تراثنا ـ العددان [ 55 و 56 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 55 و 56 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٢

يجعلهم أكثر استعدادا لفهم كلام الأئمة عليهم‌السلام ، وتوجها إلى مرادهم.

ولكنها قد تكون ليست بتلك الدرجة من الوضوح عند الآخرين ، لا سيما الذين لم ينعموا بعصر النص ، وربما خفيت دلالتها على الكثيرين منهم أو أكثرهم ، وإلا لما احتاج الشيخ إلى التنبيه عليها لو كانت بتلك الدرجة من الوضوح ، بل لما احتاج إلى ذكر الدليل المؤيد لكلامه عنها.

ومن أمثلتها : ما نقله في باب ما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه ، عن الشيخ المفيد في المقنعة ، فقال : «قال الشيخ [أي : المفيد] رحمه‌الله : ولا يأكل من صيد البر وإن كان صاده غيره ، محلا كان الصائد أو محرما ، ولا يدل على الصيد» (١) ، ثم بين الشيخ الطوسي مستند هذه الفتيا من الأخبار مكتفيا بذكر ثلاثة منها (٢) ، وقال :

«وأما ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن أبي شجرة ، عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المحرم يشهد على نكاح محلين؟ قال : لا يشهد. ثم قال : يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟!!» (٣).

وهنا قد يظن بأن المراد من القول الثاني للإمام عليه‌السلام هو الإخبار عن إباحة ما ذكر للمحرم ، بينما المراد هو إلفات نظر المخاطب إلى شئ معروف من سنتهم وأخبارهم عليهم‌السلام على طريقة الإنكار والتعجب ، وجاء على سبيل تقريب حكم شهادة المحرم على نكاح محلين ، لا على جهة

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ / ٣١٤ ذ ح ١٠٨٣ باب ٢٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ح ١٠٨٤ ـ ١٠٨٦ باب ٢٤.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ / ٣١٥ ح ١٠٨٧ باب ٢٤.

١٤١

القياس ، وإنما لوضوح المراد في القول الثاني عند المخاطب بقرينة الحال أو المقال.

وهذا هو ما أكده الشيخ قدس‌سره ، بقوله : «قوله عليه‌السلام : يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل» إنكار وتنبيه على أنه : إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة على عقد المحلين. ولم يرد عليه‌السلام بذلك الإخبار عن إباحته على كل حال» (١).

وهذا الحمل زيادة على فائدته في تبيين المراد ، فإن فيه فائدة أخرى ، وهي إزالة ما قد يحصل من اشتباه بوجود التنافي بين هذا الخبر والأخبار المتقدمة في بابه والمصرحة بأن المحرم لا يجوز له أن يدل على الصيد ، وإلا فعليه الفداء.

وقد نبه الشيخ على عدم التنافي بينهما في الإستبصار في باب ما يلزم المحرم من الكفارات (٢).

ومثل هذه الرواية ، رواية عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده ، أيأكله؟ فقال عليه‌السلام : «هو مما يؤكل؟!!» (٣).

قال الشيخ : «فالوجه في قوله عليه‌السلام : «هو مما يؤكل» أن نحمله على التعجب من ذلك دون الإخبار عن إباحته ، ويجري ذلك مجرى أحدنا إذا رأى إنسانا يأكل شيئا تعافه الأنفس [فقال له :] هذا شئ يؤكل؟!! وإنما

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ / ٣١٥ ذ ح ١٠٨٧ باب ٢٤.

(٢) الإستبصار ٢ / ١٨٨ ذ ح ٦٣٠ باب ١١٥.

(٣) الإستبصار ٤ / ٦٦ ـ ٦٧ ح ٢٤٠ باب ١١٥.

١٤٢

يريد تهجينه لا إخباره عن جواز ذلك» (١).

وقد جاء هذا الكلام في باب كراهية لحم الخطاف ، وقد أخرج الشيخ في أول الباب عن أهل البيت عليهم‌السلام ما يدل على ذلك.

تاسعا : الحمل على الرخصة :

ويدل عليه جملة من الأخبار التي جاءت الرخصة فيها بعمل شئ في حال لم يرخص فيه في حال آخر ، نكتفي بمثال واحد منها ، وهو ما جاء في باب أجر المغنية ، فقد أورد الشيخ أربعة أحاديث كلها تدل على حرمة أجر المغنية والتشديد في ذلك إلى أبعد الحدود (٢).

ثم أخرج بعد ذلك ثلاثة أخبار تدل على جواز كسب المغنية التي تزف العرائس ، إذ نفي البأس عنه في تلك الأخبار (٣). وهنا قال الشيخ :

«والوجه في هذه الأخبار الرخصة فيمن لا تتكلم بالأباطيل ، ولا تلعب بالملاهي من العيدان وأشباهها ، ولا بالقصب وغيره ، بل يكون ممن تزف العروس وتتكلم عندها بإنشاد الشعر ، والقول البعيد عن الفحش والأباطيل. فأما من عدا هؤلاء ممن يتغنين بسائر أنواع الملاهي فلا يجوز على حال ، سواء كان في العرائس أو غيرها» (٤).

