الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

آية الله الميرزا جواد التبريزي

الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: زيتون
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

بالمعنى المصطلح لا يصلح للتقرب به ، لعدم المصلحة فيه. وعليه فإذا قيل مثلًا : إن الصلاة في اللباس الأسود مكروهة ، فليس صلاة المصلي فيه باطلة ، بل هي صحيحة ومجزية ، فالنهي عن لباسه في الصلاة إرشاد إلى أنّها فيه أقل ثواباً وأدنى ملاكاً من الصلاة في غيره.

الأمر الثاني : إن ما ذكره صاحب العروة من الموارد التي يكره لبسها في الصلاة ليس على إطلاقه ، إذ لا يوجد ملاك الكراهة في بعضها ، بل لا دليل معتبراً على أكثرها ، والموجود إنّما هو دليل ضعيف سنداً ، وقابل للمناقشة دلالة.

وعليه ففتوى صاحب العروة وسائر من وافقه على ذلك مبتنٍ على أحد أمرين في فهم روايات أخبار (من بلغ).

توضيح ذلك :

إن هناك عدة روايات (١) وفيها الصحاح دلَّت على أنّ من بلغه ثواب على عمل

__________________

١) وسائل الشيعة : ج ١ ، ص ٥٩ ، باب ١٨ استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روي له ثواب عنهم (عليهم السّلام). محمد بن علي بن بابويه في (كتاب ثواب الأعمال) عن أبيه عن علي بن موسى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن هشام عن صفوان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال : من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل (فعمله) به كان له أجر ذلك وإن كان (وإن لم يكن على ما بلغه خ ل) رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) لم يقله. أحمد بن أبي عبد اللّٰه البرقي في (المحاسن) عن علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال : من بلغه عن النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) لم يقله.

وعن أبيه عن أحمد بن النضر عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال : من بلغه عن النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) كان له ذلك الثواب وإن كان النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) لم يقله.

وعن علي بن محمد القاساني عمن ذكره عن عبد اللّٰه بن القاسم الجعفري عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

٦١

وأتى به رجاء ذلك الثواب فإنّه يعطى إيّاه وإن لم يقله الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو المعصوم (عليه السّلام) ، لاشتباه الراوي ، أو لاعتماده في النقل على آخر ، ويعبّر عن هذه الأخبار ب (أخبار من بلغ) وعن القاعدة ب (التسامح في أدلَّة السنن).

واختلف في المراد من هذه الروايات على وجوه منها :

الأول : إن ما يشترط تحققه في حجية الأخبار الدالة على حكم إلزامي (الوجوب والحرمة) أو المستلزمة لحكم إلزامي ك (النجاسة والملكية والزوجية) ، غير مأخوذ في الأحكام غير الإلزامية ، أعني الاستحباب والكراهة.

وبعبارة أُخرى : إن الخبر في غير الأحكام الإلزامية معتبر وإن كان ضعيف السند ، ما لم يحصل العلم بكذبه ، لعدم اشتراط شيء في اعتبار حجيته.

__________________

آبائه (عليهم السّلام) قال : قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) : من وعده اللّٰه على عمل ثوابا فهو منجزه له ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيارو روى الصدوق في (التوحيد) محمد بن الحسن عن الصفار عن محمد بن الحسين وأحمد بن أبي عبد اللّٰه عن علي بن محمد مثله. محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام ابن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال : من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه. ورواه ابن طاوس في (كتاب الإقبال) نقلاً من كتاب هشام بن سالم الذي هو من جملة الأُصول عن الصادق (عليه السّلام) مثله. وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمران الزعفراني عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول : من بلغه ثواب من اللّٰه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أُوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه أحمد بن فهد في (عدّة الداعي) قال : روى الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمّة (عليهم السّلام) أنّ‌ من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه. علي بن موسى بن جعفر بن طاوس في (كتاب الإقبال) عن الصادق (عليه السّلام) قال : من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له وإن لم يكن الأمر كما بلغه.

٦٢

الثاني : إن أصل قيام الخبر المحتمل أنّه قول الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الإمام (عليه السّلام) هو بنفسه من العناوين المرجّحة ، فإذا كان ذلك الخبر يتضمّن ثواباً على عمل ، فذلك العمل يكون مستحباً.

