الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

آية الله الميرزا جواد التبريزي

الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: زيتون
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

خلق آدم (عليه السلام)

ما المراد بالحديث المروي : «إن الله خلق آدم (عليه السّلام) على صورته»؟

باسمه تعالى أي خلقه على طبق مشيئته ، أي على الصورة التي اختارها واجتباها. والرواية ضعيفة بعبد الله بن بحر حيث إنّه لم يوثق في الرجال. وعلى الجملة الإضافة كإضافة الروح إلى نفسه (ونَفَخْتُ فِيه مِنْ رُوحِي) ، والله العالم.

كيف نفهم دعوة الأنبياء إلى الدنيا؟

جاء في كتاب الآداب المعنوية للصلاة الفقرة التالية : «إن الذين يظنون أن لدعوة النبي الخاتم والرسول الهاشمي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جهتين دنيوية وأخروية ، ويحسبون هذا فخراً لصاحب الشريعة وكمالًا لنبوّته ، هؤلاء ليس عندهم معرفة بالدين ، وهم عن مقصد النبوة ودعوتها غافلون .. إن الدعوة للدنيا خارجة عن مقصد الأنبياء العظام بالكلية ، ويكفي في الدعوة إلى الدنيا حس الشهوة والغضب والشيطان الباطن والظاهر ، ولا يحتاج إلى بعث الرسل. إن إدارة الشهوة والغضب لا تحتاج إلى القرآن والنبي ، وإنما بُعث الأنبياء لينهوا الناس عن التوجه إلى الدنيا ، وهم عند ما يقيدون إطلاق الشهوة والغضب ويدعون لكبح جماحها إنما يحددون موارد المنافع ، فيظن الغافل أنهم يدعون إلى الدنيا. الأنبياء يصدون عن طريق إطلاق الشهوات ويحددون قنواتها لا انهم يدعون إليها. إن روح الدعوة إلى التجارة المشروعة هي تقييد عن مطلق الكسب ، وروح الدعوة إلى أكل المباحات هي نهي وصد عن أكل كل ما تشتهيه النفس ، وروح الدعوة إلى النكاح (الشرعي) هي تقييد وحد أيضاً ، نعم إنهم ليسوا معارضين ومانعين لهذه الأُمور على نحو الإطلاق ، فإن هذه المعارضة مخالفة للنظام الأتم».

هناك من العلماء من يرى أن الإسلام دين ودنيا ، وأن النظرة الأولى تنتهي إلى

١٠١

الرهبنة وانتظار الموت وتوقف عجلة الحياة وتخلف المسلمين عن ركب الحضارة ، خصوصاً وأن في الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية ما يدعو للجمع بينهما ، فما هو رأي سماحتكم؟

باسمه تعالى إن الدنيا خُلقت داراً للامتحان والابتلاء ، وأما بعث الأنبياء وإرسال الرسل فلبيان التكاليف والوظائف لامتحان العبد ، يقول الله سبحانه وتعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). ومن المعلوم أن امتحان العباد بالنسبة إلى متطلبات نفس الإنسان ، أي شهوته وغضبه وما هو لوازم الحياة من الطعام والشراب ، يكون في رعاية التقييدات والتحديدات الواردة من الله سبحانه وتعالى بواسطة الأنبياء ، بخلاف الأفعال التي لا تكون راجعة إلى متطلبات النفس ومقتضيات جهالتها كالعبادات ، فالامتحان فيها في نفس العمل بتلك العبادات بخلاف المأكولات والمشروبات ومتطلبات النفس ، فإن امتحان العباد في رعاية التقييدات الواردة فيها. وبهذه الجهة يمكن أن يكون من أهداف بعث الأنبياء تدارك أمر العباد في عقبى الدار ، ومن يقول إن الدين الإسلامي راجع إلى إصلاح الدنيا والآخرة نظره أيضاً أن في بعض هذه التقييدات أو أكثرها مصالح راجعة إلى دنيا العباد ، كالنهي عن الزنا والسرقة والأمر بالعدل إذا حكمتم والأمر بموجب التكسب للإنفاق على العيال ونحو ذلك. وفي ظني أن التعبيرات الواردة في المقام ترجع إلى ما ذكرناه ، والله العالم.

النّبي (صلَّى الله عليه وآله) طلب التخفيف في الصلاة عن الأمة

ما رأيكم في الرواية التي يذكرها (القمّي) في تفسيره ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) ، والتي تذكر أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في انحداره ليلة المعراج مرّ على الكليم (عليه السّلام) فسأله عمّا فرض الله تعالى على أُمّته ، فأجابه خمسون صلاة ، فقال : إنّ أُمّتك لا تقدر عليها ، فارجع إلى ربّك .. فرجع إلى

١٠٢

ربّه حتّى بلغ سدرة المنتهي .. إلى آخر الرواية ، هل هي معتبرة من جهة الدلالة أو لا؟

باسمه تعالى الرواية بحسب السند لا بأس بها ، فقد رواها الصدوق في (الفقيه) أيضاً ، وقد ورد في بعض الروايات أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) طلب من ربّه تخفيف الصلاة عن الأُمّة ، فخفّفها الله سبحانه إلى عشر ركعات ، ثمّ أضاف إليها النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سبع ركعات. وطلبه هذا الأمر من ربّه إنما هو لإشفاقه على الأُمّة ، وإجابة ربّه إليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إنما هو كرامة له ، كما ورد في بعض النصوص أنّ الله عز وجل فرض عشر ركعات ، وفوّض أمر الزيادة على العشر ركعات إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

ملك الموت ومفهوم الاستئذان من النبي والإمام (عليهم السلام)

هناك بعض الروايات الواردة تدلّ على أنّ ملك الموت (عليه السّلام) يستأذن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) في قبض روحيهما ، فهل ذلك صحيح؟ وكيف يستقيم ذلك مع عقيدتنا في أنّ الملائكة لا يعصون الله في أمر وأنّهم يفعلون ما يؤمرون (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (١).

