النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي

النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

المؤلف:

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي


المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠

تعالى في سورة إبراهيم عليه‌السلام حكاية عنه : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) إلى قوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١). حيث دلّ على سلب المشركين عنه ، فلم يكن أحد منهم من ذرّيّته شرعا. ويحمل قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على من لم يسلب عنه شرعا ؛ كما في سلب ابن نوح عليه‌السلام عنه بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٢).

ومن هذا الباب ما رواه الفريقان في الأصول الصحيحة.

أمّا الخاصّة ففي الخصال (٣) عن الرضا عليه‌السلام.

وأمّا العامّة ففي مناقب ابن المغازليّ الشافعيّ عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : «انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ عليه‌السلام ، لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ. فاتّخذني الله نبيّا ، واتّخذ عليّا وصيّا» (٤).

وأنت خبير أنّ هذه مناقب لا تدانيها منقبة ، وفي الآية دلالة على كون النبيّ والوليّ من أصلاب طاهرة إلى إبراهيم عليه‌السلام ، لتصحّ النبوّة ، كما عليه إجماع أصحابنا.

ومنه يظهر إيمان أبي طالب عليه‌السلام ، كما يقوله أصحابنا أجمع ، وخالف في ذلك

__________________

ـ ومنها : حديث السفينة «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح : من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» راجع : المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٣٢ ـ ١٣٤ ؛ فرائد السمطين ٢ : ٢٤٤ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٥ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٢ ؛ الفصول المهمّة ٢٧.

(١) إبراهيم : ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) هود : ٤٦.

(٣) الخصال ١ : ١٧٧ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ١ : ٣٨٨ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٣٥ ؛ كشف اليقين ٢٤.

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ كفاية الطالب ١٠٦ ؛ تاريخ الخلفاء ١٦٦.

٢١

بعض العامّة ، وليس بشيء (١).

وفي [تفسير] البيضاويّ : في الآية دلالة على عصمة الأنبياء بعد البعثة (٢) ، وفيه أنّ المشتقّ وإن كان حقيقة في المتلبّس بالمبدإ حين التّلبّس ، لكن النصّ المزبور ، وقوله تعالى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، أوجب صرفه إلى من تلبّس بالظلم في وقت ما ، كما عرفت بيانه.

والذرّيّة أعمّ من النبيّ والوصيّ ، وكذلك الإمام هو الذي يؤتمّ به سواء كان نبيّا أو وصيّا ، فلا تختصّ بالأنبياء كما توهّمه المفسّر ؛ على أنّ الأنبياء السالفة جلّهم كانوا أوصياء.

__________________

(١) أبو طالب بن عبد المطّلب بن هاشم ، اسمه عبد مناف ، وقيل : اسمه عمران ، وهو عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووالد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. ولد قبل مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس وثلاثين سنة ، وتوفّي في النصف من شهر شوّال في السنة العاشرة من النبوّة ؛ ولم يكفر أبو طالب بالله قطّ. وكان من أوصياء الأنبياء ، وقد آمن بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بداية أمره ، ولم يعبد صنما قطّ. وأجمع الشيعة وعلماؤهم على إسلام أبي طالب عليه‌السلام. وأشعاره في مدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والدفاع عنه مشهورة.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه‌السلام ، وأن يدوّن ، وقال : تعلّموه وعلّموه أولادكم ؛ فإنّه كان على دين الله ، وفيه علم كثير. ويكفينا من الاستدلال على إيمان أبي طالب عليه‌السلام ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤ : ٨٣. عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سئل عمّا يقوله النّاس من أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار! فقال : لو وضع إيمان أبي طالب عليه‌السلام في كفّة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في الكفّة الأخرى لرجح إيمانه. ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام كان يأمر أن يحجّ عن عبد الله وابنه محمّد وأبي طالب صلوات الله عليهم في حياته ، ثمّ أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم؟

وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة ؛ إنّما عنى أبا طالب.

والكتب الّتي ألّفت في إيمان أبي طالب عليه‌السلام من العامّة والخاصّة تتجاوز السبعين كتابا. انظر : مقدّمة كتاب مواهب الواهب في فضائل والد أمير المؤمنين أبي طالب عليهما‌السلام ١٢ ـ ٢٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٨٠ ، ٨١ ، ١١١.

٢٢

الآية الثانية

من البقرة أيضا ؛ قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ٢٠٧.

اتّفقت روايات الفريقين (١) في الأصول الصحيحة على أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، حين بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة المبيت حتّى هرب صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الغار (٢).

