محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي
المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠
الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقضى على لسان النبيّ الأمّيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : يا عليّ لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق (١).
__________________
(١) ـ نهج البلاغة ١١٠٩ ، باب الحكم والمواعظ.
الآية السّابعة عشر
من طه ؛ قوله تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ٨٢.
فقد روى الفريقان (١) بنقل الثقات أنّ المراد ب «ثمّ اهتدى» : إلى ولاية عليّ وأهل البيت عليهمالسلام.
رواه أصحابنا مستفيضا ، بل أجمعوا عليه : رواه القمّيّ (٢) ، والعيّاشيّ (٣) ، والكافي (٤) وغيرها عن الباقر عليهالسلام ، قال : «ثمّ اهتدى» إلى ولايتنا أهل البيت.
وفي المجالس (٥) عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال لعليّ عليهالسلام [في حديث] : ولقد ضلّ من ضلّ عنك ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك ، وهو قوله عزوجل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ) الآية ، يعني إلى ولايتك.
__________________
(١) ـ شواهد التنزيل ١ : ٤٩١ ـ ٤٩٣ ؛ نظم درر السمطين ٨٦ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٤٢ ، ١٤٣.
الأمالي للصدوق ٣٩٩ ؛ بصائر الدرجات ٩٨ ؛ خصائص الوحي المبين ٤٢ ؛ مجمع البيان ٤ : ٢٣.
(٢) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٦١.
(٣) ـ تفسير مجمع البيان ٧ : ٣٩ ، قال : أورده العيّاشيّ في تفسيره من عدّة طرق.
(٤) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٨٢ ح ٦.
(٥) ـ الأمالي للطوسيّ ١ : ٢٦٥ ح ٤٧٣.
ورواه في المناقب (١) عن السّجاد عليهالسلام ، وفي المحاسن (٢) عن الصّادق عليهالسلام : يعني إلى ولايتنا أهل البيت.
ورواه من علماء الجمهور ابن حجر في صواعقه ، إنّ المراد «اهتدى» إلى ولاية أهل البيت (٣).
وفي خبر القمّيّ عن الباقر عليهالسلام ، قال : ألا ترى كيف اشترط ولم ينفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتّى اهتدى.
أقول : ويشهد بذلك أيضا ما رواه الفريقان بنقل الثقات في تفسير قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أنّ المراد به صراط آل محمّد عليهمالسلام (٤) ، ومنهاج عليّ عليهالسلام.
ورواه الثعلبيّ في تفسيره (٥) ، بل أكثر أخبارنا أنّ المراد بالصراط المستقيم هو عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين والإمام. وفي رواية : نحن الصراط المستقيم (٦).
__________________
(١) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١٠٣.
(٢) ـ المحاسن ١٤٢ ، ح ٣٥.
(٣) ـ الصواعق المحرقة ١٥٣ ؛ جواهر العقدين ٣٣٥ ، وفيه : حبّ عليّ يأكل كل الذنوب كما تأكل النار الحطب.
(٤) ـ شواهد التنزيل ١ : ٧٤ ـ ٨٥ ؛ الطرائف ٩٦.
(٥) ـ تفسير الثعلبيّ ١ : ١٢٠.
(٦) ـ معاني الأخبار ٣٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٠ ؛ اللوامع النورانيّة ٨.
الآية الثامنة عشر
من طه ؛ قوله تعالى حكاية عن موسى عليهالسلام (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) أي قوّني (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) الآية : ٢٩ ـ ٣٢.
روى من علماء الجمهور أبو نعيم الحافظ في الحلية (١) عن ابن عبّاس ، قال : أخذ النبيّ صلىاللهعليهوآله بيد عليّ عليهالسلام ـ ونحن بمكّة ـ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ رفع بيديه إلى السّماء ، فقال : اللهمّ إنّ موسى بن عمران سألك ، وأنا محمّد نبيّك أسألك أن تشرح صدري وتحلّل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّ بن أبي طالب أخي ، أشدد به أزري وأشركه في أمري ـ إلى هنا رواه أحمد بن حنبل (٢) أيضا ـ وزاد في «الحلية» قال ابن عبّاس : فسمعت مناديا ينادي : يا أحمد قد أوتيت ما سألته.
أقول : وهذا نصّ في الإمامة ، والخلافة ، لقوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي). وبالجملة فيه فوائد : أنّ عليّا عليهالسلام ينوب عنه في البيان ، كما كان لهارون من موسى.
وأنّه صلىاللهعليهوآله فوّض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وسأله أن يجعله وزيرا ونائبا
__________________
(١) ـ حلية الأولياء ٧ : ١٩٠ ، ١٩٦ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٣٨ ـ ١٤١.
