النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي

النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

المؤلف:

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي


المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠

المقام ؛ ضرورة أنّ حمل المولى على الأولى في أمر ما غير معيّن ولا متعيّن تكليف بالمجمل ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. عندنا وعند المحقّقين. فالحمل على العموم من جهة الحكمة تعيين ، مضافا إلى ما تقرّر في محلّه من أن حذف المتعلّق دليل العموم ، والإطلاقات راجعة إلى العموم من باب سراية الماهيّة في الأفراد ؛ فكانت في حكم العموم ، والأصل فيها البيان والعموم لا الإجمال والإبهام كما زعمه بعض النّاس ، كلّ ذلك مضافا إلى أنّ مولويّة عليّ عليه‌السلام إنّما هي بالنيابة والخلافة عن مولويّة الرسول ، وما للرسول إنّما هو عن الله سبحانه وتعالى ؛ ولا معنى لتخصيص مولويّة الله ومولويّة رسوله ، وأولويّة الله وأولويّة رسوله ببعض الأمور ، لا سيّما على وجه الإهمال والإبهام كما زعمه هؤلاء الجهّال.

والحديث إنّما يثبت لعليّ عليه‌السلام مولويّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير بحسب السياق وأصالة الحقيقة وعدم الاستخدام ؛ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون : هو من عند الله. وكذلك ما ذكر سعد الدين في شرح المقاصد (١) ، وتبعه القوشجيّ من أنّه إذا ثبت إرادة المعنى بعمومه ، فلا يثبت عموم الحكم في الأزمان ، فلا ينافي ما ذهبنا إليه من الترتيب.

قلنا : كفى في بطلان من تقدّم عليه إعراض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه ، والأصل مع عموم مولويّته على كلّ أحد ، كما كانت للرسول ، ومنهم أبو بكر واخوانه ، ويشهد بذلك اعتراف عمر بمولويّة عليّ عليه‌السلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة بعد البخبخة ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، بل اعترف بذلك أبو بكر أيضا (٢) في

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٣.

(٢) قال أبو بكر وعمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

ذكر أخبار اصبهان ٢ : ٣٥٨ و ٣٥٩ ؛ الصواعق المحرقة ٤٤ ، كفاية الطالب ٥٦ ؛ كتاب طرق حديث

٨١

الروايات. ولم يأت بعد ذلك ناسخ لذلك ولا قول بالفصل أيضا. فتوجيه سعد دينهم بهذا بصحّة قول عمر وأبي بكر توجيه بما لا يرضي صاحبه. ضرورة أنّ عمر اعترف بمولويّته عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ وسعد الدين (١) وجّه الحديث بأنّه مولى على غير الثلاثة ، فليس هذا إلّا أنّهم أشربوا في قلوبهم العجل حتّى أعماهم كلّ العمى ، ويشهد على ما ذكرناه أيضا ما يأتي في الآية السابعة.

__________________

«من كنت مولاه فعليّ مولاه» لشمس الدّين الذهبي ١٤ ؛ جواهر العقدين ٢٤٦ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ١٥٥.

(١) شرح المقاصد : ٢٧٣.

٨٢

الآية السّابعة

[من المائدة] قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) المائدة : ٣.

فقد روى الفريقان في صحاحهم أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام بعد نصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه وليّا واليا على النّاس يوم غدير خمّ.

أمّا الخاصّة : فظاهر تواتر ذلك عندهم (١).

وأمّا العامّة : فقد روى الثعلبيّ (٢) في تفسيره ، والواحدي في أسباب نزوله (٣) ، وفي تفسيره أيضا ، والخوارزميّ (٤) في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم (٥) بإسناده إلى أبي

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٢٩٠ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٩٣ ؛ مجمع البيان ٣ : ١٥٩ ؛ نهج الإيمان ٩١ ـ ١٣٣ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٨ ـ ٥٤ ؛ كشف اليقين ٢٥٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٢ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق ٩٢ ـ ١١٩ ؛ خصائص الوحي المبين ٣٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٥٧ ، ٣١٠ ، ٣٨١ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٤٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٣٠.

(٢) تفسير الثعلبي ٤ : ٩٢.

(٣) أسباب النزول ٢٩٤.

(٤) المناقب للخوارزميّ ١٣٥ ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ١ : ٤٧.