وهناك موارد أخرى حملها الشيخ على الرخصة ، وهي كلها مضيقة بشروط وقيود باعتبارها استثناءات روعي فيها الزمان والمكان (٥).

__________________

(١) الإستبصار ٤ / ٦٧ ذ ح ٢٤٠ باب ٤٣.

(٢) الإستبصار ٣ / ٦١ ح ٢٠١ ـ ٢٠٤ باب ٣٦.

(٣) الإستبصار ٣ / ٦٢ ح ٢٠٥ ـ ٢٠٧ من الباب السابق.

(٤) الإستبصار ٣ / ٦٢ ذ ح ٢٠٧ باب ٣٦.

(٥) أنظر : تهذيب الأحكام ٣ / ٢٧٣ ذ ح ٧٩٠ باب ٢٥ (فضل المساجد والصلاة فيها

١٤٣

عاشرا : الحمل على موارد مخصوصة :

قد يحمل الشيخ الحكم الوارد في بعض الأخبار على قضية معينة ويقصره عليها بحيث لا يتعداها إلى غيرها ، لعدم جواز تعدي الحكم إلى غيرها نظرا لثبوت ذلك عن طريق الأثر.

ولم أجد لهذا الحمل سوى مثال واحد في التهذيب ، وربما فاتني غيره ، وإنما أحببت الإشارة إليه لغرض بيان جملة المحامل والتوجيهات التي أبداها الشيخ في كتابيه والتي تهدف إلى تيسير سبل التأويل وكيفية الجمع بين الأخبار ، لكي تتضح بالنتيجة جهود الشيخ بصورة أقرب إلى الكمال في مجال رفع التناقض والاختلاف والقضاء والتباين في بعض الأخبار ، وبما يؤدي أيضا إلى معرفة دور الشيخ قدس‌سره في الحديث الشريف وعلومه ، وتقييمه التقييم الصحيح كما ينبغي في هذه الدراسة.

هذا ، وأما عن المثال المشار إليه فهو ما جاء في باب الزيادات في الوصايا ، بسنده عن وصي علي بن السري ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إن علي بن السري توفي فأوصى إلي ... وإن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له فأمرني أن أحرمه من الميراث؟

قال : فقال لي عليه‌السلام : «أخرجه ، فإن كنت صادقا فسيصيبه الخبل ...».

ثم ذكر بعد ذلك كيف أن جعفرا قدم الوصي إلى القاضي أبي يوسف

__________________

وفضل الجماعة وأحكامها) ، الإستبصار ١ / ٢١٧ ذ ح ٧٦٨ باب (النهي عن تجصيص القبر وتطيينه) ، وج ١ / ٢٧٨ ح ١٠١٠ باب ١٥١ (في أول وقت نوافل الليل) ، وج ١ / ٢٨١ ح ١٠٢٣ باب ١٥٣ (آخر وقت صلاة الليل) ، وج ٢ / ٢٦٩ ذ ح ٩٥٣ باب ١٨٣ (من اشترى هديا فوجد به عيبا).

١٤٤

ـ صاحب أبي حنيفة ـ طالبا ميراث أبيه ، وكيف أن الوصي على الميراث أخبر أبا يوسف بما جرى له مع أبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنه عليه‌السلام أمر بإخراج جعفر من الميراث ، حتى أن أبا يوسف استحلفه ثلاث مرات على ذلك ، فحلف له بأن هذا هو قول الإمام سلام الله عليه ، وكيف أن أبا يوسف لم يتعد هذا القول وأمر به أيضا ، ثم اعتراف الوصي بأن جعفرا أصابه الخبل بعد ذلك ، مع شهادة أبي محمد الحسن بن علي الوشاء برؤية جعفر وقد أصابه الخبل (١).

وبما أن الثابت عدم جواز إخراج ابن الميت من الميراث استنادا إلى قول الموصي ، لذا فالحكم الوارد في هذه القضية هو حكم خاص بها ولا يتعدى به إلى غيرها ، وهو الذي نبه عليه الشيخ بقوله :

«قال محمد بن الحسن : هذا الحكم مقصور على هذه القضية لا يتعدى به إلى غيرها ، لأنه لا يجوز أن يخرج الرجل من الميراث المستحق بنسب شائع بقول الموصي وأمره أن يخرج من الميراث إذا كان نسبه ثابتا ظاهرا وميلاده مشهورا. والذي يدل على ذلك ...» (٢).

ثم أخرج بعد ذلك من روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما يدل على صحة قوله قدس‌سره.

الحادي عشر : الحمل على الضرورة دون الاختيار :

للضرورة أحكام خاصة بنظر الشارع المقدس ، ولهذا فقد تبيح

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ٢٣٥ ح ٩١٧ باب ٢٠.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ / ٢٣٥ ذ ح ٩١٧ باب ٢٠.

١٤٥

المحظور في حالة ، وتجعل المباح محظورا في حالة أخرى ، فهي من الأحكام الثانوية الباقية ببقاء أسبابها ، وعند زوال أسبابها يرجع إلى الحكم الأولي بلا خلاف.