(٢) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٧ و ١٨٥ ؛ و ٦ : ٤٣٨.
عنه صلىاللهعليهوآله ، فأعطاه سؤله ، وهذا يفيد أنّ أمر الخلافة إنّما هو إلى الله لا إلى الرعيّة ؛ كما يقوله الملحدون.
وأنّه جعله وزيرا له ، والوزير هو الّذي عليه ما على الملك من ثقل تحمّل السياسة المدنيّة على القوانين العقليّة ، والمراد هنا هو الّذي يحتمل عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ما كان عليه من تبليغ الرّسالة والسياسات الشرعيّة والنواميس الإلهيّة ، وهو المعنى للإمامة والخليفة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
قال بعض المحقّقين : تفويض هذا الأمر إلى الله تعالى يدلّ على أنّه أمر تكويني لا تكليفي (١) ، ووزارة النبيّ صلىاللهعليهوآله بحسب التكوين ، فلا يمكن عزله ، لا جرم فوّض الأمر إلى العالم بالسرائر والعواقب في حياته ووفاته ، وأصل الآية قول موسى عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) الآية ، يدلّ على أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الله تعالى ليس لأحد ـ ولو مثل موسى بن عمران ـ صنع فيه ؛ فقول المخالفين «أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الرعيّة ، فإذا اختار واحدا كأبي بكر كان خليفة» شطط من القول وزور مخالف لكتاب الله وسنن الأنبياء.
وأمّا قوله تعالى في المشاورة : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢) ، فإنّه لا يدلّ على قبول قولهم ، ولذا لم يقل فإذا رأوا شيئا خيرا فوافقهم. كيف وهو أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بمتابعة أمّته ، فيكون هو رعيّتهم وهم مرسلون إليه لا أنّه أرسل إليهم ، وقد قال الله تعالى (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣) ، بل الغرض في الأمر بالمشاورة إنّما هو
__________________
(١) ـ أسرار الإمامة ١٣٥ ـ ١٤٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٨ ـ ١٧١.
(٢) ـ آل عمران : ١٥٩.
والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم «شرت العسل» إذا اتّخذته من موضعه واستخرجته منه. (المفردات للراغب ٢٧٠).
(٣) ـ الأحزاب : ٣٦.
تأليف قلوبهم وتفهيم الحقيقة.
ثمّ إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله طلب الوزارة لأهله ، كموسى ، فخرج الأمر من غير أهله ، ثمّ فسّره بعليّ ليكون نصّا في المطلوب. ثمّ إنّه قال كما قال موسى في هارون «أشركه» أي عليّا «في أمري» في شغلي وشأني وهو تبليغ النواميس الإلهيّة والشرائع الدينيّة والسّياسات الشرعيّة ، فيكون هذا نصّا في المطلوب ، تصريحا بما علم تلويحا من جعله وزيرا ، وقوله تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) إشارة لطيفة على اشتراط العصمة في الوزير (١) كما دلّت آية التطهير على طهارة أهل بيته من رجس الآثام وزلل الاقدام. قد تواترت [في ذلك] الأخبار من الفريقين ، كما ستعرفها إن شاء الله تعالى ، مع أنّ نيابة غير المعصوم للمعصوم قبيح في العقول ، ثمّ في تعيّن عليّ عليهالسلام للوزارة عنه والمشاركة في أمره وشغله دلالة [على] أنّه أكمل الأمّة وأليقهم بالخلافة والوزارة وقيامه مقام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فإنّ القيام مقام النبوّة ليس إلّا الولاية العامّة.
وقوله «أخي» نصّ على أخوّته المحمولة على الحسبي في الصفات ، ومكارم الأخلاق ، وقوله (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) دليل على أنّه مماثل النبيّ صلىاللهعليهوآله نيابة لا أصلا واستقلالا ، فإنّ شدّ الأزر لا يكون إلّا من الأقوى أو المماثل ، والأوّل باطل ،
__________________
(١) ـ أخرج الفريقان أنّ هذه الآيات نزلت في عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ؛ انظر : معاني الأخبار ٧٤ ـ ٧٩ ؛ أمالي الطوسي ٢ : ٢٥٥ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١١٨ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٢٩ ؛ خصائص الوحي المبين ١٣٩ ؛ الطرائف ٥١ ، ١٣٣ ؛ كشف اليقين ٢٧٩ ؛ الرسالة السعديّة ٢٤ ؛ كنز الفوائد ٢٧٤ ؛ إعلام الورى ١٧١.
سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٨ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ؛ المعجم الكبير ١ : ١٠٨ ـ ١١٠ ؛ خصائص النسائي ٧٦ ـ ٩٥ ؛ كفاية الطالب ٢٤٨ ؛ الصواعق المحرقة ١١٩ ؛ الدرّ المنثور ٤ : ٢٩٥ ؛ التفسير الكبير ١٢ : ٢٦ ؛ تفسير ابن كثير ٣ : ٣٥٠ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي ٣٢٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤٧٨ ـ ٤٩٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٨ ، ١٠٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٣ ؛ تاريخ بغداد ١ : ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، و ٨ : ٥٢ ، ٥٣ ؛ تفسير الطبريّ ١٩ : ٧٤.
الثاني ، فيكون هذا من مفاهيم أخوّته وأنّه ليس مماثل النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا الوليّ.
وليس المراد بالمشاركة ، مشاركة عليّ عليهالسلام في النبوّة لتعذّره وظهور أفراد أمره صلىاللهعليهوآله ، لكنّ القرينة القاطعة قائمة في المقام بعدم الإرادة ، فإنّ قوام أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله إنّما هو بأمرين : جهة عالية قدسيّة يتلقّى الوحي بها عن الله ، وجهة سافلة إنسيّة يلقيه إلى عباد الله ، والخليفة شريكه في جهة الإلقاء لا التلقّي عن الله.
على أنّا نقول : كلّ نبيّ ووليّ يتلقّى الحكم عن الله تعالى ، لكن النبيّ [يتلقّى] مستقلّا ، وبلا واسطة بشر ، وبوحي ، والخليفة [يتلقّى] فرعا وبواسطة نور النبوّة وبإلهام ، وكلاهما إمامان للخلق ، لكنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أصلا ، والوليّ فرعا ونيابة.
وتفسير الإمامة بالنيابة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله اصطلاح. ألا ترى أنّ الله تعالى كيف قال لإبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ثمّ فعل النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢) هذا وقوله هنا دليل على تأويل الآية في حقّه وحقّ عليّ عليهالسلام بما هو في سؤال موسى لهارون ، فكلّ ما كان لهارون من موسى كان لعليّ من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، ويشهد به أخبار المنزلة كما سلفت.
إن قلت : هارون كان خليفة لموسى في حياته ، والمطلوب خلافة عليّ عليهالسلام في وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلا دلالة لها في ذلك.
قلت : خلافة هارون من موسى لم تكن مقيّدة بزمان حياة موسى عليهالسلام ؛ بل كانت مطلقة ، بحيث لو كان عاش كان خليفة له بعد وفاة موسى ، وإنّما حال الموت بين هارون عليهالسلام والخلافة بعد موسى. وكذلك كان حال عليّ عليهالسلام من محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولم يقع موت لعليّ عليهالسلام في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فبقي خليفة عنه صلىاللهعليهوآله بعد وفاته من جهة
__________________
(١) ـ البقرة : ١٢٤.
(٢) ـ معاني الأخبار ١٣٠ و ١٣١.
اطلاق الدليل وعدم النسخ والاستصحاب ، مضافا إلى الإجماع المركّب ، إذ كلّ من قال بخلافته عليهالسلام في حياته صلىاللهعليهوآله قال بخلافته عنه بلا فصل بعد وفاته ولم يقدّم عليه غيره. وكلّ من قال بخلافة غيره قبله ، لم يقل بخلافة غيره في حياة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فتعيّن خلافته عليهالسلام بالنصّ الجليّ في حياته ، فثبت بعد وفاته صلىاللهعليهوآله بالإجماع المركّب من الأمّة ، ثمّ قوله : «من أهلي عليّا أخي» نصّ على أنّ عليّا عليهالسلام أهله في آية التطهير. والحمد لله على أوّل النعم.
ثمّ عرفت أنّ عليّا عليهالسلام مع النبيّ صلىاللهعليهوآله قائم بالبيان والتبليغ ، لكن نيابة عنه ، وربّما دلّ عليه أيضا قوله تعالى في سورة الأنبياء (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) (١) (٢). وقد علمنا أنّ قبل النبيّ صلىاللهعليهوآله إنّما هو من سلف من الأنبياء ، وأمّا من معه ليس إلّا من سأل ربّه أن يشركه في أمره ، وهو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
__________________
(١) ـ الأنبياء : ٢٤.
(٢) ـ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٥٣ وفيه : عن مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام ، في قول الله عزوجل (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ، قال : «ذكر من معي» عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ؛ و (ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام. وانظر أيضا : تأويل الآيات الظاهرة ٣٢١ ؛ اللوامع النورانيّة ٢١٨ ؛ تفسير البرهان ٣ : ٥٦.