(٥) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٥٦ ؛ وقال ابن كثير في تفسيره ٣ : ٢٥ : قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ) نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم حين قال لعليّ عليه‌السلام «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

٨٣

سعيد الخدريّ ، والطبريّ في كتابه (١) في شأن نزول الآية ، وابن عقدة (٢) ، وابن المغازليّ (٣) ، وأبو المؤيّد الجزريّ (٤) في أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأثبت فيها بالتواتر أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام ، قال في ذلك أنّه لمّا نزلت آية التبليغ ، وبلّغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ حين أمر باجتماع النّاس ، فخطب ثمّ أخذ بيد عليّ عليه‌السلام ورمى به حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطيهما ، ثمّ أشار إليه وقال : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ، وأمر النّاس أن يبايعوه على ذلك ، وأقام هناك إلى الظهر وتمام النهار أو أكثر ، على اختلاف الروايات ، مقيما على أخذ البيعة ولم يتفرّق النّاس حتّى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٥) الآية.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ بعدي (٦).

قال الخوارزميّ : ثمّ أنشأ حسّان بن ثابت قصيدة مصدّرة بقوله :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم ، إلى أن قال :

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا (٧)

__________________

(١) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥.

(٢) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥.

(٣) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٩.

(٤) أسنى المطالب ٤٨.

(٥) أسرار الإمامة ٣٠٩ ، وفيه : وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله الرّجال بأن يبايعوه بالخلافة والإمامة. ولمّا فرغ الرّجال أمر النساء بأن يبايعنه ، وضرب لعليّ خيمة منفردة ، فأمر عليّا أن يحضر بطست ، فملأه بالماء ووضع يده فيه ، ووضعه على باب خيمته ، فجاءت النّسوان زرافات ووحدانا يسلّمن عليه ويقررن ببيعته.

(٦) نهج الإيمان ١١٥.

(٧) المناقب للخوارزميّ ١٣٦.

٨٤

وهي مذكورة في رواية ابن مردويه بخمسة أبيات ، وفي رواية المرزبانيّ في سرقات الشعراء أيضا كذلك (١).

قال أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في تفسيره : هذه الولاية الّتي أثبتها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام مسئول عنها يوم القيامة في قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢) أي عن ولاية عليّ عليه‌السلام ، والمعنى انّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أضاعوها وأهملوها. انتهى كلام الواحدي من أعلام المخالفين.

وهذه الآية نزلت في السؤال عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام من طريق أصحابنا أيضا (٣) ، كما ذكره الواحديّ من علماء الجمهور ، وأنت تعرف أنّ ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من نصب عليّ عليه‌السلام وليّا بالنصّ الجليّ ، ثمّ نزلت آية التكميل ، كأنّ بيان المراد بالآية وأنّ ولاية عليّ عليه‌السلام هي إكمال الدّين وإتمام نعمة ربّ العالمين ، وهي النعمة الّتي قال تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (٤) ، وهي الإسلام المرضيّ في قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ؛ وقال هنا : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

وثبت عدم الفصل بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «ورضا الربّ برسالتي وبولاية عليّ عليه‌السلام من بعدي» زيادة على مقتضى الإطلاق وأصالة عدم ولاية أبي بكر وإخوانه ، فلا ريب أنّ خلافة أبي بكر وأضرابه كانت بدعة في الدين ، لأنّ الدّين قد تمّ بولاية

__________________

(١) وذكر مؤلف نهج الإيمان ١١٦ أنّ أبا عبد الله المرزبانيّ روى هذا الشعر بإسناده في أواخر الجزء الرابع من كتاب مرقاة الشعر.

(٢) الصافّات : ٢٤.

(٣) نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨١ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ٤٣ ، ٨١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢١ ، ٤٣٣.

(٤) النحل : ٨٣.

٨٥

عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكمل ، فلا يكون غيره إلّا بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار (١).

ومن طريق أصحابنا في قوله تعالى في المائدة أيضا (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) (٢) الميثاق ميثاق ولاية عليّ عليه‌السلام لمّا أخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم فقالوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ، ثمّ نقضوه.

رواه عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره (٣) (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) كما قال عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٤) ، ثمّ نقضوه واتّفقوا على مخالفة الله ورسوله في ولاية عليّ عليه‌السلام. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما في صدوركم من المخالفة وبغض عليّ عليه‌السلام ونحو ذلك ؛ وهذا إشارة إلى مخالفتهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما فعلوا.