باسمه تعالى لا منافاة في ذلك ؛ فإنّهم لو أمروا بالقبض بعد الاستئذان من صاحب الروح ، يعصون الله في هذا الأمر ولا يقبضون قبل الاستئذان ، والله العالم.

قرب الرسل في المعراج

ورد في الدعاء : «فسويت السماء منزلًا رضيته لجلالك ووقارك وعزّتك وسلطانك ثم سكنتهما ليس فيهما غيرك». دعاء ليلة السبت ضياء الصالحين.

وورد في قصة المعراج ما مضمونه لا تتركني يا أخي جبرائيل ، قال لو اقتربت لاحترقت.

__________________

١) سورة النحل : الآية ٥٠.

١٠٣

هل تواجد الله في السماء غير تواجده في الأرض ، وكيف كان قرب الرسل في المعراج أقرب إلى الله منه في الأرض ، حتى إن جبرائيل لو اقترب احترق؟ كيف نوجّه ظاهر هذا الحديث؟

باسمه تعالى هذه مقامات خاصة للأنبياء والملائكة (عليهم السّلام) فكل له مقام خاص لا يتجاوزه ، وليس المراد من الاقتراب القرب المكاني منه سبحانه وتعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله كما في الآية الشريفة ، والله العالم.

آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله) كانوا موحدين

هل دلالة قوله تعالى (وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) تامّة في أنّ آباء النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانوا كلَّهم موحّدين أم لا؟

باسمه تعالى من عموم الساجدين في الآية المباركة يُستفاد أنّ آباء الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانوا كلَّهم موحّدين ، والله العالم.

النبي (صلَّى الله عليه وآله) قبل الوحي

هل كان النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أمياً قبل نزول الوحي عليه؟ وإذا كان كذلك ألا يعتبر نقصاً فيه فينافي كونه معصوماً؟

باسمه تعالى نعم الرسول الأكرم كان أُمياً كما يحكي عن ذلك قوله سبحانه (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَه مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) ، ولا تنافي بين العصمة والأمية ؛ لأنّ العصمة هي كون الشخص بحيث لا ينقدح في نفسه الزكية الميل إلى ارتكاب الحرام والاستمرار على المكروه أو ترك الوظيفة الشرعية ، ولازم ذلك علمه بالوظائف والوقائع وأحكامها من الحل والحرمة والواجب وغيره ، والأمية لا تلازم الجهل بالوقائع وأحكامها ، وكان النبي عالماً

١٠٤

بذلك بطريق الوحي والإلهام والكتاب المنزل إليه الذي وصفه الله بالنور الذي أنزله معه ، والمصلحة الكامنة في أُميته (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تفوق كل مصلحة في خلافها ، وذلك لأنه لو لم يكن أمياً لأوهم شياطين زمانه من الكفار الناس بأن الكتاب الذي يدعي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه وحي منزل هو تأليف نفسه ، وقد فات عنهم هذه الوسيلة ، ولذا اختاروا الإغواء بافتراء آخر فقالوا : إن الكتاب يعلمه الغير ، وينظر إلى ذلك بالرد على الافتراء والإغواء قوله سبحانه (ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُه بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْه أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ). نحمد الله الذي أعطى كل شيء حقه ، وأكمل الحجة على أهل العصور المتتالية بالكتاب المنزل مع نبيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ليكون معجزة خالدة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والله العالم.

فضل الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على الأنبياء (عليهم السلام)

ما يقول سماحتكم وقد طولبنا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على إثبات أن خاتم النبيين محمداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو أفضل الأنبياء والمرسلين على الإطلاق ومن جميع الجهات ، وأن ما ثبت لأهل بيته الميامين ما عدا النبوة من أنهم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين ، علماً بأنّ مبلغنا من العلم هو مجموعة من الروايات التي لا يقتنع بها خصومنا من جهة ، وعدم وثوقنا بقوة سندها من جهة أخرى؟

باسمه تعالى يدل على كونه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أشرف الأنبياء (عليهم السّلام) بقدومه آخر الأمر ، قال الله سبحانه في كتابه المجيد (وإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُه أَحْمَدُ) .. إلى آخر الآية الشريفة ، ولو لم يكن المبشر به أرقى وأشرف لم يكن وجه للبشارة ، والبشارة إنما تكون إذا كان المترقب أشرف وأفضل كما لا يخفى ، وإن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أتعب نفسه الشريفة في رسالته وعمل بأكثر مما كلَّف به كما يدل على ذلك قوله تعالى (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ

١٠٥

لِتَشْقى) ، ولم يرد في حق سائر الأنبياء أنهم أتعبوا أنفسهم وعملوا بأكثر مما كلفوا به ، بل يظهر من بعض الأنبياء أنه كان يعتذر من بعض ما كلف به ، ويكفي لمن له قلب بصير أن يتيقن ويجزم بأن نبينا محمداً (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أشرف الأنبياء. ولاحظوا أيضاً هذه النكتة وهي أن الكتاب المجيد نزل لجلب الناس إلى دين الحق ولو وقع التصريح في القرآن بأن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أفضل الأنبياء ربّما كان هذا منافياً للغرض مثل تبعيد النصارى عن المسلمين ، وأيضاً أن آية المباهلة دلت على أن علياً (عليه السّلام) نفس النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولا فرق بين الأئمة (عليهم السّلام) كلَّهم نور واحد. نعم ، ليس لعلي (عليه السّلام) ولسائر الأئمة (عليهم السّلام) منصب الرسالة ، وبذلك كان النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أفضل من علي (عليه السّلام) ، والمراد من الرسالة في جوابنا هو الرسالة لنبينا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) الكاملة الخالدة ، وإلَّا مجرد مقام الرسالة والنبوة لا يوجب التقدم على منصب الإمامة ، والله العالم.

