في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

ببهائى أو بشخص من أية ملة وكذا المسيحية. ومنها تحديد المهر بقدر معين من الذهب الإبريز بحيث لا يقل عن تسعة عشر مثقالا ولا يزيد عن خمسة وتسعين مثقالا. ومنها تقسيمه الميراث على ٢٥٢٠ جزء للذرية منها ١٠٨٠ ، وللأزواج ٣٩٠ ، وللآباء ٣٣٠ ، وللأمهات ٢٧٠ ، وللإخوان ٢١٠ ، وللأخوات ١٥٠ ، وللمعلمين ٩٠ ، فإن لم يترك المتوفى أحدا من هؤلاء رجع ثلث التركة إلى المحفل البهائى إن كان له ذوى قربى ، وإلا رجعت التركة كلها للمحفل (المواد من ٣١ إلى ٣٤). ومنها أن غير البهائى لا يرث البهائى. وأن الدار المسكونة وملابس المتوفى يختص بها أكبر الأبناء الذكور (م ٤٤). ومنها : أن يدفن الميت فى البللور أو الحجر أو الخشب. وتوضع فى أصابعه الخواتم المنقوشة عليها عبارات معينة (م ٥٠). ومنها : أن السنة البهائية تنقسم إلى تسعة عشر شهرا ويبدأ التقويم البهائى من سنة ١٨٤٤ ميلادية وقت إعلان الباب لدعوته. هذا عدا ما عرف عنهم ولم ينكروه فى ردهم على جبهة العلماء من أن الصوم عندهم تسعة عشر يوما وجعلوه يبتدئ من شروق الشمس لا من طلوع الفجر. وجعلوه دائما فى وقت الاعتدال الربيعى حيث يكون عيد الفطر عندهم يوم النيروز باستمرار بدلا من شهر رمضان أيّا كان موقعه من فصول العام كما جعلوا الصلاة تسع ركعات فى اليوم والليلة. وحولوا قبلة الصلاة من مكة إلى عكا حيث قضى البهاء مدة سجنه وتوفى هناك.

خامسا : قدم المدعى أيضا نسخة من دستور المحفل الروحانى البهائى بالقطر المصرى وواضح فى صدره إن واضعى هذا الدستور تسعة أشخاص من القاهرة والإسكندرية وبور سعيد والسويس والإسماعيلية ذكروا

١٤١

بأسمائهم كوكلاء للبهائيين. وأعلنوا الدستور فى أول مايو سنة ١٩٢٨ وجاء فيه : " ومنذ ذلك التاريخ تكون جميع الواجبات والحقوق والامتيازات والمسئوليات التى أو كلها حضرة بهاء الله مؤسس الدين البهائى والتى بينها ومثلها حضرة عبد البهاء والتى يقوم حضرة شوقى أفندى ربانى على حفظها وصيانتها راجعة إلى المحفل الروحانى البهائى وإلى المحافل التى تخلفه فى ظل هذا الدستور". وهذا الدستور مكون من ثمانى مواد وملحق به لائحة داخلية ويشير إلى وجوب تأسيس بيت العدل العام المنصوص عنه فى الآثار المقدسة للأمر البهائى ووجوب الاعتراف التام والطاعة والخضوع لكل ما جاءوا به والولاء والخضوع لكل عبارة من العبارات الواردة فى وصية عبد البهاء المقدسة كما أوجبت أن تكون جميع قرارات وأعمال المحفل البهائى المركزى حائزة لرضاء واعتماد ولى أمر الله شوقى أفندى ربانى أو بيت العدل العام.

سادسا : من بين مستندات المدعى نشرة عن البهائية وهى عبارة عن رد على تحذير مذاع من جبهة العلماء مطبوع سنة ١٩٤٧ وفيها لا ينكر رد البهائيين على جبهة العلماء ما قالته من أن البهائيين يعتبرون (الباب) و (بهاء الله) رسولين من عند الله وبذلك يجحدون أهم مبادي العقيدة الإسلامية من أن محمدا عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والرسل وأن رسالته باقية صالحة لكل زمان ومكان. فقد جاء فى هذا الرد نفسه بالصحيفة (٥٠) : " والبهائية دعوة إلهية عامة تدعو الجميع إلى الله". وبالصحيفة ٥٢ : " والبهائية لا تنتمى إلى ديانة بالذات ولا هى فرقة أو مذهب وإنما هى دعوى إلهية جديدة غايتها تحقيق الاتحاد والتفاهم بين أهل الأديان".