وفي بعض روايات العامّة (٥) والخاصّة (٦) نزول آية الكمال قبل آية التبليغ وبعد قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية نزلت في حجّة الوداع عصر يوم عرفة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واقف بعرفات ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة ، فمتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي ، يقول قائل ... الخ. ويمكن الجمع بنزولها عليه مرّتين (٧) تأكيدا ، وفي صدر هذه الآية قوله (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ، وذلك لمّا نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) الخصال ٣٩٣ ؛ بحار الأنوار ٢ : ٣٠١.

(٢) المائدة : ٧.

(٣) تفسير القمّيّ ١ : ١٦٣ ؛ اللوامع النورانيّة ١٠٠.

(٤) إثبات الوصيّة ١٠٣ ؛ الكنى والأسماء للدولابيّ ١ : ٣٤٩ ؛ و ٢ : ١٠٥ ، ١٧٢ ؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ١ : ١١١.

(٥) أسباب النزول للواحدي ١٢٦.

(٦) التفسير للعياشيّ ١ : ٢٩٣.

(٧) تذكرة الخواصّ ٣٠.

٨٦

رواه القمّيّ (١) منّا ، وصاحب كتاب النشر والطيّ حكاه ابن طاوس (٢) في إقباله. وذلك المفاد هو أنّ اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم بعد نصب الوليّ المستحفظ للدّين ، وانقطع طمعهم في ضياعه ، حيث إنّ الدّين بلا مستحفظ ضائع ، فحيث روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصب عليّا واليا على أمّته ، قيّما على دينه ، انقطع طمعهم في ضياع دينه وانقطاع أثره بعده ، وعلموا أنّه باق ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ : ١٧٦.

(٢) إقبال الأعمال ٤٥٤ عن كتاب النشر والطيّ.

٨٧

الآية الثامنة

من الأعراف : قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) ١٧٢ ، ١٧٣

فمن علماء الجمهور [رواها] ابن شيرويه في كتاب الفردوس (١) ، حكاه العلّامة الحلي من أصحابنا في (٢) منهاج الكرامة في دلائل الإمامة ، رفعه عن حذيفة اليماني ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو يعلم النّاس متى سمّي عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال

__________________

(١) فردوس الأخبار ٣ : ٣٩٩ ، ح ٥١٠٤ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي ٢٧١ ؛ الأصول من الكافي ١ : ٤١٣ ؛ اليقين لابن طاوس ٢٨٢ ؛ نهج الإيمان ٢٦٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٩٣ ، ٩٨.

ويؤيّده الرواية الّتي نقلها الخوارزمي في المناقب ١٤٥ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله معلّقا يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب ، حتّى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين : قسما في صلب عبد الله ، وقسما في صلب أبي طالب ، فعليّ منّي وأنا منه.

(٢) منهاج الكرامة ١٤٦ ؛ كشف اليقين ٤١٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١.

٨٨

الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) الآية ، فقال : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ إمامكم وأميركم.

والحافظ أبو نعيم استخرجها من الاستيعاب لابن عبد البرّ ، حكاه في أنوار البصائر.

أقول : وهذا المعنى وهو أخذ عهد الإمامة والولاية والإمارة لعليّ بن أبي طالب في عهد «ألست» في ضمن أخذ عهد الربوبيّة والنبوّة في عالم الذرّ قبل خلق هذا العالم ، قد رواه أصحابنا (١) بطرق صحيحة معتبرة عن أهل العصمة والطهارة ، فيكون هذا الخبر ما رواه الفريقان ويشهد به الاعتبار أيضا ، وكفى به فضلا وحجّة على إمامته وإمارته على كلّ مؤمن ومؤمنة في كل زمان وأوان بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّه يكفي في ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقّبه بأمير المؤمنين يوم غدير خمّ (٢) ، واشتهر به بلا نكير وإنكار بين الأمّة ، وكفى به حجّة على الإمامة والخلافة حتّى على الخلفاء الثلاثة.

__________________

(١) بصائر الدرجات ٧٠ ـ ٧٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٧١.

(٢) فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفي ١٣ ، وفيه : عن بريدة قال : أمرنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

٨٩

الآية التاسعة

في براءة ؛ قوله تعالى (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ١١٩.