نفي السهو عن النبي (صلَّى الله عليه وآله)

جاء في الجزء الأول من صراط النجاة (ص ٤٦٢) في الجواب عن المسألة رقم (١٢٩٤) نقلًا عن السيد الخوئي (قدّس سرّه) : «القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية». ولم يرد لكم تعليق على الجواب ، مما يعني الموافقة ، فما هي الموضوعات الخارجية التي تكون خارجة عن عهدة العصمة ، فهل ترون منها قضية سواء بن قيس والقضيب الممشوق مثلًا مع رسول الله ودعاء الرسول له؟ نرجو توضيح ذلك.

باسمه تعالى مراده (قدّس سرّه) من العبارة المذكورة أن القدر المتيقن عند علماء الشيعة والذي وقع عليه تسالمهم هو عدم إمكان السهو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والإمام (عليه السّلام) في تبليغ الأحكام الشرعية وبيان المعارف الدينية ، وأما الموضوعات الخارجية فالصحيح فيها أيضاً هو عدم جواز السهو على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والإمام (عليه السّلام) ، إلَّا أنه ذهب بعض علمائنا كالصدوق (رحمه الله) وأُستاذه محمد بن الحسن بن الوليد وبعض آخر إلى جواز السهو فيها إذا كانت هناك مصلحة

١٠٦

تقتضيه ، مثل أن لا يتوهم الناس الألوهية فيهم ، واستندوا في ذلك إلى بعض روايات وردت من طرقنا في نوم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن الصلاة وسهوه في صلاته وفاقاً لما روي من طرق العامة ، ونحن قد أجبنا عن ذلك في بحوثنا في كتاب الصلاة (مبحث أوقات الصلوات) وقلنا إن في نفس تلك الروايات الواردة عن أئمتنا (عليهم السّلام) قرينة تدل على أنها صدرت تقية ومراعاة لروايات العامة ، وقد ذكرنا هناك أن الصحيح ما عليه مشهور علمائنا الأبرار من عدم إمكان السهو على النبي والإمام صلوات الله عليهم حتى في الموضوعات الخارجية ؛ لأن هذا مما يوهن أمر النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والإمام (عليه السّلام) ويوجب الارتياب والشك للناس بالنسبة إلى بيان الأحكام الشرعية أيضاً ، وأما علم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والإمام (عليه السّلام) بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية فالقدر المتيقن منه عندنا أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أو الإمام (عليه السّلام) إذا كان في علمه بالموضوع مصلحة وأراد أن يظهر الله تعالى له واقع الأمر يظهره له ، وأمّا قضية سواء بن قيس فظاهر المنقول فيها غير قابل للتصديق وكأن الواقعة على ما يظهر من بعض النقل لم تكن متحققة وإنما كان غرضه شيئاً آخر ، والنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لكونه رؤوفاً ورحيماً بالأمة لم يظهر الخلاف ، بل أظهر كأن ما يدعيه هو الواقع ، والوجه في عدم إمكان التصديق أن القصاص إنما يثبت في موارد الجناية عمداً ، وهذا غير محتمل بالنسبة إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، والله العالم.

أقدمية الرسول (صلَّى الله عليه وآله) على الخلق

ما رأي سماحتكم في أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أقدم الخلق في خلقه التكويني حتى من آدم (عليه السّلام) ، وأن الرسول وآله (عليهم السّلام) خلقوا الخلق؟

باسمه تعالى المراد من الأقدمية في الخلق هو نوريته لا بدنه العنصري ، وقد تقدم أن الله سبحانه هو الذي خلق المخلوقات ، يقول الله سبحانه (ذلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لا إِله إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوه وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ، الوكالة لا تمنع الاستنابة في الخلق ، وهذا ظاهر آيات كثيرة لا مجال لذكرها ، وخلق بعض الأشياء من بعض كخلق المضغة من العلقة وخلق

١٠٧

الجنين من المضغة ليس معناه أن خالق الجنين هو المضغة ، بل الله خلقه منها ، ومن ذلك يظهر أن ما في بعض الروايات من أن (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا) أو أن الله خلق من نورهم بعض الخلق ليس معناه أن فاضل الطينة أو نورهم هو الخالق ، بل الخالق هو الله كخلقه الإنسان من الطين ، والله العالم.

علم النبي (صلَّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)

ينسب إلى سماحتكم أنّكم تعتقدون بأنّ علم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمة الهداة (عليهم السّلام) علم حضوري وليس حصوليّا ، وأنّهم محيطون بكلّ ما يعلمه الله سبحانه ، وأنّكم قلتم إنّ علمهم (عليهم السّلام) علم حضور وإحاطة لا علم حصول وإخبار. كما أنّه نُسب إليكم القول بأنّهم (عليهم السّلام) يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون ، وكلّ ذلك بالقدرة الموجودة فيهم على فعل هذه الأشياء ، ومعنى هذا أنّ المعاجز ليست من فعل الله الذي يجريها على أيديهم ، بل إنّه سبحانه جعلهم الفاعلين لكلّ ما ذكرناه ، فهل هذا الكلام صحيح؟ وما مدى صحّة ما نُسب إليكم؟

باسمه تعالى هذه النسبة غير صحيحة ، نعتقد إجمالًا بأنّهم عالمون بما علَّمهم الله تعالى تفضّلًا منه عليهم وتكرّماً لهم وإجابةً لما يحتاجون ويحتاج الناس إليه ، ولهم الولاية التكوينية إجمالًا ، وهم فاعلون بإذن الله التكويني فيما هو صلاح عندهم ، والله هو الخالق الرازق المحيي المميت.

