محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي
المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠
وارجاع الضمير إلى النبيّ ، كما في «منه». وهذا أنسب بتذكير ضمير المفعول في «يتلوه» ، وعليه ، فلا يمكن حمل الشاهد منه على لسانه الشريف ، والّذي يتعقّب النبيّ صلىاللهعليهوآله يقوم مقامه ، وفي الكلام حذف تقديره (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ، كمن كان يريد الحياة الدّنيا ، كيف وبينهما بون بعيد.
فائدة
في إيراد قصّة ردّ أبي بكر من قراءة آيات البراءة ، لمناسبة المقام من جهة قول جبرئيل «لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك».
قال علماء السّير : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر في سنة تسع (١) من الهجرة ليحجّ بالنّاس ، وقال له : إنّ المشركين يحضرون الموسم ويطوفون بالبيت عراة ، ولا أحبّ أن أحجّ حتّى لا يكون ذلك ؛ وأعطاه أربعين آية صدر «براءة» ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّا عليهالسلام وقال أدرك أبا بكر فخذ منه الآيات واقرأها على النّاس ، ودفع إليه ناقته العضباء ؛ فأدرك أبا بكر بذي الحليفة (٢) فأخذ منه الآيات ؛ فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، هل نزل فيّ شيء (٣)؟ فقال : لا ، ولكن لا يبلغ عنّي إلّا رجل منّي (٤).
وأخرج أحمد معناه (٥) في الفضائل ، وفيه أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : جاءني جبرئيل
__________________
(١) تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٨٢ ، ٣٨٣.
(٢) ذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن مرّوا بالمدينة في طريقهم إلى مكّة. معجم البلدان ٢ : ١١١ و ٢ : ٢٩٥.
(٣) ولا يخفى أنّ هنا السؤال إنّما كان منه لخوفه ظهور ما في صدره. (منه).
(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣ ، و ٣ : ٢١٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٣٢ ـ ٣٤٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٨٩ ؛ الدر المنثور ٣ : ٢٠٩.
(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، ١٥١.
وقال : ابعث بها عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فلمّا كان يوم النحر قرأها عليهالسلام كما أمره رسول الله صلىاللهعليهوآله.
أقول : لا خلاف بين الأمّة في هذه القصّة من عزل أبي بكر ونصب عليّ عليهالسلام بأمر جبرئيل عليهالسلام عن الله سبحانه وتعالى ، قد رواه الفريقان في الأصول والصّحاح بطرق كثيرة تبلغ التواتر ؛ فمن ذلك ما رواه في صحيح البخاريّ في الجزء الخامس (١) ، وتفسير الثعلبيّ (٢) في سورة براءة ، وفي الجمع بين الصّحاح في الجزء الثاني (٣) ، ما حاصله أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بعث أبا بكر مع آيات من براءة إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذي الحليفة (٤) بعث إليه عليّا فردّه ، فرجع أبو بكر فقال : هل نزل فيّ شيء؟ قال رسول الله : لا ، ولكن جاءني جبرئيل وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.
وما رواه محمّد بن جرير الطبريّ من المخالفين في تاريخه في حوادث سنة ستّ من الهجرة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمر عمر بن الخطاب فأبى واعتذر ـ وهذا لفظه في التاريخ ـ ثمّ دعى عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة ليبلغ أشرف قريش ، فقال عمر : يا رسول الله ، إنّي أخاف قريشا على نفسي (٥).
أقول : وهذا دليل على فسق عمر ، بل كفره ، لقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦). وإنّه لم يثق بالنبيّ صلىاللهعليهوآله وقوله ، قال الطبريّ : ثمّ بعث أبا بكر أوّلا ثمّ عزله ثانيا.
أقول : فيه تنبيه على أنّه لا يصلح للنيابة الجزئيّة في حياته المنوط قصور نظره
__________________
(١) صحيح البخاريّ ٥ : ٢٠٢ ح ١ ، باب قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) ج ١ : ٩٧ ح ٣ ، باب ما يستر من العورة.
(٢) تفسير الثعلبيّ ٥ : ٨ ، ٢٧.
(٣) العمدة لابن البطريق ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٢٥٤.
(٤) موضع يبعد عن المدينة ستّة أميال.
(٥) تاريخ الطبريّ ٢ : ٢٧٨.
(٦) النور : ٦٣.
بنظر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فضلا عن الولاية الكلّيّة بعد وفاته ، فهو تنبيه على خطاء الأمّة واجتهادهم في اختياره ، ومن هنا استدلّ أصحابنا على فساد خلافة أبي بكر بهذه القصّة.