فقد نزلت هذه الآية في عليّ وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لرواية ثقات الفريقين.

أمّا الخاصّة : فقد رووه في الكافي (١) ، ومجمع البيان (٢) ، وإكمال الدّين (٣) ، وتفسير القمّي (٤) وغيرها (٥).

وأمّا العامّة (٦) : فقد روى الحافظ أبو نعيم (٧) ، والفاضل ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ. عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام ، ومعناه كونوا مع عليّ عليه‌السلام وأهل

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٢٠٨.

(٢) مجمع البيان ٥ : ١٢٢ ذيل الآية.

(٣) إكمال الدّين ١ : ٢٧٨.

(٤) تفسير القمّيّ ١ : ٣٠٧.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ : ١١٦ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٩ ، ٤٣٢ ؛ بصائر الدّرجات ٣١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١١١ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٢ : ١٧٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٠ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٥٤ ؛ كشف اليقين ٣٦٢ ؛ خصائص الوحي المبين ١٣٦.

(٦) نظم در السمطين ٩١ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ٣٩٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨٠ ؛ كفاية الطالب ٢٠٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٧٠ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٤١.

(٧) النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٠٢.

٩٠

بيته ، قال : وعليّ سيّد الصادقين. وفي تذكرة الخواصّ قال مجاهد الخطاب لعليّ عليه‌السلام ، وهو في حقه على وجه التأكيد (١).

واستدلّ بها أصحابنا على أنّ زمان التكليف لا يخلو من إمام (٢) معصوم يتمّ به الحجّة ، لأنّ الأمر على الاطلاق بالكون مع الصادقين ، ليس معناه إلّا متابعتهم والتزامهم بالمعيّة ، والمشايعة فرع وجودهم ، وإلّا لزم التكليف بالمحال لعدم ما يدلّ على رفعه ، ولا يجب متابعة غير المعصوم عقلا ونقلا ، فوجب ـ لأداء التكليف ـ أن يكون في كلّ قرن إمام معصوم حتّى يكون الكون معه والتزامه بالمتابعة والطاعة ، ولم يكن غير عليّ وأولاده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين معصوما اتّفاقا ، فانحصر فيهم ، كما رواه الفريقان.

ثمّ ما أقبح ما أوّله به الفخر الرازيّ في تفسيره هنا من أنّ المراد بالصّادقين هو الإجماع ؛ لبعده عن الطبع السليم والفهم المستقيم ، مع أنّه مجاز بلا ريب ، فلا يصار إليه إلّا بالقرينة ، وليست بخلاف ما حملناها عليه من متابعة عليّ وأولاده ، ضرورة عدم كونه مجازا ، إلّا أنّه وجب تقدير رجال معصومين في القرون وأزمنة التكليف ؛ لقبح التكليف والأمر بالكون معهم في السّلوك إلى الله والسير في الله مقدّمة ؛ ولا ضير.

على أنّا نقول : بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل انعقاد الإجماع ، هل كان من أزمنة هذا التكليف أولا؟ وعلى الأوّل لزم إمّا التكليف بما لا يطاق وهو باطل ، أو الاعتراف

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ١٦ ؛ جواهر العقدين ٢٤٥.

(٢) الأصول من الكافي ١ : ١٧٨ ح ١٠ ، باب الأرض لا تخلو عن حجّة ؛ بصائر الدرجات ٤٨٩ ؛ إكمال الدين ٢٠١ ـ ٢٠٤ ؛ علل الشرائع ١٩٥ و ١٩٦ ؛ ثواب الأعمال ٢٤٥ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٤ ؛ الإمامة والتبصرة من الحيرة ١٥٧ ـ ١٦٣ ، روى عن يعقوب السرّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي : إذن لا يعبد الله يا أبا يوسف. وعن ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : تبقى الأرض يوما بغير إمام؟ فقال : لا.

٩١

بوجود إمام معصوم غير الإجماع ، وهو المطلوب. وعلى الثاني لزم التقييد بلا دليل ، فإذا بطل الشقّ الثاني تعيّن الأوّل ، وهو المطلوب ، وأيضا إطلاق الأمر بالكون مع الصادقين يقتضي الكون معهم في كلّ أمر من الأمور ، ولا ريب في عدم تحقّق الإجماع في كلّ أمر من الأمور ، فبطل كلامه السخيف.

