النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي

النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

المؤلف:

محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي


المحقق: علي أصغر شكوهي قوچاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الآستانة الرضويّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٠

لهم مثل ذلك ، ثمّ سقاهم اللبن ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وينجز عداتي ويقضي ديني؟ فقام عليّ عليه‌السلام ـ وكان أصغرهم سنّا ، وأحمشهم ساقا (١) وأقلّهم مالا ـ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت هو (٢).

ومن الجمهور رواه أحمد بن حنبل في مسنده (٣) ، عن ابن عبّاس بعدّة طرق ، والثعلبيّ (٤) في تفسيره مرفوعا إلى البراء بن عازب ، والرازي (٥) أيضا في تفسيره ، وابن المغازلي (٦) في مناقبه ، وابن عقدة (٧) في رسالته في شأن نزول هذه الآية ، وفيما رووه قال عليّ عليه‌السلام في المراتب الثلاثة : أنا يا رسول الله ، ولم يقدم غيره : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت هو. وفي بعض الروايات : فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب عليه‌السلام : أطع ابنك فإنّه أمّره عليك.

وهذا نصّ في خلافته لا مجال لإنكاره ، وظاهر الخلافة بلا فصل ، فيكون خليفة على الثلاثة أيضا ، مع أنّ الخلافة لعليّ عليه‌السلام إذا كانت بنصّ الرسول فكان إجماع الأمّة على أبي بكر عن اجتهاد غلط ، فكان باطلا ، وهو الظاهر. وهذه القصّة مشهورة بين الفريقين ، مسطورة في كتب الحديث والتفسير والتواريخ ، مذكور على الألسنة والأفواه ، وفيها من الدّلالة على صحّة مذهبنا وبطلان مذهب المخالفين ما لا يخفى (٨).

__________________

(١) ـ الحمش والحموشة والحماشة : الدقّة.

(٢) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٤.

(٣) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١١ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام للنسائيّ رقم ٦٥.

(٤) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٨٢.

(٥) ـ التفسير الكبير ١٢ : ٢٦.

(٦) ـ انظر : مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٦١.

(٧) فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ؛ أسرار الإمامة ٢٨٢.

(٨) انظر للتفصيل : موسوعة إحقاق الحقّ ٣ : ٥٦٢.

١٦١

الآية الخامسة والعشرون

من سورة القصص ؛ قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ٢٢ : ٦٨.

فقد روى من علماء الجمهور محمّد مؤمن الشيرازيّ ، عن أنس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّ الله اختارني وأهل بيتي على جميع خلقه فاجتبانا ، فجعلني الرّسول ، وجعل عليّا الوصيّ ، ثمّ قال (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يعني ما جعل لعباده أن يختاروا (١).

وفي معناه روايات أخر.

أقول : كلمة «ما» في «ما كان لهم الخيرة» نفي ، ومعنى الآية وربّك يخلق ما يشاء (٢) ويجتبي منهم للرّسالة والخلافة من شاء ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، وما كان للخلق أن يختاروا على اختيار الله ورسوله أحدا ، كما اختاروا أبا بكر على عليّ عليه‌السلام.

أو : وما كان للخلق أن يختاروا باجتهادهم أحدا للخلافة ، كما يقوله العامّة.

__________________

(١) ـ الطّرائف ٩٧ ، نقلا عن محمّد بن مؤمن الشيرازيّ.

(٢) ـ أسرار الإمامة ١٤١ ، ٢١٣ ؛ مناقب أهل البيت للشروانيّ ٤٥٣.

١٦٢

فالآية في بطلان قول المخالفين من أنّ أمر الخلافة مفوّض إلى الأمّة ؛ فإذا بطل القول بالتفويض ، وجب أن يكون الإمام منصوصا من الله ورسوله. وإلّا لزم إهمال الإمامة ، والتالي باطل عقلا ونقلا كتابا وسنّة ؛ بل إجماعا ؛ فتعيّن أن يكون منصوصا من الله ورسوله ، وليس إلّا عليّا عليه‌السلام باتّفاق الخصوم ، لإجماع الأمّة على عدم النصّ على أبي بكر وعبّاس ، و [ذكرنا] النصّ على عليّ عليه‌السلام فيما مضى و [سنذكره فيما] يأتي ، فالرواية مقرونة بدلالة الدليل ، فلا ريب فيها.

١٦٣

الآية السّادسة والعشرون

من سورة العنكبوت ؛ قوله تعالى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ١ ـ ٢.

فقد روى أصحابنا ، منهم القمّيّ (١) عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : جاء العبّاس إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : انطلق يبايع لك النّاس ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أو تراهم فاعلين؟ قال : نعم. قال : فأين قوله عزوجل (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآية.