__________________

(١) الخصال ٢ : ٣٥٥ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٢٥٢ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٧٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٠١ ؛ التبيان في تفسير القرآن ٢ : ١٨٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٧٦ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٧ ، ٤٤٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٥٩ ؛ خصائص الأئمّة ٥٨ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٤٠.

المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤ ، ١٣٢ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٠٠ ؛ تفسير الطبريّ ٩ : ١٤٠ و ٢٢٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٢٧ ؛ كفاية الطالب ٢٠٩ ؛ الفصول المهمّة ٤٧ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٥٨ ؛ تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٣٩ ؛ شرف النبيّ ١٧٦ ؛ معارج النبوّة الركن الرابع ٣ ؛ تاريخ بغداد ١٣ : ١٩١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٢٣ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٣٠.

(٢) وعند ذلك باهى الله به عليه‌السلام ملائكته ؛ فما أشدّ عماهم حيث يرجّحون مواليهم عليه. طبع الله على قلوبهم فهم لا يبصرون. محمّد حسين

٢٣

رواه أصحابنا : العيّاشيّ (١) في تفسيره وغيره في عدّة أخبار (٢).

ومن العامّة : الثعلبيّ (٣) ، والنيسابوريّ (٤) ، والفخر الرازيّ (٥) ، وغيرهم في تفاسيرهم (٦) ، عن جماعة من الصحابة والتابعين ؛ والقصّة مشهورة معروفة بين المسلمين لا رادّ لها.

روى أحمد بن حنبل في مسنده (٧) ، وابن المغازليّ في مناقبه (٨) بنقل الثقات ، أنّ الله تعالى باهى جبرئيل وميكائيل ، فقال لهما : قد واخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أكثر ، فأيّكما يؤثر أخاه على نفسه ، فلم يؤثر ؛ فقال لهما : لم لا تكونا كعليّ ، واخيت بينه وبين نبيّي ، فبات على فراشه وأفداه بنفسه ، فأهبطا إليه واحرساه إلى الصبح ، فهبطا وجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه يحرسانه ، فقال جبرئيل : بخّ بخّ يا ابن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة (٩).

والرواية مشهورة بين الفريقين لا رادّ لها.

فائدة :

معنى (يَشْرِي نَفْسَهُ) يبيعها ، والمشتري هو الله تعالى ، ولعلّه أشار إليه في قوله

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٠١.

(٢) تفسير القمّي ١ : ٩٢ ؛ تفسير فرات الكوفيّ ٦.

(٣) تفسير الثعلبيّ ٢ : ١٢٦ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٥.

(٤) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٢٠١.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازيّ ٥ : ٢٢٣.

(٦) تفسير الطبريّ ٩ : ١٤٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤.

(٧) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، ١٣١.

(٨) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١١٨ في حديث المناشدة.

(٩) الفضائل لابن شاذان ٩٤ ، ١٣٧ ؛ الفضائل لابن عقدة ١٧٧ ـ ١٨١.

٢٤

تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (١) ، فالجنّة عوض نفسه الشريفة ، لا يدخلها إلّا من يتولّى بولايته (٢).

__________________

(١) التوبة : ١١١.

(٢) قال العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ١١٣ في تفسير هذه الآية : هم الأئمّة. وانظر أيضا : بحار الأنوار ١٣ : ٢١٨ ؛ تفسير البرهان ٢ : ١٦٦.

٢٥

الآية الثالثة

من البقرة ؛ قوله تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ٢٧٤.

نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام برواية الفريقين (١) ؛ كان له أربعة دراهم فأنفقها.

كذلك رواه أصحابنا في المجمع (٢) وغيره (٣) عن الباقر والصادق وأبي الحسن عليهم‌السلام ؛ بل عدّه الصدوق من عقائده.

__________________

(١) تفسير فرات الكوفيّ ٧٠ ـ ٧١ ؛ تفسير العيّاشيّ ١ : ١٥١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٧ ؛ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ٣٦٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٣٣ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣١٩ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ٣ : ٣٤٦ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٤٠ ـ ١٥٠ ؛ الدرّ المنثور ١ : ٣٦٣ ؛ ذخائر العقبى ٨٨ ؛ نظم درر السمطين ٩٠ ؛ الصواعق المحرقة ١٣١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢٠٦ ؛ كفاية الطالب ٢٠٣ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٧٦ ؛ أنوار التنزيل ١ : ١٤١ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٥٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٨٠ ؛ الفصول المهمّة ١٢٣ ؛ أسباب النزول للواحديّ النيسابوريّ ٥٨.

(٢) مجمع البيان ١ : ٣٨٨.