١٤٢

هذا فضلا عما سلف ذكره نقلا من مستنداتهم المقدمة فى الدعوى من أن الباب كان نبيّا وإنه رسول قائم بذاته يوحى إليه من العلى القدير ، وإن البهائية دين كتابى ، وأن المعتمد من كتبها المقدسة كتب الباب ومنها كتاب البيان ، وكتاب بهاء الله ومنها الكلمات المكنونة وكتاب الأقدس. هذا وقد بان أيضا من الاطلاع على رد البهائيين على تحذير جبهة العلماء المقدم فى الدعوى أنهم يجحدون أهم مبادي العقيدة الإسلامية من أن محمدا ، عليه الصلاة والسلام ، خاتم النبيين والرسل ، وأن رسالته باقية إلى يوم الدين صالحة لكل زمان ومكان ، وذلك بأنهم يذهبون فى تفسير الآية القرآنية الكريمة : " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" إلى أن الختم واقع على مقام النبوة وليس بواقع على مقام الرسالة ولا عبرة فى رأيهم بما قال به مفسرو هذه الآية من علماء الإسلام من أن مقام الرسالة خاص ، ومقام النبوة عام ، وختم الأعم معناه ختم الأخص. إذ لا حجة فى ذلك لدى البهائيين لتناقضه مع المنطق لأن القول بانقطاع الوحى الإلهي. وغلق باب الرحمة الإلهية من الأقوال التى لا يجد لها البهائيون سندا فى منطق الواقع. ثم قالوا فى ردهم : " فقد أجمع مفكرو أهل الملل والعقائد على أن الإنسانية فى تطورها الحالى فى أشد الحاجة إلى الفيض الإلهي" ص ٢٢. ثم قالوا : " ولا يستطيع العقل المنير أن يقول بأن أية شريعة أو قانون يصلح لكل زمان ومكان فضلا عن أن منزل الشرائع ومصدر الهدى والنور لم يقل بذلك" ص ٢٧. ثم قالوا : " فالبهائية كالإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الأديان حلقة من حلقات التاريخ الروحى الّذي كان سنة الله فى كل عصر من عصور رسالته" ص ٥١.

١٤٣

ومن حيث أن الدفاع عن المدعى عقب على فتيا مفتى الديار قائلا بأنه لا يتعرض لما تضمنته من كفر البهائيين فقد ردوا على ذلك فى ردهم على تحذير جبهة العلماء وأنه لا يتعرض أيضا للقول بأن من كان مسلما وأصبح بهائيّا يعتبر مرتدّا. وإنما يعترض على ما قررته الفتيا من بطلان زواج البهائى بمن تزوج بها سواء أكانت بهائية أم غير بهائية بحجة أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يتحدثوا عن زواج المرتد ولم يتعرض له واحد منهم بالبحث. بل ذهب إلى أنهم لم يكونوا فى حاجة إلى هذا البحث لسبب واضح بسيط هو أنهم يرون أن المرتد مستحق للقتل والمرتدة مستحقة للحبس فلا يتصور قيام مثل هذا الزواج. مع وجوب قتل المرتد وحبس المرتدة. واستطرد الدفاع عن المدعى إلى أنه ما دام حكم الشريعة الإسلامية بقتل الرجل وحبس المرأة غير مطبق الآن ، وبهذا أصبح من المتصور قيام زواج مرتد ويتعين إذا استنباط حكم له ، فلا مناص من قياسه على حكم زواج الذمى فى الشريعة الإسلامية. والذمى عند فقهائنا هو الوثنى والكتابى. وزواجه عندهم صحيح متى استوفى الشروط التى يشترطها الإسلام وهى الإيجاب والقبول وحضور الشاهدين. وأن تكون المرأة محلّا للعقد. بأن تكون غير محرمة على الرجل حرمة مؤقتة أو مؤبدة.

وانتهى إلى اقتباس قول للأستاذ الشيخ أبو زهرة بأن كل : " نكاح كان عند المسلمين صحيحا لاستيفائه شروط الصحة جميعا فهو صحيح عند الذميين". ثم أشار إلى رد الحسن البصرى على عمر بن عبد العزيز حين سأله قائلا : " ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم واقتناء الخنازير والخمور. فرد عليه بقوله : إنما بذلوا الجزية

١٤٤

ليتركوا وما يعتقدون ، وإنما أنت متبع ولست بمبتدع والسلام". ثم انتهى المدعى من ذلك إلى أن زواجه رغم أنه بهائى زواج صحيح فى نظر الإسلام وغير صحيح ما يقول به المفتى.

ومن حيث أن حجة المدعى فى هذا الصدد داحضة تسقط بسقوط الأساس التى قامت عليه وتنهار بانهياره. وذلك أن هذا الّذي يتصوره المدعى ولم يدر له بخلد من أن يبحث علماء الإسلام زواج المرتد ؛ لأنه مستحق للقتل تصوره علماء الإسلام وقتلوه بحثا وتمحيصا. بل إنهم افترضوا المستحيلات وأعدّوا لها البحوث ورتبوا لها الأحكام ليقينهم بان شريعتهم باقية على الزمن وما قد يبدو مستحيلا فى زمانهم قد يصبح فى زمان آخر مقبل حقيقة واقعة وأقرب الأمثال لذلك أن محمد بن الحسين كتب فى سبعة وعشرين ألفا من الأقضية وأفتى فى المستحيلات فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور" [الحج : ٤٦]!!!. هذا وقد أفاض فقهاء الإسلام فى كل عصر فى الكلام عن زواج المرتد وجماع رأيهم رغم اختلاف مذاهبهم أنه باطل بطلانا أصليّا. وفيما يلى قليل من كثير بغية التمثيل لا الحصر والإحاطة.

١ ـ عقد العلامة السيد شمس الدين السرخسى فى كتابه المبسوط ، الطبعة الأولى ، بمطبعة السعادة سنة ١٣٢٤ ه‍ بابا لنكاح المرتد جاء فى أول جزء ص ٤٨ : " ولا يجوز للمرتد أن يتزوج مرتدة أو مسلمة ولا كافرة أصلية ؛ لأن النكاح يعتمد الملة. أى يعتمد على الاعتقاد بملة صحيحة. ولا ملة للمرتد فإنه ترك ما كان عليه أى الإسلام وهو غير مقر على ما اعتقده". وقد علل هذا الحكم بأسباب منها أن النكاح مشروع لقاء النسل والقيام

١٤٥

بمصالح المعيشة والمرتد مستحق للقتل وإنما يمهل أياما ليتأمل فيما عرض له وجدّ فى ذهنه من شبهة وزيغ واشتغاله بأمر النكاح يشغله عما أمهل من أجله وهو التأمل. وكذلك الحال فى شأن المرتدة للأسباب نفسها ويزيد عليها أنها بالردة صارت محرمة وينبغى فى النكاح أن يختص بمحل الحل.

