في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

ولقد بلغ بها الأمر فى الإباحية مبلغا كبيرا لدرجة أنها نزلت فى منزل رفيق لها ، فاجتمع جمع من البابيين ، وقضوا معها ليلة مفعمة بالتهتك واقتراف المنكر ، فلم يوافق قسم منهم على هذا الفجور ، فكتبوا إلى الميرزا على محمد فى سجنه ، يعلمونه باستهتارها ، فكان أن أجابهم : ما ذا عسى أن أقول فيمن سماها لسان العظمة والاقتدار بالطاهرة" (١).

ومن أشعار قرة عين الغزلية بالعربية التى تبين شدة ولعها وهيام قلبها ووجدها قولها :

يا نديمى قم فإن الديك صاح

غنّ لى بيتا وتاول كأس راح

لست أصبر عن حبيبى لحظة

هل إليه نظرة منى تباح

بذل روحى فى هواه هين

تحمد القوم السرى عند الصباح

قاتلتنى لحظة من غير سيف

أسكرتنى عينه من دون راح

قد كلفتنى نظرة منى إليه

من بهائى فى غداة فى رواح

هام قلبى فى هواه كيف هام

راح روحى فى قفاه أين راح

لم يفارقنى خيال منه قط

لم يزل هو فى فؤادى لا يراح

إن يشأ يحرق فؤادى فى النوى

أو يشأ يقتل له قتلى له مباح (٢)

ويبلغ بها الفسق والفجر والعصيان أن تقول بالفارسية ما معناه بالعربية :

يا صنمى عشقك أوقعنى فى المعاصى

أهجرتنى وقتلتنى وأخذتنى بجنايتى

__________________

(١) د. عبد الحميد محسن ، حقيقة البابية والبهائية ، ص ٨٣.

(٢) إحسان إلهى ظهير : البابية ، ص ٢٤٣.

٤١

والآن لم يبق لى قوة الصبر

وطاقة الانتظار إلى متى فراقك

إن جسمى بجميع أجزائه

صار كالناس يحكى هجرك

يا ليت تضع قدمك على فراشى

ليلة ما فجأة بكرمك

فأطير فرحا وسرورا

بدون أجنحة (١)

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البابية ، ص ٣٤٤.

٤٢

قرة عين

كانت تميل إلى الشباب المراهق الصغير ميلا شديدا ؛ ولهذا احتضنت الشاب الصغير يحيى صبح أخو البهاء وكان وسيما جميلا.

وبقدر عشقها للصغير يحيى صبح أزل فكانت تمارس الجنس أيضا مع أخيه الميرزا حسين على المازندرانى الّذي أصبح البهاء ، ونبى البهائية.

وقد وهبها البهاء لأحد أتباعه من شيراز اسمه الميرزا عبد الله الّذي استمتع بها كثيرا ، فقد كان يعلم أنها نهمة شديدة لا تشبع من جنس قط ، فقد كان صدرها الفوار يتوق دائما إلى المتع البهيمية ؛ ولأنها كانت تحمل بين أضلعها ثروة جنسية عارمة فقد كانت تحاول دائما إطفاء لهيب ثورتها عن طريق الحرام بعد أن دعت إسقاط التكاليف فنادت بأن النساء زهيرات لا بد من قطفهن وشمهن لأنهن ما خلقن إلا للضم والشم والقطف والإهداء إلى الأحباب ، وكان سبيلها إلى الانحراف دعوتها إلى نسخ شريعة الإسلام ورفع الأحكام والتكاليف الإسلامية فيقال عنها أنها كانت تقول" بحل الفروج ورفع التكاليف بالكلية" (١).

وقد عشقت أيضا الملا محمد على البارفروشي عشقا رهيبا وارتوت بين أضلعه واحترقت بنار هواه وولهت به ولها كبيرا كما أشرنا من قبل.

__________________

(١) التحفة الاثنى عشرية ، ص ٢٤.

٤٣

وينقل الدكتور محسن عبد الحميد عن دائرة معارف الحياة التركية ما يلى عن هذه المرأة :

ـ كانت تقول : " لكل امرأة تسعة رجال".

ـ كانت تتزين وكأنها طاوس الجنة ، وكانت تزين غرفتها بأكمل زينة كغرفة العروسة.

ـ وكانت تجتمع بأنصارها فى هذه الغرفة على هذه الزينة وكانت تعظهم.