والنتيجة : أنّه إذا قام الخبر الضعيف على وجوب العمل الفلاني فإنّه لا يثبت وجوبه ، نعم يثبت بذلك استحبابه ، بمقتضى ما تقدم.

فالفتوى بالكراهة (مع كون الخبر ضعيفاً) متوقفة على الالتزام بأحد هذين التفسيرين.

هذا ، ولكنّنا في البحث عن قاعدة (التسامح في أدلَّة السنن) في علم الأُصول قد قلنا بعدم صحة كلا هذين المعنيين ، وإنما المستفاد من الأخبار أنّ المكلف عند ما يصله مطلوبية عمل ما إلى الله سبحانه وتعالى ، فإن كان عن طريق صحيح فيأتي به جزماً ، وإن كان الخبر ضعيفاً فيأتي به رجاءً وانقياداً ، وهذا الانقياد من العبد موجب لاستحقاق الثواب والتقرب إلى الله سبحانه ، ومقدار ذلك الثواب لم يعرف إلَّا عن طريق التعبد الشرعي ، ولا دلالة عليه من جهة العقل أصلًا ، وأخبار (من بلغ) هي التي بيّنت مقدار ذلك الثواب وهو نفس ما بلغه ، أي المذكور في الخبر.

فمن تيقن بمطلوبية العمل يأتي به انقياداً للمولى بنحو الجزم ويعطى الثواب وإن لم يكن الواصل إليه مطابقاً للواقع.

ومن لم يحصل له ذلك اليقين لكون الخبر ضعيفاً يأتي بالعمل رجاءً وانقياداً ، لعدم علمه بصدوره من الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو المعصوم (عليه السّلام) ، وله ذلك الثواب أيضاً.

هذا هو المستفاد من أخبار (من بلغ) وحاصله : أنّه من بلغه ثواب على عمل وأتى به رجاء الحصول على ذلك الثواب يعطى الثواب المذكور وإن كان الخبر ضعيفاً وغير جامع لشرائط حجية الخبر.

٦٣

وأمّا ما ذُكر من التفسيرين السابقين فلا دلالة للأخبار عليهما.

الأمر الثالث : لو تنزلنا وقلنا بدلالة الأخبار على أحد هذين المعنيين ، واستفدنا الحكم بالاستحباب أو الكراهة عن طريق أخبار (من بلغ) في الأعمال التي يرد فيها الثواب ، فإن هنا إشكالًا آخر يمنع جريان الأخبار في المقام ، وذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنما تدلّ على الكراهة في موارد النهي التكليفي ، وليس النهي في ما نحن فيه كذلك ، بل هو إرشاد إلى كون الفرد المنهي عنه أقل الأفراد ثواباً ، فمن أراد أن يعمل على طبق الخبر يمتنع من الصلاة في الأسود ، وليس ترك الصلاة في الثوب الأسود موجباً لإعطائه الثواب ، وإن كانت الصلاة في غيره أكثر ثواباً ، وذلك لأنّ أخبار (من بلغ) إنّما تكون في مورد الإتيان بالعمل استناداً إلى الخبر الضعيف الحامل للثواب المعين ، وترك العمل فيما نحن فيه ولو كان عملًا إلَّا أنّه لم يرد فيه ثواب.

والحاصل : إنّا وإن التزمنا باستفادة أحد الأمرين المتقدمين من أخبار (من بلغ) لا نعتبرها دليلًا على الكراهة فيما نحن فيه ، لعدم وصول ثواب على ترك العمل ، وإنما النهي للإرشاد إلى أقلية ثواب هذا الفرد من الصلاة.

ثم إنّه قال بعضهم : بأنّ عمل المشهور جابر لضعف هذا الخبر وإن كان ضعيف السند.

ولكنه ليس بصحيح ، بل لو عمل على طبقه الكل لما انجبر ضعفه ، وذلك لاحتمال استنادهم إلى أخبار (من بلغ) ، فهذا صاحب المدارك قد ناقش سند الروايات كلَّها بضمنها الموثقة ، وضعفها جميعاً ، ومع ذلك اثبت الحكم غير الإلزامي.

