كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي

كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

المؤلف:

عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي


المحقق: الشيخ زكريا عميرات
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ١٧٤

حكمه ؛ فبينوا معاشر المعتزلة ما نسائلكم عنه وأوضحوا الوقت الذي تقرر الإرادة له ، والإرادة حادثة عندكم. فلا يكادون يضبطون في ذلك وقتا موقوتا ، ولا يلقون لأنفسهم ثبوتا.

شبهة أخرى للمعتزلة فمما تمسكوا به ، وفي ذكره والانفصال عنه تمهيد أصل متنازع فيه ، أن قالوا : الأمر بالشيء يتضمن كونه مرادا للآمر ، ويستحيل في قضية العقول أن يأمر الآمر بما يكرهه ويأباه ؛ وكذلك النهي عن الشيء يتضمن كونه مكروها للناهي ، ويستحيل أن يكون الناهي على حكم الحظر مريدا لما نهى عنه. وأكدوا ذلك بأن قالوا : الجمع بين الأمر الجازم ، وبين إبداء كراهية المأمور به متناقض ، وهو بمثابة الجمع بين الأمر بالشيء والنهي عنه ؛ إذ لا فرق بين أن يقول القائل : آمرك بكذا وأنهاك عنه ، وبين أن يقول : آمرك بكذا وأكره منك فعله. وإذا تبين أن كل مأمور به مراد للآمر ، فيخرج من ذلك كون الباري تعالى مريدا لإيمان من علم أنه لا يؤمن ، لأنه آمر له بالإيمان.

والجواب على ذلك من أوجه ؛ منها أن يتبين أن ما استبعدوه ، من كون الآمر كارها لما أمر به ، غير بعيد شاهدا. وقد ضرب المحصلون لما نبغيه أمثلة ، ونحن نجتزئ بواحد منها.

وهو أن الرجل إذا كان يؤدب عبيده ، ويبالغ في ردعهم وقمعهم ويبرح بهم ضربا ؛ فإذا استفاض خبره واتصل بسلطان الوقت ، وهمّ بأن يزجره ويبالغ في تأديبه ، فلما استحضره وبثّ إليه خبره قال معتذرا : إنما صدر مني ما صدر لاستعصاء عبيدي وتمردهم وإبدائهم صفحة الخلاف. فاتهم السلطان أمره ولم يثق بما قاله ، وبقي مستعر الصدر عليه ، فرام سيد العبيد تحقيق مقالته ونفي الظن عن أحواله ، وقال للسلطان : آية صدقي أني أستحضر عبيدي وآمرهم بمرأى منك ومسمع أمرا جازما تنتفي عنه جهات التأويلات ؛ فإن هم خالفوني وعصوا أمري ، استبان للملك صدقي ؛ وإن أطاعوني ، فأنا المتعرض لسخطه. فإذا استحضرهم ، وأمرهم ونهاهم وزجرهم ، فلا شك أنه يريد منهم أن يخالفوه ليتمهد عذره.

فإن قالوا : ما يصدر منه في الصورة المفروضة ليس بأمر على الحقيقة ، وليس الغرض منه اقتضاء الطاعة. قلنا : هذا جحد للضرورة فإن الأمر إذا بدر من السيد مقترنا بقرائن من أحواله قاطعة باقتضاء الطاعة ، بحيث لا يستريب فيه العبيد ، بل يضطرون إلى معنى الاقتضاء وموجب الطلب والابتغاء ، فكيف يمكن حمل الأمر المقترن بالقرائن على خلاف المعلوم من مقتضاه على البديهة والضرورة؟ وكيف لا يكون الأمر كذلك ، وإنما يتمهد عذر السيد إذا كان أمره جازما لا تردد في فحواه؟ ولو لم يكن الأمر كذلك ، لم تقبل معاذيره ، ولم يتسق تقديره.

ومما يدل على أن المأمور به لا يجب أن يكون مرادا للآمر ، أصل النسخ ؛ فإنه رفع للحكم بعد ثبوته ، ويستحيل تقدير كون المنسوخ مرادا. فإن الواجب إذا حظر وحرّم ، فيجب على أصل المعتزلة أن يعود ما كان مرادا مكروها ، وذلك غير سائغ في أحكام الله تعالى إجماعا ، وهو دال لو ثبت على البداء ، والرب تعالى متقدس عنه. فإذا ثبت أن النسخ يصادف مأمورا به ، وتقرر أن المراد لا ينقلب مكروها ؛ فيخرج من مضمون ذلك ، أن المأمور به أو لا لم يكن وقوعه مرادا للآمر.

١٠١

فإن قالوا : النسخ لا يتضمن رفع الحكم ، وإنما هو تبيين مدة العبادة على حكم التخصيص ؛ فهذا الذي ذكروه رد للنسخ جملة ، والتزام لمذهب منكريه من اليهود وغيرهم. وسنذكر النسخ وحقيقته ، والرد على جاحديه في النبوءات إن شاء الله عزوجل.

ومما تمسك الأئمة في أن المأمور به يجوز أن لا يكون مرادا للآمر ، قصة إبراهيم وولده الذبيح عليهما‌السلام. فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بذبح ولده ، ولم يرد ذلك منه.

وللمعتزلة خبط في درء حجة الله تعالى لا يغنيهم عما أريد بهم. فمنهم من يقول : لم يكن إبراهيم عليه‌السلام مأمورا بذبح ولده تحقيقا ، وإنما تخيل أمرا في حلمه وحسبه أمرا ؛ وهذا ازدراء عظيم على الأنبياء وحط من أقدارهم. وكيف يستجيز ذو دين أن ينسب إلى إبراهيم خليل الرحمن الإقدام على ذبح ولده من غير أمر جازم؟ وكيف يسوغ أن لا يحيط ولده علما بكونه مأمورا أو غير مأمورا؟ وتجويز ذلك يسقط الثقة بما ينقلون من أوامر الله تعالى.

ومنهم من يقول : إنما كان مأمورا بالشد والربط والتلّ للجبين وإرهاف المدية ، والتعرض لمقدمات الذبح ، دون الذبح. وهذا من الطراز الأول ؛ فإنا على اضطرار نعلم من اعتقاد القصة أن إبراهيم عليه‌السلام ابتلي بذبح ولده ، ومن هذا عظم بلاؤه ، كما قال تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [سورة الصافات : ١٠٦] ، وافتداؤه بالذبح العظيم أعظم آية على ذلك. ولا يسوغ أن يعتقد النبي في أمر الله تعالى خلاف مقتضاه.

فإن قالوا : الدليل على أنه لم يكن مأمورا بالذبح ، أنه لما شد يديه ورجليه رباطا ، وتلّه للجبين ، قيل له : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) [سورة الصافات : ١٠٥] ، فدل ذلك على امتثاله مقتضى الأمر وبلوغه منتهاه. وهذا غفلة منهم وذهول عن الحق ؛ فإنه ما قيل له : «حققت الرؤيا» ، بل قيل : (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، أي اعتقدت صدقها وابتدرت لما أمرت به ، فانحجز الآن عن إمضاء الأمر ؛ فقد رفع عنك ، وفدي ولدك عن الذبح المأمور به بالذّبح العظيم.

فإن قالوا : كان إبراهيم يقطع حلقوم ولده ويفري أوداجه ، وكان إذا قطع جزء التأم والتحم ما قبله ، ولم يزل الأمر كذلك حتى نفذت الشفرة من الجانب الثاني ، فقد أمر بالذبح وأريد منه ذلك ؛ وهذا الذي ذكروه افتراء عظيم وتخرص على معنى الكتاب. فإنه تعالى قال مخبرا عنهما : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ، وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) [سورة الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤] الآية ؛ فاقتضى ظاهر الخطاب أنه كما تله ، نودي بالتخفيف ، وافتداؤه من الدلالات القاطعة على أنه لم يمتثل ما أمر به. ثم ما نقلوه لا يسمى ذبحا ، وإنما الذبح فصل الحلقوم والمريء وفري الأوداج ، مع بقائها على انفصالها إلى تتمة الذبح. فبطلت حيلهم ، واتجهت حجة الله عليهم.

وما ذكروه ، من تناقض الجمع بين الأمر بالشيء وإبداء كراهيته ، دعوى ، ولا تناقض عندنا في الجمع بينهما. وكيف يسوغ دعوى التناقض وأمر الله تعالى عام تعلقه بالمكلفين ، مع نصوص لا تقبل

١٠٢

التأويل في كتاب الله تعالى دالة على أن الله تعالى لم يرد إيمان الكفرة وطاعة الفجرة؟ فإن عم الأمر تعلقا ، ودلت الآيات التي نستمسك بها على أنه سبحانه أراد ضلال من ضل وهدي من اهتدى ، فيبطل ذلك ما موهوا به.

