أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
نبيِّ » فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين ، وكان لعنة الله عليه لقوله تعالى : « إلّا لعنة الله على الظالمين ».
وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الّذي تنبت غلفته بعد ما يختن هل يختن مرَّة أُخرى؟ فإنّه يجب أن يقطع غلفته فإنَّ الأرض تضجُّ إلى الله عزَّ وجلَّ من بول الاغلف أربعين صباحاً (١).
وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإنَّ النّاس اختلفوا في ذلك قبلك ، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الاصنام أو عبدة النيران أن يصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه ، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الاصنام والنيران.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع الّتي لنا حيتنا هل يجوز القيام بعمارتها واداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للاجر وتقرُّباً إلينا (٢) فلا يحلُّ لأحد أن يتصرَّف من مال غيره بغير إذنه فكيف يحلُّ ذلك في ما لنا ، من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلَّ منّا ما حرَّم عليه ، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً.
وأما ما سألت عنه من أمر الرَّجل الّذي يجعل لنا حيتنا ضيعة ويسلّمها من قيم يقوم بها ويعمرها ويؤدِّي من دخلها خراجها ومؤونتها ويجعل ما يبقى من الدخل لنا حيتنا ، فإنَّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره.
وأمّا ما سألت عنه من أمر الثمار من أموالنا يمرُّ بها المار فيتناول منه ويأكله هل يجوز ذلك له؟ فإنه يحلُّ له أكله ويحرم عليه حمله.
٥٠ ـ حدّثنا أبي ؛ ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا : حدَّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عليِّ بن أبي حمزة ،
____________
(١) الاغلف بالغين المعجمة ، والاقلف بالقاف بمعنى وهو الصبي الّذي لم يختن.
(٢) في بعض النسخ « اليكم ».
عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أصلحك الله ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ قال : من أكل من مال اليتيم درهماً ـ ونحن اليتيم.
قال مصنّف هذا الكتاب رضياللهعنه : معنى اليتيم هو المنقطع القرين في هذا الموضع ، فسمّي النبيُّ صلىاللهعليهوآله بهذا المعنى يتيماً ، وكذلك كلُّ إمام بعده يتيم بهذا المعنى ، والآية في أكل أموال اليتامى ظلما فيهم نزلت ، وجرت من بعدهم في سائر الايتام ، والدُّرَّة اليتيمة إنّما سمّيت يتيمة لأنّها منقطعة القرين.
٥١ ـ حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعي رضياللهعنه قال : حدّثنا أبو عليٍّ ابن أبي الحسين الاسديُّ ، عن أبيه رضياللهعنه قال : ورد عليَّ توقيع من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ـ قدَّس الله روحه ـ إبتداء لم يتقدّمه سؤال « بسم الله الرّحمن الرَّحيم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من استحلَّ من مالنا درهماً » قال أبو الحسين الأسدي رضياللهعنه : فوقع في نفسي أنَّ ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل له. وقلت في نفسي : أنَّ ذلك في جميع من استحل محرّماً ، فأيّ فضل في ذلك للحجّة عليهالسلام على غيره؟ قال : فوالّذي بعث محمداً بالحقِّ بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي :
« بسم الله الرّحمن الرّحيم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من أكل من مالنا درهماً حراماً ».
قال أبو جعفر محمّد بن محمّد الخزاعيُّ : أخرج إلينا أبو عليٍّ بن أبي الحسين الاسديُّ هذا التوقيع حتّى نظرنا إليه وقرأناه.
٥٢ ـ حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام الكلينيُّ رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيِّ قال : كتبت إلي عليِّ بن محمّد بن عليٍّ عليهمالسلام : رجل جعل لك جعلني الله فداك ـ شيئاً من ماله ، ثمَّ احتاج إليه أيأخذه لنفسه أو يبعث به إليك؟ قال : هو بالخيار في ذلك ما لم يخرجه عن يده ولو وصل إلينا لرأينا أن نواسيه به وقد احتاج إليه (١).
__________________
(١) لا مناسبة لهذا الحديث بالباب لأنّه منعقد لتوقيعات القائم عليهالسلام فقط.
٤٦
( باب )
* (ما جاء في التعمير) *
١ ـ حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدَّثنا محمّد ابن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام قال : عاش نوح عليهالسلام ألفي سنّة وخمسمائة سنة. منها ثمانمائة وخمسون سنّة قبل أن يبعث ، وألف سنّة إلّا خمسين عاماً وهو في قومه يدعوهم ، وسبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء (١) فمصر إلّا مصار وأسكن ولده البلدان.