الآية التاسعة عشر
من سورة النور ؛ قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) ـ إلى قوله تعالى ـ (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ٣٥.
فقد روى الفريقان أنّ المراد بنوره الّذي يهدي الله [إليه] من يشاء هو الأئمّة من محمّد صلىاللهعليهوآله وأولاده الطّاهرين.
أمّا الخاصّة : فقد رووه بألفاظ مختلفة وعبارات شتّى وتفاصيل حسنة لا تخفى على الخبير البصير (١).
وأمّا العامّة : فقد رواه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن الحسن البصريّ أنّها تنظير لآل الرّسول ؛ «يهدي الله لنوره» ، قال : يعني بولايتهم ، معلوم أنّ عليّا عليهالسلام أفضل الآل ، وهذا منصب الإمام أو النبيّ ، [و] حيث فقد الثاني تعيّن الأوّل (٢).
__________________
(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٥ ؛ التوحيد للصدوق ١٥٨ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٧ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٣ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ الطرائف ١٣٥.
(٢) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣١٧ ؛ العسل المصفّى من تهذيب زين الفتى ٢ : ٢٧٧.
وقد روى ابن المغازلي الحديث عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام ، وقد وهم ابن المغازلي ، فذكر أنّ عليّ بن جعفر روى عن الحسن (يقصد البصريّ). انظر كلام العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٢٣ : ٣١٦.
الآية العشرون
من سورة النور أيضا : قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ـ إلى ـ (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) ٣٦
. فقد روى الفريقان أنّها هي بيوت الأنبياء ، والمراد هنا بيوت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، والرجال فيها أهل بيته.
أمّا الخاصّة : ففيه أخبار كثيرة (١).
وأمّا العامّة : فقد رواه الثعلبيّ بإسناده عن أنس بن مالك وبريدة ، قال : سأل أبو بكر النبيّ : وهذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة ، فقال صلىاللهعليهوآله : نعم ، من أفاضلها (٢).
وأنت خبير بأنّ عليّا إذا كان نور الله ، فكان معنى قوله تعالى في ذيل آيتين بعد
__________________
(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٣١٩ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٤ ؛ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٨٥ ؛ خصائص الوحي المبين ٥٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام لابن عقدة ١٩٩ ؛ كشف اليقين ٣٧٧ ؛ منهاج الكرامة ١٢١ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٩١ رقم ٤٧٨.
(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٠٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٤ ؛ الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٤ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١.
هاتين (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١) من لم يهتد إلى نوره ـ وهو عليّ عليهالسلام ـ بتوفيقه للقبول ، فما له من نور في القيامة يهتدي به إلى الجنّة ، كما قال تعالى في حقّ شيعة عليّ عليهالسلام (٢) : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (٣) الآية. وفي آية (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٤) الآية.
تلويح إليه أيضا ، فإنّ هذه الآية إنّما هي في المنافقين من هذه الأمّة ، والنّور المذكور إنّما هو نور ولاية آل محمّد عليهمالسلام ، والسّور بينهم وبين الجنّة إنّما هو ولايتهم ، صارت حجابا للمنافقين عن الرّحمة ، حصنا للمؤمنين عن العذاب ؛ وبابه هو باب مدينة العلم ، باطنه ـ وهو الولاية ـ فيه الرّحمة كلّها ، وظاهره وهو خلاف الباطن [أي خلاف] الولاية ، ـ يعني إنكارها ـ من قبله العذاب كلّه ، تدبّر في الآية واغتنم واحمد الله على أوّل النعم.
__________________
(١) ـ النور : ٤٠.
(٢) ـ تأويل ما نزل من القرآن ٣٦٢ وفيه : عن صالح بن سهل قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام وهو يقول : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، قال : نور أئمّة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتّى ينزلوا بهم منازلهم من الجنّة.
(٣) ـ الحديد : ١٢.
(٤) ـ الحديد : ١٣.
الآية الإحدى والعشرون
من سورة النّور أيضا ؛ قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني حيث جعلهم خلفاءه على الأرض (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ٥٥.
فقد روى الفريقان ما يقتضي اختصاصها بعليّ وأولاده الطاهرين عليهمالسلام.
أمّا الخاصّة : ففي الكافي (١) ، عن الصّادق عليهالسلام : هم الأئمّة.
وعن الباقر عليهالسلام (٢) : ولاة الأمر من بعد محمّد صلىاللهعليهوآله.
