورى : ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٣) الإرشاد للمفيد : ١٨٣ ـ ١٨٤ ، وإعلام الورى : ١٧٩.

١٧٣

متعلّقة بالشخص نفسه أو بغيره ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام جمع الكلّ.

أمّا فضائله النفسانيّة المتعلّقة به ، كعلمه وزهده وكرمه (١) وحلمه ، فهي أشهر من أن تخفى ، والمتعلّقة بغيره كذلك ، كظهور العلوم عنه واستفادة غيره منه ، وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدقة ، وأمّا الخارجيّة فكالنسب ، ولم يلحقه أحد فيه ؛ لقربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتزويجه إيّاه بابنته سيّدة النساء.

وقد روى أخطب خوارزم من كبار السنّة ، بإسناده عن جابر ، قال : لمّا تزوّج عليّ فاطمة ، زوّجه الله إيّاها من فوق سبع سماوات ، وكان الخاطب جبرئيل ، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا ؛ فأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك من الدرّ (٢) والجواهر ، ففعلت ، وأوحى الله تعالى إلى الحور العين أن : «القطن» ، فلقطن ، فهنّ يتهادين بينهنّ إلى يوم القيامة (٣). وأورد أخبارا كثيرة في ذلك.

وكان أولاه عليه‌السلام أشرف الناس بعد رسول الله وبعد أبيهم.

__________________

(١) ليست في «ر».

(٢) في «ر» : الدرر.

(٣) أخرج الخوارزمي في مناقبه عدّة أحاديث بأسانيد وألفاظ مختلفة ، في أنّ الله تعالى زوّج أمير المؤمنين فاطمة عليهما‌السلام من السماء ، وأنّ الملائكة قد زفّت فاطمة عليهما‌السلام ، وأنّ شجرة طوبى نثرت ما فيها عليهما.

أخرج في : ٣٣٧ / الحديث ٣٥٨ عن ابن مسعود ، وفي ص ٣٤٠ / الحديث ٣٦٠ عن علي بن الحسين عن أبيه ، وفي ص ٣٤١ / الحديث ٣٦١ عن بلال بن حمامة ؛ وفي : ٣٤٢ / الحديث ٣٦٢ عن ابن عباس ، وفي نفس الصفحة ، الحديث ٣٦٣ عن عليّ عليه‌السلام ، كما أخرج عدّة أحاديث بهذا المضمون في «مقتل الحسين» ١ : ٦٤ ـ ٦٥.

وأخرج ابن المغازلي في المناقب : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ / الحديثان ٣٩٤ و ٣٩٥ حديثين عن جابر قريبين من لفظ حديث المصنّف ، وفي ٣٤١ ـ ٣٤٢ / الحديث ٣٩٣ عن جابر بلفظ آخر ، وفي صفحة ٣٤٥ / الحديث ٣٩٦ عن أنس.

وأخرج المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ٣٢ حديثا عن أنس بلفظ قريب ، ثم قال : أخرجه الملّا في سيرته.

وأخرج في : ٣٢ عن عبد الله بن مسعود وقال : أخرجه الغسّاني. وفي : ٣١ ـ ٣٢ حديثين عن علي عليه‌السلام ، وقال بعد كلّ منهما : خرّجه الإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده. وأخرج الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٩٩ ـ ٣٠٣ عدّة أحاديث بأسانيده عن جابر بن سمرة وابن مسعود وجعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام.

١٧٤

وعن حذيفة بن اليمان ، قال : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، وقال : أيّها الناس ، هذا الحسين بن عليّ ، ألا فاعرفوه وفضّلوه ، فو الله لجدّه أكرم على الله من جدّ يوسف بن يعقوب عليهما‌السلام ، هذا الحسين بن عليّ جدّه في الجنّة ، وجدّته في الجنّة ، وأمّه في الجنّة ، وأبوه في الجنّة ، وعمّه في الجنّة ، وعمّته في الجنّة ، وخاله في الجنّة ، وخالته في الجنّة ، وأخوه في الجنّة ، وهو في الجنّة ، ومحبّوهم (١) في الجنّة ، ومحبّو محبّيهم في الجنّة. (٢)

وعن حذيفة بن اليمان ، قال : بتّ عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة ، فرأيت عنده شخصا ، فقال لي : هل رأيت؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : هذا ملك لم ينزل إليّ منذ بعثت ، أتاني من الله فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة (٣).

والأخبار في ذلك كثيرة. وكان محمد بن الحنفيّة فاضلا عالما حتّى ادّعى قوم فيه الإمامة.

__________________

(١) في «ش ١» و«ش ٢» : محبّهم.

(٢) أخرجه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٤١٩ ـ ٤٢٠ / الباب ٧ بسنده عن ربيعة السعدي ، ثم قال : هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمّة الأمصار ومنهم ابن جرير الطبري ؛ ذكره في كتابه ، ومنهم إمام أهل الحديث ومحدّث العراق ومؤرّخها ابن ثابت الخطيب ؛ ذكره فى تاريخه ، ومنهم محدّث الشام وشيخ أهل النقل ابن عساكر الدمشقي ؛ ذكره في تاريخه في الجزء الثالث والثلاثين بعد المائة.

وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام : ١٣٥ ـ ١٣٦ / الحديث ١٧٣ بسنده عن ربيعة السعدي في حديث مفصّل.

وأخرج الخوارزمي في مناقبه : ٢٨٤ / الحديث ٢٧٩ ، وابن المغازلي في مناقبه : ١٤٣ / الحديث ١٨٨ حديثا طويلا عن الأعمش وردت فيه فقرات مقاربة للحديث أعلاه.