وقد جاء فى نفس المرجع ص ١٠٤ جزء ١٠ ضمن الكلام عن تصرفات المرتد : " ومنها ما هو باطل بالاتفاق فى الحال كالنكاح والزيجة لأن الحل بهما يعتمد الملة ولا ملة للمرتد فقد ترك ما كان عليه الإسلام وهو غير مقر على ما اعتمده أى انتقل إليه".

٢ ـ وقد جاء فى كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع (٢) ص ٢٧٠ للإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاسانى الحنفى المذهب ، طبع بمطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة ١٣٢٧ ه‍ وهو بصدد الكلام عن شرائط جواز النكاح ونفاذه" فصل ومنها أن يكون للزوجين ملة يقرّان عليها فإن لم يكن بأن كان أحدهما مرتدّا لا يجوز نكاحه أصلا بمسلم ولا بكافر غير مرتد ولا بمرتد مثله ؛ لأنه ترك ملة الإسلام ولا يقر على الردة ويجبر على الإسلام بالقتل فكانت الردة فى معنى الموت والميت لا يكون محلّا للنكاح ؛ ولأن النكاح ملك معصوم ولا عصمة مع الردة .. والدليل عليه أن الردة لو اعترضت على النكاح رفعته .. فإذا قارنته تمنعه من الوجود من طريق الأولى كالرضاع لأن المنع أسهل من الرفع".

٣ ـ كما ورد فى كتاب الهداية شرح بداية المبتدئ لشيخ الإسلام برهان الدين أبى بكر المرغينانيّ ، طبع المطبعة الأميرية سنة ١٣١٥ ه‍ جزء ٢ ص ٥٠٥ باب نكاح أهل الشرك ما نصه." ولا يجوز أن يتزوج المرتد

١٤٦

مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة ؛ لأنه مستحق للقتل والإمهال ضرورة التأمل والنكاح يشغله عنه". وعلّق الكمال بن الهمام على ذلك بقوله : " أما المسلمة فظاهر لأنها لا تكون تحت كافر وأما الكافرة فلأنه مقتول معنى. وكذا المرتدة لا تتزوج أصلا لأنها محبوسة للتأمل ومناط المنع مطلقا عدم انتظام مقاصد النكاح وهو لم يشرع إلا لها". وقد جاء فى المرجع الأصلي للمرغيناني فى باب أحكام المرتدين جزء ٤ ص ٢٩٦ حيث قسم تصرفات المرتد إلى أقسام وجعل القسم الثانى منها باطلا بالاتفاق ومثل له بالذبيحة والنكاح.

٤ ـ وفى كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعلامة محمد علاء الدين الحصفكى طبع المطبعة الأميرية جزء ١ ص ٤٠٧ فى باب نكاح الكافر : " ولا يصلح أن ينكح مرتد أو مرتدة أحدا من الناس مطلقا" وفى باب المرتد جزء ٢ ص ٢١٠ : " ويبطل منه اتفاقا ما يعتمد الملة وهو خمس النكاح والذبيحة والصيد والشهادة والإرث" وعلق الشيخ بن عابدين فى حاشيته على قول الحصفكى ما يعتمد الملة نقلا عن الطحاوى" إن ما يكون الاعتماد فى صحته على كون فاعله معتمدا ملة من الملل والمرتد لا ملة له أصلا لأنه لا يقر على ما انتقل إليه".

٥ ـ وورد فى كتاب البحر الرائق فى شرح كنز الدقائق للعلامة زين العابدين بن نجيم الملقب بأبى حنيفة الثانى جزء ٥ ص ١٤٤ الطبعة الأولى ، بالمطبعة العلمية ، بعد أن تكلم على تصرفات المرتد حال الردة : " والحاصل إن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا وهى خمسة النكاح والذبيحة والصيد والإرث والشهادة".

١٤٧

٦ ـ وذكر الزيلعى فى شرحه للكنز جزء ٢ ص ٢٨٨ طبع بالمطبعة الأميرية سنة ١٣١٢ ه‍ نحو ذلك ومثل للباطل من تصرفات المرتد بالنكاح وذكر المؤلف نفسه فى باب النكاح الكافر جزء ٢ ص ١٧٣ شرحا لقول المتن" ولا ينكح مرتد ولا مرتدة أحدا لأن النكاح يعتمد الملة ولا ملة للمرتد".

٧ ـ كما ورد فى كتاب المغنى لابن قدامة الحنبلى ص ٨٣ جزء ١٠ الطبعة الأولى بمطبعة المنار سنة ١٢٤٨ ه‍ تحت عنوان بطلان تزوج المرتد وبطلان ملكه" وإن تزوج لم يصح تزوجه لأنه لا يقر على النكاح وما منع الإقرار على النكاح منع انعقاده كنكاح الكافر المسلمة وإن زوج لم يصح تزوجه لأن ولايته على موليته قد زالت بردته".

٨ ـ وقال مثل ذلك صاحب الشرح الكبير المطبوع مع المغنى ص ٩٨ من الجزء نفسه.