العلوم التشريعية لأمير المؤمنين (عليه السلام)

إذا كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) قد منح بعض أصحابه كرُشيد الهجري وسلمان الفارسي علم المنايا والبلايا ، فمن باب أولى أنّه (عليه السّلام) كان يحمل هذا العلم. إذن كان يعلم بأجله ووقت منيّته. على ضوء ذلك : ما هي فضيلة أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قضية المبيت على فراش النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ليلة الهجرة ، وهكذا بروزه لعمرو بن عبد ود يوم

١٠٨

الخندق ، وغير ذلك من مواطن تعرّضه لحتفه؟

باسمه تعالى الذي يعلمه الإمام علي (عليه السّلام) هو ما كان في لوح المحو والإثبات ، والعلم به لا ينافي المباشرة بأمر لا يعلم حاله في اللوح المحفوظ ، ولذا كان الإقدام على أمر بتكليف من الله أو من رسوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سواء أكان الأمر عامّاً أو خاصّاً لا ينافي ما يترتّب على الإطاعة من الفضيلة ، مع عدم العلم بواقع ذلك العمل في اللوح المحفوظ ، هذا أوّلًا. وثانياً لم يثبت عندنا أنّ الله سبحانه يظهر للنبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فضلًا عن الأئمة (عليهم السّلام) في كلّ واقعة حقيقتها الواقعية ، وإذا اقتضت المصلحة الإلهيّة خفاء أمرها عن النبي أو الإمام (عليهما السّلام) فتخفى عنهما ، ولذا سأل علي (عليه السّلام) ليلة المبيت : «أو تسلم يا رسول الله»؟ والله العالم.

رجوع الشمس لأمير المؤمنين (عليه السلام)

ورد في رواية أنّ الشمس رُدّت للإمام علي (عليه السّلام) بعد أن غربت :

أ) هذه الرواية ثابتة سنداً أم لا؟

ب) على فرض ثبوتها سنداً ، أو لا يلزم من ذلك إعادة للمعدوم الذي ثبت استحالته؟

ج) وعلى فرض كلّ ذلك ثبوتاً ، أو لا يلزم من ذلك أنّ الإمام (عليه السّلام) أخّر الصلاة حتّى خرج وقتها؟

باسمه تعالى أ) نعم ، هي ثابتة سنداً ، والله العالم.

ب) زوال وصف الشيء ثمّ إعادته ليس من إعادة المعدوم ، والله العالم.

ج) التأخير في موارد المزاحمة مع الأهمّ لا محذور فيه ، والله العالم.

إمامة الإمام علي (عليه السلام) في حياة الرسول (صلَّى الله عليه وآله)

هل كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إماماً في حياة الرسول؟

١٠٩

باسمه تعالى جعلت الإمامة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) من الأول وإن كانت فعلية الإمامة بعد النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وكذا سائر الأئمة (عليهم السّلام) ، والله العالم.

حضور الإمام علي (عليه السلام) في القبر

هل الروايات الواردة في شأن حضور أمير المؤمنين (عليه السّلام) في القبر وعند المحتضر تدلّ على الحضور الحقيقي وعلى فرضه كيف يستقيم ذلك مع فكرة أنّ الشيء المحدود لا يتعدّد وجوده في عدّة أماكن في آن واحد أو أنّها تُوجّه وتُؤوّل ببعض التأويلات ، كما ادّعى البعض أنّها تدلّ على رؤية الموالي آن ذاك لثمرة تولَّيه لأمير المؤمنين وسيّد الوصيين (عليه أفضل الصلاة والسلام)؟

باسمه تعالى يحضر بوجوده النوري لا بوجوده المادّي ؛ فإنّ الوجود النوري مخلوق قبل وجوده المادي كما في بعض الروايات المعتبر بعضها ، ولا يترتب على وجوده النوري شيء من المحاذير التي ذُكرت بأنّه كيف يتعدّد وجوده في أمكنة متعدّدة في آن واحد ، والله العالم.

حول الشهادة الثالثة

هل يجوز قراءة الشهادة الثالثة (أشهد أن علياً ولي الله) في الصلوات الواجبة والمستحبة بعد الشهادتين؟ وهل تبطل الصلوات بقراءتها؟ وهل يجوز قراءتها استحباباً أو بقصد غير جزئيتها؟

باسمه تعالى الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) بالولاية من شعائر الشيعة واتباع مذهب أهل البيت (عليهم السّلام) ولا تترك في الأذان بعنوان شعار المذهب ، ولا بأس بذكرها بعد الشهادتين في جميع الصلوات المستحبة ، وكذا في الإقامة ، وأما في صلاة الفريضة ففي المقام كلام لا يتسع له المجال ، والأحوط تركها فيها ، وتذكر في تعقيباتها. ثبتنا الله وإياكم على ولاية الإمام علي بن أبي طالب والأئمة من بعده (عليهم السّلام).

