في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

الجمع بين الكفر والإيمان ، فالإنسان عنده يمكن أن يكون مؤمنا وكافرا فى الوقت ذاته ، وهذا إفك مبين ، وضلال كبير ، وكان عبد البهاء يعلم جيدا أن سادته الأجانب سيقفون يجانبه فى كل محاولاته لزعزعة العقيدة الإسلامية" فلم تجد الحكومة العثمانية بدّا من التحقيق معه ، متهمة إياه بأنه يدعو إلى دين جديد ، ويعمل لتأسيس أمة جديدة ، وبأنه يشيد الحصون ، ويشترى مساحات شاسعة من الأرض فى حيفا وهذا عين ما كانت تفعله الصهيونية حينذاك سنة ١٩٠٧ م ، واقترحت لجنة التحقيق نفيه إلى" فزان" بطرابلس ليبيا ، أو إعدامه ، إذا ثبت صدق ما اتهم به ، غير أن عبد البهاء كان يقسم أمام المحققين فاجر الكذب أنه شيخ مسلم ، ولم يبال بما اقترحوه ، إذ كان واثقا من أن سادته لن يتخلوا عنه" (١).

وكان الإنجليز يعرفون دور عبد البهاء جيدا فى محاولة النيل من العقيدة الإسلامية ، وكانوا يقدرون جهده ويحرصون على مكافأته ومن هذه المكافأة دعوتهم له إلى نزهة فى أوربا ، فنزل سويسرا سنة ١٩١١ م فى أغلى وأفخم فنادقها التى تطل على بحيرة جنوا.

وفى خطابات عبد البهاء نفسه نجد صورا عجيبة : " فقد جلس مرة فى ناد ليلى مع بعض الفتيات اللاتى يسمين بفراشات الليل ، فتحدث عن جمال أبيه ، وشبهه بالمصباح الّذي أشرق ، فتهافتت حوله الفراشات!! فقالت إحداهن : هل نستعد لأن نغمس أجنحتنا فى هذا النور؟ فأجاب فى لهفة وشوق : حسنا قلت ، فإنى مسرور من جوابك". والأمر لا يحتاج إلى تعليق.

__________________

(١) المرجع السابق : ص ١٦٤.

٨١

لقد كان عبد البهاء يميل إلى الغرب والثقافة الغربية بشدة ولهذا أضاف إلى تعاليم أبيه البهاء على التعاليم التى ورثها عن أبيه زيادة كبيرة ، وسعى تدريجيّا فى أن يوفق بينها وبين صور التفكير الغربى ومرامى الثقافة الحديثة ، أو خفف بقدر الإمكان من وطأة الخزعبلات والخوارق التى كانت لا تزال عالقة بالمراتب الروحية السابقة ، إن لم يكن قد انتبذها كلها جانبا ، وكثيرا ما استعان عباس بأسفار العهد القديم والجديد التى استشهد بالكثير من آياتها فى كتاباته وبياناته ، محاولا بذلك أن يؤثر فى بيئات أوسع مدى من تلك التى نثر فيها أبوه ديانته" (١).

والحقيقة إن عبد البهاء كان محبّا للاستعمار الإنجليزى ويقول عن الإنجليز : " إن مغناطيس حبكم هو الّذي جذبنى إلى هذه المملكة". وقد خطب فى كنائسها ، وقال رئيس كنيسة" سيتى تمبل" معقبا على عظة عبد البهاء فى كنيسته : " إنها فى روحها مطابقة لجميع الخطابات الدينية التى تسمعونها كل أسبوع ، ولقد تصافح هذه الليلة الشرق والغرب فى هذه الكنيسة. وكذلك فعل رئيس كنيسة" سانت جونس" حتى لقد طلب من عبد البهاء مناجاة الله ، وهم ركوع ، وقد بلغ سرور الإنجليزيات منه مبلغا عظيما حتى لقد قالت إحداهن عن مجالسه : " وقد كان الإنسان يشعر بقدرته على خلع العذار". هذا أثر البهائية فى النساء ، تجعلهن قادرات على اقتراف الخطايا فى مجامع الرجال ، دون خشية من الله ، أو دون شعور بأنهن اقترفن خطيئة" (٢).

__________________

(١) جولد تسهير : العقيدة والشريعة فى الإسلام ، دار الكتاب المصرى ، ١٩٤٦ م ، ص ٢٤٨.

(٢) المرجع السابق : ص ١٧٧.