٩ ـ وقال مثله الهيثمى بن حجر فى شرحه تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج ٩ ، ص ١٠٠

ومن حيث أن المدعى بعد أن استبان فى جلسة المناقشة فساد ما يؤسس عليه دعواه من أن فقهاء الشريعة الإسلامية لم يضعوا لزواج المرتد حكما عمد إلى إقامة الدعوى على أساس آخر ذلك أن وصف الردة على ما ينطبق عليه لا يلحقه فلا محل لتطبيق أحكام زواج المرتد على زواجه واستشهد فى تعريف الردة قولا لابن عابدين فى حاشيته رد المحتار على الدر المختار جاء فيه أن المرتد لغة هو الراجع مطلقا والمرتد شرعا هو الراجع عن دين الإسلام وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان وهو

١٤٨

تصديق محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فى جميع ما جاء به عن الله تعالى مما علم مجيئه بالضرورة ويستطرد المدعى إلى أنه لم يكن مسلما فى أى وقت من الأوقات بل أنه ولد بهائيّا عن أبيه وتبعا له ، واستدل على بهائية أبيه بالشهادة التى قدمها من المحفل المركزى للبهائيين بمصر والسودان ثم رتب على ذلك كله أن يعتبر ذميّا لا مرتدّا ، ولا تنطبق فتيا المفتى على حالته حيث ورد فيها أن من اعتنق مذهب البهائية بعد ما كان مسلما صار مرتدّا عن دين الإسلام ولا يجوز زواجه مطلقا ولو ببهائية مثله ، ثم أشار إلى أن زوجته مولودة لأبوين بهائيين وأنه لم يكن مسلما لا هو ولا زوجته فى أى وقت حتى يقال أنه مرتد.

ومن حيث أنه وإن كانت الردة معنى شرعيّا للتكذيب بعد سابقة التصديق إلا أن مقطع النزاع فى الأساس الجديد الّذي يحاول المدعى أن يقيم عليه دعواه هو معرفة حكم ابن المرتد فى الشريعة الإسلامية متى كان أبوه أو أمه أو أحد أجداده مسلما الأمر الّذي كلفت المحكمة الطرفين بحثه فتقاعسا عنه (وبحث ابن عابدين الّذي أتينا به فى مذكرتنا؟) وهو ما نؤخر التصدى له إلى ما بعد مناقشة الأوراق المقدمة من المدعى عن المحفل البهائى إذ هى دليل الواقعة التى يقيم المدعى نظريته الجديدة عليها.

ومن حيث أنه قد بان للمحكمة من الرجوع إلى شهادة المحفل البهائى المقدمة من المدعى أخيرا أن عبارتها جرت على النحو الآتى : " بناء على الطلب المقدم من حضرة مصطفى كامل عبد الله أفندى المدعى بإعطائه شهادة من واقع سجلات المحفل الروحانى المركزى للبهائيين بمصر والسودان عن قد والده حضرة على أفندى عبد الله بها تقرر أنه بالاطلاع على

١٤٩

سجلات المحفل تبين أن حضرة على أفندى عبد الله مقيد بهذه السجلات الممسوكة منذ عام ١٩٢٩ كأحد أفراد الطائفة البهائية بمصر". وأول ما يلحظ فى شأن هذه الشهادة أنها جهلت تاريخ تمذهب والد المدعى بالبهائية كما أنها لم تعين بالضبط الوقت الّذي مسكت فيه سجلات المحفل واكتفت بالقول أنها ممسوكة منذ عام ١٩٢٩ ويأخذ الأمر على ظاهر ما فيه وبافتراض أن والد المدعى كان من أوائل من اعتنقوا البهائية فى سنة ١٩٢٩.

فإن ما جاء بوثيقة زواج المدعى المؤرخة ٢٠ من مارس سنة ١٩٤٧ والتى ذكر بها أن عمره أربعة وثلاثين سنة أى أنه مولود عام ١٩١٢ إذا ما قورن هذا الأمر بذلك أمكن استخلاص أن سن المدعى وقت أن اعتنق والده البهائية ١٦ سنة ومقتضى ذلك ولازمه أن وقت أن حملت أم المدعى به كان أبوه مسلما ، ووقت أن ولد المدعى كان الأب مسلما أيضا ، ووقت أن بلغ المدعى سن التكليف كان الأب لا يزال على إسلامه ، ولا خلاف فى أن سن التكليف وهو سن المحاسبة على ترك فرائض الإسلام هو من سن الخامسة عشر ، بل البهائية نفسها تتخذ هذا السن سنّا للبلوغ كما ورد فى قانون أحوالها الشخصية على نحو ما سلف ذكره. ومن ثم يكون المدعى قد علق فى بطن أمه بأب مسلم وولد لأب مسلم ، فهو مسلم تبعا لأبيه ، وهو الابن قد بلغ مسلما قبل أن يرتد أبوه عن الإسلام وهو (المدعى) إذ يقول اليوم أنه بهائى يكون قد ارتد عن الإسلام بكل معانى الكلمة لغة وشرعا بحكم فتيا المفتى من أن من كان مسلما واعتنق البهائية فهو مرتد وزواجه باطل سواء أكان من مسلمة أو بهائية ومن ثم فلا حاجة فى هذا المقام إلى بحث ما إذا كان زوجته مولودة لوالدين بهائيين كما يقول المدعى أم لا. ويكفى الإشارة إلى

١٥٠

أن الشهادة المقدمة لم تشر إلى والدة الزوجة وإنما أشارت إلى أن أباها خليل عياد أفندى من الطائفة بحسب السجلات الممسوكة بالمحفل سنة ١٩٢٩. وهذا لا يفوت المحكمة أن تشير إلى أن الورقة ١١١ من ملف خدمة المدعى المقدم من الحكومة تدل على أن المدعى ولد على التحقيق فى ٢٨ مايو ١٩١٢ مما يقطع بأنه كان يقارب السابعة عشر حينما ارتد أبوه على فرض أن تلك الردة كانت فى أوائل سنة ١٩٢٩ عقب إصدار الدستور البهائى وإنشاء المحفل الروحانى.