وهذا الخبر يفيد أنّ المراد بهذه الفتنة إنّما هو فتنة الخلافة ، وفيها هلك من هلك. ولم نقف على ذلك في أصول المخالفين ، إلّا أنّه قال في أنوار البصائر : روي أنّ عليّا عليه‌السلام قال : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة؟ قال يا عليّ بك ، وأنّك مخاصم ، فاستعدّ للخصومة (٢).

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ١ : ١٤٨ ؛ وانظر القصّة في الإمامة والسياسة ١ : ٤ ، وقريب منه ما في العقد الفريد ١ : ١٣ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٦٣ ، المجلس الثالث ؛ كتاب الأمالي للمفيد ٢٨٨ ؛ أسرار الإمامة ٥٠ ، ٢٨٩ ، ٤١١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٦.

(٢) ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٦٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٠٨ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، وفيه : لمّا نزلت (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآية ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار : «إنّه سيكون ـ

١٦٤

وروى محمّد بن يوسف الكنجيّ (١) من رجال المخالفين في كفاية الطالب في المناقب ، عن جماعة ، إنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيكون بعدي فتنة ، وإذا كان كذلك فاقتدوا بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والزموه ، فإنّه أوّل من يراني ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصّديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين وإمام المتّقين.

ويشهد له قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تمسّك بها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق (٢).

قد رواه الفريقان مستفيضا في الأصول المعتبرة ، ضرورة كون الخبر بيان فتنة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل طوفان نوح غرق فيها جلّ النّاس بتخلّفهم عن أهل البيت ، وليس [فتنتهم] إلّا تركهم عليّا وعكوفهم على العجل.

وهذا الحديث رواه أبو عبد الله (٣) الحاكم في المستدرك وحكم بصحّته ، بإسناده عن أبي ذر رحمه‌الله وهو آخذ بباب الكعبة ، قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من

__________________

بعدي هنات ، حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضا ، وحتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني : عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي عليّ ، وخلّ عن الناس. يا عمّار ، إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى. يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله تعالى.

(١) ـ كفاية الطالب ١٦٢ ، ١٦٣ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٤ ، ١٠٥ ؛ أسد الغابة ٥ / ٢٨٧ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٥٥ ، المجلس الخامس ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٩ ، ٢٠.

(٢) ـ المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ٤٥ ح ٢٦٣٦ ؛ شرف النبيّ ٢٤٨ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٣٤ ؛ تاريخ بغداد ١٢ : ١٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٥ ؛ نظم درر السمطين ٢٣٥ ؛ فرائد السمطين ٢ : ٢٤٢ ؛ الأمالي للشيخ المفيد ١٤٥ ؛ أسرار الإمامة ٢٥٠ ، ٢٩٦ ؛ خصائص الأئمّة ٧٧ ؛ تحفة الأبرار ١٢٨ ؛ عيون الأخبار ١ : ٢٤٣.

(٣) ـ في الأصل «أبو القاسم» ؛ والصحيح ما أثبتناه.

١٦٥

ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك (١).

ورواه ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٢) ، عن أبي الفرج الاصفهانيّ في مرج البحرين ، بإسناده إلى أبي ذر. ورواه ابن المغازلي (٣) ، وابن حجر (٤) ، وابن حنبل (٥) ، ومسلم (٦) بعدّة طرق متقاربة المعنى أنّه قال : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق.

ورواه في مشكاة المصابيح (٧) ، والفصول المهمّة (٨) أيضا ، وكلّ هؤلاء من أعلام المخالفين وثقاتهم وأئمّتهم ، وكذا الحاكم ـ من أعاظم رجال المخالفين ـ قد أكثروا الرواية عنه ، وأسندوا إليه ، واعتمدوا عليه ، فلا مجال لردّ حديثه.

وروى أصحابنا [الحديث] متواترا وأجمعوا عليه (٩) ، ولا ريب أنّه لم يركب سفينة أهل البيت بالتمسّك بولايتهم والعمل بقولهم أمرا ونهيا إلّا الإماميّة. وقد أعرض عنهم أكثر النّاس ، ولم يثبت معهم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا عدّة نفر. ودلالة الآية على وقوع فتنة يظهر فيها نفاق الأكثرين ظاهر ، ولم تقع فتنة من نزول الآية أعظم من فتنة الخلافة ، والله العالم.

وكلّ فتنة نشأت كانت ممّن عمل في سقيفة بني ساعدة واختيار أبي بكر وترك

__________________

(١) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠ ، ١٥١.

(٢) ـ تذكرة الخواصّ ٣٢٣.

(٣) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٣٢.

(٤) ـ الصواعق المحرقة ٢٣٤ ، ٢٣٦ ؛ ذخائر العقبى ٢٠ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٢٧ : ١٦٧.