٨٢

كذلك هيأ له أسياده الإنجليز رحلات خاصة وتكلفت مبالغ باهظة فى فرنسا وأمريكا وألمانيا والمجر والنمسا والإسكندرية ، وهناك فى الإسكندرية صدرت له الأوامر من سادته الإنجليز بالسفر إلى حيفا بأرض فلسطين عام ١٩١٣ م ، لما ذا؟ " ليكون تحت إمرة بريطانيا فى المكان الّذي كانت تعد العدة للوثوب به ، والّذي كانت الصهيونية تتشوف إليه ، وهناك منع الناس عن زيارته ليصنع الجريمة فى حرية ، ولم يبق معه من البهائية سوى الأشياع الذين يعينونه على الخيانة ، ثم اندلعت الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٤ م ، وجاء عبد البهاء يدمر القوى المعنوية ، ويبشر بقرب النجاة ، والخلاص على يد الحلفاء من طغيان الترك ، وليبث للاستعمار الولاء وهو يقفز من عكا وحيفا ومن حيفا إلى عكا ، يرهب من المقاومة ويجمع الأنباء ، ويرسل بها إلى سادته ، ودخل الجنرال اللنبى أبواب فلسطين بجيوش الحلفاء ، وسقطت حيفا فى ٢٣ سبتمبر ١٩١٨ م ، وعبرت البهائية عن فرحها بسقوط حيفا بقولها : " وكان الابتهاج عظيما عند ما استولت الجنود البريطانية والهندية عليها" وبقولها : " ومنذ الاحتلال البريطانى طلب عدد عظيم من العسكريين والموظفين من كل الطبقات حتى العليا مقابلة عبد البهاء ، وكانوا يبتهجون بمحادثته النوراء".

وما ذا كانت المكافأة التى تكشف خدماته الكبيرة للاستعمار الإنجليزى ، إنها أكبر مكافأة تمنحها بريطانيا لرجل خدمها خدمات كبيرة ففى أبريل سنة ١٩٢٠ م قدم الحاكم الإنجليزى العسكرى لفلسطين لاسم الإمبراطورية البريطانية أرفع وسام انجليزى يعطيه لقب فارس الإمبراطورية البريطانية وهو لقب سير.

٨٣

وهذا أقوى دليل وأشده على مدى تعاونه مع الاستعمار ، ولهذا فليس غريبا حين مات فى ٦ من ربيع الأول سنة ١٣٤٠ ه‍ ٨ نوفمبر سنة ١٩٢١ م أن يسير خلف نعشه الحاكم الإنجليزى لمدينة القدس وغيره من القادة العسكريين والمدنيين بأرض فلسطين فقد كان أكثر الناس ولاء للاستعمار الإنجليزى.

٨٤

المبحث الثالث

أساليب البهائية فى الدعوة إلى مذهبها

منهج البهائية فى الدعوة إلى ديانتها منهج قائم على أساس التلفيق والتوفيق بين المذاهب والأديان الموجودة فى المجتمعات المعاصرة بدعوى محاولة التقريب بينها ، وهى فى الحقيقة تهدف إلى بث أفكارها وعقائدها البهائية وتحاول فى الوقت نفسه القضاء على العقائد الأخرى.

ولهذا فإننا نلمس بوضوح تام أن البهائى يتظاهر بأنه مسلم بين المسلمين ، ونصرانى بين النصارى ، وبوذى بين البوذيين ، ويهودى بين اليهود ، وإذا كان البهائى فى بلاد الشرق ادعى أنه يتبع عقيدة تساير روح العصر الحديث وتصلح للزمن الحاضر والأزمان التالية ، وإذا كان موجودا فى بلاد الغرب ادعى أن حضارتهم أفضل من حضارة الشرق ، وأن مذهبهم أكثر عصرية ، وحضارة وتقدما من الشرقيين ، وأن عقائدهم العصرية تنفق مع الدعوة البهائية. والبهائيون فى دعوتهم لديانتهم يستخدمون منهجا غريبا قريبا من المنهج التبشيرى البروتستانتى مع فارق بسيط بينهما هو أن الداعى البهائى يحاول أن يلونك بلون البهائية عند أول بادرة تبدر منك ، فإذا سألك مثلا هل توافق على تقبيل المقامات للأولياء وقلت : لا. ينبهك إلى أنك بهائى ، ولو أفهمته أنك لست بهائيّا قال لك إنك بهائى ، ولكنك مكابر

٨٥

ومن الفضيلة الرجوع إلى الحق" (١).

وفى خطابات" عبد البهاء" نجد نصّا يبين لنا كيف كان الرجل يتلون مع كل اتجاه ومع أى ريح حتى مع الإلحاد والكفر ، فقد سئل نبى البهائية الثانى عبد البهاء عن إنسان ترك الدين ، وعكف على دراسة الاقتصاد وحده؟. فقال للسائل : إن أمثال هؤلاء النفوس يشتغلون بالدين الحق" (٢).

أى أن التدين الحق فى البعد عن الأديان وعقائدها فهو مع الملحدين ملحد ومع المؤمنين شيخ وقديس وخاخام.