ـ كان مباحا على البابيين تقبيل شفتيها ، والتمسح بوجوههم على صدرها.

ـ لما حكم عليها بالإحراق ، قابلت الحكم بابتسامة وامتنعت عن التوبة (١).

ويقول عنها إدوارد براون البابى وهو من دعاة البابية : " إن الشخصية الجذابة الخلابة لأنظارنا ، غير الباب الشيرازى ، هى الجميلة الذكية ، التى وهبت حظّا من الحسن والذكاء والفطنة ، قرة عين التى كانت شاعرة وعالمة وخطيبة" (٢).

__________________

(١) محسن عبد الحميد ، حقيقة البابية والبهائية ، ص ٨٣.

(٢) د. بنت الشاطئ : قراءة فى وثائق البهائية ، طبعة الأهرام بالقاهرة ، ص ٤٤ ، نقلا عن مجلة الجمعية الملكية الآسيوية ، المجلد ١ ، ص ٩٣٤.

٤٤

المبحث الثالث

الشيرازى وفكره

كتاب البيان للشيرازى :

يظهر فكر الشيرازى بوضوح فى كتابه" البيان" ، الّذي يقول عنه البهاء فى كتابه" الإيقان" : " فى عهد عيسى كان الإنجيل ، وفى زمن موسى التوراة ، وفى عهد محمد ـ رسول الله ـ كان القرآن ، وفى هذا العصر البيان" (١).

أى أنه يعتبر البيان كتاب العصر ، ويقول الشيرازى رب البابية عن كتابه البيان : " قد نزلت البيان ، وجعلته حجة من لدنا على العالمين ، فيه ما لم يكن له كفوا ذلك آيات الله ، قل كل منها يعجزون ، فيه ما لم يكن له عدل ذلك ما أنتم به تدعون ، فيه ما لم يكن له مثيل ذلك ما ينطق به الفارسيون ، وأنتم فى الواحد لتنظمون" (٢).

ويقول الشيرازى عن نفسه فى كتاب البيان : " أنه ما خلق له من كفو وعدل ولا شبه ولا قرين ولا مثال" (٣) ، ووصل به الأمر إلى أن يقول عن القرآن الكريم : " إن نبيكم لم يخلف بعده غير القرآن ، فهاكم كتابى

__________________

(١) الإيقان ، ص ١٣٨.

(٢) البيان ، الباب الأول ، من الواحد السادس.

(٣) البيان ، الباب الثالث ، من الواحد الرابع.

٤٥

البيان ، فاتلوه واقرءوه تجدوه أفصح عبارة من القرآن وأحكامه ناسخة لاحكام القرآن" (١).

أسلوب الباب الشيرازى :

إذا قرأت أى سطر من أسطر كتابات الباب يتملكك شعور بسذاجة الرجل وأسلوبه وتشعر بأن صاحبها كذاب أشر ، فليس فيها صدق فى معانيها ولا جمال فى أسلوبها ، ولا بديع فى ألفاظها ، ولا إشراق فى كلماتها ، ولا معنى فى مدلولها أو مضمونها ، وهذا أظهر شيء على كذب الرجل.

ومن العجيب أن محركيه أفهموه خطأ أنه لا بد أن تكون خطبه وكتاباته ورسائله بالعربية ؛ لأن العربية لغة الوحى ، ونسوا أن الله تعالى يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [إبراهيم : ٤].

ولم يكن الرجل يجيد العربية فأوقعوه فى خطأ جسيم وخدعوه دون أن يدروا ، وفضحوه من حيث كانوا يريدون نصرته ، وخذلوه وكانوا يرغبون فى أزره وتأييده.

انظر إلى ما كتبه فى البيان" النسخة العربية" التى زعم أنه بالبيان نسخ القرآن الكريم يقول فى عربية ركيكة ومعان رديئة ، وكلمات مشينة : " ولا تكتبن السور إلا وأنتم فى الآيات على عدد المستغاث لا تتجاوزون ، ومن أول العدد أذن لكم يا عبادى لتدقون ، وأذنت أن يكون مع كل نفس ألف بيت مما يشاء ليتلذذون ، حينما يتلو وكان من المحرزين ، قل : إنما

__________________

(١) مهدى ، محمد : مفتاح باب الأبواب ، ص ١٣٧.