إذا اتّضح ذلك فنقول : في المسألة طائفتان من الروايات :

الطائفة الأُولى : ما دلّ على كراهة اللباس الأسود في الصلاة.

الطائفة الثانية : ما دلّ على كراهة لبس الأسود مطلقاً حتى في غير حال الصلاة.

٦٤

أما الطائفة الأُولى فثلاث روايات وهي :

الرواية الأولى : قال الكليني : وروي : لا تصلِّ في ثوب أسود ، فأمّا الخف أو الكساء أو العمامة فلا بأس (١).

الرواية الثانية : محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محسن بن أحمد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له أُصلَّي في القلنسوة السوداء؟ فقال : لا تصلِّ فيها فإنّها لباس أهل النار (٢).

الرواية الثالثة : محمد بن علي بن الحسين في (العلل) عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن رجل عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له : أُصلَّي في القلنسوة السوداء قال : لا تصلِّ فيها فإنّها لباس أهل النار (٣).

وأسناد هذه الطائفة من الروايات كلَّها ضعيفة فلا تصح للاستدلال.

وأمّا الطائفة الثانية التي استفيد منها كراهة لباس السواد مطلقاً فهي روايات :

الأُولى : محمد بن علي بن الحسين قال : قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيما علم أصحابه : لا تلبس السواد فإنّه لباس فرعون (٤).

وهي مرسلة ، وذهب بعض المتأخّرين إلى اعتبار روايات الصدوق التي نسب فيها القول إلى الإمام (عليه السّلام) نفسه كهذه الرواية دليلًا على اعتبارها وإلَّا لما نسبها كذلك ،

__________________

١) الوسائل : الباب ٢٠ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ٢.

٢) المصدر السابق : الحديث ١.

٣) المصدر السابق : الحديث ٣.

٤) المصدر السابق : الباب ١٩ ، الحديث ٥.

٦٥

بل لعبّر عنها ب (روي) وما شابهه.

ولا أساس لهذا القول من الصحّة ، ويدلّ على ذلك أنّ هذه الرواية التي نسبها في الفقيه إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد ذكرها مسندة في كتابيه (العلل والخصال) ، فقد رواها عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام).

فعدم ذكر الشيخ الصدوق للسند في كتاب الفقيه إنما هو للاختصار ، إذ طلب منه أن يكتب مؤلفاً مختصراً فكتب (من لا يحضره الفقيه) ، وعليه فليس مراده من قوله : قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، أو قال أبو عبد الله (عليه السّلام) هو الاعتبار ، بل كان ذلك من أجل الاختصار.

الثانية : محمد بن يعقوب عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد رفعه .. عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : يكره السواد إلا في ثلاثة : الخف ، والعمامة ، والكساء (١).

الثالثة : وعنهم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض أصحابه رفعه قال : كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يكره السواد إلَّا في ثلاث : الخف ، والعمامة ، والكساء (٢).

وهناك روايات كثيرة دلَّت على كراهة لبس السواد مطلقاً.

نعم هنا رواية معتبرة للسكوني لها مفاد آخر وهي :

عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السّلام) قال : إنّه أوحى الله إلى نبي من أنبيائه : قل للمؤمنين لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (٣).

__________________

١) الوسائل : الباب ١٩ ، الحديث ١.

٢) المصدر السابق : الحديث ٢.

٣) المصدر السابق : الحديث ٨.

٦٦

ونحن نلتزم بمضمون هذه الروايات فنقول : إنّ اللباس إذا اختص به أعداء الدين فلا يجوز لبسه ، مثل القبعة التي يختص بلبسها اليهود.

ولكن لباس السواد لم يثبت اختصاص لبسه بأعداء الدين ، نعم يمكن ثبوت الاختصاص بخصوص (اللبادة السوداء) فإن لبسها من مختصات علماء اليهود والنصارى ، وإذا ثبت ذلك فيها فلبسها حرام.

بقي أمر تعرض له صاحب الحدائق (قدّس سرّه) فإنّه بعد أن نقل هذه الروايات قال : «لا يبعد استثناء لبس الأسود في مأتم الحسين (عليه السّلام) من هذه الأخبار ، لما استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان ..» (١).

