الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

آية الله الميرزا جواد التبريزي

الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: زيتون
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٢٠

كما علق (رحمه الله) على كلمة الصدوق في النقطة الثالثة بقوله : رحم الله الصدوق ، فإن مؤدى كلامه هو أنّ جميع البشر أتباع الشيطان ، وإنّا كلَّنا نصلي ونصوم ، فهل إذا سهونا نكون أتباعاً للشيطان؟! (١).

الجهة الثالثة ؛ مناقشة الصدوق في رأيه :

اعتمد الشيخ الصدوق في هذا الرأي على شيخه المذكور ، والملاحظ أنّ الشيخ الصدوق متأثر بأستاذه هذا كثيراً ، وهو لشدة اعتماده عليه يقول في غير هذا المورد : إن كل من وثقه محمد بن الحسن بن الوليد فهو ثقة عندي ، وكل من ضعفه فهو ضعيف.

وما صدر عن هذين العظيمين غير صحيح ، والدليل على ذلك أُمور ستأتي تباعاً إن شاء الله تعالى ، والجواب عما ذكره في كلامه ينحل إلى النقاط المذكورة سابقاً ، أمّا الجهة الأولى فنقول فيها :

إن الروايات التي استند إليها الصدوق ليست واقعة موقع القبول ، والذي يرشد إلى ذلك أُمور :

الأمر الأول : أنّ في هذه الروايات نفسها قرينة على عدم اعتبارها ، والقرينة هي : أنّها بينت أنّ الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد أتمّ صلاته من حيث قطعها بعد صدور الكلام العمدي منه ، مع أنّ الكلام العمدي مبطل للصلاة بلا ريب.

وأجاب بعضهم عن ذلك : بأن الكلام الصادر منه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سهوي أيضاً ؛ إذ إنّه كان

__________________

١) راجع عبارته في البحار : ج ١٧ ، ص ١٢٨ ، في ضمن رسالة ردّ بها على الشيخ الصدوق.

٤١

على يقين من نفسه بأنّه لم يكن في حال الصلاة ، فوقوع الكلام في أثنائها لم يكن عن قصد فهو سهوي ، والكلام السهوي لا يحتاج إلَّا إلى سجدتي السهو.

وهذا الجواب غير صحيح ، وعلى فرض صحته فإنّه لا يتأتى بالنسبة إلى الركعة الزائدة كما ورد في بعض الروايات من أنه صلى خمساً (١) ، فإنّ زيادة الركعة في الصلاة مبطلة لها ولو سهواً.

ووجه عدم الصحة هو : معارضته لما في بعض الروايات ؛ فإنّه لما سئل الإمام (عليه السّلام) فيها عمّن تكلم في الصلاة أجاب بلزوم الإعادة عليه.

وقد سئل الإمام (عليه السّلام) في هذه الروايات عن سر عدم إعادة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لصلاته ، فأجاب بأن الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يبرح مكانه. ولا يخفى أنّ في هذا ردا للأخبار الَّتي فيها أنّ من قام من مكانه ولو بلغ الصين ثمّ رجع يتم صلاته ، وسيأتي التعرض إليها وبيان أنّها محمولة على التقية ، فانتظر.

كما أنّ الروايات التي ذكرت أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يستقبل صلاته لأنّه لم يبرح مكانه محمولة على التقية أيضاً كما حملها على ذلك الشيخ الطوسي ، حيث إنّه لا يرى سهو النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مطلقاً لا في الأحكام ولا في غيرها ، وبيانه على ذلك هو : أنّ الناس حينما يرون وقوع السهو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لا يرون لقوله اعتباراً ، وإذا حدثهم بحديث عن جبرئيل (عليه السّلام) احتملوا وقوع الاشتباه منه في ذلك وعدم نزول الوحي

__________________

١) محمد بن الحسن بإسناده عن سعد ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي (عليه السّلام) قال : «صلى بنا رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم : يا رسول اللّٰه ، هل زيد في الصلاة شيء؟ قال : وما ذاك‌؟ قال : صليت بنا خمس ركعات. قال : فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثمّ‌ سجد ، وكان يقول هما المرغمتان. قال الشيخ : هذا شاذ لا يعمل عليه لأنّ‌ من زاد في الصلاة يجب عليه الاستئناف ..». (الوسائل : ج ٥ ، الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٩).

٤٢

عليه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فيبطل أصل النبوة وينهد أساس الوحي ويندك بنيان الدين ، وينفتح الباب لمن لا يؤمن بنبوة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لإبعاد الناس عنه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ويرى عوام الناس أن لأُولئك العذر في قولهم : إنّه شاعر أو مجنون ..! ولكن الملاحظ أنّ محاولة أُولئك باءت بالفشل ، ورأى الناس خلاف ما نسبوه إليه وأقرّت عقولهم بصدق النبوة وتمامية الحجّة في قوله تعالى (وإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِه وادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١).

وعلى هذا الأساس ذهب الشيخ الطوسي والسيد المرتضى والشيخ المفيد إلى ضعف كلام الصدوق ، وهؤلاء الأجلاء داخلون بحسب كلام الصدوق المتقدم في جملة الغلاة والمفوضة ، وكذلك كبار القميين من أمثال محمد بن عيسى ، وأحمد بن محمد بن خالد وغيرهما ..