ومستند أحكام الضرورة مأخوذ من القرآن الكريم ، والسنة الثابتة.

أما من القرآن الكريم ، فيدل عليه :

قوله تعالى : (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (١).

وقوله تعالى : (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (٢).

وقوله تعالى : (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (٣).

وقوله تعالى : (إلا ما اضطررتم إليه) (٤).

وقوله تعالى : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (٥).

وأما من الحديث الشريف ، فيدل عليه :

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي في كتب الفريقين : «رفع عن أمتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما لا يعلمون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» (٦).

__________________

(١) سورة الحج ٢٢ : ٧٨.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٧٣.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٩٥.

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١١٩.

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

(٦) كتاب التوحيد ـ للصدوق ـ : ٣٥٣ ح ٢٤ باب الاستطاعة ، وانظر : الخصال : ٤١٧ ح ٩ باب التسعة ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٦ ح ١٣٢ باب ١٤ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٧٤ ح ١٥٧ ، وأخرجه في وسائل الشيعة عن التوحيد والخصال.

١٤٦

وقد أورد الشيخ جملة من الأحاديث التي تتضمن هذه الحقيقة القرآنية النبوية ، وبما أنه قد يشتبه بمخالفة حكمها للحكم الأولي ، فقد نبه الشيخ على أنها محمولة على حال الضرورة لا الاختيار ..

ومن هذه الأحاديث ما جاء في باب الطيب من أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه ، بسنده عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن السعوط للمحرم فيه طيب؟ فقال عليه‌السلام : «لا بأس» (٢).

قال الشيخ : «فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على حال الضرورة دون حال الاختيار ، يدل على ذلك ...» (٣).

ثم أورد ما يدل على جواز استعمال الطيب المحرم على المحرم عند الضرورة كما لو كان سعوطا فيه مسك (٤).

__________________

راجع : الوسائل ١٥ / ٣٦٩ ح ٢٠٧٦٩ باب ٦٥ من أبواب جهاد النفس ، وج ٢٣ / ٢٣٧ ح ٢٩٤٦٦ باب ١٦ من أبواب كتاب الإيمان ، كما أخرجه محدثو العامة في كتبهم ومن طرقهم بألفاظ أخر.

وراجع : السنن الكبرى ـ البيهقي ـ ٦ / ٨٤ ، فتح الباري ـ لابن حجر ـ : ١٦٠ ـ ١٦١ ، كشف الخفاء ـ للعجلوني ـ ١ / ٥٢٢ ، كنز العمال ٤ / ٢٣٣ ح ١٠٣٠٧ ، وقد عده السيوطي في الدرر المنتثرة : ٨٧ من الأحاديث المشهورة.

(١) لعله إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، أو الخزاعي ، أو الجعفي.

(٢) الإستبصار ٢ / ١٧٩ ح ٥٩٤ باب ١٠٦ ، وانظر : تهذيب الأحكام ٥ / ٢٩٨ ح ١٠١١ باب ٢٤ (ما يجب على المحرم اجتنابه في إحرامه) وفيه : «وفيه طيب» ، وهو الأنسب.

(٣) الإستبصار ٢ / ١٧٩ ذ ح ٥٦٤ باب ١٠٦.

(٤) الإستبصار ٢ / ١٧٩ ح ١٩٥ باب ١٠٦ ، وانظر : التهذيب ٥ / ٢٩٨ ح ١٠١٢ باب ٢٤.

١٤٧

ويظهر من الخبر الثاني بناء الشيخ على أن الطيب المذكور في الخبر الأول هو من الطيب المحرم ، وهو أربعة أنواع كما في روايات أخر في التهذيب (١) ، ولهذا حمله على الضرورة.

وأما لو كان المراد به من غير الأنواع المحرمة فالحمل عليه هو المتعين ، ولهذا قال في الوسائل : «أقول : حمله الشيخ على الضرورة لما مر ، ويمكن حمله على غير الأنواع المحرمة» (٢).

أقول :

لعل الشيخ عرف المراد بالطيب من وجه آخر للخبر أو قرينة لم تصل إلينا ، كما لو وجد الخبر مثلا في كتاب وفيه تشخيص الطيب بالمسك ، ولكنه لم يروه لكون الطريق إليها نازلا ، فرواه من الطريق الأعلى غير المشتمل على ذلك التشخيص ، على أنه قدس‌سره يرى استحباب ترك ما عدا الأنواع الأربعة وإن لم يكن ذلك واجبا على المحرم (٣) وهذا ما يصحح الحمل على الضرورة على كل حال.

هذا ، وقد ذكر الشيخ مثل هذا الحمل في موارد أخر لا حاجة إلى تفصيلها (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ / ٢٩٩ ح ١٠١٣ ـ ١٠١٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ / ٤٤٧ ذ ح ١٦٧٤٤ وهو الثاني في الباب ١٩ من أبواب تروك الإحرام.

(٣) أنظر : الإستبصار ٢ / ١٨٠ ذ ح ٥٩٨ باب ١٠٦.