وقالوا : إنّما بعثه أوّلا ثمّ عزله ثانيا إعلاما للأمّة أنّه لا يصلح للتبليغ عنه إلّا هو أو رجل منه ، وهو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ؛ ولعلّ بعثه أوّلا إنّما كان مقدّمة للإعلام بعدم كونه قابلا ، وأنّ الوحي من الله تعالى إنّما اختصّ بعليّ ؛ وفيه تنبيه على فساد القول بتفويض أمر الخلافة إلى الأمّة ، حيث أنّ الله لم يرض بفعل النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فكيف يفوّض إلى الأمّة والسفهاء ، وفي قضيّة اختيار موسى عليهالسلام سبعين رجلا للميقات دلالة على فساد العمل بلا وصيّ من الله تعالى ، حيث كشف كفر هؤلاء المختارين ، فتدبّر.
الآية الحادية عشر
من سورة الرعد ؛ قوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ٧
فقد روى الفريقان : أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام.
أمّا الخاصّة : فمن ذلك ما رواه في الكافي عن الباقر عليهالسلام ـ وهو من التابعين ، وقوله حجّة عند المخالفين أيضا ـ [في قول الله عزوجل (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)] (١) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا المنذر ، ولكلّ زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ الهداة من بعده عليّ ، ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد.
وعن الصّادق عليهالسلام : كلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيهم (٢).
ومثله في الإكمال (٣) ، ورواه القمّيّ (٤) ، والعيّاشيّ (٥) ، وغير واحد من العامّة والخاصّة في غير واحد من الأسانيد ، والقمّيّ (٦) هو ردّ على من أنكر في كلّ عصر
__________________
(١) ـ أثبتنا ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩١ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام لابن عقدة الكوفيّ ١٩٥.
(٣) ـ كمال الدّين وتمام النعمة ٦٦١ ـ ٦٦٧.
(٤) ـ تفسير القمّيّ ١ : ٣٥٩.
(٥) ـ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٢٠٣.
(٦) ـ أي وقال القمّيّ : الحديث ردّ على من أنكر ... الخ.
وزمان إماما ، وأنّه لا يخلو الأرض من حجّة.
وفي مجمع البيان (١) : لمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنا المنذر ، وعليّ الهادي من بعدي ؛ يا عليّ بك يهتدي المهتدون.
وأمّا العامّة : فمن ذلك ما رواه في مجمع الزوائد (٢) عن ابن عبّاس ، وفي كتاب الفردوس (٣) من علماء الجمهور ، والحافظ أبو نعيم (٤) ، والحاكم الحسكاني (٥) في شواهد التنزيل ، هكذا : لمّا نزلت هذه الآية دعا النبيّ صلىاللهعليهوآله بطهر فتطهّر ، فأخذ بيد عليّ عليهالسلام وضمّها إلى صدره ؛ فقال : إنّما أنت منذر ، ثمّ ردّها إلى صدر عليّ عليهالسلام فقال (٦) : لكلّ قوم هاد.
ورواه أحمد بن حنبل (٧) في المسند ، والرازيّ (٨) ، والثعلبيّ (٩) في تفسيريهما ؛ بل صنّف ابن عقدة كتابا في أنّ المراد بالهادي عليّ عليهالسلام ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوآله لعليّ حين نزول الآية : أنا المنذر وأنت الهادي ، يا عليّ بك يهتدي المهتدون من بعدي.
وعن ابن حسام أنّه قال : (١٠)
__________________
(١) ـ مجمع البيان ٣ : ٢٧٨.
(٢) ـ مجمع الزوائد ٧ : ٤١.
(٣) ـ فردوس الأخبار ١ : ٧٥ ، رقم ١٠٣.
(٤) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١١٧ ـ ١٢٤.
(٥) ـ شواهد التنزيل ١ : ٣٨١ ـ ٣٩٥.
(٦) ـ وهو يدلّ على الحصر كما قرّر في محلّه.
(٧) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٢٦.
(٨) ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٣ : ٦٦.
(٩) ـ تفسير الثعلبيّ ٥ : ٢٧٢.
(١٠) ـ ديوان محمّد بن حسام ٤١٨ ـ ٤٢٦ ، وهو محمّد بن حسام الدّين بن شمس الدّين الخوسفي ، المتخلّص ب «ابن حسام» ، المتوفّى سنة ٨٧٥ ه.
گوهر معدن سخى او بود |
|
درّ درياى هل اتى است عليّ |
إنّما أنت منذر لعباد |
|
وعليّ لكلّ قوم هاد |
ثمّ أقول : قوله «يا عليّ بك يهتدي المهتدون» يفيد حصر الاهتداء في الاقتداء به عليهالسلام وهو قصر افراد ، في مقابل من زعم الاهتداء بغيره من الصّحابة أيضا كأبي بكر وأخويه.
أقول : اختلفوا في الهادي ، فقيل : هو الله سبحانه ، وقيل : هو النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهذا بناء على عطف (هادٍ) على (مُنْذِرٌ) ، أي إنّما أنت منذر وهاد لكلّ قوم. وقيل : كلّ من يصلح للدّعوة.
