تراثنا ـ العددان [ 55 و 56 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 55 و 56 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٢

١

محتويات العدد

*تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (١٢).

................................................... السيّد علي الحسيني الميلاني ٧

*السُنّة بعد الرسول صلّى الله عليه وآله (٢).

....................................................... السيّد علي الشهرستاني ٦١

*دور الشيخ الطوسي في علوم الشريعة الإسلامية (٣).

.................................................. السيّد ثامر هاشم العميدي ١٠٥

*آفاق جديدة في تاريخ التشيّع.

...................................................... الشيخ رسول جعفريان ١٥٦

*معجم مؤرّخي الشيعة (١).

.......................................................... صائب عبدالحميد ٢١٤

٢

*فهرس مخطوطات مكتبة أميرالمؤمنين العامّة/ النجف الأشرف (٢).

........................................ السيّد عبدالعزيز الطباطبائي قدّس سرّه ٢٨١

*مصطلحات نحوية (١١).

...................................................... السيّد علي حسن مطر ٣٣٢

*من ذخائر التراث :

*نبذة الباغي ـ للشيخ أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي.

........................................ تحقيق : فارس حسّون كريم ٣٥٣

*من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٠٤

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة رسالة نبذة الباغي في ما لابدّ منه من آداب الداعي للشيخ أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (٧٥٧ ـ ٨٤١ هـ) ، المنشورة في هذا العدد ، ص ٣٥٣ ـ ٤٠٣.

٣
٤

٥
٦

تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١٢)

السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ...) (١).

قال السيد :

«ألم يؤمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغها؟! ألم يضيق عليه في ذلك بما يشبه التهديد من الله عزوجل حيث يقول : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)».

ثم قال في الهامش :

«أخرجه غير واحد من أصحاب السنن ، كالإمام الواحدي في سورة

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

٧

المائدة من كتابه أسباب النزول عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.

وأخرجه الإمام الثعلبي في تفسيره بسندين.

ورواه الحمويني الشافعي في فرائده بطرق عن أبي هريرة مرفوعا.

ونقله أبو نعيم في كتابه نزول القرآن بسندين ، أحدهما عن أبي رافع ، والآخر عن الأعمش عن عطية ، مرفوعين.

وفي غاية المرام تسعة أحاديث من طريق أهل السنة ، وثمانية صحاح من طريق الشيعة بهذا المعنى ، فراجع منه باب ٣٧ وباب ٣٨».

فقيل :

«الخبر الذي ساقه الواحدي هو : أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار ، قال : أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي ، قال : أخبرنا محمد بن حمدون ، قال : حدثنا محمد إبراهيم الخلوتي (١) ، قال : حدثنا الحسن بن حماد سجادة ، قال : حدثنا علي بن عابس ، عن الأعمش وأبي حجاب (٢) ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. أسباب النزول : ١٣٥.

وعطية هو العوفي ، قال عنه الإمام أحمد : ضعيف الحديث ، ثم قال : بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير ، وكان يكنيه

__________________

(١) كذا ، والصحيح : الحلواني.

(٢) كذا ، والصحيح : جحاف.

٨

بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد.

وقال أبو حاتم : ضعيف.

وقال ابن عدي : وكان يعد من شيعة الكوفة.

وقال ابن حبان ـ بعد أن ذكر قصته مع الكلبي ـ : لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب.

وقال أبو داود : ليس بالذي يعتمد عليه.

وقال الساجي : كان يقدم عليا على الكل.

وقال ابن حجر في التقريب : صدوق ، يخطئ كثيرا ، كان شيعيا مدلسا.

وأما علي بن عابس الأسدي ، فقال عنه ابن معين : كأنه ضعيف ، وفي رواية عنه : ليس بشئ.

وقال ابن حبان : فحش خطؤه فاستحق الترك.

وقال ابن عدي : له أحاديث حسان ، ويروي عن أبان بن تغلب وغيره أحاديث غرائب.

ومن هذا يتبين أن احتفال المؤلف بهذا الحديث لن يغنيه شيئا. وقد عرفت سابقا أن الواحدي وشيخه الثعلبي قد ملآ كتابيهما بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فلا يعتد بهما.

