كمال الدّين وتمام النّعمة

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كمال الدّين وتمام النّعمة

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦

١١ ـ حدّثنا أبو طالب المظفّر بن جعفر بن المظفّر بن جعفر بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليِّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود قال : حدّثنا أبو النضر محمّد بن مسعود قال : حدّثنا آدم بن محمّد البلخيُّ قال : حدّثنا عليُّ بن الحسن الدقّاق (١) قال : حدّثني إبراهيم بن محمّد العلويّ قال : حدثتني نسيم خادمة أبي محمّد عليه‌السلام قالت : دخلت على صاحب هذا الامر عليه‌السلام بعد مولده بليلة فعطست عنده قال لي : يرحمك الله قالت نسيم : ففرحت [ بذلك ] فقال لي عليه‌السلام : إلّا أبشرك في العطاس؟ قلت : بلى ، قال : هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.

١٢ ـ وبهذا الاسناد ، عن إبراهيم بن محمّد العلويِّ قال : حدّثني طريف أبو نصر (٢) قال : دخلت على صاحب الزَّمان عليه‌السلام فقال : عليّ بالصندل الاحمر فأتيته به ، ثمّ قال : أتعرفني؟ قلت : نعم ، فقال : من أنا؟ فقلت : أنت سيدي وابن سيدي ، فقال : ليس عن هذا سألتك ، قال طريف : فقلت : جعلني الله فداك فبيّن لي (٣) قال : أنا خاتم الاوصياء ، وبي يدفع الله عزَّ وجلَّ البلاء عن أهلي وشيعتي.

١٣ ـ حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ السمرقنديُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه قال : حدّثنا جعفر بن معروف قال : كتب إلي أبو عبد الله البلخي ، حدّثني عبد الله السوريّ قال : صرت إلى بستان بني عامر ، فرأيت غلمانا يلعبون في غدير ماء وفتى جالساً على مصلّى واضعاً كمّه على فيه ، فقلت : من هذا؟ فقالوا « م ح م د » ابن الحسن عليه‌السلام وكان في صورة أبيه عليه‌السلام.

١٤ ـ حدّثنا أبي ؛ ومحمّد بن الحسن رضي الله عنهما قالا : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ قال : كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري رضي‌الله‌عنه فقلت للعمري : إنّي أسألك عن مسألة كما قال الله عزَّ وجلَّ في قصّة إبراهيم : « أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي » : هل رأيت صاحبي؟ فقال لي : نعم وله عنق مثل ذي ـ وأومأ بيديه

__________________

(١) في بعض النسخ « عليّ بن الحسين الدقاق كما مر ».

(٢) في بعض النسخ « أبو نصير ».

(٣) في بعض النسخ « فسر لي ».

٤٤١

جميعاً إلى عنقه ، قال : قلت : فالاسم؟ قال : إيّاك أن تبحث عن هذا فإنَّ عند القوم أنَّ هذا النسل قد انقطع.

١٥ ـ حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويُّ العمريُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود ، عن أبيه قال : حدّثنا جعفر بن معروف ، عن أبي عبد الله البلخي ، عن محمّد بن صالح بن عليّ بن محمّد بن قنبر الكبير مولى الرِّضا عليه‌السلام قال : خرج صاحب الزَّمان على جعفر الكذاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث بعد مضيِّ أبي محمّد عليه‌السلام فقال له : يا جعفر مالك تعرض في حقوقي؟ فتحير جعفر وبهت ، ثمّ غاب عنه ، فطلبه جعفر بعد ذلك في النّاس فلم يره ، فلمّا ماتت الجدَّة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدّار ، فنازعهم وقال : هي داري لا تدفن فيها ، فخرج عليه‌السلام فقال : يا جعفر أدارك هي؟ ، ثمَّ غاب عنه فلم يره بعد ذلك.

١٦ ـ حدّثنا محمّد بن محمّد الخزاعيُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا أبو عليٍّ الاسديُّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفيِّ أنَّه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزَّمان عليه‌السلام ورآه من الوكلاء ببغداد : العمري وابنه ، حاجز ، والبلالي ، والعطار. ومن الكوفة : العاصميُّ. ومن أهل الاهواز : محمّد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان : محمّد بن صالح. ومن أهل الرِّي : البسّامي ، والاسديُّ ـ يعني نفسه ـ ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور : محمّد بن شاذان.

ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس (١) ، وأبو عبد الله الكنديُّ ، وأبو عبد الله الجنيديُّ ، وهارون القزَّاز ، والنيليُّ، وأبو القاسم بن دبيس (٢) ، وأبو عبد الله بن فروخُّ ، ومسرور الطبّاخ مولي أبي الحسن عليه‌السلام ، وأحمد ومحمّد إبنا الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت (٣) ، وصاحب النواء ، وصاحب

__________________

(١) في بعض النسخ « أبي حابس » وفي بعضها « أبي عابس ».

(٢) في بعض النسخ « بن دميس » وفي بعضها « رميس » وفي بعضها « دبيش ».

(٣) كذا في النسخ المصححة. وفي نسخة « بنى نوبخت » وفي بعضها « صاحب الفراء » مكان « صاحب النواء ».

٤٤٢

الصرّة المختومة. ومن همدان : محمّد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمّد بن هارون بن عمران. ومن الدِّينور : حسن بن هارون ، وأحمد بن أخيّة (١) وأبو الحسن. ومن إصفهان ابن باذشالة (٢). ومن الصيمرة : زيدان. ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمّد بن محمّد ، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق ، وأبوه ، والحسن بن يعقوب. ومن أهل الرِّي : القاسم بن ـ موسى وابنه ، وأبو محمّد بن هارون. وصاحب الحصاة ، وعليّ بن محمّد ، ومحمّد بن محمّد الكلينيُّ ، وأبو جعفر الرِّفاء. ومن قزوين : مرداس ، وعليّ بن أحمد. ومن فاقتر (٣) : رجلان. ومن شهرزور : ابن الخال. ومن فارس : المحروج (٤). ومن مرو : صاحب الالف دينار ، وصاحب المال والرقعة البيضاء ، وأبو ثابت. ومن نيسابور : محمّد بن شعيب ابن صالح. ومن اليمن الفضل بن يزيد ، والحسن ابنه ، والجعفريُّ ، وابن الأعجميِّ والشمشاطيُّ. ومن مصر : صاحب المولودين (٥) ، وصاحب المال بمكة وأبو رجاء. ومن نصيبين : أبو محمّد بن الوجناء. ومن الاهواز الحصيني (٦).