(٣) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٥١ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ١ : ٩٧ ـ ٩٨. ورواه العلّامة الحلّيّ في منهاج الكرامة ١٣٧.

٢٦

ورواه من علماء الجمهور الثعلبيّ (١) في تفسيره ، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٢) عن عكرمة.

والعلّامة الحلّيّ رحمته الله من أصحابنا في منهاج الكرامة (٣) عن أبي نعيم من علماء الجمهور ، كلّهم عن ابن عبّاس من الصحابة المعتبرين عند الفريقين.

وفيه دلالة على محمدة له ، وقبول إنفاقه وإخلاصه ، وكونه أسخى من غيره (٤) حتّى من نازعه في الإمامة ، فيكون إماما عليهم ، دون العكس ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا وشرعا (٥) ، وإلّا لصدق قوله تعالى في حقّه : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٦) (٧).

__________________

(١) خصائص الوحي المبين ١١٨ ؛ تفسير الثعلبيّ ٢ / ٢٧٩ ، أسباب النزول للواحدي ٥٨.

(٢) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٣) منهاج الكرامة ١٣٧.

(٤) شرح تجريد العقائد ٣٧٧.

(٥) نفس المصدر ٣٦٧ ؛ الإفصاح في الإمامة للشيخ المفيد ٣٧.

(٦) البقرة : ٤٤.

(٧) لا يخفى أنّ الاستفهام في الآية توبيخيّ ، ومفاده وقوع مدخوله وملامة فاعله ، فلو كان الأمر كما قالوا لزم أن يكون جلّ اسمه فاعلا للقبيح ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ؛ فعليك بالتأمّل. محمّد حسين

٢٧

الآية الرابعة

من آل عمران

إنّ آية المباهلة (١) والقصّة معروفة مشهورة متواترة ، وهي أنّه جاء وفد من

__________________

(١) قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) ٦١.

لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معه إلى المباهلة الحسن والحسين فكانا أبناءه ، ودعا فاطمة فكانت نساءه ، ودعا عليّ بن أبي طالب فكان نفسه ، وهذا شيء ظاهر منقول في كتب الفريقين :

أما الإماميّة فلا خلاف فيه بينهم أصلا. انظر عيون أخبار الرضا ٢ : ٢١٠ ؛ الأمالي للصدوق ٦١٨ ؛ الاختصاص للمفيد ٥٦ ، ١١٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٥٢ ؛ تفسير العيّاشيّ ١ : ١٧٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٤٦ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٧٧ ؛ خصائص الوحي المبين ٧٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٥ ؛ الطرائف ١٢٩ ؛ حقائق التأويل للسيّد الشريف الرضيّ ٢٢٩ ـ ٢٣٥ ؛ الفضائل لابن عقدة ١٨٤ ، ١٨٥ ؛ المقنع في الإمامة ٦٦ ؛ العمدة لابن البطريق ١٨٨ ـ ١٩٢ ؛ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢١٣ ـ ٣١٩ ؛ منهاج الكرامة ١٢٣.

وأمّا العامّة : فقد روى منهم الفقيه الشّافعي ابن المغازليّ في المناقب ٢٦٣ حديثا أسنده إلى الشعبيّ ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لمّا قدم وفد نجران على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : العاقب والطيّب ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا :

أسلمنا يا محمّد قبلك ، قال : كذبتما ، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام. قالا : فهات أنبئنا. قال : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل الخنزير ، فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه أن يغادياه بالغداة ، فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، ثمّ أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيباه وأقرّا له بالخراج ، فقال الأسقف : يا معشر النصارى ، إنّي أرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ،

٢٨

نصارى نجران إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : إلى ما تدعو؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث.

فقالوا : من أبو موسى؟ قال : عمران ، قالوا : فأنت؟ [أي فأنت ابن من؟] قال : عبد الله بن عبد المطّلب ، قالوا : فعيسى؟ فسكت ينظر الوحي ، فنزل (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

فقالوا : ما نجد هذا فيما أوحي إلى أنبيائنا ، فنزل قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).

فطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [المباهلة] بالأعزّة وأفلاذ الكبد ، والمباهلة مفاعلة من البهلة (١) بالضمّ والفتح : اللعنة ؛ أي تعالوا نتباهل بأن نلعن الكاذب منّا.

__________________

ـ فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ، لو فعلا لأمطر الله عليهما الوادي نارا.

قال جابر : فيهم نزلت الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ...).