وفي عده الواحدي من أصحاب السنن مجازفة ، وهو وشيخه ليسا من أئمة الحديث ولا من علمه في شئ. والله المستعان».

وأقول :

إعلم أن السيد ـ رحمه‌الله ـ قد استدل بهذه الآية المباركة مرة أخرى ،

٩

وذلك في المراجعة رقم ٥٦ ، ونص هناك على أن : «أخبارنا في ذلك متواترة عن أئمة العترة الطاهرة».

أما من أهل السنة فاكتفى في الموضعين بالنقل عن الإمام أبي إسحاق الثعلبي ، المتوفى سنة ٤٢٧ أو ٤٣٧ ، والإمام أبي الحسن الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨ ، والحافظ أبي نعيم الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠ ، والإمام الحمويني الشافعي ، المتوفى سنة ٧٢٢. وقد نص في المراجعة ٥٦ على صحة بعض أسانيد هذه الروايات ..

فأقول ـ تعقيبا لكلامه وتتميما لمرامه ـ :

أولا : إنه قد اكتفى بالنقل عن هؤلاء الأئمة لغرض الاختصار ، وإلا فرواة نزول الآية المباركة يوم غدير خم من أعلام أئمة أهل السنة كثيرون ، ومنهم :

١ ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، المتوفى سنة ٣١٠.

٢ ـ ابن أبي حاتم : عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ، المتوفى سنة ٣٢٧.

٣ ـ أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي ، المتوفى سنة ٣٣٠.

٤ ـ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الفارسي الشيرازي ، المتوفى سنة ٤٠٧ أو ٤١١.

٥ ـ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤١٠.

٦ ـ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠.

٧ ـ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨.

١٠

٨ ـ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني ، المتوفى سنة ٤٧٧.

٩ ـ أبو القاسم عبد الله بن عبيد الله الحاكم الحسكاني.

١٠ ـ أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي ، صاحب كتاب ما نزل في علي وأهل البيت.

١١ ـ أبو الفتح محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي ، المتوفى حدود سنة ٥٥٠.

١٢ ـ أبو القاسم علي بن الحسن ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة ٥٧١.

١٣ ـ أبو سالم محمد بن طلحة النصيبي الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٢.

١٤ ـ فخر الدين محمد بن عمر الرازي ، المتوفى سنة ٦٥٣.

١٥ ـ عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني الموصلي ، المتوفى سنة ٦٦١.

١٦ ـ نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري ، صاحب التفسير.

١٧ ـ السيد علي بن شهاب الدين الهمداني ، المتوفى سنة ٧٨٦.

١٨ ـ نور الدين علي بن محمد ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة ٨٥٥.

١٩ ـ بدر الدين محمود بن أحمد العيني ، المتوفى سنة ٨٥٥.

٢٠ ـ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفى سنة ٩١١.

٢١ ـ القاضي محمد بن علي الشوكاني ، المتوفى سنة ١٢٥٠.

٢٢ ـ السيد شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي ، المتوفى سنة ١٢٧٠.

١١

٢٣ ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة ١٢٩٣.

وقد أوردنا نصوص روايات جمع منهم في قسم حديث الغدير من كتابنا الكبير (١).

وثانيا : الروايات المعتبرة سندا في نزول الآية المباركة يوم غدير خم كثيرة كذلك ، ومنها :

١ ـ رواية الحبري :

قال : «حدثنا حسن بن حسين ، قال : حدثنا حبان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) :

نزلت في علي عليه‌السلام.

أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يبلغ فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بيد علي عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من ولاه ، وعاد من عاداه» (٢).

أقول :

وهذا سند معتبر ، وقد بينا ذلك في بحوثنا الماضية فلا نعيد.

__________________

(١) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ٨ / ١٩٥ ـ ٢٥٣.

(٢) تفسير الحبري : ٢٦٢.

١٢

٢ ـ رواية أبي نعيم :

قال : «حدثنا أبو بكر ابن خلاد ، قال : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون ، قال : حدثنا علي بن عابس ، عن أبي الجحاف والأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب عليه‌السلام : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك)» (١).