ومن الدليل على ذلك ، أن الواحد منا لو قال لعبده : قد أزحت علتك ، وقويت منّتك ، وأتممت عدتك ؛ حتى لا تألوا جهدا في اقتناء الخيرات ، والتسرع إلى القربات ، وسد الثغور ؛ مع علمي قطعا بأنك تفجر وتقطع الطرق ، وتسعى في الأرض بالفساد ، وتستعين بما أمددتك على خلاف الرشاد ؛ فيعد ذلك متناقضا عرفا وإطلاقا. والرب تعالى على أصول المعتزلة يريد صلاح من يمهله ، ويعلم أنه في إمهاله يسعى على الردى ويتبع الهوى ، ولو اخترم قبل حلمه لفاز ونجا. فإن لم يكن ذلك متناقضا عندهم إذا قدر في أمر الله ، فلا تناقض فيما ادعوه.

ومما يتمسكون به كثيرا ، أن قالوا : الإرادة تكتسب صفة المراد بها ، فإذا كان المراد سفها كانت الإرادة سفها ، وهذا من تخييلهم العريّ عن التحصيل ؛ فهم مطالبون بالدليل عليه ، غير مخلين بالاقتصار على محض الدعوى.

ثم لو كانت إرادة السفه سفها ، لكانت إرادة الطاعة طاعة ، ويلزم من مضمون ذلك أن يكون الرب تعالى مطيعا لإرادته الطاعة ، وهذا خروج عن إجماع المسلمين وانسلال عن ربقة الدين. ثم الإرادة عندنا أزلية ، وإنما يتصف بالسفه ونقيضه الحادث المبتدأ. والذي يحقق ذلك أن من تكسب علما بالفواحش وفجور الفجرة ، من غير حاجة ماسة إليه ، فذلك سفه منه ؛ والرب تعالى عالم بجميع المعلومات خيرها وشرها ، ولا يتصف في كونه عالما بما يتصف به من تكسب العلم منا.

فهذه قواعد شبههم ، وفي التنبيه عليها وطرق الانفصال عنها إرشاد إلى ما عداها.

فصل

استدل المعتزلة بظواهر من كتاب الله تعالى ، لم يحيطوا بفحواها ، ولم يدركوا معناها. منها قوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) [سورة الزمر : ٧]. وفي الجواب عن هذه الآية مسلكان : أحدهما الجري على موجبها ، تمسكا بمذهب من فصل بين الرضا والإرادة ؛ والوجه الثاني حمل العباد على الموفقين للإيمان الملهمين للإيقان ، وهم المشرفون بالإضافة إلى الله سبحانه ذكرا. وهذه الآية تجري مجرى قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [سورة الإنسان : ٦] ؛ فليس المراد جميع عباد الله ، بل المراد المصطفون المخلصون للنعيم المقيم.

ومما يستروحون إليه قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) [سورة الأنعام : ١٤٨] الآية. قالوا : فوجه الدليل من هذه الآية ، أن الرب سبحانه أخبر عنه ، وبيّن أنهم قالوا لو شاء الله ما أشركنا ، ثم وبخهم ورد مقالتهم ؛ ولو كانوا ناطقين بحق ؛ مفصحين بصدق ؛ لما قرعوا.

١٠٣

قلنا : إنما استوجبوا التوبيخ ، لأنهم كانوا يهزءون بالدين ويبغون رد دعوى الأنبياء ، وكان قد قرع مسامعهم من شرائع الرسل تفويض الأمر إلى الله تعالى ، فلما طولبوا بالإسلام والتزام الأحكام تعلقوا بما احتجوا به على النبيين ، وقالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) [سورة الأنعام : ١٤٨] الآية ، ولم يكن من غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم. والدليل على ذلك في سياق قوله تعالى : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [سورة الأنعام : ١٤٨]. وكيف لا يكون الأمر كذلك ، والإيمان بصفات الله تعالى فرع عن الإيمان بالله تعالى ، والكفر بالآية كفر بالله تعالى!.

ومما يستذلون به العوام الاستدلال بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [سورة الذاريات : ٥٦]. وهذه الآية عامة في صيغتها ، متعرضة لقبول التخصيص عند القائلين بالعموم ، مجملة عند منكري العموم. ولا يسوغ الاستدلال في القطعيات بما يتعرض للاحتمال ، أو يتصدى للإجمال. ومن مذهب المعتزلة ، أن العموم إذا دخله التخصيص صار مجملا في بقية المسميات ، ولا خلاف أن الصبيان والمجانين مستثنون من موجب الآية تخصيصا.

ثم قد قيل : إن المراد من الآية تبيين غنى الله تعالى عن خلقه ، وافتقارهم إليه ، فهذا هو المقصود ، وآية ذلك قوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [سورة الذاريات : ٥٧] ؛ فكأن معنى الآية : وما خلقت الجن والإنس لينفعوني ، وإنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي.

ثم أصل العبادة التذلل ، والطريق المعبّدة هي المذللة بالدوس بالخف والحافر وأقدام المستطرقين ، والمراد بالآية : وما خلقتهم إلا ليذلوا لي. ثم من خضع فقد أبدى تذلله ، ومن عاند وجحد فشواهد الفطرة واضحة على تذلله وإن تخرص وافترى. والحمل على ذلك أفضل من الحمل على تناقض ؛ فإن الرب تعالى علم أن معظم الخليقة يكفرون ، فيكون التقدير : وما خلقت من علمت أنه يكفر إلا ليوفق ، وهذا لا وجه له.

ومما يستدلون به قوله تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [سورة النساء : ٧٩]. قلنا : الآية المتقدمة على هذه الآية دلالة قاطعة على إبطال مذهبكم ، فإنه عز من قائل قال : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [سورة النساء : ٧٨]. ثم لفظة الإصابة شاهدة على سلب الاختيار ، فإنها لا تستعمل إلا فيما ينال المرء من غير ارتياده ؛ ولا يقال أصاب فلان المشي والتصرف ، بل يقال أصابه مرض أو سرور أو جنون.

ثم المراد من الآية أن كفار قريش كانوا إذا قحطوا وزلزلوا ، قالوا : ذلك من شؤم محمد ودعوته ، فإن وسع عليهم قالوا : ذلك منا ومن آلهتنا ، فرد الله تعالى عليهم وخاطب رسوله عليه‌السلام ، وهم المعنيون ، فقال : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) ، معناه من نعمة ، فمن الله ؛ وما أصابك من سيئة ، أي من ضيق ، فهو جزاء عملك. على أن المعتزلة لا يقولون بظاهر الآية ، إذ الخير والشر

١٠٤

عندهم من أفعال العباد ، واقعان بقدرة العباد ، خارجان عن مقدور الله تعالى ، فهما واقعان من العبد عندهم.

وربما يستدلون في خلق الأعمال بقوله تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [سورة المؤمنون : ١٤] ، وزعموا أن ذلك يدل على اتصاف العباد بالخلق والاختراع ، وهذا وهم منهم وزلل.

فإن الخلق قد يراد به التقدير ، ومن ذلك سمي الحذّاء خالقا لتقديره طاقة من النعل بطاقة ، ومنه قول القائل (١) :

ولأنت تفري ما خلقت وبع

ض القوم يخلق ثم لا يفري

ولما ذكر الله تعالى إجراء النطفة في أطوار الخلق ، في مدد مضروبة وأوقات مرقوبة مقدرة عنده ، قال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). معناه أحسن المقدرين. ثم العبد عند المعتزلة أحسن خلقا من الله تعالى عن قولهم ؛ فإن أحسن الخالقين من كان خلقه أحسن ، ومن خلق العبد الإيمان بالله ، وهو أحسن خلقا من خلق الأجسام وأعراضها.

ثم نتمسك بعد ذلك بنصوص الكتاب في وقوع الكائنات مرادة لله تعالى. قال الله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) [سورة الأنعام : ١١١] ، إلى قوله تعالى : (ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [سورة الأنعام : ٣٥] ؛ وقال تعالى : (لَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) ؛ وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [سورة الأنعام : ١٢٥]. والنصوص التي استدللنا بها ، عند ذكر الهدى والضلال والطبع والختم ، كلها دالة على ما ننتحله.

فصل

التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية ؛ ثم الموفق لا يعصي إذ لا قدرة له على المعصية ، وكذلك القول في نقيض ذلك. وصرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرب تعالى أن العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف. ثم لا يقع في معلوم الله تعالى اللطف في حق كل واحد ؛ بل منهم من علم الله تعالى أنه يؤمن لو لطف به ، ومنهم من علم أنه لا يزيده ما آمن عنده غيره إلا تماديا في الطغيان وإصرارا على العدوان.

ويلزمهم من مجموع أصلهم أن يقولوا : لا يتصف الرب تعالى بالاقتدار على أن يوفق جميع الخلائق ، وهذا خلاف الدين ونصوص الكتاب المبين ، وقد قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ

__________________

(١) هو الشاعر زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح هرم بن سنان.