كتب عبد البهاء إلى أحد دعاته الّذي كان نصرانيّا وأصبح بهائيّا فقال له فى رسالته : " حضرة يوحنا ، الحكمة ضرورية ، والاحتياط لازم ، ولا ترفعوا الحجاب أمام كل أحد ، بل كلموا النفوس المستعدة للقبول ، ولا تتحدثوا عن العقائد مطلقا ، بل حثوا عن تعاليم الجمال المبارك ، روحى لأحبائه الفداء" (٣).

ويتضح من ذلك أن البهائيين يلبسون لكل شيء لبوسه ، فقد تراهم مع المسلمين فى المسجد يصلون ، ومع النصارى فى كنائسهم يركعون أمام الصليب ، ومع اليهود فى بيعهم يقرءون التوراة ، ومع الهندوس يعبدون البقر ، ومع المجوس يركعون للنار ، فقد أمرهم البهاء بأن يسايروا الناس جميعا على اختلاف عقائدهم وأن يعانقوهم بالروح والريحان.

__________________

(١) نصير ، آمنة محمد : أضواء وحقائق على البابية القاديانية ، دار الشروق ، القاهرة ، ١٤٠٤ ه‍ ١٩٨٤ م ، ص ٦٠.

(٢) الوكيل ، عبد الرحمن : البهائية تاريخها وعقائدها ، ص ١٦٦.

(٣) نقلا عن خطابات عبد البهاء ، مكاتيب عبد البهاء ، ٣ / ٤٤٤.

٨٦

ومن الذين خدعوا بالبهائية المفكر الإسلامى وشاعر الإسلام الكبير محمد إقبال الّذي ظن أن البهائية حركة تقدمية إصلاحية داخل نطاق العالم الفارسى الشيعى" (١).

وكذلك شكيب أرسلان ، حيث خدعه عبد البهاء ، وأكد له بأن" البهائية فرقة إسلامية لتقوية المبادي الأخلاقية" (٢).

ولقد استطاع عبد البهاء أن يخدع الإمام محمد عبده ؛ فقد كان يصلى الجمعة فى بيروت مع الشيخ محمد عبده مع أن البهاء نفسه أسقط وأبطل صلاة الجمعة ، ولم يكن الإمام محمد عبده ـ رحمه‌الله ـ يعرف حقيقة البهائية إلا حين حدثه الإمام محمد رشيد رضا ـ رحمه‌الله ـ عن مبادئها ، يقول رضا : " دهشت أشد الدهشة إذ رأيت الأستاذ الإمام غير واقف على حقيقة دينهم ومصدقا ما كان يسمعه من زعيمهم الداهية عباس أفندى نجل البهاء ومنظم دعوته وناشرها حتى أوقفته على ذلك ، كان يجتمع بعباس أفندى أيام إقامته فى بيروت ، إذ كان عباس أفندى يتردد ويصلى الصلوات الخمس والجمعة ، ويحضر بعض دروس الأستاذ الإمام ومجالسه ، واستمر على مكاتبته بعد عودته إلى مصر" (٣).

بل إن البهاء حاول أن يشرح للإمام محمد عبده بمنهج البهائية الباطنية حقيقة مذهبهم وأن يضلل الحقائق وقال الإمام محمد عبده : أنا لم

__________________

(١) محمد إقبال : تجديد الفكر الدينى ، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ١٩٦٣ م ، صفحة ١٧٥.

(٢) شكيب أرسلان : حاضر العالم الإسلامى : ١ / ٣٦٣.

(٣) محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده ، طبعة مطبعة المنار بمصر ، سنة ١٣٥٠ ه‍ ١٩٣١ م ، ١ / ٩٣٥.

٨٧

أفهم من عباس أفندى شيئا من هذا ، وإنما صرح لى إن قيامهم لإصلاح مذهب الشيعة وتقريبه إلى مذهب أهل السنة" (١).

ولقد رأينا من قبل كيف نسخ عبد البهاء حكم أبيه البهاء فى صلاة الجماعة ، فإن أباه كان قد رفع حكم صلاة الجماعة إلا عند صلاة الميت ، لكن عبد البهاء أباح لأتباعه صلاة الجماعة خداعا للمسلمين ونفاقا ، وقد برر عباس أفندى (عبد البهاء) إباحة صلاة الجماعة بقوله : " ربما يقول الإنسان إنى أصلي كلما أريد وعند ما أجد قلبى متوجها إلى الله ، سواء فى المدينة أو الخلوات ، فلما ذا أذهب إلى المحل الّذي يجتمع فيه الآخرون فى يوم معين ، وفى ساعة معينة ، وأجتمع فى الصلاة معهم ، فذلك القول باطل لا معنى له ؛ لأنه إذا اجتمع جمع كثير ، فإن قوتهم تكون عظيمة" (٢).