* أما «أبو بكر ابن خلاد» فهو : أبو بكر أحمد بن يوسف البغدادي ، المتوفى سنة ٣٥٩ ، ترجم له الخطيب في تاريخه ، والذهبي في سيره ، وغيرهما :

قال الخطيب : «كان لا يعرف شيئا من العلم ، غير أن سماعه صحيح».

وقال أبو نعيم : «كان ثقة».

وكذا وثقة أبو الفتح ابن أبي الفوارس (٢).

ووصفه الذهبي ب : «الشيخ الصدوق ، المحدث ، مسند العراق» (٣).

* وأما «محمد بن عثمان بن أبي شيبة» ، المتوفى سنة ٢٩٧ ، فقد

__________________

(١) خصائص الوحي المبين ـ للشيخ يحيى بن الحسن الحلي ، المعروف بابن البطريق ، المتوفى سنة ٦٠٠ ـ : ٥٣ ، عن كتاب ما نزل من القرآن في علي ، للحافظ أبي نعيم الأصفهاني.

(٢) تاريخ بغداد ٥ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٦٩.

١٣

ترجم له الذهبي ، ووصفه ب : «الإمام الحافظ المسند» ثم قال : «وجمع وصنف ، وله تاريخ كبير ، ولم يرزق حظا ، بل نالوا منه ، وكان من أوعية العلم».

وقال : «قال صالح جزرة : ثقة».

وقال ابن عدي : «لم أر له حديثا منكرا فأذكره».

ثم نقل تكلم بعض معاصريه فيه ، وهم عبد الله بن أحمد ، المتوفى سنة ٢٩٠ ، وابن خراش ، المتوفى سنة ٢٨٣ ، ومطين ، المتوفى سنة ٢٩٧ ، والظاهر وجود اختلافات بينهم وبينه ، مما أدى إلى أن يذكروه بسوء ، لا سيما ما كان بينه وبين أبي جعفر مطين ، إذ كان كل منهما يذكر الآخر بسوء وينال منه (١).

ومن هنا فقد نص غير واحد من الحفاظ ـ كالذهبي ـ على أن كلام الأقران بعضهم في بعض غير مسموع.

* وأما «إبراهيم بن محمد بن ميمون» ، فقد ذكره ابن حبان في الثقات قائلا : «إبراهيم بن محمد بن ميمون الكندي الكوفي ، يروي عن سعيد بن حكيم العبسي وداود بن الزبرقان. روى عنه أحمد بن يحيى الصوفي» (٢).

ولم أجد له ذكرا في كتب الضعفاء ...

وقد ينقم عليه روايته لفضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكم له من نظير! فقد ذكر الذهبي بترجمة أحمد بن الأزهر : «وهو ثقة بلا تردد ، غاية

__________________

(١) تاريخ بغداد ٣ / ٤٣.

(٢) الثقات ٨ / ٧٤.

١٤

ما نقموا عليه ذاك الحديث في فضل علي رضي‌الله‌عنه» (١).

يعني : ما رواه عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال :

نظر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى علي بن أبي طالب ، فقال : أنت سيد في الدنيا ، سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي ، وعدوي عدو الله ، فالويل لمن أبغضك بعدي».

قال الحاكم : «حدث به ابن الأزهر ببغداد في حياة أحمد وابن المديني وابن معين ، فأنكره من أنكره ، حتى تبين للجماعة أن ابن الأزهر برئ الساحة منه ، فإن محله محل الصادقين» (٢).

ولهذا الحديث قصة ، فإنه لأجله ذكر أحمد بن الأزهر في ميزان الاعتدال في نقد الرجال (٣) بل ذكر فيه عبد الرزاق بن همام أيضا (٤).

لكن أحمد بن الأزهر «ثقة بلا تردد» و «محله محل الصادقين» ، وعبد الرزاق بن همام من رجال الصحاح الستة وشيخ البخاري (٥) ... ومع ذلك فالحديث كذب!!

«لما حدث أبو الأزهر بحديثه عن عبد الرزاق في الفضائل ، أخبر يحيى بن معين بذلك ، فبينما هو عند يحيى في جماعة أهل الحديث إذ قال

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٦.

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ٨٢.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ / ٦٠٩.

(٥) تقريب التهذيب ١ / ٥٠٥.