ومن حيث أن حكم الشريعة الإسلامية فى شأن ابن المرتد قاطع لكل شبهة دافع للأساس الجديد الّذي يحاول المدعى إقامة الدعوى عليه وذلك أن ابن المرتد مسلم فى نظر الإسلام سواء أعلق فى بطن أمه قبل الردة أم بعدها. ومن باب أولى ما إذا كان قد ولد قبل ردة أبيه ، بل يكفى لاعتبار ابن المرتد مسلما أن يكون لأحد أبويه أب مسلم مهما علا وبعد سواء أمات هذا الجد البعيد على الإسلام أو ارتد عنه حال حياته. ويرى البعض أن ابن المرتد مرتد ولكن لا يقتل إلا بعد البلوغ وحاصل ذلك أن ابن المرتد يعلق ويولد ويبلغ مسلما ، فإن ظهر منه الكفر بترك الإسلام فهو مرتد أصيل يستتاب ويمهل فإن لم يتب يعامل معاملة المرتد من وجوب القتل إن كان ذكرا والحبس والضرب حتى الموت إن كان أنثى وذلك من عدة أوجه أساسية منها أن الإسلام دين الفطرة فهو دين من لا دين له. ومنها أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ومنها أن من ولد فى دار الإسلام ولم يعرف والده فهو مسلم فحكم الإسلام يثبت ابتداء تبعة الدار عند الولادة. ومن باب أولى من بقى بدار الإسلام حتى بلغ أشدّه ، وهذا أمر مسلم متفق عليه فى المذاهب

١٥١

الأربعة وأما أدلة ذلك :

فأولا : جاء فى ٩٣ ج ١٠ من كتاب المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى وهو حنبلى المذهب : " فأما أولاد المرتد فإن كانوا ولدوا قبل الردة فإنهم محكوم بإسلامهم تبعا لآبائهم ولا يتبعونهم فى الردة ؛ لأن الإسلام يعلو وقد تبعوهم فيه فلا يتبعونهم فى الكفر ، ولا يجوز استرقاقهم صغارا لأنهم مسلمون ولا كبارا لأنهم إن ثبتوا على إسلامهم فهم مسلمون ، وإن كفروا فهم مرتدون حكمهم حكم آبائهم فى الاستتابة". وهذا رأى الحنابلة فى ابن المرتد إن ولد قبل ارتداد أبيه أما المالكية فيرون أن ابن المرتد مسلم حتى ولو ولد حال ردة أبيه ودليله هو.

ثانيا : فقد قال الشيخ أحمد الدردير فى الشرح الكبير على خليل جزء ٤ ص ٣٠٥ فى باب الردة : " ويبقى ولده الصغير مسلما ولو ولد فى حال ردة أبيه أى حكم بإسلامه ولا يتبعه. ويجبر على الإسلام إن أظهر خلافه. فإن ترك أى : لم يطلع عليه حتى بلغ وأظهر خلاف الإسلام فيحكم عليه بالإسلام ويجبر عليه ولو بالسيف".

ثالثا : أما الأحناف فقد جاء فى المبسوط للسرخسى ص ٢٧ جزء ٣٠ فى صدر الحديث عما إذا ارتد الزوجان ثم ولدت الزوجة منه : " وأما الولد فإن ولدته لأقل من ستة أشهر منذ يوم أن ارتد فله الميراث لأننا تيقنا أنه كان فى بطن أمه حين كان الزوجان مسلمين فهو محكوم له بالإسلام ثم لا يصير مرتدّا بردة الأبوين ما بقى فى دار الإسلام لأن حكم الإسلام يثبت ابتداء بتبعة الدار فلأن يبقى فهو أولى به".

١٥٢

رابعا : أما الشوافع ففى رأيهم جماع الآراء السابقة بل وأكثر فقد جاء فى متن المنهاج مع شرحه لابن حجر ص ٩٨ وما بعدها" وولد المرتد إن انعقد ـ أى علق فى بطن أمه ـ قبل الردة أو بعدها وكان أحد أبويه من جهة الأب أو الأم وإن علا أو مات مسلما فهو مسلم تغليبا للإسلام ، وإن كان أبواه مرتدين وليس فى أصوله مسلم فمسلم أيضا لا يسترق ويرثه قريبه المسلم ويجزئ عتقه عن الكفارات إن كان فتى فبقاء علقة الإسلام فى أبويه وفى قول من هو مرتد وفى قول هو كافر أصلا لتولده بين كافرين ولم يباشر إسلاما حتى يغلظ عليه فيعامل معاملة الحربى إذ لا أمان له ، نعم ولا يقر بجزية لأن كفره لم يسند بشبهة دين كان حقّا قبل الإسلام إلا ظهر أنه مرتد وقطع به العراقيون ونقل إمامهم القاضى أبو الطيب الاتفاق من أهل المذهب على كفره ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن الإسلام".

