في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

الحج :

الحج عند البابيين هو الطواف حول الباب بشيراز ، وهو مفروض على الرجال دون النساء عدا نساء شيراز فواجب عليهم الطواف ليلا ولا يجوز أن يحج أحد عن أحد.

ومن المعروف أن الباب جعل من بيته بشيراز حرما آمنا ، وكعبة يتوجه إلى شطرها أتباعه البابيون.

والعجيب فى أمره أن أباح الحج للرجال دون النساء مع أن دعوته تسمح بالاختلاط بل وسفور المرأة ، وهو لا يحدد وقتا معينا للحج ، ويعتبر حاجّا بابيّا من زار بيته فى شيراز أو بيوت أصحابه الثمانية عشر الذين أطلق عليهم لفظ" حروف حي".

من ذلك كله يتضح لنا مدى عمق الانحراف فى عقائد وشرائع البابية ، فالباب الشيرازى كما هو واضح تماما من خلال عرض مباديه وشرائعه حاول أن يكون معول هدم لشريعة الإسلام (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ) (١). [صدق الله العظيم].

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩٣.

٦١
٦٢

القسم الثانى

البهائية

المبحث الأول : سيرة البهاء.

المبحث الثانى : مؤلفات البهاء.

المبحث الثالث : أساليب البهائية.

المبحث الرابع : عقائد البهائية.

المبحث الخامس : شريعة البهاء.

٦٣
٦٤

المبحث الأول

سيرة البهاء

اسمه الميرزا حسين على سماه والده هكذا تبركا باسم الإمام الحسين ووالده الإمام على بن أبى طالب ، فهو حسين على بن الميرزا عباس بزرك المازندرانى النورى ، نسبة إلى نور القرية التى ولد فيها ، وهى من أعمال مازندران الإيرانية ، وكان مولده فى الثانى من المحرم سنة ١٢٣٣ للهجرة الموافق للثانى عشر من نوفمبر سنة ١٨١٧ م.

وكان والده الميرزا عباس بزرك موظفا بوزارة المالية ، ويقال أنه كان أمينا لبيت المال فى مازندران ، وكان والده كثير الزيجات ، ذكروا أنه تزوج أربع مرات ، وقالوا تسع مرات ، وكان حسين على الثالث من خمسة عشر طفلا ، والعشرة منهم ذكورا والبقية إناثا" (١).

وقال محمد فاضل : " خلف من الأولاد سبعة ذكور : الأول الميرزا محمد حسن ، والثانى الميرزا حسين على صاحب الترجمة ، والثالث الميرزا موسى الملقب عند البهائية بالكليم ، والرابع الميرزا تقى بريشان ، والخامس الميرزا رضاقلى الطبيب ، والسادس الميرزا يحيى الملقب من الباب بصبح أزل ، والسابع الميرزا محمدقلى. وكان الثانى والسابع من أم واحدة" (٢).

__________________

(١) الحسنى : البابيون ، والبهائيون ، طبعة بغداد ، ١ / ٧٨.

(٢) فاضل ، محمد : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ٢٥٦.

٦٥

وكان حسين على ـ منذ صباه ـ محبّا لمعرفة العلوم الباطنية ، شغوفا بالاطلاع على الأفكار الغربية والفلسفات الشاردة والفكر المنحرف ، كذا أخوه يحيى الّذي لقبه الباب بصبح أزل .. فما أن عرف بدعوة الباب الخارجة عن الإسلام ، وبأفكاره المنحرفة عن جادة الإسلام ، وميوله الإلحادية ودعوته الانحلالية حتى سارع مع أخيه للانضمام إلى جماعته والسير فى ركاب مذهبه الهدام ، والتفانى فى خدمة عقيدته الفاسدة.

