تراثنا ـ العددان [ 59 و 60 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 59 و 60 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٢

١

محتوات العدد

*تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (١٥).

................................................... السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

*عدالة الصحابة (٣).

.......................................................... الشيخ محمّد السند ٦٤

*السُنّة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله (٥).

..................................................... السيّد علي الشهرستاني ١٠٢

*دور الشيخ الطوسي في علوم الشريعة الإسلامية (٦).

.................................................. السيّد ثامر هاشم العميدي ١٥٣

*معجم مؤرّخي الشيعة (٤).

.......................................................... صائب عبدالحميد ١٧٢

٢

*دليل المخطوطات (٦) ـ مكتبة مدرسة الامام البروجردي.

............................................ السيّد أحمد الحسيني الاشكوري ٢٠٠

*فهرس مخطوطات مكتبة أميرالمؤمنين العامّة / النجف الأشرف (٥).

........................................ السيّد عبدالعزيز الطباطبائي قدّس سرّه ٢٥٦

*مصطلحات نحوية (١٤).

...................................................... السيّد علي حسن مطر ٢٨٤

*من ذخائر التراث :

*تخميس قصيدة البردة للبوصيري للشاعر محمّد رضا النحوي.

.............................................. تحقيق : أسعد الطيّب ٣٠٣

*من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٣٩٢

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة تخميس قصيدة البردة للبوصيري للشاعر محمّدرضا النحوي ، المتوفّى ١٢٢٦ هـ ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٣٠٣ ـ ٣٩١.

٣
٤

٥
٦

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١٥)

السيد علي الحسيني الميلاني

قوله تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم ...) (١).

قال السيد ـ رحمه‌الله ـ :

«بل هي مما أخذ الله به العهد من عهد (ألست بربكم) ، كما جاء في تفسير قوله تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى)».

فقال في الهامش :

«يدلك على هذا حديثنا عن أهل البيت في تفسير الآية».

فقيل :

«لما كان المعنى الذي استشهد المؤلف بالآية من أجله مما لا يقوله من عنده أدنى عقل ، فقد أحال لتأييد رأيه على حديثهم عن أهل البيت في

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٧٢.

٧

تفسير الآية.

ويلزم من استشهاده هذا أن يكون علي أميرا على الأنبياء كلهم ، من نوح إلى محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وهذا كلام المجانين ، فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليا ، فكيف يكون أميرا عليهم؟! وغاية ما يمكن : أن يكون أميرا على أهل زمانه ، أما الإمارة على من خلق قبله ومن يخلق بعده ، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول ، ولا يستحي مما يقول.

أنظر : منهاج السنة ٤ / ٥٧٨».

أقول :

لقد استدل العلامة الحلي ـ رحمه‌الله تعالى ـ بهذه الآية المباركة في كتابيه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ونهج الصدق ، وروى في ذيلها في الأول منهما عن كتاب فردوس الأخبار للحافظ الديلمي الحديث التالي : «عن حذيفة بن اليمان ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله : سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا) قالت الملائكة : بلى. فقال تبارك وتعالى : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم» (١).

و «شيرويه الديلمي» ـ المتوفى سنة ٥٠٩ ـ من كبار الحفاظ المشهورين ، وقد تقدم منا قريبا ترجمته عن عدة من المصادر المعتمدة.

__________________

(١) أنظر : فردوس الأخبار ٣ / ٣٩٩.

٨

وكتابه فردوس الأخبار أيضا من أشهر كتبهم الحديثية ، نقلوا عنه واعتمدوا عليه وعنوا به ، واسمه الكامل : فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب يعني كتاب شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ، المتوفى سنة ٤٥٤.

قال في كشف الظنون تحت عنوان فردوس الأخبار : «ذكر فيه أنه أورد فيه عشرة آلاف حديث ، وذكر أنه أورد القضاعي فيه ألف ومائتي كلمة ولم يذكر رواتها ، فذكر في الفردوس رواتها ، ورتب على حروف المعجم مجردة عن الأسانيد ، ووضع علامات مخرجه بجانبه ، وعدد رموزه عشرون» (١).

وقد روى أصحابنا بأسانيدهم عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام روايات عديدة في هذا الباب ، فمن ذلك : * ما أخرجه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : قلت له : لم سمي أمير المؤمنين؟ قال : الله سماه ، وهكذا أنزل في كتابه : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) وأن محمدا رسولي وأن عليا أمير المؤمنين» (٢).

* وما أخرجه الشيخ العياشي ، عن جابر ، قال : «قال لي أبو جعفر : لو يعلم الجهال متى سمي أمير المؤمنين علي ، لم ينكروا حقه. قال : قلت :

__________________

(١) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ٢ / ١٢٥٤.

(٢) الكافي ١ / ٤١٢.

