في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

عامر النجّار

في مذاهب اللّااسلاميّين البابيّة ـ البهائيّة ـ القاديانيّة

المؤلف:

عامر النجّار


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ١
ISBN: 977-341-115-X
الصفحات: ٢٥٢

ورعاية ، وتوصى رجال حكومتها أن تعاملنى وجماعتى بعطف خاص ورعاية فائقة" (١).

ثانيا : المستعمر الإنجليزى والإسلام :

شعر الإنجليز أن عقيدة الجهاد عند المسلمين هى سبب القلاقل والثورات ضد الاستعمار ؛ فبدأت بدراسة الأحوال دراسة علمية دقيقة ، وأرسلت الحكومة الإنجليزية بعثات لتقصى المعلومات لمعرفة الأسباب الحقيقية المحركة للثورة ضد الإنجليز : " وفى مقتبل عام ١٨٦٩ م جاءت بعثة إنجليزية مكونة من المحررين الإنجليز والزعماء المسيحيين لدراسة الوسائل التى تخلق فى قلوب سكان القارة الهندية عاطفة ولاء للإنجليز ، وتخضعهم لهم بعد انتزاع عاطفة الجهاد من قلوبهم ، وبعد أن عادت البعثة إلى انجلترا عام ١٨٧٠ م ، رفعت إلى الحكومة تقريرين كتبت فى أحدهما وهو تقرير عنوانه (وصول السلطنة البريطانية إلى الهند): " إن أغلبية مسلمى الهند تتبع زعماءها الدينيين اتباعا أعمى ، وإذا وجدنا الآن أحدا يستعد لأن يزعم أنه نبى أمكن لنا تحقيق مطامع بريطانيا بتنشيط دعواه تحت رعاية الحكومة" (٢).

وظل الإنجليز يبحثون عن الرجل الّذي يمكن أن يساعدهم ويساعدوه فى دعوى النبوة حتى يستطيعوا أن يضربوا عقائد الإسلام من داخل المسلمين أنفسهم .. ولم يستمر بحثهم طويلا ، فقد وجدوا الشخصية التى يبحثون عنها بسهولة ، إنه رجلهم سليل أسرة يفتخرون بولائهم

__________________

(١) مرزا غلام أحمد ، شهادة القرآن بتبليغ الرسالة ، المجلد السابع ، ص ١٩ ـ ٢٠.

(٢) آغا كشميرى : خونة الإسلام ، ص ٣ ـ ٤

١٨١

للاستعمار ، فصنعوا منه مهديّا ، ثم نبيّا ، وعرفوا متى يقدموه للناس مهديّا ، ومتى يعرضوه نسّا ، أو نبيّا ظليّا كما زعم القاديانى.

يقول آغا شورش كشميرى فى كتابه خونة الإسلام : " وقع الاختيار [أى اختيار الإنجليز] على المرزا غلام أحمد القاديانى لتحقيق هذا الهدف ، وقد ظهر فى بداية الأمر فى مظهر المتكلم الّذي كان يجادل الآباء اليسوعيين الذين كانوا يواجهون الإسلام .. ثم كوّن جماعة من أتباعه فى عام ١٨٨٠ م وادّعى بأنه محدث (ملهم من الله) .. ثم أعلن دعواه عن كونه مجددا ، وفى عام ١٨٨٨ م أعلن أن الله أمره بأخذ البيعة من المسلمين ، وادّعى فى عام ١٨٩١ م أنه هو المسيح الموعود ، كما اخترع لنفسه مصطلحا جديدا ، وهو أنه نبى ظلىّ" (١).

إذن القاديانية حركة من صنع الإنجليز ، فهم الذين أوجدوها لمحاربة الإسلام الّذي يدعو أتباعه إلى الجهاد فى سبيل الله ، ومقاومة الاستعمار والمحتلين" فدبرت الحكومة الإنجليزية بعث المرزا غلام أحمد المتنبى ؛ لكى يميت بهذه الوسيلة روح الجهاد فى قلوب المسلمين ويمكنوا نفوذهم فى إقليم البنجاب ، وكان الإنجليز يستيقنون ـ على حد زعمهم ـ أن منطقة بنجاب لا تخضع لهم إلّا من خلال المتنبى ، وإذا لم يوفقوا فى إخضاعهم بواسطته ، فلا أقل من أن يشغلوا العلماء به ، ويصرفوهم عن الجهاد إلى المسائل الأخرى" (٢) ، أى يشغلوهم بالقضايا الخلافية والكلامية حتى يختلفوا ويتفرقوا ويبتعدوا بفكرهم عن جهاد المستعمر الإنجليزى.