وقال بعض الباحثين أن يحيى الملقب بصبح أزل وحسين على البهاء اجتمعا بالباب أثناء سجنه بقلعة جهريق بأذربيجان ، واتفقا معه على الإيمان بدعوته" فبايعاه على الكفر ، وعاهداه على دعوة الناس إليه ، وشخصا إلى طهران يبثان فى ملتها أضاليله وكفرياته ، ثم انحدر البهاء إلى مازندران وطاف ببلدانها يدعو إلى هذا الإفك مبتدئا من بلدة نور الإيرانية مسقط رأسه ، ثم قفل راجعا إلى طهران ، وكان ذلك فى آخر أيام الشاه محمد رحمة الله عليه" (١). وكان فى حوالى السابعة والعشرين من عمره حين اعتنق البابية ، قال أحد أتباعه فى كتابه بهاء الله والعصر الجديد : " لما أعلن الباب دعوته اعتنق أمر الدين الجديد بشجاعة وكان إذ ذاك فى السنة السابعة والعشرين من عمره" (٢). أى أنه كان بابيّا منذ عام ١٢٦٠ ه‍ الموافق لعام ١٨٤٤ م ، أى مع بداية الدعوة البابية.

وفى مؤتمر بدشت أشهر مؤتمرات البابية ، والّذي أشرنا إليه من قبل استطاع حسين على أن يؤثر على قرة عين ، بشبابه وجاذبيته ، فهامت به

__________________

(١) فاضل ، محمد : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ٢٥٧ ـ ٢٥٨.

(٢) أسلمنت : بهاء الدين والعصر الجديد : ص ٣٢.

٦٦

وجدا وتدللا ، وكذا تمكن من غزو عقلها قبل أن يغزو قلبها ، وقد وافقها ميرزا حسين على فى كل أفكارها المنحرفة ودعوتها إلى الانحراف عن الشريعة الإسلامية وحدودها ، وكذا دعوتها إلى نسخ الشريعة الإسلامية ، حتى إنه لما ثار عليها بعض البابيين نتيجة تطرف أفكارها ومناداتها بنسخ الشريعة الإسلامية وبظهور البابية وقف بجانبها مناصرا ومؤيدا ومشجعا أفكارها تشجيعا كبيرا وقويّا ، و" فتح المصحف الشريف وقرأ منه سورة الواقعة وفسرها بتفسير يؤيد ما قالته قرة العين ويصوبها ، وكتب بعد ذلك إلى الباب الشيرازى بماكو يطلب منه الفصل فى القول ، فوافق الشيرازى قرة العين وحسين على وعصابتهما القائلين بنسخ الإسلام" (١).

وحسين على هذا هو الّذي أوحى إلى قرة عين بأن تطلق عليه اسم بهاء الله ؛ فنشرته بين البابية ، ومنحته هذا الاسم.

ويقال إن تلقيب الميرزا حسين على نفسه بالبهاء ، مأخوذ من دعاء يتلوه الشيعة فى أوقات السحر من شهر رمضان منه : " اللهم إنى أسألك من بهائك بأبهاه وكل بهائك بهي ، اللهم إنى أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل ، اللهم إنى أسألك بجمالك كله" (٢).

كذلك فإن سبب تلقيب الميرزا يحيى ب" صبح أزل" مأخوذ مما ينسب إلى سيدنا على بن أبى طالب ، لما سأله كميل بن زياد عن الحقيقة فقال له على : مالك والحقيقة ، قال كميل : أو لست بصاحب سرك قال : نعم ، يرشح عليك ما يطفح منى. فقال كميل : أو مثلك يخيب السائل؟

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البهائية نقد وتحليل ، طبعة لاهور ، باكستان ، ١٤٠١ ـ ١٩٨١ م ، ص ٤ ، نقلا عن الكواكب الدريّة ، طبعة؟؟؟ ١٣١.

(٢) فاضل ، محمد : الحراب فى صدر البهاء والباب ص ٧ ، ٢.

٦٧

قال : الموهوم وصحو المعلوم قال : زدنى بيانا. قال : نور أشرق من صبح الأزل فلاح على هياكل التوحيد وأناره. قال : زدنى بيانا. قال كرم الله وجهه : أطفئ السراج فقد طلع الصبح" (١).

ويكاد يجمع الباحثون والمؤرخون على أن الباب استخلف الميرزا يحيى أخو البهاء قبل هلاكه ، وأن البهاء بمكره استطاع أن يدعى أنه خليفة الباب وليس الميرزا يحيى هو الخليفة وقد استفاد من كونه وكيلا لأخيه صبح أزل ، فقد أنعم عليه الباب بالوكالة ، وزعم أنه الخليفة لا صبح أزل واحتدم الخلاف بين الأخوين لدرجة أن كلا منهما دس لأخيه السم فى طعامه دون طائل.