١١٠

حصل في الآونة الأخيرة بعض التشكيكات حول الشهادة الثالثة لأمير المؤمنين الإمام علي (عليه السّلام) خصوصاً في الأذان. فما هو رأيكم الشريف بها في الأذان؟

باسمه تعالى الشهادة الثالثة في الأذان صارت شعاراً للشيعة ويجب حفظ شعار الشيعة لتبليغ الأمر بالوصاية للناس ، خصوصاً في هذا الزمان حيث تكاثرت الهجمات ضد عقائد الشيعة من مخالفيهم ، والشهادة الثالثة لعلي (عليه السّلام) بالولاية ليست جزءاً لا من الأذان ولا من الإقامة ، وإنّما هي تبليغ للوصاية بعد النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كما أن الشهادة بالرسالة تبليغ للرسالة ، وقد ورد في الروايات ما مضمونه (إذا قلتم لا إله إلا الله محمد رسول الله فقولوا علي ولي الله) ، والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل.

بيعة الغدير

هل بيعة الغدير بيعة تنصيب للإمام علي (عليه السّلام) أو ترشيح؟

باسمه تعالى هي نصب للخلافة بأمر من الله سبحانه وتعالى حيث إنّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أخبر بولايته (عليه السّلام) بداعي النصب كما هو مدلول قوله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ولم يعلقها باختيار النّاس ، ولو كان ترشيحاً لقال : أيها النّاس أنتم مخيرون في أمركم من بعدي لا أن يقول : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ، كما قال ذلك باتفاق الفريقين ، والله العالم.

نهج البلاغة

هل يعتبر نهج البلاغة موثوقاً بكل ما فيه من خطب وكلمات للإمام علي (عليه السّلام)؟

باسمه تعالى كتاب نهج البلاغة بخطبة وغيرها من كلمات الإمام علي (عليه السّلام) ، صدوره من الإمام (عليه السّلام) معلوم إجمالًا ، وبعض ما ورد فيه من الخطب موجودة في كتب قبل تأليف الشريف الرضي ، وبعض الخطب مروية بطريق صحيح كعهده (عليه السّلام) لمالك الأشتر (رضى الله عنه) ، وقد ألفت كتب متعددة مرتبطة بهذا الكتاب يمكنكم مراجعتها ، والله العالم.

١١١

الإمام علي (عليه السلام) وقضية نصب زياد عاملًا

نحن نعلم بأن زياد بن أبيه ابن زنا ، إلَّا أن الإمام علياً أمير المؤمنين (عليه السّلام) استعمله على كرمان وفارس خلال فترة خلافته ، ونعلم بأن العامل هو الذي يقيم الجمعة والجماعة في منطقة ولايته ، فكيف يستقيم ذلك وهو غير طاهر الولادة؟ وكيف نوجه استعمال أمير المؤمنين (عليه السّلام) له رغم ذلك؟

باسمه تعالى على تقدير صحة هذا الأمر ونصب الإمام (عليه السّلام) لزياد حتى لصلاة ، الجمعة ، فقد عاش الإمام (عليه السّلام) ظرف تقية في زمان ولايته ، ولم يكن باستطاعته تغيير أمور كثيرة كان (عليه السّلام) يريد تغييرها ، وقضية صلاة التراويح قضية مشهورة ، وتعيين شريح القاضي الذي أفتى أخيراً بقتل سيد الشهداء (الحسين خرج عن دين جده فليقتل بسيف جده) ، ومن مظلوميته (عليه السّلام) مسألة تعيين زياد بعد أن لم يكن في رأي القوم اعتبار طهارة المولد في إمامة الجماعة وظاهر ولادته على فراش أبيه ، والله العالم.

الصديقة الطاهرة (عليها السلام) والشبح النوري

هل يجوز الاعتقاد بأنّ الصديقة الطاهرة السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) تحضر بنفسها في مجالس النساء في آن واحد ، في مجالس متعدّدة بنفسها ودمها ولحمها؟

باسمه تعالى الحضور بصورتها النورية في أمكنة متعدّدة في زمان واحد لا مانع منه ، فإنّ صورتها النورية خارجة عن الزمان والمكان ، وليست جسماً عنصرياً ليحتاج إلى الزمان والمكان ، والله العالم.

أنوار فاطمة (عليها السلام) قبل خلق الوجود

شكَّك بعض المؤلَّفين في هذه المقالة : إنّ أهل البيت بضمنهم فاطمة (سلام الله عليها) خُلقوا أنواراً قبل خلق الوجود ، وذكر أنّ الروايات في هذا الباب ضعيفة السند ، فما

١١٢

رأيكم في هذه المسألة؟ وهل هي من الأُمور المجمع عليها من الشيعة أو من الأُمور المشهورة الثابتة بنصوص معتبرة؟

باسمه تعالى قد ورد في الأخبار الكثيرة أنّ الله خلق نور فاطمة (سلام الله عليها) من نوره قبل خلق آدم ، يحتمل الكذب والوضع في جميعها ، كما ورد في معاني الأخبار بسند معتبر عن سدير عن الإمام الصادق (عليه السّلام) (١) صحّة مثل هذه الأُمور ، والاعتقاد بذلك وإن لم يكن واجباً ولم يكن من ضروريات المذهب من كمال الاعتقاد ، فمن اكتسبه من مصادره باليقين والاطمئنان فقد فاز به.