وفي [سورة] البراءة أيضا قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقد روى الفريقان (١) أنّ المؤذن هو عليّ عليه‌السلام يوم قراءة آيات البراءة على المشركين في الموسم ، ورواه من الجمهور أحمد بن حنبل : وفيه دلالة على أنّ عليّا كان منصوبا من الله ورسوله على الأوّل ، والأصل بقاء حكمه.

__________________

(١) أمّا الخاصّة فمنهم : معاني الأخبار ٢٩٨ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٧٣ ـ ٧٦ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١٤ ؛ كشف اليقين ١٧٢ ـ ١٧٥ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق ١٦٠ ـ ١٦٦ ؛ تلخيص الشافي ٣ : ١٨٧ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٣٢.

وأمّا العامّة فمنهم : مسند أحمد ١ : ٣ ، ١٥١ ، ٢٣٠ ، و ٣ : ٢٨٣ ؛ صحيح البخاريّ ١ : ٢٠٣ ، باب ما يستر من العورة ؛ و ٦ : ٨١ ؛ تفسير الطبريّ ١٠ : ٦٤ ؛ التفسير الكبير ٤ : ٤٠٨ ، و ١٥ : ٢١٥ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ؛ تفسير الكشّاف ٢ : ٢٤٣ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٨٣ ؛ خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٦٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٣ ـ ٣١٩.

٩٢

الآية العاشرة

من سورة هود ؛ قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) ١٧.

فقد روى الفريقان في الأصول والصحاح أنّ المراد هو أنّ محمّدا كان على بيّنة ومعجزة من ربّه هو القرآن ، ويتلو هذا القرآن الّذي هو معجز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم حقّ التلاوة ، شاهد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

رواه من أصحابنا جماعة منهم : الكلينيّ (١) عن الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، وفي مجمع البيان (٢) عن أمير المؤمنين والباقر والرضا عليهم‌السلام ، والقمّيّ (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، والعيّاشيّ (٤) عنه أيضا ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ما من رجل من قريش إلّا وقد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله ، فقال له رجل من القوم : فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال : أما تقرأ الآية الّتي في هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ١٩٠ ؛ الأمالي للطوسيّ ١ : ٣٨١.

(٢) الأمالي للمفيد ١٤٥ ؛ مجمع البيان ٣ : ١٥٠.

(٣) تفسير القمّيّ ١ : ٣٢٤ ؛ سعد السعود ١٤٩.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ : ١٤١ ، ١٤٢ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٠٧ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفيّ ١٩٢ ، ١٩٣.

٩٣

وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على بيّنة من ربّه ، وأنا الشاهد.

وفي الأمالي (١) ، والبصائر (٢) مثله ، وفي الأمالي «وأنا الشاهد ، وأنا منه» ، وفي البصائر «وأنا الشاهد له فيه وأتلوه معه».

وفي الاحتجاج (٣) أنّه سئل عن أفضل منقبة له ؛ فتلا هذه الآية ، وقال : أنا الشاهد من رسول الله.

وفيه أيضا في حديث : قال بعض الزنادقة : وأجد الله يخبر أنّه يتلو نبيّه شاهد منه ، وكان الّذي تلاه عبد الاصنام برهة من دهره ؛ فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله (ويتلوه شاهد منه» فذلك حجّة الله أقامها الله على خلقه ، وعرّفهم أنّه لا يستحقّ مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا من يقوم مقامه ، ولا يتلوه إلّا من يكون في الطهارة مثله ، لئلّا يتسع لمن ماسّه حسّ الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه ، إذ كان الله قد حظر على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه ، بقوله تعالى لإبراهيم (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي المشركين ، لأنّه سمّى الظلم شركا بقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام ، قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٤).

واعلم : أنّ من آثر المنافقين على الصادقين ، والكفّار على الأبرار ، فقد افترى إثما عظيما ، إذ كان قد تبيّن في كتابه الفرق بين المحقّ والمبطل والطاهر والنجس ، والمؤمن والكافر ، وأنّه لا يتلو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

__________________

(١) الأمالي للمفيد ١٤٥.

(٢) بصائر الدرجات ١٣٣.

(٣) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٥٩.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٥١.

(٥) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٢٥١.