ولما احتدم الخلاف بين الأخوين نفت الحكومة التركية البهاء وأتباعه إلى عكا ، وصبح أزل وأتباعه إلى فاماغوسا بقبرس. وقد وصف صبح أزل أخاه البهاء فى كتابه" ألواح" بالعجل ، ووصف البهاء صبح أزل فى كتابه الأقدس بالمشرك الكافر.

وفى الوقت الّذي وضع فيه البهاء كتاب" الإيقان" للدفاع عن عقائد البابية والدفاع عن الشيرازى وأفكاره الغريبة نجد أن البهاء يدعى أيضا أنه هو الّذي أرسل الباب ، ومن الطرائف أن كتاب الإيقان يتنازع فيه صبح أزل والبهاء حيث يدعى كل واحد منها بأنه من تأليفه ، والجدير بالذكر أن الإيقان الخطى باسم الميرزا يحيى صبح أزل" (٢).

__________________

(١) فاضل ، محمد : الحراب فى صدر البهاء والباب ، ص ٢٥٧.

(٢) إحسان إلهى ظهير : البهائية ، هامش ص ٢٩.

٦٨

وقد تدرج البهاء فى مراتبه ، ولقب نفسه فى البداية بالذكر ، وزعم أنه المراد بقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ثم سمى نفسه جمال القدم والحق والبهاء ، وزعم البهاء أنه هو المقصود فى ألواح الباب" بمن يظهره الله" ثم تدرج به الأمر فزعم أنه هو الّذي أرسل الباب وأرسل نفسه من قبل فى شخص زرادشت وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم ، وهكذا زعم البهاء أن الباب كان (نقطة) وأن الباب كمحمد وعيسى وموسى إنما جاء ليبشر بمجيء البهاء ، وأن هذه هى مهمة جميع الأنبياء ، فقد بعثوا جميعا وجاءوا ليبشروا بظهور الله فيه ، ووصل به الأمر إلى انه كان يكتب كتبا مسجوعة إلى الملوك والعظماء تذكرنا بسجع مسيلمة الكذاب.

والبهاء فى تطوراته الروحية العجيبة إنما كان يقلد أستاذه الباب فقد بدأ الباب فكره وعقائده بادعائه أولا أنه" باب القائم الموعود" ثم القائم ، ثم النبي ، ثم ارتقى بعد ذلك إلى عرش الربوبية والألوهية.

* علاقة البهاء بالروس :

كان أخوه الأكبر كاتبا بالسفارة الروسية فى طهران كما كان زوج أخته الميرزا مجيد سكرتيرا للوزير المفوض الروسى بطهران.

وكان صديق الأسرة آقا خان الصدر الأعظم للدولة الإيرانية وقتذاك كان مواليا للروس وكان معروفا بعمالته لهم.

وكان البهاء صديقا للروس وعميلا من عملائهم فى إيران ؛ ولهذا قدمت له السفارة الروسية فى طهران مساعدات كبيرة ووقفت بجانبه حينما

٦٩

أراد شاه إيران ناصر الدين القبض عليه ومحاكمته لتهمة تدبيره محاولة اغتياله ففر هاربا إلى السفارة الروسية فآوته ودافعت عنه ، وحينما طلبت الحكومة الإيرانية من السفير الروسى تسليمه رفض رفضا باتّا ، بل أرسله إلى منزل صديق الروس وعميلهم الكبير آنذاك آقا خان رئيس وزراء إيران وكتب إليه رسميّا : " عن الحكومة الروسية ترغب أن لا يمسه أحد بسوء ، وأن يكون فى حفظ وحماية تامة ، وحذره أن يكون رئيس الوزراء مسئولا شخصيّا إذا لم يعتن به".