١٧ ـ حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ ، رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا عليّ بن أحمد الكوفيُّ المعروف بأبي القاسم الخديجيِّ قال : حدّثنا سليمان بن إبراهيم الرِّقّي قال : حدّثنا أبو محمّد الحسن بن وجناء النصيبي قال : كنت ساجداً تحت الميزات في رابع أربع وخمسين حجّة بعد العتمة ، وأنا أتضرع في الدعاء إذ حرَّكني محرِّك فقال : قم يا حسن بن وجناء ، قال : فقمت فإذا جارية صفراء نحيفة البدن أقول : إنّها من أبناء أربعين فما فوقها ، فمشت بين يديَّ وأنا لا أسألها عن شيء حتّى

__________________

(١) في بعض النسخ « أحمد » أخوه ».

(٢) في بعض النسخ « ابن پادشاكة ».

(٣) في بعض النسخ « قابس ». وفي بعض النسخ « قائن ».

(٤) في بعض النسخ « المحووج ».

(٥) في بعض النسخ المصححة « صاحبا المولودين ». ولعل المراد من سيجيء ذكرهما في باب ذكر التوقيعات.

(٦) في بعض النسخ المصححة « الخصيبي » وفي بعضها « الحضيني ».

٤٤٣

أتت بي إلى دار خديجة عليها‌السلام وفيها بيت بابه في وسط الحائط وله درج ساج يرتقى ، فصعدت الجارية وجاءني النداء : اصعد يا حسن ، فصعدت فوقفت بالباب ، فقال لي صاحب الزَّمان عليه‌السلام : يا حسن أتراك خفيت عليّ والله ما من وقت في حجّك إلّا وأنا معك فيه ، ثمّ جعل يعد عليّ أوقاتي ، فوقعت [ مغشيّاً ] على وجهي ، فحسست بيد قد وقعت عليَّ فقمت ، فقال لي : يا حسن الزم دار جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ، ولا يهمنّك طعامك ولا شرابك ولا ما يستر عورتك ، ثمّ دفع إليَّ دفتراً فيه دعاء الفرج وصلاة عليه فقال : بهذا فادع ، وهكذا صلِّ عليّ ، ولا تعطه إلّا محقّي أوليائي فإنَّ الله جل جلاله موفقك فقلت : يا مولاي لا أراك بعدها؟ فقال : يا حسن إذا شاء الله ، قال فانصرفت من حجتي ولزمت دار جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلّا لثلاث خصال : لتجديد وضوء أو لنوم أو لوقت الافطار ، وأدخل بيتي وقت الافطار فأصيب رباعيّاً مملوءاً ماءً ورغيفاً على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنّهار ، فآكل ذلك فهو كفاية لي ، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء ، وكسوة الصيف في وقت الصيف ، وإنّي لأدخل الماء بالنهار فأرشّ البيت وأدع الكوز فارغا فاوتي بالطعام (١) ولا حاجة لى إليه فاصّدّق به ليلاً كيلا يعلم بي من معي.

١٨ ـ حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا أبو القاسم عليُّ بن أحمد الخديجيُّ الكوفيّ قال : حدّثنا الازدي (٢) قال : بينما أنا في الطواف قد طفت ستّاً وأنا أريد أن أطوف السابع فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشابُّ حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبته متقرب إلى النّاس يتكلم فلم أرأ حسن من كلامه ولا أعذب من نطقه وحسن جلوسه فذهبت أكلّمه فزبرني النّاس فسألت بعضهم من هذا؟ فقالوا : هذا ابن رسول الله يظهر في كلِّ سنّة يوماً لخواصّه يحدثهم ، فقلت : يا سيدي مسترشداً أتيتك فأرشدني هداك الله ، فناولني عليه‌السلام حصاة فحوَّلت وجهي فقال لي بعض جلسائه : ما الّذي دفع إليك؟ فقلت : حصاة وكشفت عنها فإذا أنا بسبيكة

__________________

(١) في بعض النسخ « وأواني الطعام ».

(٢) مضطرب ، ففي (غط) عن عليّ بن ابراهيم الفدكي ، عن الاودي ».

٤٤٤

ذهب ، فذهبت فإذا أنا به عليه‌السلام قد لحقني فقال : لي ثبتت عليك الحجّة ، وظهر لك الحقُّ وذهب عنك العمى ، ، أتعرفني؟ فقلت : لا فقال عليه‌السلام : أنا المهديُّ [ و ] أنا قائم الزَّمان ، أنا الّذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً ، أنَّ الأرض لا تخلو من حجّة ولا يبقى النّاس في فترة وهذه أمانة لا تحدِّث بها إلّا إخوانك من أهل الحق.

١٩ ـ حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ ، عن إبراهيم بن مهزيار (١) قال : قدمت مدينة الرَّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فبحثت عن أخبار آل أبي محمّد الحسن بن عليّ الاخير عليهما‌السلام فلم أقع عليّ شئ منها فرحلت منها إلى مكّة مستبحثاً عن ذلك ، فبينما أنا في الطواف إذ تراءى لي فتى أسمر اللّون ، رائع الحسن ، جميل المخيلة ، يطيل التوسم في ، فعدت إليه مؤمّلاً منه عرفان ما قصدت له ، فلمّا قربت منه سلمت ، فأحسن الاجابة ، ثمّ قال : من أيِّ البلاد أنت؟ قلت : رجل من أهل العراق ، قال : من أي العراق؟ قلت : من الاهواز ، فقال : مرحباً بلقائك هل تعرف بها جعفر بن حمدان الحصينيُّ (٢) ، قلت : دعي فأجاب ، قال : رحمة الله عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله ، فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار قلت : أنا إبراهيم بن مهزيار فعانقني مليّاً ثمّ قال : مرحباً بك يا أبا إسحاق ما فعلت بالعلامة الّتي وشجّت (٣) بينك وبين أبي محمّد عليه‌السلام؟ فقلت : لعلّك تريد الخاتم الذى آثرني الله به من الطيّب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ عليهما‌السلام؟ فقال : ما أردت سواه ، فأخرجته إليه ، فلمّا نظر إليه استعبر وقبّله ، ثمّ قرأ كتابته فكانت « يا الله يا محمّد يا عليُّ » ثمّ ، قال : بأبي يداً طالما جلت فيها (٤).