(٤) أنظر : الإستبصار ١ / ٧٨ ح ٢٤١ باب ٤٦ (ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه) ،

١٤٨

الثاني عشر : الحمل على ضرب من الاستحباب دون الغرض والإيجاب :

ويدل عليه ما أورده الشيخ في باب لا تقع يمين بالعتق ، إذ أخرج فيه خبرين دلا على أن اليمين بالعتق لا يلزم منها الكفارة ، ثم أورد خبرا ثالثا دل على أن حلف الرجل بالعتق بغير ضمير على ذلك يكون لازما له فيما بينه وبين الله عزوجل (١).

وبما أن هذا الخبر قد تنافى مع الخبرين الآخرين ، لذا حمله الشيخ على ضرب من الاستحباب ، ليؤكد أن هذا التنافي لا أصل له ، مبينا سبب الحمل ودليله من الأخبار المعتبرة ، فقال : «فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب» (٢). موضحا السبب والدليل في التهذيب ، وخلاصته بأن اليمين بالعتق غير لازمة ، وكذلك اليمين التي لا ضمير معها غير واجبة ، لكن الوفاء بها مستحب إذا كان لله تعالى فيها رضا كما هو الحال في الخبر المذكور.

ثم استعرض بعد هذا جملة من الأخبار المعتبرة المؤيدة لما قاله الشيخ رضي الله تعالى عنه (٣).

__________________

وج ١ / ٢٩٥ ح ١٠٨٧ باب ١٦٠ (من اشتبه عليه القبلة في يوم غيم) ، وج ٢ / ٣٠١ ح ١٠٧٥ باب ٢٠٧ (وقت النفر الأول) ، وغيرها.

(١) الإستبصار ٤ / ٤٤ ح ١٤٩ ـ ١٥١ باب ٢٥ ، تهذيب الأحكام ٨ / ٢٩٩ ح ١١٠٩ باب ٤ (الأيمان والأقسام).

(٢) الإستبصار ٤ / ٤٤ ذ ح ١٥١ باب ٢٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٨ / ٣٠٠ ذ ح ١١٠٩ باب ٤ ، وانظر ما بعده من مؤيدات حديثية

١٤٩

ولهذا الحمل نظائر أخر نكتفي بالإشارة إليها دون تفصيلها (١).

وجدير بالذكر أن الشيخ قدس‌سره قد حمل جملة من الأخبار أيضا على الاستحباب والندب ، وعلى الفضل والاستحباب ، وعلى الاستحباب المؤكد ، وعلى ضرب من الاحتياط والفضل ، وعلى الكراهية.

وسوف نكتفي بالإشارة السريعة إلى جميع تلك المحامل المتبقية : دون الخوض في تعليقاته وأدلته من الأحاديث الشريفة مراعاة للاختصار ، وعلى النحو الآتي :

١ ـ الحمل على ضرب من الاستحباب والندب دون الفرض والإيجاب (٢).

٢ ـ الحمل على الفضل والاستحباب ، تارة دون الحظر (٣) ، وأخرى دون الفرض والإيجاب (٤).

٣ ـ الحمل على الاستحباب المؤكد حتى وإن كان الخبر متضمنا لفظ

__________________

للحمل المذكور.

(١) الإستبصار ١ / ٣٠ ح ٧٧ باب ١٥ (الماء يقع فيه شئ ينجسه ..) ، ٢ / ١٢ ح ٣٤ باب ٥ (زكاة الخيل) ، ٢ / ٢٨ ح ٨٢ باب ١٢ (المال الغائب والدين ...) ، ٤ / ٤١ ح ١٤١ باب ٢٣ (الرجل يقسم على غيره أن يفعل ...) ، ٤ / ٤٨ ح ١٦٤ باب ٢٩ (من نذر أن يذبح ولدا) ، تهذيب الأحكام ٤ / ١٨٩ ح ٥٣٣ باب ٤٤ (نية الصيام).

(٢) الإستبصار ٢ / ٤ ح ٨ باب ١ (في ما تجب فيه الزكاة) ، وج ٢ / ١١ ح ٣١ باب ٤ (الزكاة في أحوال التجارات) ، تهذيب الأحكام ٤ / ٤ ح ٨ باب ١ (ما تجب فيه الزكاة) ـ وهو المورد الأول المذكور في هذا الهامش ـ ، وج ٤ / ١٨ ح ٤٥ باب ٤ (زكاة الحنطة والشعير ...).

(٣) الإستبصار ٢ / ٢٩٥ ح ١٠٥٢ باب ٢٠٢ (إتيان مكة أيام التشريق).

(٤) الإستبصار ٢ / ٢٩٦ ح ١٠٥٧ باب ٢٠٣ (وقت رمي الجمار أيام التشريق).

١٥٠

(الوجوب) مع بيان الدليل عليه (١).

٤ ـ الحمل على ضرب من الاحتياط والفضل ، ليوافق الخبر بهذا الحمل ودلالة أخبار الباب على الجواز ورفع الحظر (٢).