شبح الزهراء (عليها السلام) النوري قبل خلق آدم (عليه السلام)

شكَّك أحدهم في الروايات الواردة في أنّ نور فاطمة (سلام الله عليها) قد خُلق قبل أن يخلق الله الأرض والسماء ، ما رأيكم بذلك؟ علماً بأنّ التشدّد السندي لا يخرج بعض الروايات من دائرة الاعتبار ، كما نرى ذلك في رواية سدير الصيرفي التي يذكرها الشيخ الصدوق في معاني الأخبار (ص ٣٩٦ باب نوادر المعاني ، ح ٣٥).

باسمه تعالى ورد في بعض النصوص ومنها معتبر أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وآله المعصومين ومنهم الزهراء (سلام الله عليها) كانوا موجودين بأشباحهم النورية قبل خلق آدم (عليه السّلام) ، وخلقتهم المادّية متأخّرة عن خلق آدم كما هو واضح ، والله العالم.

خلق فاطمة (عليها السلام)

ما رأيكم فيمن يقول عن الزهراء (سلام الله عليها) وطبيعة ذاتها الشريفة ، وكذا عن السيدة زينب وخديجة الكبرى ومريم وامرأة فرعون ، ما نصّه : «وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيّات غير العادية في شخصيات هؤلاء النساء ، فإنّنا لا نجد هناك

__________________

١) معاني الأخبار : ص ٣٩٦ ، ح ٥٣.

١١٣

خصوصيّة إلَّا الظروف الطبيعية التي كفلت لهنّ إمكانات النموّ الروحي والعقلي والالتزام العملي بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعي في مسألة النموّ الذاتي .. ولا نستطيع إطلاق الحديث المسئول القائل بوجود عناصر غيبية مميّزة تخرجهنّ عن مستوى المرأة العادية ؛ لأنّ ذلك لا يخضع لأيّ إثبات قطعي ..»!!

باسمه تعالى هذا القول باطل من أساسه ، فإنّ خلقة الزهراء (سلام الله عليها) كخلقة الأئمة (عليهم السّلام) قد تمّت بلطف خاص من الله سبحانه وتعالى ، لعلمه بأنّهم يعبدون الله مخلصين له الطاعة ، ولا غرابة في اختصاص خلقة الأولياء بخصوصيات تتميّز عن سائر الخلق كما يشهد به القرآن الكريم في حقّ عيسى بن مريم (عليه السّلام) ، وقد ورد في الأخبار الكثيرة المشتملة على الصحيح ما يدلّ على امتياز الزهراء (سلام الله عليها) نحو ما ورد عند العامّة والخاصّة من تكوُّن نطفتها من ثمر الجنّة ، وما ورد في تحديثها لأُمّها خديجة وهي جنين في بطنها ، وما ورد من نزول الملائكة عليها كما في صحيح أبي عبيدة عن الصادق (عليه السّلام) أنّ فاطمة مكثت بعد أبيها خمسةً وسبعين يوماً ، وقد دخل عليها حزن شديد على أبيها ، وكان يأتيها جبرئيل فيحسن عزائها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه وما يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي (عليه السّلام) يكتب ذلك.

وما جرى عليها من الظلم أمر متواتر إجمالًا بلا حاجة للاستدلال عليه كما يشهد له خفاء قبرها إلى الآن ودفنها ليلًا! وما يكتب وينشر في إنكار خصوصية خلقها ، وإنكار ظلامتها ، فهو مشمول الحكم بكتب الضلال.

مرتبة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

أين تقع رتبة الزهراء بين سائر الأئمة؟

روي أن الإمام العسكري قال في الزهراء (هي حجة علينا) ، ما المراد بالحجة؟

١١٤

هل الحديث الدال على أن الزهراء كُفء عليّ يدل على اتحاد الرتبة؟

هل حديث «روحي التي ..» يدل على اتحاد رتبة الزهراء (سلام الله عليها) مع الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

ورد في زيارة الباقر (عليه السّلام) : «يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك» ، ما المراد بذلك؟

باسمه تعالى مما روى عن الإمام العسكري (عليه السّلام) كان عند الأئمة مصحف فاطمة (سلام الله عليها) وهو حجة على الأئمة في بعض أمورهم ؛ لأن فيه علم ما كان وما يكون ، كما في الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السّلام) «وعندنا مصحف فاطمة ..» ، وأما كمالات النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) والزهراء (سلام الله عليها) كل في رتبة مقام نفسه تامة ، إلَّا أن رتبة أحدهم بالإضافة إلى الآخر مختلفة ، فرتبة النبوة متقدمة على رتبة الوصاية ، ورتبة الوصاية متقدمة على رتبة الكفاءة المذكورة في الحديث الوارد في حقها ، فكما لا يعني قوله تعالى في آية المباهلة (وأَنْفُسَنا وأَنْفُسَكُمْ) ، ثبوت النبوة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) كذلك لا يعني الحديث المذكور في حق الزهراء (سلام الله عليها) وانها كُفء لعلي (عليه السّلام) وإن علياً (عليه السّلام) كُفء لها (سلام الله عليها) لا يدل على أن لها (سلام الله عليها) رتبة الوصاية ، وكذا ما ورد في حقها من قول النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بحق الزهراء (سلام الله عليها) وانها روحه التي بين جنبيه لا يدل على أن لها (سلام الله عليها) رتبة النبوة. وأما الامتحان المذكور في زيارة الزهراء (سلام الله عليها) فالمراد به علم الله بما يجري عليها وصبرها على جميع الابتلاءات السابقة على وجودها المادي الخارجي ممّا أوجب إعطاءها المقام الخاص بها كما هو جار في سائر الأئمة (عليهم السّلام) ، ويدلُّ على ذلك جملة من الأدلة منها ما ورد في حقهم في دعاء الندبة المعروف المشهور ، والله العالم.