وقال أصحابنا (١) : هو الإمام المعصوم القيّم على الدّين ، المستحفظ لسنن المرسلين ؛ وهذا هو الصحيح عملا بتواتر قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : أنا المنذر وأنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ؛ كما رواه ثقات الفريقين ، ولأنّ عطف (هادٍ) على (مُنْذِرٌ) يقتضي فصل (لِكُلِّ قَوْمٍ) بين حرف العطف والمعطوف ، وهو خلاف المحاورة والأصل ؛ فتعيّن ما قاله أصحابنا ، وأكثر الجمهور على كون (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) جملة مستقلّة قدّم فيها الخبر ، وثابت لكلّ قوم هاد في الوضع الالهيّ يهديهم سبل السلام ، وعلى هذا تكون الآية دليلا على ما تقرّر عند أصحابنا في الكتب الكلاميّة في مصارع بحث الإمامة ، من أنّ أزمنة التكليف لا تخلو من حجّة لله تعالى على عباده ، وأنّ الأرض لا تخلو من إمام معصوم منصوب من الله ، قيّم على الدّين ، لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة ، لقبح التكليف
__________________
قدر تعظيم او نداند كس |
|
آيت قدرت خداست عليّ |
از ولايت اگر سخن پرسى |
|
غرض نصّ انّما است عليّ |
سر اين آيت بديع بدان |
|
تا بدانى كه رهنما است عليّ |
انّما انت منذر لعباد |
|
وعليّ لكلّ قوم هاد |
(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٢ ، رقم ٩ ؛ بصائر الدرجات ٢٩ ـ ٣١.
بدون البيان والوليّ المرشد المبين. ألا ترى كيف بدأ بالخليفة قبل الخليفة (١) في قصّة آدم عليهالسلام ، وجعل مدار الخلافة بالعلم والعصمة ، لئلّا يلزم نقض الغرض في التكليف.
وقد قال في موضع آخر في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢) وهو من شواهد ما ذكر الأكثرون ، من أنّ قوله تعالى (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ليس عطفا على (مُنْذِرٌ).
وأمّا ما قيل : «إنّ الهادي هو الله» فليس يفهم من العبارة ، بل المفهوم منها في العرف والعادة هو أنّه ثابت لكلّ قوم هاد منهم يهديهم سبيل الرشاد في كلّ قرن ، وإلّا تسلسل ـ وهو باطل ـ تعيّن أن يكون لكلّ قوم هاد معصوم من الله ، وهو الإمام ، وهو مذهبنا من أنّ زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم ، وبطل ما زعمه المخالفون من عدم وجوب ذلك ، ثمّ بناء على المختار ظاهر الإطلاق في الآية والبعديّة في الرواية عدم الفصل ، فتعيّن أن يكون عليّ عليهالسلام إماما بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله بلا فصل ، مضافا إلى الحصر المستفاد من قوله «بك يهتدي المهتدون» : كما عرفت. والحمد لله وله النعمة على إتمام النعمة ونصب الحجّة وإيضاح المحجّة.
__________________
(١) ـ أسرار الإمامة ٢٠٣ ـ ٢٠٧ ؛ نهج الإيمان ٤٩ ـ ٥٠ ، وفيه : قال الله عزوجل منبّها على وجوب الإمامة (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ـ الإسراء : ٧١ ـ وظاهر اللفظ الشريف وعمومه يقتضي وجود الإمام في كلّ زمان. وقال جلّ من قائل (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ـ البقرة : ٣٠ ـ بدأ سبحانه بالخليفة قبل الخليقة ، وقال سبحانه (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ فاطر : ٢٤ ـ وهذا عامّ في سائر الأمم ، وعمومه يقتضي أن كلّ زمان حصلت فيه أمّة مكلّفة بدين لا بدّ من نذير ، ففي أزمنة الأنبياء عليهمالسلام هم النّذر للأمم ، وفي غيرها الأئمّة عليهمالسلام ، وهو دليل ظاهر على أنّه لا يخلو كلّ زمان من حافظ للدّين ، إمّا نبيّ أو إمام.
(٢) ـ فاطر : ٢٣.
الآية الثانيّة عشر
من الرّعد أيضا ؛ (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي نخلات من أصل واحد (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) : ٤.
فقد روى الفريقان (١) تأويلها في محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما ، قال في مجمع البيان : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله لعليّ : النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة (٢).
ورواه المحدّث الحسينيّ عطاء بن فضل الله من أصحابنا في أربعينه عن جابر بن عبد الله ، الحديث (٣).
__________________
(١) ـ أمّا الخاصّة : تفسير العيّاشي ٢ : ٣٠٣ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ٦٢٠ ؛ كشف اليقين ٣٦٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٥ ، ١٩٦.
وأمّا العامّة : فردوس الأخبار ١ : ٧٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٧٥ ـ ٣٨٠ ؛ نظم درر السمطين ٧٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٠ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازلي ٩٠ ؛ كفاية الطالب ٢٨٣ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٣ ؛ تاريخ بغداد ١١ : ١٧١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.
(٢) ـ مجمع البيان ٣ : ٢٧٦.
(٣) ـ الأربعين ٣١.
ورواه من علماء الجمهور الحافظ أبو بكر بن مردويه على ما نقله عنه صاحب كشف الغمّة (١) عن جابر بن عبد الله ، أنّه سمع النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت يا عليّ من شجرة واحدة ، ثمّ قرأ النبيّ صلىاللهعليهوآله الآية ...