(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ٥ : ١٨١ ، ١٨٩ ؛ في مسند زيد بن ثابت.

(٦) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣.

(٧) ـ مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٤٢ رقم ٦١٧٤.

(٨) ـ حلية الأولياء ٤ : ٣٠٦ ؛ المعجم الصغير للطبرانيّ ١ : ١٣٩ ، و ٢ : ٢٢ ؛ البداية والنهاية ٢ : ٢٩٨ ؛ الفصول المهمّة ٢٦ ؛ الدرّ المنثور ١ : ٧١ ، ٧٢ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة البقرة.

(٩) ـ الخصال ٢ : ٣٥٦ ؛ منهاج الكرامة ١٥٥ ؛ الطّرائف ١٣٢ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٥٦ ، ١٥٧.

١٦٦

عليّ عليه‌السلام ، كما لا يخفى عند أولي الألباب ، ويؤيّده قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١) و (٢).

__________________

(١) ـ آل عمران : ١٤٤.

(٢) ـ انظر أسرار الإمامة ٥٠.

١٦٧

الآية السّابعة والعشرون

من سورة الأحزاب ؛ قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ٣٣.

فقد روى الفريقان مستفيضا ، بل متواترا ، أنّ المراد بأهل البيت في الآية : العترة الطّاهرة عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام.

أمّا أصحابنا ، فقد رواه ثقاتهم في الأصول متواترا ، بل صار ذلك من أصول عقائدهم لا خلاف بينهم [فيه] (١).

وأمّا المخالفون : فقد رواه الترمذيّ (٢) عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أمّ سلمة ، فدعا

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٨٧ ؛ الإمامة والتبصرة من الحيرة لأبي الحسن ابن بابويه ١٧٧ ؛ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣١ ؛ علل الشرائع ٢٠٥ ؛ الأمالي للصدوق ٤٢١ ؛ معاني الأخبار ١٣٨ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ١٧٥ ، ١٨٦ ، ٢٠١ ؛ الطّرائف ١٢٢ ـ ١٣٠ ؛ سعد السعود ١٠٧ ، ٢١٥ ؛ تفسير الحبريّ ٢٩٨ ـ ٣١١ ؛ بشارة المصطفى ٢٤٠ ، ٢٤١ ؛ تفسير فرات الكوفيّ ١٢١ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٩٣ ؛ كشف اليقين ٤٠٥ ؛ منهاج الكرامة ٨٥ ، ٨٨ ، ٩٥ ، ١٢٠ ؛ الصراط المستقيم ١ : ١٨٤ ـ ١٨٦ ؛ مجمع البيان ٤ : ٣٥٦ ؛ خصائص الوحي المبين ٤١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٤٥.

(٢) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٢٨ ح ٣٨٧٥ ، كنز العمّال ح ٣٦٣٧٤ ، وفيه : قال أبو بكر بن أبي قحافة : عليّ بن أبي طالب عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٦٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام ، فجلّلهم بكساء ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ؛ فقالت أمّ سلمة : أنا معهم يا رسول الله؟ فقال : أنت على مكانك ، وأنت على خير.

ونحوه رواه أحمد بن حنبل (١) في مسنده بثمان طرق مختلفة الألفاظ ، متّفقة المعاني ، ورواه في صحيح البخاريّ (٢) ، وصحيح مسلم (٣) في الجزء الأوّل من فضائله ، وفي الرابع في موضعين بعد ثلاث كراريس ، وفي أواخره.

[ورواه] في سنن أبي داود ـ أي صحيحه ـ في صحيحه الثاني ، وفي موطأ مالك بعدّة طرق.

ورواه إمامهم الحميديّ (٤) في الجمع بين الصحيحين ، في مسند سعد بن وقاص في الحديث السّادس من أفراد مسلم ، في آية المباهلة ما بمعناه.

ورواه الثعلبيّ (٥) في تفسيره بسبع طرق.

ورواه الزمخشريّ في الكشّاف (٦) في آخر آية المباهلة ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : خرج رسول الله ذات غدوة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ جاء الحسين عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ عليّ عليه‌السلام ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ).

__________________

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، و ٤ : ١٠٧ ، و ٦ : ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠٤ ، ٣٢٣.

(٢) ـ العمدة ٣٦ عن صحيح البخاريّ بسنده إليه ؛ والصراط المستقيم ١ : ٢٨٦ عنه أيضا. ولم أعثر عليه في الصحيح المطبوع.

(٣) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٣ ح ٢٤٢٤.

(٤) ـ العمدة لابن البطريق ٤٢ ـ ٤٣ ح ٢٩ و ٣٠ ؛ نقلا عن الحميدي.