الأمر الثاني : أنّ الأخبار التي تضمنت سهو النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مبتلاة بالمعارض ، فإن في موثقة زرارة ما ينفي أن الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سجد سجدة سهو في حياته قط :

فقد روى الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليه السّلام) : هل سجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سجدتي السهو قط؟ قال : لا ، ولا يسجدهما فقيه» (٢).

والرواية موثقة بعبد الله بن بكير ، وكلنا يعلم مقام زرارة من الإمام (عليه السّلام) فإنّه ممّن يلقي إليه بسره ، وقد سأل الإمام (عليه السّلام) عن سجود النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سجدتي السهو وهو الأمر الذي يقول به العامة ، فأجاب (عليه السّلام) بالنفي ، وأضاف إلى ذلك قوله «لا يسجدهما فقيه» ،

__________________

١) سورة البقرة : الآية ٢٣.

٢) الوسائل : ج ٥ ، الباب ٣ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ١٣.

٤٣

والمراد من الفقيه هنا هو الإمام (عليه السّلام) فإنّه الفقيه المطلق.

وعند حصول التعارض بين طائفتين من الروايات تجري قواعد باب التعارض ، والمقرر في مذهبنا في حالة التعارض بين روايتين إحداهما توافق مذهب العامّة والأُخرى تخالفه هو الأخذ بالرواية المخالفة لقول العامة وطرح الرواية الموافقة لهم ، ولا يلزم من طرح تلك الروايات لموافقتها للعامة الخروج عن الدين ولا أي إشكال آخر.

وقال الشيخ بعد أن نقل هذه الرواية : «الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر» (١).

فإن قال قائل للشيخ : لماذا نقلت روايات السهو وأنت تنفيه عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)؟

يقال له : إنّ تلك الروايات تضمّنت حكم الكلام السهوي في الصلاة ، الذي لا يصدر من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولا الإمام (عليه السّلام) ، فيستفاد منها عدم بطلان صلاة من تكلم كلاماً سهوياً وأن عليه إتمام صلاته.

ونحن نقول للشيخ : إنّ هذه الروايات محمولة على التقية ؛ لأن فيها : «من قام من مقامه» ، بل في بعضها «لو ذهب إلى الصين ثم تذكَّر أنّه لم يكمل صلاته وجب عليه الإتمام». وهذا مسلك العامة ، فتحمل هذه الروايات على التقية ولا تدل على وقوع السهو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

مضافاً إلى أنّ الكلام العمدي مبطل للصلاة كما أشرنا إليه سابقاً.

نعم هناك رواية فيها : «فَلِم رسول الله لم يستقبل صلاته وإنّما أتم ما بقي؟ فقال (عليه السّلام) : لأنّه لم يبرح من مكانه ولو برح لأتم ما نقص» (٢).

__________________

١) عبارة الشيخ في التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٥١ ، «قال محمد بن الحسن : الذي أفتي به ما تضمّنه هذا الخبر. فأما الأخبار التي قدمناها من أنّ‌ النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) سها فسجد فإنّها موافقة للعامة ، وإنما ذكرناها لأنّ‌ ما تضمّنته من الأحكام معمول بها على ما بيّناه».

٢) الوسائل : ج ٥ ، الباب ٣ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ٧ و ١٠.

٤٤

وأما الروايات التي أشرنا إليها فمنها :

١ ـ صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : «سألته عن رجل صلَّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر وهو بمكة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلَّى ركعتين ، قال : يصلي ركعتين» (١).

والمراد من الركعتين اللتين يأتي بهما هما الأخيرتان اللتان تتم بهما الصلاة ؛ والقضية المروية عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كانت في صلاة الظهر أو صلاة العشاء كما قال بعض نقلًا عن العامة (٢).

٢ ـ موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليه السّلام) : «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنّما صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : يبني على صلاته فيتمها ولو بلغ الصين ولا يعيد الصلاة» (٣).

فالصحيح هو ما رواه الشيخ بالسند الموثق من أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يسجد سجدتي السهو قط ولا يسجدهما فقيه.

وعلى هذا الأساس فجميع هذه الروايات محمولة على التقية كما ذهب إليه الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) ، ولذلك كان الإمام الصادق (عليه السّلام) يقول : «إنّي لا أقدر أن أخالف ابن أبي ليلى»! فالأئمة (عليهم السّلام) كانوا في حال تقيّة فلم يقدروا على المخالفة ، فنقلوا الرواية عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تقية ، ولكن أصحاب البصيرة يعرفون ذلك فيميزون بين الروايات الواردة عنهم (عليهم السّلام) بنحو التقية وبين غيرها ، فالرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمة (عليهم السّلام) لا يسهون ولا يشتبهون.

__________________

١) الوسائل : ج ٥ ، الباب ٣ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ١٩.

٢) قال صاحب البحار : ج ١٧ ، ص ١١٤ : ففي أكثر أخبارنا أنّها كانت صلاة الظهر ، وفي أكثر أخبارهم أنّها كانت صلاة العصر.