وانظر : مسند أحمد : ١٨٥ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨ ؛ تفسير الطبريّ ٣ : ١٩٢ ؛ أسباب النزول للواحديّ ٦٧ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠١ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٣٠ ؛ خصائص النسائيّ ٢٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠ ؛ التفسير الكبير لفخر الدين الرازيّ ٢ : ٦٩٩ ؛ مصابيح السنّة للبغويّ ٢ : ٤٥٤ ؛ كفاية الطالب ١٢٢ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ؛ تفسير ابن كثير ١ : ٣٧٠ ؛ دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢٩٧.

ولا شيء أقوى من آية المباهلة في فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ؛ قال الزمخشريّ في الكشّاف : وفيها برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك.

(١) الصواب أنّها مشتقّة من البهل لا من البهلة ، كما قرّر في علم الصرف. محمّد حسين

٢٩

فقالوا : أنصفت يا محمّد ، فمتى نأت نباهلك؟ قال : غدا إن شاء الله تعالى ؛ فانصرفوا ، فقال : رؤساؤهم (١) السيّد والعاقب والأيهم (٢) إن خرج في عدّة من أصحابه باهلناه ، فإنّه ليس نبيّا ؛ وإن خرج في أهله وخاصّته ، فلا نباهله ، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته (٣) ، إلّا وهو صادق ، لئن باهلتموه لنهلكنّ ؛ فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العالية ومن حولها ، فلم يبق بكر ولا عانس إلّا وقد خرجت (٤).

قال أبو إسحاق (٥) الثعلبيّ (٦) من أكابر علماء المخالفين في تفسيره : فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة خلفه ، وعليّ عليهم‌السلام بين يديه ، ورسول الله محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة خلفه ، وعليّ عليه‌السلام بين يديه ، ورسول الله يقول : إذا دعوت فأمّنوا ، فلمّا رأى النصارى خافوا وقال لهم الأسقف منهم : يا معشر النصارى ، إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوه فتهلكوا ؛ فجاءوا إليه وقالوا : يا محمّد ، أقلنا من المباهلة أقالك الله ، نعطيك الرّضا فاعف عنّا ، فصالحهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية فانصرفوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والّذي نفسي بيده ، لو خرجوا لأملأنّ عليهم الوادي نارا.

__________________

(١) قال ابن طاوس في الإقبال ٢ : ٣١٣ : فأقبل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله السيّد ، واسمه أهتم بن النعمان ، والعاقب ، واسمه عبد المسيح بن شرحبيل ، وهو عميد القوم وأميرهم وصاحب رأيهم.

وقال الواحديّ النيسابوريّ في أسباب النزول ٦١ : قدم وفد نجران ـ وكانوا ستّين راكبا ـ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم ، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيّد إمامهم وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم.

(٢) في الأصل : «الأهتم».

(٣) أي مع أهل بيته.

(٤) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٥) وفي الأصل أبو الحسن والصحيح ما أثبتناه.

(٦) تفسير الثعلبيّ ٣ : ٨٥ ؛ أسباب النزول ٦٨.

٣٠

وجه الدلالة : أنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه لم يخرج في ذلك اليوم مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة إلّا عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام ، رواه أصحابنا متواترا (١).

ومن علماء المخالفين : رواه مسلم في صحيحه (٢) ، والحميديّ في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن وقّاص في الحديث السادس من أفراد مسلم ، ورواه الثعلبيّ (٣) والكلبيّ (٤) ومقاتل (٥) في تفاسيرهم.

وحكاه ابن طاوس في الإقبال (٦) عن الحافظ بن مردويه ، وعبد الله بن عبّاس ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ ، والحسن البصريّ ، والشعبيّ ، والسّدّيّ ، كلّهم من علماء الجمهور.

والفاضل سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٧) عن ابن عبّاس ، والزمخشريّ في كشّافه (٨) في تفسير الآية.

وبالجملة : لم أجد بين الأمّة ورواياتهم عن الصحابة والأئمّة خلافا في أنّ أصحاب الكساء في المباهلة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما كان عليّا وفاطمة والحسنين وجدّهم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (٩).

__________________

(١) تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٨٧ ـ ٩٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٢٣٧ ؛ و ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.

(٣) عمدة عيون صحاح الأخبار ١٨٩ ؛ تذكرة الخواصّ ١٥.

(٤) تفسير الدرّ المنثور ٢ : ٣٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ كلاهما عن الكلبيّ.

(٥) رواه عن مقاتل : ابن البطريق في عمدة عيون صحاح الأخبار ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٦) إقبال الأعمال ٢ : ٣٤٩.