٩٤

وعند علماء الجمهور أبو إسحاق الثعلبيّ في تفسيره عن ابن عبّاس : أنّ الشاهد هنا عليّ عليه‌السلام ، وأنّه من رسول الله في القرب والنّسب.

وقال الثعلبيّ (١) ، عن زادان : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزّبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلّا وأنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة ، أو تقوده إلى النّار. فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، فما آيتك التي أنزلت فيك؟ فقال : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ).

ورواه أيضا ابن المغازليّ (٢) ، وابن جرير الطبريّ (٣) ، والحافظ أبو نعيم (٤). وقال الفخر الرازيّ (٥) ذلك من جملة تفسير الآية.

أقول : قول الفخر الرازيّ اجتهاد في مقابلة النصّ ، فإنّ النصّ إذا ورد في تفسير الآية من ثقات الفريقين بلا معارض ، فلا وجه لتفسيرها بغيره.

ثمّ أقول : حرّرنا في تعليقاتنا على الصافي في تفسير الآية هكذا : قوله (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ومعناه : محمّد على بيّنة من ربّه وهو القرآن ، و «يتلوه» يعني هذا القرآن عليكم «شاهد» من محمّد من أهل بيته : عليّ وأولاده من أوصيائه ، ويؤيّده قوله تعالى في الأنعام (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦) معناه : ومن بلغ إليه هذا القرآن من أوصيائي ، فينذركم به أيضا ، وتذكير الضمير

__________________

(١) تفسير الثعلبيّ ٥ : ١٦٢ ؛ انظر : تذكرة الخواصّ ١٦.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧٠.

(٣) كتاب الولاية للطبريّ ٦٨ ؛ نهج الإيمان ٥٦٣ ؛ مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٠٣.

(٤) النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٠٦.

(٥) التفسير الكبير ١٧ : ٢٠٠.

(٦) الأنعام : ١٩.

٩٥

في قوله تعالى «ويتلوه» باعتبار البيّنة وهو القرآن ، «ويتلوه» على هذا من التلاوة كما اقتضاه خبر البصائر : وأتلوه معه ، وهذا كلّه دليل قاطع على عدم خلوّ الأرض من حجّة الله من آل محمّد كما هو مذهب أصحابنا وقام عليه البرهان ، وهو تالي القرآن من رسول الله على الناس ، ولولاه لم تتمّ الحجّة عليهم.

قال عليّ عليه‌السلام في نهج البلاغة : [ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لقاءه ، ورضى له ما عنده واكرمه عن دار الدّنيا ، ورغب به عن مقارنة البلوى] فقبضه إليه كريما صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في اممها [اذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ، ولا علم قائم] كتاب ربّكم مبيّنا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ... (١)

وأشار إلى كونه شاهدا لرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٢).

وقد صحّ بنصّ الفريقين أنّ المراد ب (مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، رواه من علماء الجمهور الحافظ أبو نعيم (٣) ، والثعلبيّ (٤) ، وقال الله تعالى في آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود عليهما‌السلام (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) ، فيكون وصيّ خاتم الأنبياء هو الّذي عنده علم الكتاب كلّه ، إذ وصيّ كلّ نبيّ قائم مقامه حامل علمه ، وقوله تعالى (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) معناه كما أنزل لا بتحريف ، كما هو دأب علماء الجمهور ممّن يقول بالاجتهاد ، وفيه دلالة على الحاجة إليه في الأمّة ، جوابا عمّن قال «حسبنا كتاب الله» ، يعني ، نعم حسبنا لو وجدنا له مفسّرا

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة الأولى ؛ والفقرات بين المعقوفين لم ترد في المتن ؛ أوردناها من نهج البلاغة إكمالا للمعنى.

(٢) الرعد : ٤٣.

(٣) النور المشتعل ١٢٥.

(٤) تفسير الثعلبيّ ٥ : ٣٠٣.

٩٦

وتاليا يتلوه علينا حقّ التلاوة ، كما أنزل الله بالاجتهاد.

قال : قل يا محمّد : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ثقة ويقين بوحي وإلهام ، لا باجتهاد ورأي ، فيكون التابع له الداعي إلى الله مثله على بصيرة منذرا بالقرآن ، تاليا له.