__________________

(١) آغا شورش كشميرى : خونة الإسلام ، ص ٤

(٢) المرجع السابق : ص ٨ ـ ٩

١٨٢

ولأن مرزا غلام أحمد كان صنيعة الإنجليز فقد دعا إلى ضرورة طاعة الإنجليز الذين هم فى نظره أولى الأمر. يقول غلام أحمد فى" ضرورة الإمام ص ٢٣" : " أنا أشكر الله عزوجل أنه أظلنى تحت ظل رحمة بريطانية التى أستطيع تحت ظلها أن أعمل وأعظ ، فواجب على رعية هذه الحكومة المحسنة أن تشكر لها وخصوصا عليّ أن أبدى لها الشكر الجزيل ؛ لأنى ما كنت أستطيع أن أنجح فى مقاصدى العليا تحت ظل أى حكومة أخرى سوى حكومة حضرة قيصر الهند. وقال : لعنة الله على من يريد أن يكون تحت أمر الأمير مع أن الله قال : أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر ، فالمراد من أولى الأمر هاهنا" الملك المعظم ؛ ولذا أنا أنصح مريدى وأشياعى بأن يدخلوا الإنجليز فى أولى الأمر ويطيعوه من صميم قلوبهم" (١).

لقد صنع الإنجليز من بعض القاديانية جواسيس للحكومة الإنجليزية ، لقد أغرت نفوسهم بالجنية الاسترلينى ، وعيونهم ببريق الذهب فصاروا من أكبر الجواسيس لدى الإنجليز.

يقول أبو الحسن الندوى : " لقد أمدت هذه الحركة القاديانية وهذه الفئة الحكومة الإنجليزية بخير الجواسيس لمصالحها ، خدموا الحكومة الإنجليزية فى الهند وخارج الهند ، وبذلوا نفوسهم ودماءهم فى سبيلها بسخاء ، كعبد اللطيف القاديانى الّذي كان فى أفغانستان يدعو إلى القاديانية ويستنكر الجهاد ، وخافت الحكومة الأفغانية أن تقضى دعوته على عاطفة الجهاد والروح الحربية التى يمتاز بها الشعب الأفغانى فقتلته ، كذلك الملا عبد الحليم والملا نور

__________________

(١) نقلا عن إحسان إلهى نظير ، القاديانية دراسة وتحليل ، ص ٢٧

١٨٣

على القاديانيان عثرت الحكومة الأفغانية عندهما على رسائل ووثائق تدل على أنهما وكيلان للحكومة الإنجليزية ، وأنهما يدبران مؤامرة ضد الحكومة الأفغانية ، وكان جزاؤهما القتل كما صرح بذلك وزير داخلية أفغانستان سنة ١٩٢٥ م" (١).

والحق أن زعماء القاديانية كانوا عملاء مخلصين للاستعمار الإنجليزى ومن هنا كانت دعوتهم لإسقاط فريضة الجهاد والدعوة إلى الاستكانة والخنوع مع الاستعمار والمستعمرين.

__________________

(١) أبو الحسن الندوى : القاديانية ثورة على النبوة المحمدية والإسلام ، ص ٨

١٨٤

المبحث الثالث

حركة القاديانية والمراحل الفكرية للقاديانى

تمهيد :

بداية حركة القاديانية :

بدأت هذه الحركة فى نهاية القرن التاسع عشر. وبلغت أوج قوتها مع بدايات القرن العشرين.

وكان ظهور القاديانية فى شبه القارة الهندية حينما وقعت الهند الكبرى فى أيدى الاستعمار الإنجليزى حيث ظهرت على يد أحد عملاء الإنجليز بإقليم البنجاب الميرزا غلام أحمد ، وكان موطن هذه الحركة الغالية قرية قاديان إحدى قرى مقاطعة البنجاب ، وفى هذه القرية ولد غلام أحمد كما أشرنا من قبل.

ولقد كانت القاديانية حركة ضد الإسلام وثورة على النبوة المحمدية فكانت حركة مشبوهة أرادت هدم تعاليم الإسلام ، يقول الأستاذ الندوى : " هى ثورة على النبوة المحمدية ومؤامرة دينية وسياسية إن وجد لها نظير فى الخطر والضرر على الإسلام ففى الحركة الإسماعيلية الباطنية التى تولى كبرها عبيد الله بن ميمون القداح فى القرن الثالث الهجرى ، وأشك أنها بلغت مبلغ الأولى فى حالة الفساد ودقة المؤامرة ، ومعاداة الإسلام" (١).

__________________

(١) الندوى : القاديانى والقاديانية ، ص ٣.