٥ ـ الحمل على الرخصة ، ليوافق ما دل على الفضل (٣).

٦ ـ حمل أحد الخبرين على الكراهية دون الحظر ، والآخر على الجواز ورفع الحظر (٤).

٧ ـ حمل النهي (٥) أو ما ظاهره الحظر على الكراهية (٦) أو على ضرب منها (٧) دون الحظر (٨).

٨ ـ حمل الكراهية نفسها على كراهية الحظر لا كراهية الندب والاستحباب (٩).

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٥ / ١١ ح ٢٧ باب ١ (وجوب الحج) ، الإستبصار ٢ / ١٨ ح ٥١ باب ٧ (المقدار الذي يجب فيه الزكاة).

(٢) الإستبصار ٣ / ١٤٨ ح ٥٤١ باب ٩٦ (يجوز الجمع بين أكثر من أربعة في المتعة).

(٣) الإستبصار ٢ / ٢٨٤ ح ١٠٠٥ باب ١٩٤ (جواز صوم الثلاثة الأيام في السفر).

(٤) الإستبصار ٣ / ٥٥ ح ١٧٨ باب ٢٩ (كراهية أن يواجر الإنسان نفسه) ، وج ٣ / ١١٣ ح ٤٠٣ باب ٧٦ (بيع الزرع الأخضر قبل أن يصير سنبلا).

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ١٦٦ ح ٣٦٢ باب ١٠ (أحكام فوائت الصلاة).

(٦) تهذيب الأحكام ٩ / ١٤ ح ٥٢ باب ١ (الصيد والذكاة).

(٧) الإستبصار ١ / ٢٥ ح ٦٣ باب ١١ (في سؤر ما يؤكل لحمه).

(٨) الإستبصار ١ / ٣٠ ح ٧٩ باب ١٦ (استعمال الماء الذي تسخنه الشمس) ، وج ١ / ٤٨٦ ح ١٨٨٢ باب ٣٠١ (في من أحق بالصلاة على المرأة) ، تهذيب الأحكام ٦ / ٣٦٥ ح ١٠٤٨ باب ٩٣ (في المكاسب).

(٩) تهذيب الأحكام ٩ / ٥ ح ١٤ باب ١ (الصيد والذكاة).

١٥١

الثالث عشر : الحمل على التقية :

إن كل شئ لا يعلم إلا من جهة المعصوم عليه‌السلام لا تجوز فيه التقية ، وأما ما يجوز له منها فهو كل ما لا يتنافى ومقام التبليغ والتعليم والهداية إلى الحق ، ويكفي في ذلك انحصار وصول الحق إلى طائفة دون أخرى ، كما لو اتقى المعصوم عليه‌السلام من شرار الناس تأليفا لقلوبهم ، أو على فئة لحفظهم كما في الاتقاء ، ونحو هذا من المصالح العائدة إلى المتقي أو المتقى عليه ثم بين عليه‌السلام وجه الحق لأهل بيته ، أو لمن يثق به من أصحابه ، أو على أقل تقدير لمن لا يخشى من مغبة مفاتحته بالحقيقة ، لكي لا يكون ما خالفها تقية هو السنة المتبعة.

وهذا هو ما حصل فعلا في جميع أخبار التقية التي فرضتها الظروف السياسية حينذاك على لسان الأئمة عليهم‌السلام.

ولكن قد يقال بأن الأخبار التي صدرت تقية كما أفاد محدثو وفقهاء الشيعة لم يصل بشأن الكثير منها إعلام من الأئمة عليهم‌السلام بأنها صدرت على نحو التقية ، فكيف والحال هذه يتم تمييزها عن غيرها من الأحاديث التي صدرت بنحو الإرادة الجدية؟!

والجواب : إنه ليس من الواجب أن يعلم الإمام عليه‌السلام من يثق به بأنه اتقى من فلان وفلان في مسألة كذا وكذا ، بل الواجب هو بيان الحكم الواقعي لتلك المسائل التي اتقى فيها ، وبهذا يكون قد أعلم المقربين إليه أو من يأمن بوائقهم بواقع الحال ، وهم عليهم ـ بعد ذلك ـ أن يميزوا خبر التقية عن غيره وفق قواعد التمييز التي سنها أهل البيت عليهم‌السلام أنفسهم في

١٥٢

ذلك ، ومن بين تلك القواعد ملاحظة ما يتعلق بالخبر من الأمور الخارجية عند التعارض ، إذ يعرف خبر التقية الذي لا بد وأن يكون معارضا لما صدر في قباله في بيان الحكم الواقعي من خلال وجود الترجيح بين الخبرين المتعارضين ، كاعتضاد أحدهما بدليل معتبر دون الآخر ، أو الإجماع على العمل بأحدهما وترك الآخر ، أو شدة العمل بأحدهما ، وشذوذ معارضه وندرته ، أو بموافقة أحدهما للعامة ومخالفة الآخر ، ونحو هذا من المرجحات المنصوصة في جملة من الأخبار العلاجية.