__________________

(١) سيجيء نحو هذه الحكاية عن محمّد بن على بن مهزيار عن أبيه واستشكل فيهما لتقدم زمانهما عن عصر الغيبة.

(٢) في بعض النسخ المصححة « الخصيبي ».

(٣) في النهاية في حديث عليّ عليه‌السلام « ووشج بينها وبين أزواجها » إي خلط وألف يقال : وشج الله بينهما توشيجا.

(٤) يعني بأبي فديت يد أبي محمّد العسكري عليه‌السلام الّتي طالما جلت أيّها الخاتم فيها. وفي بعض النسخ « بأبي بنان طالما جلت فيها ».

٤٤٥

وتراخى بنا فنون الأحاديث (١) ـ إلى أن قال لي ـ : يا أبا إسحاق أخبرني عن عظيم ما توخّيت بعد الحج؟ قلت : وأبيك ما توخيت إلّا ما سأستعلمك مكنونه ، قال : سل عمّا شئت فإني شارح لك إن شاء الله؟ قلت : هل تعرف من أخبار آل أبي محمّد الحسن عليهما‌السلام شيئا؟ قال لي : وأيم الله إنى لاعرف الضوء بجبين (٢) محمّد وموسى ابني الحسن ابن عليّ عليهم‌السلام ثمّ إنّي لرسولهما إليك قاصدا لانبائك أمرهما فإنَّ أحببت لقاءهما والاكتحال بالتبرك بهما فارتحل معي إلى الطائف وليكن ذلك في خفية من رجالك واكتتام.

قال إبراهيم : فشخصت معه إلى الطائف أتخلّل رملة فرملة حتّى أخذ في بعض مخارج الفلاة فبدت لنا خيمة شعر ، قد أشرفت على أكمة رمل تتلألؤاً تلك البقاع منها تلالؤا ، فبدرني إلى الاذن ، ودخل مسلّماً عليهما وأعلمهما بمكاني فخرج عليَّ أحدهما وهو الأكبر سنّاً « م ح م د » ابن الحسن عليهما‌السلام وهو غلام أمرد ناصع اللّون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب ، مسنون الخدَّين ، أقنى الانف ، أشمُّ أروع كأنّه غصن بان ، وكأنَّ صفحة غرَّته كوكب دري ، بخده الايمن خال كأنه فتاة مسك على بياض الفضّة وإذا برأسه وفرة سحماء (٣) سبطة تطالع شحمة أذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسناً وسكينة وحياء.

__________________

(١) كذا في جميع النسخ « ووقع في نسخة العلامة المجلسي (ره) في البحار تصحيف.

(٢) في البحار « الضريحين » وقال في بيانه : البعيدين عن الناس. وقال : قال الجوهري : الضريح : البعيد ـ الخ. والصريح : الخالص والمراد خالص النسب ، وفي بعض النسخ « الضويحين » تثنية الضويحة مصغر الضاحة بمعنى البصر والعين. والتصغير للمحبة فالمعنى البصرين أو العينين المحبوبين ، لكنه بعيد لمّا سيجيء تحت رقم ٢٣ « اتعرف الصريحين قلت ، نعم ، قال : ومن هما؟ قلت محمّد وموسى ».

(٣) الناصع الخالص. والبلجة : نقاوه ما بين الحاجبين ، يقال : رجل أبلج بين البلج إذا لم يكن مقرونا. والمسنون : المملس ورجل مسنون الوجه إذا كان في وجهه وانفه طول. والشمم : ارتفاع في قصبة الانف مع استواء أعلاه ، فإن كان فيها احديداب فهو

٤٤٦

فلمّا مثل لي أسرعت إلى تلقّيه فأكببت عليه ألثم كلَّ جارحة منه ، فقال لي : مرحباً بك يا أبا إسحاق لقد كانت الأيّام تعدني وشك لقائك والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدّار وتراخى المزار (١) ، تتخيّل لي صورتك حتّى كانا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة ، وخيال المشاهدة ، وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيّض من التلاقي ورفّه من وكربة التنازع (٢) والاستشراف عن أحوالها متقدّمها ومتأخرها.

فقلت : بأبي أنت وأمّي ما زلت أفحص عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر الله بسيّدي أبي محمّد عليه‌السلام فاستغلق عليّ ذلك حتّى من الله عليّ بمن أرشدني إليك ودلّني عليك ، والشكر لله على ما أوزعني (٣) فيك من كريم اليد والطولَّ ، ثمّ نسب نفسه وأخاه موسى (٤) واعتزل بي ناحية ، ثمّ قال : إنَّ أبي عليه‌السلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسرارا لامري ، وتحصينا لمحلي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الامم الضوالِّ ، فنبذني إلى عالية الرَّمال ، وجبت صرائم الأرض (٥) ينظرني الغاية الّتي عندها يحل الامر وينجلي الهلع (٦).

__________________

القنى. والوفرة : الشعرة إلى شحمة الاذن. والسحماء : السوداء. وشعر سبط أي مترسل غير جعد ، والسمت : هيئة أهل الخير (الصحاح).

(١) الوشك ـ بالفتح والضم ـ : السرعة. والمعاتب المراضي من قولهم « استعتبته فأعتبنى أي استرضيته فأرضاني وتشاحط الدّار : تباعدها.