١٨٥

مراحل القاديانى الفكرية :

بدأ غلام أحمد تنفيذ خطة الدعوة إلى نبوته بخطوات موضوعة تماما جاهزة للتنفيذ ، فبدأ الخطة بالدعوة إلى مواجهة النصارى ورجال الدين المسيحيين الذين كانوا يهاجمون الإسلام ويحاولون نشر النصرانية بين مسلمى الهند ، بل أخذ يرد أيضا على الديانات والمذاهب التى كانت معروفة فى الهند كالبرهمية والهندوسية ، فكانت البداية ظهوره كمدافع عن الإسلام ، وظهر ذلك واضحا فى الجزء الأول من كتابه براهين أحمدية.

وقد بلغت كتبه ورسائله أكثر من ثمانين كتابا ورسالة من أهمها :

تبليغ الرسالة ، حقيقة الوحى ، مكتوبات أحمدية ، البرية ، إزالة أوهام ، مواهب الرحمن ، فتح إسلام ، الأربعين ، وغيرها.

كتاب براهين أحمدية :

ادعى فى هذا الكتاب بأنه مأمور من الله تعالى لإقامة حجة الإسلام ، ومكلف من الله عزوجل بإصلاح الخلق ، فيقول فى الجزء الأول من هذا الكتاب إنه مأمور من الله لإقامة حجة الإسلام ، ومستعد لإقناع الجميع : " .. لقد كلفنى الله إصلاح الخلق بمسكنة وتواضع وفقر وتذلل على طريقة النبي الناصرى الإسرائيلى المسيح ، وقد ألفت لهذا الغرض كتاب براهين أحمدية" (١).

__________________

(١) غلام أحمد ، براهين أحمدية ، ج ١ / ص ٨٢.

١٨٦

أولا مراحل ادعاء الإلهام والكشف :

فى الجزء الثالث من براهين أحمدية ، بدأ غلام أحمد يتحدث عن نفسه كملهم من الله تعالى ، وخطط قبل ادعائه النبوة لدعوى الإلهام حتى لا يثور عليه أهل الإسلام فقال فى براهين أحمدية : " إن الّذي يتم اتباعه للرسول ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يكرم بالعلم الظاهر والباطن الّذي أكرم به الرسول أصالة" (١). وقال : " إن الإلهام لم ينقطع ، ولن ينقطع" (٢). وقال أيضا : " لا يجوز حصر كلمة الإلهام بمعناها اللغوى لأن جمهور العلماء متفقون على اعتبار الإلهام مرادفا للوحى" (٣).

وهذا يؤكد أن دعوته دعوة باطنية ، وزعمه أنه من أصحاب الإلهام يثبت الصلة القوية بين الفكر الباطنى وبين الدعوة القاديانية ، فإن صاحب هذه الدعوة كان يرى أنه من أصحاب العلم الباطنى حيث قال فى براهين أحمدية : " إذا كان العلماء لم يعطوا العلم الباطنى فكيف ، ولم يرثون النبوة؟ ألم يقل النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه يكون فى هذه الأمة محدثون" (٤).

وقد زعم المرزا غلام أحمد أن النزاع بينه وبين من يعارضونه فى مسألة الوحى بأنه مجرد خلاف لفظى فقط فقال فى براهين أحمدية : " النزاع بيننا وبين جماعة المسلمين الآخرين نزاع لفظى فالإعلامات الربانية التى نسميها وحيا يسميها علماء الإسلام فى كلامهم إلهاما أيضا" (٥).

__________________

(١) المرزا غلام أحمد ، براهين أحمدية ، ج ٣ / ص ٢٣٢

(٢) المرجع السابق : ص ٢٣١

(٣) المرجع السابق : ص ٢٢١

(٤) المرجع السابق : ص ٢٣١

(٥) المرجع السابق : ص ٢٢٢

١٨٧

وطبعى أن هذا كذب واضح وسوء فهم متعمد لمعنى الإلهام والوحى ، وهدفه هو التمهيد لدعواه إلى أنه المهدى المنتظر ، ثم التمهيد بعد ذلك لدعوته إلى النبوة.

ثانيا مرحلة المهدى المنتظر والمسيح الموعود :

فى كتابه" فتح إسلام" بدأ غلام أحمد يخطط لمرحلة جديدة ، وزعم أن عصر ظهور المسيح جاء ، بل أعلن بلا مواربة بأنه المهدى المنتظر الّذي أرسله الله تعالى لإصلاح العالم ، وإقامة الدين فقال فى" فتح إسلام" : " يا أيها الناس إذا كنتم أصحاب إيمان ودين ؛ فاحمدوا الله واسجدوا لله شكرا ، أن العصر الّذي قضى آباؤكم حياتهم فى انتظاره ولم يدركوه ، وتشوقت إليه أرواح ولم تسعد به قد حلّ وأدركتموه وإليكم وحدكم أن تقدروا هذه النعمة وتنتهزوا هذه الفرصة ، سأكرر ذلك ولا أفتأ أذكرهم أننى ذلك الرجل الّذي أرسل للإصلاح الحق ؛ ليقيم هذا الدين فى القلوب من جديد" (١).