ولا شك أن هذه الوجوه كفيلة بالكشف عن أي من الخبرين قد صدر تقية ، زيادة على أن الرجوع إلى فقهائنا الأقدمين رضي الله تعالى عنهم كافيا في المقام أيضا ، لأن عدم عملهم بجملة من الأخبار المعتبرة سندا دال بطبيعته على أن أخبار التقية هي ضمن المجموعة التي أعرض عنها الفقهاء.

ومعنى هذا انتفاء وجود علم إجمالي بوجود أخبار التقية ضمن الأخبار المعمول بها مثلا في استنباط الأحكام ، إذ لا شك بأن شهرة الإعراض عنها ومخالفتها للإجماع يجعلها غير قابلة للاعتماد أو الاحتجاج بها في مقام الاستنباط ، لأنها ـ مع فرض سلامة إسنادها ـ مسوقة في دائرة التقية (١).

ومن هنا نجد الشيخ قدس‌سره في غنى عن بيان وجه التقية في ما حمله من الأخبار على التقية ، لوضوحه في نفسه ، ولكنه رضي الله تعالى عنه مع هذا الوضوح لم يتركها سدى ، بل بين الوجه في ذلك ، إما بموافقتها لعمل العامة

__________________

(١) راجع : قواعد الحديث ـ للسيد محي الدين الموسوي الغريفي ـ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

١٥٣

أو بعضهم ، وإما لكون رواتها من العامة مع مخالفتها للأخبار الصحيحة الواردة في موضوعها ، أو مخالفتها لإجماع الطائفة ، ونحو ذلك من الوجوه الأخر التي لم تزل معتمدة إلى الآن في دراسة وتشخيص أخبار التقية.

لقد بين الشيخ تلك الأخبار ـ وهي كثيرة نوعا ما (١) ـ مراعيا في بعضها ما تحتمله من وجوه ومعان أخر على فرض عدم التقية ، منبها عليها ، وموضحا لها ، وكاشفا عما يؤيدها من الأحاديث الشريفة ، كل ذلك لتحقيق غرضه في أن ما ذكره من كثرة الأخبار المختلفة المتضادة في حديث الشيعة لم يكن في واقع الحال كذلك ، وإن اشتبه الأمر فيه على خصوم الشيعة الذين تمرنوا خلفا عن سلف على تقبل الجهل ، وزهدوا في

__________________

(١) أنظر على سبيل المثال : تهذيب الأحكام ٣ / ١٥ ح ٥٤ باب ١ (العمل في ليلة الجمعة ويومها) ، وج ٣ / ٣٧ ح ١٣٢ باب ٣ (أحكام الجماعة) ، وج ٤ / ٢٣ ح ٥٥ باب ٥ (زكاة الإبل) ، وج ٤ / ٨٢ ح ٢٣٦ باب ٢٥ (كمية الفطرة) ، وج ٨ / ١٢٦ ـ ١٢٧ ح ٤٣٥ و ٤٣٨ باب ٦ (عدد النساء) ، وج ٩ / ٣٢ ح ١٢٧ باب ١ (الصيد والذكاة) ، وج ١٠ / ٩٦ ح ٣٧٠ ـ ٣٧١ باب ٧ (الحد في السكر) ، وج ١٠ / ١٠٢ ح ٣٩٥ باب ٧ (الحد في السرقة) ، وج ١٠ / ٢٦٠ ح ١٠٢٩ باب ٢١ (ديات الأعضاء) ، الإستبصار ١ / ٤٨ ح ١٣٤ باب ٢٧ (من أراد الاستنجاء ...) ، وج ١ / ٥٩ ح ١٧٤ باب ٥٩ (النهي عن استعمال الماء الجديد لمسح الرأس) ، وج ١ / ٦٦ ح ١٩٦ باب ٣٧ (وجوب المسح على الرجلين) ، وج ١ / ٣١٨ ح ١١٨٧ باب ١٧٥ (النهي عن قول آمين بعد الحمد) ، وج ٢ / ٢٢ ح ٥٩ باب ٨ (زكاة الإبل) ، وج ٢ / ٤٨ ح ١٥٦ باب ٢٤ (كمية زكاة الفطرة) ، وج ٣ / ١٤٢ ح ٥١١ باب ٩٢ (تحليل المتعة) ، وج ٤ / ٤٣ ح ١٤٧ باب ٢٤ (أقسام الأيمان ...) ، وج ٤ / ٧٢ ح ٢٦٣ باب ٤٦ (في أنه لا يؤكل من صيد الفهد) ، وج ٤ / ٧٥ ح ٢٧٦ باب ٤٧ (تحريم أكل لحوم الغنم إذا شربت لبن خنزيرة) ، وج ٤ / ٨٩ ح ٣٤٠ باب ٥٤ (ما يجوز الانتفاع به من الميتة) ، وج ٤ / ١٥٨ ح ٥٩٨ باب ٩٥ (في ميراث الجد مع كلالة الأب) ، وج ٤ / ١٩١ ح ٧١٨ باب ١١٠ (أنه يرث المسلم الكافر ...) ، وغيرها.

١٥٤

تحقيق الأمور على وجهها ، فكانوا وراء كل غبار!