ومن المعروف إنما هو نسخ حكم أبيه البهاء خداعا للمسلمين ، فقد صلى من قبل فى البيع والكنائس وفى معاهد البوذيين بالهند.

أما بالنسبة للذين لا يعرفون شيئا عن البهائية من عامة الناس فكان البهائيون يرددون فى عقولهم : " إن البهاء مجدد ، فإن آمنوا نقلوهم إلى الخطوة الثانية ، وهى أن البهاء جاء بشريعة جديدة" (٣) ، ولا فرق بين أساليب الفرق الباطنية القديمة فى الدعوة لباطنيتها وبين البهائيين المعاصرين ، ولقد ربى البهاء ابنه عباس أفندى على استخدام هذا الأسلوب فى التدرج نحو استقطاب عضو جديد إلى حظيرة البهائية.

__________________

(١) المرجع السابق : ص ٩٣٤.

(٢) أسلمنت : بهاء الله والعصر الجديد : ص ٩٨.

(٣) محمد رشيد رضا : تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده ، طبعة مطبعة المنار بمصر ، سنة ١٣٥٠ ه‍ ١٩٣١ م ، ١ / ٩٣٢.

٨٨

فالبهائى فى كل مكان مثال حي لهذه الروح المتلونة ، إنه يعرف جيدا كيف يختفى عن أنظار الحق ، وهو يعلم دائما متى ينسحب فى الوقت المناسب وراء ستار كثيف من دخان المراوغة والنفاق واصطناع المجاملة ، إن البهائى يخشى الحقيقة أبدا ، فإذا دخلت معه فى نقاش علمى هادئ تراه ينسحب بحجة أن البهاء يمنعه من المناقشة مع من لا يدينون بمذهبه" (١).

ويقول الدكتور محسن عبد الحميد : " إننى أدعو كل بهائى يحترم عقله ويحترم ثقافته أن يقرأ كتابا للباب ، وكتابا للبهاء ، ثم يقرأ القرآن الكريم ، وكتابا فى مبادي الإسلام العامة وشريعته العادلة ، ثم يحكم الإنصاف ليصل إلى وجه الحق فيتخلص من هذه الخرافة الفارسية الكبرى التى تسمى بدين البهاء ، إن الجهل بمبادىء الإسلام الحقة ، والجهل بحقيقة الأوضاع التى أحاطت بظهور حركة البابية والبهائية هى التى تحول بين معظم البهائيين وبين عودتهم إلى حظيرة الإسلام ، وكثير من البهائيين عادوا إلى الانضواء تحت راية القرآن عند ما علموا الحق ، خاصة أولئك المخدوعين الذين لم يدخلوا إلى البهائية إلا نتيجة لظروف اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية" (٢).

__________________

(١) محسن عبد الحميد : حقيقة البابية والبهائية ، دار الصحوة ، مصر ، ١٤٠٥ ه‍ ١٩٨٥ م ، ص ١٧٠.

(٢) المرجع السابق : ص ١٧٠.

٨٩

المبحث الرابع

عقائد البهائية

لا شكّ أن الناظر فى مبادي البهائية يكتشف لأول وهلة أن عقائدهم خليط من نحل ومذاهب وعقائد متباينة ، فهى مزيج من عقائد ومذاهب ديانات الهند القديمة والصين وفارس واعتقادات الفلاسفة ، وغلاة الصوفية ، والباطنية والأديان والشرائع السماوية.

يقول علماء البهائية فى تفسير قول الله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) القصد منها الأديان السبعة : البرهمية والبوذية والكونفوسيوسية والزرادشتية واليهودية والنصرانية والإسلام ، إنها جميعا مطويات بيمين الميرزا حسين على البهاء" (١) ، وهذا التأويل العجيب لا يقره عقل ولا نص ، ويكشف عن ضعف مناهج البهائية فى التأويل ، وليّهم النص القرآنى لصالح عقائدهم الباطنة.

وقد استقرت عقيدة البهائيين كما قررها لهم البهاء ، وكما فسرها دعاته فى كتبهم ونشراتهم" على أن الله ليس له أسماء ولا صفات ولا أفعال ، وأن كل ما يضاف إليه من أسماء وصفات وأفعال هى رموز لأشخاص ممتازين من البشر قديما وحديثا هم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه فى زعمهم وآخرهم الّذي لقب نفسه (بهاء الله) وهو عندهم مظهر الله الأكمل ، وهو الموعود ،

__________________

(١) آل محمد ، أحمد حمدى : التبيان والبرهان ، ٢ / ١٢٠.

٩٠

ومجيئه الساعة الكبرى ، وقيامه القيامة ، ورسالته البعث ، والانتهاء إليه الجنة ، ومخالفته هى النار" (١).

