تراثنا ـ العددان [ 59 و 60 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 59 و 60 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٢

من ذخائر التراث

٣٠١
٣٠٢

٣٠٣
٣٠٤

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

سبق لي أن فهرست ما دار حول البردة البوصيرية من أعمال شعرية وشروح في مقال نشر في مجلة تراثنا في العددين المزدوجين ٣٨ ـ ٣٩ و ٤١ ـ ٤٢ ، وتخميس محمد رضا النحوي للبردة جزء من عمل أرجو تمامه من الله تعالى في نشر الأعمال الشعرية التي دارت حول هذه القصيدة الرائعة.

وسيدور الكلام هنا في عدة سبل :

ترجمة المخمس :

هو محمد رضا بن أحمد بن حسن بن علي بن الخواجة (١) ، النجفي الحلي ، المعروف بالنحوي.

لم تذكر كتب التراجم تأريخ مولده ، نشأ في الحلة على أبيه فأقرأه الأوليات ومرنه على نظم الشعر.

__________________

(١) طبقات أعلام الشيعة ـ ق ١٣ ـ : ٥٤٥.

٣٠٥

ثم درس في النجف الفقه والأصول على السيد محمد مهدي بحر العلوم (ت ١٢١٢) واختص به ، وله فيه مدائح كثيرة ، وحضر أيضا على جعفر كاشف الغطاء ، وتوفي والده خلال ذلك فلازم السيد صادق الفحام الشاعر ودرس عليه علوم الأدب.

وكان من أعضاء معركة الخميس المعروفة في تاريخ أدب مدينة النجف ، وذلك في عهد أستاذه الأول بحر العلوم (١).

وكان أحد الخمسة الذين كان بحر العلوم يعرض عليهم منظومته الفقهية المسماة ب : الدرة (٢) فيصلحونها من جهة الأدب والعروض.

ومن مدائحه لأستاذه المذكور أن خمس «المقصورة الدريدية» وجعلها في مدحه. ويقال : إن أستاذه سأل : كم أجاز ابن ميكال ابن دريد؟ فقيل له : بألف دينار ذهبا ، فأعطى شاعره ألف تومان ذهبا ، وذلك في سنة ١٢٠٤ ه.

وكان مجيدا للتخميس فخمس جملة من القصائد ، منها «الدريدية» و «بانت سعاد» و «البردة البوصيرية» و «ميمية ابن الفارض».

وله تخاميس وتشطيرات كثيرة في مجموع في مكتبة علي كاشف الغطاء ، برقم ٥٨ مجاميع (٣).

وجمع محمد السماوي ديوانه وديوان أخيه هادي وديوان أبيه أحمد (٤).

__________________

(١) طبقات أعلام الشيعة : ٥٤٧ ، البابليات ـ لليعقوبي ـ ٢ / ٣.

(٢) البابليات ٢ / ٣.

(٣) طبقات أعلام الشيعة : ٥٤٧.

(٤) طبقات أعلام الشيعة : ٥٤٧.

٣٠٦

وتوفي في ١٢٢٦ ه ، ودفن مع والده.

تخميسه للبردة :

أشار عليه أستاذه بحر العلوم بتخميسها كما سيجئ في التقاريظ ، ونص على ذلك السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة ٩ / ٣٠٣.

وفرغ من هذا التخميس في يوم الثلاثاء ٢٤ رجب ١٢٠٠ ه.

وقد طبع هذا التخميس في إسلامبول ـ عاصمة الدولة العثمانية سابقا ـ في سنة ١٣٠٦ ه منضما إلى تخميس «ميمية ابن الفارض» :

شربنا على ذكر الحبيب مدامة

سكرنا بها من قبل أن تخلق الكرم

وتخميس «بانت سعاد» لكعب بن زهير :

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

مقرظو هذا التخميس :

ظفرنا بعدة من أسمائهم وعدة من تقاريظهم ، وهاك أسماءهم مرتبة حسب الحروف الأول من أسمائهم :

١ ـ إبراهيم العطار.

٢ ـ محمد رضا الأزري.

٣ ـ صادق الفحام (ت ١٢٠٤) ، وله تقريظان.

٤ ـ علي بن محمد حسين بن زين العابدين العاملي الكاظمي (ت ١٢١٥).

٣٠٧

٥ ـ محمد علي الأعسم.

٦ ـ محمد بن زين الدين الحسني (ت ١٢١٦).

٧ ـ هادي النحوي ، أخو المخمس.