(٧) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٨) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٩) دلّت الآية النّازلة ـ أي آية المباهلة ـ على إمامة عليّ عليه‌السلام ، وأنّه من أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودلّت أيضا على أفضليّة المرتضى عليه‌السلام على جميع الصحابة لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع أحدا من بني هاشم ، ولا من الصحابة غير أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ؛ كما لم يدع غير فاطمة عليها‌السلام من النساء ، وغير الحسن والحسين عليهما‌السلام من البنين ، على ما نصّ عليه المؤرخون وعلماء التفسير من العامّة والخاصّة.

٣١

وفيه من الدّلالة على فضلهم ومناقبهم ما لا يخفى ، وشهادة أهل الخلاف أبلغ وأوضح في إيضاح الحجّة ؛ كيف بإجماع المسلمين وعلماء السّير والتفسير والحديث على نزول الآية فيهم عليهم‌السلام.

قال الزمخشريّ : خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ جاء الحسين عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ عليّ عليهما‌السلام ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) (١) (٢).

وفي تذكرة الخواصّ (٣) : قال ابن عبّاس : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمباهلة رافعا يديه وأشار إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام وقال : هلمّوا ، فهؤلاء أبناؤنا ، وأشار إلى فاطمة عليها‌السلام وقال : هذه نساؤنا ، وأشار إلى عليّ عليه‌السلام وقال : هذا أنفسنا.

قال الزمخشريّ (٤) في الكشّاف ما حاصله : إنّما باهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه ، وتوقّى بنفسه وصدقه ، وكذب خصمه حتّى يهلكه مع أحبّته وأعزّته هلاك صبر إن تمّت المباهلة ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء. وأنت تعرف أنّ الزمخشريّ من المتعصّبين في مذهب أهل السنّة. وعن النقّاش في شفاء الصدور : وحصلت بها فضيلة لعليّ عليه‌السلام ، حيث جعله الله كنفس الرسول.

وبه صرّح الثعلبيّ (٥) ، وابن المغازليّ (٦) ، وابن حجر (٧) ، كلّهم من أعاظم علماء

__________________

(١) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٩.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) تذكرة الخواصّ ١٤ و ١٨ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٢١٤.

(٤) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨.

(٥) تفسير الثعلبيّ ٣ : ٨٥.

(٦) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣٠١ ـ ٣٠٧.

(٧) الصواعق المحرقة ١٤٥.

٣٢

المخالفين.

وكذا ذكره سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (١) في عداد فضائل عليّ عليه‌السلام.

وفيه دلالة على تخصيص أصحاب الكساء بشرف لا يدانيه شرف ، وفضيلة لا يوازيها فضل ، وعلى أنّ الإجابة مقرونة بدعائهم ، وأنّ لهم عند الله وعند رسوله منزلة عظيمة لا توصف ، وأنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام أبناء رسول الله ، وأنّ عليّا عليه‌السلام نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ـ الخبر ـ

ولقبح دعوة الشخص نفسه ، وهذا دليل على أنّ عليّا عليه‌السلام كان من نور الرّسول ؛ كما تواتر به الخبر في الفريقين. ومن معدن صفائه ، ودليل على عصمته ، ووجوب طاعته ، وكونه إماما وليّا على الخلق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى كونه أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين (٢) ـ لرسول الله ـ فضلا عن كونه أفضل أمّته.

وعلى أنّ الحسنين عليهما‌السلام مع صغر السنّ أولى في المباهلة ، وفي مقام استجابة الدعاء من خلّص أصحابه ؛ وفاطمة سلام الله عليها من خلّص نسائه ، وليس إلّا لكونهم أقرب إلى الله ، وأكرم على الله. فالعجب كلّ العجب ممّن أمضى دهره في عبوديّة الأصنام أربعين سنة (٣) كيف يقدّم عليهم غيرهم (٤) ممّن مضى دهره في

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ١٤ ؛ الفصول المهمّة ٢٦.

(٢) الاعتقادات للشيخ الصدوق ٨٩ ؛ بصائر الدرجات ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ٢٣١.

(٣) أسلم أبو بكر وهو ابن أربعين سنة ؛ وأسلم عمر بن الخطّاب بعد أربعين سنة. انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٥ ؛ المسترشد في الإمامة ١٥٦ ؛ ومن عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سبّاق الأمم ثلاثة : لم يشركوا بالله طرفة عين : عليّ بن أبي طالب ، وحبيب النجّار مؤمن آل ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون. انظر : تاريخ بغداد ١٤ : ١٥٥ ؛ ذخائر العقبى ٥٨ ؛ كفاية الطالب ١٠٧.