٩

جعلت فداك ، متى سمي؟ فقال لي : قوله : (وإذ أخذ ربك من بني آدم) ...» (١).

* وما أخرجه الشيخ أبو جعفر الطوسي ، في الدعاء بعد صلاة الغدير ، مسندا عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : «ومننت علينا بشهادة الإخلاص لك بموالاة أوليائك الهداة ، من بعد النذير المنذر والسراج المنير ، وأكملت الدين بموالاتهم والبراءة من عدوهم ، وأتممت علينا النعمة التي جددت لنا عهدك وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في مبتدأ خلقك إيانا ، وجعلتنا من أهل الإجابة ، وذكرتنا العهد والميثاق ، ولم تنسنا ذكرك ، فإنك قلت : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) اللهم بلى شهدنا بمنك ولطفك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ربنا ، ومحمد عبدك ورسولك نبينا ، وعلي أمير المؤمنين والحجة العظمى وآيتك الكبرى والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون» (٢).

* وما أخرجه الشيخ الكليني ، بإسناده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، في حديث : «ثم قال : (ألست بربكم قالوا بلى ...) ثم أخذ الميثاق على النبيين فقال : ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا علي أمير المؤمنين؟! قالوا : بلى. فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم ، إنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي ...» (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ / ٤١.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ / ١٤٦.

(٣) الكافي ٢ / ٨.

١٠

ثم إن بعض العلماء الأعلام من أهل السنة يروون بإسنادهم عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام حديثا في هذا الباب :

* قال المحدث الفقيه الشافعي أبو الحسن ابن المغازلي الواسطي : «أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر العطار ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خلف بن محمد الداودي ، حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد التلعكبري ، قال : حدثنا طاهر بن سليمان بن زميل الناقد ، قال : حدثنا أبو علي الحسين ابن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا الحسن بن حسن السكري ، حدثنا ابن هند ، عن ابن سماعة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه ، أنه قرأ عليه أصبغ بن نباتة : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) قال : فبكى علي وقال : إني لأذكر الوقت الذي أخذ الله تعالى علي فيه الميثاق» (١).

وفي هذا الحديث إشارة ـ إن لم يكن فيه تصريح ـ إلى أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان أول من أجاب في الميثاق ، وذاك ما أخرجه الشيخ العياشي بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أمتي عرضت علي في الميثاق ، فكان أول من آمن بي : علي ، وهو أول من صدقني حين بعثت ، وهو الصديق الأكبر ، والفاروق ، يفرق بين الحق والباطل» (٢).

كما إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الأنبياء ، لأنه أولهم وأسبقهم في الميثاق بالوحدانية ، كما في الحديث :

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٢٧١.

(٢) تفسير العياشي ٢ / ٤١.

١١

عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن بعض قريش قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال : إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب ، حين أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم (ألست بربكم قالوا بلى) ، فكنت أنا أول نبي قال بلى ، فسبقتهم بالإقرار بالله» (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم : بأي شئ سبقت ولد آدم؟ قال : إنني أول من أقر بربي ، إن الله أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم (ألست بربكم قالوا بلى) فكنت أول من أجاب» (٢).

وهذه أحاديث اتفق عليها الفريقان :

* أخرج البخاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته» (٣).

* وأخرج الترمذي : «قالوا : يا رسول الله! متى وجبت لك النبوة؟ قال : وآدم بين الروح والجسد. هذا حديث حسن صحيح ، غريب من حديث أبي هريرة» (٤).

أقول :

لكنه ورد في بعض المصادر عن أبي هريرة : «قيل : يا رسول الله!

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٤١.

(٢) الكافي ٢ / ١٢.

(٣) التاريخ الصغير ١ / ١٣.

(٤) صحيح الترمذي ٥ / ٥٨٥.

١٢

متى وجبت لك النبوة؟ قال : قبل أن يخلق الله آدم وينفخ فيه الروح. وقال : (وإذ أخذ ربك من بني آدم ...) قالت الملائكة : بلى. فقال : أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم» (١).

* وعقد الحافظ السيوطي في خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم بابا عنوانه : «باب خصوصية النبي بكونه أول النبيين في الخلق وتقدم نبوته وأخذ الميثاق» فأورد أحاديث كثيرة جدا ، ثم قال :

«فائدة : قال الشيخ تقي الدين السبكي في كتابه التعظيم والمنة في (لتؤمنن به ولتنصرنه) : في هذه الآية من التنويه بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وتعظيم قدره العلي ، ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك : أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلا إليهم ، فتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق ، من زمن آدم إلى يوم القيامة ، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ، ويكون قوله : (بعثت إلى الناس كافة) ، لا يختص به الناس من زمانه إلى القيامة ، بل يتناول من قبلهم أيضا ، ويتبين بذلك المعنى قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم : (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد) ...».