ولم نظفر من التقريظ الأول إلا بمطلعه وهو :

فرائد در ليس تحصى عجائبه

وقد بهرت منا العقول غرائبه

وكذلك التقريظ الثاني لم نظفر به.

والتقاريظ التالية وجدناها كلها والحمد لله.

* * *

٣٠٨

التقريظ الأول لصادق الفحام (١) :

رويدك هل أبقيت قولا لقائل؟

وحسبك هل غادرت سحرا لبابل؟

لعمري لقد أنشرت سحبان وائل

وقس إياد من طوي الجنادل

وطلت على الضليل (٢) حتى كأنه

على طوله لم يأت يوما بطائل (٣)

وجاريت في تسميط أفضل مدحة

لأفضل ممدوح لأفضل قائل

فوارس راموا أن ينالوا فقصروا

وأين الثريا من يد المتناول؟!

فكنت المجلي محرزا قصباته

وكانوا وقد جدوا مكان الفساكل (٤)

وما كل من رام المعالي ببالغ

وما كل من رام النضال بناضل

قرنت إلى عذراء بوصير كفأها

وكانت لفقد الكفء إحدى الثواكل

__________________

(١) هذا التقريظ في مخطوطة الرضوية : ١ ظ.

(٢) هو امرؤ القيس الشاعر الجاهلي المعروف.

(٣) هذه مبالغة واضحة.

(٤) الفساكل ، جمع «فسكل» : وهو الفرس الذي يجيئ في الحلبة آخر الخيل.

٣٠٩

ومذ شفها التعطيل صغت لجيدها

حلى من فريد أردفت بخلاخل

فأنت وإن كنت الأخير زمانه

لآت بما لم يستطع للأوائل

فدونكها مني شهادة صادق

كثير ذوو تصديقها في المحافل

وعش سالما ما افتر مبسم بارق

وأضحك دمع المزن زهر الخمائل

التقريظ الثاني للفحام نفسه (١) :

كذا فليكن نظم العقود ولم أخل

تنظم من لفظ عقود فريد

هي الروضة الغناء فتقت الصبا

أكمة أزهار لها (٢) وورود

وغادة حسن أبرزت من حجالها

تبيهس (٣) من نسج البها ببرود

رويدك هل أبقيت قولا لقائل

وللمتحدي مطمعا بمزيد

__________________

(١) هذا التقريظ في مخطوطة الرضوية : ١ ظ ـ ٢ ، وهو موجود في رواية الأمين في «معادن الجواهر».

(٢) في معادن الجواهر : بها.

(٣) أي : تتبختر ، وقد حذفت إحدى تاءي «تتبيهس».

٣١٠

أتيت بتسميط تضاهي شطوره

سموط فريد (١) في مخانق غيد

شأوت به من كان قبلك مجريا

إلى أمد إلا عليك بعيد

برعت فيا لله درك فارسا

تركت جهيدا قام إثر جهيد

رأوا طافحا من لامع فتوهموا

نطاف زلال بالعراء برود

فأجروا إليه جاهدين وأصدروا

بخيبة آمال وتعس جدود

فكنت كموسى حين ألقوا عصيهم

وألقى فكيدوا وانبروا لسجود

كملت فإن عاب الحسود فإنما

فضيلة محسود بعيب حسود

جلوت على الأسماع قول سلافة

يرد طروبا قلب كل كميد (٢)

قرنت إلى عذراء بوصير كفأها

فكان كما شاءت قران سعود

ولما أتت تشكو العطول رددتها

بأحسن حلي زان أحسن جيد

__________________

(١) الفريد : اللؤلؤ.

(٢) هذا البيت ساقط من الرضوية ، وزدناه من «معادن الجواهر».

٣١١

لذلك قد أنشأت فيها مؤرخا

على جيدها علقت عقد فريد

تقريظ علي بن محمد حسين بن زين العابدين العاملي (١) :

ألحان داود أم ضرب النواقيس

أم روح أرواح جنات الفراديس

أم ابن أحمد مولانا محمد الرضا

جلا كالدراري عقد تخميس

أحيا به الفضل إذ لم يبق منه سوى

ذماء (٢) منقطع الآمال مأيوس

تبارك الله هذا ما ينافس في

أمثاله القوم لا بعض الوساويس

هذا الطريق الذي قد ضل عنه بنو

الآداب ما بين تخميس وتسديس

هذا هو الفضل لا ما يدعون به

من رد عجز على صدر وتجنيس

فضائل فقت فيها يا بن بجدتها

وهل يكابر في إنكار محسوس؟!