ومن ثم فلا حاجة لما يثيره المدعى من أن وصف الردة لا ينطبق عليه لأنه لم يكن مسلما وارتد عن الإسلام إذ أنه ولد لأب بهائى ، لا حجة فى ذلك بعد أن ثبت أن البهائى مرتد وأن ابن المرتد إما مسلم فإن بلغ وأظهر غير الإسلام فيكون قد ارتد بعد البلوغ تجرى فى شأنه أحكام الردة من حيث وجوب القتل وبطلان التصرفات التى تعتمد الملة وأهمها الزواج. وإما أنه مرتد تبعا لأبيه أو أبويه ولكن لا يقتل إلا بعد البلوغ وبعد أن يستتاب فإن لم يتب تجرى فى شأنه أحكام الردة.

ومن حيث أن لا تزال فى ذهن المدعى شبهة يجب أن تندفع تلك هى أنه يحوم حول الذميين بحجة أنه صاحب دين يترك وما هو عليه ، وتستحق عليه الجزية فيكون زواجه صحيحا فى نظر الإسلام وفاته أن الدين الّذي يقر

١٥٣

معتنقه عليه بالجزية هو الدين الّذي كان حقّا قبل الإسلام كما سلف فى متن المنهاج وشرحه لابن حجر. وأما ما تلى الإسلام من الادعاء بنزول دين جديد فزندقة وكفر وتفصيل ذلك ما جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى ص ٥٦٨ جزء ١٠ مما يلى : " الذين تقبل منهم الجزية صنفان .. أهل الكتاب ومن له شبهة كتاب أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى. ومن يدين بدينهم كالسّامرة يدينون بالتوراة ويعلمون بشريعة عيسى وإنما خالفوهم فى فروع دينهم وفرق النصارى من اليعقوبية والنسطورية والملكية والفرنجة والروم والأرمن وغيرهم ومن دان بالإنجيل وانتسب إلى عيسى عليه‌السلام فكلهم من أهل الكتاب (الإنجيل) ومن عدا هؤلاء فكفار ليسوا من أهل الكتاب. وأما الذين لهم شبهة كتاب فهم المجوس فقد روى عن على بن أبى طالب قوله : " كان للمجوس علم يعلمونه وكتاب يدرسونه". ولأن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب". كما جاء فى الصفحة ٥٧٠ من المرجع نفسه : " إذا ثبت ذلك فإن أخذ الجزية من أهل الكتاب والمجوس ثابت بالإجماع من غير نكير ولا مخالف مع دلالة القرآن على أخذ الجزية من أهل الكتاب ودلالة السنة على أخذ الجزية من المجوس وما روى من قول المغيرة لأهل فارس : أمر نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية. وحديث بربك وعبد الله بن عوف ولا فرق بين كونهم عجما أو عربا".

ومن حيث أن المدعى لجأ فى مذكرته الأخيرة إلى محاولة إيجاد سند آخر لدعواه فذهب إلى القول بأنه ليس من مصلحة العدالة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على زواج المرتد فى الوقت الحاضر الّذي تعطل فيه

١٥٤

حكمها بقتل المرتد ؛ إذ أن حكم الشريعة ببطلان زواج المرتد إن هو إلا فرع عن أصل هو استحقاق المرتد للقتل أما وقد وتعطل الأصل فلا وجود ولا بقاء للفرع.

ومن حيث أن هذا الّذي يستحدثه المدعى مردود من عدة أوجه :

أولها : إن الطرفين قد احتكما إلى الشريعة الإسلامية فى شأن الزواج البهائى وتطاولا فى هذا المضمار ، وأدلى كل منهما بدلوه وتركا إلى المحكمة أن تقضى فيما تطاولا فيه.

وثانيها : أن الشريعة الإسلامية هى الأصل الأصيل لكل تقنين يصدر فى هذه البلاد وكانت للمحاكم الشرعية فى مصر زهاء ثلاثة عشر قرنا ولاية القضاء كاملة فى جميع الأقضية على مختلف أنواعها من شخصية إلى مدنية إلى جنائية إلى أن كانت الامتيازات الأجنبية التى بدأ من السلطان منة وفضلا وانقلبت فى آخر عهدها إلى أغلال وقيود تحد من سلطان الدولة ومن سيادة شريعتها ، وقد زال هذا القيد وانفك هذا الغل بحمد الله. صحيح أنه فى أواخر القرن الماضى أنشئت المحاكم الوطنية التى أريد بها أن تسمى بالمحاكم النظامية أو الأهلية كما أنشئت المحاكم المختلطة إذ ذاك وأصدر ولى الأمر إذ ذاك قوانين وضعية لتطبق فى تلك المحاكم وقد زالت المحاكم المختلطة وقوانينها بزوال الامتيازات الأجنبية وبقيت المحاكم الوطنية بقوانينها ولكن المقطوع به أن ولى الأمر لم يقصد حين أصدر القوانين المدنية والجنائية وقوانين الإجراءات لكليهما لم يقصد مخالفة الشريعة الإسلامية بل إنه بعد أن أعد نوبار باشا رئيس الوزراء إذ ذاك تلك القوانين الوضعية بوساطة لجان كان معظمها من المشرعين الأجانب أو من الأجانب المتمصرين دفع بها ـ