ويشهد له أخبار اتّحادهما في النور ، وكونهما نورا واحدا إلى صلب عبد المطلب ، فقسمه قسمين ؛ رواه الفريقان ، وآية «أنفسنا» وأخبار «عليّ منّي وأنا من عليّ» (٢) ، ضرورة أنّ مفادها اتّحادهما في الحقيقة النوريّة.
إذا عرفت هذا ، فلا ريب أنّ عليّا عليهالسلام إذا كان من طينة محمّد صلىاللهعليهوآله ، كان معصوما متخلّقا بأخلاقه الشريفة ، متأدّبا بآدابه الرفيعة ، فائقا به عامّة الخلائق ، من ملك مقرّب ونبيّ مرسل ، لأنّه كنفس النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو أفضل الخلائق أجمعين.
ويشعر بكونه أفضل ذيل الآية (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ) يعني ماء الرحمة (٣) قد نزل على الكلّ ، وإنّما الفضل بواسطة طهارة المحلّ (٤) وطيبه كقطع الأراضي ، فيدلّ على طهارة عليّ عليهالسلام من رجس الآثام ، فيكون معصوما وأفضل من الأمّة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فيكون إماما على من سواه من الأمّة حتّى على الثلاثة ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل (٥).
__________________
(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٤٣٤ ، نقلا عن ابن مردويه.
(٢) ـ مسند أحمد ٤ : ٤٣٧ و ٤٣٨ ؛ صحيح البخاريّ ٥ : ٢٢ ، ١٨٠ ، مناقب عليّ عليهالسلام ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ ح ٣٧٩٦ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ح ١١٩ ؛ خصائص الإمام عليّ عليهالسلام للنسائيّ ٦٣ ؛ كفاية الطالب ١٤١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٠ ؛ تذكرة الخواصّ ٤٦.
(٣) ـ وهو ماء الوجود. (منه)
(٤) ـ والمراد به الماء منه كما لا يخفى. (منه)
(٥) ـ وقد عرفت أنّ الإمامة العامّة والخلافة المطلقة التامة تقتضي الأفضليّة والأكمليّة في جميع الفضائل الإنسانيّة والكمالات البشريّة بالنسبة إلى جميع الرعيّة ، والإمامة الحقّة والولاية المطلقة رئاسة إلهيّة وزعامة دينيّة وخلافة ربانيّة ، يقبح عقلا جعلها لمن هو مفضول بالنسبة إلى مأمومه ، وأمر الفاضل والأكمل ـ
يشهد بصحّة ما استنبطناه حديث اتّحادهما في النورانيّة المتواتر بين الفريقين ، فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل (١) في مسنده ، وابن المغازليّ (٢) في مناقبه ،
__________________
بتبعيّته.
فيكون تقديم المفضول على الفاضل مع قبحه عقلا كما ترشد إليه الآية الكريمة (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة يونس : ٣٥ و (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) سورة الزمر : ٩. وأمثالها من الآيات نقضا لغرض الإمامة ، ومخالفا لمقاصد الولاية. وفيما ذا يتّبع الجاهل؟ وعلى هذا تقديم المفضول على الفاضل ، أو ترجيح المرجوح على الراجح هما قبيحان بضرورة العقل القاطعة ، بل عليه جبلت الطبائع ويشهد له أحوال العقلاء ، فإنّ المولى إذا أمر عبده بأن يفعل فعلا قبيحا ، فقدّم العبد رجلا جاهلا على رجل عالم في المجلس لعدّ ممتثلا.
ولهذا احتجّوا في السقيفة على الأنصار بالأفضليّة ، وأوصى أبو بكر إلى عمر متذرّعا بأفضليّته ، ثمّ قال عمر عند وفاته : لو كان أبو عبيدة حيّا لما قدّمت عليه أحد. وقال أبو بكر : أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ، فإنّ كلّ ذلك يدلّ على أنّ تقديم الأفضل أمر جبليّ للطبائع السليمة.
وأمّا إنّ عليّا عليهالسلام أفضل من غيره في الجميع ، فهو أعلى في الظهور من النور فوق الطور ، والأحاديث الدالّة على أنّه عليهالسلام أكمل المخلوقات وأفضلهم من جميع الجهات كثيرة ، ومناقبه وقضاياه لا تحصى كثرة. منها : حديث المنزلة الذي حكم صلىاللهعليهوآله له فيه بالفضل على الجماعة والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته ، وصيّر الإمامة له ؛ بدلالة أنّ هذه المنازل كلّها كانت لهارون من موسى في حياة موسى عليهماالسلام وايجاب جميعها لأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام إلّا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهر ، وأوجبه بلفظ «بعد» له من بعد وفاته ، وبتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه ، فلم يستثنه النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فبقي لعليّ عليهالسلام عموم ما حكم له من المنازل ، وهذا نصّ على إمامته لا خفاء به على من تأمّله.