نظم غدا من سهام الفضل فيه لك

القدح المعلى بلا شك وتدليس

__________________

(١) هذا التقريظ في مخطوطة الرضوية : ٣ و ـ ٣ ظ.

(٢) الذماء : آخر لحظة من عمر المحتضر.

٣١٢

سهم أصبت به القرطاس دونهم

وسهمهم منه تسويد القراطيس

جرى فقصر من جاراك فيه إلى

غلواء مطبوع نظم منه مأنوس

وابن اللبون إذا ما لز في قرن

لم يستطع صولة البزل القناعيس (١)

لله درك يا سحبان وائلها

رئاسة أنت فيها غير مرؤوس

نسجت للبردة الغراء بردة تسميط

حكى وشيها وشي الطواويس

وقد تنمرت إذ لم ترض ما نظموا

لها تنمر ليث الخيس في الخيس

وجئت في ما به سيرتها مثلا

به تغنت حداة العيس للعيس

فكنت آصف ذاك الصرح حيث حكى

منه لنا كل بيت عرش بلقيس

أبرزت فيه خبايا حسنها فحكت

زهر النجوم تجلت في الحناديس

قلدتها سمط تسميط وصغت لها

عقدا يلابسها من غير تلبيس

__________________

(١) ضمن المقرظ هذا البيت وهو لجرير ، الصحاح ٦ / ٢١٩٢ مادة «قرن».

٣١٣

ملكتها من نصاب الحسن غايته

فيه فأرخت أزكى كل تخميس

تقريظ محمد علي الأعسم (١) :

فرائد للأديب ابن الأديب

ورد شموسها بعد المغيب

فتى أعيا الورى فضلا وحلما

نجوم ما جنحن إلى المغيب

ووشى البردة الممدوح فيها

رسول الله بالوشي العجيب

بتسميط يزيد الأصل حسنا

على حسن وطيبا فوق طيب

وكم ملأ المسامع من معان

لها وقع عظيم في القلوب

محمد الرضا المرضي قولا

وفعلا ناصع الحسب الحسيب

رمى فأصاب قرطاسا رماه

كثير ليس فيهم من مصيب

وكم أشياء قد غيبن عنهم

برزن إليه من حجب الغيوب

__________________

(١) هذا التقريظ في شعراء الغري ـ لعلي الخاقاني ـ ١٠ / ١٣ ـ ١٤.

٣١٤

لقد أغربت في تلك المعاني

وما هي منك بالأمر العجيب

أخذت بها بأطواق المعالي

ولم تترك لغيرك من نصيب

دعاك لمثلها المهدي (١) إذ لم

يجد في الكون مثلك من مجيب

ففاض عليك حين دعاك نور

هديت به إلى مدح الحبيب

بأشطار كأمثال اللآلي

تفوق الروض في حسن وطيب

وخمسها الفحول بأجنبي

بعيد عن مقاصدها غريب

ولم يألوا بها الآباء جهدا

ولكن دونها أرب الأريب

فحطت قدر كل أخي كمال

تعرضها بمدح أو نسيب

وحيث رفعتها رفعتك قدرا

بضرب منه ند عن الضريب

كأنك فيه تغرف من بحار

وباقي القوم تمتح من قليب

__________________

(١) أي أستاذه بحر العلوم.

٣١٥

وللتسميط في الحسن اختلاف

وقد يخفى على الفطن اللبيب

ولكن حين تقرنها جميعا

يبين لك الصحيح من المعيب

ترى مثل الأجانب تلك عنها

وذا التسميط كالرحم القريب

كأنهما رضيعا ثدي أم

زكت وسقتهما صافي الحليب

ومذ كملت بذا التسميط أرخ

قد كملت بتسميط عجيب

تقريظ محمد بن زين الدين الحسني (١) :

آيات نظم أرتنا جامع الكلم

وأعجزت أدباء العرب والعجم

هن الدراري سمت عن أن تنال فما

ينال منها سوى الإشراق في الظلم

وعقد در يسر الناظرين حوى

منثور حسن بلفظ منه منتظم

وروضة جادها صوب الحيا فغدت

أزهارها بين مفتر ومبتسم

__________________

(١) هذا التقريظ في مخطوطة الرضوية : ٢ و ـ ٣ و.