والقمّيّ (٣) ، ومجمع البيان (٤) : نزلت في القائم من آل محمّد عليهمالسلام.
ولا منافاة ، لأنّه وعد من الله تعالى لم يظهر تأويله في زمان القائم عجّل الله فرجه ، وأيّام الرّجعة ، وهذه من الآيات الدالّة على ثبوت الرّجعة ، ضرورة عدم
__________________
(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٤.
(٢) ـ ينابيع المودّة ٣ : ٢٤٥ ، وفيه : روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام نزلت في القائم عليهالسلام وأصحابه.
(٣) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٣ ، ١٠٤.
(٤) ـ كمال الدين وتمام النعمة ٢٥٣ ؛ تفسير فرات ١٠٣ ؛ إعلام الورى ٣٧٥ بتفاوت ؛ خصائص الأئمّة ٣٩ ؛ الطرائف ٩٦ ؛ الإفصاح في الإمامة ٩٠ ـ ٩٢ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٥١ و ٢٥٢.
ثبوت تأويله إلى يومنا هذا وفي أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ولا بدّ من ظهوره في يوم ما ، ولا يناسب إلّا مذهب الشيعة من ثبوت قيام القائم والرّجعة (١) ، فتدبّر.
وأمّا العامّة (٢) : فقد روى منهم الحافظ الشيرازيّ عن ابن مسعود ـ وهو من
__________________
(١) ـ أجمع علماء الشيعة على الاعتقاد بالرّجعة ، وهي من مسلّمات عقائدهم. والرّجعة بمعنى عود جماعة قليلة إلى الحياة الدنيويّة قبل يوم القيامة ، ثمّ موتهم وحشرهم مجدّدا يوم القيامة ، وليست [الرجعة] شيئا يضادّ أصول الإسلام. وكيف لا تكون كذلك وقد أخبر سبحانه عزوجل عن رجوع جماعة إلى الحياة الدنيويّة ، نظير : إحياء جماعة من بني إسرائيل (البقرة : ٥٥ : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).) ، وإحياء قتيل بني إسرائيل (البقرة ٧٣ : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ ...)) ، وموت ألوف من الناس وبعثهم من جديد (البقرة ٢٤٣ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ...)) ، وبعث عزير بعد مائة عام من موته (البقرة ٢٥٩ : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ...)) ، وإحياء الموتى على يد عيسى عليهالسلام (آل عمران ٤٩ : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ ...)). فلو كان الاعتقاد برجوع بعض الناس إلى الدّنيا قبل القيامة أمرا محالا ، فما معنى هذه الآيات الصريحة في رجوع جماعة إليها؟
وتعتقد الشيعة بالرجعة في حقّ جماعة خاصّة ، وأمّا خصوصيّاتها ، فلم يحدّث عنها القرآن الكريم ، وجاء التفصيل عنها في السنّة ، وقد سأل المأمون العبّاسي الإمام الرّضا عليهالسلام عن الرّجعة ، فأجابه بقوله : إنّها حقّ قد كانت في الأمم السّالفة ونطق بها القرآن ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يكون في هذه الأمّة كلّ ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة (أسرار الإمامة ٩٨ ؛ الرسائل العشر ١٢٧ ؛ وانظر مؤدّاه في سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ٤١٨ ؛ إعلام الورى ٤٤٥ ؛ احقاق الحقّ ٤ : ٨٤.)
وأمّا من هم الراجعون؟ وما هو الهدف من إحيائهم؟ فيرجع فيه إلى الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع.
واجمال الجواب عن الأوّل : أنّ الراجعين لفيف من المؤمنين ولفيف من الظالمين ، وقال المفيد ناقلا عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام : إنّما يرجع إلى الدّنيا عند قيام القائم عليهالسلام من محض الإيمان أو محض الكفر محضا ، وأمّا ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب (تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤٠.). وقال أيضا في المسائل السّرويّة ٣٥ : والرّجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون ما سوى هذين الفريقين.
واجمال الجواب عن الثاني : إنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف قوما ممّن كان تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٩١ ؛ مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٧ ؛ بحار الأنوار ٥٣ : ١٣٦ ، ١٣٨.
(٢) ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٦ ؛ تفسير الطبريّ ١٨ : ١٢٢ ؛ تفسير القرطبيّ ١٢ : ٢٩٧ ؛ نهج الإيمان ٣٨٩
أجلّة المفسّرين عندهم ، في تفسيره ـ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : وقعت الخلافة من الله تعالى لثلاثة نفر : آدم عليهالسلام في قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ؛ وداود عليهالسلام في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) ؛ وعليّ عليهالسلام في قوله تعالى (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) الآية. قال ابن مسعود : فمن كفر بعد ذلك بولاية عليّ عليهالسلام ، فأولئك هم الفاسقون.