وطبيعى أن رئيس الوزراء ذو السلطة الوثيقة بالروس وبالبهاء وعائلته أن يعتنى به شخصيّا أكثر من اللازم ، فأخفاه عنده واستضافه فى بيته بعض أيام ، ثم قدمه إلى المحاكمة واعتقل أربعة أشهر ، وظهر وقوف سفارة روسيا وعميلهم آقا خان بجانب البهاء حتى تمت تبرئته من محاولة تدبير اغتيال ناصر الدين شاه القاجار ، وهكذا لعبت حكومة روسيا وسفارتها دورا بارزا فى خروج عميلها البهاء من السجن ، وكانت أصابع رئيس الوزراء الخفية تلعب دورها من وراء ستار لتخرجه من معتقله ؛ حتى يتمكن من نشر مذهبه البهائى ويستطيع من خلاله إحداث التخريب الّذي يريدونه لتحطيم عقائد المسلمين ، فروسيا كانت تعلم جيدا مدى أهمية نشر هذه المبادي الهدامة كى تستطيع أن تصيب عقائد المسلمين وتفسد مبادي هذا الدين القويم.

ولقد ذكر المازندرانى نفسه هذه العلاقة الحميمة بينه وبين الروس وأثنى كثيرا على سفير روسيا فى طهران ، وعلى ملك الروس ، وبين أنه لو لا تدخل حكومة روسيا فى مسألته لظل فى أغلال السجن ، وقيوده الرهيبة

٧٠

فقال فى سورة الهيكل : " يا ملك الروس .. ولما كنت أسيرا فى السلاسل والأغلال فى سجن طهران نصرنى سفيرك" (١).

وأكثر من مرة ذكر فضل الروس عليه وموقفهم الّذي لا ينسى معه ، وألهج بالثناء عليهم ، بل وضع ملكهم فى مقام كريم لم يحط به أحد إلا هو ، فيقول فى كتاب من كتبه : " يا ملك الروس ، قد نصرنى أحد سفرائك إذ كنت فى السجن تحت السلاسل والأغلال ، بذلك كتب الله لك مقاما لم يحط به أحد إلا هو" (٢).

وحين أمرت الحكومة الإيرانية بنفيه إلى بغداد بلغ اعتناء الحكومة الروسية بعميلها البهاء أن أرسلت عددا من فرسانها الروس لتأمين حمايته وحفظه وإيصاله سالما إلى بغداد ، والبهاء نفسه يعترف بذلك فيقول : " إنا ما فررنا ، ولم نهرب ، بل يهرب منا عباد جاهلون ، خرجنا من الوطن ومعنا فرسان من جانب الدولة ـ العلية الإيرانية ، ودولة الروس إلى أن وردنا العراق بالعزة والاقتدار" (٣).

والأعجب من ذلك أمر آخر ، أنه مع ارتباطه العميق بالاستعمار الروسى والثناء عليه كان أيضا يحب الاستعمار الإنجليزى ويدعو لبقائه فى بلاد الإسلام ، ويلهج بالثناء على ملك إنجلترا جورج الخامس ويشيد بانتصاراته ، ويطلب من الله أن يؤيده ويصونه ويحميه يقول البهاء فى دعائه للملك جورج الخامس ملك الإنجليز : " اللهم أيد الإمبراطور الأعظم ، جورج الخامس ، عاهل إنجلترا بتوفيقاتك الرحمانية ، وأدم ظلها الظليل على

__________________

(١) البهاء : لوح ابن ذئب ، سورة الهيكل.

(٢) البهاء : مبين ، طبعة الهند ، ص ٥٧.

(٣) المازندرانى : الألواح ، ضمنها كلمات فردوسية ، طبعة مصر ، ص ١٩٥.

٧١

هذا الإقليم بعرفانك وصونك وحمايتك إنك أنت المقتدر المتعالى العزيز الكريم" (١). ولنا أن نتصور إنسانا مسلما يدعو للاستعمار والمستعمرين بالنصر ومزيد من المستعمرات الجديدة.

وفى الوقت الّذي كان يدعو فيه للاستعمار الروسى والاستعمار الإنجليزى كان يدعو أيضا للدولة العلية العثمانية بالنصر والتمكن فى الأرض مع أن إنجلترا وروسيا كانا من ألد أعداء الدولة العثمانية.

يقول فى دعائه للدولة العثمانية : " إلهى أسألك بتأييداتك الغيبية ، وتوفيقاتك الصمدانية ، وفيوضاتك الرحمانية أن تؤيد الدولة العلية العثمانية ، والخلافة المحمدية على التمكن فى الأرض والاستقرار على العرش" (٢).

فلا شك أنه كان ربيبا للاستعمار ؛ ولهذا ليس غريبا أن ينعم عليه بنيشان الإمبراطورية البريطانية ، ويحصل على لقب سير عام ١٩٢٠ م.