١٠٥

هُداها) [سورة السجدة : ١٣] الآية ؛ وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [سورة هود : ١١٨] إلى غير ذلك.

والعصمة : هي التوفيق بعينه ؛ فإن عمت كانت توفيقا عاما ، وإن خصت كانت توفيقا خاصا.

فصل

اتفق أهل الملل على ذمّ القدرية ولعنهم ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا». ولا ينكر لعنهم منكر ، ولكنهم يحاولون درأ هذا النبذ عن أنفسهم بما لا يغنيهم ، ويقولون : أنتم القدرية إذا اعتقدتم إضافة القدرة لله سبحانه. وهذا بهت وتواقح ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «القدرية مجوس هذه الأمة». وشبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر ، في حكم الإرادة والمشيئة ، حسب تقسيم المجوس ، وصرفهم الخير إلى «يزدان» والشر إلى «أهرمن». وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا قامت القيامة ، نادى مناد في أهل الجمع : أين خصماء الله تعالى؟ فتقوم القدرية».

ولا خفاء باختصاص ذلك بهم ؛ فإن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله تعالى ، ولا يعترضون لشيء من أفعاله. ثم من يضيف القدرة إلى نفسه ويعتقدها صفته ، بأن يتصف بالقدريّ أولى ممن يضيفه إلى ربه.

فهذه جمل مقنعة في خلق الأعمال ، والاستطاعة ، وما يتعلق بهما. وقد حان أن نخوض في أبواب التعديل والتجويز ، مستعينين بالله تعالى ، مفوضين أمورنا إليه.

باب

القول في التعديل والتجوير

اعلموا ، أحسن الله إرشادكم ، أن مضمون هذا الأصل العظيم والخطب الجسيم تحصره مقدمتان وثلاث مسائل. إحدى المقدمتين في الرد على من قال بتحسين العقل وتقبيحه ، والأخرى أنه لا واجب على الله تعالى يدل عليه العقل. وأما المسائل الثلاث : فإحداها في بيان مذاهب أهل الملل في إيلام الله تعالى من يؤلمه من عباده وخليقته ، وهذه المسألة تتشعب إلى الكلام في التناسخ والأعراض ؛ والمسألة الثانية في الصلاح والأصلح ؛ والثالثة في اللطف ومعناه.

وإذا نجزت هذه الأصول ، افتتحنا بعدها المعجزات ، ورتبنا على ثبوت النبوات السمعيات من قواعد العقائد ، والله الموفق للصواب.

١٠٦

وكل ما ترجمناه إلى منقطع الاعتقاد ، واقع في القسم الثالث من الأقسام التي رسمناها ، وهو الكلام فيما يجوز في أحكام الله تعالى.

فصل

العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف ، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع. وأصل القول في ذلك أن الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له ، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس.

فإذا ثبت أن الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس ، فالمعنى بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والمراد بالقبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله. وذهبت المعتزلة إلى أن التحسين والتقبيح من مدارك العقول على الجملة ، ولا يتوقف إدراكهما على السمع ، وللحسن بكونه حسنا صفة ؛ وكذلك القول في القبيح عندهم. هذه قاعدة مذهبهم ، وربما يتخبطون فيها ، ويمتنع عليهم في مجاري المذهب صرف الحسن والقبح إلى صفتين للحسن والقبيح.

ومما يجب الإحاطة به قبل الخوض في المحاجة ، أن أئمتنا تجوزوا في إطلاق لفظة ، فقالوا : لا يدرك الحسن والقبح إلا بالشرع ، وهذا يوهم كون الحسن والقبح زائدا على الشرع ، مع المصير إلى توقف إدراكه عليه. وليس الأمر كذلك ؛ فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به ، وإنما هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله ، وكذلك القول في القبيح. فإذا وصفنا فعلا من الأفعال بالوجوب أو الحظر ، فلسنا نعني بما نبينه تقدير صفة للفعل الواجب يتميز بها عما ليس بواجب ؛ وإنما المراد بالواجب الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابا ، والمراد بالمحظور الفعل الذي ورد الشرع بالنهي عنه حظرا وتحريما.

ثم المعتزلة قسموا الحسن والقبيح ، وزعموا أن منها ما يدرك قبحه وحسنه على الضرورة والبديهة من غير احتياج إلى نظر ، ومنها ما يدرك الحسن والقبح فيه بنظر عقلي. وسبيل النظر عندهم اعتبار النظريّ من المحسنات والمقبحات بالضروريّ منها ؛ بل يعتبر مقتضى القبيح والتحسين في الضروريات فيلحق بها ، ثم يرد إليها ما يشاركها في مقتضياتها. فالكفر عندهم معلوم قبحه على الضرورة ، وكذلك الضرر المحض الذي لا يتحصل فيه غرض صحيح ، إلى غير ذلك من تخيلاتهم.

وسبيلنا أن نوجه عليهم القول ، فنقول : ما ادعيتم قبحه أو حسنه ضرورة فأنتم فيه منازعون ، وعن دعواكم مدفوعون. وإذا بطل ادعاء الضرورة في الأصول ، بطل رد النظريات إليها. وهذه الطريقة على إيجازها تهدم أصول المعتزلة في التقبيح والتحسين. وإذا تناقضت هذه الأصول ، وقولهم في الصلاح واللطف وأبواب الثواب والعقاب وغيرها متلقى منها ، فينحسم عليها أبواب الكلام في فصول التعديل والتجوير.

١٠٧

فنقول لهم : لم ادعيتم العلم الضروري بالحسن والقبح مع علمكم بأن مخالفيكم طبقوا وجه الأرض ، وأقل شرذمة منهم يزيدون على عدد أقل التواتر ، ولا يسوغ اختصاص طائفة من العقلاء بضرب من العلوم الضرورية مع استواء الجميع في مداركها؟

فإن قالوا : قد وافقتمونا على التحسين والتقبيح في مواقع الضروريات ، وإنما خالفتمونا في الطريق المؤدي إلى العلم ، فزعمتم أن الدال على الحسن والقبح السمع دون العقل. ولا يبعد اختلاف العقلاء في العلم الضروري على هذا الوجه ، فإن الأخبار المتواترة يعقبها العلم الضروري.

وقد ذهب الكعبي وأشياعه إلى أن طريق العلم بما تواترت الأخبار به وعنه الاستدلال ، وذلك لا يقدح في وقوع العلم الضروري بما تواتر الخبر عنه.

وهذا الذي ذكروه لا محصول له. وقد مرّ في تفصيلنا المذهب قبل ما يسقطه. فإننا قلنا ليس الحسن والقبح صفتين للقبيح والحسن وجهتين يقعان عليهما ، ولا معنى للحسن والقبح إلا نفس ورود الأمر والنهي ؛ فالذي أثبتته المعتزلة ، من كون الحسن والقبيح على صفة وحكم ، قد أنكرناه عقلا وسمعا. ومجموع ذلك يوضح أنا لم نجتمع على المطلوب مع الاختلاف في السبيل المفضي إليه ، وهذا بيّن لمن تدبره.

ومما يوضح الحق درؤهم عن دعوى الضرورة ، أن الذي ادعوه قبيحا على البديهة ، قد أطبق مخالفوهم على تجويزه واقعا من أفعال الله تعالى ، مع القطع بكونه حسنا. فإنهم قالوا : إن للرب تعالى أن يؤلم عبدا من عبيده ابتداء من غير استحقاق ولا تعويض على الألم ، ومن غير جلب نفع ودفع ضر موفيين على الألم.

ثم كما قطعوا بتجويز ذلك في أحكام الله تعالى ، فكذلك قطعوا بأنه لو وقع لكان حسنا ، وهذا ما لا سبيل إلى دفعه ، وفيه فرض تحسين العقل في الصورة التي ادعى المعتزلة العلم الضروري بالتقبيح فيها. ومهما استبان تحكمهم بدعوى الضرورة لم يسلموا ممن يعارض دعواهم بنقيضها ، ويدّعي العلم الضروري بحسن ما قبحوه وقبح ما حسنوه.

فإن قالوا : الدليل على أن القبح والحسن يدركان عقلا ، أن منكري الشرائع وجاحدي النبوات يعلمون قبح الظلم والكفران وحسن الشكر ، ولو كان الأمر يتوقف في ذلك على السمع لما أحاط من أنكره بالحسن والقبح ؛ وهذا الذي ذكروه لا محصول له. وأول ما فيه ، أنه احتجاج في موضع الضرورة على دعواهم ، ولا يستمر النظر في موضع البداية.

ثم نقول : إنما يستمر لكم ما ذكرتموه ، لو سلم لكم كون البراهمة (١) المنكرين الشرع عالمين بالحسن والقبيح ، وهذا مما ينازعون فيه ، ولا بعد في تصميم طوائف على اعتقادهم مع حسبانهم إياه

__________________

(١) ينسبون إلى براهم الذي مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول بوجوه ذكره الشهرستاني في كتابه الملل والنحل. وقد تفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البددة ، ومنهم أصحاب الفكرة ، ومنهم أصحاب التناسخ.