٤٦

البيت ثلاثين حرفا إن أنتم تعربون ، لتحسبون على عدد الميم ، ثم على أحسن الحسن تكتبون وتحفظون ، ذلك واحد الأول أنتم بالله تسكنون ، ثم الثانى أنتم فى كل أرض بيت حر تبنيون ، ولتلطفن كل أرضكم وكل شيء على أحسن ما أنتم عليه مقتدرون ، لئلا يشهد عينى على كره أن يا عبادى فاتقون" (١).

لقد خاب وافترى ، وعلى الله تعالى اجترأ فما استطاع حتى الآن إنس ولا جان أن يأتى بمثل هذا القرآن (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [الإسراء : ٨٨].

وقال أيضا فى بيانه العجيب : " ولا تضيعن خلق أحد بعد ما أكمل الله خلقه لما تريدون من عز أيام معدودة ، فإذا كلتاهما ينقطع عنكم وأنتم ما قد خلقتم" (٢). إنها لغة مشعوذين وكلمات دجالين.

هكذا نلاحظ بحق أن أسلوبه فى كتابه البيان ينم عن مدى سذاجة عقله وسطحيته ، وجهله التام بأبسط قواعد الأساليب واللغة ، فإن أى طالب فى المرحلة الإعدادية يستطيع أن يكتب أفضل منه بكثير.

ولا يتورع المفترى أن يكذب على الله تعالى فيسند ما فى البيان إلى الله تعالى ، مع أن أى عاقل يقرأ ما فى بيانه هذا يتبين لد مدى رداءة لغته

__________________

(١) البيان (النص العربى) : الباب الأول والثانى ، من الواحد السادس.

(٢) البيان (النص العربى) : من الباب الثامن عشر ، من الواحد العاشر.

٤٧

وأسلوبه ومعانيه ، ولا بد أن يكون كاتبه رجل خبيث السريرة أو رجل فقد عقله.

ومن أعجب ما قاله الشيرازى هو تفسيره لسورة يوسف ، فإن أى قارئ لتأويل الشيرازى لسورة يوسف يستشعر على الفور مد الكذب ومدى الجهل الّذي كان يتمتع به الرجل الّذي ادعى المهدوية والنبوة والألوهية ، قال الشيرازى فى تفسير سورة يوسف : " قصد الرحمن من ذكر يوسف نفس الرسول وثمرة البتول حسين بن على بن أبى طالب مشهودا ، قد أراد الله فوق العرش مشعر الفؤاد أن الشمس والقمر والنجوم قد كانت لنفسه ساجدة لله الحق مشهودا إذ قال حسين لأبيه يوما : إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم بالإحاطة لى على الحق الله القديم سجادا ، ولقد سجدوا ، نجوم العرش فى كتاب الله تقتل الحسين بالحق على الحق ، وكان عدتهم فى أم الكتاب إحدى عشر ، هو الله الّذي قد جعل التوحيد فى حقائق الأشياء من أشعته وإن الله قد أراد بالشمس فاطمة وبالقمر محمد ، وبالنجوم أئمة الحق فى أم الكتاب معروفا ، فهم الذين يبكون على يوسف بإذن الله سجدا وقياما (١).

وأيضا من أعجب ما قاله ما نقله محمد مهدى خان صاحب مفتاح باب الأبواب ، عن كتاب الباب" شئون الحمراء" فى لوحه الأول قوله : " إنا قد جعلناك جليلا للجالين ، وإنا قد جعلناك عظيما للعاظمين ، وإنا قد جعلناك نورا نورانا للناورين ، وإنا قد جعلناك رحمانا رحيما للراحمين ، وإنا قد جعلناك تماما تميما للتامين ، قل إنا جعلناك كمالا كميلا للكاملين ، وقل

__________________

(١) مهدى ، محمد : مفتاح باب الأبواب ، ص ٢٠٩.

٤٨

إنا قد جعلناك كبرانا كبيرا للكابرين ...".

ولهذا حق لعبد الرحمن الوكيل أن يقول : " إن قارئ كتب الشيرازى يشعر شعورا صادقا يطابق الحقيقة والواقع أنه رجل خولط فى عقله ، وإن ما فى هذه الكتب أشباح متباينة متناقضة اختارها غلام يتنازعه فكر مضطرب ، وخيالات هاذية فلا ترى فيها فكرة نابهة ، أو عاطفة صادقة ، او تصويرا جميلا أو أسلوبا مشرقا ، إنما ترى جملا ينفر بعضها من بعض ، وأشد ما يثير الدهشة والسخرية تلك السجعات النى يختم بها فقراته فهى حروف مركبة تركيبا لا يوحى بمعنى ، ولا يومئ إلى دلالة" (١).