(٢) التقييض : التيسير والتسهيل ، والتنازع : التساوق من قولهم نازعت النفس إلى كذا أي اشتاقت. وفي بعض النسخ « التنارح » أي التباعد.

(٣) أي الهمنى.

(٤) هذا خلاف ما أجمعت عليه الشيعة الاماميّة من أنَّه ليس لابي محمّد ولد إلّا القائم عليه وعلى آبائه السلام. فتأمل.

(٥) العالية » : كلّ ما كان من جهة نجد من المدينة من قراها وعمائرها إلى تهامة العالية ، وما كان دون ذلك السافلة. (المراصد). و « جبت صرائم الأرض » أي قطعت ودرت ما انصرم من معظم الرمل يعنى الاراضي المحصود زرعها. وفي بعض النسخ « خبت » بالخاء المعجمة ـ وهو المطمئن من الأرض فيه رمل.

(٦) الهلع : الجزع.

٤٤٧

وكان عليه‌السلام أنبط لي (١) من خزائن الحكم ، وكوا من العلوم ما أن أشعت إليك (٢) منه جزء أغناك عن الجملة.

[ واعلم ] يا أبا إسحاق إنَّه قال عليه‌السلام : يا بنيَّ أنَّ الله جلَّ ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه وأهل الجدِّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلى بها ، وإمام يؤتمُّ به ، ويقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده ، وأرجو يا بنيَّ أن تكون أحد من أعدَّ الله لنشر الحقِّ ووطيء الباطل (٣) وإعلاء الدِّين ، وإطفاء الضلال ، فعليك يا بنيَّ بلزوم خوافي الأرض ، وتتّبع أقاصيها ، فإنَّ لكلِّ ولي لاولياء الله عزَّ وجلَّ عدواً مقارعاً وضدّاً منازعاً افتراضا لمجاهدة أهل النفاق وخلاعة اولي الالحاد والعناد فلا يوحشنّك ذلك.

واعلم إنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص نزَّع إليك (٤) مثل الطير إلى أو كارها وهم معشر يطلعون بمخائل الذِّلّة والاستكانة (٥) ، وهم عند الله بررة أعزاء ، يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة (٦) ، وهم أهل القناعة والاعتصام ، استنبطوا الدِّين فوازروه على مجاهدة الاضداد ، خصّهم الله باحتمال الضيم في الدُّنيا (٧) ليشملهم باتّساع العزِّ

__________________

(١) أنبط الحفار : بلغ الماء. ونبج الماء : نبع والمراد أظهر وأمشى.

(٢) في بعض النسخ « أشعب » أي افرق وأجزء.

(٣) في بعض النسخ « وطى الباطل ».

(٤) نزع ـ كركع ـ أي مشتاقون اليك. وقد يقرء « ترع » بالتحريك والترع ـ محركة ـ : الاسراع إلى الشى والامتلاء. في القاموس : ترع ـ كفرح ـ فهو ترع ، وفلان اقتحم الأُمور مرحاً ونشاطاً فهو تريع ولعل المختار أنسب كما في البحار ، لكن في بعض النسخ المصححة « أنَّ قلوب أهل الطاعة والاخلاص تترع أشد ترعاً اليك من الطير .. الخ »

(٥) أي يدخلون في امور هي مظان المذلة. أو يطلعون ويخرجون بين النّاس مع أحوال هي مظانها

(٦) في بعض النسخ « بررة أغراء » باعجام العين واهمال الراء جمع الاغر من غر الاماجد وغر المحجلين. وفي بعض النسخ « بأنفس مخبلة محتاجة » والخبل : فساد العقل والمختار هو الصواب.

(٧) الضيم. الظلم.

٤٤٨

في دار القرار ، وجبلهم (١) على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى ، وكرامة حسن العقبى.

فاقتبس يا بنيَّ نور الصبر على موارد امورك تَفُز بدرك الصنع في مصادرها ، واستشعر العزَّ فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبّه إن شاء الله (٢) ، وكأنك يا بنيَّ بتأييد نصر الله [ و ] قد أنَّ ، وتيسير الفلج وعلو الكعب [ و ] قد حان (٣) ، وكأنّك بالرَّايات الصفر والاعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك (٤) ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء (٥) يتناظم عليك تناظم الدُّرِّ في مثاني العقود ، وتصافق الاكفِّ على جنبات الحجر الأسود (٦) ، تلوذ بفنائك من ملابراهم الله من طهارة الولاة ونفاسة التربة ، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذَّبة أفئدتهم من رجس الشقاق ، لينة

__________________

(١) أي خلقهم وفطرهم.

(٢) أي اصبر على المكاره والبلايا وما يرد عليك منها حتّى تفوز بدرك ما صنع الله اليك ومعروفه لديك في ارجاع المكاره وصرفها عنك. واستشعر العز في ما ينوبك أي أضمر العز والنصرة والغلبة في قلبك لاجل الغيبة من خوفك عن النّاس ، واصبر وانتظر الفرج فيما أصابك من هذه النوائب. أو اعلم وأيقن بأن ما ينوبك من البلايا والمحن هو سبب لعزك وقربك وسعادتك. والغب : المآل والعاقبة. وفي بعض النسخ « بما تحمد عليه ».

(٣) علو الكعب كناية عن الغلبة والعز والشرف.

(٤) اثناء الشيء : قواه وطاقاته ، والمراد بالاعطاف جوانبها. والحفق : الاضطراب وخفقت الراية تحرك واضطرب.

(٥) في الكنز « تصافى » باهمديگر دوستي پاك وخالص داشتن ». يعني الود الخالص. وفي بعض النسخ « تصادف ».

(٦) أي العقود المثنية المعقودة الّتي لا يتطرق إليها التبدد. أوفي موضع ثنيها فانها في تلك المواضع أجمع وأكثف. والتصافق. ضرب اليد على اليد عند البيعة من صفقت له بالبيع أي ضربت بيدي على يده. والجنبات : الاطراف.