١٠٨

علما وإن لم يكن علما ، وهذا سبيل اعتقاد المقلدين في أصول الدين.

والذي يقرر ما قلناه ، أن البراهمة كما وافقوا المعتزلة في التحسين والتقبيح العقليين على زعمهم ، فكذلك اعتقدوا قبح ذبح البهائم والتسليط على إيلامها ، وتعريضها للنصب والتعب. ثم اعتقادهم بذلك ليس بعلم وإنما هو جهل. وكما لا يبعد تصميمهم على جهل ، فكذلك لا يبعد إصرارهم على اعتقاد ليس بعلم.

ومما يعول المعتزلة عليه في ادعاء الضرورة ، أنهم قالوا : العاقل إذا سنحت له حاجة ، وغرضه منها يحصل بالصدق ويحصل أيضا بالكذب يصدر عنه ، ولا مزية لأحدهما على الثاني في تمكنه من جلب الانتفاع بهما واندفاع الضرر عنه بهما ؛ فإذا تساويا لديه ، وتماثلا من كل وجه ، فالعاقل يؤثر الصدق لا محالة ويجتنب الكذب. وإنما يختار الكذب إذا تخيل له فيه غرض زائد على ما يتوقعه في الصدق ، فأما إذا تساوت الأغراض فالعقل قاض بالإعراض عن الكذب وإيثار الصدق ، وما ذلك إلا لكون الصدق حسنا عقلا.

وهذا الذي ذكروه باطل من وجوه : أحدها أنه روم احتجاج في موضع اتفاقهم على أنه ضروري ؛ والثاني أن ما ذكروه وصوروه متناقض ؛ فإن الكذب القبيح لعينه يستحق المقدم عليه اللوم والذم والعقاب على الجملة والاتصاف بالدنيات وسمات النقص ، وهذا موجب قول المعتزلة. فكيف يستقيم منهم تصوير استواء الصدق والكذب ، وتقدير تماثل الأغراض فيهما ، ومذهبهم ما ذكرناه؟

والذي يحقق مقصودنا ، أن ما ذكروه من أن العاقل يؤثر الصدق لا محالة إذا استوت عنده الأغراض ، يوجب عليهم خروج الصدق عن حكم التكليف واستحقاق الثواب على فعله والعقاب على تركه. فإن الملجأ إلى الشيء المحمول عليه ، لا ثواب له على ما هو مجبر عليه ، فيجب أن يكون الصدق على قياس ما قالوه في حكم ما يجبر العاقل عليه. ثم إنما استقام لهم ما حاولوه ، لطردهم كلامهم في حالة استقرار الشرائع في تقبيح الكذب وتحسين الصدق.

فإن قالوا : فرضنا الكلام فيمن ينكر الشرائع ، أو فيمن لم يبلغه الشرع أصلا ، فإن العاقل مع هذا الغرض يؤثر الصدق. قلنا : إنما ذلك لاعتقاد من صورتم الكلام فيه استحقاق الذم على الكذب عقلا ، وذلك محظور مجتنب ؛ فإن صور ذلك فيمن لا يقول بتقبيح العقل وتحسينه ، ولم يبلغه الشرع ، واستوى لديه الصدق والكذب من كل وجه ؛ فلسنا نسلم ، والحالة هذه ، أنه يؤثر الصدق لا محالة ، بل يمتنع من إيثار الصدق وإيثار الكذب جميعا ، فبطل ما موهوا به.

ومما يستروحون إليه ، أن قالوا : إن الحسن لو لم يعقل قبل ورود الشرع ، لما فهم أيضا عند وروده. وهذا من ركيك الكلام ؛ فإنا إذا صرفنا الحسن والقبح في حكم التكليف إلى ورود الأمر والنهي ، فلا يمتنع العلم بالأمر إذا قدر وروده قبل وروده. وهذا بمثابة العلم بالنبوءة ؛ فنعلم قبل

١٠٩

ظهور المعجزات أن الدال على صدق من يجوز أن يبعث خوارق العادات ، ونعتقد ذلك قبل اتفاق وقوع المعجزات ، ودعوى النبوءات.

وربما يشغبون بالرجوع إلى العادات ويقولون : العقلاء يستحسنون الإحسان وإنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى ، ويستقبحون الظلم والعدوان ، وإن لم يحضر لهم سمع. وهذا تلبيس وتدليس ؛ فإنا لا ننكر ميل الطباع إلى اللذات ونفورها عن الآلام ، والذي استشهدوا به من هذا القبيل وإنما كلامنا فيما يحسن في حكم الله تعالى وفيما يقبح فيه.

والدليل على ما قلناه ، أن العادات كما اطردت ، على زعمهم في استقباح العقلاء واستحسانهم ، فكذلك استمر دأب أرباب الألباب في تقبيح تخلية العبيد والإماء يفجر بعضهم ببعض ، بمرأى من السادة ومسمع ، وهم متمكنون من حجز بعضهم عن بعض. فإذا تركوهم سدّى والحالة هذه كان ذلك مستقبحا ، على الطريقة التي مهدوها ، مع القطع بأن ذلك لا يقبح في حكم الإله.

فإن قيل : هذا كلامكم في تتبع شبه المخالفين ، فما دليلكم على ما ارتضيتموه؟ ولم غيرتم الترتيب وافتتحتم المسألة بذكر شبههم؟ قلنا : إنما حملنا على ذلك ادعاء خصومنا الضرورة في أصول التقبيح والتحسين ؛ فلو فاتحناهم بمنهاج الحجاج ، لردوه جريا على ما اعتقدوه من دعوى الضرورة في أصول التقبيح والتحسين.

فمن أصرّ منهم على دعواه ، وهو مذهب كافتهم ، فسبيل مكالمتهم ما مضى ؛ ومن انحط عن دعوى الضرورة احتججنا عليه ، وقلنا : إذا وصف الشيء بكونه قبيحا ، لم يخل ذلك من أمرين ؛ إما أن يقال : كونه قبيحا يرجع إلى نفسه أو إلى صفة نفسه ؛ وإما أن يقال : إنه لا يرجع إلى نفسه ، ولا إلى صفة نفسه.

فإن قيل : إنه يرجع إلى نفسه أو إلى صفة نفسه ، كان ذلك باطلا من أوجه ؛ أقربها أن القتل ظلما يماثل القتل حدا واقتصاصا ، ومن أنكر تساوي الفعلين ومماثلة القتلين فقد جحد ما لا يجحد ، والتزم انتفاء الثقة بتماثل كل مثلين. ومما يوضح فساد هذا القسم ، أن ما يصدر من العاقل لو صدر من صبيّ غير مكلف ، فإنه لا يتصف بكونه قبيحا مع وجوده. ومنهم من ينازع في ذلك ويزعم أن الصادر من الصبيّ غير المكلف قبيح ؛ فإن قالوا ذلك ، التقينا بالوجه الأول.

وإذا بطل كون القبيح قبيحا لنفسه ، لم يخل القول بعد ذلك ؛ إما أن يقال : معنى كونه قبيحا ورود الشرع بالنهي عنه ، كما صرنا إليه ، وهو الحق الصراح ؛ وإما أن يقال : إنما يقبح لأمر غير الشرع وغير القبيح. فإن هم قالوا ذلك ، قيل لهم : إذا لم يقبح الشيء لنفسه ، ولم يحمل قبحه على تعلق النهي به ، فيستحيل أن تقبح صفة لأجل صفة أخرى ، وليست تلك الصفة صفة للقبيح نفسية ولا معنوية. فثبت من مجموع ذلك بطلان تقبيح الفعل وتحسينه في حكم التكليف.

وقد تعدينا في هذا الفصل حد الاختصار قليلا ، لما ألفيناه أصلا لكل ما يأتي بعده في أحكام

١١٠

التعديل والتجويز. وستجدون المسائل بعد ذلك مرتبة على هذه القاعدة ، وفي الإحاطة بها إبطال ما سواها ؛ فهذه إحدى المقدمتين الموعودتين.

فصل

في المقدمة الثانية ، وهي تشتمل على الرد على من قال إن العقل دل على وجوب واجب ، وهذا ينقسم قسمين ؛ فيتعلق الكلام في أحدهما بما يقدر واجبا على العبد ، ويتعلق الكلام في الثاني بالرد على من اعتقد وجوب شيء على الباري تعالى عن أقوال المبطلين.

فأما القسم الأول ، فإنه يضاهي المسألة السابقة في التقبيح والتحسين. وكل ما ذكرناه من شبههم وادعاءاتهم الضرورة ، وقدحنا فيها واحتجاجنا به ، فهو يعود في هذه المسألة.