موت البهاء :

فى الثانى من ذى القعدة سنة ١٣٠٩ ه‍ الموافق للسادس عشر من شهر مايو سنة ١٨٩٢ م مات البهاء المازندرانى رب البهائية .. يقول داعية البهائية أبى الفضل الجلبائيانى" صعد الرب (يقصد البهاء) إلى مقر عزه الأقدس الأعلى ، وغابت حقيقته المقدسة فى هويته الخفية القصوى" (٣).

ونلاحظ هنا مدى الغلو فى تصوير البهاء واعتقاد ألوهيته.

وقد خلفه من بعده ابنه عباس أفندى الملقب عند البهائية بعبد البهاء وهو زعيم البهائية ونبيها من بعد أبيه ، فعبد البهاء نبى أما أبوه فكان عندهم

__________________

(١) مكاتيب عبد البهاء العباس : الترجمة العربية ، طبعة مصر ، ٣ / ٣٤٧.

(٢) مرجع سابق : ٢ / ٣١٢.

(٣) الجلبائيانى ، أبى الفضل : الحجج البهية ، طبعة مصر ، ص ١٣.

٧٢

فى مقام الربوبية ، ولهذا حين مات البهاء بكاه ابنه عبد البهاء فى مكاتيبه وقال : " إلهى إلهى ، تفتت كبدى ، واحترقت أحشائى فى مصيبتك الكبرى ورزيتك العظمى" (١).

وقد دفن البهاء قرب منزله بمنطقة بهجة فى عكا بأرض فلسطين التى قضى فيها حوالى ربع قرن من الزمان يدعو لمذهبه.

وينقل عمر عنائت فى كتابه العقائد عن أحد أبناء البهاء أنه جن فى أواخر أيامه ، وكان ابنه عباس عبد البهاء يعمل كحاجب له ، فاستأثر بالأمر وأغدق على الجماعة أموالا" (٢).

وعباس أفندى كما ذكرنا هو وصى البهاء ، ويذكر أسلمنت الداعية البهائى فى كتابه بهاء الله والعصر الجديد : " وكانت الوصية من الألواح الأخيرة التى نزلت وأمضاها وأختمها بنفسه ، وفضّت بعد تسعة أيام من صعوده بواسطة نجله الأكبر بحضور أعضاء أسرته وبعض الأصحاب ، وعرفوا مضمون الكتاب المختص الشهير بكتاب العهد ، وعلى مقتضى هذه الوصية أصبح عبد البهاء بدلا عن والده ومفسرا لتعاليمه ، وقد أمر بهاء الله أسرته وأقرباءه وجميع الأحباب أن يتوجهوا إليه ويطيعوه ، وبهذا الترتيب امتنع ظهور الانقسام بين الأحباء وأصبح الاتحاد على الأمر مضمونا" (٣).

__________________

(١) مكاتيب عبد البهاء العباس : طبعة الهند ، ص ٢٠٢.

(٢) عنائت عمر : العقائد ، طبعة مصر ، ١٩٢٨ م ، ص ١٥٦.

(٣) أسلمنت : بهاء الله والعصر الجديد ، طبعة مصر ، ص ٤٧.

٧٣

المبحث الثانى

مؤلفات البهاء

كتب البهاء المازندرانى كتبا كثيرة تحتوى على صفحات قليلة يمكننا اعتبارها رسائل ، فكتابه" الأقدس" الّذي يعتبره البهائيون كتابهم المقدس لا تزيد صفحاته عن ملزمة وربع الملزمة ، و" لوح أحمد" ولوح على" و" لوح طرازات" لا تتجاوز صفحات أى واحد منهم عن نصف ملزمة.

ومن العجيب أن البهاء المازندرانى يعتبر كتابه الأقدس هو أغنى كتاب نزل ، فهو عنده أفضل من كل الكتب السماوية السابقة ، حيث يقول فى كتابه الأقدس ما نصه : " قل فالله الحق ، لا يغنيكم اليوم كتب العالم وما فيه من الصحف إلا بهذا الكتاب الّذي ينطق فى قطب الإبداع أنه لا إله إلا أنا العليم الحكيم" (١).