أقول : لو لم يكن المراد عليّا عليهالسلام ، لما صدق الاتّفاق على أنّ الثلاثة المتقدّمة عليه باختيار الأمّة لم يكونوا خلفاء من الله تعالى ولا من رسوله.
لكن قال الرازي (١) : جمع الضمير يناسبهم ، ويدفعه جواز رجوعه إلى عليّ وأولاده عليهمالسلام ؛ كما هو من طريقتنا ، واستدلّ به في شرح الطوالع (٢) على صحّة خلافة الثلاثة ، وهو بمنزل [بعيد] عن التحقيق لعدم ظهور تأويله في زمانهم ، إذ النصّ فيه دفع الشرك والتقيّة بالمرّة ، لأنّ قوله تعالى (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) معناه يعبدونني عبادي لا يشركون بي شيئا ، ولم يرتفع الكفر والشرك إلى اليوم ، وإرجاع ضمير (يَعْبُدُونَنِي) و (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) إلى (الَّذِينَ آمَنُوا) تناقض ، وهذا ما وعد [الله تعالى به] نبيّه صلىاللهعليهوآله ليظهره على الدّين كلّه.
ولا ريب أنّه لم يأت تأويله ؛ بل يكون في زمان القائم عجّل الله فرجه ، وهو الّذي روى الفريقان [فيه] عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه : لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم ، لطوّل الله
__________________
٣٩٦ ، وفيه : رواه محمّد بن موسى الشيرازيّ ، عن علقمة بن مسعود ، قال : وقعت الخلافة من الله عزوجل في القرآن لثلاث نفر : آدم عليهالسلام بقوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يعني آدم ـ البقرة : ٣٠ ـ والخليفة الثاني داود عليهالسلام لقوله تعالى (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) يعني أرض بيت المقدّس ـ سورة ص : ٢٦ ـ والخليفة الثالث أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام في السورة الّتي يذكر فيها النور (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ إلى قوله تعالى ـ (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) الآية.
(١) ـ التفسير الكبير.
(٢) ـ وهو نظام الدين الشافعيّ. وانظر كلام البياضيّ في ردّه. (الصراط المستقيم ٢ : ١١).
تعالى ذلك اليوم حتّى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي ، يملؤ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (١).
وأيضا قوله صلىاللهعليهوآله في أخبار الفريقين في خبر «إنّي تارك فيكم الثقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السّماء ـ أو قال إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ؛ إلّا وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض» (٢).
رواه الثعلبيّ في تفسيره بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ ، [و] فيه دلالة على أنّ العترة هم خلفاء الرسول بعده. ولو كان المراد بالاستخلاف في الآية استخلافه تعالى لغير العترة ، لما أقدم الرسول على جعل العترة خلفاء.
ويشهد بما ذكرناه حديث جعل عليّ عليهالسلام بمنزلة هارون من موسى ، وحديث استخلافه في غزوة تبوك ، ولم يفعل مثله لهؤلاء الثلاثة قطّ ، مع أنّ قوله تعالى (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) والدّين المرضيّ هو المذكور في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). وقد مرّ بنصّ الفريقين أنّ المراد هو تسليم ولاية عليّ عليهالسلام في شأن نزول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية.
__________________
(١) ـ مسند أحمد ١ : ٩٩ ؛ و ٣ : ٣٦ ، ٧٠ ، ٣٧٦ ؛ سنن الترمذيّ ٣ : ٣٤٣ ؛ سنن أبي داود ٣ : ٣٠٩ و ٣١٠ ؛ البيان في أخبار صاحب الزمان عليهالسلام للكنجيّ الشافعيّ ٨٦ ؛ مشكاة المصابيح ٣ : ١٥٠١ ؛ الفصول المهمّة ٣٩٤ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٦٣ ، ٣٦٤ ؛ ذخائر العقبى ١٣٦ ؛ الصواعق المحرقة ٢٠٨ ؛ مصابيح السنّة ٣ : ٤٩٢ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٥٧ ؛ الدرّ المنثور ٧ : ٤٢٤ ، ٤٢٧ ؛ كمال الدّين ٢٨٠ ؛ الطّرائف ١٧٦ ـ ١٨٠ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٣٣ ـ ٤٤٠ ؛ أسرار الإمامة ١١١ ، ١٨٧.
(٢) ـ سبق إخراج مصادر الحديث.
الآية الثانية والعشرون
من سورة الفرقان ؛ قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) ٥٤.