٣١٦

تقري المسامع من أسرار حكمتها

ما كان منكتما أو غير منكتم

قد شنفتها بلحن من فصاحتها

فلم تصخ بعد للألحان والنغم

وبرزة الوجه أعيت من يبارزها

من مصقع لسن أو حاذق فهم

بكر فما افترعتها كف محبرة

ولا ترقت إليها همة القلم

يتيمة الدهر لم تبرح مؤملة

أبا تلوذ به من ضيعة اليتم

وخامس لم تصادف من يخمسها

فالقلب منها إلى ذاك الزلال ظم

حتى إذا بعث الله الرؤوف لها

أبا وبعلا فلم تيتم ولم تئم

أعني أبا عذرها المولى محمدا الرضا

رضي السجايا طاهر الشيم

أضحت بتسميطه غرا محجلة

فأوضحت كل دهماء من الظلم

لو سميت بردة ذا اليوم حق لها

إذ صار ملبسها بردا من الحكم

٣١٧

كيف امرؤ القيس أو قس يقاس به

وهو المبرز ما باراه من أرم (١)

فكم حديث حديث الفضل منه فشا

فساد فيه على من ساد في القدم

لله درك من دار له بنيت

دار بهام الدراري حيث لم ترم

زينتها بمصابيح الفصاحة إذ

كانت سماء سمت عن كل مستنم

أرشدن ذا عمه ، بصرن ذا كمه

أنطقن ذا بكم ، أسمعن ذا صمم

يا غاية بذلت أشواطها أمم

فيها فخابوا ونلت القصد من أمم

وكيف يدرك شيئا من دقائقها

من ليس يفرق بين الفرق والقدم

أبدعت نحوا من التسميط عرفنا

خفض الغبي ورفع الحاذق الفهم

لفظا ومعنى أرانا الفضل منسجما

في طي منسجم في طي منسجم

إن كان قد خمسوا أو سدسوا وشأوا

فإنما أنت فيهم صاحب العلم

__________________

(١) يقال : ما بالدار أريم وما بها أرم ، أي ما بها أحد.

٣١٨

فته ببردة فضل أنت ناسجها

على ذوي الفضل من عرب ومن عجم

قد نال غاية مطلوب مؤرخها

تسميطها معرب عن معجز الكلم

تقريظ هادي النحوي (١) :

ذي زبدة الشعر بل ذي نخبة الأدب

أستغفر الله من زور ومن كذب

تقاصر الشعر أن يجري لغايتها

وهل يجاري جياد الخيل ذو خبب

قد أصبحت خير مدح في الزمان كما

قد كان ممدوحها في الكون خير نبي

بدت وتيجانها مدح الحبيب كما

بدت لنا الراح في تاج من الحبب

غادرت قسا غبيا في بلاغته

وذاك أمر على الأفهام غير غبي

فيا لراح سكرنا من شميم شذا

عبيرها وهي في الأستار والحجب

__________________

(١) هذا التقريظ من البابليات ـ لليعقوبي ـ ٢ / ٥٩ ترجمة ٦٤.

٣١٩

قد سمطوا وأجادوا حسب ما بلغوا

لكن في الخمر معنى ليس في العنب (١)

فالبعض كاد يوشي ثوب بردتها

والبعض جاؤوا عليه بالدم الكذب (٢)

ما أنشدت قط في سمع وفي ملأ

إلا وقامت مقام الذكر والخطب

وما تجلت لذي شك وذي ريب

إلا وجلت ظلام الشك والريب

ولا بدت في دجى الأنقاس (٣) ساطعة

إلا وخلنا هبوط البدر والشهب

ولا شدا قط في ناد أخو طرب

إلا وقلنا بها يشدو أخو الطرب

لله معجزة حار الأنام بها

كأنها حين تتلى واحد الكتب

إني أكاد أقول الوحي أنزلها

لو كان يبعث من بعد النبي نبي (٤)

تبارك الله ما فضل بمنتحل

تبارك الله ما وحي بمكتسب

__________________

(١) هذا العجز تضمين أخذه من المتنبي ، ديوانه ـ بالشرح المنسوب إلى العكبري ـ ١ / ٩١ ق ١٨ ب ٢٠ ، والقصيدة في رثاء أخت سيف الدولة الحمداني.

(٢) إشارة إلى الآية الكريمة من سورة يوسف ١٢ : ١٨.

(٣) الأنقاس ، جمع «نقس» : وهو الحبر الذي يكتب به.

(٤) هذا هو الغلو الذي لا مزيد عليه.

٣٢٠