ثمَّ إنَّ ملك الموت عليهالسلام جاءه وهو في الشمس فقال له : السلام عليك ، فردَّ الجواب ، فقال له : ما جاء بك يا ملك الموت؟ فقال : جئت لاقبض روحك ، فقال له : تدعني أخرج من الشمس إلى الظلِّ؟ فقال له : نعم ، فتحول نوح عليهالسلام ، ثمّ قال : يا ملك الموت كأنَّ ما مرَّبي من الدُّنيا مثل تحوُّلي من الشمس إلى الظلِّ ، فامض لمّا امرت به ، قال : فقبض روحه عليهالسلام.
٢ ـ حدَّثنا محمّد بن عليٍّ ماجيلويه رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن ارومة قال : حدّثني سعيد بن جناح ، عن أيّوب بن راشد ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : كانت أعمار قوم نوح عليهالسلام ثلاثمائة سنّة ، ثلاثمائة سنة.
٣ ـ حدّثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً قالا : حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى قال : حدّثنا محمّد بن يوسف التميميّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جده عليهمالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : عاش أبو البشر آدم عليهالسلام تسعمائة وثلاثين سنّة ، وعاش نوح عليهالسلام ألفي سنّة وأربعمائة سنّة وخمسين سنّة ، وعاش إبراهيم عليهالسلام مائة وخمسا وسبعين سنّة ، وعاش إسماعيل بن إبراهيم عليهماالسلام
__________________
(١) أي غار.
مائة وعشرين سنّة ، وعاش إسحاق بن إبراهيم عليهماالسلام مائة وثمانين سنّة وعاش يعقوب ابن إسحاق مائة وعشرين سنّة ، وعاش يوسف بن يعقوب عليهماالسلام مائة وعشرين سنّة ، وعاش موسى عليهالسلام مائة وستّاً وعشرين سنّة ، وعاش هارون عليهالسلام مائة وثلاثاً وثلاثين سنّة ، وعاش داود عليهالسلام مائة سنّة منها أربعين سنّة ملكه ، وعاش سليمان بن داود عليهماالسلام سبعمائة واثنتي عشرة سنة.
٤ ـ حدّثنا محمّد بن عليِّ بن بشار القزوينيُّ رضياللهعنه قال : حدَّثنا أبو الفرج المظفّر بن أحمد قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفيُّ قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن صالح البزَّاز قال : سمعت الحسن بن عليٍّ العسكري عليهماالسلام يقول : إنَّ ابني هو القائم من بعدي وهو الّذي يجري فيه سنن الأنبياء عليهمالسلام بالتعمير والغيبة حتّى تقسو القلوب لطول الامد فلا يثبت على القول به إلّا من كتب الله عزَّ وجلَّ في قلبه الايمان وأيده بروح منه.
٥ ـ حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيبانيُّ رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ ، عن موسى بن عمران النخعيِّ ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفليِّ ، عن حمزة ابن حمران عن أبيه حمران بن أعين ، عن سعيد بن جبير قال : سمعت سيّد العابدين عليَّ بن الحسين عليهماالسلام يقول : في القائم سنّة من نوح عليهالسلام وهي طول العمر.
٦ ـ حدَّثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام أنَّه قال في حديث يذكر فيه قصّة داود عليهالسلام : إنَّه خرج يقرأ الزَّبور وكان إذا قرأ الزَّبور لا يبقي جبل ولا حجرٌ ولا طائر إلّا جاوبته ، فانتهى إلى جبل فإذا على ذلك الجبل نبيٌّ عابد يقال له : حزقيل ، فلمّا سمع دويَّ الجبال وأصوات السباع والطير علم أنَّه داود عليهالسلام ، فقال داود عليهالسلام : يا حزقيل تأذن لي فأصعد إليك؟ قال : لا ، فبكي داود فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه يا حزقيل لا تعبّر داود وسلني العافية ، قال : فأخذ حزقيل بيد داود عليهالسلام ورفعه إليه ، فقال داود : يا حزقيل هل هممت بخطيئة قطُّ؟ قال : لا ، قال : فهل دخلك العجب بما أنت فيه من عبادة الله؟ قال : لا ،
قال : فهل ركنت إلى الدُّنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذَّاتها؟ قال : بلى ربما عرض ذلك بقلبي ، قال : فما كنت تصنع إذا كان ذلك؟ قال : أدخل إلى هذا الشعب فأعتبر بما فيه ، قال : فدخل داود عليهالسلام الشعب فإذا سرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام فانية وإذا لوح من حديد فيه كتابة فقرأها داود عليهالسلام فإذا فيها أنا أروى بن سلم ، ملكت ألف سنّة ، وبنيت ألف مدينة ، وافتضضت ألف بكر ، فكان آخر عمري أن صار التراب فراشي ، والحجارة وسادتي ، والدِّيدان والحيّات جيراني ، فمن رآني فلا يغترّ بالدُّنيا.