(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٥ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ / الحديثان ٢٢٨١٨ و ٢٢٨١٩ عن حذيفة. وفي أوّلهما : ... ويبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنة. وأخرج الحديثين ابن عساكر في تاريخ دمشق / ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام : ٥٠ ـ ٥١ / الحديثان ٧٣ و ٧٤ عن حذيفة.

وأخرجه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٤٢٢ ، عن حذيفة كما في رواية أحمد الأولى.

١٧٥
١٧٦

الفصل الرابع :

في إمامة باقي الأئمّة الاثنا عشر : لنا في ذلك طرق :

أحدها :

النصّ ، وقد تواترت به الشيعة في بلاد المتباعدة خلفا عن سلف من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال للحسين عليه‌السلام : هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (١).

وقد روى ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، فذلك هو المهدي.

رواه ابن الجوزي الحنبلي عن أبي داود وصحيح الترمذي (٢)

__________________

(١) أخرج الخوارزمي في مقتل الحسين : ١٤٦ / الفصل ٧ عن سلمان المحمدي ، قال : دخلت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول : انّك سيّد ابن سيّد أبو سادة ، إنّك إمام ابن إمام أبو أئمّة ، إنّك حجة ابن حجة أبو حجج تسعة تاسعهم قائمهم.

وأخرجه الحمويني في فرائد السمطين ٢ : ٣١٣ / الحديث ٥٦٣ ، والقندوزي في الينابيع ٣ : ٢٩١ / الحديث ٨ وقال : أيضا أخرجه الحمويني وموفّق بن أحمد الخوارزمي.

(٢) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٦٣ ـ ٣٦٤ ، وقال : وهذا حديث مشهور. وأحاديث المهدي متواترة ،

١٧٧

الثاني :

أنّا قد بيّنّا أنّه يجب في كلّ زمان إمام معصوم ، (وغير هؤلاء عليهم‌السلام إجماعا ليس بمعصوم) (١).

الثالث :

الفضائل التي اشتمل كلّ واحد منهم عليها ، الموجبة لكونه إماما.

__________________

وقد تناقلتها كتب الصحاح والمصادر المعتبرة ، كصحيح البخاري وتاريخ البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة وسنن الترمذي ومسند أحمد ومسند أبي يعلى الموصلي والمعاجم الثلاثة للطبراني ومصنّف ابن أبي شيبة ومصنّف عبد الرزاق الصنعاني ومستدرك الحاكم وتاريخ بغداد ومجمع الزوائد للهيثمي ، وعرف المهدي والدر المنثور للسيوطي وعشرات المصادر السنيّة الاخرى ، ورد في معظمها التصريح باسم المهدي ، وفي البعض الآخر نعته. وقد استقصى بعض الأعلام أحاديث المهدي في كتاب مسند أحمد لوحده فبلغت من الكثرة حدّا طبعت معه في كتاب مستقلّ.

(١) في «ر» : ولا معصوم غير هؤلاء عليهم‌السلام إجماعا.

١٧٨

الفصل الخامس :

في أنّ من تقدّمه لم يكن إماما ، ويدلّ عليه وجوه :

الأول :

قول أبي بكر : إنّ لي شيطانا يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوّموني (١). ومن شأن الإمام تكميل الرعيّة ، فكيف يطلب منهم الكمال؟!

الثاني :

قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة (وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه!) (٢) وكونها فلتة يدل على أنّها لم تنبع عن رأي صحيح ، ثم سأل وقاية شرّها ، ثمّ أمر بقتل من يعود إلى مثلها ، وكلّ ذلك يوجب الطعن فيه.

الثالث :

قصورهم في العلم ، والالتجاء في أكثر الأحكام إلى عليّ عليه‌السلام (٣)

__________________

(١) مرّ تخريج مصادره أنفا.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ش ١». وقد مرّ تخريج كلامه سابقا.

(٣) كتب التواريخ والحديث تضج بأحاديث رجوع الخلفاء إليه عليه‌السلام ، وبأقوال مثل «لو لا عليّ لهلك عمر» ، وقد مرّت بعض هذه القضايا في بداية الكتاب.

١٧٩

الرابع :

الوقائع الصادرة عنهم ، وقد تقدّم أكثرها.

الخامس :

قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) أخبر بأنّ عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والكافر ؛ لقوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) ولا شكّ في أنّ الثلاثة كانوا كفّارا يعبدون الأصنام إلى أن ظهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

السادس :

قول أبي بكر : أقيلوني فلست بخيركم! (٣) ، ولو كان إماما لم يجز له طلب الإقالة.

السابع :

قول أبي بكر عند موته : «ليتني كنت سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل للأنصار في هذا الأمر حق» (٤). وهذا يدلّ على شكّه في صحة بيعة نفسه ، مع أنّه الذي دفع الأنصار يوم السقيفة لمّا قالوا : «منّا أمير ومنكم أمير» بما رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأئمّة من قريش».

الثامن :

قوله في مرضه : «ليتني كنت تركت بيت فاطمة لم أكشفه ، وليتني في ظلّة بني ساعدة

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) البقرة : ٢٥٤.

(٣) انظر : الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ١٧١ ، والصواعق المحرقة : ١١ ، ومسند أحمد ١ : ١٤ / الحديث ٨١.

(٤) تاريخ الطبري ٤ : ٥٢ ، حوادث سنة ١٣ ، والإمامة والسياسة في عنوان «مرض أبي بكر.)

١٨٠