ومن عجب كلامه ما قاله فى الواحد الثانى من البيان العربى : " أن يا حرف الراء والباء فلتشهدان على أنه لا إله إلا أنها ، قد نزلت فى الباب الأول من الواحد الثانى أن أعرف قدرة ربك فى الآيات ، ثم أشهد ذكر اللانهاية فى كل شيء ، ثم عجز الناس عما نزل البيان فإن به يثبت ما تريد.

ثم فى الثانى لم يحط بعلم البيان إلا إياك فى آخريك ثم أوليك أو من شهد على من شهد على ما أريد فيه ، فإن أولئك هم الفائزون ، ثم فى الثالث ما أذنت أحدا أن يفسر إلا بما فسرت ، قل كل الخير يرجع إلى ودون ذلك إلى حرف النفى ، ذلك علم البيان إن أنتم تعلمون ، ثم الخير يذكر إلى منتهى الذر فى علم المتقين دون الخير فى منتهى بما تشهدون على دون المخلصين فلتقرئن آية الأولى إن أنتم تقدرون ثم كل ذلك مثل هذا إن أنتم تعلمون" (٢).

__________________

(١) عبد الرحمن الوكيل : البهائية ، ص ١٢١.

(٢) عبد الرازق الحسنى : البابيون والبهائيون ، الملحق ، ص ١٢٥.

٤٩

إنها عبارات غامضة كالكلمات المتقاطعة التى لا تفيد شيئا ، والأغرب من ذلك قوله : " تبارك الله من شمخ مشمخ شميخ ، تبارك الله من بذخ مبذخ بذيخ ، تبارك الله من بدء مبتدأ بديء ، تبارك الله من مفتخر فخير ، تبارك الله من مظهر ظهير .." (١).

ومن العجيب أن الشيرازى يدعى أن كلامه أفضل من القرآن فيقول : " إن أقوى دليل وأقنعه على صحة دعوة رسول الله هو كلامه" دلل على ذلك بقوله" ألم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب" ولقد آتني الله هذا البرهان ، ففى ظرف يومين وليلتين أقرر أنى أقدر أنا أظهر آيات توازى فى الحجم جميع القرآن ... إننى أفضل من محمد كما أن قرآنى أفضل من قرآن محمد ، وإذا قال محمد بعجز البشر عن الإتيان بسورة من سور القرآن ، فأنا أقول بعجز البشر عن الإتيان بحرف مثل حروف قرآنى .. إن نبيكم لم يخلف بعده غير القرآن فهاكم كتابى البيان واتلوه واقرءوه تجدوه أفصح عبارة عن القرآن وأحكامه ناسخة لأحكام الفرقان" (٢). هكذا يقول نبى البابية عن كتابه البيان الّذي كتب بأضعف أسلوب وأرك عبارة.

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص : ٥٠].

أما قوله بأن معجزة نبى الإسلام أنه لم يخلف بعده غير القرآن فالقرآن هو المعجزة الخالدة الباقية الدالة على نبوة محمد ، صلى الله عليه

__________________

(١) مهدى ، محمد : مفتاح باب الأبواب ، ص ٢٨٢.

(٢) البابية لإحسان إلهى ظهير : ص ١٠٤ ، نقلا عن مطالع نبيل الزرندى البهائى ، ومحمد مهدى خان البهائى ، مفتاح باب الأبواب.

٥٠

وسلم ، وختم الرسالات السماوية به ، " إن معجزات الرسل السابقين الدالة على صدق نبوتهم هى وثائق تنقضى يراها الذين عاصروا الأنبياء فيؤمنون حق الإيمان بما جاءت على يدهم ، ولا يراها الذين يأتون من بعدهم ، بل تصل إليهم أخبارها فيضعف تأثيرها على الأمم التالية ، ثم إن المعجزات توافق عقول تلك الأزمان التى كان فيها العقل فى طور الطفولة ، والآن بعد أن ترقى العقل وكثرت المعارف ودخلت الشبهات على الأديان ضعف تأثير هذه المعجزات على أتباع الأديان أو بالأحرى ضعف الإيمان وسرى الإلحاد ، فكان الدين بحاجة إلى دلائل ، وبراهين على صحته غير البراهين السالفة.