٤٤٩

عرائكهم للدِّين (١) ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عيدانهم (٢) يدينون بدين الحقِّ وأهله ، فإذا اشتدَّت أركانهم ، وتقوَّمت أعمادهم فدَّت بمكانفتهم (٣) طبقات الامم إلى إمام ، إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافاة بُحيرة الطبريّة (٤) فعندها يتلالؤ صبح الحقِّ وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم الله بك الطغيان ، ويعيد معالم الايمان ، يظهر بك استقامة الافاق وسلام الرِّفاق ، يودُّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً ، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً ، تهتزُّ بك (٥) أطراف الدُّنيا بهجة ، وتنشر عليك أغصان العزِّ نضرة ، وتستقرُّ بواني الحقِّ في قرارها ، وتؤوب شوارد الدِّين (٦) إلى إو كارها ، تتهاطل عليك سحائب الظفر ، فتخنق كلُّ عدوٍّ ، وتنصر كلّ وليٍّ ، فلا يبقي على وجه الأرض جبّار قاسط ولا جاحد غامط ، ولا شانيء مبغض ، ولا معاند كاشح (٧) ، ومن يتوكّل على الله فهو

__________________

(١) العرائك جمع عريكة وهي الطبيعة ، وكذا الضرائب جمع ضريبة وهي الطبيعة أيضاً والسيف وحدّه.

(٢) العيدان ـ بالفتح ـ الطوال من النخل.

(٣) فدّ يفد ـ كفر يفر ـ : عدا وركض. والمكانفة : المعاونة. والاعماد : جمع عمود من غير قياس.

(٤) « إذ تبعتك » أي بايعك وتابعك هؤلاء المؤمنون. والدوحة : الشجرة العظيمة والافنان : الاغصان. وفي بعض النسخ « بسقت أفنان غصونها » وبسق النخل بسوقاً : طال. والحافاة : الجوانب.

(٥) الناشط : الثور الوحشي يخرج من أرض إلى أرض. وتهتز : أي تنحرك.

(٦) بواني الحق : أساسها. وفي بعض النسخ « بواني العز » أي الخصال الّتي تبني العز وتؤسسها. وآب يؤوب أوبا فهو آب أي راجع. وشرد البعير أي نفر فهو شارد والوكر : عش الطائر ، جمعها أوكار. وتهاطل السحاب أي تتابع بالمطر.

(٧) الغامط : الحاقر للحق ، وغمط العافية لم يشكرها ، وغمط أهله بطر بالنعمة والشانيء ، العائب. والكاشح : الّذي يضمر لك العداوة.

٤٥٠

حسبه إنَّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكلِّ شيء قدراً.

ثمَّ قال : يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً إلّا عن أهل التصديق والاخوَّة الصادقة في الدِّين ، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكّن فلا تبطيء بإخوانك عنّا وباهر المسارعة (١) إلى منار اليقين وضياء مصابيح الدِّين تلق رشداً إن شاء الله.

قال إبراهيم بن مهزيار : فمكثت عنده حيناً أقتبس ما اؤدِّي إليهم (٢) من موضحات الأعلام ونيّرات الأحكام ، وأرويِّ نبات الصدور من نضارة ما ادَّخره الله في طبائعه من لطائف الحكم وطرائف فواضل القسم حتّى خفت إضاعة مخلّفي بالأهواز لتراخي اللّقاء عنهم فاستأذنته بالقفول ، وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحّش لفرقته والتجرُّع للظّعن عن محاله (٣) ، فأذن وأردفني من صالح دعائه ما يكون ذخراً عند الله ولعقبي وقرابتي إن شاء الله.

فلمّا أزف ارتحالي (٤) وتهيّأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودِّعاً ومجدِّداً للعهد وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم وسألته أن يتفضَّل بالأمر بقبوله منّي ، فابتسم وقال : يا أبا إسحاق استعن به على منصرفك فإنَّ الشّقّة قذفة وفلوات الأرض أمامك جمّة (٥) ولا تحزن لا عراضنا عنه ، فإنا قد أحدثنا لك شكره

__________________

(١) في هامش بعض النسخ عن المحكم لابن سيدة « بهر عليه أي غلبه وفاق على غيره في العلم والمسارعة انتهى. وفي بعض النسخ « ناهز المسارعة » وفي البحار « باهل المسارعة ».

ثمّ اعلم أنَّ هذه الجملة يتضمن بقاء ابراهيم بن مهزيار إلى يوم خروجه ولا يخفى ما فيه.

(٢) يعني أؤدى إلى اخواني. وقوله « إليهم » ليس في بعض النسخ.

(٣) القفول : الرجوع من السفر والظعن : السير والارتحال.

(٤) أي دنا رجعتي. والاعتزام : العزم ، أو لزوم القصد في المشي. وقد يقرء « الاغترام » بالغين المعجمة والراء المهملة من الغرامة كانه يغرم نفسه بسوء صنيعه في مفارقة مولاه.

(٥) الشقة ـ بالضم والكسر ـ : البعد والناحية يقصدها المسافر ، والسفر البعيد والمشقة. (القاموس). وفلاة قذف ـ محركة ؛ وبضمتين وكصبور ـ أي بعيدة. والجمة ـ بفتح الجيم وضمها ـ : معظم الشيء أو الكثير منه.

٤٥١

ونشره وربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنّة فبارك الله فيما خوَّلك وأدام لك مانوً لك (١) وكتب لك أحسن ثواب المحسنين وأكرم آثار الطائعين ، فإنَّ الفضل له ومنه ، وأسأل الله أن يردَّك إلى أصحابك بأوفر الحظّ من سلامة الاوبة وأكناف الغبطة بلين المنصرف ولا أوعث الله لك سبيلا (٢) ، ولا حيّر لك دليلاً ، وأستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنّه ولطفه إن شاء الله.

يا أبا اسحاق : قنعنا بعوائد إحسانه وفوائد امتنانه ، وصان أنفسنا عن معاونة الاولياء لنا عن الاخلاص في النيّة ، وإمحاض النصيحة ، والمحافظة على ما هو أنقي وأتقى وأرفع ذكراً (٣).