فقد روى من أعلام الفريقين : الشيخ أبو عليّ من الخاصّة في مجمع البيان (١) ، والثعلبيّ (٢) من العامّة في تفسيره ، عن ابن سيرين ـ وهو من التابعين وقوله حجّة عندهم ـ أنّها نزلت في النبيّ وعليّ بن أبي طالب عليهماالسلام زوج فاطمة عليهاالسلام ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ، فكان نسبا وصهرا ، فدلّت الآية على أنّ قرابة عليّ عليهالسلام من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، نسبيّ وسببيّ ـ ولا ريب أنّها لعلّها سبقت لبيان كمال الاعتناء بقرابته ـ وإخراج عبّاس لكونه نسبا فقط ، وعثمان لكونه سببا فقط ، فلم يكونا من أهل بيته في آية التطهير ، مضافا إلى النصّ والإجماع.
في معاني الأخبار عن الباقر عليهالسلام عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، قال : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في
__________________
(١) ـ الأمالي للطوسيّ ١ : ٣١٩ ، ٣٢٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٧٥ ؛ منهاج الكرامة ١٤٢ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٨٨ رقم ٤٦٤ ؛ كشف اليقين ٣٩٢ ؛ اللوامع النورانيّة ٢٦٠ ، ٢٦١.
(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٤٢.
دينكم ... وأنا الصّهر ، يقول الله عزوجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (١).
أقول : الّذي يختلج بالبال في رفع الاشكال أمران :
أحدهما : أن يكون الغرض بيان أنّ تزويج فاطمة من عليّ عليهالسلام كان بقضاء من الله وأمره (٢). ليكون نسل النبيّ صلىاللهعليهوآله من صلب عليّ عليهالسلام في مجمع البحرين : بحر ماء النبوّة وبحر ماء الفتوّة ، وهي الولاية ، [و] ستعرفه إن شاء الله في (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ).
والثاني : أن يكون الغرض منه الإشارة إلى اتّحاد محمّد وعليّ عليهماالسلام في النور والحقيقة الإلهيّة ، ففي الأمالي : عن أصحابنا بإسناده إلى أنس بن مالك ـ من الصحابة المخالفين لعليّ عليهالسلام ـ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : قلت له : يا رسول الله ، عليّ أخوك؟ قال : إنّ الله عزوجل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاث
__________________
(١) ـ معاني الأخبار ٥٨ ـ ٦٠.
(٢) ـ مسند أحمد ١ : ٨٤ ، ٩٣ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ؛ الإصابة ٢ : ٨١ ؛ نظم درر السمطين ١٨٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٣٦ ـ ٣٤٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٠ ـ ٣٣٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٩٠ ؛ كفاية الطالب ٢٦٤ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٣ ؛ الصواعق المحرقة ٨٤ ، ٨٥ ؛ الذرّيّة الطاهرة للدولابيّ ٩٣ ـ ٩٨ ؛ كشف اليقين ١٩٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٤٨ ، ٣٩٥ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام لابن عقدة ١٠٥ ـ ١٠٩ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة ١٦٨ ، ١٧١ ؛ منهاج الكرامة ١٤٢ ؛ الطرائف ٧٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٣ ـ ٤٠٥ ، وفيه : للسيّد الحميري :
نصب الجليل لجبرئيل منبرا |
|
في ظلّ طوبى من متون زبرجد |
شهد الملائكة الكرام وربّهم |
|
وكفى بهم وبربّهم من شهّد |
وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا |
|
وزمرّدا متتابعا لم يعقد |
وفيه أيضا للعبديّ :
وزوّج في السماء بأمر ربّي |
|
بفاطمة المهذّبة الطّهور |
وصيّر مهرها خمسا بأرض |
|
لما تحويه من كرم وحور |
فذا خير الرجال وتلك خير |
|
النساء ومهرها خير المهور |
آلاف عام ، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه ، إلى أن خلق آدم ، فلمّا خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤ فأجراه في صلب آدم الى أن قبضه الله تعالى ، ثمّ نقله إلى صلب شيث ، فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر إلى ظهر حتّى صار في عبد المطلب ، ثمّ نصفه عزوجل نصفين ، فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ونصف في أبي طالب ، فأنا من نصف الماء ، وعليّ من النصف الآخر ، فعليّ أخي في الدنيا والآخرة ، ثمّ قرأه رسول الله صلىاللهعليهوآله (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (١).