ويقول فى سورة الأمين : " يا قوم امسكوا أقلامكم ، قد ارتفع صرير القلم الأعظم من لدن مالك القدم ، ثم أنصتوا وقد ارتفع نداء الله الأبهى فى برية الهدى إنه لا إله إلا أن المهيمن القيوم" (٢).

وكتاب الأقدس ملئ بالأساطير التى يصور فيها البهاء نفسه على أنه الله سبحانه وتعالى عما يصفون ، فالكتاب يحتوى على ضلال البهاء المبين وإفكه الكبير ، فيقول مثلا فى الآية ١٢ ـ ١٥ : " قد تكلم لسان قدرتى فى جبروت عظمتى مخاطبا لبريتى أن اعلموا حدودى حبّا لجمالى ، طوبى لحبيب وجد عرف المحبوب من هذه الكلمة التى فاحت منها نفحات الفضل على

__________________

(١) البهاء : الأقدس ، طبعة بومباى.

(٢) البهاء : سورة الأقدس ، طبعة باكستان ، ص ٤٣.

٧٤

شأن لا توصف بالأذكار ، لعمرى من شرب رحيق الإنصاف من أيادى الألطاف ، إنه يطوف حول أوامرى المشرقة من أفق الإبداع ، لا تحسبن أنا نزلنا لكم الأحكام ، بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار ، يشهد بذلك ما نزل من قلم الوحى تفكروا يا أولى الأفكار".

وفى الآيتين ١٩٨ ، ١٩٩ من الأقدس يقول البهاء : " يا معشر الملوك ، أنتم المماليك قد ظهر المالك (يقصد نفسه) بأحسن الطراز ، ويدعوكم إلى نفسه المهيمن القيوم! إياكم أن يمنعكم الغرور عن مشرق الظهور أو يحجبكم الدنيا عن فاطر السماء". ويسمى نفسه مالك الأسماء فيقول فى الآية ٣١٣ : " اسمعوا نداء مالك الأسماء ، غنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم ـ بعكا ـ أنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر المسخر المتعالى العليم الحكيم".

وهذا افتراء كبير أن يتصور البهاء ألوهيته ، ويتخيل البهائيون أن رجلهم هو إله ، تعالى الله عما يصفون : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) [الكهف : ٥].

وفى الآيات (٣٣٦ ـ ٤٠٢) من الأقدس يتحدث البهاء عن ألوهيته ، وأنه لا يسأل عما يفعل ، فليس لأحد أن يعترض على أوامره الإلهية ؛ لأنه الله الّذي سينجيهم فى الدنيا والآخرة وأنه الغفور الّذي أنزل الكتب والرسل.

يقول فى أقدسه المنحرف عن كل صواب : " طوبى لمن آمن بالله وآياته واعترف بأنه لا يسأل عما يفعل ، هذه كلمة قد جعلها الله طراز العقائد وأصلها وبها يقبل عمل العاملين ، اجعلوا هذه الكلمة نصب عيونكم

٧٥

لئلا تزلكم إشارات المعترضين ، لو يحل ما حرم فى أزل الآزال أو العكس ، ليس لأحد أن يعترض عليه ، والّذي يتوقف فى أقل من آن إنه من المعتدين. والّذي ما فاز بهذا الأصل الأسنى والمقام الأعلى تحركه أرياح الشبهات وتقلبه مقالات المشركين ، من فاز بهذا الأصل قد فاز بالاستقامة الكبرى ، حبذا هذا المقام الأبهى الّذي يذكره زين كل لوح منيع. كذلك يعلمكم الله ما يخلصكم عن الريب والحيرة وينحيكم فى الدنيا والآخرة ، إنه هو الغفور الكريم ، هو الّذي أرسل الرسل وأنزل الكتب ، إنه لا إله إلا أنا العزيز الحكيم".

وما ذا بعد أن يعتقد بشر من البشر أن البهاء إله وأنه يقول : " لا إله إلا أنا العزيز الحكيم" ويعتقد أتباعه فى ألوهيته بهذه الطريقة العجيبة البعيدة عن العقل والفكر السليم. ولأنه الله ، فله أن يحل ما حرم فى أزل الآزال أو يحرم ما أحل ، فليس لأحد أن يعترض على حكمه كما ادعى ، أليس هو الله الّذي لا يسأل عما يفعل ، تعالى الله عما يصفون (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). [البقرة : ٢٥٧].