٤٧
( باب )
* (حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم عليهالسلام) *
١ ـ حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضياللهعنه قال : حدَّثنا عبد العزيز ابن يحيى الجلوديُّ بالبصرة قال : حدَّثنا الحسين بن معاذ قال : حدَّثنا قيس بن حفص قال : حدّثنا يونس بن أرقم ، عن أبي سيّار الشيبانيِّ ، عن الضحّاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام فحمد الله عزَّ وجلَّ وأثنى عليه وصلى على محمّد وآله ، ثمّ قال : سلوني أيّها النّاس قبل أن تفقدوني ـ ثلاثا ـ فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال : يا أمير المؤمنين متى يخرج الدَّجّال؟ فقال له عليٌّ عليهالسلام : اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت ، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل ، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضاً كحذو النعل بالنعل ، وإن شئت أنبأتك بها؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين.
فقال عليهالسلام : احفظ فإنَّ علامة ذلك : إذا أمات النّاس الصلاة ، وأضاعوا الامانة واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الرِّبا ، وأخذوا الرُّشا ، وشيّدوا البنيان ، وباعوا الدِّين بالدُّنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء ، وقطعوا الأرحام ، واتبعوا الاهواء واستخفّوا بالدماء ، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً ، وكانت الامراء فجرة ، والوزراء
ظلمة ، والعرفاء خونة (١) ، والقرَّاء فسقة ، وظهرت شهادت الزُّور (٢) ، واستعلن الفجور ، وقول البهتان ، والاثم والطغيان ، وحليت المصاحف ، وزخرفت المساجد ، وطولت المنارات ، واكرمت الاشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت القلوب ، ونقضت العهود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنَّ في التّجارة حرصاً على الدُّنيا ، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، واتّقي الفاجر مخافة شرِّه ، وصدِّق الكاذب ، وائتمن الخائن. واتخذت القيان والمعازف (٣) ، ولعن آخر هذه الاُمّة أوَّلها ، وركب ذوات الفروج السروج ، وتشبّه النساء بالرِّجال ، والرِّجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يُستشهد ، وشهد الاخر قضاء لذمام بغير حقٍّ عرفه وتفقُّه لغير الدِّين ، وآثروا عمل الدُّنيا على الاخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذِّئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرُّ من الصبر ، فعند ذلك الوحا الوحا (٤) ، ثمّ العجل العجل ، خير المساكن يومئذ بيت المقدَّس ، وليأتينَّ على النّاس زمانٌ يتمنى أحدهم (٥) أنَّه من سكانه.
فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين من الدَّجّال؟ فقال : إلّا إنَّ الدَّجّال صائد بن الصيد (٦) ، فالشقي من صدقه. والسعيد من كذَّبه ، يخرج من بلدة يقال لها إصفهان ، من قرية تعرف باليهوديّة ، عينه اليمنى ممسوحة ، والعين الاخرى في جبهته تضيء كأنّها كوكب الصبح ، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدَّم ، بين عينيه مكتوب كافر ، يقرؤه كلُّ كاتب واُمّيٍّ ، يخوض البحار وتسير معه الشمس ، بين يديه جبل
__________________
(١) المراد بالعرفاء هنا جمع عريف وهو العالم بالشيء والذى يعرف أصحابه والقيم بامر القوم والنقيب.
(٢) في بعض النسخ « شهادات الزور ».
(٣) جمع قنية : الاماء المغنيات.
(٤) الوحا الوحا يعني السرعة السرعة ، البدار البدار.
(٥) في بعض النسخ « يود احدهم ».
(٦) في بعض النسخ « صائد بن الصيد ». وفي سنن الترمذي « ابن صياد ».