ولم يبيّن الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك ، والوجه في عدم الشمول هو : إنّ في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمة (عليهم السّلام) وبالخصوص في أيام محرم الحرام وشهر صفر إظهاراً لمودتهم وحبهم لأهل البيت (عليهم السّلام) فيحزنون لحزنهم ، وإنّ هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت (عليهم السّلام) ، وقد روي عنهم (عليهم السّلام) : «رحم الله من أحيا أمرنا» ، فإذا ارتدى عامة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل : ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة ، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلهم السواد؟!

فعند ما يوضح له بأن اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول الحسين بن علي (عليه السّلام) ، كان هذا الأمر في حد نفسه إحياءً لأمره (عليه السّلام) ، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرم وصفر ، وذلك لأن حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييت بواقعة كربلاء ، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه لتراه الأجيال القادمة مثلًا أمامهم فيحصل لهم اليقين به ، فإنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه قد أثبت أحقية التشيع ، وأبطل سائر ما عداه.

__________________

١) الحدائق الناظرة : ج ٧ ، ص ١١٨.

٦٧

إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) يعلم بأنّه سوف يستشهد ، ومع ذلك حمل روحه على كفيه وخرج طالباً الشهادة ، وما ذلك إلَّا من أجل إحياء الدين وشريعة سيد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

وقد أخبر (عليه السّلام) باستشهاده عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي (عليه السّلام) قال : قال : والذي نفس حسين بيده لا ينتهي ملك بني أمية ملكهم حتى يقتلوني وهم قاتلي ، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعاً أبداً ، ولم يأخذوا عطاء في سبيل الله جميعاً أبداً ، إنّ أوّل قتيل في هذه الأمة أنا وأهل بيتي ، والذي نفس حسين بيده لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرق.

وعن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كتب الحسين بن علي من مكة إلى محمد بن علي : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومن قِبَله من بني هاشم ، أمّا بعد فإن من لحق بي استشهد ، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام.

كما أخبر باستشهاده النبي محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من يوم ولادته ، وإليك هذه الأخبار :

١ ـ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الوشاء عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : لمّا ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أُمّتك تقتل الحسين من بعدك. ثم قال : ألا أريك من تربتها؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء فأراها إيّاه ، ثمّ قال : هذه التربة التي يقتل عليها (١).

٢ ـ أبي عن سعد عن ابن عيسى عن الأهوازي عن النضر عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إنّ جبريل أتى رسول الله والحسين يلعب بين يدي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فأخبره أنّ أُمته ستقتله ، قال : فجزع رسول

__________________

١) بحار الأنوار.

٦٨

الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان ، فأخذ منها ، ودحيت في أسرع من طرف العين ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل حولك.

قال : وكذلك صنع صاحب سليمان ، تكلم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان ، فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيّل إلىّ أنّه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين (١).

٣ ـ أبي عن سعد عن علي بن إسماعيل وابن أبي الخطاب وابن هشام ، جميعاً عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : نعي جبرئيل (عليه السّلام) الحسين (عليه السّلام) إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيت أُمّ سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده فقال : إن هذا تقتله أُمتك. فقال رسول الله : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه. فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء ، فلم تزل عند أُم سلمة حتى ماتت (رحمها الله) (٢).

فعلى الجميع أن يتوسل بالإمام الحسين (عليه السّلام) وأن يطلب منه المدد ، فإنّ التوسل بالإمام الحسين (عليه السّلام) يرفع الشبهات عن وجه الحقيقة ، ويكون الدليل بذلك حياً ، والتوسل بأهل البيت (عليهم السّلام) والبكاء عليهم ما هو إلَّا محافظة على هذا الدليل ؛ فالإمام الحسين (عليه السّلام) دليل محكم على أحقية الشيعة ومذهبهم ، فتوسلوا بهذا العظيم ، وابكوا عليه ، وأقيموا شعار الحزن في أيام مصيبته ، فإنّ الملائكة بكت وتبكي عليه ، وإنّ الله سبحانه وتعالى يريد إبقاء هذا الدليل ، ويتمّ ذلك بإقامة مجالس العزاء ، والاشتراك فيها ،

__________________

١) بحار الأنوار.