٣) الوسائل : ج ٥ ، الباب ٣ من أبواب الخلل في الصلاة ، الحديث ٢٠.

٤٥

الأمر الثالث : ذكر علماؤنا (قدست أسرارهم) كما فصله المجلسي في البحار (١) : أنّ روايات اعتراض ذي الشمالين على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بقوله : «أحدث في الصلاة شيء»؟ مضطربة المتون ، وقد نقلت بعدة صور ، فنقل أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) صلَّى خمس ركعات ، وفي مورد آخر أنّه صلَّى ركعتين ، وفي ثالث ثلاث ركعات ، ونقل العامة أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قد نفى ذلك حينما سئل : «أنسيت أم قصرت الصلاة»؟ فقال : «إن كل ذلك لم يكن». أي أنّه صلَّى صلاة تامة صحيحة ، فقال له : بل غيرت في الصلاة ، وعلى بعض الروايات الأُولى والثانية أنّ النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سأل بعد ذلك القوم فصدقوا ذا الشمالين ، وبعد هذا الحوار قام الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأتى بباقي الصلاة ، ركعة أو ركعتين ، ولهذا رأى علماؤهم أن لا محيص من القول بعدم بطلان الصلاة بالكلام العمدي ، كما أنّه لهذه الجهة قال أئمتنا (عليهم السّلام) : حتى لو ذهب المصلي إلى الصين ثمّ رجع إلى مكانه يتم ما نقص من صلاته ، وليست جميع الأخبار بهذا النحو ، وعلى كل حال فهذا الاضطراب الحاصل في الخبر يسقطه عن الاعتبار.

الأمر الرابع : إن ذا اليدين شخص مجهول الحال ، ومقدار ما يعرف عنه من حياته أنّه رجل استشهد في غزوة بدر ، فلا يركن إلى الرواية.

قالوا : إنّ هناك رجلًا آخر اسمه ذو اليدين أيضاً وهو راوي الحديث.

قلنا : إن ذا اليدين المقتول في بدر يعرف بذي الشمالين وهو صاحب الواقعة في الحديث ، وقد أشار الإمام (عليه السّلام) في صحيحة الأعرج المتقدمة إلى أن ذا اليدين يدعى ذا الشمالين ، فذو اليدين الأوّل هو الذي يدعى ذا الشمالين وهو الذي قُتل في بدر وهو الذي سأله الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وهذا يعني أن ذا اليدين الأوّل المذكور في الحديث لا ربط له بذي اليدين الثاني ، فإنّ الثاني لا يسمى بذي الشمالين ، فالإمام (عليه السّلام)

__________________

١) بحار الأنوار : ج ١٧ ، ص ١١٤.

٤٦

بيّن بطلان هذه القضية بهذا البيان ؛ أي إنّ أبا هريرة راوي الحديث لم يلتق بذي اليدين المروي عنه حتى ينقل عنه ، فإنّه أسلم في السنة السابعة من الهجرة ، ومات ذو الشمالين في السنة الثانية كما قدّمنا ، مضافاً إلى كون ذي اليدين مجهول الحال (١).

قالوا : لا عيب في ذلك ، فإن أبا هريرة كان كافراً حين وقوع الحدث ثمّ أسلم ، فروى الواقعة أبو هريرة عنه بواسطة أحد الصحابة بأن ذا الشمالين قال كذا وكذا ..

ولكن هذا الجواب غير منسجم مع ما في متن الرواية المنقولة عن أبي هريرة ، فإنّ فيها : «عن أبي هريرة قال : صلَّى بنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت فصلَّى بنا ركعتين ثمّ سلم ..» (٢).

وأمّا دعوى الصدوق (رحمه الله) بأن ذا اليدين رجل معروف وقد روى عنه المؤالف والمخالف .. إلى آخر كلامه ، فقد أجيب عنها : بأنّه لم يرو عنه أحد من أصحابنا أبداً ، ولم يذكر في كتبنا الرجالية أصلًا ، ولم يصنّف عندهم في الرواة ، وأنّ هذه الرواية التي تعرضت لذكره إنما رويت من طرقنا عن الأئمة (عليهم السّلام) بنحو التقية. بل قيل والعهدة على الناقل فإنّي لم أفحص عنه في كتب العامة : إن هذا الرجل غير موجود حتى في تراجم رجال العامة (٣) ، ولم توجد رواية كان هو الراوي لها ، فكيف يقول الصدوق

__________________

١) ربما يقال : بأنّ‌ جهالة ذي الشمالين غير مضرة في قبول الحديث؛لأنّه لم يكن راوياً للحديث وإنما نقل عنه ما قاله للرسول (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم). فيقال : إن ضرر الجهالة هنا ليس من جهة كونه راوياً أو غير رأو ، بل من حيث إنّه الرجل الوحيد الذي ردَّ على الرسول وفي المسجد كبار الصحابة والهاشميين ، ممّا يوحي إلى أنّه الملتفت في ذلك الجمع لا غيره مع احتمال أنّه أحد الأعراب.

٢) البخاري : الحديث رقم ٤٦٠ ، كتاب الصلاة.