(٥) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣٥ ـ ٤٤ ؛ نهج الإيمان ٨٥ ؛ والعمدة ٣٧ ـ ٣٨ ح ٢٠ و ٢١.

(٦) ـ الكشّاف ١ : ٤٣٤.

١٦٩

رواه البيضاويّ (١) ، ونحوه روي في المشكاة (٢) ، وقال : رواه مسلم ، وفي آخره (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ورواه الواحديّ أيضا في تفسيره (٣) ، وفي أسباب نزوله (٤) في هؤلاء الخمس.

ورواه الطبرانيّ (٥) ، وعمر بن خضر ، والسيّد جمال الدّين ، وابن مردويه في تفسيره (٦) ، والخوارزميّ (٧) ، والسمعانيّ (٨) في الفضائل ، ورواه الجزريّ (٩) في أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ورواه الأسفرايينيّ أبو العباس أحمد بن الحسن الضرير في كتابه المصابيح في بشارة نزول الآية.

وروى أحمد بن حنبل في مسنده (١٠) عن أنس بن مالك ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ بباب فاطمة عليها‌السلام ستّة أشهر إذا خرج إلى الفجر ويقول : الصّلاة يا أهل البيت [إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت] ويطهّركم تطهيرا.

قال الحاكم في المستدرك (١١) : هذا صحيح الإسناد على شرط مسلم.

وعن أبي عبد الله محمّد بن عمران المرزبانيّ ، عن أبي الحمراء (١٢) ، أنّه بعد نزول الآية إلى عشرة أشهر كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي صبيحة كلّ يوم إلى باب عليّ عليه‌السلام

__________________

(١) ـ تفسير البيضاويّ ٣ : ٣٨٢ ، ذيل آية التطهير.

(٢) ـ مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٣١ ح ٦١٢٧.

(٣) ـ تفسير الوسيط للواحدي ٣ : ٤٧٠.

(٤) ـ أسباب النزول أيضا للواحدي النيسابوريّ ٢٣٩.

(٥) ـ المعجم الكبير للطبرانيّ ٢٦٦٤ ، ٢٦٦٥ ؛ المعجم الصغير للطبرانيّ ١ : ٦٥ ، ١٣٥.

(٦) ـ تفسير الدرّ المنثور ٥ : ١٩٨ و ١٩٩ ذيل الآية ، عن ابن مردويه.

(٧) ـ المناقب للخوارزميّ ٦٠ ، ٦١.

(٨) ـ لم أعثر على كتابه ؛ وقد روى عن كتابه ابن شهرآشوب في المناقب ، والبياضيّ في الصراط المستقيم.

(٩) ـ لم أعثر عليه في أسنى المطالب المطبوع.

(١٠) ـ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٥٨.

(١١) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٨.

(١٢) ـ نهج الايمان ٨٦ ؛ مناقب أهل البيت للشروانيّ ٩٣ ، نقلا عن أبي الحمراء.

١٧٠

ويقول : الصّلاة رحمكم الله ، ويقرأ (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، حكاه بعض أصحابنا (١).

وفي رواية عن أمّ سلمة من هذه الأسانيد ، بزيادة «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أبرار عترتي ، وأطائب أرومتي من لحمي ودمي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، فقلت : يا رسول الله وأنا معهم؟ قال : إنّك إلى خير ، أنت من خير أزواجي».

والأرومة أصل الشجرة ، والمرط بكسر الميم كساء واسع من صوف إذخر أو شعر أو كتان ، والمرحّل بالحاء المهملة المنقوش عليه صور الرجال ، وقيل : الموشّي بخطوط يشبه نقش الرحل والموشّى المعلم.

قال ابن حجر (٢) : أكثر المفسّرين [والمحدّثين والمؤرّخين] (٣) على ذلك في

__________________

(١) ـ الأربعين للمحدّث الحسينيّ ٥٦. قال : وفيهم يقول شاعر :

على الله في كلّ الأمور توكّلي

وبالخمس من آل العباء توسّلي

محمّد المبعوث حقّا وبنته

وسبطيه ثمّ المقتدى المرتضى عليّ

لا يقال صدر الآية وعجزها يدلّان على أنّها نزلت في شأن أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا في شأن الخمسة المذكورين.

لأنّا نقول : يأباه تذكير الضمير في (عَنْكُمُ) و (يُطَهِّرَكُمْ) وهذا النقل الصّحيح المشهور المتقدّم آنفا ، والخروج من حكم إلى حكم آخر كثير جدا في القرآن الكريم.