(قال) : «فعرفنا بالخبر الصحيح حصول ذلك الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم من ربه سبحانه ، وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ، ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ، ليعلموا أنه المقدم عليهم ، وأنه نبيهم ورسولهم.

وفي أخذ المواثيق ـ وهي في معنى الاستخلاف ، ولذلك دخلت لام القسم في (لتؤمنن به ولتنصرنه) ـ لطيفة أخرى ، وهي كأنها أيمان للبيعة

__________________

(١) ينابيع المودة : ٢٤٨ عن المودة في القربى لعلي بن شهاب الدين الهمداني ، المتوفى سنة ٧٨٦.

١٣

التي تؤخذ للخلفاء ...

إذا عرفت ذلك ، فالنبي هو نبي الأنبياء.

ولهذا أظهر في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه ، وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم.

ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته ، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ، ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه ، فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم اتصافه بما تقتضيه ... " (١).

وعقد القاضي عياض الحافظ أيضا بحثا في الموضوع عنوانه : «السابع : في ما أخبر الله به في كتابه العزيز من عظيم قدره وشريف منزلته على الأنبياء وخطورة رتبته» فذكر الآيات والأخبار وكلمات العلماء (٢).

أقول :

ولولا خوف الإطالة لأوردت كلمات القوم بكاملها ، لأنها تحقيقات رشيقة متخذة من الأدلة القطعية ، من الكتاب والسنة المتواترة عند الفريقين.

وتتلخص تلك الأدلة والأقوال في أفضلية نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم على سائر الأنبياء ، وأنهم لو كانوا في زمانه لكانوا من أمته ، وذلك لأنه متقدم في الخلق عليهم ، وقد أخذ ميثاق نبوته منهم ، وإن كان متأخرا زمانا عنهم.

__________________

(١) الخصائص الكبرى ١ / ٣ ـ ٤.

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١ / ٢٤٠ بشرح الخفاجي.

١٤

* وعلي خلقه الله مع النبي من نور واحد ... كما في حديث النور ، المشهور (١).

وعلي خلقه الله مع النبي من شجرة واحدة ... كما في حديث الشجرة ، المشهور (٢).

وعلي بعث الأنبياء على ولايته ، كما بعثوا على نبوة النبي ... كما في الحديث الصحيح المتقدم في قوله تعالى : (واسأل من أرسلنا ...).

فظهر أن الحديث المذكور عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وعن حذيفة ، وعن أبي هريرة ، في ذيل الآية المباركة ، حديث متفق عليه بين الفريقين ، معتبر بشواهده الجمة ، والشبهات المذكورة حوله مندفعة.

وما اشتمل عليه كلام ابن تيمية ومن تبعه من السب والشتم ، فنمر عليه مر الكرام ...

* * *

__________________

(١) من رواته : أحمد وأبو حاتم وابن مردويه وأبو نعيم وابن عبد البر والخطيب والرافعي وابن حجر العسقلاني. راجع : الجزء الخامس من كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار.

(٢) من رواته : الحاكم والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر والسيوطي والمتقي. راجع : الجزء الخامس من كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار.

١٥

قوله تعالى : (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) (١).

قال السيد :

«وتلقى آدم من ربه كلمات التوسل بهم فتاب عليه».

قال في الهامش :

«أخرج ابن المغازلي الشافعي ، عن ابن عباس ، قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين. فتاب عليه وغفر له ...

وهذا هو المأثور عندنا في تفسير الآية».

فقيل :

«الحديث المشار إليه من طريق محمد بن علي بن خلف العطار ، عن حسين بن حسن الأشقر ، عن عمرو بن ثابت.

وحسين الأشقر شيعي غال ، ضعفه كل من البخاري وابن منده وأبو حاتم وأبو زرعة والعقيلي.

وقال الجوزجاني : غال من الشتامين للخيرة.

وفي الكامل لابن عدي ١ / ٩٧ : وليس كل ما يروى عنه من الحديث

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٣٧.

١٦

الإنكار فيه من قبله ، فربما كان من قبل من يروي عنه ، لأن جماعة من ضعفاء الكوفيين يحيلون بالروايات على حسين الأشقر ، على أن حسينا في حديثه بعض ما فيه.

وفي لسان الميزان : أن ابن عدي ذكر في ترجمة حسين الأشقر حديثا من طريقه وعن محمد بن علي المذكور ثم قال عنه : محمد بن علي هذا عنده من هذا الضرب عجائب ، وهو منكر الحديث ، والبلاء فيه عندي منه لا من حسين.

وفي اللسان ، في ترجمة المظفر بن سهيل عن الدارقطني أنه قال في محمد المذكور : مجهول.