قال : فأقفلت عنه (٤) حامداً لله عزَّ وجلَّ على ما هداني وأرشدني ، عالماً بأنَّ الله لم يكن ليعطّل أرضه ولا يخلّيها من حجّة واضحة ، وإمام قائم ، وألقيت (٥) هذا الخبر المأثور والنسب المشهور توخيّاً للزِّيادة في بصائر أهل اليقين ، وتعريفاً لهم ما من الله عزَّ وجلَّ به من إنشاء الذُّريّة الطيّبة والتربة الزّكيّة ، وقصدت أداء الامانة والتسليم لمّا استبان ليضاعف الله عزَّ وجلَّ الملّة والهادية ، والطريقة المستقيمة المرضيّة (٦) قوَّة عزم وتأييد نيّة ، وشدَّة أزر ، واعتقاد عصمة ، والله يهدي من يشاء

__________________

(١) ربضت الشاة : أقامت في مربضها. وربضه بالمكان تربيضا ثبته فيه ، والدواب : آواها في المربض. وخوله الشيء : أعطاه إيّاه متفضلا ، أو ملكه اياه. ونوله تنويلا : أعطاه نوالا ، ونوله معروفه أعطاه اياه.

(٢) الاوبة : الرجوع ، والاكناف اما بكسر الهمزة مصدر أكنفه أي صانه وحفظه وأعانه وأحاطه ، أو بفتحها جمع الكنف ـ محركه ـ وهو الحرز والستر والجانب والظل والناحية. ووعث الطريق : تعسر سلوكه ، والوعث : الطريق العسر ، والوعثاء : المشقة.

(٣) في بعض النسخ « ما هو أبقى وأتقى وأرفع ذكراً ».

(٤) أي رجعت عنه ، وفي بعض النسخ « فأقلعت عنه » أي تركته.

(٥) في بعض النسخ « وألفت ».

(٦) في بعض النسخ « والطبقة المرضية ». مكان « والطريقة ـ الخ ».

٤٥٢

إلى صراط مستقيم.

٢٠ ـ وسمعنا شيخاً (١) من أصحاب الحديث يقال له : أحمد بن فارس الاديب يقول : سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطّي ولم أجد إلى مخالفته سبيلاً ، وقد كتبتها

وعهدتها على من حكاها :

وذلك أنَّ بهمدان ناساً يعرفون ببني راشد وهم كلّهم يتشيعون ومذهبهم مذهب أهل الامامة ، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؟ فقال لي شيخ منهم ـ رأيت فيه صلاحاً ـ وسمتاً ـ : إنَّ سبب ذلك أنَّ جدنا الّذي ننتسب إليه خرج حاجّاً فقال : إنَّه لمّا صدر من الحجِّ وساروا منازل في البادية قال : فنشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتّى أعييت ونعست فقلت في نفسي : أنام نومة تريحني ، فإذا جاء أواخر القافلة قمت : قال : فما انتبهت إلّا بحرِّ الشمس ولم أر أحداً فتوحشت ولم أر طريقاً ولا أثراً ، فتوكّلت على الله عزَّ وجلَّ وقلت : أسير حيث وجّهني ، ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنّها قريبة عهد من غيث ، وإذا تربتها أطيب تربة ، ونظرت في سواء تلك الأرض (٢) إلى قصر يلوح كأنّه سيف ، فقلت : ليت شعري ما هذا القصر الّذي لم أعهده ولم أسمع به فقصدته ، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين ، فسلّمت عليهما فردّاً ردّاً جميلاً وقالا : اجلس فقد أراد الله بك خيراً ، فقام أحدهما ودخل واحتبس غير بعيد ، ثمّ خرج فقال : قم فادخل ، فدخلت قصرا لم أر بناء أحسن من بنائه ولا أضوء منه ، فتقدَّم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ، ثمّ قال لي : ادخل ، فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق فوق رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمس رأسه (٣) ، والفتى [ كأنه ] بدر يلوح في ظلام ، فسلّمت فردَّ السلام بألطف كلام و

__________________

(١) في هامش بعض النسخ والبحار كذا « القصة مذكورة في كتاب السّلطان المفرج عن أهل الايمان ، عن أحوال صاحب الزَّمان » تأليف السيّد عليّ بن عبد الحميد.

(٢) أي وسطها.

(٣) ظبة السيف ـ بالضم مخففاً ـ : طرفه ، وحد السيف والسنان.

٤٥٣

أحسنه ، ثمّ قال لي : أتدري من أنا؟ فقلت : لا والله ، فقال : أنا القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا الّذي أخرج في آخر الزَّمان بهذا السيف ـ وأشار إليه ـ فأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فسقطت على وجهي ، وتعفّرت ، فقال : لا تفعل ارفع رأسك أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها : همدان ، فقلت : صدقت يا سيدي ومولاي ، قال : فتحبُّ أن تؤوب إلى أهلك؟ فقلت : نعم يا سيدي وأبشرهم بما أتاح الله عزَّ وجلَّ لي ، فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرَّة وخرج ومشى معي خطوات ، فنظرت إلى طلال وأشجار ومنارة مسجد فقال : أتعرف هذا البلد؟ فقلت : إنَّ بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباذ وهي تشبهها ، قال : فقال : هذه أسد آباذ إمض راشداً ، فالتفتُّ فلم أره.

فدخلت أسد آباذ وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون ديناراً ، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشِّرتهم بما يسرّه الله عزَّ وجلَّ لي ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدَّنانير.

٢١ ـ حدّثنا محمّد بن عليّ بن محمّد بن حاتم النوفليُّ المعروف بالكرمانيُّ قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغداديّ قال : حدّثنا أحمد بن طاهر القمّيّ قال : حدّثنا محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيُّ قال : حدّثنا أحمد بن مسرور (١) ، عن سعد بن عبد الله القمّيِّ قال : كنت إمرءا لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفاً باستظهار ما يصحُّ لي من حقائقها ، مغرماً (٢) بحفظ مشتبهها

__________________

(١) رجال السند بعضهم مجهول الحال وبعضهم مهمل ، والمتن متضمن لغرائب بعيد صدروها عن المعصوم عليه‌السلام ، ويشتمل على احكام تخالف ما صح عنهم :. مضافاً إلى أنَّ الواسطة بين الصدوق وسعد بن عبد الله في جميع كتبه واحدة ابوه أو محمّد بن الحسن ابن أحمد بن الوليد كما هو المحقق عند من تتبّع كتبه ومشيخته وهنا بين المؤلف وسعد خمس وسائط. وقد رواه الطبري في الدلائل بثلاث وسائط هم غير ما هنا.