(٢) ـ الصواعق المحرقة ١٤٣ ، وفيه : الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) قالوا : أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

(٣) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل أهل البيت ؛ تفسير الطبريّ ٢٢ : ٥ ، ٧ ؛ التفسير الكبير ٢٥ : ٢٠٩ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٨ ـ ١٣٩ ؛ الخصائص للنسائيّ ٢٤ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٩ ، و ٣ : ٥٣٨ ؛ تفسير الجامع لأحكام القرآن ١١ : ٢٦٣ ؛ تفسير البغويّ ٣ : ٥٢٩ ؛ الذريّة الطاهرة للدولابيّ ١٤٩ ، ١٥٠ ؛ تاريخ بغداد ١٠ : ٢٧٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٣ ؛ كفاية الطالب ٣٣٢ ـ ٣٣٩ ؛ تذكرة الخواصّ ١٧ ؛ الفصول المهمّة ٢٦ ؛ مطالب السئول ٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٦٧ ؛ تفسير ابن كثير ٣ : ٣٨٥ ، ٤٨٣ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ١٠٤ ؛ نظم درر السمطين ١٣٣ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣٠١ ـ ٣٠٧ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٤ ؛ ذخائر العقبى ٢١ ـ ٢٤ ؛ ذكر أخبار

١٧١

تفسير الآية.

وقال العلّامة الحليّ ـ من أصحابنا ـ في نهج الحقّ : أجمع المفسّرون عليه (١).

وقال ابن أبي جمهور الأحسائيّ ـ من أصحابنا ـ في المجلى : فإنّ المفسّرين اتّفقوا بأجمعهم أنّ هذه الآية نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢) لمّا جلّلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بكسائه إجابة لدعائه وجوابا لسؤاله ، وبيّن أنّ [الله تعالى] أراد طهارتهم وإذهاب جميع الارجاس عنهم ، وذكر في الآية بعده من التأكيد ، يعرفها من يعرف البلاغة. وإذا ثبت باتّفاق أئمّة الحديث والتفسير نزول الآية في العترة الطاهرة هؤلاء الخمسة عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

فنقول : يجب وقوع مراد الله لقوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣). ولعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة ، وإجابة لدعاء الرسول ، والإجماع الأمّة على وقوع المراد هنا ، ولتواتر الروايات [في ذلك]. وإذا ثبت إذهاب جنس الرجس عنهم مع التأكيد بقوله (يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أثبت عصمتهم ، لأنّ الرجس في الآية ليس محمولا على النجس الشرعيّ ؛ بل يعمّ الآثام ورذائل الأخلاق وقبائح الأعمال ، وهذا معنى العصمة أصلها من شرف النفس وأعلاها ملكة ؛ كالعدالة يمتنع معها المكلّف عن الاقدام على الذنب مطلقا ، [وهي] لطف ربّانيّ وموهبة سبحانيّة لا يختار معها المكلّف إلّا الطاعة مع القدرة ، بل لا يزلّ

__________________

اصبهان ١ : ١٠٨ ، و ٢ : ٢٥٣ ؛ طبقات المحدّثين باصبهان ٣ : ٣٨٤ ، و ٤ : ١٤٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٣ ـ ٢٧٣ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٨ ؛ مشكل الآثار ١ : ٢٢٧ ـ ٢٣١.

(١) ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٧٣ ـ ١٧٥. وفيه : والكذب من الرجس ، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ادّعى الخلافة لنفسه ، فيكون صادقا.

(٢) ـ مجلى مرآة المنجى ورق ١٩١ ، وفيه : لمّا ألحفهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بكسائه ...

(٣) ـ يس : ٨٢.

١٧٢

قدمه مطلقا عمدا وسهوا ، وإذا ثبت عصمتهم ثبت وجوب طاعتهم وإمامتهم وترجيحهم على المجتهد بالظّنون والآراء والأقيسة والاستحسان وأرباب الأهواء عقلا ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

ونقلا : كتابا ، لقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).

وأيضا ثبت بهذه [الآية] الرواية ذهاب الرجس ومنه الكذب عن عليّ عليه‌السلام حتّى امتنع عن بيعة أبي بكر ، مضافا إلى ما جاء في صحاح الطرفين : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» ، و «اللهمّ أدر الحقّ معه حيث ما دار» (٣).

__________________

(١) ـ الزمر : ٩.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، قال : نحن الّذين يعلمون ، وعدوّنا لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الألباب انظر تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٢٧٥ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٧٥.

(٢) ـ يونس : ٣٥.