فالقرآن هو الكتاب المعجز للبشر بهدايته وتشريعه وأسلوبه وأحكامه التى تتميز بخلودها وبقائها على الزمن ، فقد أنزل القرآن بعد أن ترقى العقل البشرى ، فكان البرهان الّذي أتى به يتفق مع هذا الرقى" (١).

الحقيقة إن كلام الله تعالى فى قرآنه المجيد هو وحى السماء إلى الأرض ، أما كلمات الشيرازى فهى تنبئ عن كذب صاحبها ، فما هذه الكتب إلا أوهام صاحب فكر مضطرب أو مخرب يضمر شرّا بالإسلام وأهله ، فاخترع للناس دينا آخر ، وكتابا موضوعا (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٢).

__________________

(١) طبارة ، عفيف : روح الدين ، ص ٢٩.

(٢) القصص : ٥٠.

٥١

المبحث الرابع

عقائد البابية

يعتقد الباب فى أن" أرفع مراتب الحقيقة الإلهية حلت فى شخصه حلولا ماديّا وجسمانيّا (١) ، ويعتقد أنه" فى كل الظهورات من آدم إلى محمد وقبل آدم لم يكن مظهر المشيئة إلا نقطة البيان ذات الحروف السبعة إلا أنه كان طفلا فى وقت آدم والآن شاب وسيم" (٢).

ويعتقد البابية أنه جوهر وحقيقة كل نبى رسول ، وأنه أكمل من ظهرت فيه الحقيقة الإلهية ، يقول الباب فى ذلك عن نفسه : " كنت فى يوم نوح نوحا ، وفى يوم إبراهيم إبراهيم ، وفى يوم موسى موسى ، وفى يوم عيسى عيسى ، وفى يوم محمد محمدا ، وفى يوم على قبل نبيل ـ ومن المعروف أن الشيعة تسمى محمدا ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ب نبيل ، فيكون معنى على قبل نبيل أى على قبل محمد ـ ولأكونن فى يوم من يظهره الله من يظهره الله ، وفى يوم من يظهره من بعد من يظهر الله من بعد من يظهره الله إلى آخر الّذي لا آخر له قبل أول الّذي لا أول له. كنت فى كل ظهور حجة الله على العالمين (٣).

__________________

(١) كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ، ٣ / ٦٦٥.

(٢) محمد فاضل : الحراب ، ص ٢٢١.

(٣) بدوى ، عبد الرحمن ، التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ، ص ٢٣٧.

٥٢

ويزعم الباب أنه جاء ناسخا لكل الشرائع ولشريعة القرآن الكريم ، ويقرر أن كل من كان يدين بها ، ويعمل بأحكامها ، فهو على الحق حتى ليلة القيامة ، ويوم الساعة أى ليلة قيامه بالدعوة وساعة ظهوره بالأمر ، وهى الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة لغروب شمس اليوم الرابع من جمادى الأولى سنة ١٢٦٠ من الهجرة ، ودخول دجى الليلة الخامسة من لياليه ، فكل من لا يؤمن به من هذا الحين ، ولا يعمل بشريعته وأحكامها ، فهو كافر ، مهدور الدم (١).

ويزعم الباب أنه المرآة التى يستطيع المؤمنون من خلالها أن يشاهدوا الله نفسه ، فهو كما يقول مرآة لا يرى فيها إلا الله حيث يقول عن نفسه : " أنا قيوم الأسماء ، مضى من ظهورى ما مضى ، وصبرت حتى يمحص الكل ولا يبقى إلا وجهى ، واعلم بأنه لست أنا ، بل أنا مرآة فإنه لا يرى فىّ إلا الله" (٢).

بل تدرج فى الأمر تدريجا خطيرا حين صرح بأنه الرب وأن وصيته من بعده يحيى" صبح أزل" وصى الرب ، ووصى الرب لا يكون إلا ربّا وإلها مثله ، فيقول لوصيه" والله أكبر تكبيرا ، وهذا كتاب من عند الله المهيمن القيوم ، قل كل من الله مبدءون ، قل كل إلى الله يعودون ، هذا كتاب من على قبل نبيل (يعنى نفسه فاسمه على محمد) ، ذكر الله للعالمين إلى من يعدل اسمه الوحيد (يقصد يحيى لأن يحيى يطابق الوحيد فى العدد بحساب الجمل) ذكر الله للعالمين قل كل من نقطة البيان ليبدءون أن يا اسمه

__________________

(١) جولد زيهر : العقيدة والشريعة ، ص ٢٤٢.