وما زال يكرر افتياءه وكذبه وزعمه أنه المهدى المنتظر والمسيح الموعود بل ازداد غلوّا وكفرا حين قال أنه أفضل من النبي الكليم ، يقول فى جرأة متناهية : " لقد أرسلت كما أرسل الرجل المسيح بعد كليم الله موسى الّذي رفعت روحه بعد تعذيب وإيذاء شديدين فى عهد هيرودوس ، فكما جاء الكليم الثانى محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الّذي هو أول كليم وسيد الأنبياء لقمع الفراعنة الآخرين الّذي قال الله عنهم : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً

__________________

(١) المرزا غلام أحمد ، فتح إسلام ، ص ٦ ـ ٧

١٨٨

شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) ، فكان لا بد أن يكون بعد هذا النبي ، الّذي هو فى تصرفاته مثل الكليم ، ولكنه أفضل منه" (١).

وهذا كذب واضح وافتراء مبين وجرأة شديدة على نبى الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

مسألة المهدى فى السنة النبوية :

ورد فى السنة النبوية عدة أحاديث تؤكد ظهور المهدى فى آخر الزمان منها ما رواه أبو سعيد الخدرى ، رضى الله عنه ، قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " أبشركم المهدى فى أمتى على اختلاف من الناس ، وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ، يقسم الأرض صحاحا. فقال رجل : وما صحاحا؟ قال : بالسوية بين الناس. قال : ويملأ الله قلوب أمة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادى فيقول : من له فى مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول : ائت السدّان ـ وفى رواية السادن ـ أى الخازن ـ فقل له : إن المهدى يأمرك أن تعطينى مالا فيقول له : احث حتى إذا جعله فى حجره وأبرزه ندم. فيقول : كنت أجشع أمة محمد نفسا؟ أو عجز عنى ما وسعهم؟ قال : فيرده فلا يقبل منه فيقال : إنّا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين ثم لا خير فى العيش بعده أو قال : ثم لا خير فى الحياة بعده.

[رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة].

__________________

(١) المرزا غلام أحمد ، فتح إسلام ، ص ٧

١٨٩

وقد جاء فى صحيح مسلم أثر فيه إشارة إلى المهدى دون ذكر اسم المهدى ، فعن أبى سعيد الخدرى ، وجابر بن عبد الله قالا : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " يكون فى آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده".

وعن عبد الله بن مسعود ، رضى الله عنه ، عن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : " يلى رجل من أهل بيتى يواطئ اسمه اسمى". وقال أبو هريرة ، رضى الله عنه : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلى" [رواه أحمد والترمذي].

إن أحاديث ظهور المهدى فى آخر الزمان كثيرة ، وصحيح أن فى بعض هذه الأحاديث ضعف فى إسنادها إلا أن كثرة رواياتها مما يقوى بعضها بعضا ، يقول العلامة ابن القيم رحمه‌الله : " وهذه الأحاديث وإن كان فى إسنادها بعض الضعف والغرابة فهى مما يقوى بعضها بعضا ، ويشد بعضها بعضا ، فهذه أقوال أهل السنة" (١).

ويقول العلامة ابن خلدون فى مقدمته : " إن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنه لا بد فى آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ، ويستولى على الممالك الإسلامية ، ويسمى المهدى ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة فى الصحيح على أثره ، وإن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدى فى صلاته" (٢).

__________________

(١) ابن القيم : المنيف فى الصحيح والضعيف ، ص ٧٩.

(٢) ابن خلدون : المقدمة ، ج ١ / ص ٥٥٥

١٩٠

وقال العلامة السفارينى فى كتابه لوامع الأنوار البهية : " والصواب الّذي عليه أهل الحق أن المهدى غير عيسى ، وأنه يخرج قبل نزول عيسى عليه‌السلام ، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوى وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عدّ من معتقداتهم ... فالإيمان بخروج المهدى واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون فى عقائد أهل السنة والجماعة" (١).

هكذا ورد فى نزول عيسى فى آخر الزمان عدة أحاديث صحيحة بلغت حد التواتر ؛ حيث سينزل عيسى ، عليه‌السلام ، لقتل الدجال ولإحياء ما درس من شريعة الإسلام.