١٥٥

ولى الأمر ـ قبل إصدار أمره الكريم بالعمل بها إلى شيخ الأزهر ، وكان إذ ذاك الشيخ المنياوى وعرضت الكثرة الغالبة منها ٢٢٧٧ مادة على علماء الأزهر فأقروا أنها لا تخالف الشريعة الإسلامية فهى إما نصوص توافق الشريعة الغراء تماما أو نصوص توافق الرأى الراجح بين فقهاء الشريعة أو نصوص توافق بعض الآراء فى المذاهب ولو كانت مرجوحة أو نصوص لا تقابل نصّا ولا رأيا فى الإسلام ، ولكنها من قبيل المصالح المرسلة التى ترك الإسلام لأهلها الاجتهاد فيها كل مصر بحسب ظروف زمانه ومكانه كقوانين الإجراءات ومنها قانون المرافعات وقانون تحقيق الجنايات وصحيح إلى جانب ذلك أن بعض مواد قانون العقوبات لم تعرض على هيئة كبار العلماء إذ ذاك وكل ما ترتب على ذلك من أثر أن تعطلت بعض الحدود الشرعية. فلما جاء الدستور أكد تلك الحقيقة الواقعة وهى سيادة الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية فنص فى المادة ١٤٩ منه على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمى مما سيجيء الكلام عنه بعد فترة ، ومن ثم يكون كل تقنين يعارض أصلا أساسيّا فى شرعة الإسلام غير دستورى. هذا وقد توقع بعض فقهاء الإسلام تعذر قتل المرتد لأى سبب كالهرب والاختفاء عن الأعين أو كونه خارج حدود دار الإسلام أو كونه داخلها لكن تحوطه قوة ومنعة يحسن معها التربص إلى حين مباغتته ؛ ولذلك قالوا إن مناط قتل المرتد القدرة على ذلك فقد روى فى المغنى لابن قدامة موفق الدين على مختصر الخرقى عند الكلام على حكم المرتد : " ومتى قدر على الزوجين المرتدين أو على أولادهما استتيب منهم من كان بالغا عاقلا ، ومن كان غير بالغ انتظرنا بلوغه ، وينبغى أن يحبس حتى لا يهرب". هذا وقد علم أيضا أن حد السرقة وهو

١٥٦

قطع اليد قد عطل عام المجاعة ، وكان التعطيل فى عهد من؟ فى عهد عمر بن الخطاب .. وهو من؟ هو أشد المسلمين استمساكا بأحكام الشريعة حتى إنه حين أمر بإقامة حد الخمر على ابنه ولحظ أن منفذ الحد يترفق بابنه حتى لا يوجعه ثار وأبى إلا أن ينفذه بشدة وعنف قضيا على حياة ابنه بين يديه. ولم يعرف إذ ذلك أن تعطيل هذا القدر من الحدود للضرورة دعا إلى تعطيل بقية الحدود وإلى تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية التى هى أصل لذلك الفرع.

ومن حيث أن المدعى قد استند ضمن ما استند إليه فى صحة دعواه إلى أن أحكام القانون الوضعى تحول دون تطبيق أحكام الردة كليّا أو جزئيّا حيث نص الدستور وهو القانون الأصلي لكل القوانين فى المادة ١٢ منه على أن" حرية الاعتقاد مطلقة". وذهب فى تفسيرها إلى أن حرية الاستمرار على عقيدة ما وحرية تغيير تلك العقيدة فى أى وقت لأن حرية تغيير العقيدة هى مظهر من المظاهر الأولية الأساسية لحرية الاعتقاد وفى إبطال زواج من يغير عقيدته لتلك الحرية التى نص الدستور على أنها مطلقة.

ومن حيث أن هذا الّذي يذهب إليه المدعى فى تفسير هذه المادة هو على العكس تماما مما قصد إليه واضعوها فى لجنة الدستور وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور طبعة مطبعة مصر فى ١٩٤٠ ص ٨٧ جزء ١ فى شأن المادة ١٢ ونصها الحالى بالدستور" حرية الاعتقاد مطلقة" تجد صياغتها الأولى من لجنة وضع المبادي العامة للدستور كانت تجرى على هذا النسق" حرية الاعتقاد الدينى مطلقة فلجميع سكان مصر الحق فى أن يقوموا بحرية علانية أو غير علانية بشعائر أية ملة أو دين أو عقيدة ما دامت هذه

١٥٧

الشعائر لا تنافى النظام العام أو الآداب العامة". هكذا وضعتها اللجنة العامة فى الدستور مسترشدة بمشروع كان قد أعدّه اللورد كرزون وزير خارجية إنجلترا إذ ذاك للدستور المصرى. ولا خفاء فى أن النص لو بقى على حالة من السعة والشمول لأمكن القول فى ظله بما يقوله المدعى اليوم من إطلاق الدستور لحرية الاعتقاد الدينى وكفالته لإقامة شعائر الأديان أيّا كانت لا الأديان المعترف بها إذ ذاك فحسب وهى الأديان السماوية ، وإنما شعائر أية ملة أو عقيدة أو دين ولو كان مستحدثا هذا الإطلاق والشمول يمكن كل صاحب دين أن يخرج من دينه إلى أى دين آخر سواء أكان سماويّا أو غير ذلك معترفا به من قبل أو مبتدعا ويسوغ له أيضا أن يأتى هذا الأمر مرارا وتكرارا غير ملق بالا إلى ما لهذه الفوضى من أثر ومساس بحقوق خطيرة كالإرث والنسب والزواج وبحقوق أخرى لا يستطيع أصحابها الدفاع عنها كالقصر ومعدومى الأهلية وكل ذلك دون أن يتحمل أية مسئولية مدنية أو جنائية ولهذا نجد أن فضيلة الشيخ بخيت يقول فى جلسة ١٥ من أغسطس سنة ١٩٢٢ : " أطلب تعديل المادة العاشرة ـ هكذا كان ترتيبها ـ من باب حقوق الأفراد لأنها بحالتها الحاضرة لا يقرّها دين من الأديان ؛ ولأنها تؤدى إلى الفوضى والإخلال بالنظام وأطلب أن يكون النص قاصرا كأن يدعى شخص مثلا أنه المهدى المنتظر ويأتى بشرع جيد" وقد أيد هذا الاقتراح نيافة الأنبا يؤنس بقوله : " اقتراح الأستاذ مفيد ولنا عليه دليل قريب فإن سرجيوس خرج على الدين ـ المسيحية ـ وشرع فى استحداث دين جديد وطلب من الحكومة الترخيص له بذلك فرفضت وهذا دليل على أنه لا يمكن الترخيص بغير الأديان المعترف بها" كما نجد أن الشيخ