١٥

يحيى : من هذا الكذاب النيسابوري الذي حدث بهذا عن عبد الرزاق؟! فقام أبو الأزهر فقال : هو ذا أنا. فتبسم يحيى بن معين ، وقال : أما إنك لست بكذاب ، وتعجب من سلامته وقال : الذنب لغيرك فيه!»(١).

فرواة الحديث كلهم أئمة ثقات.

ومع ذلك فهو كذب!!

وقال الذهبي : في النفس من آخره شئ (٢)!! يعني جملة : «فالويل لمن أبغضك بعدي»!!

ولا يخفى السبب في ذلك!!

فما الحيلة في رده ، مع صحة سنده؟!

قالوا : إن معمرا كان له ابن أخ رافضي ، وكان معمر مكنه من كتبه فأدخل عليه هذا الحديث ، وكان معمر رجلا مهيبا لا يقدر عليه أحد في السؤال والمراجعة ، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخي معمر ، وحدث به أبا الأزهر وخصه به دون أصحابه (٣)!!

قال الذهبي بعد نقله :

«قلت : ولتشيع عبد الرزاق سر بالحديث وكتبه ، وما راجع معمرا فيه ، ولكنه ما جسر أن يحدث به لمثل أحمد وابن معين وعلي ، بل ولا خرجه في تصانيفه ، وحدث به وهو خائف يترقب» (٤).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٦.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ٦١٣.

(٣) تاريخ بغداد ٤ / ٤٢.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٦٧.

١٦

هذا موجز هذه القصة ... والشاهد من حكايتها أنهم كثيرا ما ينقمون على الرجل ـ مع اعترافهم بثقته ـ روايته حديثا في فضل أمير المؤمنين عليه السلام أو الطعن في أعدائه ومبغضيه ، ويضطربون أشد الاضطراب ، فإن أمكنهم التكلم في وثاقته فهو ، وإلا عمدوا إلى تحريف لفظ الحديث ، أو بتره ، وإلا وضعوا شيئا في مقابلته ، وإلا نسبوا وضعه إلى مثل «ابن أخ معمر» و «كان رافضيا» و «كان معمر يمكنه من كتبه» بأنه دس الحديث في الكتاب ، ولم يشعر بذلك لا معمر ، ولا عبد الرزاق ، ولا غيرهما!!

ولكن من هو هذا الشخص؟! وما الدليل على كونه رافضيا؟! وكيف كان يمكنه معمر من كتبه وأن يكتب له؟ مع علمه بكونه رافضيا أو كان جاهلا بذلك؟!

وعلى الجملة ، فإن «إبراهيم بن محمد بن ميمون» ثقة ، بتوثيق ابن حبان من دون معارض ، غير أنه من رواة فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

* وكذلك شيخه «علي بن عابس» فإنه من رجال صحيح الترمذي (١) ، لكنهم تكلموا فيه لا لشئ ، وإنما لروايته هذا الحديث وأمثاله من الفضائل والمناقب ، ومما يشهد بذلك قول ابن عدي : «له أحاديث حسان ، ويروي عن أبان بن تغلب وعن غيره أحاديث غرائب ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه» (٢).

وإذا عرفنا أن «أبان بن تغلب» من أعلام الإمامية الاثني عشرية

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ٣٩.

(٢) الكامل في الضعفاء ٥ / ١٩٠ ذيل رقم ١٣٤٧.

١٧

الثقات (١) عرفنا لماذا تكون رواياته «أحاديث غرائب»! وعرفنا أنهم لا يضعفون «علي بن عابس» إلا لروايته تلك الأحاديث ، وأما في غيرها فهو ثقة في نفسه ولذا «يكتب حديثه»!

أي : عدا الفضائل وهي «أحاديث غرائب» كما وصفها ، ولو كان الرجل كذابا لما جاز قوله : «يكتب حديثه» أصلا!!

* وكذلك شيخه «أبو الجحاف» داود بن أبي عوف ، فهو من رجال أبي داود والنسائي وابن ماجة ، ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وقال أبو حاتم : صالح الحديث ، وقال النسائي : ليس به بأس (٢) ومع ذلك ، فالرجل ممن لا يحتج به عند ابن عدي! وهو يعترف بعدم تكلم أحد فيه!