٢) بحار الأنوار.

٦٩

والبكاء ، ولبس السواد في أيام استشهاده وفي وفيات الأئمة (عليهم السّلام) وبالخصوص في شهري محرم وصفر ، فأحيوا هذا الأمر وحافظوا عليه ، فإنّ الأرض والسماء بكت على الحسين (عليه السّلام) ، وإنّ الملائكة تبكي عليه إلى يوم القيامة.

٧٠
٧١
٧٢

مصدر الأُصول الاعتقادية

إنّ مقولة (العقائد قضية عقلية ، يجب أن يصل المكلَّف إليها مباشرة فيعرف برهانها ويذعن له ، لا أن يأخذها تقليداً) ، هل تشمل جميع العقائد ، أم أُصولها وأسسها دون تفصيلاتها؟ وما ذا عن التفصيلات المختلف فيها ، وما هو المرجع في تحديد الصحيح والأصح منها ، أهو القواعد والعلوم التي تعالج فيها الأحكام الشرعية فنرجع فيها إلى المتخصّص ، أم أنّ لنا كعوام التعامل المباشر معها؟

باسمه تعالى الأُصول الاعتقادية على قسمين :

أولهما : ما يجب البناء وعقد القلب عليه إجمالًا والتسليم والانقياد له ، كأحوال ما بعد الموت من مسألة القبر والحساب والكتاب والصراط والميزان والجنّة والنار وغيرها ، فإنّه لا يجب على المكلَّف تحصيل معرفة خصوصيات تلك الأُمور ، بل الواجب عليه البناء وعقد القلب على ما هو عليه الواقع من جهة أخبار النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الوصي (عليه السّلام) بها.

والقسم الثاني : يجب معرفته عقلًا أو شرعاً ، كمعرفة الله سبحانه وتعالى ، ومعرفة أنبيائه وأوليائه وأنّهم أئمة معصومون ، وأحكام الشرع عندهم وتأويل القرآن وتفسيره لديهم ، وأمّا سائر الخصوصيات الواردة فيكفي التصديق بها ، ولا يجوز إنكار ونفي ما ورد في علمهم وسائر شؤونهم (عليهم السّلام) حتّى إذا لم يجد عليها رواية صحيحة فضلًا عن وجود الرواية الصحيحة.

٧٣

والحاصل : أنّه يجب على القاصر عقلًا أن يرجع في كلّ علم إلى أهل الخبرة بذلك العلم ، وعلم العقائد لا بدّ من الرجوع فيه للعلماء الفقهاء المتبحّرين في علم الكلام المتضلَّعين في فهم الكتاب وأحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) الماهرين في تشخيص الصحيح من الخطأ خصوصاً مراجع الطائفة وعلماؤها ، والله العالم.

حول مسائل أُصول الدين

ما هو المائز بين كون المسألة من أُصول الدين أو فروعه؟

باسمه تعالى أُصول الدين مسائل اعتقادية يكون المطلوب فيها تعقلها ، وأما الفروع فهي مسائل يكون المطلوب فيها العمل بها ، سواء كان فعلًا أو تركاً ، ولو كان العمل من البناءات القلبية ، والله العالم.

التقليد في أصول الدين

هل الرجوع لعلم الفقيه في الأُصول يعتبر تقليداً؟

باسمه تعالى ليس معنى عدم التقليد هو الأخذ بكلّ ما وصل إليه نظركم ، بل لا بدّ من الاعتقاد واليقين من مدرك صحيح ولو كان مدركاً إجمالياً ، كما لو علم بأنّ الفقهاء المتبحّرين كلَّهم متفقون على ان الأمر الفلاني من العقائديات وأنّه لو لم يكن حقّا لما كانوا متفقين على ذلك ، فهذا يحقّق دليلًا إجمالياً على صحّة الاعتقاد بذلك المعتقد ، والله العالم.