وكما قلنا فإن البهائيين يعتبرون أن كتاب الأقدس هو أسمى وأفضل الكتب جميعا ، وأن من يقرأ آية من آياته خير له من أن يقرأ الأولين والآخرين" (١). وهذا الكتاب ملئ بالتراكيب اللغوية الخاطئة ، والأخطاء اللغوية التى لا يصح أن يقع فيها تلميذ صغير فى المرحلة الابتدائية.

__________________

(١) البهاء : الأقدس ، المنشور فى كتاب لحسنى" البابيون والبهائيون" ص ٢٥.

٧٦

يقول مولانا إحسان إلهى ظهير : " الجدير بالذكر أن البهائيين لم يطبعوا الأقدس مدة طويلة وبعكس ذلك كانوا يمنعون الآخرين من أتباعهم من طبعه خوفا من الخزى والفضيحة ، ورغبة فى إخفاء الجهل الشائن والحمق المطلق المتدفق فى كل سطر من سطوره وفقرة من فقراته لا يقع فى مثله متعلم مبتدئ فضلا عن العالم والعارف المثقف لما فيه من أخطاء فاحشة وتراكيب وأسلوب ركيك وعربية ضعيفة" (١).

ويقول أيضا عن كتاب الأقدس : " كل فقرة من فقراته وعبارة من عباراته مهملة رديئة ومليئة بالأخطاء من حيث اللغة والقواعد ، بل وكل جملة من جمله ، وكلمة من كلماته تخالف محاورات العرب وأساليبهم ، فلا تجد عربيّا يكتب مثلما كتب ، ولا ينطق مثلما نطق ، لا الأولين ولا الآخرين وأطفالهم وجهلتهم يشمئزون وينفرون من تلك العربية التى يصوغها إله البهائية وربهم" (٢).

ولأن البهاء لا يسأل عما يفعل فإنه ميراث المنازل والألبسة للذكور دون الإناث ، فيقول فى أقدسه : " وجعلنا الدار المسكونة ، والألبسة المخصوصة للذرية من الذكران دون الإناث ، والوارث إنه لهو المعطى الفياض" (٣).

ولقد حاول جاهدا دون جدوى أن ينسخ على منوال القرآن الكريم ولكنه خاب ؛ لأن كلمات الله عزوجل فى قرآنه الكريم وحى إلهى صادق ، أما كلمات البهاء فى الأقدس فهى افتراءات واضحة لكل ذى لب

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البهائية ، ص ٢٣١.

(٢) المرجع السابق ، ص ٢٣٦ ، ص ٢٣٧.

(٣) البهاء : الأقدس ، المنشور فى كتاب الحسنى" البابيون والبهائيون" ص ١١١.

٧٧

سليم ، ومن أهم محاولاته للاستيلاء على معانى القرآن قوله : " ألا بذكره تستنير الصدور وتقر الأبصار" (١). فهذه محاولة رديئة لاستلاب قول الله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد : ٢٨].

وقوله فى أقدسه : " لا تتبعوا أنفسكم إنها لأمارة بالبغى والفحشاء" (٢) فهذا المعنى سلبه من قول الله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [يوسف : ٥٣].

وقوله فى أقدسه : " إنه يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يشاء" (٣). سلبه البهاء من قوله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [سورة الأنبياء ٢٣].

لقد فشل المازندرانى فشلا ذريعا فى أن يقلد القرآن الكريم ؛ لأن كلمات القرآن تشهد بأنه وحى إلهى ، وأنه لن يستطيع أحد أن يأتى بمثل هذا القرآن أبدا ، يقول تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) (أى شك) (مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) (أى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) (المعنى : أى نادوا الذين اتخذتموهم أولياء من غير الله ليعينوكم على المعارضة) (مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٣ ـ ٢٤].

__________________

(١) المرجع السابق : ص ١١٢.

(٢) المرجع السابق : ص ١١٦.

(٣) المرجع السابق : ص ١٠٩.