وهنا يبدو الغلو جليّا واضحا فى عقائد البهائية ، فهم ينكرون على الله أسماءه الحسنى وصفاته العلى ، وأفعاله الإلهية ، تعالى الله عما يصفون علوّا كبيرا.

ونتج عن هذا القول تأليه البهاء البشر والتوجه إلى قبلته ، يقول ابن البهاء فى إجابته على سؤال سائل بهائى عن القبلة" بخصوص محل التوجه فإنه مقبرته المقدسة (أى مقبرته بعكا) بنص قطعى إلهى الّذي جعله مكانا للملإ الأعلى .. والتوجه إلى غير تلك العتبة المقدسة لا يجوز .. لعمرى إنه لمسجدى الأقصى وسورتى المنتهى وجنتى العليا ومقصدى الأعلى" (٢).

وهكذا نجد أن البهائيين ما قدروا الله حق قدره ، يقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٣).

ويدعو عبد البهاء والده رب البهائية بأن ينور أجساد البهائيين وأرواحهم بالنور والإلهام ، فيقول عبد البهاء فى إحدى الخطابات التى ألقاها فى أمريكا للحاضرين : " يا بهاء الله نشكرك على انجذاب هذه الفتيات ، فأيدهن واجعلهن ملكوتيات بعد كونهن ناسوتيات واجعل قلوبهن ملهمة

__________________

(١) السيد محب الدين الخطيب : البهائية ، المطبعة السلفية ومكتبتها ، ١٣٩٧ ه‍ ، ص ١٧.

(٢) إحسان إلهى ظهير : البهائية ، ص ١٥١.

(٣) سورة الحج : ٧٣ ـ ٧٤.

٩١

وأرواحهن مبشرة ، يا بهاء الله نور أجسادنا وأرواحنا .. يا بهاء الله أعطنا القوة السماوية ، وتأييداتك الربانية لأنك أنت الرءوف ، وصاحب الفضل والإحسان" (١).

ويقول الأستاذ محمد فريد وجدى : " البهائية عقيدة فى الله على طريقة الذين يقولون بأنه مجموع الكائنات فعندهم أن الرسل السابقة على بهاء الله إنما بعثوا لينبهوا الطبيعة أولا بمظهر الباب الملقب بحضرة العلى ، ثم ظهوره وإشراقه أخيرا فى بهاء الله الّذي كان منفيّا فى عكا ، فهو فى اعتقادهم المظهر الإلهي الأكمل تجلى على خلقه ليوحى إليهم الحقائق الخالدة التى توصلهم إلى حظيرته القدسية العليا" (٢). ومعنى ذلك أن الله تعالى عند البهائيين قد ظهر فى مظهر البهاء الّذي بلغ الكمال الأعلى (٣).

وهو فى ذلك يسير على نهج أستاذه الباب الشيرازى الّذي سمى نفسه بالباب وقال : " فى كل الظهورات من آدم إلى محمد وقبل آدم لم يكن مظهر المشيئة إلا النقطة" (٤).

وهذا ما أكده البهاء كثيرا وأشرنا إليه من قبل مثل قوله عن نفسه : " لا يرى فى هيكلى إلا هيكل الله ، ولا فى جمالى إلا جماله ، ولا فى كينونتى إلى كينونته ، ولا فى ذاتى إلا ذاته ، ولا يرى فى ذاتى إلا الله" (٥).

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البهائية ، ص ١٥٦.

(٢) محمد فريد وجدى : مقال بملحق مجلة الأزهر ، عدد شعبان ١٤٠٥ ه‍.

(٣) عند البهائيين أن مظاهر أمر الله هم برهما وبوذا وكونفوشيوس وإبراهيم وموسى والمسيح ومحمد والباب الشيرازى وكانت وظيفتهم التبشير بظهور البهاء الّذي هو عندهم مظهر صفات الله كلها.

(٤) الباب : البيان ، الباب السادس عشر ، من الواحد الثالث من البيان الفارسى ، ط الهند.

(٥) أسلمنت : بهاء الله والعصر الجديد ، ص ٥٠.

٩٢

ويصفه ابن عبد البهاء عباس بأنه رب الأرباب فيقول : " تجلى رب الأرباب والمجرمون لخاسرون ، وأنشأكم النشأة الأخرى ، وأقام الطامة الكبرى" (١).

ويقول أحد البهائيين بجرأة شديدة : " قد أذعنا وأيقنا بألوهية البهاء الحى الّذي لا يزال بلا مثال" (٢). والبهاء يسأل أتباعه الاستغاثة به عند الملمات والحاجات فهو ربهم ومغيثهم وملجأهم من كل كرب وبلية ، ويقول فى الإيقان : " يا معشر الروح لعلكم فى زمن المستغاث توفقون ، ومن لقاء الله فى أيامه لا تحتجون" (٣). وكان يعلم أتباعه الأدعية التى يدعونها به فمن هذه الصيغ : " أسألك يا إله الوجود ومالك الغيب والشهود بسبحانك ومظلوميتك ، وما ورد عليك من خلقك لا تخيبنى عما عندك ، إنك أنت مالك الظهور والمستوى على العرش فى يوم النشور لا إله إلا أنت العليم الحكيم" (٤).