هل الاعتقاد بالإمامة من الأُصول أو الفروع؟

ما هي عقيدتنا في الإيمان بالإمامة؟ هل هي من الأصول أو من الفروع؟

باسمه تعالى هي من أُصول المذهب ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

٧٤

طريقة اكتساب العقائد

ما هو الطريق لأخذ العقائد الشرعية؟

باسمه تعالى اللازم على المكلَّف في أُصول الدّين والمذهب تحصيل العلم واليقين بالأدلَّة المذكورة في الكتب المعتبرة الكلامية ولو بالتعلَّم والدراسة عند أهلها ، وأمّا سائر العقائد الدينية فلا يجب تحصيل المعرفة بها تفصيلًا ، بل يكفي الاعتقاد بما هو عليه في الواقع المعبّر عنه بالاعتقاد الإجمالي كخصوصيات القيامة وأمثالها ، هذا بالنسبة إلى من لا يحصل له العلم واليقين إلَّا بالدراسة ، وأمّا إذا حصل اليقين بالأدلَّة الإجمالية فيكفي كقول الأعرابي : «البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام يدلّ على المسير ، أسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا يدلان على اللطيف الخبير»؟ وأمثاله ، وهكذا الأدلَّة الإجمالية التي يستدلّ بها على النبوة والإمامة.

ولا يخفى أنّ ما ذكرنا من مراجعة الكتب الكلامية ما نريد به مؤلَّفات العلماء المتبحّرين في الأُمور الدينية من الاعتقادات وغيرها ، لا قول من يدّعي العلم وليس له حظ من مسائل الدّين أُصولًا وفروعاً ، ويعتمد في آرائه وأفكاره على مجرّد عقله الفاتر ، ويترك ظواهر الكتاب والسنّة ويطرح الروايات المأثورة عن الأئمة الأطهار (عليهم السّلام) الذين هم عدل للكتاب في قول النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» ، والله العالم.

البحث في الأحكام الشرعية

هل يمكن القول بأنّه هناك مجال للبحث في أحكام الشريعة الإسلامية ، باعتبار أنّ هناك ثابتاً ومتغيراً ، وفقاً لظروف كلّ عصر وزمن ، على حسب اختلاف المجتمعات ، أو أنّ الحكم الشرعي واحد لا يتغيّر؟

باسمه تعالى إن تعدّد حكم الواقعة الواحدة بحسب اختلاف المجتهدين في الأعصار فيها

٧٥

أمر غير ممكن وغير واقع ، لأنّه مخالف لمذهب العدليّة الملتزمين ببطلان التصويب في الوقائع التي وردت فيها الخطابات ، أو استفيد حكمها من مدارك أخرى ، فإنّ مقتضى الإطلاقات ثبوت الحكم ، واستمراره بحسب الأزمنة في ظرف فعليّة الموضوع ، في أيّ ظرف كان ، ولو كان استقبالًا.

ويدلّ على ذلك الروايات أيضاً ، كصحيحة زرارة المروية في الكافي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الحلال والحرام فقال : «حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة» ، لا يكون غيره ، ولا يجيء غيره ، وقال : قال علي (عليه السّلام) : «ما أحد ابتدع بدعة إلَّا ترك بها سنّة».

وأمّا فتاوى المجتهدين في موارد الخلاف ، فلا تصيب من فتاواهم في واقعة واحدة إلَّا فتوى واحدة من ذلك ، نعم فتوى كلّ واحد من المجتهدين مع اجتماع شرائط التقليد فيه عذر بالنسبة للعامي في موارد الخطأ ، ثمّ انّ الحكم المجعول في الشريعة له مقامان : الأول مقام الجعل ، والثاني مقام الفعليّة ، وعلى ذلك فيمكن أن ينطبق عنوان الموضوع على شيء في زمان فيكون فعليّاً ، ولا ينطبق على ذلك الشيء في زمان آخر فلا يكون ذلك الحكم فعليّاً ، وهذا من ارتفاع فعليّة الحكم لا من تغيّر المجعول في الشريعة ، كما إذا كان شيء آلة قمار في زمان ، وسقط عن آلية القمار في زمان آخر بعد ذلك الزمان ، فاللعب به بلا رهان باعتبار عدم انطباق عنوان آلة القمار عليه في زمان اللعب لا يكون محرّماً ، وهذا ليس من تغيّر حكم حرمة آلة القمار ، كما هو واضح ، وكوجوب الجهاد الابتدائي ، فإنّه بناءً على اشتراط الجهاد الابتدائي بحضور الإمام (عليه السّلام) فلا يكون وجوب الجهاد فعليّاً في زمان الغيبة ؛ لعدم حضوره (عليه السّلام) لا لأنّه مع عدم حضوره تغيّر حكم الجهاد في الشريعة ، وأمثال ذلك كثيرة.