كما إنه رضي الله تعالى عنه نبه على جملة من الأخبار التي حسبت مختلفة متضادة عن جهل ، مع أنها بلغت في رتبتها من الضعف درجة لا يمكن معها أن تنصب للتعارض مع الصحيح بأي وجه من الوجوه.

وهذا هو ما سيأتي مفصلا إن شاء الله تعالى في الفصل الثالث من فصول دور الشيخ الطوسي في الحديث الشريف وعلومه ، وذلك في بيان وجوه فساد الخبر وأسباب سقوطه بنظر الشيخ قدس‌سره.

والحمد لله رب العالمين.

للبحث صلة ...

١٥٥

آفاق جديدة في تاريخ التشيع (*)

قراءات في كتاب

«معجم أعلام الشيعة»

للأستاذ المحقق الطباطبائي

الشيخ رسول جعفريان

بسم الله الرحمن الرحيم

استنادا إلى زاوية معينة ، لا بد من تقسيم المصنفات الرجالية الشيعية إلى قسمين :

الأول : المصنفات التي نالت قصب السبق في التفرد بضبط أعلام أو أحوال أعلام لم يعهد تدوينها من قبل.

الثاني : المصنفات التي اقتفت آثار الماضين ولم تأت بإبداع أو كشف جديد. وهي وإن كانت لا تخلو من فوائد شتى ـ كاشتمالها وحصرها للآراء الرجالية المتناثرة في المصادر المختلفة ، أو احتوائها لبحوث أدبية رفيعة ، أو تناولها لفئة معينة من العلماء ، كالفلاسفة مثلا ، أو غيرها من الفوائد ـ إلا أنها لا تقاس بسابقتها بالمرة.

__________________

(*) مقال باللغة بالفارسية ، ننشره بمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لرحيل العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي قدس‌سره المتوفى في ٧ رمضان ١٤١٦ ه ، ترجمه إلى اللغة العربية السيد مهدي الرباني.

١٥٦

ومن مصاديق القسم الأول ، رجال الكشي ، ورجال النجاشي ، ورجال الطوسي وفهرسته ، وفهرست منتجب الدين ، وغيرها.

هذا ، ولم نقف بعد مصنف منتجب الدين ، المؤلف في أوائل القرن السابع ، على أثر ـ على صعيد علم الرجال الشيعي ـ بهذه المميزات ، حتى العصر الصفوي ، وإن كان فلم تقع عليه أيدينا لحد الآن.

وأما التصانيف الرجالية التي ظهرت منذ العصر الصفوي حتى الوقت الحاضر فلم تأت بشئ جديد في بحثها لرجال الأسانيد ، وإن كان بعضها يحتوي على اجتهادات رجالية متينة ك : قاموس الرجال للعلامة التستري.

غاية الأمر ، إنه قد تم العثور في بعض الأحيان من بين أسانيد الحديث على شخصيات جديدة ، الأمر الذي يستدعي العناية بها من هذه الجهة.

وفي العهد الصفوي ، حاول الشيخ عبد الله الأفندي ـ وهو أحد تلامذة العلامة المجلسي البارزين والأوفياء له ـ طيلة عدة عقود إعداد أثر رجالي خالد يشتمل على أعلام الشيعة والسنة ، بيد أن محاولته التي استقرت في كتاب رياض العلماء لم تتمخض عن أهمية خاصة من جهة استيعابه ل : رجال النجاشي أو فهرست منتجب الدين وغيرهما ، وإنما تكمن أهميته في ما بذله من جهود شخصية في المكتبات العامة والخاصة الكثيرة التي زارها في مختلف مدن العالم الإسلامي.

وكان نهجه عند الوقوف على مخطوطة : دراستها بدقة وتسجيل المعلومات الرجالية للمصنف ، أو من ذكرهم المصنف وتعرض لحياتهم ، ليدرج في مؤلفه.

وبذلك غدا رياض العلماء أثرا نادرا من حيث استيعابه للمعلومات

١٥٧

التي يعسر على غيره جمعها واحتوائها.

ومن بعد الأفندي .. لا بد من الإشارة إلى العلامة الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه‌الله ، الذي قضى حوالي خمسين عاما يجول وينقب في مختلف المكتبات ، مستعينا بجهود ثلة من عشاق الكتاب في تحضير مواد كتابيه الذريعة وطبقات أعلام الشيعة ، فأثمرت تلك الجهود عن هذين الأثرين الخالدين.

ومع إن كتاب الطبقات يشتمل في الكثير من تراجم أعلامه على معلومات جديدة ، إلا إن الملاحظ عدم توسع المصنف بسرد التفاصيل عن العلم إذا كان مشهورا.

مضافا إلى ذلك فقد نهض علماء كثيرون على مدى هذه القرون لترجمة وشرح أحوال علماء بلدانهم أو المعاصرين لهم ، فصنفوا آثارا مهمة في هذا المجال ، أكسبها حفظها لأسماء عدد من العلماء من الاندثار والضياع منزلة ومكانة طيبة.