٣) أمّا الروايات فقد بحثتُ‌ في كتبهم التسعة في الحديث المعتبرة عندهم بواسطة الكمبيوتر فلم أر رواية

٤٧

عنه : روى عنه المؤالف والمخالف؟! وبهذا يندفع ما ذكره في النقطة الرابعة من كلامه.

وأمّا ما ذكره في النقطة الثانية من كلامه أعني المصلحة المزعومة ، أي أن نوم الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) إنّما هو من أجل أن يعلم الناس بأنّه كان ينام وأن الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله عز وجل فيرد عليه : أن الله سبحانه أمر نبيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أن يقوم في الليل من نومه فقال (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَه أَوِ انْقُصْ مِنْه قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْه ورَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وأَقْوَمُ قِيلًا) (١) ، فالناس يعلمون بذلك سابقاً ولاحقاً فلا حاجة لتعليمهم بهذه الطريقة (٢).

وأمّا قوله بأنّ الحكمة اقتضت ذلك ، فرواية سعيد الأعرج برواية الكليني

__________________

عنه بهذا العنوان غير هذه الرواية التي نقل فيها أبو هريرة كلامه مع الرسول (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) ، وأما كتبهم الرجالية فقد وقفت على ذكره في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة : ج ١ ، ص ٤٢٢؛وج ٣ ، ص ٣٣ ، أمّا ما في الأوّل فهو : «الخرباق السلمي ثبت ذكره في صحيح مسلم من حديث عمران بن حسين أنّ‌ رسول اللّٰه سلم عن ثلاث ركعات ثم دخل منزله ، فقام إليه رجل يقال له الخرباق ، وروى العقيلي في الضعفاء والطبراني من طريق سعيد بن بشير فذكر حديث السهو ، قال ابن حبان : هو غير ذي اليدين ، وقيل هو هو». وأمّا ما في الجزء الثالث فهو : «٦٠٤١ ، عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو الخزرجي .. كذا نسبه ابن الكلبي ، وأبو عمر إلى نضلة بن عمرو فقال : ابن غسان بن سليمان بن مالك بن أفصى ، قال ابن إسحاق : كان يعمل بيديه جميعاً فقيل له ذو اليدين وشهد بدراً واستشهد بها ، وقال أبو عمر : قتل بأحد وزعم أنّه ذو اليدين وليس بذي الشمالين المقتول ببدر ، وجزم ابن حبان بأنّه ذو اليدين وغيره بأنّه ذو الشمالين». ويمكن أن يوجد ذكره في غير هذا الكتاب إلّا أنّني اكتفيت بذلك.

١) سورة المزمل : الآيات ٢ ـ ٦.

٢) كما أنّ‌ هناك آيات صرّحت بأنّه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) بشر رسول ، قال تعالى قُلْ‌ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ‌ يُوحىٰ‌ إِلَيَّ‌ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ‌ إِلٰهٌ‌ وٰاحِدٌ (سورة الكهف : الآية ١١٠) ، وقال تعالى : .. قُلْ‌ سُبْحٰانَ‌ رَبِّي هَلْ‌ كُنْتُ‌ إِلاّٰ بَشَراً رَسُولاً. (سورة الإسراء : الآية ٩٣).

٤٨

والشيخ لا يوجد فيها كلمة النوم ، بل ذكر فيها السهو وأنّه من أجل أن لا يعيب بعضهم على بعض ، ومن المطمئن به أنّ هذه الزيادة إنما هي من كلام الصدوق وأنّه هو الذي ذكرها في الفقيه ، فحقّ السهو عليه لا على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

الجهة الرابعة ؛ ذكر بعض أدلة العامة على سهو النبي (صلَّى الله عليه وآله) :

استدل بعض العامة على وقوع السهو من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) : بأنّ الله سبحانه أمر النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعدم القعود مع الظالمين إذا نسي ثمّ تذكر بقوله تبارك وتعالى (وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) ، بعد قوله تعالى (وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه) (٢).

وللجواب عن هذه الشبهة نذكر أوّلًا هذا التنبيه :

إنّ كلمة النسيان الواردة في القرآن وفي الاستعمالات البلاغية تأتي بمعاني ، منها :

١ ـ ذهاب الفكرة من ذهن الإنسان بعد إدراكها.

٢ ـ الغفلة عن أصل الأمر.

٣ ـ النسيان العملي ، بمعنى الترك ، أي ترك الشيء عملًا فكأنّما هو ناس له. ويستعمل هذا المعنى في القرآن وفي غيره من الاستعمالات العربية كثيراً ، قال الله تعالى في حق أهل النار (الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) (٣) ، أي نترككم ، إذ لا يعقل في حق الله سبحانه وتعالى النسيان بمعنى الغياب عنه.

والمراد من النسيان في الآية هو المعنى الثالث ، إذ النسيان الحاصل من

__________________

١) سورة الأنعام : الآية ٦٨.

٢) ينقل هذا القول عن الجبائي ، راجع البحار : ج ١٧ ، ص ٩٨.

٣) سورة الجاثية : الآية ٣٤.