نعم ، في الشريعة يمكن أن تكون لشخص أو أشخاص أحكام مختصّة بهم ، وهذه الأحكام تنتهي برحيلهم ، كالأحكام المختصّة بالنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وهذه قضايا خارجية لا صلة

٧٦

لها بالأحكام العامة الشرعية التي يُعبّر عنها بالقضايا الحقيقية ، والله العالم.

أسماء الله عزّ وجلّ توقيفية

هل أسماء الله عزّ وجلّ توقيفية أو لا؟ فيجوز إطلاق اسم من الأسماء عليه سبحانه مع مراعاة جميع الجهات ، ككونها لا تدلّ على افتقاره إلى شيء ، وكونها لا تدلّ على أنّه متحيّز ، وغيرها مما لا يليق بساحة قدسه.

باسمه تعالى الأحوط الاقتصار على الأسماء الواردة في الكتاب المجيد والأخبار والأدعية ، والله العالم.

القضاء والقدر

ما هو رأي الطائفة المحقّة بمن يرى انحصار القضاء والقدر بالواقع الكوني دون الواقع الاجتماعي ، إذ يقول في ردّه على الشيخ المفيد : إنّ مسألة القضاء والقدر لا تتصل بالأوامر والنواهي الصادرة من الله في التكاليف المتعلَّقة بأفعال عبادة ، بل هي متّصلة بمسألة الواقع الكوني ، والإنساني فيما أوجده الله وفعله وقدّره وطبيعته بالدرجة التي يمكن للإنسان أن يحصل فيها على تصوّر تفصيلي واضح للأسباب الكامنة وراء ذلك كلَّه في معنى الخلق وسببه وغايته.

وقال في موضع آخر موضحاً بما نصه : ليس هناك قضاء ولا قدر ، الإنسان هو الذي يصنع قضاءه وقدره ، ولكن هناك حتمية تاريخية ، وهناك حتميات سياسية وهناك حتميات اقتصادية ، إنّك عند ما تحدّث الإنسان عن حتمياته فمعنى ذلك أنّك تعزله عن كلّ ما حوله ، ولكن عند ما يحدّث الله عن القضاء والقدر فإنّه يقول لك : إنّك تصنع قضاءك وقدرك .. إلى أن يقول : نحن لا نقول بأنّ الأمر الواقع هو القضاء والقدر ، أم الأمر الواقع هو شيء صنعه الآخرون واستطاعت أن تحرّكه ظروف موضوعيّة معيّنة!

٧٧

باسمه تعالى إنّ القضاء والقدر على قسمين :

١ ـ ما كان معلَّقاً على اختيار العبد ، كالخسارة والربح مثلًا ، فهذا راجع لمشيئة الإنسان ، وعلم الله بوقوعه عن اختيار العبد ليس سبباً لإجبار العبد على ممارسة ذلك العمل.

٢ ـ ما كان غير معلَّق على مشيئة العبد ، فهذا قضاء حتمي ، كالغنى والفقر والآجال ، وأمثالها مما ليس بيد العبد ، وهذا هو ظاهر القرآن الكريم في نحو قوله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ الله لَنا) (١) وقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناه فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٢) ، والمقصود بليلة القدر كما في الروايات ليلة التقدير ، أي تقدير الأرزاق والآجال ونحوها ، والله الهادي للحقّ.

إنّ تقدير الله بعد اختيار العبد كسب الحرام ، وقضاءه بعد تقدير العبد سلوكه.

وإن شئت قلت : قضاؤه وتقديره مسبوق بعلمه سبحانه ، وما تعلق به علمه هو فعل العبد باختياره وإرادته ، فلا منافاة بين قضاء الله واختيار العبد ، كما لا ينافي اختيار العبد قضاء الله ، بل هما متطابقان ، والله العالم.