من دخان ، وخلفه جبل أبيض يُري النّاس أنَّه طعام ، يخرج حين يخرج في قحط شديد تحته حمار أقمر ، خطوة حماره ميلٌ ، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً ، لا يمرُّ بماء إلّا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنِّ والانس والشياطين يقول : إليَّ أوليائي (١) « أنا الّذي خلق فسوَّى وقدَّر فهدى ، أنا ربّكم الاعلى ». وكذب عدوُّ الله ، إنَّه أعور يطعم الطعام ، ويمشي في الاسواق ، وإنَّ ربّكم عزَّ وجلَّ ليس بأعور ، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول. تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ألا وإنَّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزِّنا ، وأصحاب الطيالسة الخضر ، يقتله الله عزَّ وجلَّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلّي المسيح عيسى بن مريم عليهماالسلام خلفه إلّا إنَّ بعد ذلك الطامّة الكبرى.
قلنا : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : خروج دابّة ( من ) الأرض من عند الصفا ، معها خاتم سليمان بن داود ، وعصى موسى عليهمالسلام ، يضع الخاتم على وجه كلِّ مؤمن فينطبع فيه : هذا مؤمن حقّاً ، ويضعه على وجه كلّ كافر فينكتب هذا كافر حقا ، حتّى أنَّ المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر ، وإنَّ الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن ، وددت أنّي اليوم كنت مثلك فأفوز فوزاًً عظيماً.
ثمَّ ترفع الدَّابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلَّ جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة ، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع « ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ».
ثمَّ قال عليهالسلام « لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا فإنّه عهد عهده إليَّ حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا اُخبر به غير عترتي.
قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة بن صوحان : يا صعصعة ما عنى أمير المؤمنين عليهالسلام بهذا؟ فقال صعصعة : يا ابن سبرة إن الّذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليهالسلام هو الثاني عشر من العترة ، التاسع من ولد الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، وهو الشمس
__________________
(١) أي اسرعوا ، أو الى مرجعكم أوليائي والاول أنسب.
الطالعة من مغربها يظهر عند الرُّكن والمقام فيطهّر الأرض ، ويضع ميزان العدل فلا يظلم أحدٌ أحداً.
فأخبر أمير المؤمنين عليهالسلام أنَّ حبيبه رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الائمّة صلوات الله عليهم أجمعين.
وحدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن عثمان بن الفضل العقيليُّ الفقيه قال : حدّثنا أبو عمر [ و ] محمّد بن جعفر بن المظفّر ؛ وعبد الله بن محمّد بن عبد الرَّحمن الرّازيُّ ، وأبو سعيد عبد الله بن محمّد بن موسى بن كعب الصيدانيّ ؛ وأبو الحسن محمّد بن عبد الله بن صبيح الجوهريّ قالوا : حدّثنا أبو يعلى بن أحمد بن المثنّى الموصليُّ ، عن عبد الاعلى بن حمّاد النرسيّ ، عن أيّوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بهذا الحديث مثله سواء.
٢ ـ حدّثنا أبو بكر محمّد بن عمر بن عثمان بن الفضل العقيليُّ الفقيه بهذا الاسناد عن مشايخه ، عن أبي يعلى الموصليّ ، عن عبد الاعلى بن حمّاد النرسيُّ ، عن أيّوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله صلّى ذات يوم بأصحابه الفجر ، ثمَّ قام مع أصحابه حتّى أتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أمَّ عبد الله استأذني لي على عبد الله ، فقالت يا أبا القاسم وما تصنع بعبد الله فوالله إنَّه لمجهود في عقله يحدّث في ثوبه وإنّه ليراودني على الامر العظيم ، فقال : استأذني عليه ، فقالت : أعلى ذمّتك ، قال : نعم ، فقالت : ادخل ، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها (١) ، فقالت أمّه : اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك فسكت وجلس فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو ، ثمّ قال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : ما تري؟ قال : أرى حقّاً وباطلاً ، وأرى عرشاً على الماء ، فقال : اشهد أن لاإله إلّا الله وأنّي رسول الله ، فقال : بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله ، فما جعلك الله بذلك أحقّ منّي.
فلما كان اليوم الثاني صلّى صلىاللهعليهوآله بأصحابه الفجر ، ثمَّ نهض فنهضوا معه حتّى
__________________
(١) الهينمة : الصوت الخفي والكلام الّذي لا يفهم. وفي بعض النسخ « يهمهم فيها ».
طرق الباب فقالت أمّه : ادخل ، فدخل فإذا هو في نخلة يغرد فيها (١) ، فقالت له أمّه : اسكت وانزل هذا محمّد قد أتاك فسكت ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرنكم أهو هو.