وروى الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله الحنفيّ النيسابوريّ ، المعروف بالحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل (١ : ٣٤٨ ـ ٣٥٠) عن ابن عبّاس ، قال : اختصم قوم إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بعض أصحابه أن يحكم بينهم ، فحكم فلم يرضوا به ، فأمر عليّا أن يحكم بينهم ، فحكم بينهم فرضوا به ، فقال لهم بعض المنافقين : حكم عليكم فلان فلم ترضوا به ، وحكم عليكم عليّ فرضيتم به ، بئس القوم أنتم ، فأنزل تعالى في عليّ عليه‌السلام (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

وقال أيضا الحاكم الحسكانيّ : جاء أعرابيّان إلى عمر بن الخطاب يختصمان إليه ، فقال عمر : يا أبا الحسن اقض بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا؟ مولاي ومولى كلّ مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. وانظر أيضا : الصواعق المحرقة ٤٤ ، ١٧٩ ؛ ذخائر العقبى ٦٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٦٠ ، ١٦١ ؛ الرياض النضرة ٣ : ١٢٨.

(٣) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٧٧ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٤٤ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٤ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٨٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ :

١٧٣

كما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (١) وغيره في أصولهم.

ومن شهد الله بطهارته كان الحقّ معه وهو مع الحقّ ، فهذه الرّوايات في تفسير الآية تدلّ على دوران الحقّ مع عليّ عليه‌السلام. ويدلّ عليه أيضا رواية «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» رواه الفريقان متواترا (٢).

ولو قيل : عموم الآية يشمل غيرهم ، بل سياقها من حيث النظم يقتضي إرادة نساء النبيّ.

قلنا : بعد تواتر الروايات في صحاح الفريقين في تفسير الآية ، لا مجال لتوهّم أمثال هذه المزخرفات ، لأنّه اجتهاد في مقابلة النصوص الصحيحة المتواترة في تفسير كتاب الله ، ورأي محض واستبعاد ؛ وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار (٣).

روى العيّاشيّ ـ من أصحابنا ـ عن الباقر محمّد بن عليّ عليه‌السلام ـ وهو من التّابعين وقوله حجّة عند المخالفين أيضا ـ قال : ليس شيء أبعد من عقول الرجال من

__________________

١٨٣ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٧٧ ؛ الأمالي للصدوق ٨١ ؛ الأمالي للطوسيّ ٣٠٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٧٦.

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، و ٤ : ٣٧١ ، و ٥ : ١٨٢ ؛ المعيار والموازنة ٣٥ ؛ مشكاة المصابيح ٢ : ٥١١.

(٢) ـ أمالي الصدوق ٤١٥ ؛ بصائر الدرجات ٤١٢ ؛ تفسير الحبريّ ١٦١ ؛ كشف اليقين ٣٣٥ ؛ الطرائف ١١٣ ؛ الشافي في الإمامة ٣ : ١٢٠ ؛ إعلام الورى ٣٧٥ ؛ أسرار الإمامة ٩٧ ، ٢٥٢ ، ٢٧٧ ، ٢٩٧ ، ٣١٣ ، ٣٩٦ ، ٤٤٢ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ؛ و ٤ : ٣٦٧ ، ٣٧١ ؛ المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٣١ و ١٣٥ ؛ صحيح مسلم ٢ : ٢٣٧ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٦٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام ٧٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٥ ، ٤٥٧ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٩٨. وهذا حديث متفق عليه بين الفريقين في أكثر المجامع الحديثيّة.

(٣) ـ أسباب النزول للواحدي ٤ ؛ التفسير للعيّاشيّ ١ : ١٧ ، ١٨.

١٧٤

تفسير القرآن ، إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء. ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) من ميلاد الجاهليّة (١). مع أنّه كان المراد بأهل البيت نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لذكر هذه [المزيّة] بين الخطاب لهنّ ، لم يناسب تذكير الضمير ، بل كان غلطا ؛ بل وجب أن يقول : إنّما يريد الله ليذهب عنكنّ الرّجس ويطهّركنّ تطهيرا ، بل [في] هذه الآية انقطعت مخاطبة نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخاطب بها أهل بيته العترة الطاهرة. وبالجملة لا يلتفت إلى ما ذكره البيضاويّ (٢) تقليدا لغيره ، من جواز إرادة النساء بعد تواتر الروايات من أعاظم الفريقين وتوافق المحقّقين من علماء الطائفتين على تفسير الآية ، وأنّ الخمسة هم المقصودون من الآية. وكذا ما قيل من عدم دلالتها على الحصر فيهم ، فيجوز إرادة النساء أيضا ، إذ لا دلالة على ذلك حينئذ لظهور الخطاب مع الرجال ، ولو لا النصّ والاجماع لم يدخل فاطمة أيضا إلّا من لفظ أهل البيت المفسّر بها أيضا مع عليّ والحسنين عليهم‌السلام دون غيرهم من نسائه ، مع أنّ الطهارة في نسائه منتفية اتّفاقا ، وحمل الطّهارة على الطّهارة من نجاسة الأحداث الشرعيّة كذب ، وكذا من نجاسة الأخباث أكذب ، فلا محمل للآية إلّا ما ذكره أصحابنا ، مع أنّه لا مجال للاعتراض بأنّ الآية مذكورة بين خطاب أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالسياق يدلّ على اختصاصها بهنّ أيضا أو دخولهنّ ، بعد فعل عثمان وعمر في القرآن من تفسير وتغيير الكلم عن مواضعه وتحريفه (٣) ، والحمد لله.