(٢) « لهجاً » أي حريصا « كلفاً » أي مولعاً. « مغرماً » أي محباً مشتاقاً.

٤٥٤

ومسغلقها ، شحيحاً على ما أظفر به من معضلاتها (١) ومشكلاتها ، متعصّباً لمذهب الاماميّة راغباً عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدِّي إلى التباغض والتشاتم ، معيباً للفرق ذوي الخلاف ، كاشفاً عن مثالب أئمّتهم ، هتاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشدِّ النواصب منازعة ، وأطو لهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلاً ، وأشنعهم سؤالاً وأثبتهم على الباطل قدماً.

فقال ذات يوم ـ وأنا اناظره ـ : تَبّاً لك ولاصحابك يا سعد إنّكم معاشر الرَّافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصدِّيق الّذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أنَّ رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلّا علماً منه أنَّ الخلافة له من بعده وأنّه هو المقلّد لامر التأويل والملقى إليه أزمّة الاُمّة ، وعليه المعوِّل في شعب الصدع ، ولم الشعث ، وسدِّ الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك (٢) ، وكما أشفق على نبوَّته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشرِّ مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولمّا رأينا النبيّ متوجّها إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلّة الّتي شرحناها ، وإنّما أبات عليّاً على فراشه لمّا لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله (٣) ، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذَّر عليه نصب غيره مكانه للخطوب الّتي كان يصلح لها.

قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتّى ، فما زال يعقب (٤) كلِّ واحد منها بالنقض والرَّدِّ عليَّ ، ثمّ قال : ، يا سعد ودونكها أُخرى بمثلها تخطم أنوف الرَّوافض (٥) ، ألستم

__________________

(١) في بعض النسخ « معاضلها ».

(٢) تسريب الجيوش : بعثها قطعة قطعة.

(٣) أكترث له أي ما أبالي. وما حفله وما حفل به أي ما بالى به ولا أهتم له.

(٤) في بعض النسخ « يقصد ».

(٥) خطمه أي ضرب أنفه.

٤٥٥

تزعمون أنَّ الصدِّيق المبرَّأ من دنس الشكوك والفارق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسرانَّ النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصدِّيق والفاروق أسلما طوعاً أو كرهاً؟ قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عنّي خوفاً من الالزام وحذراً من أنّي إن أقررت له بطوعهما (١) للاسلام احتجَّ بأنَّ بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلّا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى « فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا » (٢) وإن قلت : أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة (٣) كانت تريهما البأس.

قال سعد : فصدرت عنه مزوراً (٤) قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطّع كبدي من الكرب وكنت قد اتّخذت طوماراً وأثبت فيه نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّد عليه‌السلام فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرِّ من رأى فلحقته في بعض المنازل فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثمَّ العادة في الاسولة قال : قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة ، فقد برَّح بي القرم (٥) إلي لقاء مولانا أبي محمّد عليه‌السلام وأنا اريد أن أساله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزل فدونكها الصحبة المباركة

__________________

(١) في بعض النسخ « بطواعيتهما.

(٢) المؤمن : ٨٥.

(٣) انتضى السيف : سله.

(٤) الازورار عن الشيء : العدول عنه.

(٥) الخطة ـ بالضم ـ شبه القصة والأمر والجهل (ق) يعنى تساوينا على هذه الحالة أي العادة في الاسولة في القصة الواحدة في الامر الواحد. وبرح به الامر تبريحاً ، وتباريح الشوق : توهجه. والقرم ـ محركة ـ : شدة شهوة اللحم وكثر استعمالها حتّى قيل في الشوق إلى الحبيب والمراد هنا شده الشوق. وفي بعض النسخ « برح بى الشوق ».

٤٥٦

فإنّها تقف بك على ضفة بحر (١) لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا.

فوردنا سرِّ من رأى فانتهينا منها إلى باب سيّدنا فاستأذنّا فخرج علينا الاذن بالدُّخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطّاه بكساء طبريٍّ فيه مائة وستّون صرَّة من الدنانير والدَّراهم ، على كلِّ صرة منها ختم صاحبها.

قال سعد : فما شبّهت وجه مولانا أبي محمّد عليه‌السلام حين غشينا نور وجهه إلّا ببدر قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر ، وعلى فخذه الايمن غلامٌ يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنّه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمّانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركّبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلمٌ إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئاً قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرّمّانة بين يديه ويشغله بردِّها كيلا يصده عن كتابة ما أراد (٢) فسلّمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فلمّا فرغ من كتبة البياض الّذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهاديُّ عليه‌السلام (٣) إلى الغلام وقال له : يا بنيَّ فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك ، فقال : يا

__________________

(١) ضفة البحر : ساحله. وفي بعض النسخ « ثقف بك ».

(٢) قال في هامش البحار الطبع الحروفي كذا : « فيه غرابة من حيث قبض النلام عليه‌السلام على أصابع أبيه أبي محمّد عليه‌السلام. وهكذا وجود رمانة من ذهب يلعب بها لئلّا يصده عن الكتابة ، وقد روى في الكافي ج ١ ص ٣١١ عن صفوان الجمال قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صاحب هذا الامر فقال : أنَّ صاحب هذا الامر لا يلهو ولا يلعب. وأقيل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول لها : اسجدي لربك. فأخذه أبو عبد الله عليه‌السلام وضمه إليه ، وقال : بابي وامي من لا يلهو ولا يلعب » انتهى. أقول : في طريق هذه الرواية معلى بن محمّد البصريّ قال العلامة رحمه‌الله في حقه : مضطرب الحديث والمذهب. وكذا النجاشي. وقال ابن الغضائري نعرف حديثه وننكره ، يروى عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً راجع جامع الرواة.