وربما يصوغون لإثبات وجوب شكر المنعم عقلا صيغة أخرى ، ويقولون : العاقل إذا علم أن له ربا ، وجوز في ابتداء نظره أن يريد منه الرب المنعم شكرا ؛ ولو شكره لأثابه وأكرم مثواه ، ولو كفر لعاقبه وأراده ؛ فإذا خطر له الجائزان ، فالعقل يرشده إلى إيثار ما يؤديه إلى الأمن من العقاب وارتقاب الثواب. وضربوا لذلك مثلا ، فقالوا : من تصدى له في سفرته مسلكان يؤدي كل واحد منهما إلى مقصده ، وأحدهما خلي عن المخاوف عريّ من المتالف ، والثاني يشتمل على المعاطب واللصوص وضواري السباع ، ولا غرض له في السبيل المخوف ، فالعقل يقضي بسلوك السبيل المأمون.

وهذا الذي ذكروه ، اقتصار منهم على شطر نظر لو أنهوه نهايته لبلّغهم الحق. وذلك أنه إن خطر له ما قالوه ، فيعارضه خاطر آخر يناقضه ؛ وذلك أن يخطر للعاقل أنه عبد مملوك مخترع مربوب ، وأنه ليس للمملوك إلا ما أذن له فيه مالكه ، ولو أتعب نفسه وأنصبها لصارت مكدودة مجهودة من غير إذن ربها. وقد يعتضد هذا الخاطر عنده بأن الرب المنعم غنيّ عن شكر الشاكرين ، متعال عن الاحتياج ؛ وأنه عزوجل كما يبتدئ بالنعم قبل استحقاقها ، لا يبتغي بدلا عليها فإذا عارض هذا الخاطر ما ذكروه ، قضى العقل بتوقف من خطر له الخاطران.

ومما يؤكد ما قلناه ، أن الملك المعظم إذا منح عبدا من عبيده بكسرة من رغيف ، ثم أراد ذلك العبد أن يتدرج في المشارق والمغارب ويثني على الملك بحبائه وحسن عطائه وينص على إنعامه ، فلا يعد ذلك مستحسنا ؛ فإن ما صدر من الملك بالإضافة إلى قدره ، نزر مستحقر تافه مستصغر ، وجملة النعم بالإضافة إلى قدرة الله تعالى ، أقل وأذل من كسرة رغيف إلى ملك ملك.

وإن أردنا أن ننقض عليهم ما ذكروه من وجه آخر ، فرضنا الكلام فيمن لم يحط بالمنعم أولا ؛ فإذا طردوا ما قالوه من تقابل الخاطرين ، قلنا لهم : هذا قولكم فيمن خطرت له الفكر وعنت له العبر ، فما قولكم في الغافل الذاهل الذي لم يخطر بباله شيء؟ فهذا قد فقد الطريق إلى العلم بالوجوب ، والشكر حتم عليه. وهذا عظيم موقعه على الخصوم.

فإن قالوا : لا بد أن يخطر الله تعالى ببال العاقل في أول كمال عقله ما ذكرناه ، فهذا تلاعب

١١١

بالدين ؛ فكم من عاقل متماد في غوايته مستمر على عزته ، لم يخطر له قط ما ذكروه. ثم هذه الخواطر في ابتداء النظر شكوك ، والشك في الله تعالى كفر ، والباري تعالى لا يخلق الكفر على أصول القوم.

فإن قالوا : يبعث الله تعالى إلى كل عاقل ، ملكا يختم على قلبه ، ويقول في نفسه قولا يسمعه ؛ وهذا بهت عظيم ، وإثبات كلام ليس بحروف ، وفيه نقض أصلهم في استبعاد كلام سوي الحروف والأصوات.

فإن أردنا تخصيص هذه المسألة بقاطع ، قلنا : الرب تعالى مخترع المخترعات فلا خالق سواه ، كما أوضحناه ، وما يكتسبه العبد خلق لله تعالى ؛ فلا معنى إذا في دلالة العقل على وجوب شيء على العبد ، مع استحالة إيقاعه إياه. نعم ولو طالب الرب تعالى عبده ، لثبتت الطّلبة على الصفة التي ذكرناها في شبه الخصوم في خلق الأعمال. فأما إذا اعتقدنا أن العبد لا يوقع فعله ، ولم يتقدم توجه طلبة عليه ، فلا معنى للحكم بوجوبه ، كما لا معنى للحكم بوجوب فعل الجواهر ؛ فاعلموا ذلك ترشدوا ، فهذا أحد قسمي الفصل.

والقسم الثاني يشتمل على نفي الإيجاب على الله تعالى فلا يجب عليه شيء ، وهذه المسألة شعبة من التحسين والتقبيح. وسبيل تحرير الدليل فيها أن نقول لمن اعتقد وجوب شيء على الله تعالى : ما الذي عنيته بوجوبه؟ فإن قال : أردت توجه أمر عليه كان ذلك محالا إجماعا ، لأنه الآمر ، ولا يتعلق به أمر غيره.

وإن قال : المعنى بوجوبه ، أنه يرتقب ضررا لو ترك ما وجب عليه ، فذلك محال أيضا ؛ فإن الرب تعالى يتقدس عن الانتفاع والتضرر ؛ إذ لا معنى للنفع والتضرر ، والآلام واللذة ، والرب متعال عنهما. فإن قال : المعنى بوجوبه ، حسنه وقبح تركه ، وزعم أن كونه حسنا صفة نفس له ، فقد أبطلنا ذلك بما فيه مقنع.

ثم ، مما يوجبونه على الله تعالى ثواب الأعمال ، وسنعقد فيه بابا إن شاء الله عزوجل نومئ فيه إلى نكتة جارية على حسب قولهم ، فنقول : أعمال العباد شكر منهم لنعم الله تعالى ، وهو حتم عليهم عندكم ، وليس من حكم العقل استيجاب عوض على أداء فرض ، ولو استوجب العبد على أداء الشكر المفروض عوضا ، لوجب أن يجب لله تعالى على العبد شكر جديد إذا أثابه ، وإن كان الثواب واجبا ، وهذا مما لا محيص لهم عنه أبدا. ومما يوجبونه الصلاح واللطف ، وسيأتي القول فيهما.

وهذا القدر مبلغ غرضنا في المقدمتين ، ونحن الآن نبتدئ في إيلام الله تعالى العباد والبهائم في دار الدنيا.

فصل

الآلام واللذات لا تقع مقدورة لغير الله تعالى ، فإذا وقعت من فعل الله تعالى فهي منه حسن ،

١١٢

سواء وقعت ابتداء أو حدثت منه مسماة جزاء. ولا حاجة عند أهل الحق في تقديرها حسنة إلى تقدير سبق استحقاق عليها أو استيجاز التزام أعواض عليها ، أو روح جلب نفع أو دفع ضر موفيين عليها. بل ما وقع منهما فهو من الله تعالى حسن ، لا يعترض عليه في حكمه ، واضطربت الآراء على من لم يلتزم تفويض الأمور إلى الله تعالى.

ونحن نحكي جملا من عقود المذاهب المجانبة للحق فيها ، ثم ننص على قاطع وجيز في الرد على كل فئة إن شاء الله تعالى. والغرض فرض الكلام في إيلام الأطفال الذين لا يعتقدون كفرا ولم يحتقبوا وزرا ، وكذلك القول في إيلام البهائم.

فأما الثنوية (١) القائلون بإثبات مدبرين ، فقد قالوا : الآلام ظلم قبيح لعينه على أي وجه قدر ، والآلام بجملتها صادرة عندهم من «أهرمن» دون «يزدان». وذهبت البكرية ، وهم فئة منتسبون إلى بكر ابن أخت عبد الواحد ، إلى أن البهائم لا تألم أصلا ، وكذلك الأطفال الذين لم يعقلوا فيلتزموا بالعقل أمرا.

وذهبت طوائف من غلاة الروافض وغيرهم إلى التناسخ ، فقالوا : إنما تألم البهائم لأن أرواحها كانت في أجساد وقوالب أحسن من أجساد البهائم ، وقد قارفت كبائر واجترمت جرائم ، فنقلت إلى أجساد أخرى لتتعذب فيها. وإذا استوفت عقابها ، وتوفر عليها ما استحقته من عذابها ، ردت إلى أحسن بنية.

ثم قضية أصلهم أن الرب تعالى لا يبتدئ بالآلام إلا عن استحقاق سابق ، ولا يحسن الإيلام عندهم للتعويض عليه ، ولا لجلب نفع به.

ثم الهياكل والأشخاص على رتب ودرجات في الرذالة والخسة ، والتعريض لفنون الآلام ؛ والأرواح منقلبة في رتبها ودرجاتها ، على حسب زلاتها.