ومنها : حديث الطير ، فقد دعا النبيّ صلىاللهعليهوآله أن يأتيه الله بأحبّ خلقه إليه ، فجاءه عليّ عليهالسلام فأكل معه ، وقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى وأفضلهم عنده ، إذ كانت محبته منبئة عن الثواب دون الهوى وميل الطباع ، وإذا صحّ أنّه أفضل خلق الله تعالى ، ثبت أنّه كان الإمام ، لفساد تقدّم المفضول على الفاضل في النبوّة وخلافتها العامّة في الأنام.
الإفصاح في الإمامة ٢٩ ـ ٤٢ ، أسرار الإمامة ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، نهج الإيمان ٢٨٩ ـ ٣٠٢.
(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١٥.
(٢) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازلي ٨٧ ـ ٨٩.
والخوارزميّ (١) في رواياته ، أنّه قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي الله قبل خلق آدم بأربعة عشر ألفا عاما. فلمّا خلق الله آدم قسم ذلك النّور جزءين جزءا أنا وجزءا عليّ عليهالسلام ، بل في رواية ابن المغازلي «افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».
وفي رواية أخرى للخوارزميّ «ثمّ أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين : قسما في صلب عبد الله ، وقسما في صلب أبي طالب ، فعليّ (٢) منّي وأنا منه ، لحمه لحمي ، ودمه دمي ، فمن أحبّه فبحبّي أحبّه ، ومن أبغضه فببغضي أبغضه».
ثمّ أقول : لا خلاف بين المحقّقين من علماء المسلمين في هذه القصّة واتّحادهما في الحقيقة النوريّة الّتي شهدت بها آية أنفسنا ، سوى ما نقل عن ابن الجوزي (٣) من أنّ هذا الحديث موضوع ، وقد ذمّه أصحابه حيث أكثر نسبة الوضع إلى ما ليس بموضوع (٤) بين الأمّة ، وردّ مثل هذه النصوص بمجرّد الاستبعاد اجتهاد مردود.
__________________
(١) ـ المناقب للخوارزميّ ١٤٥.
(٢) ـ إشارة إلى معنى دقيق يعرف بالحكمة والعرفان.
(٣) ـ الموضوعات لابن الجوزي ٢٥٤.
(٤) ـ أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٢٨٠ الباب ٨٧ ، بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ بعين السند ، ثمّ قال : هكذا أخرجه محدّث الشام في تاريخه في الجزء الخمسين بعد الثلاث مائة قبل نصفه ، ولم يطعن في سنده ولم يتكلّم عليه ، وهذا يدلّ على ثبوته.
الآية الثالثة عشر
من سورة الرعد ، قوله تعالى (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ٤٣.
فقد روى الفريقان أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، نزلت فيه (١).
رواه أصحابنا في الكافي (٢) ، والخرائج (٣) ، والعيّاشيّ (٤) عن الباقر عليهالسلام ـ وهو من التابعين وقوله حجّة عند المخالفين (٥).
والقمّيّ (٦) ، وفي مجمع البيان (٧) عن الصادق عليهالسلام ، واستقرّ عليه رأي
__________________
(١) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٥ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤٠٠ ؛ جامع أحكام القرآن للقرطبيّ ٩ : ٣٣٦ ؛ تفسير الحبري ٢٨٦ ؛ خصائص الوحي المبين ١٢٤ ؛ بصائر الدرجات ٢١٢ ـ ٢١٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٩ ، و ٣ : ٢٩٦ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٨ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ٣٧٥.
(٢) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٢٩.
(٣) ـ الخرائج ٢٠٩.
(٤) ـ تفسير العيّاشيّ ١ : ٢٢١.
(٥) ـ تذكرة الخواصّ ٣٣٦.
(٦) ـ تفسير القمّيّ ١ : ٣٦٧.
(٧) ـ مجمع البيان ٣ : ٣٠١.
أصحابنا (١).
ورواه من المخالفين الثعلبيّ (٢) في تفسيره ، وابن المغازليّ (٣) مرفوعا ، أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام ، وفي منهاج الكرامة (٤) للعلّامة الحليّ منّا ، من طريق الحافظ أبي نعيم (٥) عن ابن الحنفية ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
ورواه في المجالس من أصحابنا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ثمّ لا يخفى أنّه كفى في فضل عليّ عليهالسلام أنّ الله جعله حكما وشاهدا على نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآله (٦).
أمّا بشهادة عليّ عليهالسلام له ، فلعلّه من جهة آدابه وأخلاقه وصدقه وأمانته ، وفضله وعلمه الّذي فاق به غيره بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله باعتراف الخصوم ، بل فإذا كان مثله تابعا للنبيّ صلىاللهعليهوآله مشعرا بنبوّته ، كانت دعواه [في] النبوّة حقّا لا ريب فيها ، أو كان وجوده عليهالسلام من علائم نبوّته في الكتب السماويّة السابقة.
إن قلت : خبر الثعلبيّ وابن المغازلي مرفوع مرسل فلا عبرة به.