ومن المناهج التي اختطها عبد الله الأفندي والشيخ آقا بزرك الطهراني للعثور على علماء جدد ، هو البحث في الآثار المخطوطة واستخراج المعلومات الرجالية الموجودة بين طياتها.

وقد سلك هذا المسلك جمع من المفهرسين والمترجمين ، منهم : الأستاذ السيد أحمد الإشكوري حفظه الله ، فقد ذكر في كتابه تراجم الرجال عددا من الذين لم يذكروا في كتب التراجم والرجال ، أو لم ترد عنهم معلومات كافية ، وذلك بالاستعانة بالآثار المخطوطة ، لتأتي الحصيلة في مجلدين ، ويبدو أنه بصدد إصدار هذه المجموعة في خمسة مجلدات بعد سلسلة من الإضافات.

١٥٨

إن مبادرة الشيخ آقا بزرك في تعريفه للشخصيات الشيعية كانت مطابقة لمبادرة النجاشي في تصنيفه القيم لكتابه الرجالي المعروف ، مع التسليم بأن كثيرا من الآثار المخطوطة في زمن الشيخ لم تكن بمتناوله ، مضافا إلى بقاء عدد كبير من المخطوطات مركوما في المكتبات الخاصة ـ إلى الآن ـ بدون بطاقة تعريف ، إذ كان بالإمكان أن نحصل من خلالها على معلومات جديدة.

ومن السبل التي تعيننا على معرفة مجهولي رجال الشيعة : هو الوقوف على ما هو مبثوث في هذا المجال في كتب أبناء العامة الرجالية ، الكتب التي بقيت ـ تحت غبار المكتبات ـ غير مطبوعة حتى السنوات الأخيرة ، فإلى جانب آلاف التراجم لعلماء أبناء العامة قد يعثر أحيانا على تراجم بعض علماء الشيعة من المناطق المختلفة.

وقد يعسر الحصول ـ في كثير من الأحيان ـ على ترجمتهم أو المعلومات المرتبطة بهم إلا في مصدر أو موضع واحد ، وسبب ذلك يعود إلى أن علماء الشيعة نتيجة استقرارهم في البلاد العربية وسط مجتمعات شيعية متفرقة ، لم يرد ذكرهم في الكتب الرجالية الشيعية بالرغم مما كانوا يتحلون به من علم وفضل ، نعم ضبط أسماءهم أصحاب التراجم من أبناء العامة في كتبهم بما يتناسب وما يتمتعون به من مكانة رفيعة.

وقد أشرنا في ما سبق إلى أن حركة تدوين أسماء مؤلفي الشيعة قد انحصرت في القرنين السادس والسابع فقط.

ومبادرة ابن أبي طي في حلب ـ في القرن السابع أيضا ـ في تصنيف كتاب طبقات الإمامية لم تحصد ثمارها ، لضياع أصل الكتاب للأسف.

لذا فالمشروع الذي قلما حظي بعناية خاصة لحد الآن ، يتمثل في

١٥٩

العثور على تراجم أعلام الشيعة المتناثرة في مصادر أبناء العامة الرجالية وتراجمهم ، إذ يمكننا بذلك أن نكتشف مكانة الشيعة ، ونكون بالوقت نفسه قد أحطنا بشكل أوسع بتراجم أعلام الشيعة.

والذي كان ينبغي أن يتم في هذا المضمار ، هو ما بادر به وأنجزه ـ إلى حد ما ـ العلامة الأستاذ السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه‌الله.

فمهد بذلك الطريق لجهود أكبر تبذل على هذا الصعيد.

وكتاب معجم أعلام الشيعة ، الذي يضم ٦٧٤ ترجمة ، دلل من جهات عدة على أهمية هذه المصادر ، كما أوضح كيفية توظيفها لما يخدم معرفة تاريخ الشيعة على نحو أفضل.

ولا يخفى أن التراجم التي ضمها هذا الكتاب لم يأت الشيخ آقا بزرك على ذكرها في طبقات أعلام الشيعة.

وإن كان الأستاذ قد ترجم في بعض الموارد بزيادة معلومات جديدة ـ مع كونه مذكورا في الطبقات ـ فذلك لوقوع الخطأ في ترجمته.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض من ترجم لهم في المعجم هم من علماء ما بعد العصر الصفوي حتى وقتنا الحاضر ، وأمرهم لا يعنينا في هذا البحث.

وعمدة هؤلاء إما تتلمذ الأستاذ عليهم ، أو كانت تربطه بهم نوع من الرفقة كمحمد جواد فضل الله ، أو هم ممن عثر على أسمائهم في النسخ المخطوطة ، أو كانوا ممن ذكر ترجمتهم محمد مهدي الرازي في نهاية كتابه مشكاة المسائل (نسخة رقم ٤٩٦٧ / المكتبة الرضوية) (١) ، الذي لم يكن قد رآه الشيخ آقا بزرك.

__________________

(١) معجم أعلام الشيعة : ٢٠ و ٢٩ و ٣٠ و ١١٥ و ١٦٦ و ١٧٢ و ٤١٠.

١٦٠