(٤) حيث يقولون : إنّهم في الفضل كترتيب خلافتهم ، ثمّ يصرّحون بأنّ مرادنا بالفضل ثوابهم عند الله ، وإلّا فلعليّ مناقب لا تحصى. وليت شعري كيف اطّلعوا على قدر الثواب والعقاب وهما مكنونان في علم الله تعالى؟! محمّد حسين

٣٣

عبوديّة الأصنام أربعين سنة وليس لهم فضل يعرفه العقول ، ويتلقّاه عموم الأمّة بالقبول.

إن قلت : مقابلته ب (نِساءَنا) دليل على إرادة الرجال منه.

قلنا : لو لا (أَبْناءَنا) ، فالآية دليل على كون عليّ عليه‌السلام أفضل الأمّة ، وبها بطل قول بعض المخالفين بخلافه ؛ وأفضل الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين حتّى أولو لعزم من الرّسل ، لكونه نفس الرسول الأفضل (١) ، وعليه أعاظم العرفاء من أصحابنا وبعض المجتهدين (٢).

ويشهد [على ذلك] رواية «ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثّقلين» (٣).

ودخل جميع الأنبياء والمرسلين إلّا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لوضوح خروجه عنه اتفاقا ، فضلا عن أمّته من أبي بكر واخوانه ؛ بمعنى كونه أكثر ثوابا (٤) ، وإن كان مفضولا في

__________________

(١) كفاية الطالب ٢٥٤ ؛ نهج الإيمان ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ؛ بصائر الدرجات ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ٢٣١ ؛ الألفين ٣٢٦.

(٢) نهج الإيمان ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ، ٦٥٣ ـ ٦٦٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٢ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣٢ : ٣١ ، في تفسيره سورة القدر ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٥٦ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٤ ؛ تاريخ بغداد ١٣ : ١٨ ، رقم ٦٩٧٨ بتفاوت ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٠٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٢٠٥ ؛ منهاج الكرامة ٩١ ، ١٦٧ ؛ أسرار الإمامة ٢٦٢ ، ٤٥٢.

(٤) لمّا عرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باجتماع المشركين ، حفر الخندق بمشورة سلمان ، ثمّ برز عمرو بن عبد ودّ ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ والمسلمون كأنّ على رءوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ودّ ، فركز عمرو رمحه على خيمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ابرز يا محمّد ؛ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟» فنكل الناس أجمعون عنه واستتر بعضهم ببعض ، وكان عليّ عليه‌السلام يقوم ليبارزه ، فيأمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلوس ، حتّى نزل جبرئيل عليه‌السلام عن الله تعالى أن يأمر عليّا بمبارزته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ ، ادن منّي» وعمّمه بعمامته وأعطاه سيفه ، وقال «امض لشأنك» ثمّ قال : «اللهمّ أعنه» ، فلمّا توجّه إليه ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره» أو قال : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه». قال عمرو بن عبد ودّ : «ما كنت أظنّ أحدا من العرب يرومني عليها ، وإنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وكان أبوك لي نديما» ، فقال عليّ عليه‌السلام : «لكنّي أحبّ أن أقتلك» فتناوشا ، فضربه عمرو في الدرقة فقدّها ، وضربه عليّ على عاتقه ـ

٣٤

معالي الخصال ، وهذا خرافة ومجازفة لقبح ذلك في العقول ، وعدم الدليل. والدليل ـ بل الأدلّة ـ على خلافه ، كما لا يخفى من هذا الباب وغيره.

__________________

ـ فسقط. وفي رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفله ، فوقع على قفاه وحزّ رأسه ، وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمبارزة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة.

مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١٦٣ ؛ كفاية الطالب ٢٢٦ ؛ روضة الواعظين ٤٢ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ٢ : ٤١٨ ، ح ٩٣٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٧ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ١٩٩.

٣٥

الآية الخامسة

من المائدة ـ آية الولاية ؛ وهي قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ٥٥.

فقد روى أعاظم الفريقين نزولها في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين أعطى السائل الّذي سأل في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يعطه أحد شيئا ، فأشار إليه بخنصره اليمنى ، فأعطاه خاتمه الّذي كان يتختّم به فيها. أو أعطاه حلّة كانت عليه ، على اختلاف الرّوايات ـ ولا منافاة لإمكان الجمع باعطائه حلّة أوّلا ثمّ خاتما ثانيا ـ فنزلت الآية.

أمّا أصحابنا : فقد رووه متواترا ، ولا خلاف بينهم قطعا (١).