قلت : الظاهر أنّ مثل الثعلبيّ في تفسيره ، وابن المغازليّ في مناقبه لا يرسلان إلّا عن ثقة ، بل لا يحكمان بنزول الآية فيه إلّا أن يثبت ذلك عندهما بالقطع واليقين دون الظنّ والتخمين.
ثمّ قوله تعالى (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٧). وفي آصف بن برخيا وصيّ
__________________
(١) ـ الأمالي للشيخ الصدوق ٥٠٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٢٤ ، ٤٢٩ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار ٣٠٤.
(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٥ : ٣٠٣.
(٣) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازليّ ٣١٤.
(٤) ـ منهاج الكرامة ١٣٩.
(٥) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٢٥.
(٦) ـ راجع : تفسير البرهان ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ، وإحقاق الحقّ ٣ : ٢٨٠ ، ٤٥١ ، و ١٤ : ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ، و ٢٠ : ٧٥ ـ ٧٧.
(٧) ـ من الواضح نقصان العبارة ، وحقّها أن تكون هكذا : ثمّ في قوله تعالى (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) دلالة
سليمان عليهماالسلام (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) إنّ عليّا عليهالسلام عنده علم الكتاب كلّه ، وقد أتى آصف بعلمه عرش بلقيس من سبأ (١) ، فعليّ أولى ، ومثله لا يكون إلّا عن وصيّ للنبيّ صلىاللهعليهوآله إعجاز له ، فيكون إماما.
__________________
على أنّ عليّا عليهالسلام عنده علم الكتاب كلّه.
(١) ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : علم الكتاب كلّه ـ والله ـ عندنا ، وما أعطي وزير سليمان بن داود عليهماالسلام إنّما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده ، قال تعالى (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) أي بعض الكتاب ، وقال تعالى في عليّ عليهالسلام (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي الكتاب. بصائر الدرجات ٢١٢ رقم ١ و ٢ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ٣٧٥.
الآية الرابعة عشر
من سورة الحجر ، قوله تعالى (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ٤٧.
حكى جماعة من العامّة (١) والخاصّة (٢) أنّها نزلت في محمّد وعليّ صلوات الله عليهما.
أقول : قال تعالى في سورة الحجر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) ٤٥ ـ ٤٨.
ونزولها في النبيّ والوليّ إشارة إلى كونهما أخوين بوضع إلهيّ ، وفيه مناقب لا تحصى ، ويشهد له ـ مضافا إلى نصوص أهل الخصوص في تفسيرها بذلك ـ حديث المواخاة ، وقصّتها مشهورة بين الأمّة ، لا رادّ لها في الفريقين ، نقلها أرباب السير والحديث.
حيث إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله آخى بين أصحابه يوما وأخّر عليّا عليهالسلام ، فقال عليهالسلام له صلىاللهعليهوآله :
__________________
(١) ـ تفسير الثعلبيّ ٤ : ٢٣٣ ؛ ذخائر العقبى ٨٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤١٣ ، ٤١٤ ؛ أنساب الأشراف ٩١ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٢١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣.
(٢) ـ الأمالي للطوسيّ ح ٥٨٧ ح ١١١٥ ؛ كشف اليقين ٢٠٨ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٣٣ ؛ منهاج الكرامة ١٤٤ ، ١٤٥ ؛ نهج الايمان ٤١٣ ـ ٤٢٣.
تركتني ولم تواخ بيني وبين أحد ، قال النبيّ صلىاللهعليهوآله إنّما أخّرتك لنفسي ، أنت أخي في الدنيا والآخرة (١).
قوله «أنت أخي في الدنيا» إشارة إلى جعله أخاه يوم المؤاخاة ؛ كما آخى بين الصّحابة (٢).
ومن ألقابه المشهورة أنّه «أخو رسول الله» (٣).
وقوله «في الآخرة» إشارة إلى قوله تعالى «إخوانا على سرر متقابلين» ؛ كما في النصوص الآتية إن شاء الله تعالى. ويشهد له أيضا قوله صلىاللهعليهوآله في حديث المنزلة «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» (٤) ، يعني في كلّ وصف إلّا النبوّة.
ومنها الاخوّة المحمولة على الحسبيّ لتعذر النسبيّ. ثمّ أقول : حديث المؤاخاة رواه أحمد بن حنبل (٥) في المسند ، والفضائل (٦) بطرق ، ومسلم في صحيحه (٧) ،
__________________
(١) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠ ؛ كفاية الطالب ١٦٨ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤ ؛ مطالب السئول ١١ ، وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال : سمعت عليّا عليهالسلام يقول شعرا :
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي |
|
ربيت معه وسبطاه هما ولدي |
صدّقته وجميع الناس في بهم |
|
من الضلالة والإشراك والنكد |
قال جابر : سمعت عليّا ينشد بهذا ورسول الله صلىاللهعليهوآله يسمع ، فتبسّم رسول الله وقال : «صدقت يا عليّ».