(٢) ظهير : البابية ، ص ١٧٥ الباب السادس عشر من الواحد الثالث ، نقلا عن البيان الفارسى.

٥٣

الوحيد فاحفظ ما نزل فى البيان ، وأمر به فإنك لصراط حق عظيم" (١).

ولقد كان البابيون بعد اعتقادهم فى نبوته يعتقدون أيضا فى ألوهيته (" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ") [الأنعام : ٩٣].

وكان تطاوله على الله شديدا ، فاعتقد بألوهية نفسه ، وقال : " ما خلق له من كفو وعدل ولا شبه ولا قرين ولا مثال" (٢).

وقال أيضا عن نفسه : أنا قيوم الأسماء ، مضى ظهورى ما مضى ، وصبرت حتى يمحص الكل ولا يبقى إلا وجهى" (٣).

موقف الباب من السمعيات :

يزعم الباب أن المراد من كل ما ورد فى القرآن الكريم من ألفاظ القيامة ، والساعة ، والبعث ، والحشر ، والنشر ، وما جرى مجراها إنما هو ظهوره بالأمر ، وقيامه بالدعوة ، وإن الجنة كناية عن الدخول فى دينه ، والنار كناية عن الكفر به ، واليوم الآخر كناية عن يوم ظهوره ، ولقاء الله تعالى كناية عن لقائه ، والنفخ فى الصور كناية عن الجهر بدعوته ، والمناداة

__________________

(١) إحسان إلهى ظهير : البابية ، ص ١٨٣ ، نقلا عن مقدمة نقطة الكاف لبراون.

(٢) البيان العربى : البيان الثالث من الواحد الرابع.

(٣) جولد زيهر : العقيدة والشريعة ، ص ٢٤٢.

٥٤

بها ، وصعق من فى السماوات والأرض كناية عن نسخ الأديان بيديه وقيام أمته مقام الأمم ، وهذا هو عين ما يقوله البهاء صاحب البهائية عن نفسه ودينه" (١).

ومن العجيب أن ينسخ البهاء دين الباب مع أن الباب يؤكد أنه لا يمكن نسخ ديانته قبل مضى حروف (المستغاث) ، أى : قبل ٢٠٣١ عاما بحساب الجمل حيث قال فى البيان : " كل من ادعى أمرا قبل سنين المستغاث ، فهو مفتر كذاب اقتلوه حيث ثقفتموه" (٢).

والنار والقيامة والبعث والنشور والحساب وكل مسائل السمعيات التى يؤمن بها أتباع الشرائع الثلاث ، يؤولون كل هذه السمعيات تأويلا خاصّا يتفق مع عقائدهم.

فيقول الباب الشيرازى عن القيامة مثلا : " إن قيامة البيان تقوم يوم ظهور من يظهره الله ، واليوم الّذي يظهر فيه المظهر الإلهي الآخر هو نفس يوم البعث والحشر للجميع من قبورهم" (٣).

ويقول عن الجنة : " إن الجنة عبارة عن الإثبات أى التصديق والإيمان بنقطة الظهور (يعنى الباب نفسه) والنار عبارة عن النفى ، يعنى عدم الإيمان بنقطة الظهور وإنكاره هو" (٤).

__________________

(١) محمد فاضل : الحراب ، ص ٢٢١.

(٢) المرجع السابق : ص ٢٢٧.

(٣) البيان ، الباب السابع والتاسع من الواحد الثانى.

(٤) البيان ، الباب الأول من الواحد الثانى.

٥٥

المبحث الخامس

الشريعة عن البابية

افترى الباب على الله كذبا أنه جاء لينسخ شريعة الإسلام ؛ ولهذا عمل على أن يكون لأتباعه عباداتهم الخاصة التى تختلف عن عبادات المسلمين فى الصلاة والصوم والزكاة والحج والأحوال الشخصية والميراث.

فقد جعل الصلاة ركعتين فى الصباح ، ثم هناك صلاتين على البابى أن يقوم بهما فى حياته وهى صلاة الجنازة وصلاة الوضع.