وأمّا المخالفون : فقد رواه أعاظم المحدّثين والمفسّرين في الأصول المعتبرة والصحيحة (٢).

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٤٢٧ ؛ الأمالي للصدوق ١٠٧ ؛ أمالي الطوسيّ ١ : ٥٨ ؛ الخصال : ٣٦٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢١٠ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٤٧ ، ١٥٩ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٥ ؛ منهاج الكرامة ١١٥ ـ ١١٦ ؛ خصائص الوحي المبين ١٥ ـ ٢٨ ؛ الطّرف من الأنباء والمناقب لابن طاوس ٤٣٠.

(٢) أسباب النزول ١٣٣ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٦٤٨ ـ ٦٤٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٠٩ ـ ٢٤٥ ؛ جامع البيان ـ

٣٦

فقد روى نزولها فيه أبو إسحاق الثعلبيّ (١) في تفسيره عن السدّيّ ، وعتبة بن أبي حكم ، وغالب بن عبد الله ، وعباية بن ربعيّ ، وابن عبّاس ، وأبي ذر الغفاريّ ، كلّهم قالوا : إنّما عنى الله سبحانه بقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، فنزلت الآية (٢).

ورواه رزين في الجمع بين الصحاح الستّة في الجزء الثالث من الأجزاء (٣) الثلاثة.

ورواه ابن المغازليّ الفقيه من طرق خمسة في مناقبه (٤) ، والخوارزميّ في المحكيّ (٥).

ورواه النسائيّ في صحيحه ، وصحّحه الأندلسيّ في الجمع (٦).

ورواه ابن طاوس من أصحابنا في إقباله أيضا عن عليّ بن عابس ، وعبد الله بن عطاء.

ورواه الزمخشريّ في كشّافه ، قال : نزلت الآية في عليّ عليه‌السلام ، قال : إن قلت : كيف يصحّ أن يكون لعليّ واللّفظ لفظ جماعة؟

__________________

ـ للطبريّ ٦ : ١٨٦ ؛ أنوار التنزيل ٢ : ٢٨١ ؛ نظم درر السمطين ٨٥ ـ ٨٧ ؛ ذخائر العقبى ٨٨ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨١ ؛ الفصول المهمّة ١٢٤ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٨٧ ؛ كفاية الطالب ٢١٩ ؛ تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٩ ؛ تفسير الثعالبيّ ٢ : ٣٩٦ ؛ الدرّ المنثور ٢ : ٥٢٠.

(١) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٨٠.

(٢) تفسير السدّيّ الكبير ٢٣١ ؛ تذكرة الخواصّ ١٥.

(٣) نهج الإيمان ١٣٨ ؛ جامع الأصول لابن الأثير ٩ : ٤٧٨ ، نقلا عن ابن رزين في الجمع بين الصحاح الستّة.

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣١١ ـ ٣١٤.

(٥) المناقب للخوارزميّ ٢٦٤ ؛ تفسير السمرقنديّ المسمّى بحر العلوم ١ : ٤٤٥.

(٦) العمدة لابن البطريق ١٢١ ح ١٥٩.

٣٧

قلت : جيء به ترغيبا للنّاس (١) في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه ، وليثبت على أنّ سجيّة المؤمن يجب أن يكون على هذا الغاية من الحرص على البرّ والإحسان (٢).

وفي قلع الأساس ، من الفاضل المعتمد المحدّث الميرزا محمّد الشهير بالأخباريّ من فضلاء أصحابنا ، [قال :] قد أثبتنا نزولها في عليّ عليه‌السلام من كتب الخمسة عشر من الصّحابة والتابعين ، غير ما نظمه شعراء الأصحاب في هذا الباب (٣).

__________________

(١) إقبال الأعمال ٥٢٦ ، والصّواب أنّ الجمع لتعظيمه عليه‌السلام ومثله أكثر من أن يحصى ، ومنها قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة يوسف : ٦٣ وقوله تعالى : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (منه).

(٢) تفسير الكشّاف ١ : ٦٤٩ ؛ التفسير الكبير ٣ : ٤٣١ ؛ تفسير الطبريّ ٦ : ١٨٦.

(٣) انظر على سبيل المثال : تذكرة الخواصّ ١٥ و ١٦ ؛ كفاية الطالب ٢٥١ ب ٦٢ ؛ وقال الورّاق كما في مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٣.