(٢) ـ أمالي الصدوق ٢٧٣ ، ح ١٣ ، ٥٢٣ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٥٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٢٦ ؛ أسرار الإمامة ٤٣٥ ، ٤٠٨ ، ٢٧٨ ، ٢٧٥ ، ١٣٩ ، ١٧٥ ؛ أنساب الأشراف ترجمة الإمام عليّ عليهالسلام ٩١.
(٣) ـ نظم درر السمطين ٩٦ ؛ الاصلاح لأبي حاتم الرازيّ من أعلام القرن الربع ٢٧٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ٤٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٦٣.
(٤) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٨ ؛ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ إعلام الورى ١٧١ ؛ كشف المراد ٢٩٠ ، ٣١١ ؛ الرّسالة السعديّة ٢٤ ؛ كنز الفوائد ٢٧٤.
(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٥٩ ، ٢٣١ ؛ الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٩٨ ح ١٠١٩.
(٦) ـ نفس المصدر.
(٧) ـ صحيح مسلم ٢ : ٤٤٨ ، ٤٤٩.
والترمذيّ في صحيحه وجامعه (١) ، وأبو داود في سننه (٢) ، والعبدريّ رزين (٣) ابن معاوية في الجمع بين الصحاح الستّ عن أحمد ، وأبي داود ، وابن المغازليّ في مناقبه (٤) بطرق ، والخوارزميّ (٥) ، والحاكم الحسكانيّ (٦) ، بل قال الحاكم : إنّه صحيح الإسناد ، والترمذيّ : إنّه حسن صحيح.
وفي قلع الأساس : حديث المؤاخاة رواه أحمد بطرق ثمانية عن سبعة ، والعبدريّ عنه ، وعن سنن أبي داود ، وابن المغازليّ بطرق سبعة عن سبعة ، والخوارزميّ ومسلم في صحيحه ، فالمسندون السبعة رووها بتسعة عشر طرقا عن أربعة عشر صحابيّا.
وأمّا روايات أصحابنا في قصّة المؤاخاة فلا نحتاج إلى ذكرها ، وأمّا حديث المنزلة فلا خلاف فيه بين الأمّة.
رواه أئمّة الفريقين في الأصول والصّحاح من غير نكير وإنكار بطرق كثيرة تبلغ التواتر.
أمّا أصحابنا فلا يخفى (٧).
وأمّا روايات المخالفين في قوله صلىاللهعليهوآله لعليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ،
__________________
(١) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.
(٢) ـ سنن أبي داود ١ : ٢٨.
(٣) ـ العمدة لابن البطريق ١٧٢ ح ٢٦٩.
(٤) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧ ـ ٣٩.
(٥) ـ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ـ ١١٣.
(٦) ـ شواهد التنزيل ١ : ١٩٤ ، ١٩٥ ، ٤٠٠ ، ٤٦٣ ، ٤٧٩. قال الحسكانيّ : وهذان الحديثان : المنزلة والمؤاخاة اللّذان كان شيخنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدويّ (ت ٤١٧) يقول : خرّجتهما بخمسة آلاف إسناد.
(٧) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٦٥ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام لابن عقدة الكوفيّ ٥٦ ـ ٥٩ ، نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١.
إلّا أنّه لا نبيّ بعدي (١).
فقد رواه البخاريّ (٢) بأربعة طرق في صحيحه في سادس كرّاس تقريبا من الجزء الخامس والرابع ، في الرابع الأخير تقريبا.
ومسلم في صحيحه (٣) بستّة طرق في الجزء الرابع في أوّله على حدّ كراسين تقريبا ، وفي الجمع بين الصّحاح (٤) في الثّلث الأخير من الجزء الثالث ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن المتّفق عليه.
وأحمد بن حنبل في المسند ، والفضائل (٥) بعشرة طرق.
وابن المغازلي (٦) في مناقبه بطرق ، ولعلّها سبعة عشر.
ورواه التنوخيّ (٧) بطرق ، وضبط سبعة وعشرين طريقا.
وعن التنوخيّ في كتاب حديث المنزلة (٨) أنّه رواه عن ثلاثين ، كلّ منهم عن النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ورواه الترمذيّ (٩) بعدّة طرق.
وكذا الأسفرائينيّ ، والخوارزميّ (١٠) ، وابن عبد البرّ (١١) ،
__________________
(١) ـ سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ «المقدّمة» ؛ حلية الأولياء ٤ : ٣٥٦.
(٢) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٨ ح ٦ ، باب مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام و ٥ : ١٢٩ ح ٢ ، باب غزوة تبوك.
(٣) ـ صحيح مسلم ٧ : ١١٩ ـ ١٢١ ، باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
(٤) ـ المسند للحميديّ ١ : ٣٨.
(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٠ ـ ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، و ٣ : ٣٢ ؛ الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٩٨ ، ح ١٠٢٠ ؛ و ٢ : ٦١٠ ح ١٠٤١.
(٦) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازليّ ٢٧ ـ ٣٧.
(٧) ـ نهج الإيمان ٤٠٠ ؛ الطرائف ٥٣ ؛ الأربعون حديثا للعلّامة الشيخ سليمان البحرانيّ ٨٢.