وفي روضة الواعظين (٢) ما يقرب منه. وعلى هذا فمعنى الآية (هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ) ذلك الماء المعهود المكنون تحت عرشه (بَشَراً فَجَعَلَهُ) أي قسم ذلك الماء المكنون المنقول في الأصلاب في صلب عبد المطلب «نسبا» وهو محمّد صلىاللهعليهوآله من عليّ عليهالسلام «وصهرا» وهو عليّ من محمّد صلىاللهعليهوآله ، والعالم العالم (٣).
__________________
(١) ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٣١٣ ؛ فردوس الأخبار ٢ : ٣٠٥ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١ ؛ كفاية الطالب ٢٨٠ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٤ ؛ ذخائر العقبى ١٦ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٧١ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليهالسلام لابن المغازلي ٨٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٤٣ ؛ الخصال ٢ : ٤٣٧ ؛ الطرائف ١٥ ، ١٦.
(٢) ـ روضة الواعظين ٧١ ، ٨٣.
(٣) ـ خصائص الوحي المبين ١٣٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٨ ؛ الفصول المهمّة ٢٨ ؛ ذخائر العقبى ٣١.
الآية الثالثة والعشرون
من سورة الشعراء ؛ قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ٨٤.
فقد روى الفريقان أنّ المراد بلسان الصدق المسئول هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام رواه القمّيّ (١) من الخاصّة ، وابن مردويه (٢) من العامّة ، قال العاميّ : لما عرضت ولاية عليّ عليهالسلام على إبراهيم عليهالسلام ، قال : اللهمّ اجعله من ذرّيتي ، ففعل الله ذلك ، فالمعنى واجعل لي لسان صدق ذريّة صادقة في الآخرين ، يقيمون أصول ديني ويدعون الناس إلى ما كنت عليه ، وهم محمّد صلىاللهعليهوآله وعليّ والأئمّة من ذريّتهما عليهمالسلام. ويشهد بصحّة هذا قوله تعالى في موضع آخر (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٣) بناء على كون عليّا اسما علما بدلا من «لسان صدق» ، وهو المرويّ من طريق أصحابنا (٤) ، كما في دعاء الندبة (٥) وغيره لا وصفا ، والأوّل أظهر وأنسب.
__________________
(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٩.
(٢) ـ مفتاح النجا ٤١ ؛ أرجح المطالب ٧١ ؛ مناقب المرتضويّ ٥٥.
(٣) ـ سورة مريم : ٥٠.
(٤) ـ كشف الغمّة ١ : ٣٢٠ ؛ أسرار الإمامة ١٨١.
(٥) ـ في قوله «... وبعض اتّخذته لنفسك خليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته وجعلت ذلك عليّا ...».
الآية الرابعة والعشرون
من سورة الشعراء أيضا ؛ قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ٢١٤.
فقد روى الفريقان (١) في شأن نزولها ما نصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله على خلافة عليّ عليهالسلام ووصايته ؛ ففي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ ، قال لمّا نزلت جمع رسول الله صلىاللهعليهوآله بني هاشم ، وهم أربعون رجلا ، كلّ واحد منهم يأكل الجذع ويشرب القربة ، فاتّخذ لهم طعاما بحسب ما أمكن ، فأكلوا حتّى شبعوا ، فقال رسول الله : من يكون وصيّي ووزيري وخليفتي؟ فقال لهم أبو لهب : جزما سحركم محمّد صلىاللهعليهوآله ، فتفرّقوا. فلمّا كان اليوم الثاني أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ففعل بهم مثل ذلك ثمّ سقاهم اللبن حتّى رووا ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وخليفتي؟ فقال أبو لهب : جزما سحركم محمّد صلىاللهعليهوآله ، فتفرّقوا فلمّا كان اليوم الثالث أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ففعل
__________________
(١) ـ علل الشرائع ١٧٠ ؛ الأمالي للطوسيّ ٥٨٢ ؛ المجلس ٢٤ ؛ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٠٩ ؛ مجمع البيان ٤ : ٢٠٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٣١ ؛ العمدة لابن البطريق ٧٦ ؛ منهاج الكرامة ١٤٧ ، ١٤٨ ؛ أسرار الإمامة ٢٨١ ؛ صحيح مسلم ١ : ١١٨ ح ٣٥٥ ؛ تفسير الطبري ١٩ : ٦٨ ؛ تاريخ الطبري ٢ : ٦٣ ؛ معالم التنزيل ٥ : ١٠٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٠ ، ٢١١ ؛ نظم درر السمطين ٨٢ ، ٨٣ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٤٢ ـ ٥٤٧ ؛ كفاية الطالب ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ مجمع الزوائد ٨ : ٣٠٢ باب معجزاته في الطعام وبركته فيه ؛ تذكرة الخواصّ ٣٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٧.