٤٩

الشيطان هو الترك لا الغفلة ولا إذهاب الفكرة. وبعد اتضاح هذا نقول في الجواب عن الاستدلال : إنّ النسيان في الآية المباركة لم يصدر من الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) فلم يكن الغرض من خطابه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بذلك هو توجيه التكليف إليه ، بل المراد من الخطاب هو جعل التكليف لسائر المؤمنين ؛ وذلك لأن الخطابات القرآنية كما ذكر أهل البلاغة وأصحاب التفسير نزلت على نحو «إياك أعني واسمعي يا جارة» (١) ، نظير ما إذا أراد الأب أن ينهى أولاده عن فعل شيء قبيح فيوجه الخطاب إلى ولده الأكبر وهو يعلم أنّه لا يفعله فيرتدع الباقون ، وهذا الأُسلوب في الخطاب من روائع الكلام ولطف الحديث ، فإنّ توجيه النهي لأقرب الناس من المتكلم مع ثقته به واطمئنانه بعدم قيامه بالفعل المنهي عنه موجب لردع الآخرين وزجرهم بنحو أقوى من اختصاص الخطاب بغيره وتوجيهه إلى الآخر المقصود بالنهي ، والمسوغ لهذا اللون من الخطاب مع علم المتكلم بعدم عصيان المخاطب هو وجود ملاك النهي فيه ، أعني القدرة على المخالفة والعصيان ، وإلَّا كان الخطاب لغواً. وكذلك الأمر في الخطابات القرآنية ومنها الآية الكريمة المذكورة ، فإنّ المصحح لها مع علمه تبارك وتعالى بعصمة النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ونزاهته هو وجود ملاك النهي فيه ، وهو قدرته على المخالفة والمعصية ، إذ العصمة لا تسلب المعصوم قدرته على المخالفة كما قدمنا الكلام فيها ؛ فا لله سبحانه وتعالى يوجّه الخطاب إلى النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعدم الجلوس في المكان الذي يساء فيه إلى القرآن والدين حتى يعلم الناس بعدم جواز الجلوس في مثل ذلك المكان وأنّ هذا الحكم موجّه للجميع من دون أن يراد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بقوله تعالى (وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ) (٢).

__________________

١) مروي عن ابن عباس.

٢) وهناك آيات كثيرة بهذا النحو منها :

٥٠

وعليه ، فلا دلالة في هذه الآية على تحقق النسيان من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

المقام الثاني : في نوم النبي (صلَّى الله عليه وآله) عن الصلاة :

استثنى بعض أصحابنا نوم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وقالوا بإمكان النوم عليه عن الصلاة لمصلحة ما ، لأن النوم غير السهو ، وأمّا ما هي المصلحة فلا يعلمها إلَّا الله ، وأمّا نحن فقاصرون عن معرفة ذلك ، فيمكن أن تكون المصلحة هي أن يعلم الناس بحكم القضاء وأن يجوز الإتيان بالنافلة قبل الفريضة مع فوتهما كما في صحيحة زرارة (١).

ولكن هذا المعنى من النوم الذي احتملوه لا يجتمع مع ما في صحيحة عبد الله بن سنان ؛ لأن فيها كما رواه حتى العامة قول الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عند ما طلعت

__________________

(وَلَئِنِ‌ اتَّبَعْتَ‌ أَهْوٰاءَهُمْ‌ بَعْدَ الَّذِي جٰاءَكَ‌ مِنَ‌ الْعِلْمِ‌ مٰا لَكَ‌ مِنَ‌ اللّٰهِ‌ مِنْ‌ وَلِيٍّ‌ وَلاٰ نَصِيرٍ) سورة البقرة : الآية ١٢٠ (وَلاٰ تَجْعَلْ‌ مَعَ‌ اللّٰهِ‌ إِلٰهاً آخَرَ فَتُلْقىٰ‌ فِي جَهَنَّمَ‌ مَلُوماً مَدْحُوراً). سورة الإسراء : الآية ٣٩. (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ‌ اتَّقِ‌ اللّٰهَ‌ وَلاٰ تُطِعِ‌ الْكٰافِرِينَ‌ وَالْمُنٰافِقِينَ‌). سورة الأحزاب : الآية ١ (لَئِنْ‌ أَشْرَكْتَ‌ لَيَحْبَطَنَّ‌ عَمَلُكَ‌ وَلَتَكُونَنَّ‌ مِنَ‌ الْخٰاسِرِينَ‌) سورة الزمر : الآية ٦٥.

١) وهي التي رواها في الوسائل : ج ٣ ، ص ٢٠٧ ، الباب ٦١ من أبواب المواقيت ، الحديث ٦ ، وهي : وروى الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : قال رسول اللّٰه (عليه السّلام) : إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة ، قال : فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني ، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه السّلام) فحدثني أنّ‌ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) عرس في بعض أسفاره وقال : من يكلؤنا؟ فقال بلال : أنا. فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال : يا بلال ، ما أرقدك‌؟ فقال : يا رسول اللّٰه ، أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم. فقال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) : قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة. وقال : يا بلال ، أذّن. فأذّن ، فصلّى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ، ثمّ‌ قام فصلى بهم الصبح ، ثمّ‌ قال : من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإن اللّٰه عز وجل يقول (وَأَقِمِ‌ الصَّلاٰةَ‌ لِذِكْرِي) قال زرارة : فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال : نقضت حديثك الأوّل. فقدمت على أبي جعفر (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) فأخبرته بما قال القوم ، فقال : يا زرارة ، إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً وأنّ‌ ذلك كان قضاء من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم.