ويدعى البهاء أنه موعود كل الأزمنة لأنه فى رأيه إن جميع الظهورات لم تنته ويقول : " هذا هو مبلغ إدراك هؤلاء الهمج الرعاع الذين اعتقدوا بجواز انقطاع الفيض الكلى والرحمة المنبسطة الأمر الّذي لا يجوز لأى عقل أو إدراك أن يسلم بانقطاعه" (٥).

والحقيقة إن البهاء قد ادّعى النبوة والرسالة كما ادّعى الألوهية فى وقت واحد أى أنه قال بحلول الله فيه ، ويبين ذلك داعية البهائية أسلمنت

__________________

(١) عبد البهاء : مكاتيب عبد البهاء ، الترجمة العربية ، طبعة مصر ، ص ١٣٨.

(٢) على حيدر البهائى : بهجة الصدور ، ص ٣٦٧.

(٣) البهاء : الإيقان ، ص ١٣٩.

(٤) البهاء : الأقدس.

(٥) البهاء : الإيقان ، ص ١٠٨.

٩٣

فيقول : " من المهم أن يكون عندنا علم تام واضح بخصوص رسالة بهاء الله ، فإن أقواله مثل أقوال سائر المظاهر تنقسم إلى قسمين ، ففى أحدهما يتكلم أو يكتب كرجل أمر من الله برسالة إلى أصحابه ، بينما القسم الآخر ينبئ عن أنه أقوال ذات الله" (١).

والبهاء نفسه يدعى أنه ليس هناك فصل بين طوره البشرى والإلهي فيقول فى سورة الهيكل : " قل لا يرى فى هيكلى إلا هيكل الله ، ولا فى جمالى إلا جماله ، ولا فى كينونتى إلى كينونته ، ولا فى ذاتى إلا ذاته ، ولا فى قلمى إلا قلمه العزيز المحمود ، فلم يكن فى نفسى إلا الحق ، ولا يرى فى ذاتى إلا الله" (٢).

إن البهاء يدعى الألوهية بكل جرأة فيقول فى أقدسه : " يا ملأ الإنشاء ، اسمعوا نداء مالك الأسماء ، إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم إنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر ، المتسخر ، المتعالى ، العليم ، الحكيم ، إنه لا إله إلا هو المقتدر على العالمين" (٣).

ويرى البهاء" أن الشريعة الإسلامية قد انقضى عهدها انقضاء تامّا وبطل مفعول أحكامها ، وأحلت مكانها أوضاعا جديدة للصلوات والعبادات" (٤).

التأويل عند البهائيين :

__________________

(١) أسلمنت : بهاء الله والعصر الجديد ، ص ٤٧.

(٢) المرجع السابق ، ص ٥٠.

(٣) البهاء : الأقدس ، ص ١٧١.

(٤) جولد تسهير : العقيدة والشريعة ، ص ٢٧٧.

٩٤

يؤول البهائيون القرآن تأويلا باطنيّا غريبا عن مناهج التفسير الصحيحة.

والتأويل الباطنى منهج خبيث استخدمه أعداء الإسلام من الفرق الباطنية والإسماعيلية وغلاة الشيعة وغلاة الصوفية الّذي أسقطوا التكاليف وابتدعوا مبادي وعقائد غريبة عن الإسلام الصحيح ، انظر إلى تأويلاتهم مثلا لسورة التكوير ، فقالوا : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ذهب ضوؤها ، أى أن الشريعة الإسلامية ذهب زمانها واستبدلت بشريعة البهاء. (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أى أن الدساتير الحديثة قد ظهرت. (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) أى : استعيضت عنها بالقاطرات. (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) وهى الجنين يسقط فى هذه الأيام فيموت ، فيسأل عنه من قبل القوانين لأنها تمنع الإجهاض. (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) كثرت الجرائد والمجلات. (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) انقشعت أى : أن الشريعة الإسلامية لم يعد يستظل بها أحد. (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ). (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) الأولى لمن عارض الميرزا حسين ، والثانية لأتباعه والمؤمنين" (١).

وهذه محاولة مكشوفة من البهائيين لإقناع أتباعهم بأن البهاء هو المراد المقصود بهذه الآيات ، وأنه ينبغى الاعتقاد بذلك ، وإلا فإن النار جزاء من عارض الميرزا حسين ، والجنة لأتباعه والمؤمنين به.

__________________

(١) آل محمد ، أحمد حمدى : التبيان والبرهان ، ٢ / ١٢٠ وما بعدها.