٧٨

يقول الإمام محمد عبده : " فهذا القضاء الحاتم منه بأنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بشيء من مثل ما تحداهم به ليس قضاء بشريّا ، وإنما ذلك هو الله المتكلم ، والعليم الخبير هو الناطق على لسانه (أى محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وقد أحاط علمه بقصور جميع القوى عن تناول ما استنهضهم له ، وبلوغ ما حثهم عليه" (١). وهذا ما نلاحظه فى الأخطاء الواضحة فى كتاب البهاء ، فكتابه الأقدس تضمن كثيرا من العبارات والمعانى الغريبة ، وإنك لتستشعر من خلال كلماته بالتكلف الظاهر ، ورداءة الأسلوب ، وضعف المعانى ، فمثلا يقول : " قل قد جعل الله مفتاح الكنز حبى المكنون لو أنتم تعرفون ، لو لا المفتاح لكان مكنونا فى أزل الآزال لو أنتم توقنون" (٢).

ويقول : " إنا أمرناكم بكسر حدودات" (٣) النفس والهدى ، لا ما رقم فى القلم الأعلى ، إنه لروح الحيوان لمن فى الإمكان ، قد ماجت بحور الحكمة والبيان بما هاجت نسمة الحيوان ، اغتنموا يا أولى الألباب" (٤).

وهذه كلمات لا معنى لها ، أو معانيها سطحية ساذجة.

من تناقضات البهاء :

من المعروف أن البهاء حسين على المازندرانى كان من أشد المعتنقين لمبادئ البابية والمؤمنين إيمانا قويّا بكل ما قاله وجاء به الباب الشيرازى ،

__________________

(١) محمد عبده : رسالة التوحيد ، طبعة دار المنار بمصر ، ص ١٧٠.

(٢) البهاء : الأقدس ، المنشور فى كتاب الحسنى" البابيون والبهائيون" ص ١١٠.

(٣) وهذا خطأ لأن جمع حد حدود ، وليس حدودات.

(٤) البهاء : الأقدس ، المنشور فى كتاب الحسنى" البابيون والبهائيون" ص ١٠٩.

٧٩

فكل ما قاله بالنسبة له وحى من ربه الباب ، بل قال : " لا يمكن لشخص أن يكون بهائيّا ولا يعتقد بديانة الباب وألوهيته" (١).

وإذا كان ذلك كذلك فإن جميع المؤرخين أجمعوا على أن الباب أوصى لأخيه غير الشقيق صبح أزل بالخلافة على ما أشرنا من قبل فلما ذا تنكر البهاء لوصية سيده الباب لدرجة أنه يقول عن أخيه صبح أزل : " إن المرزا يحيى ليس إلا نقطة الظلمة" (٢). ويقول أيضا عن أخيه واصفا إياه بالشرك : " إياكم أن تتمسكوا بالذى كفر بلقائه وآياته ، وكان من المشركين ، فى كتاب كان بالحق مرقوما" (٣).

فهل أخطأ ربه ورب البابية الشيرازى حين أوصى لصح أزل المشرك الكافر فى نظر رب البهائية حسين على المازندرانى ، ومن هنا يبدو أن الكذب واضح والتناقض واضح فى مبادى وفكر رب البابية ورب البهائية.

كذلك نجد أن البهائيين يتلونون على كل الأديان ، حدث مرة أن حضر عباس أفندى (عبد البهاء) حفلة للبراهمة فى لندن ، فقال رئيسهم البرهمى : " إنه لا خلاف بين البرهمية والبهائية!. ولم يمتعض عبد البهاء بل استخف لحيته الجذل والمجون ، وهو يعبث فيها بأصابعه ، فتعبر بحركاتها عن التأييد والإعجاب ، وسأل عبد البهاء ملحد وصفته البهائية بأنه أحد طلاب الأفكار العالية : " ينبغى لك ألا تنفصل عنها ، فاعلم أن الملكوت ليس خاصّا بجمعية مخصوصة ، فإنك يمكنك أن تكون بهائيّا يهوديّا ، وبهائيّا مسيحيّا ، وبهائيّا ماسونيّا ، وبهائيّا مسلما. ومعنى ذلك أن عبد البهاء يقول بجواز

__________________

(١) الكاشانى : المرزه جا؟؟؟ ى ، نقطة الكاف ، المقدمة لبراون ، طبعة ليدن؟؟؟ مه.

(٢) المرجع السابق : ص" مد".

(٣) خان ، محمد مهدى ، مفتاح باب الأبواب : ص ٣٧٨.

٨٠