ولماذا؟! ..

استمع إليه ليذكر لك السبب ، فقد قال : «ولأبي الجحاف أحاديث غير ما ذكرته ، وهو من غالية التشيع ، وعامة حديثه في أهل البيت ، ولم أر لمن تكلم في الرجال فيه كلاما ، وهو عندي ليس بالقوي ، ولا ممن يحتج به في الحديث» (٣).

* وأما «الأعمش» فهو من رجال الصحاح الستة (٤).

__________________

(١) هو من رجال مسلم والأربعة ، وثقوه وقالوا : هو من أهل الصدق في الروايات وإن كان مذهبه مذهب الشيعة ، وفي الميزان : شيعي جلد لكنه صدوق ، فلنا صدقه وعليه بدعته. وهو عند الجوزجاني الناصبي : مذموم المذهب ، مجاهر زائغ! وانظر : الكامل في الضعفاء ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠ رقم ٢٠٧ ، أحوال الرجال : ٦٧ رقم ٧٤.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ / ١٨.

(٣) الكامل في الضعفاء ٣ / ٨٢ ـ ٨٣ ذيل رقم ٦٢٥.

(٤) تقريب التهذيب ١ / ٣٣١.

١٨

وتلخص :

إن حديث أبي نعيم معتبر ، ولا مجال للتكلم في أحد من رجال إسناده ، ولو كان بعضهم من الشيعة فهو ثقة ، وقد تقرر أن التشيع ، بل الرفض عندهم غير مضر بالوثاقة ، وهذا ما كررنا نقله عن الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره.

* وأما «عطية» .. فسيأتي.

٣ ـ رواية ابن عساكر :

قال : «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنبأنا أبو حامد الأزهري ، أنبأنا أبو محمد المخلدي الحلواني ، أنبأنا الحسن بن حماد سجادة ، أنبأنا علي ابن عابس ، عن الأعمش وأبي الجحاف ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآية : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يوم غدير خم في علي ابن أبي طالب» (١).

* أما «وجيه بن طاهر» ، المتوفى سنة ٥٤١ :

قال ابن الجوزي : «كان شيخا ، صالحا ، صدوقا ، حسن السيرة ، منور الوجه والشيبة ، سريع الدمعة ، كثير الذكر. ولي منه إجازة بمسموعاته ومجموعاته» (٢).

__________________

(١) ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٨٦.

(٢) المنتظم ١٨ / ٥٤.

١٩

وقال السمعاني : «كتبت عنه الكثير ، وكان يملي في الجامع الجديد بنيسابور كل جمعة مكان أخيه ، وكان خير الرجال ، متواضعا متوددا ، ألوفا ، دائم الذكر ، كثير التلاوة ، وصولا للرحم ، تفرد في عصره بأشياء ...» (١).

وقال الذهبي : «الشيخ العالم ، العدل ، مسند خراسان» (٢).

* وأما «أبو حامد الأزهري» أحمد بن الحسن النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٦٣ :

قال الذهبي : «الأزهري ، العدل ، المسند ، الصدوق ، أبو حامد أحمد ابن الحسن بن محمد بن الحسن بن أزهر ، الأزهري ، النيسابوري ، الشروطي ، من أولاد المحدثين. سمع من أبي محمد المخلدي ... حدث عنه : زاهر ووجيه ابنا طاهر ... توفي في رجب سنة ٤٦٣» (٣).

* أما «أبو محمد المخلدي» الحسن بن أحمد النيسابوري ، المتوفى سنة ٣٨٩ :

قال الحاكم : «هو صحيح السماع والكتب ، متقن في الرواية ، صاحب الإملاء في دار السنة ، محدث عصره ، توفي في رجب سنة ٣٨٩» (٤).

وقال الذهبي : «المخلدي ، الشيخ الصدوق ، المسند أبو محمد ... العدل ، شيخ العدالة ، وبقية أهل البيوتات ...»(٥).

* أما «أبو بكر محمد بن حمدون» النيسابوري ، المتوفى سنة ٣٢٠ :

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ١١٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ / ١٠٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ / ٢٥٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٤٠.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٣٩.

٢٠