ومن هنا نفهم أن مسألة نزوله لا يعنى أبدا أنه سيأتى بشريعة جديدة ، بل سيعمل ويحكم بشريعة الإسلام ، ذلك أن رسالة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هى خاتمة الشرائع ، ونبوته هى النبوة الخاتمة ، ففى الحديث الّذي رواه البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة ، رضى الله عنه ـ وأشرنا إليه ـ قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " والّذي نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد" [رواه البخارى ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد].

وعن جابر بن عبد الله قال : سمعت النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يقول : " ولا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى ابن مريم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول أميرهم :

__________________

(١) محمد السفارينى : لوامع الأنوار البهية ، ج ٢ / ص ٨٠

١٩١

تعال صل لنا. فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" [رواه مسلم].

فمسألة نزول عيسى ، عليه‌السلام ، وقتله الدجال والخنزير ، وحكمه بشريعة الإسلام من المسائل المقررة التى يعتقدها جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة ، وإن قول عيسى ، عليه‌السلام ، فى الحديث الّذي رواه مسلم حين طلب منه أن يصلى إماما تأكيدا لقول رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " لا نبى بعدى" [البخارى]. ومعنى ذلك أيضا أن نبى الله عيسى ، عليه‌السلام ، سينزل حاكما بشريعة الإسلام ، ويحيى تعاليم الإسلام التى اندرست وغابت عن حياة الناس.

والأمر العجيب حقّا ما يدعيه القاديانيون حيث يدّعون أن المقصود بالمسيح الموعود فى الأحاديث النبوية الشريفة ليس عيسى ابن مريم ، عليه‌السلام ؛ لأنه مات ، وإنما المقصود هو مثيل المسيح ، يعنى مسيح مثل ابن مريم ، ويعنون بذلك مسيحهم المزعوم مرزا غلام أحمد ، ويقولون : طالما أن المسيح كان نبيّا ، فلا يتنافى مجيئه مع ختم النبوة.

والحقيقة .... إن الأحاديث النبوية الشريفة تبين لنا تعسف القاديانية فى تأويلها تأويلا خاطئا لصالح زعمهم بأن غلام أحمد هو المسيح الموعود ، والأحاديث فى نزول عيسى ابن مريم كثيرة كما ذكرنا.

فعن أبى هريرة ، رضى الله عنه ، أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامكم منكم".

[البخارى ومسلم وأحمد].

١٩٢

والحديث ينص على أن النازل هو عيسى ابن مريم لا مثيله كما يدعى القاديانيون ، ويشير أيضا إلى أن عيسى ، عليه‌السلام ، يصلّى خلف إمام المسلمين يوم ذاك ، فهو لا يؤم فى الصلاة ؛ لأنه لن يأتى بشريعة جديدة وإنما يتبع شريعة خاتم الأنبياء ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه لا نبوة بعده ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " ... فينزل عيسى ابن مريم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول أميرهم : تعالى فصلّ فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة؟. [مسلم ، وأحمد].

وعن أبى هريرة ، رضى الله عنه ، أن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : " ليس بينى وبينه نبى (يقصد عيسى ابن مريم) وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه ، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ، بين مصرتين كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويهلك الله فى زمانه الملل كلها إلا الإسلام ، ويهلك المسيح الدجال ، فيمكث فى الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى ، فيصلى عليه المسلمون" [أبو داود ، وأحمد].

وعن جابر رضى الله عنه ، أن رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : " .... فإذا هم بعيسى ابن مريم ، عليه‌السلام ، فتقام الصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله ، فيقول : " ليتقدم إمامكم فليصل بكم ، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه ، فحين يرى الكذاب ينماث كما ينماث الملح فى الماء ، فيمشى إليه فيقتله حتى إن الشجر والحجر ينادى يا روح الله : هذا

١٩٣

اليهودى فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله" [أحمد].

وعن عائشة ، رضى الله عنها ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال فى قصة الدجال : " .. فينزل عيسى ، عليه‌السلام ، فيقتله ، ثم يمكث عيسى ، عليه‌السلام فى الأرض أربعين سنة إماما عادلا وحكما مقسطا". [الإمام أحمد].

وهذه الأحاديث وغيرها تدلنا على أن الّذي ينزل هو عيسى ابن مريم ، وليس غيره ولا مثيله.

وحين نزول عيسى ، عليه‌السلام ، لا ينزل عليه الوحى ، ولا يأتى بشريعة جديدة ، وإنما سيكون متبعا لشريعة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والغرض من نزوله هو القضاء على فتنة الدجال لا الإتيان بنبوة جديدة ورسالة أخرى ، يقول ابن حزم ، رضى الله عنه : " لا يقدح فى كون رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خاتم الأنبياء والمرسلين نزول عيسى ، عليه‌السلام بعده ؛ لأنه يكون على دينه مع أن المراد أنه آخر من نبىء" (١).