٥١

الشمس عليهم : «نمتم بوادي الشيطان». والرواية هي :

محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : «سمعته يقول : إنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ، ثمّ استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثمّ صلَّى الصبح وقال : يا بلال ، ما لك؟ فقال بلال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله. قال : وكره المقام وقال : نمتم بوادي الشيطان» (١).

فإن معنى هذا هو أنّ النوم الذي حصل للرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مثل أي نوم يحصل لسائر الناس ، وأنّه من الشيطان ، وهو ممتنع على الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لأنّه نوم يقتضي حصول الغفلة عند الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

وقد ورد في الروايات ذكر النوم الحاصل من الشيطان ، فإن فيها : يأتي الملك (٢) ويوقظ النائم إلى صلاة الصبح ، فإذا لم يقم ونام يأتي الملك ثانية ، وإذا لم يقم ونام مرة أُخرى يأتي الشيطان إليه فيلهيه عن القيام ويحسن له المنام حتى تطلع عليه الشمس ويفوته أداء الصلاة في وقتها. وقال الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها : «نمتم بوادي الشيطان». وهذا لا يجتمع مع ما ذكره الله تعالى في كتابه المنزل (إِنَّه لَيْسَ لَه سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُه عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَه والَّذِينَ هُمْ بِه مُشْرِكُونَ) (٣). فنحن نعلم بأنّ الشيطان لا يمكنه أن يؤثّر

__________________

١) الوسائل : ج ٣ ، ص ٢٠٦ ، الباب ٦١ ، الحديث ١٠.

٢) جاء في البحار : ج ٨٧ ، «المحاسن ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن خضر أبي هاشم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ‌ لليل شيطاناً يقال له الزهاء ، فإذا استيقظ‍‌ العبد وأراد القيام إلى الصلاة قال له : ليست ساعتك ، ثمّ‌ يستيقظ‍‌ مرّة أُخرى ، فيقول : لم يأن لك. فما يزال كذلك يزيله ويحبسه حتّى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر بال في أذنه ، ثمّ‌ انصاع يمصع بذنبه فخراً ويصيح ..».

٣) سورة النحل : الآيتان ٩٩ ـ ١٠٠.

٥٢

على النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) حتى في وقت النوم ، ولهذا كان نوم النبي حجة شرعية ، بل بعض ما يراه في نومه وحي منزل (١) ، كما في قضية إبراهيم (عليه السّلام) عند ما قال لابنه إسماعيل (عليه السّلام) (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) ، فأجابه ابنه وهو يعلم بأن ما رآه أبوه (عليه السّلام) إنّما هو رؤيا منام (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ) (٢). وهكذا موارد من رؤيا النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمة (عليهم السّلام) ، كرؤيا الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) القردة الذين ينزون على منبره ، والمراد بهم ملوك بني أُمية الذين سيأتون من بعده بسنين (٣) ، وكرؤيا سيد الشهداء (عليه السّلام) جده (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عند وداعه الأخير من المدينة أو ليلة

__________________

١) وقد ورد في تفسير قوله تعالى (وَمٰا كٰانَ‌ لِبَشَرٍ أَنْ‌ يُكَلِّمَهُ‌ اللّٰهُ‌ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ‌ وَرٰاءِ حِجٰابٍ‌ أَوْ يُرْسِلَ‌ رَسُولاً ..) سورة الشورى : الآية ٥١ ، أنّ‌ المراد من (وحياً) الرؤيا في المنام.

وفي البحار : ج ١١ ، ص ٤١ عن الكافي أيضاً : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار قال : كتب الحسن بن العباس المعروف إلى الرضا (عليه السّلام) : جعلت فداك ، أخبرني ما الفرق بين الرسول والنّبي والإمام‌؟ قال : فكتب أو قال : الفرق بين الرسول والنّبي والإمام أنّ‌ الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السّلام) ، والنّبي ربّما يسمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص.

٢) سورة الصافات : الآية ١٠٢.