فبالنسبة لصلاة الوضع فعلى الرجل والمرأة اللذان أنجبا فإنه حين نزول الجنين عليهما أن يكبرا خمس تكبيرات ، وبعد كل تكبيرة يذكر بعض نصوص البابية ، فبعد التكبيرة الأولى يقول : "إنا بكل مؤمنون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثانية يقول : "إنا بكل موقنون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثالثة يردد : "إنا كل بالله محيون" تسع عشرة مرة ، وبعد الرابعة : "إنا كل بالله مميتون" تسع عشرة مرة وبعد التكبيرة الأخيرة : "إنا كل بالله راضون" تسع عشرة مرة كذلك.

أما بالنسبة لصلاة الجنازة فعلى البابى أن يصلى على الميت صلاة ذات ست تكبيرات يذكر بعد كل تكبيرة دعاء من أدعية الباب تسع عشرة مرة ، فبعد التكبيرة الأولى يقول : "إنا كل بالله عابدون" تسع عشرة مرة ، وبعد التكبيرة الثانية يقول : "إنا كل لله ساجدون" تسع عشرة مرة. وفى الثالثة يقول : "إنا كل لله قانتون" تسع عشرة مرة. وفى الرابعة يقول : "إنا

٥٦

كل لله ذاكرون" تسع عشرة مرة. وفى الخامسة : "إنا كل لله شاكرون" تسع عشرة مرة ، وفى السادسة : "إنا كل لله صابرون" تسع عشرة مرة.

ولا بد أن يدفن الميت البابى فى صندوق من بلور أو مرمر أو حديد أو نحاس أو خشب ، والأفضل أن يكون من بلور أو مرمر ، وأن يكفن الميت بدون غسل.

ويوضع فى إصبعه خاتم يفضل أن يكون من العقيق الأحمر ينقش عليه اسم الباب ، ويدفن بصندوقة فى حفرة سحيقة عميقة ، وإن أمكن أن يشق له مدفنا فى الصخر فهذا أفضل عندهم ، ولا بد من تحنيط الميت لأنه يجب أن يبقى الميت فى بيته تسعة عشر يوما قبل دفنه وبجواره أهله وناسه ويكفن فى خمسة أثواب من الحرير أو القطن طبقا لتعاليم الباب.

ولقد أبطل الباب صلاة الجماعة إلا على الجنازة وأباح للمرأة أن تصلى بملابسها العادية ـ دون حجاب ـ وقال فى إبطاله صلاة الجماعة : " أنتم بالجماعة لا تصلون ، وأنتم على الكرسى بما يحبه الله تذكرون وتوعظون" (١) أى أنهم يصلون وهم جالسون على مقاعد ، وأكد على إنكار فريضة الجماعة حين قال : "أنتم بالجماعة لا تصلون". وقوله : "ولتصلين كلكم مرة ، ولكنكم فرادى تقعدون" (٢).

وبهذه الطريقة خالف البابيون شريعة الإسلام مخالفة تامة فخرجوا عن العقيدة والملة السمحة باختراعات الباب فى إبطاله صلاة الجماعة إلا على الجنازة واختراعه صلاة الوضع ، والصلاة على المقاعد ، فخالف شريعة

__________________

(١) البيان العربى ، الباب التاسع من الواحد التاسع.

(٢) البيان العربى ، الباب الثالث عشر من الواحد الثامن.

٥٧

الله فى كل ما يتعلق بالصلاة ومواقيتها وكيفيتها وشروطها وواجباتها ، وليس للبابية قبلة محددة فمرة يقول لهم إنها بيته ، ومرة يردد"(فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أنتم إلى الله تنظرون" (١).

ومن قبل قال : " إن مسجد الحرام ما يولد من يظهره الله عليه ذلك ما ولدت عليه أنتم هنا لك لتصلون" (٢). ومنه يفهم أن قبلتهم بيته لكن تناقض الفكر غالب على صاحب البابية.

والوضوء عنده يكون بماء مضاف إليه ماء الورد ، وفى حالة عدم وجود الماء يكفى للبابى أن يقول خمس مرات : " باسم الله الأمنع والأقدس" وبذلك يتحقق الوضوء ، وتتم الطهارة باسم الباب والنار والشمس والهواء والماء والتراب ، ويقول الباب فى بيانه : " يطهركم اسم الله إذا تقرئين الله أطهر ست وستون مرة ، ثم النقطة (أى نفسه) وما يشرف من عندها من آيات الله ، ثم كلماته ، إن أنتم بها موقنون ، ثم من يدخل فى الدين ثم يبدل كينونته ، ثم النار والهواء والماء والتراب ثم الشمس إذا تجفف أن يا عبادى فاشكرون" (٣).