ويقول الإمام النووى فى شرح مسلم : " ينزل عيسى ابن مريم حكما أى حاكما بهذه الشريعة ، ولا ينزل برسالة مستقلة وشريعة ناسخة ، بل هو حاكم من حكام هذه الأمة" (٢).

ويقول صاحب تفسير الخازن : .. فإن قلت قد صح أن عيسى ، عليه‌السلام ، ينزل فى آخر الزمان بعده وهو نبى ، قلت : أن عيسى ، عليه‌السلام ، ممن نبىء قبله ، وحين ينزل فى آخر الزمان ، ينزل عاملا

__________________

(١) ابن حزم : المحلى ، ٥ / ٢٦٧

(٢) مسلم : الشرح ، ٢ / ١٨٩

١٩٤

بشريعة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومصليا إلى قبلته كأنه بعض أمته" (١).

فالذى سينزل فى آخر الزمان عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وليس ميرزا غلام أحمد كما يزعم ويفترى.

ثالثا : ادعاؤه الوحى والنبوة :

زعم غلام أحمد أنه يوحى إليه ، وأنه يسمع من وحى الله ، يقول فى تكملة البراهين الأحمدية ، ج ٥ ، ص ١٨٣ ،." من العقيدة الباطلة الواهية أن يظن أحد أن باب الوحى قد انغلق إلى أبد الآباد بعد محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا رجاء فيه ـ أى فى انفتاحه ـ فى المستقبل إلى يوم القيامة ، كأنكم أمرتم أن لا تعبدوا إلا القصص والأساطير ، فهل من الممكن أن يكون الدين الّذي لا يعرف الله فيه معرفة مباشرة دينا" (٢).

وقال أيضا فى الدر الثمين ، ص ٢٨٢ ، " ونزول المسيح" ص ٢٨٢ : " والّذي أنا أسمع من وحى الله ، والله منزه عن الخطأ ، وأنا أعرف أنه منزه عن الخطأ كالقرآن. والله هذا هو إيمانى. والله إن هذا لهو كلام الله ، وهو من لسان الله الوحيد الطاهر" (٣).

ومن مزاعم وحيه الكاذب :

زعم المرزا غلام أحمد أنه يوحى إليه ، وما أوحى إليه إلا الكذب المحض ، إنه يأخذ بعض آيات القرآن الكريم ، أو جزء منها فيخلطها بكلام يثير السخرية ، من أمثلة ذلك : قوله فى تذكرة (وحى مقدس): " يا آدم

__________________

(١) علاء الدين البغدادى ، تفسير الخازن ، ص ٤٧

(٢) أبو الأعلى المودودى ، ما هى القاديانية ، ص ٣٧

(٣) المرجع السابق ، ص ٣٧

١٩٥

اسكن أنت وزوجك الجنة ، ويا مريم اسكن أنت وزوجك الجنة ، ويا أحمد اسكن أنت وزوجك الجنة ، نصرت وقالوا حين مناص ، إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله رد عليهم رجل من فارس ـ شكر الله سعيه أم يقولون نحن جميع منتصر" (١).

وقد وضع غلام أحمد بذرة الإشارة إلى النبوة فى كتابه براهين أحمدية حين زعم أنه ألهم إلهامات كثيرة من قبل الله تعالى فقال : " لقد ألهمت آنفا وأنا أعلق هذه الحاشية وذلك فى شهر مارس عام ١٨٨٢ م ما نصه حرفيّا : " يا أحمد بارك الله فيك ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ، الرحمن علم القرآن ، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ، ولتستبين سبيل المجرمين ، قل إنى أمرت وأنا أول المؤمنين ، قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" (٢).

وابنه المرزا الخليفة الثانى للقاديانية المرزا بشير الدين محمود ، يرى هذا الأمر ويعلنه بكل وضوح ويقول أن والده ليس مسيحا موعودا مجازا فقط بل هو نبى أيضا ، ويؤكد هذا المعنى فيقول : " فالمعنى الّذي تفهمنا إياه الشريعة الإسلامية عن النبي لا يسمح أن يكون المسيح الموعود نبيّا مجازا فقط بل لا بد أن يكون نبيّا حقّا ، إنا نؤمن بنبوة ميرزا عليه‌السلام".

ويقول ميرزا غلام أحمد : " كل مسلم قد بلغته دعوتى ، وإن كان مسلما ولكنه لا يحكمنى ولا يؤمن بى مسيحا موعودا ، ولا يعتقد أن وحيى هو من عند الله فهو يستوجب المؤاخذة فى السماء" (٣).