ثم أصل هؤلاء أن جملة البهائم مكلفة ، عالمة بما يجري عليها من الآلام عذابا وعقابا ، ولو لم تعلم ذلك لما كانت الآلام زاجرة لها عن العود إلى أمثال ما قارفته. وصار بعضهم إلى أن كل جنس من أجناس الحيوانات ، منه بني مبتعث إلى آحاد الجنس. وذهب بعضهم إلى أنه ليس في الموجودات جمادات ، وأن جملة ما يتخيلها الناس جمادات أحياء ذوات أرواح معذبة.

واختلفت مذاهبهم في ابتداء التكليف. فزعم بعضهم أن الرب تعالى ابتدأ تكليف الأرواح ، وإن تضمن ذلك إلزام مشقات وآلام. وصار صائرون منهم إلى أنه لم يبتدئ بتكليف ، ولكنه فوض الخيرة إلى الأرواح ، فالتزموا التكليف من تلقاء أنفسهم ؛ ثم منهم من وفي ما التزم وأداه ، ومنهم من

__________________

(١) هم أصحاب الاثنين الأزليين ، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام وذكروا سبب حدوثه. انظر الملل والنحل.

١١٣

تعداه. وذهب ذاهبون منهم إلى أن الرب كلف الأرواح في ابتداء الفطرة ما لا مشقة فيه ، ثم خالف من خالف ووفى من وفى.

والغلاة من التناسخية (١) أنكروا الحشر والآخرة ، وقالوا : لا مزيد على تقلب الأرواح في الأجساد ، على حكم العقاب ، أو على حكم الثواب.

وأما المعتزلة فقد قالوا ، لما سئلوا عن الآلام الحالة بالأطفال والبهائم ، الآلام تحسن لأوجه :

منها أن تكون مستحقة على سوابق ، ومنها أن يجتلب بها نفع موف عليها برتبة بينة ، ومنها أن يقضي بها دفع ضرر أهم منها. وصاروا إلى أن آلام البهائم إنما حسنت ، لأن الرب سيعوضها عليها في دار الثواب ما يربى ويزيد على ما نالها من الآلام. ثم صار معظمهم إلى أن العوض الملتزم على الآلام ، أحط رتبة من الثواب الملتزم على التكليف. واختلفوا في أن العوض هل يدوم دوام الثواب أم لا؟

واضطربت أجوبتهم في أنه هل يتصور التفضل بمثل الأعواض ابتداء؟ فصار بعضهم إلى أن ذلك ممتنع ، كما يمتنع التفضل بمثل ثواب التكليف. إذ ذاك مجمع على امتناعه ، وصار من انتمى إلى التحصيل منهم إلى أن التفضل بأقدار الأعواض ممكن غير ممتنع. فمن قال بامتناع التفضل بأمثال الأعواض ، جوز وقوع الآلام للتعويض المجرد ؛ ومن جوز التفضل بأمثال الأعواض ، لم تحسن الآلام عنده لمحض التعويض ، بل قال إنما يحسن بوجهين لا بد من اقترانهما : أحدهما التزام التعويض ، والثاني اعتبار غير المؤلم بتلك الآلام ، وكونها ألطافا في زجر الغاوي عن غوايته.

وذهب عبّاد (٢) الصيمري إلى أن الآلام تحسن بمحض الاعتبار من غير تقدير تعويض عليها.

فهذه أصول المعتزلة في إيلام البهائم والأطفال. ثم من تمام أصلهم أن ما يحسن الألم لأجله لو علم ، فإنه يحسن إذا اعتقد ، أو غلب على الظن ما يحسن الآلام لأجله في عادات الناس قالوا : وكذلك يحسن في عادات الناس العقلاء التزام المشقات ، لتوقع منافع زائدة عليها وإن كانت عواقبها منطوية عن العباد ، وعلام الغيوب المستأثر بعلمها.

فصل

فأما الثنوية ، فما قالوه من كون الألم ظلما قبيحا لعينه ، باطل لا خفاء ببطلانه. فإنه نعلم أن المريض إذا شرب دواء بشيعا ، كريه المشرب ، وقصد بذلك درء الأمراض عن نفسه ، فلا يعد ذلك

__________________

(١) هم القائلون بقدم العالم ويتناسخ الأرواح في الصور المختلفة ، وأجازوا أن ينقل روح إنسان إلى كلب ، وروح كلب إلى إنسان. منهم من كان قبل الإسلام ومنهم ظهر في دولة الإسلام. انظر الفرق بين الفرق.

(٢) هو عباد بن سليمان ، من الطبقة السابقة من المعتزلة ، كان يمتنع من اطلاق القول بأن الله تعالى خلق الكافر لأن الكافر كفر ، وإنسان ، والله تعالى لا يخلق الكفر وقال : النبوة جزاء على عمل وأنها باقية ما بقيت الدنيا. انظر الملل والنحل في الفرقة الهشامية.

١١٤

في عادات العقلاء قبيحا نازلا منزلة ما لو جرح السليم نفسه من غير غرض صحيح في جلب نفع أو دفع ضر. ومن أنكر ذلك انتسب إلى جحد الضرورة.

ثم يقال لهؤلاء : الخير والميل إليه مدعو إليه أم لا؟ فإن أنكروا كونه مدعوا إليه ، تركوا مذهبهم ، من حيث العقل على الخيرات ، وتحذيره من السيئات. وإن قالوا الخير محثوث عليه ، قيل لهم : هل على من يحيد عنه ملام وآلام على حكم العقاب أم لا؟ فإن قالوا : لا يلزم شرير عقابا ، فقد جروا على ملابسة الشر ومجانبة الخير ، والتزموا أن لا يلام مسيء ، ولا يخص بحسن الثناء عليه. وكل ذلك يبطل ما يستروحون إليه من تحسين العقول وتقبيحها ، وإن قالوا : لوم المسيء وإيلامه ، وتعريضه للغموم والهموم حسن ، فقد نقضوا قولهم بأن الألم يقبح لنفسه.

فصل

وأما البكرية ، فقد جحدوا الضرورة وراغموا البديهة. فإنا على اضطرار نعلم تألم البهائم والأطفال وقلقها عند إلمام الآلام بها ، ونفورها عما تعلم أنه يؤلمها. ولو ساغ جحد ذلك منها ، لساغ جحد حياتها ، والمصير إلى أنها جمادات لا تحس ولا تألم ولا تدرك ؛ وهذا القدر مغن في الرد عليهم.

وأما أهل التناسخ ، فإنما حملهم على ما أبدعوه وشقوا به العصا أمر يلزم المعتزلة ، وكلّ قائل بتقبيح العقل وتحسينه. فإنهم قالوا : الابتداء بالإيلام من غير عوض قبيح ، ولا يحسن أيضا التعويض عليه مع القدرة على التفضل بأمثال العوض وأضعافه. ولا يحسن أيضا قصد اعتبار غير المؤلم ، إذ يقبح إيلام زيد ليعتبر عمرو ؛ فلا يبقى وجه يحسّن الإيلام إلا تقديره عقابا على أمر سابق ، وذلك يستدعي لا محالة تقدم التكليف وفرض مخالفة فيه ، وجريان الألم المتأخر عقابا على ما فرط.

وسنوضح توجه كلام التناسخيين على المعتزلة. ولكنا نقول لهم : ما قولكم في ابتداء التكليف؟ فإن قالوا : إن الرب تعالى ابتدأ تكليف ما في امتثاله مشقة ، فقد صوروا إيلاما وآلاما من غير اجترام ، ونقضوا ما أصّلوه من كل وجه. فإن راموا من ذلك مخلصا ، وقالوا : إنما حسن إلزام الآلام ابتداء للثواب اللازم العظيم شأنه. فنقول لهم : هلا حسنتم إيلام البهائم والأطفال لأعواض عليها؟ فإن قالوا : التفضل بمثل العوض جائز ، والتفضل بمثل الثواب ممتنع ، كان ما ذكروه تحكما ؛ فإنه ما من مبلّغ إلى النعيم ، إلا والرب سبحانه قادر عليه ، متفضلا ومثيبا ومعوضا ، وسنشير إلى ذلك عند الكلام على المعتزلة.

وإن قالوا : ما كلف الله العباد ما فيه مشقة ، فالذي ذكروه باطل ؛ بأنه لو لم يكلف العباد ما فيه مشقة لم يجز تكليف أصلا ، وكان الأمر مهملا سدى. فكيف يتصور الاجترام؟ ومن أي وجه استحقت الآلام؟ وكيف يستقيم ذلك ممن يبني قاعدة مذهبه على التحسين والتقبيح؟ وإن قالوا : كلف الرب تعالى العباد ملاذّ لا مشقات فيها ، قيل لهم : هذا محال ؛ فإن من ضرورة الإلزام في حكم

١١٥

التكليف أن يعتقد المكلف لزوم ما ألزم ، وفي وجوب الاعتقاد عليه وإلزامه العقاب ، لو لم يعتقد لزوم ما ألزمه ، تعريضه لمشقة لا خفاء بها.