الزهراء (عليها السلام) وأحزانها

ذكر بعض المؤلَّفين : أنّ بعض الحديث عن أحزان الزهراء (سلام الله عليها) غير دقيق ، أتصوّر

١١٥

أنّ الزهراء (سلام الله عليها) لا شغل لها في الليل والنهار إلَّا البكاء ، ولا أتصوّر أنّ الزهراء (سلام الله عليها) تبكي حتّى ينزعج أهل المدينة من بكائها ، مع فهمها لقضاء الله وقدره ، وأنّ الصبر من القيم الإسلامية المطلوبة حتّى لو كان الفقيد في مستوى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

فهل كثرة بكاء الزهراء (سلام الله عليها) وزين العابدين (عليه السّلام) أمر ثابت عند الشيعة أو لا؟

وهل كان بكاؤهما عاطفيا محضاً أو كان وظيفة يمارسها المعصوم لهدف من الأهداف؟ وعلى فرض كونه عاطفيّاً فهل يتنافى مع التسليم لقضاء الله وقدره ، خصوصاً مع كون الفقيد هو المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

باسمه تعالى ليس المراد ببكاء الزهراء (سلام الله عليها) ليلًا ونهاراً استيعاب البكاء لتمام أوقاتها الشريفة ، بل هو كناية عن عدم اختصاصه بوقت دون آخر ، كما أنّ البكاء إظهاراً للرحمة والشفقة لا ينافي التسليم لقضاء الله وقدره ، والصبر عند المصيبة ، فقد بكى النّبي يعقوب (عليه السّلام) على فراق ولده يوسف حتى ابيضّت عيناه من الحزن ، كما ذكر في القرآن ، مع كونه نبيّاً معصوماً.

وبكاء الزهراء (سلام الله عليها) على أبيها كما كان أمراً وجدانياً لفراق أبيها المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فقد كان إظهاراً لمظلوميتها ومظلوميّة بعلها (عليه السّلام) وتنبيها على غصب حقّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الخلافة ، وحزناً على المسلمين من انقلاب جملة منهم على أعقابهم ، كما ذكرته الآية المباركة (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) بحيث ذهبت إتعاب الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في تربية بعض المسلمين سدى.

كما أنّ البكاء على الحسين (عليه السّلام) من شعائر الله ، لأنّه إظهار للحق الذي من أجله ضحّى الحسين (عليه السّلام) بنفسه ، وإنكار للباطل الذي أظهره بنو أُميّة ، ولذلك بكى زين العابدين (عليه السّلام) على أبيه مدّة طويلة ، إظهاراً لمظلومية الحسين (عليه السّلام) وانتصاراً لأهدافه. ولا يخفى أنّ بكاء الزهراء وزين العابدين (عليهما السّلام) فترة طويلة من المسلَّمات عند الشيعة الإماميّة.

١١٦

الزهراء (عليها السلام) وضلعها المكسور

لقد ناقشني أحد الإخوة حول مظلومية الزهراء (سلام الله عليها) وكسر ضلعها فقال : إن كسر الضلع لم يثبت عن طريق الأئمة (عليهم السّلام) ، ما هو رأيكم؟

باسمه تعالى مظلومية الزهراء (سلام الله عليها) من المسلمات ولا يحتاج ثبوتها إلى أزيد من أنها أوصت بدفنها ليلًا لئلَّا يحضر جنازتها من ظلمها وأخفي قبرها ، والله العالم.

ظلامات الزهراء (عليها السلام)

ما رأيكم في مقولة من يقول : أنا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث التي تقول أنّ القوم كسروا ضلعها أو ضربوها على وجهها وما إلى ذلك .. وعند ما سئل : كيف نستثني كسر ضلع الزهراء مع العلم بأنّ كلمة (وإن) التي أطلقها أصل المهاجمة أعطت الإيحاء ، أضف إلى ذلك : كيف نفسّر خسران الجنين محسن؟ أجاب : قلت : إنّ هذا لم يثبت ثبوتاً بأسانيد معتبرة ، ولكن قد يكون ممكناً ، أمّا سقوط الجنين فقد يكون بحالة طبيعيّة طارئة؟!!

باسمه تعالى كفى في ثبوت ظلامتها وصحّة ما نقل من مصايبها وما جرى عليها خفاء قبرها ووصيّتها بأن تُدفن ليلًا إظهاراً لمظلوميّتها (سلام الله عليها) ، مضافاً لما نُقل عن عليّ (عليه السّلام) من الكلمات في الكافي (ج ١ ، ص ٤٥٨) عند ما دفنها ، كما في مولد الزهراء (سلام الله عليها) من كتاب الحجّة قال (عليه السّلام) : «وستنبئك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها ، فاحفها السؤال واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلًا ، وستقول ويحكم الله ، والله خير الحاكمين».

وقال (عليه السّلام) : «فبعين الله تُدفَنُ ابنتك سرّاً ويهضم حقّها وتمنع إرثها ، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله يا رسول الله المشتكى».

١١٧

وفي الجزء الثاني من نفس الباب بسند معتبر عن الكاظم (عليه السّلام) قال : «إنّها صدِّيقة شهيدة». وهو ظاهر في مظلوميّتها وشهادتها.

ويؤيّده ما في البحار (ج ٤٣ ، باب رقم ١١) عن دلائل الإمامة للطبري بإسناده عن كثير من العلماء عن الصادق (عليه السّلام) : «وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً أمره مولاه فلكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً»! والله الهادي للحق.