٣) ورد في البحار : ج ٢٨ ، ص ٧٧ ، عن الكافي : العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن محمد الوليد ومحمد بن أحمد ، عن يونس بن يعقوب ، عن علي بن عيسى القماط‍‌ ، عن عمه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال : «رأى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلون الناس عن الصراط‍‌ القهقرى ، فأصبح كئيباً حزيناً. قال : فهبط‍‌ جبرئيل (عليه السّلام) فقال : يا رسول اللّٰه ، ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال : يا جبرئيل إني رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط‍‌ القهقرى. فقال : والذي بعثك بالحق نبياً إن هذا شيء ما اطلعت عليه ، فعرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها قال (أَفَرَأَيْتَ‌ إِنْ‌ مَتَّعْنٰاهُمْ‌ سِنِينَ‌ ثُمَّ‌ جٰاءَهُمْ‌ مٰا كٰانُوا يُوعَدُونَ‌ مٰا أَغْنىٰ‌ عَنْهُمْ‌ مٰا كٰانُوا يُمَتَّعُونَ‌) وأنزل عليه (إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ‌ فِي لَيْلَةِ‌ الْقَدْرِ. وَمٰا أَدْرٰاكَ‌ مٰا لَيْلَةُ‌ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ‌ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ‌ أَلْفِ‌ شَهْرٍ) جعل اللّٰه عزّ وجلّ‌ ليلة القدر لنبيه (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية. وجاء في البحار : ج ٩ ، ص ١١٩ عند الكلام حول قوله تعالى (وَمٰا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنٰاكَ‌ إِلاّٰ فِتْنَةً‌ لِلنّٰاسِ‌ وَالشَّجَرَةَ‌ الْمَلْعُونَةَ‌ فِي الْقُرْآنِ) .. (سورة الإسراء : الآية ٦٠) : «.. وفيه أقوال ثالثها : إن ذلك رؤيا رآها النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) في منامه أن قروداً تصعد منبره وتنزل ، فساءه ذلك واغتم به ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) ..».

٥٣

عاشوراء ، وأمثال هذه ..

فالغفلة وإلقاء الشيطان في قلب النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) غير ممكن حتى في حال النوم ، هذا هو اعتقادنا ، وهذه الرواية منافية له ؛ لأن في ذيلها «نمتم بوادي الشيطان». وبما أنّ هذا الخبر مما روته العامة فهو غير مسموع عندنا ، بل نقول : إن نوم النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن الصلاة حتى ولو لم يحصل منه أدنى ضرر فهو غير مقبول عندنا ؛ لأن عامة الناس لا يفهمون أنّ هذا النوم رحماني لا شيطاني فيقل اعتقادهم فيه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وتؤدي نتيجة ذلك عكس المطلوب لما يثيره هذا الأمر من حالة التنفير منه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).

فاعتقادنا هو أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والأئمة (عليهم السّلام) وسائر الأنبياء (عليهم السّلام) معصومون عن السهو والاشتباه ونوم الغفلة ، فإن وقوعها منهم يستلزم نقض الغرض وخلاف الحكمة ، وبه ينفتح الباب إمام أصحاب الحجج الواهية الذين يصطادون في الماء العكر وسيقولون : إنّ هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبي يسهو في أكله وشربه ، وفي يقظته ونومه و.. فكيف لا يسهو في التبليغ وما ينزل عليه من وحي الله وآياته؟! وهكذا .. وهذا خلاف الحكمة من جعل النبوة والإمامة.

منشأ وضع هذه الروايات :

وهنا شيء يخطر في الذهن توجيهاً لوضع هذه الروايات الضعيفة الباطلة حتى على مذهبهم ، وهو أنّهم يريدون أن يُدخلوا في أفكار الناس وأذهانهم أن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يمكن عليه السهو والاشتباه ، تمهيداً لرفع ما حصل عند وفاة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من إساءة

٥٤

أدب إليه في محضره الشريف ، وذلك حينما طلب من أصحابه الجالسين الدواة والكتف ليكتب لهم كتاباً لا يضلَّون بعده أبداً ، فقال قائلهم : «إن الرجل ليهجر»! فلم يعقب الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) على ذلك بشيء غير أنّه أمرهم بالانصراف عنه والقيام من مجلسه. ولو كتب الكتاب الذي أراد أن يكتبه لما كان لكتابته اعتبار عندهم ، ولقالوا : إنّما كتبه اشتباهاً أو سهواً أو أنّه لم يكن في حال الاختيار وما شاكل ذلك من الأعذار ، وحتى يرفعوا قبح هذا الجواب الذي أجابوا به الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) من ذهن الناس جاؤوا بهذه الأحاديث لتدلّ على إمكان حصول الاشتباه والغفلة في حقّه (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، وأن قول القائل كان في موضعه!

جواب على سؤال :

قام البرهان القطعي على أنّ ما يراد من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) هو أن يحصّل اليقين للناس ، خصوصاً وأن نبينا (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) لم تكن معجزته كمعجزة النبي موسى وعيسى (عليهما السّلام) ، وإنّما كانت معجزته البيان (وجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١) ، فيجب في نبي مثل هذا أن لا يكون هناك أي منفذ للدخول منه إليه من أجل إيقاعه في الوسوسة والاشتباه ، ولهذا أكد الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله (وما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٢).

جواب على سؤال حول عصمة الأنبياء : عندنا أدلة قاطعة على عصمة الأنبياء ، ومن قرأ الأُصول حق قراءتها يعرف تمامية ما نقول ، فقد ذكر في مبحث المشتق بحث حول هذه الآية (لا يَنالُ عَهْدِي

__________________

١) سورة النحل : الآية ١٢٥.

٢) سورة النجم : الآيتان ٣ ـ ٤.

٥٥

الظَّالِمِينَ) (١) وأنّها حجّة قاطعة على ذلك وهي ناظرة إلى هذا المورد.