٩٥

موقف البهائية من النبوة :

يدعى البهاء والبهائيون أصحابه أن عقيدة ختم النبوة بمحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم عقيدة غير صحيحة ، ومبدأ لا أساس له ، وإن هذه العقيدة إحدى البلايا التى يختبر بها الله تعالى عباده ليميز الذكى منهم ومن هو قليل الإدراك لمعنى ختم النبوة.

وإذا سألتهم وما تفسيرهم لقول الله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (١). أوّل ربهم البهاء ذلك بأنها حتمية مجازية فليس محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خاتم الأنبياء على الحقيقة ، ومعنى (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) عنده أن ذلك لون من ألوان الاختيار الإلهي للناس فى تأويلهم لمعنى ختم النبوة ، فمن قال بأن معناها أن محمدا هو النبي الخاتم على الحقيقة سقط فى الامتحان ولم يحز أسباب القبول والرجحان" (٢).

وهذا فهم خاطئ للنص القرآنى ، فالذى قال بختم النبوة بمحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس بشرا من البشر وإنما هو خالق كل شيء ، والنص واضح وصريح ولا يحتاج إلى تأويل على الإطلاق.

ويعتبر البهاء أن القول بختم النبوة حجر على فيض الله وجوده العظيم فيقول : "لم يزل سلطان الوجود بظهور مظاهر نفسه ، ومطالع قدرته محيطا بجميع الممتلكات قاطبة ، وليس هناك أوان ينقطع فيه فيضه ومدده أو

__________________

(١) الأحزاب : ٤٠.

(٢) البهاء : الإيقان ، عرّبه عن الفارسية محمد حسن بيجارة ، المطبعة العربية بمصر ، ص ١٤٨.

٩٦

تقلع سماء عنايته عن إرسال أمطار رحمته" (١). إنه يريد أن ينزع من عقول الناس حقيقة الحقائق وختم النبوة برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو يزعم أن فى ذلك وصف لله تعالى بالبخل والضّنّ على الناس برحمته وكرمه وفيضه المدرار ، بل يفترى ويقول إن ذلك عنده" هو عين الكفر الجلى والضلال الصراح ، وبعيد كل البعد عن صاحب الفيض المدرار ، والرحمة المنبسطة على كل التلال والديار" (٢).

ويشبه البهاء المازندرانى موقف المسلمين منه ، وقولهم بختم النبوة بمحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بموقف اليهود من عيسى عليه‌السلام ، فيقول فى جرأة عجيبة : " إنهم (أى : أمة الإسلام والفرقان) اعتقدوا (أى : مثل اعتقاد اليهود فى عيسى وعدم إيمانهم به) وقالوا شبه قولهم ، وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه ، بل عوّلوا على ما عوّلوا عليه ، أما سمعتهم يقولون : طوى بساط الرحمة والظهور والتنبؤ وأوصد باب الرحمة والبعثة فلن تطلع اليوم شمس من مشرق القدس المعنوى ، ولن يتمخض فيض القدم الصمدانى بظهور" (٣). وبعد أن شبه موقف المسلمين منه بموقف اليهود من عيسى عليه‌السلام ، شبه البهاء موقف المسلمين منه بموقف النصارى أمة الإنجيل من محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول إن علماء النصارى يرون" أنه لن يأتى بعد عيسى إلا مجرد شراح ومفسرون ، فها هم النصارى أيضا ينكرون محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كنبىّ مرسل ومبعوث جديد" (٤).

__________________

(١) البهاء : الإيقان ، ص ١٢.

(٢) البهاء : الإيقان ، ص ٨١.

(٣) البهاء : الإيقان ، ص ٢١٠.

(٤) البهاء : الإيقان ، ص ٧٣ وما بعدها باختصار.

٩٧

ويرى البهاء المازندرانى أن جميع الأنبياء السابقين يجتمعون فيه وأنهم شخص واحد فهم حكم نفس فردة وذات واحدة" (١). فهو يرى أن النبي الأول هو ذاته النبي الأخير : " الاتحاد أمرهما ووحدة جوهرهما وما يرميان إليه ، حيث أن الجميع مرسل فردة وذات واحدة" (٢). فالأنبياء جميعا عنده شخص واحد ، ظهر بأسماء متعددة فى الأزمنة السابقة ، وهو فى زمنه ظهر فى شخصه البهاء ، فسائر الأنبياء فى رأيه هياكل أمر الله" فإذا نادى وجهر أحدهم بأنه دعوة السالف فأنى لا يغد صادقا" (٣).

وهذا كلام عجيب ، فلم يقل أحد من الأنبياء قط أنه رجعة لكل الأنبياء السابقين عليه ، والقول بالرجعة ليس من المعتقدات الإسلامية الصحيحة.