المراد بالقديم

ذكرت الأدعية «إنّ الفيض والمنّ قديم وأقدم» ، ماذا يراد من القديم هنا؟

باسمه تعالى إنّ القديم أمر إضافي بمعناه اللغوي ، ولا يُنافي الحدوث ، وفيض الله ليس من صفات الله الذاتية ، والله العالم.

هل أسماء الله تعالى تقع على ذاته

هل أسماء الله تعالى تقع على ذاته؟

__________________

١) سورة التوبة : الآية ٥١.

٢) سورة القدر : الآية ١.

٧٨

باسمه تعالى الأسماء التي وصف الله تعالى بها نفسه ووردت بها الروايات غير ذاته ، وإنما هي علامات ، والله العالم.

هل الله تعالى فاعل بالذات؟

هل الله تعالى فاعل بالذات؟

باسمه تعالى قد تبين أن الله تعالى منشئ هذا الكون وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وقد جرت عادته تعالى على كون أفعاله عن طريق الوسائط من غير حاجة له إليها ، والله العالم.

المقدار الواجب من معرفة الله (عزّ وجلّ)

ما هو القدر الذي يجب على المكلَّف تعلمه من معرفة الحق تبارك وتعالى ، وإذا كان يتوقف على مقدمات فهل يجب عليه تعلمها أو لا؟

باسمه تعالى الواجب على المكلف من المعرفة ما يقنع نفسه به ، هذا في الواجب العيني ، وأمّا الواجب الكفائي بأن يكون أشخاص يتمكنون من إثبات العقائد الحقّة بالأدلة في مقام المخاصمات فيجب على جماعة من المؤمنين القيام بذلك ولو توقف ذلك على تحصيل العلم سنوات ، والله العالم.

الولاية التكوينية

ما هي عقيدة الشيعة في الولاية التكوينية؟

باسمه تعالى إنّ المراد بالولاية التكوينية أنّ نفس الولي بما له من الكمال متصرّف في أُمور التكوين بإذن الله تعالى ، لا على نحو الاستقلال ، وهذا هو ظاهر الآية المباركة (وأُبْرِئُ

٧٩

الأَكْمَه والأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ الله) (١) ، وقوله (أَنَا آتِيكَ بِه قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٢) ، حيث نسب الفعل المباشر إلى نفسه.

كما أنّ المراد من الإذن في الآية الإذن التكويني ، بمعنى القدرة المفاضة من قبل الله تعالى ، لا الإذن التشريعي.

وأمّا الآيات النافية كقوله تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ الله) (٣) فالمقصود بها نفي الاستقلال في التصرّف لا نفي الولاية المعطاة من قبل الله تعالى.

هذا مضافاً إلى أنّ الأولياء لا يتصرّفون في التكوينيات استجابة لكلّ اقتراح يُطرح عليهم ، وإنّما في خصوص الموارد التي شاءت حكمة الله التصرّف فيها لحفظ مصالح التشريع والتكوين.

وبالجملة : فالولاية التكوينية بالمعنى الذي ذكرناه من العقائد الواضحة التي لا مجال للتشكيك فيها عند المتدبّر في الآيات والمتتبّع لحالات الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين في الأحاديث والأخبار ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

هل يجوز الاعتقاد بالتفويض التكويني للأئمة (عليهم السّلام) وعلى فرضه فهل تكون (الولاية التكوينية) عبارة عن قدرة مودعة في المعصوم أو أنّه (أي المعصوم (عليه السّلام)) يسأل فيُعطى من قبل الله عز وجل؟

باسمه تعالى الاعتقاد بالتفويض باطل ، فإنّ الله بالغ أمره ، والأئمة (عليهم السّلام) وسائط وشفعاء للناس بينهم وبين الله سبحانه وتعالى في مقام استدعاء الحاجات من الله تعالى ، قال

__________________

١) سورة آل عمران : الآية ٤٩.

٢) سورة النمل : الآية ٤٠.

٣) سورة الأعراف : الآية ١٨٨.

٨٠