__________________

(١) ـ التفسير للعيّاشيّ ١ : ١٧ ؛ الوسائل ج ٣ كتاب القضاء باب ١٣.

(٢) ـ تفسير البيضاويّ ٣ : ٣٨٢.

(٣) ـ رأي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان في القرآن :

نهى عمر عن مشكلات القرآن ، قال سليمان بن يسار : قدم المدينة رجل يقال له «صبيغ» ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر ـ وقد أعدّ له عراجين النخل ـ فقال : من أنت؟ قال أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ

١٧٥

__________________

عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه ، وقال : أنا عبد الله عمر ، فجعل له ضربا حتّى أدمى رأسه. وعن الزهريّ : أنّ عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتّى اضطربت الدماء في ظهره ، انظر : سنن الدارميّ ١ : ٥٤ ، ٥٥ ؛ تفسير ابن كثير ٤ : ٢٣٢ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ١١١ ، و ٧ : ١٤.

وقال الغزاليّ في إحياء علوم الدين ١ : ٢٨ عمر هو الّذي سدّ باب الكلام والجدل وضرب صبيغا بالدرّة لمّا أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب الله ، وهجره وأمر الناس بهجره.

وعن خرشة بن الحرّ ، قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) الجمعة : ٩. فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أبيّ بن كعب ، قال : إنّ أبيّا أقرأنا للمنسوخ ، قرأها : «فامضوا الى ذكر الله». راجع : كتاب الأمّ ١ : ١٩٦ ؛ السنن الكبرى ٣ : ٢٢٧ ؛ الدرّ المنثور ٨ : ١٦١ ، وقال ابن داود في سننه (١ : ٢٣٠ و ٢ : ١٤٥) : قال عمر بن الخطاب : لو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها. انظر : مسند أحمد بن حنبل ١ : ٤٩ ، ٨١ ؛ موطّأ مالك ٢ : ٨٢٤ ؛ صحيح البخاريّ ٦ : ٢٥٠٤ ، رقم ٦٤٤٢ ؛ صحيح مسلم ٣ : ٥٢٤ ، كتاب الحدود ؛ سنن الترمذيّ ٤ : ٢٩ رقم ١٤٣١ ؛ سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٣.

أمّا أمر عثمان بحرق المصاحف ، فقد روى البخاريّ في صحيحه ٦ : ٩٩ كتاب فضائل القرآن في باب جمع القرآن رواية طويلة في هذا الباب ، وقال في جملتها : وأرسل ـ أي عثمان ـ إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق. وانظر أيضا : السنن الكبرى ٢ : ٤١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٤١ ؛ أنساب الأشراف ٥ : ٦٢.

١٧٦

الآية الثامنة والعشرون

من سورة الأحزاب ؛ قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ٥٦.

فقد روى الفريقان وجوب الصّلاة على الآل.

فمن ذلك ما رواه أصحابنا (١) ، منهم الصدوق (٢) في العيون عن الرضا عليه‌السلام في مجلسه مع المأمون ، قال : وقد علم المعاندون منهم أنّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال : تقولون «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ورواه الثعلبيّ (٣) في تفسيره ، ومالك في الموطّأ (٤) ، وابن حجر في

__________________

(١) ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ١٨٨ ـ ١٩٠ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢١٣ ؛ أسرار الإمامة ٢٨٠ ـ ٢٨٢ ؛ الطّرائف ١٦٠ ـ ١٦٣ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٧٦.

(٢) ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣٦.

(٣) ـ تفسير الثعلبيّ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ـ ٥٠ ح ٤٢ و ٤٣.

(٤) ـ مسند أحمد ١ : ١٩٩ ؛ صحيح البخاريّ ٦ : ٢٧ ؛ الموطّأ ١ : ١٣٧ ؛ سنن الدارميّ ١ : ٣٠٩ ، ٣١٠ ؛ السنن الكبرى ٢ : ١٤٧ ، ١٤٨.

١٧٧

صواعقه (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا جوّز أصحابنا الصلاة على آل الرسول [في الصلاة] ؛ بل أوجبوها في التشهّد ، وبه قال بعض الفقهاء من الجمهور ؛ وعليّ سيّد الآل وأهل البيت.

وقد روى ابن حجر في الباب العاشر من صواعقه عن الشافعي شعرا :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٢)

ويؤيّده ما رواه الثعلبيّ في تفسيره ، والنقّاش في قوله تعالى في سورة البقرة (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٣) (٤).