ويتحدث الباب عن الوضوء فيقول فى عربية ركيكة أيضا : " انتم بالخلال والمسواك بعد ما تفرغون من رزقكم ، أفواهكم تلطفون ، ثم لترقدون ثم وجوهكم وأيديكم من حد الكف تغسلون ، إن تريدون أن تصلون ، ثم بمنديل تلطفن وجوهكم وأيديكم ، وإن فى بيت الطهر تحفظن ما يشم كل ريح بمنديل لعلكم دون ما تحيون لا تشدون ، ولتوضأن على

__________________

(١) البيان العربى ، الباب السابع من الواحد الثامن.

(٢) البيان العربى ، الباب السادس عشر من الواحد من الثامنة.

(٣) البيان العربى ، الباب الرابع عشر من الواحد الخامس.

٥٨

هيكل الواحد بماء طيب مثل ورد لعلكم بين يدى يوم القيامة بماء الورد والعطر تدخلون" (١).

وكيفية التطهر بكتابه البيان أن يقرأ على أى شيء يراد تطهيره ما تيسر من اسم النقطة يعنى الباب مع قراءة كلمة التطهير ، وهى" الله أطهر" ٦٦ مرة.

ومع أن صلاة البابى ركعتان فقط فى الصبح إلا أن الباب أمر أتباعه بأن يؤذنوا خمس مرات فى اليوم والليلة وفى الأذان الأول يؤذن المؤذن بقوله" لا إله إلا الله تسع عشرة مرة ، وفى الأذان الثانى يقول أيضا : لا إله إلا الله تسع عشرة مرة ، ثم يقول بعد ذلك الله أعلم".

وفى الثالث يقول أيضا" لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة ، ثم يقول بعدد الواحد (أى تسع عشرة مرة) الله أحكم.

ويقول فى الأذان الرابع" لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة والله أملك بعدد الواحد (أى تسع عشرة مرة).

وفى الأذان الخامس يقول : " لا إله إلا الله" تسع عشرة مرة ، ويقول بعدد الواحد (أى تسع عشرة مرة) الله أسلط ، تسع عشرة مرة ، وإذا لم يستطع أن يؤذن بسبب من الأسباب فيمكنه أن يقول : " شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن من يظهره الله حق" مرة واحدة ، فهذه تكفى عن تسع عشرة مرة فى كل أذان.

الزكاة :

__________________

(١) البيان العربى ، الباب العاشر من الواحد الثامن.

٥٩

فرض الباب على كل من بلغ نصاب الزكاة من أتباعه أن يزكى ، ومقدار النصاب خمسمائة وواحد وأربعين مثقالا من الذهب أو ما يعادله من الفضة بشرط أن يحول عليه حول بابى (الحول البابى تسعة عشر شهرا ، والشهر تسعة عشر يوما) أى أن السنة البابية ٣٦١ يوما ، ويعطى الزكاة للباب فى حياته ولمجلس البابية من بعده وهو يتكون من تسعة عشر عضوا ، وهو الّذي تؤدى إليه زكاة مقدارها خمس قيمة العقار وتجمع فى كل عام من رأس المال ما دام رأس المال لم ينقص" (١).

الصوم :

مدته شهر ، والشهر عند البابيين تسعة عشر يوما ، وهو من شروق الشمس إلى غروبها.

ويوم فطر البابية هو يوم النيروز الموافق للحادى والعشرين من مارس ، وقد سماه الباب" عيد رضوان" والاحتفال بيوم النيروز هو إحياء لعقائد الفرس القديمة ، بهذا اليوم من أعيادهم القديمة المعروفة عند المجوس وعلى الصائم أن يقول هذا الذكر ٣٦٦ مرة فى أول ليلة من صيامه" شهد الله أنه لا إله إلا هو المهيمن القيوم" وفى الصباح عليه أن يقول : " شهد الله أنه لا إله إلا هو العزيز المحبوب" ٣٦٦ مرة أيضا.

وقد أباح الباب لأتباعه قبل أيام الصيام قضاء خمسة أيام فى مجون ولهو وعبث وإباحية وسماها" الخمسة المباحة".

ويبدأ البابى الصوم وهو ابن إحدى عشر سنة فإذا ما بلغ الثانية والأربعين فلا صيام مع أن سن الثانية والأربعين سن القوة والفتوة.

__________________

(١) دائرة المعارف الإسلامية ، ٥ / ٥٠٢.

٦٠