وهكذا يحاول البهائيون هدم عقيدة ختم النبوة من عقول المؤمنين ويحاول البهاء أن يجعل مرتبته وقدره أسمى وأرقى من جميع الأنبياء فيقول : " إن العلم مقسم على سبعة وعشرين حرفا ، وأن ما جاء به الأنبياء من آدم إلى الخاتم حرفين فقط ، وأوكل بيان الباقى وهو خمسة وعشرون إلى القائم ، وجعل ذلك من شئون وظيفته ، فالحظ من هذا التباين والتقرير جلالة قدر تلك الحضرة حيث يتبين منه رفعة قدره وسموه على جميع الأنبياء ، وأن أمره أرفع وأجل من مستوى إدراك وعرفان جميع الأولياء" (٤).

__________________

(١) البهاء : الإيقان ، ص ١٣٨.

(٢) شوقى أفندى ربانى حفيد البهاء : الكشف عن المدنية الإلهية ، عُرب وطبع بمعرفة لجنة الترجمة والطبع للمحفل الروحانى المكرزى للبهائيين بمصر والسودان ، الطبعة الأولى ١٩٤٧ م ، ص ١١.

(٣) البهاء : الإيقان ، ص ١٤٠.

(٤) البهاء : الإيقان ، ص ٢٢٤.

٩٨

وفى الحديث الشريف يقول رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، وكلما هلك نبى خلفه نبى ، وأنه لا نبى بعدى" [رواه البخارى].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " إن مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون بها ، ويعجبون له ، ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ، فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين" [رواه البخارى].

وهكذا انعقد إجماع المسلمين على انقطاع النبوة والرسالة بعد خاتم الأنبياء والمرسلين وأصبح من الأمور المعلومة بالضرورة هذا الأمر ، ولهذا فإن الرعيل الأول من المسلمين الأوائل حاربوا كل من ادعى النبوة ، وبينوا كذبه.

ويحاول البهاء المازندرانى أن يكذب على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فينسب إليه الأحاديث الموضوعة الكاذبة فيقول : روى عن الحضرة قوله : " أما النبيون فأنا" وقوله : " أنا آدم ونوح وموسى وعيسى". فإذا جاز له نسبة مبدأ الأنبياء الّذي هو آدم إلى نفسه ، فلم يبعد إضافة الخاتمية إليه بعلة تلك النسبة عينها وما أوضح صدق الخاتمية على من صدقت عليه البدئية" (١). ويستشهد فى ذلك بأقوال لا أساس لها من الصحة كقوله : " أئمة الدين يقولون أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد" (٢). وهو يريد من ذلك هدم عقيدة ختم النبوة بمحمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) البهاء : الإيقان ، ص ١٤٨.

(٢) السابق ، ص ١٣٩.

٩٩

إن البهائيين بذلوا أقصى ما عندهم فى سبيل هدم عقيدة ختم النبوة برسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن أبرز هذه المحاولات محاولة الجرفادقانى فى الدرر البهية لىّ نص الكتاب المقدس عن التجلى فى سيناء والتلألؤ فى سعير (أى بلاد الشام) والإشراق من فاران (أى جبال مكة) ، وهو نص يرمز إلى ظهور موسى بأرض سيناء وعيسى بفلسطين من بلاد الشام ، وإشراق نور محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تأويلا غريبا لصالح عقيدتهم البهائية فيقول الجرفادقاني : " ... وإذا أشرقت من فاران فهى هذه النجمة الربانية ، وإذا هبت من فارس ، فهى هذه النفحة الروحانية ، وإذا بزغت ولمعت وأضاءت وألاحت من طهران فهى هذه الشمس الحقيقة الواحدة التى لم تزل كانت مشرقة فى أزل الآزال ، ولا تزال تكون ساطعة الأنوار فيما يأتى من القرون والأجيال" (١) ، فالتبشير بظهور مظهر جديد عندهم جاء فى تعاليم سائر الرسل السابقين.

ولكى يضفى البهاء وصف الألوهية على الأنبياء يقول بأنهم نزلوا من عرش الأمر وأنهم جواهر قدس نورانية فيقول فى إيقانه : " .. لكنهم فى الحقيقة نازلون من عروش الأمر متكئون على رفرف المعانى ، طائرون فى جو الغرب ، سائرون فى سهل الروح بلا قدم ، صاعدون على معارج الأحدية بلا جناح ، مجتازون فى كل نفس مشرق ومغرب الإبداع .." (٢).

والحقيقة أن هذه أفكار بعيدة عن الفكر الإسلامى الصحيح ، فليس الأنبياء كما ادعى البهاء فى الإيقان بأنهم" يحاكون بعلومهم علم الله تعالى ،

__________________

(١) الجرفادقاني : الدرر البهية ، ص ٢٢٧.

(٢) البهاء : الإيقان ، ص ٨٨.

١٠٠