ثمّ أقول : وعلى أخذ «يتلو» من التلو بمعنى المتابعة كان معناه : ويتبعه شاهد منه ، وبعضه كما هو مقتضى خبر الاحتجاج.

ولعلّه يشير إليه أيضا قوله تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١) ، ويكون هذا نصّا على أنّ القائم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده إنّما يكون من أهل بيته عليّ وأولاده عليهم‌السلام بالاجماع المركّب ، إذ لا خلاف بين الأمّة أنّ الإمام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله القائم مقامه لا يخلو من عليّ وأبي بكر ، فإذا بطل إمامة أبي بكر بعدم كون من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعيّن الإمامة في عليّ عليه‌السلام بلا فصل ولا فصل بعده ، إذ كلّ من قال بإمامة عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، قال بإمامة أولاده لا غير.

ثمّ إنّه لم يقل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحد «إنّه منّي» إلّا لعليّ عليه‌السلام وأولاده ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «أنت منّي وأنا منك» (٢).

وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية العامّة (٣) والخاصّة (٤) أنّه قال : «عليّ منّي وأنا

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٨.

(٢) صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٧ و ٥ : ٢٢ باب مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ كفاية الطالب ٢٤٢ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٩٧ ؛ المناقب للخوارزميّ ٦١ ؛ فرائد السمطين ١ : ٥٧ ؛ ذخائر العقبى ٢١٥.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٥١ ، ٢٣١ ؛ و ٤ : ١٦٥ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ ؛ خصائص الإمام علي عليه‌السلام للنسائيّ ٦٧ و ٦٨ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٩٧ ؛ التفسير الكبير ١٥ : ٢١٨ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ١٤٠ ؛ كفاية الطالب ٢٤١ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٨٨ ، ٥٣١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٦ ـ ٣١٩ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٦ ؛ تفسير ابن كثير ٢ : ٣٢٢ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٢ و ١٧٣ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢.

٩٧

منه».

من ذلك ما رواه البخاريّ (١) من الجزء الخامس من صحيحه ، وابن المغازليّ (٢) في المناقب ، والأندلسيّ في الجمع بين الصحاح الستّ بعدّة طرق ، وابن حنبل في المسند (٣) ، وصاحب المشكاة المبارك (٤) من علماء المخالفين ، كلّهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : أنا من عليّ وعليّ منّي ، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي ، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ.

وأخرج الترمذيّ (٥) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ. قال : وهذا حديث حسن ، وأخرج أحمد في الفضائل (٦) بمعناه ، وفيه : لا يؤدّي ديني إلّا عليّ عليه‌السلام.

ويشهد له أخبار ردّ أبي بكر من الطرق بأمر جبرئيل عليه‌السلام من الله تعالى في قصّة قراءة آيات البراءة على المشركين ، وأمر عليّ بأخذها منه وقراءتها على مشركي العرب ، معلّلا بأنّه لا يؤدّي منّي إلّا أنا أو رجل منّي (٧).

__________________

(٤) الأصول من الكافي ١ : ٢١٠ ؛ معاني الأخبار ٢٩٧ ؛ أمالي المفيد ٥٦ و ٢١٣ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٧٤ ؛ المقنع في الإمامة ٧٤ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٤٥ ؛ الطرائف ٦٨ ؛ إعلام الورى ١٦٤ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٤ ؛ منهاج الكرامة ٨٧ ؛ أسرار الإمامة ١٨٣ و ١٨٤.

(١) صحيح البخاريّ ٥ : ٢٠٢.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٢٢١ ـ ٢٣٠.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٥١ ، ٣٣١ ، و ٥ : ٣٠.

(٤) مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٢٠ ح ٦٠٨١ و ٦٠٨٣.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.

(٦) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٩٩ ح ١٠٢٣.

(٧) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠ ؛ تفسير الكشّاف ٢ : ٢٤٣ و ٤ : ٢١٩ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ١٠٧ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٠ : ٣٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣٣ ؛ ذكر أخبار أصبهان ١ : ٢٥٣ ؛ تفسير

٩٨

وقد تواتر ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار من الطرفين وكتب السّير ـ كما لا يخفى ـ مضافا إلى أخبار اتّحادهما في النّور بقوله : أنا وعليّ من نور واحد (١) ، وآية «أنفسنا» ؛ ضرورة أنّ نفس الرسول من الرسول ، بل لا أقرب منه من ذلك ، وكلّ ذلك دليل على أنّ المراد بالشاهد منه في الآية الشريفة هو عليّ بن أبي طالب ليس إلّا (٢).