ثم الغرض من التكليف ، التعرض للثواب. وإنما يحسن في العقل على أصل التحسين الإثابة على مشاق من الأعمال ؛ فإن جاز حزم حكم العقل في الإثابة على لذات عرية عن المشاق ، ساغ أيضا نقض ما أصلوه بناء على تقبيح العقل الإيلام.

فإن قالوا : فوض الرب تعالى إلزام التكليف إلى خيرة الأرواح ، قيل لهم : إذا قبح الألم من غير استحقاق ، قبح التعريض له والتخيير فيه ، ولا محيص لهم عما ألزموه.

ثم لنا بعد ذلك مسلكان : أحدهما ، نسبتهم إلى جحد الضرورة في قولهم : إن البهائم تعقل ، ويدعوها نبيها فتفهم تبليغ الرسالة. وذلك جحد للضرورة ؛ فإن مجوز ذلك يجوّز أن تكون الذباب والديدان مفكرة في دقائق العلوم ، يفهم بعضها من بعض التعريض للحجاج والاستدلال والسؤال والانفصال ، وذلك أمر هزء لا يلتزمه لبيب. والمسلك الثاني ، أن تثبت عليهم الشرائع إن لم ينقلوها ، فإذا ثبتت الشرائع ترتب عليها بطلان مذاهبهم المجانبة لموارد الشرع. فهذا القدر كاف في محاولة الرد عليهم.

وأما المعتزلة ، فقد ذكرنا أنهم صاروا إلى أن الإيلام يحسن لوجوه ، ولو عري عنها وعن آحادها ، لكان قبيحا. ونحن الآن نتعقب تلك الوجوه بالنقض والرفض واحدا واحدا.

فأما قولهم : الألم يحسن بكونه عقابا على أمر فارط ، فهم فيه منازعون ، وإلى الدليل عليه مدعوّون. فيقال لهم : لم قلتم إن الألم يحسن إذا كان عقابا؟ فإن قالوا : إنما قلنا ذلك لقضاء العقل بأن من ظلم وبغي عليه وأولم ابتداء أو اعتداء ، فيحسن منه الإنصاف ممن ظلمه وعدا عليه. وإذا أساء العبد أدبه ، لم يقبح عند العقلاء زجره. قلنا : ثم تنكرون على من يزعم أن ذلك إنما لم يقبح لاستفادة المنتصف بانتصافه ، شفاء غليله ودرء الحنق والمغايظ عن نفسه ، فيرجع ذلك في التحصيل إلى دفع ألم بألم. وكلامنا في إيلام الرب تعالى من شاء مع استغنائه عنه ، وتعاليه عن الحنق والغيظ والاحتياج إلى تبريد الغليل. فهلا قلتم : لا يحسن منه الألم مع استغنائه عنه وعدم احتياجه إليه ، ولا يجري حكمه في ذلك مجرى حكم العباد! وهذا مما لا محيص لهم منه.

فإن قالوا : الرب تعالى وإن كان غنيا عن معاقبة المجرمين ، فلو ترك معاقبتهم لكان ذلك إغراء بالفواحش وارتكاب الجرائر والكبائر. وهذا الذي ذكروه يبطل عليهم بقبول التوبة ؛ فإنه حتم في حكم الله تعالى عندهم ، وفيه إغراء بالذنب فإن مقارفه يتجرأ عليه لاعتقاد قبول توبته عن حوبته إذا تاب وأناب. وسنعود إلى ذلك في باب الثواب والعقاب. وهذا القدر كاف في غرضنا في هذا الوجه.

وأما قولهم : إن الألم يحسن للتعويض عليه بنعيم يربى عليه ، فباطل من وجهين.

١١٦

أحدهما ، أن الرب تعالى قادر على التفضل بمثل ما يصدر عوضا ، فلا غرض في تقديم ألم وتعويض عليه مع القدرة على التفضل بمثله. وسبيل ذلك كسبيل من يؤلم ضعيفا ليعطيه رغيفا ، مع اقتداره على التفضل بمثله ابتداء. وهذا آكد في حكم الله تعالى ؛ فإن القادر على الكمال الذي لا يتعاظم عنده عطاء ولا يكثر في حكمه حباء ، والعبد عرضة للضرر وضيق العطن ، والتضرر بما يبذله وإن قل.

فإن قال قائل منهم : لا يجوز التفضل بمثل العوض ، فقد باهت. فإن الأعواض نعيم منقطع ، أو مقيم دائم. وعلى أيّ وجه فرض ، فهو مقدور لله تعالى من غير تقدير تقديم إيلام. فإن قالوا : لو جاز التفضل بمثل العوض ، لجاز التفضل بمثل الثواب. قلنا : هذا ما نعتقده ، ونرد على من حاد عنه. ولهم في ذلك خبط يأتي الشرح عليه في باب الثواب والعقاب إن شاء الله عزوجل.

والوجه الثاني في إبطال تحسين الألم بالتعويض ، أن نقول : إذا جنى العبد على غيره وآلمه بقطع أو جرح أو غيرهما ، والتزم على الألم عوضا وافيا من غير استئمار واستيذان من المؤلم ، فينبغي أن يحسن ذلك منا حسب حسنه من الله تعالى ، فإن المعتزلة يقيسون أحكام الله تعالى في أفعاله على أحكام العباد.

فإن قالوا : إنما يحسن الألم من الله تعالى لعلمه بالتمكن من التعويض عليه ، والعبد لا يحيط علما بعواقب أمر نفسه ، فليس له أن ينجز ألما لأمر لا يعلم الوصول إليه. وهذا باطل ؛ فإن للعبد أن يؤلم نفسه في ترقب منفعة موفية على ما يناله من النصب والتعب ، وإن كان ذلك مظنونا ولم يكن معلوما يقينا. فإذا حسن منه ذلك في نفسه مع انطواء العاقبة عنه ، حسن ذلك في غيره.

فقد بطل ما حاولوا به الفصل بين حكم الله تعالى وحكم العبد. ومن أحاط بما قدمناه علما هان عليه التسرع إلى دفع كل سؤال يوردونه مما لم نذكره.

وأما الوجه الثالث في تحسين الألم ، وهو أن يدفع به ضررا أعظم منه ، فباطل لا محصول له في حكم الله تعالى. فإنه ما من ضرر يقدر اندفاعه بالألم ، إلا والرب تعالى مقتدر على دفعه دون ذلك الألم ، فليس في الإيلام إذا غرض صحيح ، وسبيل ذلك كسبيل من يتمكن من درء ضرر سبع ضار عن صبي ، بأن يكلفه سلوك سبيل وطيّ لا وعورة فيه ، فلو كان الأمر كذلك ، فلا يحسن والحالة هذه تكليف سلوك سبيل مشوك ضرس حزن.

ومن قال منهم : إن الألم لا يحسن بمحض التعويض حتى ينضم إليه قصد اعتبار الغير ، فقد أحال فيما قال. فإن العقل إذا لم يحسّن إيلام شخص لوجه ، لم يحسّنه مع اعتبار غيره ، إذ ليس من نصفه الحكم إتعاب شخص لاعتبار غيره. فإن قالوا : إنما يلزم ذلك لو جوزنا الإيلام بمحض الاعتبار ، قلنا : هذا لا ينجيكم عما أريد بكم ، فإن العوض المحض إذا لم يخرج الألم عن كونه ظلما ، فوجوده كعدمه ويبقى الاعتبار في حكم المجرد ، والذي يوضح ذلك ، أن من أعلمه نبي أن

١١٧

في إيلامه اعتبارا لغيره ، فليس له أن يؤلمه ويلتزم العوض ، ويحصل الاعتبار المعلوم عنده بإخبار الصادق المستيقن صدقه.

فهذه وجوه الرد على المعتزلة على قدر غرضنا من هذا المعتقد ، وكل ما تكلمنا به على هذه الطوائف مبني على أتباعهم في فاسد معتقدهم. ولو لزمنا أصلنا في نفي تقبيح العقل وتحسينه ، ففي التمسك به نقض جميع ما أصّلوه.

وقد نجز هذا الأصل ، وهو الكلام في الآلام وحكمها من الحسن والقبح ، والله المستعان. وها نحن الآن خائضون في الصلاح والأصلح ، ونمزج به اللطف ، وإن ميزنا بينهما عند رسمنا ترجمة الأصول.

باب

اختلفت مذاهب البغداديين والبصريين من المعتزلة في عقود هذا الباب ، واضطربت آراؤهم. فالذي استقرت عليه مذاهب قادة البغداديّين ، أنه يجب على الله ، تعالى عن قولهم ، فعل الأصلح لعباده في دينهم ودنياهم ، ولا يجوز في حكمته تبقية وجه ممكن في الصلاح العاجل والآجل ، بل عليه فعل أقصى ما يقدر عليه في استصلاح عباده.