(٣) كذا. ولعله مصحف « عن مولاي عليه‌السلام ».

٤٥٧

مولاي أيجوز أن أمدَّ يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلّها بأحرمها؟ فقال مولاي : يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها ، فأوَّل صرَّة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : « هذه لفلا بن فلان ، من محلّة كذا بقمّ ، يشتمل على اثنين وستّين ديناراً ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً ، وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير » فقال مولانا : صدقت يا بني دل الرَّجل على الحرام منها ، فقال عليه‌السلام : « فتش عن دينار رازيّ السكّة ، تاريخه سنّة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آملية وزنها ربع دينار ، والعلّة في تحريمها أنَّ صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنّة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً وربع منٍّ فأتت على ذلك مدَّة وفي انتهائها قيّض لذل الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واستردَّ منه بدل ذلك منّاً ونصف منٍّ غزلا أدقّ ممّا كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا ، كان هذا الدِّينار مع القراضة ثمنه » فلمّا فتح رأس الصرَّة صادف رقعة في وسط الدّنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدِّينار والقراضة بتلك العلامة.

ثمَّ أخرج صرَّة اُخرى فقال الغلام : « هذه لفلان بن فلان ، من محلّة كذا بقم تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلُّ لنا لمسها ». قال : وكيف ذاك؟ قال : « لانّها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكّاره في المقاسمة ، وذلك أنَّه قبض حصّته منها بكيل واف وكان ما حصَّ الأكّار بكيل بخس » فقال مولانا : صدقت يا بنيَّ.

ثمَّ قال : يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردَّها أو توصي بردِّها على أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها ، وائتنا بثوب العجوز. قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته (١).

فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليَّ مولانا أبو محمّد عليه‌السلام فقال :

__________________

(١) الحقيبة : ما يجعل في مؤخر القتب أو السرج من الخرج ويقال له بالفارسية : الهكبة.

٤٥٨

ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوَّقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا. قال : والمسائل الّتي أردت أن تسأله عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي قال : فسل قرَّة عيني ـ وأومأ إلى الغلام ـ فقال لي الغلام : سل عمّا بدالك منها ، فقلت له : مولانا وابن مولانا إنّا روينا عنكم أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام حتّى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنّك قد أرهجت على الاسلام (١) وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنى غربك (٢) وإلّا طلقتك ، ونساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان طلاقهنَّ وفاته ، قال : ما الطلاق؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهنَّ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خلّيت لهنَّ السبيل فلم لا يحلُّ لهنَّ الازواج؟ قلت : لأنّ الله تبارك وتعالى حرَّم الازواج عليهنَّ ، قال : كيف وقد خلّى الموت سبيلهنَّ؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوَّض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : إنَّ الله تقدَّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فخصّهنَّ بشرف الامّهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن أنَّ هذا الشرف باق لهنَّ ما دمن الله على الطاعة ، فأيّتهنَّ عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف اُمومة المؤمنين (٣).

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبيّنة الّتي إذا أتت المرأة بها في عدَّتها حلَّ للزّوج أن يخرجها من بيته؟ قال : الفاحشة المبيّنة هي السحق دون الزِّنا (٤) فإنَّ المرأة إذا

__________________

(١) الارهاج : اثارة الغبار.

(٢) الغرب ـ بتقديم الغين المعجمة على الراء ـ : الحدّة.

(٣) في بعض النسخ « من شرف امهات المؤمنين ».

(٤) كذا ، ولم يعمل به احد من الفقهاء ، بل فسروا الفاحشة بما يوجب الحد أو ايذائها أهل الرَّجل بلسانها أو بفعلها فتخرج للاول لاقامة الحد ثمّ ترد إلى مسكنها عاجلا. وفى الثاني تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها ، ثمّ ما فيه أنَّ السحق يوجب الرجم أيضاً خلاف ما أجمعت الاماميّة عليه من أنَّه كالزنا في الحد بل دون الزنا بايجابه الجلد ولو كان من محصنة وقد روى المؤلف في فقيهه عن هشام وحفص البختري « أنَّه دخل نسوة على أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته امرأة عن السحق ، فقال : حدها حد الزاني ـ الخبر ».

٤٥٩

زنت وأقيم عليها الحدُّ ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوُّج بها لاجل الحدِّ وإذا سحقت وجب عليها الرَّجم والرَّجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه.

قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيّه موسى عليه‌السلام « فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدَّس طوى (١) » فإنَّ فقهاء القريقين يزعمون أنّها كانت من إهاب الميتة ، فقال : عليه‌السلام من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوَّته (٢) لأنّه ما خلا الامر فيها من خطيئتين إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدَّسة مطهّرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنَّه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر (٣).

قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال : إنَّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدَّس فقال : يا ربِّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك ـ وكان شديد الحبِّ لأهله ـ فقال الله تعالى : « اخلع نعليك » أي أنزع حبَّ أهلك من قلبك أن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً (٤).

__________________

(١) طه : ١٢.

(٢) أنَّ موسى عليه‌السلام لم يكن نبيّاً حينذاك فتأمل.

(٣) غريب جداً ، فإنَّ المصنّف رحمه‌الله روي في العلل عن محمّد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال الله عزَّ وجلَّ لموسى : « فاخلع نعليك » لانها من جلد حمار ميت « والخبر صحيح أو حسن كالصحيح مع أنَّ ابن الوليد الراوي للخبر هو من نقدة الاثار. ولا يعارضه خبر المتن من حيث السند.

(٤) محبة الله تعالى خالصا لم تكن مخالفاً لمحبة الاهل وقد كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يحب فاطمة وبعلها وبنيها : حباً شديداً فتأمل فيه ، وهذه المطالب بعيد صدورها عن المعصوم وربما تقوى القول بموضوعيّة الخبر ، والعلم عند الله.

٤٦٠