عليّ أبو السبطين صدّق راكعا

بخاتمه سرّا ولم يتجهّم

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

فلم يستو حتّى حباه بخاتم

وقيل في ذلك (كما في كفاية الطالب ٢٢٠ ؛ مناقب الخوارزمي ٢٨١) :

أو في الصّلاة مع الزكاة أقامها

والله يرحم عبده الصبّارا

من ذا بخاتمه تصدّق راكعا

وأسرّه في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان جبريل يقوم يمينه

يوما وميكال يقوم يسارا

من كان في القرآن سمّي مؤمنا

في تسع آيات جعلن كبارا

وقال طلائع بن رزّيك في حقّه عليه‌السلام كما في المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ١١٧ :

هو الزاهد الموفي على كلّ زاهد

فما قطع الأيّام بالشهوات

بإيثاره بالقوت يطوي على الطّوى

إذا أمّه المسكين في الأزمات

تقرّب للرحمن إذ كان راكعا

بخاتمه في جملة القربات

٣٨

وقال الفاضل النحرير والمدقّق البصير ، بديع الزّمان ، فصيح اللسان الشيخ رفيع ، المتولّد في بلدة جيلان ، النزيل باصبهان ، في تعليقه على مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام : بل قال بعضهم أنّ نزولها في عليّ عليه‌السلام موضع إجماع ، وظاهر دعوى إجماع المخالفين ، فضلا عن الموافقين.

وفي أنوار البصائر [ومؤلّفه] من فضلاء الأصحاب : قد نزلت في عليّ عليه‌السلام اتّفاقا ، وظاهر أيضا دعوى الاتّفاق من الفريقين.

ونقل في مجمع البيان للشيخ أبي عليّ نزولها في عليّ عليه‌السلام حين تصدّق بخاتمه في ركوعه عن جمهور المفسّرين ، وذكر قصّة ابن عباس وغيره (١).

وروى الثعلبيّ كيفيّة نزولها فيه عليه‌السلام ، عن ابن عبّاس أنّه جلس عند شفير زمزم يحدّث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل رجل معمّم بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول «قال رسول الله إلّا وقال الرّجل : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ؛ فقال ابن عبّاس : سألتك

__________________

ـ وروى ابن شهرآشوب في المناقب ٣ : ١٠ عن حسّان بن ثابت أنّه قال :

عليّ أمير المؤمنين أخو الهدى

وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا

وأوّل من أدّى الزكاة بكفّه

وأوّل من صلّى ومن صام طاويا

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

إليه ولم يبخل ولم يك جافيا

فدسّ إليه خاتما وهو راكع

وما زال أوّاها إلى الخير داعيا

فبشّر جبريل النبيّ محمّدا

بذاك ، وجاء الوحي في ذاك ضاحيا

وروى عن الصاحب كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس الطالقانيّ قال :

ألم تعلموا أنّ الوصيّ هو الّذي

آتى الزكاة في المحراب

ألم تعلموا أنّ الوصيّ هو الّذي

حكم الغدير له على الأصحاب

وعن الصّفي البصريّ قوله :

يا من بخاتمه تصدّق راكعا

إنّي ادّخرتك للقيامة شافعا

الله عرّفني وبصّرني به

فمضيت في ديني بصيرا سامعا

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٠٩ ، ٢١٠ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤١٢.

٣٩

بالله من أنت؟ قال : فكشف العمامة من وجهه ، فقال : يا أيّها النّاس من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدريّ أبو ذر الغفاريّ ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين ـ وإلّا فصمّتا ـ ورأيته بهاتين ـ وإلّا فعميتا ـ يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله. إنّي صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما من الأيّام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السّماء ، وقال : اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يعطني أحد شيئا ؛ وكان عليّ عليه‌السلام راكعا ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى الّتي كان يتختّم فيها ، فأقبل السّائل وأخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرفع رأسه إلى السّماء وقال : اللهم إنّ أخي موسى سألك ، فقال (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (١) (٢). فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) (٣) اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وحبيبك ، اللهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا ، واشدد به أزري ـ أو قال : ظهري ـ.

قال أبو ذر : فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتّى نزل به جبرئيل ، فقال : اقرأ يا محمّد ؛ فقال : وما أقرأ؟ قال : اقرأ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

فأنشد حسّان بن ثابت (٤) من شعراء الأصحاب ـ على ما حكاه عنه عظماء

__________________

(١) طه : ٢٥ ـ ٣٣.

(٢) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٨٠ ، ٨١.

(٣) القصص : ٣٥.

(٤) جاء في شعراء الشيعة للمرزبانيّ ٤٢ ؛ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٣ : ١٠ خزيمة بن ثابت وهو ذو الشهادتين من أصحاب الإمام عليّ عليه‌السلام.

٤٠