فلمّا كان في اليوم الثالث صلّى النبيُّ صلىاللهعليهوآله بأصحابه الفجر ، ثمّ نهض ونهض القوم معه حتّى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم له ينعق بها ، فقالت له أمّه : اسكت واجلس هذا محمّد قد أتاك ، فسكت وجلس وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدُّخان فقرأها بهم النبيُّ صلىاللهعليهوآله في صلاة الغداة ، ثمّ قال : أتشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله؟ فقال : بل تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحقَّ منّي.
فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآله : إنّي قد خبأت لك خبيئاً فما هو؟ فقال : الدُّخ الدُّخ (٢) فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآله : إخسأ فانّك لن تعدو أجلك ، ولن تبلغ أملك ولن تنال إلّا ما قُدِّر لك.
ثمَّ قال لاصحابه : أيّها النّاس ما بعث الله عزَّ وجلَّ نبيّاً إلّا وقد أنذر قومه الدَّجّال ، وإنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أخره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإنَّ ربّكم ليس بأعور ، أنَّه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والاعراب ، يدخل آفاق الأرض كلّها إلّا مكة ولا بتيها ، والمدينة ولا بتيها (٣).
قال مصنّف هذا الكتاب رضياللهعنه : أنَّ أهل العناد والجحود يصدقون بمثل هذا الخبر ويروونه في الدَّجال وغيبته وطول بقائه المدَّة الطويلة وخروجه في آخر الزَّمان ، ولا يصدِّقون بأمر القائم عليهالسلام وأنّه يغيب مدة طويلة ، ثمّ يظهر فيملأ
__________________
(١) الغر ـ بالتحريك ـ التطريب في الصوت والغناء.
(٢) يعنى الدخان ، وخبات أي سترت.
(٣) لابتا المدينة : حرتاه ، واللابة : الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود الّتي فد البستها لكثرتها.
الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مع نصِّ النبيّ صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام بعده عليه باسمه وغيبته ونسبه ، وإخبارهم بطول غيبته إرادة لاطفاء نور الله عزَّ وجلَّ وإبطالاً لامر ولي الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون ، وأكثر ما يحتجّون به في دفعهم لامر الحجّة عليهالسلام أنّهم يقولون : لم نرو هذه الأخبار الّتي تروونها في شأنه ولا نعرفها.
وهكذا يقول من يجحد نبوَّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله من الملحدين والبراهمة واليهود والنصارى والمجوس أنَّه ما صحَّ عندنا شيء ممّا تروونه من معجزاته ودلائله ولا نعرفها ، فنعتقد ببطلان أمره لهذه الجهة ، ومتى لزمنا ما يقولون لزمهم ما تقوله هذه الطوائف وهم أكثر عدداً منهم ، ويقولون أيضاً : ليس في موجب عقولنا أن يعمر أحدٌ في زماننا هذا عمراً يتجاوز عمر أهل الزَّمان ، فقد تجاوز عمر صاحبكم على زعمكم عمر أهل الزمان.
فنقول لهم : أتصدِّقون على أنَّ الدّجَّال في الغيبة يجوز أن يعمر عمراً يتجاوز عمر أهل الزَّمان ، وكذلك إبليس اللعين ولا تصدِّقون بمثل ذلك لقائم آل محمّدعليهمالسلام مع النصوص الواردة فيه بالغيبة وطول العمر والظهور بعد ذلك للقيام بأمر الله عزَّ وجلَّ وما روي في ذلك من الأخبار الّتي قد ذكرتها في هذا الكتاب ومع ما صحَّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله إذ قال : « كلّ ما كان في الامم السالفة يكون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ».
وقد كان فيمن مضى من أنبياء الله عزَّ وجلَّ وحججه عليهمالسلام معمّرون ، أمّا نوح عليهالسلام فإنّه عاش ألفي سنّة وخمسمائة سنّة ، ونطق القرآن بأنّه « لبث في قومه ألف سنّة إلّا خمسين عاماً ».
وقد روي في الخبر الّذي قد أسندته في هذا الكتاب أنَّ في القائم عليهالسلام سنّة من نوح عليهالسلام وهي طول العمر فكيف يدفع أمره ولا يدفع ما يشبهه من الأُمور الّتي ليس شيء منها في موجب العقول ، بل لزم الاقرار بها لأنّها رويت عن النبيِّ صلىاللهعليهوآله .