__________________

١) سورة البقرة : الآية ١٢٤. توضيح الفكرة : أنّ‌ النبي إبراهيم (عليه السّلام) حينما ابتلاه اللّٰه بالكلمات فأتمّهن جعله اللّٰه إماماً (وَإِذِ ابْتَلىٰ‌ إِبْرٰاهِيمَ‌ رَبُّهُ‌ بِكَلِمٰاتٍ‌ فَأَتَمَّهُنَّ‌ قٰالَ‌ إِنِّي جٰاعِلُكَ‌ لِلنّٰاسِ‌ إِمٰاماً) ، فسأل اللّٰه عزّ وجلّ‌ قٰالَ‌ وَمِنْ‌ ذُرِّيَّتِي قٰالَ‌ لاٰ يَنٰالُ‌ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ‌ ، فمنصب الإمامة المعبّر عنه في الآية بالعهد المضاف إلى اللّٰه سبحانه منصب لا يستحقه الظالم ولا يعطى له ، والعاصي ظالم فلا يعطى إيّاه. وبهذا ينتج أنّ‌ كل من أُعطي هذا المنصب فليس بعاص ، وبمناسبة الحكم للموضوع يستفاد أنّ‌ من صدر منه الظلم ولو آناً ما في فترة من فترات حياته لا يكون إماماً ، فالإمام هو الذي لم يصدر منه ذنب أصلاً ، وهذا هو معنى العصمة.

٥٦
٥٧

٥٨

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه نبيّنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد فهذه الأوراق حصيلة محاضرة سماحة المرجع الديني آية الله المعظم الشيخ الميرزا جواد التبريزي دام ظله الوارف على رؤوس المسلمين ، في ضمن محاضراته الفقهية التي يلقيها على ثلة من طلاب العلوم الإسلامية ، وقد بيّن فيها حكم لبس السواد في الصلاة ، وفي سائر الأوقات ، الأمر الذي يقوم به أهل الحداد والحزن.

ونظراً إلى أنّ المسألة من المسائل الحساسة ولا سيما في هذا العصر ، حيث يلبس السواد في أيام عاشوراء ووفيات الأئمة (عليهم السّلام) جمع غفير من المؤمنين الموالين لأهل البيت (عليهم السّلام) فيصابون من قبل أعدائهم بوابل من التهم والافتراءات مما قد يؤثر على بعض النفوس الضعيفة ، أكَّد سماحته أهمية هذا اللبس في هذه الأيام ، وأنّها شعيرة من الشعائر التي ينبغي المواظبة عليها والاهتمام بها ، لتكون معلماً من معالم الولاء لأهل البيت (عليهم السّلام) ، فإن شيعتهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم.

ثمّ إن في لبس هذا الشعار إظهاراً لمظلومية أهل البيت (عليهم السّلام) واستنكاراً على ما أصابهم من أنواع البلاء والمحن ، يكون منبهاً للآخرين فيدفعهم لقراءة سيرتهم وسيرة حكَّام زمانهم فيعرفون الفرق الكبير بين السيرتين ، بين الحق والباطل ، بين الإسلام

٥٩

المتجسد قولًا وعملًا فيهم (عليهم السّلام) ، وبين الكفر المتجسد في غيرهم. ونظراً لأهمية مثل هذا الموضوع اقترح عليّ أن أفرغها في قالب عربي فوفقنا الله لذلك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح وأن يمدّ في عمر شيخنا التبريزي ويبقيه عماداً من أعمدة العلم وحصناً للمذهب الحق.

قال صاحب العروة (قدّس سرّه) : «فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة ، أُمور : أحدها الثوب الأسود حتى للنساء ، عدا الخف والعمامة والكساء ، ومنه العباء ، والمشبع منه أشد كراهة».

وقبل الدخول في صلب البحث ينبغي التعرض لمقدمة تشتمل على أُمور :

الأمر الأول : قد قرر في علم الأُصول أن الأمر إذا تعلق بالطبيعي ، ثمّ تعلق نهي تنزيهي ببعض أفراد ذلك الطبيعي فلا يراد من هذا النهي المعنى المصطلح ، أعني الكراهة المصطلحة ، بمعنى ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ، بل هو إرشاد إلى وجود منقصة في هذا الفرد بخصوصه ، ويعبّر عنه في لسان العلماء بالإرشاد إلى كونه أقل الأفراد ثواباً.

ولا فرق في الأمر المتعلق بالطبيعي بين كونه إلزامياً أو استحبابياً.

إذا اتّضح هذا فليس الكراهة في محل البحث هي الكراهة المصطلحة ، فإنّ الكراهية بمعنى رجحان الترك غير معقولة في العبادات ، بل هي مستحيلة فيها لعدم اجتماع المبغوضية والمقربية في شيء واحد ، وذلك لأن العبادة تتقوم بأمرين :

الأول : أن يوجد في نفس العمل مصلحة ، ويعبّر عن ذلك بقابلية العمل للتقرب.

الثاني : أن يؤتى بالعمل متقرباً به إلى الله.

فإذا اجتمع هذان الأمران في الفعل كان الفعل عباديا صحيحاً واقعاً ، والمكروه

٦٠