وبطل قول الرازيّ في تفسيره ، إذ إنّه من تفاسير الآية ، لا أنّه متعيّن فيه ، إذ حمل على أنّ المراد بالشاهد منه هو لسانه الشريف ، وهو حمل بعيد مخالف للنصوص المذكورة ، مع أنّه يكفي في المطلوب ، لأنّه إذا كان ذلك من تفسيرها ثبت المدّعى به أيضا ، وهو أنّ عليّا هو الشاهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية ، مضافا إلى دلالة العرف والمحاورة أنّ الشاهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو من أهل بيته ، ومن نوره ، وعليّ سيّد أهل بيته.

فائدة

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ منّي» يدلّ على مكانة أمير المؤمنين ومنزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كاهل المجد إلى أعلى ذروته ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قال : سلمان منّا أهل البيت (٣). دلّ

__________________

البغويّ المسمّى بمعالم التنزيل ٢ : ٢٦٧ ؛ ذخائر العقبى ٦٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٨ ؛ الخصال ١ : ٢٧٩ ؛ معاني الأخبار ٢٩٨ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ مجمع البيان ٥ ، ٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤١١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٤٥ ؛ أسرار الإمامة ١٧٤.

(١) نظم درر السمطين ٧٩ ؛ الطرائف ١٥ ، ١٦ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٤ ؛ أسرار الإمامة ٣٨٧ ؛ وانظر صدر الحديث في مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٥٩ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ و ٣٠٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.

(٢) الطرائف ٧٩ ؛ بحار الأنوار ٣٥ : ٣٩٣.

(٣) ذكر أخبار أصبهان ١ : ٥٣ ؛ البداية والنهاية ٢ : ١٦٨ ؛ الجامع الصغير ٢ : ٥٢ ؛ أسرار الإمامة ١٩٧ ؛ معارج النبوّة الركن الرابع ٢٦ ، ١٢٤ ؛ بصائر الدرجات ١٧.

٩٩

على شرف له ومجد فاق به أقرانه بلا خلاف بين الأمّة ، فلمّا أضاف عليّا عليه‌السلام إلى نفسه بقوله : «عليّ منّي» (١) سما به عن تلك المرتبة وتجاوز به عن تلك المنزلة ، ولو اقتصر على ذلك كانت رتبته متعالية عن رتبة سلمان في هذه الرواية مع قطع النظر عن غيرها ، فلمّا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأنا من عليّ» فجعل نفسه الشريفة من عليّ عليه‌السلام ، دل على أنّ كلّ منهما أصل للآخر وكلاهما من نور واحد ؛ كما تواتر ذلك عنه في صحاح الفريقين ، وارتقى به عن أقصى ما يطمعه ويتمنّاه المرء في معارج الفضل والشرف والمجد والعلى ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ من يستحقّ الخلافة والإمامة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه هو الشاهد من رسول الله ، التالي لكتاب الله ، التابع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، الّذي هو بعده بوضع الله ، ولا نعني بالخليفة والإمام إلّا هذا ، مضافا إلى ما جاء في الروايات من طريق أصحابنا (٣) أنّ الآية كانت في النزول هكذا (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) إماما ورحمة (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ؛ فيكون إماما ورحمة حالا من الشاهد المذكور ، فيكون نصّا في إمامته.

وإنّما غيّره المحرّفون لكتاب الله (٤) ، ومعناه (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وهو القرآن «ويتلوه» أي يتلو هذا القرآن عليكم حقّ تلاوته «شاهد منه» أي من رسول الله ، بناء على أخذ «يتلوه» من التلاوة وارجاع ضمير المفعول إلى البيّنة الّتي هي القرآن ، أو يتعقّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد منه بناء على أخذ «يتلوه» من التلو

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ؛ نظم درر السمطين ٧٩.

(٢) الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٧٤ ؛ ينابيع المودّة ١ : ٣٠٩ و ٣ : ٣٦٤.

(٣) نهج الإيمان ٥٦٣ ـ ٥٦٥ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ٢٣٢.

(٤) يقصد أنّ هؤلاء حذفوا أسباب النزول والتفسير الذي كان موجودا في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من أجل أن يكون مصداق الآيات مبهما غير واضح.

١٠٠