١٥٨

محمد خيرت راضى بك قد اقترح حذف كلمة الدين من الفقرة الأولى فتصبح حرية الاعتقاد مطلقة وشرح اقتراحه بقوله : " وبغير ذلك يباح لكل شخص أن يترك دينه ويعتنق دينا آخر دون أن يتحمل مسئولية ذلك من مدنى وغير مدنى مع انه لا نزاع فى أنه يترتب على تغيير الدين نتائج هامة فى الميراث وغيره ويكفى أن يكفل النص حرية الاعتقاد ؛ لأن هذا هو الغرض المقصود من المادة على ما أعتقد. أما المادة الثانية من المادة فقد جعلت إقامة الشعائر الدينية مطلقة من كل قيد وهذا يؤدى إلى الإخلال بالنظام".

وهنا تساءل إبراهيم الهلباوى فى حالة ما إذا أخذ بالاقتراح الأخير وأصبحت الفقرة الأولى" حرية الاعتقاد مطلقة" عن أى اعتقاد يقصد المقترح وهل يدخل فيه الاعتقاد الدينى أو لا؟. فرد الشيخ بخيت بقوله : " الاعتقاد شيء والدين شيء آخر ، فالمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة ـ لكل فرقة اعتقاد خاص ـ مع أن لهم دينا واحدا".

صحيح أن جلسة ١٥ من أغسطس سنة ١٩٢٢ انتهت بموافقة أغلبية الحاضرين من لجنة الدستور على الإبقاء على النص الأصلي الّذي أعدتّه لجنة وضع المبادي العامة إلا أن ذلك كان عقب ما قرره حضرة عبد العزيز بك فهمى حيث قال : " ألفت نظر اللجنة إلى ان هذا النص مأخوذ بحروفه من مشروع اللورد كرزون ، وقد اتفقنا على أن نأخذ هذه النصوص فى دستورنا حتى لا نرغم على وضعها عند المفاوضات" وهذا واضح الدلالة على أن لجنة الدستور لم تكن مختارة حين قبلت أغلبيتها هذا النص بل كان مفروضا عليها ، ورغم ذلك ورغم تلك السلطة الأجنبية الغالبة استطاعت الاتصالات خارج اللجنة إلى تعديل المادة على النحو الّذي اقترحه الشيخ

١٥٩

خيرت راضى وكان ذلك فى فترة وفى جلسة ٢٨ من أغسطس سنة ١٩٢٢ حيث قال فضيلة الشيخ بخيت : " حسما للنزاع الّذي قام بشأن المبدأ الخاص بحرية الأديان أقترح أن تحذف كلمة الدين من صدر المادة لتكون حرية الاعتقاد مطلقة بدلا من أن تكون حرية الاعتقاد الدينى مطلقة" موافقة عامة. ومفاد ذلك فى ضوء المناقشات التى جرت حين قدّم هذا الاقتراح لأول مرة فى الجلسة السابقة على لسان الشيخ محمد خيرت راضى بك أن قصر عبارة المادة على حرية الاعتقاد مع حذف كلمة الدين مقصود منه ما قرره الشيخ بخيت من أن الاعتقاد شيء والدين شيء آخر. وأصبح بحالة يحمى المسلم الّذي يغير مذهبه من شافعى إلى حنفى والمسلم الّذي يترك فرقة الشيعة وينضم إلى فرقة أهل السنة أو فرقة الخوارج أو المعتزلة كما يحمى النص المسيحى الّذي يدّعى الكثلكة أو يتمذهب بالبروتستانية ولكنه لا يحمى المسلم الّذي يرتد عن دينه من أن يتحمل مسئولية تلك الردة مدنية كانت أو غير مدنية ، كما لا يبيح لأى شخص أن يدّعى أنه المسيح نزل إلى الأرض أو المهدى المنتظر أو أنه رسول جديد يهبط عليه الوحى من السماء أو أنه صاحب كتاب سماوى إذ لا حماية لهذا المدّعى من الدستور بحسب النص الجديد للمادة ١٢ منه.

ومن حيث أنه مما يزيد هذا الأمر جلاء ووضوحا ما نص عليه الدستور فى المادة ١٤٩ من أن الإسلام دين الدولة الرسمى فعبارة مطلقة كهذه تقطع بأن أحكام الإسلام لها السيادة التامة فى هذه البلاد ترفع كل ما يعترضها وتزيله وكل تشريع يصدر مناقضا لها يكون غير دستورى. ويؤيد هذا الرأى التاريخ التشريعى لهذه المادة ، وذلك أنه فى جلسة ٢ من مايو

١٦٠