وبه بطل قول المخالفين «أنّ الصلاة على الآل بدعة» ، مع أنّ عموم الآية كفى.

وستعرف حديث «أنّ الله صلّى عليّ وصلّى على عليّ سبع سنين» في سبق إسلامه (٥).

والصلاة من الله [أمر] مخصوص بالمعصوم باتّفاق الخصم على ما قيل ، ولعلّ

__________________

(١) ـ تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٥١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ أخبار اصبهان ١ : ١٣١ ؛ تاريخ بغداد ٦ : ٢١٦ ، و ٨ : ١٤٣ ؛ الصواعق المحرقة ١٤٦.

(٢) ـ الصواعق المحرقة ١٤٨ ، وفيه : فيحتمل لا صلاة له صحيحة ، فيكون موافقا لقوله بوجوب الصلاة على الآل ، ويحتمل لا صلاة كاملة ، فيوافق أظهر قوليه.

(٣) ـ البقرة : ١٥٦ و ١٥٧.

وروى نزول هذه الآية الشريفة في حقّ عليّ عليه‌السلام عدّة من الحفّاظ والرواة ، منهم الحافظ العلّامة ابن شهرآشوب في مناقبه ٢ : ١٢٠ ، و ٣ : ٢٧٦.

(٤) ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٩ : نزلت في عليّ عليه‌السلام لمّا وصل إليه قتل حمزة رضي الله عنه ، فقال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فنزلت هذه الآية ؛ إحقاق الحقّ ٣ : ٤٧٥ نقلا عن الثعلبيّ والنقّاش ؛ الطرائف ١٦٢ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ، نقلا عن الثعلبيّ.

(٥) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٥٣ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٤ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٨٤ ، ١٨٥ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٢٩ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٤٢.

١٧٨

الوجه هو أنّ الصلوات من الله على أحد منجّزا ـ كما هنا ـ ليس إلّا مع العصمة والاستحقاق ، كما لا يخفى ، وغير المعصوم لا يستحقّ الرحمة حتما ، وبه ثبت جواز الصّلاة على الآل وعلى أفضلهم اتّفاقا ؛ بل وجوبهما كما مرّ ، ومن وجب الصلاة عليه وصلّى الله عليه في ضمن الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما بيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر وفي الآية الثانية تصريحا ـ كان معصوما واليا على النّاس ، كالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجب الطاعة.

وبالجملة ، من كانت الصلوات عليه جزء الصلاة وشرط قبولها نبيّ أو وصيّ ليس إلّا عند أولي الأبصار ، مضافا إلى حصر الاهتداء في الآية الثانية فيهم ، حيث قال : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فأتى بالخبر معرّفا مع ضمير الفصل ، وكلّ منهما من أسباب الحصر ، وهذه المنقبة إمّا وقعت حقيقة فليس إلّا مرتبة العصمة ، أو ادّعاء ، فيفيد زيادة الثناء عليهم.

ثمّ من هنا نقول : يجوز أن يقال «صلّى الله على محمّد وآله» ، وأن يقال : «اللهمّ صلّ على محمّد وآله» ، وأن يقال : «صلوات الله وسلامه على محمّد وآله».

[وروى] عطاء الله بن فضل الله في أربعينه عن أبي أيّوب الأنصاري ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ ، لأنّنا كنّا نصلّي وليس معنا أحد يصلّي غيرنا.

وروى هذا الحديث عن ابن عبّاس ، ولفظه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين.

وقيل : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال : لم يكن معي من الرجال غيره.

وفي رواية بعد قوله : «سبع سنين» : وذلك أنّه لا ترتفع شهادة أن لا إله إلّا الله

١٧٩

إلّا منّي ومن عليّ (١).

وعن الديلميّ في الفردوس (٢) : إنّ الصّلاة على محمّد وآله مع الدّعاء يوجب خرق الحجاب عن عروج الدّعاء إلى السّماء ، والدّعاء بغير صلاة يرجع ، ويؤيّده عموم قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ).

ثمّ ورد في أخبارنا أنّ المراد بالتسليم الولاية للآل (٣).

__________________

(١) ـ الأربعين للمحدّث الحسينيّ ٣١ ، وفيه : وفي هذا المعنى قال الشاعر :

أنت الإمام الّذي نرجو بطاعته

يوم النّشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا

نفسي فداء لخير الناس كلّهم

بعد النبيّ عليّ الخير مولانا

أخي النّبيّ ومولى المؤمنين معا

وأوّل النّاس تصديقا وإيمانا

 (٢) ـ فردوس الأخبار ٣ : ٣٠٦ ؛ شرف النبيّ ٢٨٠ ، ٢٨٥.

(٣) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٩٦ ؛ تفسير الصافي ٤ : ٢٠١.

١٨٠