والحديث عند ابن الجوزي من طريق الدارقطني.

أما عمرو بن ثابت ، فقد قال عنه ابن المبارك : لا تحدثوا عن عمرو ابن ثابت ، فإنه كان يسب السلف. وعن ابن معين : هو غير ثقة. وقال أبو داود : رافضي خبيث. وقال في موضع آخر : رجل سوء ، لما (١) مات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كفر الناس إلا خمسة ، وكذا ضعفه : أبو زرعة وأبو حاتم والبخاري والنسائي وابن حبان وابن عدي والحاكم ، وغيرهم. وقال الساجي : مذموم ، وكان ينال من عثمان ويقدم عليا على الشيخين. وقال العجلي : شديد التشيع غال فيه ، واهي الحديث. وقال البزار : كان يتشيع ولم يترك.

(عن التهذيب باختصار).

فتأمل ـ رحمك الله ـ هذا الجرئ على الله ، المتقول على كتابه ، واحكم على استشهاداته».

__________________

(١) كذا.

١٧

أقول :

لقد أخرج الحاكم ، والبيهقي ، والطبراني ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، والقاضي عياض ، وغيرهم ، بأسانيدهم المعتبرة ، حديث توسل آدم عليه السلام بنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

* قال الحاكم : «حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ، ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري ، ثنا إسماعيل بن مسلمة ، أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب! أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله : يا آدم! وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال : يا رب! لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك ، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله : صدقت يا آدم! إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك.

هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ، في هذا الكتاب» (١).

* وقال الطبراني : «حدثنا محمد بن داود بن أسلم الصدفي المصري ، حدثنا أحمد بن سعيد المدني الفهري ، حدثنا عبد الله بن

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥.

١٨

إسماعيل المدني ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : لما أذنب آدم عليه‌السلام الذنب الذي أذنبه ، رفع رأسه إلى العرش وقال : أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ، فأوحى الله إليه : وما محمد؟ ومن محمد؟ فقال : تبارك اسمك ، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك ، فإذا فيه مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله عزوجل إليه : يا آدم! إنه آخر النبيين من ذريتك ، وإن أمته آخر الأمم من ذريتك» (١).

وقد استدل الحافظ السبكي بهذه الأحاديث على جواز التوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل حال ، قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته ، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة ... وقال بعد ذكر حديث الحاكم وغيره : «والحديث المذكور لم يقف ابن تيمية عليه بهذا الإسناد ، ولا بلغه أن الحاكم صححه ... وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع؟! ...» (٢).

هذا ، واسم أمير المؤمنين عليه‌السلام مقرون باسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على العرش ، فليس أحد أعظم عند الله قدرا ممن جعل اسمه مع اسمه كما قال آدم عليه‌السلام ، والقوم يحاولون أن يكتموا هذه الفضيلة كغيرها من الفضائل ، ولكن الله شاء أن تروى وتبقى :

* أخرج القاضي عياض ، عن أبي الحمراء ، عن رسول الله صلى الله

__________________

(١) المعجم الصغير ٢ / ٨٢.

(٢) شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام : ١٦٢.

١٩

عليه وآله وسلم : قال : «لما أسري بي إلى السماء ، إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي» (١).

* وأخرج ابن عدي وابن عساكر ، عن أنس ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لما عرج بي ، رأيت على ساق العرش مكتوبا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، أيدته بعلي» (٢).

* وعقد الحافظ محب الدين الطبري مطلبا بعنوان : «ذكر اختصاصه بتأييد الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وكتبه ذلك على ساق العرش وعلى بعض الحيوان» فأخرج الحديث عن أبي الحمراء برواية الملاء في سيرته.

وأخرج عن ابن عباس : «كنا عند النبي ، إذا بطائر في فيه لوزة خضراء ، فألقاها في حجر النبي ، فقبلها ثم كسرها ، فإذا في جوفها ورقة خضراء مكتوبة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، نصرته بعلي. أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي» (٣).

فسواء صح الحديث الذي أخرجه ابن المغازلي المحدث الفقيه الشافعي في الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، أو لم يصح ، ففي الأحاديث المذكورة كفاية ، لمن طلب الحق والهداية.

وأما الحديث المذكور فهذا نصه بسنده : «أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب ـ إجازة ـ ، أخبرنا أبو أحمد عمر بن عبيد الله بن شوذب ، حدثنا محمد بن عثمان ، قال : حدثني محمد بن سلمان بن الحارث ، حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار ، حدثنا حسين الأشقر ، حدثنا عمرو

__________________

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى :.

(٢) الخصائص الكبرى ١ / ٧ ، الدر المنثور ٤ / ١٥٣.

(٣) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة ٢ / ٢٢٧.

٢٠