__________________

(١) تذكرة وحى مقدس ، ص ٢٥ ـ ٢٧

(٢) غلام أحمد : براهين أحمدية ، ٣ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠

(٣) أبو الأعلى المودودى : ما هى القاديانية ، ص ٤٣

١٩٦

ويقول أيضا : " كل رجل لا يتبعك ولا يدخل فى بيعتك ، ويبقى مخالفا لك ، هو عاص لله وللرسول ، وهو من أصحاب النار" (١).

هكذا خطط مرزا غلام أحمد لدعوى النبوة ، فبعد ادعائه المهدية ، وأنه المسيح الموعود ، بدأ يجهز نفسه لمرحلة جديدة وهى ادعاؤه النبوة ، فزعم أن باب النبوة لم يغلق كليّا ؛ لأنه لم يغلق باب نزول جبريل على شكل وحى ، وقال إن الدين الّذي ينقطع فيه سلسلة النبوة ليس بدين على الإطلاق ، وزعم أن هذا هو الفارق الكبير بين الإسلام والديانات الأخرى ، فالإسلام هو الدين الوحيد فى افتراءاته الّذي لم ينقطع من خلاله سلسلة النبوة ، وكان يذكر دائما : " مذهبنا أن الدين الّذي انقطعت فيه سلسلة النبوة ليس بدين حي. ونقول للأديان الأخرى إنها ليست حية لأجل أنه لم تبق فيها سلسلة النبوة ، مثل اليهودية والمسيحية والهندوكية ، فإذا كان حال الإسلام كذلك لا يكن هناك أى فرق بين الإسلام والديانات الأخرى" (٢).

ويعتبر غلام أحمد أن النبوة آخر درجات الترقى الإنسانى ، فالإنسان المحب لله ولرسوله يمكنه أن يصل إلى درجة الصالحين ، ثم يرتقى بعد ذلك إلى درجة الشهداء ، ومنها إلى درجة الصديقين ، فإذا تجاوز هذه الدرجة يمكنه أن يصل ـ فى زعمه ـ إلى درجة النبي ، ويسميها النبوة الظلية ، أى أن صاحبها ظل للنبى ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

يقول محمود ابن نبى القاديانية غلام أحمد فى كتاب حقيقة النبوة : " إن النبوة ليست شيئا مستقلّا بذاته ، بل الواقع هو أنها شيئا آخر درجة

__________________

(١) المرجع السابق ، ص ٤٣

(٢) محمود بن المرزا غلام أحمد : حقيقة النبوة ، ص ٢٧٢.

١٩٧

من درجات ترقى الإنسان ، فالإنسان يتدرج فى محبة الله من درجة إلى أخرى من درجة الصالحين إلى درجة الشهداء ، ومن درجة الشهداء إلى درجة الصديقين ، وعند ما يتجاوز هذه الدرجة الأخيرة يصبح حامل الأسرار الإلهية أى يكون نبيّا" (١).

وينفى غلام أحمد ختم النبوة فيقول : " إذا قال أحد أن النبوة انتهت فكيف يمكن أن يكون نبى من أتباع محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالجواب على ذلك هو أن الله ، عزوجل ، إنما سمى هذا العبد [المرزا غلام أحمد] نبيّا ؛ لأن كمال نبوة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لا يمكن أن يثبت دون كمال أمته ، ودون ذلك ليس إلا دعوى بغير دليل" (٢).

ويزداد غلو غلام أحمد فى مسألة عدم ختم النبوة ويقول : " إن الزعم القائم أن النبوة انتهت على رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، زعم باطل ، ولا يعدو كونه لغوا ، إن القرآن والأحاديث النبوية تعلن بطلان هذا الزعم ، والحقيقة أن فضل وشأن الأمة المحمدية يكمن فى أن يكون فيها أنبياء ورجال يخاطبون الله ، ويتكلمون معه ، كما يمكن أن يكون فيها الأولياء والشهداء والعلماء ؛ لكى تكون هذه الأمة فى الواقع خير أمة" (٣).

ويزعم هذا المفترى على الله تعالى أن الله عزوجل يكلمه وأنه سبحانه وتعالى يكشف له كثيرا من أمور الغيب ؛ ولهذا فهو فى افترائه يدّعى أنه نبى ؛ لأن الله يتكلم معه ويرد عليه فيقول : " إننى أزعم النبوة على أساس أننى شرف بمكالمة الله تعالى ، إن الله يتكلم معى بكثرة ويرد على

__________________

(١) محمود بن المرزا غلام أحمد : حقيقة النبوة ، ص ٢٧٢

(٢) محمود بن المرزا غلام أحمد : حقيقة الوحى ، ص ٢٧٤

(٣) مجلة أخبار الفضل ، العدد ٥٠ فى ٢٥ / ١٠ / ١٩٣١ م.