الاعتقاد بظلامات الزهراء (عليها السلام) له مساس تام بالولاية

أفي نظركم أنّ الظلامات التي تعرضت لها أمّ الأئمة الأطهار فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) من قبل الحاكمين في ذلك الوقت مثل : (غصبها فدكاً ، والهجوم على دارها ، وكسر ضلعها ، وإسقاط الجنين المسمّى بمحسن بن علي (عليه السّلام) ، ولطمها على خدها ، ومنها البكاء على فقد أبيها رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وما إلى ذلك من ظلامات) لها ارتباط بصميم عقائدنا من التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد .. أم لا؟

باسمه تعالى إنّ ما ثبت من الظلامات الكثيرة التي جرت على الصديقة الزهراء فاطمة (عليه السّلام) لها مساس تام بالولاية التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام ، وهو صريح عدة من النصوص المعتبرة منها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) : «بُني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية». ويظهر مساس هذه الظلامات بالولاية لمن تأمل وتمعّن في ملابسات هذه الحوادث ودوافعها ، والله العالم.

مصحف فاطمة (عليها السلام)

ذكر بعض المؤلَّفين أنّ الزهراء (سلام الله عليها) أوّل مؤلَّفة في الإسلام ، فإنّها كانت تكتب ما تسمع من أبيها المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من أحكام ومواعظ وجمعت في كتاب وسُمّي مصحف فاطمة ، ما رأيكم في هذه المقالة؟ وهل هي موافقة لمعتقد الشيعة في مصحف فاطمة؟

١١٨

باسمه تعالى المراد بمصحف فاطمة (سلام الله عليها) ما ورد في الروايات المعتبرة في الكافي من «أنّ ملكاً من الملائكة كان ينزل على الزهراء (سلام الله عليها) بعد وفاة أبيها ويسلَّيها ويحدّثها بما يكون من الأُمور ، وكان عليّ (عليه السّلام) يكتب ذلك الحديث ، فسُمّي ما كُتب مصحف فاطمة» (١).

فهو ليس قرآناً كما توهّمه أو افتراه أعداء الشيعة ، ولا كتاباً مشتملًا على الأحكام كما ذكر في السؤال ، بل ذلك غريب مخالف للنصوص المعتبرة ، كما أنّه لا غرابة في حديث فاطمة (سلام الله عليها) مع الملائكة ، فقد ذكر القرآن أنّ الملائكة حدَّثت مريم ابنة عمران (وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٢) ، ومن المعلوم عندنا نحن الشيعة أفضليّة الزهراء (سلام الله عليها) على مريم ابنة عمران ، كما ورد في النصوص المعتبرة من أنّ مريم سيّدة نساء عالمها وأنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين.

هل يوجد لدى الشيعة قرآن أو مصحف يسمى قرآن أو مصحف فاطمة (عليه السّلام) غير القرآن الذي بين أيدينا؟

باسمه تعالى دعوى أنّ عند الشيعة قرآن غير القرآن المعروف عند سائر المسلمين افتراء عليهم ؛ فلا يوجد عند علماء الشيعة ولا عند عوامهم غير هذا القرآن المعروف عند كل مسلم ، وأمّا ما عرف عندهم من وجود مصحف فاطمة (سلام الله عليها) فليس هو بالقرآن وإنّما هو أمور أمليت على فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) وهو محفوظ عند الأئمة (عليهم السّلام) ، وليس عند علماء الشيعة. والله المستعان.

عصمة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

هل الاعتقاد بعصمة الزهراء (سلام الله عليها) من ضروريات مذهبنا؟

باسمه تعالى نعم ، هي من ضروريات مذهبنا كعصمة سائر الأئمة (عليهم السّلام) ، والله العالم.

__________________

١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، ح ٢ وص ٢٤١ ، ح ٥.

٢) سورة آل عمران : الآية ٤٢.

١١٩

امتحان الصدِّيقة (عليها السلام) في عالم الذر

جاء في زيارة الصديقة الشهيدة الزهراء البتول (سلام الله عليها) ما نصّه : «امتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك به صابرة». فما هو تفسير الامتحان قبل الخلق ، وكونها (سلام الله عليها) صابرة؟

باسمه تعالى لعلّ الامتحان راجع إلى عالم الذر ، وخلق الأرواح في الصور المثالية قبل خلق الأبدان ، والله العالم.

الصدِّيقة الطاهرة (عليها السلام) في آية المباهلة

بالنظر إلى آية المباهلة ، وما تظافرت به الروايات والزيارات (كزيارة الجامعة الكبيرة مثلًا) هل يمكن القول بأنّ الأئمة الاثني عشر والزهراء (سلام الله عليها) هم أفضل من الخلق كافّة ، سوى الرسول الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

باسمه تعالى نعم ، القول المزبور متعيّن بالنظر إلى الآية والروايات المشار إليها ، ويؤيدها الزيارات.

الصدِّيقة الطاهرة (عليها السلام) في آية التطهير

هل تعني آية التطهير (إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أنّ الزهراء (سلام الله عليها) طاهرة من كلّ خبث حتّى من الدماء الثلاثة؟

باسمه تعالى الآية تدلّ على الطهارة النفسانية المختصّة بالمعصومين (عليهم السّلام) بحيث لا يتوهم في حقّهم (عليهم السّلام) فعل المعصية أو ترك الواجب ، وأمّا الطهارة الجسدية فليست داخلة في مدلول الآية. نعم ، الزهراء (عليهم السّلام) مطهّرة من الدماء الثلاثة ، حيث ورد في حقّها في الرواية المعتبرة أنّها لا ترى دماً ، وأنّ بنات الأنبياء لا يطمثن ، والله العالم.

١٢٠