وقالوا : على موجب مذاهبهم ابتداء الخلق حتم على الله عزوجل وواجب وجوب الحكمة ، وإذا خلق الذين علم أنه يكلفهم ، فيجب إكمال عقولهم ، وأقدارهم وإزاحة عللهم. وكل ما ينال العبد في الحال والمآل ، فهو عند هؤلاء الأصلح لهم ، حتى ارتكبوا على طرد أصلهم جحد الضرورة. وقالوا : خلود أهل النار في الأغلال والأنكال أصلح لهم من الخروج من النار ، وكذلك الأصلح للفسقة في دار الدنيا أن يلعنهم الله ، ويحبط أعمالهم ، ويحبط ثواب قرباتهم إذا اخترموا قبل التوبة.

وأما البصريون ، فقد أنكروا معظم ذلك ، مع موافقتهم إخوانهم في الضلال على إثبات واجبات على الله تعالى وتقدس عن قولهم.

فمما اتفق الفئتان على وجوبه الثواب على مشاق التكليف والأعواض على الآلام غير المستحقة ، وأجمعوا على أن الرب تعالى إذا خلق عبدا وأكمل عقله فلا يتركه هملا ، بل يجب عليه أن يفكره ويمكنه من نيل المراشد ، فإذا كلف عبدا وجب في حكمته أن يلطف به ، ويفعل أقصى ممكن في معلومه ، مما يؤمن ويطيع المكلف عنده ، على ما سنذكره في اللطف فصلا مفردا إن شاء الله عزوجل.

ونقل أصحاب المقالات عن هؤلاء مطلقا ، أنه يجب على الله تعالى فعل الأصلح في الدين ،

١١٨

وإنما الاختلاف في فعل الأصلح في الدنيا. وهذا النقل فيه تجوز ، وظاهره يوهم زللا ، وقد يتوهم المتوهم أنه يجب عند البصريين الابتداء بإكمال العقل لأجل التكليف ، وليس ذلك مذهبا لذي مذهب منهم. والذي ينتحله البصريون ، أن الله تعالى متفضل بإكمال العقل ابتداء ، ولا يتحتم عليه إثبات أسباب التكليف ، فإذا كلف عبدا فيجب بعد تكليفه تمكينه وإقداره ، واللطف به بأقصى الصلاح ؛ فهذا معنى قول الأئمة في نقل مذهبهم.

ومما اتفقوا على وجوبه إحباط الطاعات بالفسوق ، وقبول التوبة ، إلى غير ذلك مما استقصيناه في الشامل.

وغرضنا الآن أن نقيم واضح الدلالة على البغداديين فيما غلوا به. فإذا أوضحنا الرد عليهم ، انعطفنا على البصريين ، ولبسنا فريقا بفريق بسبيل التحقيق. حتى إذا التبسا ، استبان الموفّق خلوص الحق من خبطهم ، والله المعين.

فمما نستدل به على البغداديين ، بعد أن نسلم لهم جدلا تقبيح العقل وتحسينه ، أن نقول : مقتضى أصلكم ، أنه يجب على الله تعالى أقصى ممكن في كل استصلاح ، فإذا روجعتم فيما انتحلتموه ، فزعتم إلى أمثلة في الشاهد توهمتهم فيها قبحا وحسنا مدركين عقلا ، وحاولتم بعد اعتقاد ذلك ردّ الغائب إلى الشاهد ، فإذا كان هذا مذهبكم ، فينبغي أن توجبوا على الواحد منا أن يصلح غيره بأقصى الإمكان ، مصيرا إلى وجوب فعل الأصلح شاهدا وغائبا ؛ فإذا لم توجبوا فعل الأصلح شاهدا ، وهو الأصل المرجوع إليه فيما يناقش فيه غائبا ، فقد نقضتم دليلكم وحسمتم سبيلكم.

ونفرض ما ذكرناه في استصلاح العبد نفسه ، وقد وافقونا على أنه لا يجب على العبد أن يسعى في حق نفسه فيما هو الأصلح له في باب الدنيا ، مع أنه يتمكن من جلب منافع ولذات سوى ما هو ملتبس بها.

فإن قالوا : إنما لم يجب على العبد فعل الأصلح في حق نفسه وفي حق غيره ، لأنه يصير بتكليف ذلك مكدودا مجهودا ، فجاز أن لا يكلّف الأقصى والنهاية القصوى ؛ وليس كذلك حكم الباري تعالى فإنه مقتدر على نفع غيره وإصلاحه ، مع تعاليه عن تضرر فيما يفعل. وهذا الذي ذكروه لا محصول له ، فإن التعرض للنصب والتعب لو كان فاصلا بين الشاهد والغائب فيما ألزمناهم ، لوجب الفصل به فيما يجب على العباد اتفاقا ، حتى يقال : لا يجب على العبد شيء مما يكابده من المشاق.

فإن قالوا : ما يناله من ثواب الطاعات يربى على ما يناله من المشقات ؛ قيل لهم : فاسلكوا هذا المسلك في جلب الأصلح في موضع الإلزام ، ولا تسقطوا وجوب ما طولبتم به بالتعرض للمتاعب ، وهذا ما لا مخرج منه.

ثم نقول : العبد بالتزام الأصلح أحق على فاسد أصولكم ، وما ذكرتموه في روم الفصل يقضي

١١٩

بضد ما ذكرتموه ، فإن مكابدة المشقة تجر إلى من يقاسيها ثوابا جزيلا ، فيحصل الأصلح عاجلا ، والثواب على المشقات آجلا. والرب تعالى لا يتقرر فيه الاتصاف بنصب ، ولا يحسن التكليف مع اشتماله على المشقات عندهم إلا لما ذكرناه. فقد لزمهم الجمع بين الشاهد والغائب لزوما لا محيص عنه.

ومما نعتصم به ، وهو يداني ما ذكرناه ، أن نقول : النوافل والقربات المتطوع بها في فعلها صلاح للعباد ، والذي يحقق ذلك دعاء الرب تعالى إليها وحثه عليها ، ولا يندب الرب تعالى إلا إلى الصلاح عند هؤلاء. فإذا وضح كون فعلها إصلاحا ، فليجب على العباد ما يصلحهم ؛ وإذا لم يكن الأمر كذلك ، وانقسم فعل العبد إلى ما يجب عليه ، وإلى ما يندب إليه على الاستحباب من غير إيجاب ، فلتنقسم أفعال الله إلى ما يجب عليه وإلى ما يعد تفضلا. فإن راموا فصلا بين الشاهد والغائب بما ذكرناه ، أجبنا بما قدمناه.

وإن قالوا : إنما قسم الرب تعالى الأحكام إلى الإيجاب والاستحباب ، لأنه علم ذلك صلاحا ، ووقع في معلومه أنه لو قدر القربات بأسرها واجبات لكفر العباد ، ونفروا عن أعباء التكليف ، وجنحوا إلى الدعوة والتخفيف ، فقدر الله تعالى ما هو الأصلح ؛ قلنا : هذا تمويه ، يدحضه أدنى تنبيه ؛ إذ فعل النوافل صلاح مدعوّ إليه ، ولا سبيل لهم إلى إنكار ذلك.

ولا ينفعهم بعد تسليمهم هذا ، ما استروحوا إليه من اعتبار الوقوع في المعلوم ، فإنهم لا يعتبرون في وجوب الأصلح عندهم حكم العلم. ولذلك قالوا : من علم الله تعالى أنه لو كلف لطغى وبغى ونفر وأشر واستكبر ، ولو اخترمه قبل كمال عقله لفاز ونجا ، فيجب على الله تعالى تعريضه للدرجة السنية مع علمه بأنه يعطب دون دركها. فهلا قالوا : لما كان فعل العقل صلاحا وجب إيجابه ، من غير اكتراث بما يقع في المعلوم! ولا مخرج من ذلك. ولهم على كل طريق مراوغات لا يخفى فسادها على من أحاط علما بمضمون هذا المعتقد ، وإنما ننص على كل طريقة على أغمض ما يموهون به.

ومما يعظم موقعه على هؤلاء ، أن نقول : قضاؤكم بوجوب الأصلح على الله ، ورّطكم في جحد الضرورات. وذلك أن الكتاب إذا بلغ أجله ، وطوق كل امرئ عمله ، وصار الكفار إلى الخلود في النار ، وعلى الرب تعالى أن يصلح عباده ، فإن الصلاح لأصحاب النار في خلودهم وتقطع جلودهم ، ومعاطاة الزقوم بدلا من السلسبيل والرحيق المختوم.

فإن قالوا : ذلك أصلح لهم من الكون في الجنان ، سقطت مكالمتهم وتبين عنادهم. وإن قالوا : إنما يخلدهم الله في العذاب الأليم علما منه بأنه لو أنقذهم لعادوا لما نهوا عنه ، واستوجبوا مزيد عقاب على ما هم ملابسون له ، فتقريرهم على ما هم فيه أصلح من تعريضهم لما يربى عليه من العذاب. وهذا ما لا محصول له.

١٢٠