١٩٨

كلامى ، ويكشف عليّ كثيرا من أمور الغيب ، ويفتح عليّ أبواب المستقبل ، وما لم يكن المرء مقربا منه قربا خاصّا لا يكشف عليه الأسرار ، ولكثرة هذه الأمور فقد سمانى نبيّا ، من هنا إننى نبى بأمر الله وبحكمه ، وإذا أنكرت ذلك أكون مذنبا ومخطئا وعند ما سمانى نبيّا كيف يمكن أن أنكر ذلك ، إننى قائم على ذلك إلى أن أترك هذه الدنيا" (١).

وخشى مرزا غلام أحمد من ثورة المسلمين عليه بدعواه النبوة ، فزعم أن نبوته نبوة ظلية أى أن نبوته ظلّا لنبوة محمد ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : " إنما يريد منكم الله سبحانه من حيث العقيدة أن تؤمنوا بأن الله واحد وأن محمدا رسوله ، وأنه خاتم النبيين ، وهو أفضل الناس أجمعين ، لا نبى بعده إلا الّذي ألبس رداء المحمدية على سبيل التمثيل أو البروز ، فإن الخادم ليس بمنفصل عن مخدومه ، ولا الفرع بمنصرم عن جزعه ؛ لذلك كان بكليته فانيا فى سيده ، وينال من الله لقب نبى فما هو مخلو بختم النبوة مثلما تكون أنت اثنين إذا نظرت فى المرآة ، بل إنما تكون واحدا ، وإن يتراءى لك اثنان بادئ الرؤيا ، وليس الفرق ثمة إلا بين الظل والأصل ، فهكذا تمت وقضت مشيئة الله فى المسيح الموعود" (٢).

ويقول فى براهين أحمدية : " ولا ينبغى أن نقول هنا كيف يكون شخص أدنى من أمة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شريكا فى أسمائه أو أوصافه أو كمالاته ، ومما لا شك فيه أنه لا يقدر أحد ولو كان نبيّا أن يكون شريكه فى كمالاته ، القدسية ، ولا الملائكة كلهم يستطيعون ذلك. فكيف

__________________

(١) المرزا غلام أحمد : من كتاب موجه إلى أخبار عام لاهور ، فى ٢٣ / ٥ / ١٩٠٨ ، قاديانى مذهب ، ص ١٨٢

(٢) المرزا غلام أحمد : سفينة نوح ، ص ١٨ ، ١٩

١٩٩

يستطيع ذلك غيرهم؟ ولكن اسمع يا طالب العلم منتبها إن الله تعالى قضى بكمال حكمته ورحمته أن يبعث رجالا من الأمة المحمدية يتبعونه فى غاية العجز والتذلل ، يظهر بوجودهم الخفى بركات نبيه ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى تدوم بركاته وتظل أنوار أشعته الكاملة تبهر الخصوم وتبهتهم ، والنبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هو المصدر الكامل والمرجع التام لما تصدر منهم من بركات وآيات ومعارف ، وهو وحده المستحق للثناء الكامل والحقيقى ، ولكن حيث أن منبع سنن النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبب اتباعه الكامل يصير الظل للشخص النورانى الفياض لحضرة النبي ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجميع الأنوار الربانية التى ظهرت فى ذلك الوجود المقدس تظهر وتبدو فى ظله أيضا ، وظهور هيئة الأصل وكيفيته الكاملتين فى ظله أمر معلوم لا يخفى على أحد" (١).

وما أن هدأ الثورة بعض الشيء حتى وجد الفرصة لينتقل من دعواه النبوة الظلية إلى دعوى النبوة المستقلة فيقول : " إذا حصل أحد أتباع النبي بفضل اتباعه على درجة الوحى والإلهام والنبوة ويطلق عليه اسم النبي ، فلا يعنى ذلك كسر ختم النبوة ؛ لأنه بنفسه ليس بشيء ، بل ما حصل عليه من كمال يعود إلى نبيه الّذي يتبعه ، وهو ليس نبى فقط ، بل نبى وفى نفس الوقت من أمتى ، وختم النبوة يمنع مجىء نبى لا يكون من أمتى" (٢).

وبلغت جرأته على القرآن الكريم وعلى رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزعم أن القرآن شهد له بالنبوة ، وأن الرسول ، صلى الله عليه

__________________

(١) المرزا غلام أحمد : براهين أحمدية ، ص ٢٤٣ ، ٢٤٤.

(٢) المرزا غلام أحمد : جشمه مسيحى قاديانى مذهب ، ص ٢٤٣

٢٠٠