(٨) ـ الصراط المستقيم ١ : ٣١٩ ؛ قال : حتى إنّ التنوخي وأحمد بن سعيد صنّفا كتابين في طرقه.
(٩) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٤.
(١٠) ـ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ، ١٠٩.
(١١) ـ العقد الفريد ٤ : ٣١١.
والسجستانيّ (١) ، كلّ بعدّة طرق.
وحكاه في أنوار البصائر عن المسعوديّ في مروج الذهب (٢).
ورواه العبدريّ عن الصحيحين (٣).
وابن الأثير عن الصحاح الثلاث (٤).
وكذا ابن الصبّاغ عن الصّحاح الثلاث (٥).
ورواه الحاكم أبو نصير (٦) ، والحاكم الحسكانيّ ، كلّهم من أعلام المحدّثين المشهورين عند المخالفين جلّهم ممّن قبلوا حديثهم ؛ بل أجمعوا على قبول قولهم وحديثهم ، ولم يردّ هذا الحديث الشريف سوى المعاند العضديّ في المواقف. فلا عبرة به ، لاشتهاره بين الفريقين في كتب السير والحديث على وجه لا مجال لإنكاره إلّا اللجاج والفساد والاعوجاج.
فمن ذلك ما رواه في سنن أبي داود ، وصحيح الترمذيّ ، وفي الجمع بين الصّحاح ، ومسند أحمد بن حنبل ، والفضائل له ، ومناقب ابن المغازليّ بعدّة طرق.
ورواه الحاكم الحسكانيّ (٧) أيضا : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله آخى بين الناس وترك عليّا عليهالسلام حتّى أخيرهم لا يرى له أخا ، فقال يا رسول الله : آخيت بين أصحابك وتركتني؟
__________________
(١) ـ الصراط المستقيم ١ : ٣١٩.
(٢) ـ مروج الذهب ٢ : ٤٢٥.
(٣) ـ نهج الإيمان ٤٢٨ ، نقلا عن الجمع بين الصحاح الستّة لرزين العبدريّ ؛ صحيح الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.
(٤) ـ جامع الأصول ٩ : ٤٦٩.
(٥) ـ الصواعق المحرقة ٧٣.
(٦) ـ نهج الإيمان ٤٠١.
وجاء في الطرائف ص ٥٤ «وقد ذكر الحاكم أبو نصر الحربيّ في كتاب التحقيق لما احتجّ به أمير المؤمنين عليهالسلام يوم الشورى ـ وهذا الحاكم المذكور من أعيان الأربعة المذاهب ، وقد كان أدرك حياة أبي العبّاس ابن عقدة الحافظ ، وكان وفاة ابن عقدة سنة ٣٣٠ ه».
(٧) ـ شواهد التنزيل ١ : ١٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام للنسائي ٧٦ ـ ٩٥.
فقال : إنّما تركتك لنفسي ؛ أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذاكرك أحد. فقل «أنا عبد الله وأخو رسول الله» لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي.
وفي بعض روايات ابن المغازلي (١) زيادة قوله صلىاللهعليهوآله «اللهمّ هذا منّي وأنا منه ، بمنزلة هارون من موسى ، ألا من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه» ، ثمّ قال ابن المغازلي : ثمّ رأى عمر بعد ذلك عليّا عليهالسلام ؛ فقال : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم.
وفي بعض طرق ابن حنبل (٢) ، قال عليّ عليهالسلام للنبيّ صلىاللهعليهوآله : ما الّذي أرث منك يا نبيّ الله؟ قال : ما ورثه الأنبياء قبلي ، قال : وما هو؟ قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم.
قال الحسكانيّ بعد ذلك : الحديث صحيح الإسناد. وفي رواية الترمذيّ (٣) من حديث ابن عمر بلفظ «آخى رسول الله بين أصحابنا ؛ فجاء عليّ عليهالسلام تدمع عيناه ، قال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ، ولم تواخ بيني وبين أحد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة». قال الترمذيّ : حسن صحيح.
ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (٤) ، وأخرج الترمذيّ بمعناه بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله في مسجده ، فذكر عليه قصّة مؤاخاة رسول الله صلىاللهعليهوآله بين الصّحابة ؛ فقال عليّ عليهالسلام : لقد ذهبت روحي ،
__________________
(١) ـ لم نعثر عليه في مناقب ابن المغازلي ، ولكن نقل عنه في إحقاق الحقّ ٥ : ٧٩ ؛ وكشف اليقين ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ؛ والطرائف ١٤٨ ـ ١٥٠.
(٢) ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ١ : ٥٢٥ ح ٨٧١ و ٢ : ٦٣٨ ح ١٠٨٥ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٠ ـ ١٥٢ ؛ المستدرك للحاكم ٣ : ١٤ باختصار ؛ فرائد السمطين ١ : ١١٢ ـ ١٢١.
(٣) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.
(٤) ـ فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٩٧ ح ١٠١٩.