وهكذا يلزم الاقرار بالقائم عليهالسلام من طريق السمع وفي موجب أيِّ عقل من
العقول أنَّه يجوز أن يلبث أصحاب الكهف في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ، هل وقع التصديق بذلك إلّا من طريق السمع ، فلم لا يقع التصديق بأمر القائم عليهالسلام أيضاً من طريق السمع وكيف يصدِّقون ما يرد من الأخبار عن وهب بن المنبّه ، وعن كعب الاحبار في المحالات الّتي لا يصحُّ شيءٌ منها في قول الرَّسول صلىاللهعليهوآله ولا في موجب العقول ، ولا يصدِّقون بما يرد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام في القائم وغيبته وظهوره بعد شك أكثر النّاس في أمره وارتدادهم عن القول به ، كما تنطق به الاثار الصحيحة عنهم عليهالسلام هل هذا إلّا مكابرة في دفع الحق وجحوده.
كيف لا يقولون : أنَّه لمّا كان في الزَّمان غير محتمل للتعمير وجب أن تجري سنة الاولين بالتعمير في أشهر الاجناس تصديقاً لقول صاحب الشريعة صلىاللهعليهوآله ولا جنس أشهر من جنس القائم صلىاللهعليهوآله لأنّه مذكور في الشرق والغرب على ألسنة المقرّين به والسنة المنكرين له ، ومتى بطل وقوع الغيبة بالقائم الثاني عشر من الائمّة عليهمالسلام مع الرِّوايات الصحيحة عن النبيِّ صلىاللهعليهوآله أنَّه أخبر بوقوعها به عليهالسلام بطلت نبوَّته لأنّه يكون قد أخبر بوقوع الغيبة بمن لم يقع به ، ومتى صحَّ كذبه في شيء لم يكن نبيّاً وكيف يصدِّق عليهالسلام فيما أخبر به في أمر عمّار بن ياسر رضياللهعنه أنَّه تقتله الفئة الباغية وفي أمير المؤمنين عليهالسلام أنَّه تخضب لحيته من دم رأسه ، وفي الحسن بن عليّ عليهماالسلام أنَّه مقتول بالسمِّ ، وفي الحسين بن عليٍّ عليهماالسلام أنَّه مقتول بالسيف؟ ولا يصدَّق فيما أخبر به من أمر القائم ووقوع الغيبة به والتعيين عليه (١) باسمه ونسبه؟! بلى هو عليهالسلام صادق في جميع أقواله ، مصيب في جميع أحواله ، ولا يصحُّ إيمان عبد حتّى لا يجد في نفسه حرجاً ممّا قضى ويسلّم له في جميع الأُمور تسليماً ، ولا يخالطه شكٌّ ولا ارتياب ، وهذا هو الاسلام ، والاسلام هو الاستسلام والانقياد. « ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ».
ومن أعجب العجائب أنَّ مخالفينا يروون أن عيسى بن مريم عليهالسلام مرَّ بأرض كربلا فرأى عدَّة من الظباء هناك مجتمعة ، فأقبلت إليه وهي تبكي وأنّه جلس وجلس
__________________
(١) في بعض النسخ « والنص عليه ».
الحواريّون فبكى وبكى الحواريّون ، وهم لا يدرون لم جَلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أيَّ أرض هذه؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرَّسول أحمد وفرخ الحرَّة الطاهرة (١) البتول شبيهة اُمّي ، ويلحد فيها ، هي أطيب من المسك لأنّها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، وهذه الظباء تكلّمني وتقول : إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المستشهد المبارك ، وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ، ثمّ ضرب بيده إلى بعر تلك الظباء فشمّها فقال : اللّهمَّ أبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فيكون له عزاء وسلوة ، وإنّها بقيت إلى أيّام أمير المؤمنين عليهالسلام حتّى شمّها وبكى وأخبر بقصّتها لمّا مرَّ بكربلاء.
فيصدِّقون بأن بعر تلك الظباء تبقى زيادة على خمسمائة سنة لم تغيّرها الامطار والرِّياح ومرور الأيّام واللّيالي والسنين عليه ، ولا يصدِّقون بأن القائم من آل محمّد عليهمالسلام يبقى حتّى يخرج بالسيف فيبير أعداء الله عزَّ وجلَّ ويظهر دين الله. مع الأخبار الواردة عن النبيِّ والائمّة صلوات الله عليهم بالنصِّ عليه باسمه ونسبه وغيبته المدَّة الطويلة ، وجرى سنن الاوَّلين فيه بالتعمير ، هل هذا إلّا عناد وجحود للحقِّ؟ [ نعوذ بالله من الخذلان ].
٤٨
( باب )
[ حديث الظباء بأرض نينوى ]
* (في سياق هذا الحديث على جهته ولفظه) *
١ ـ حدّثنا أحمد بن الحسن بن القطان وكان شيخاً لاصحاب الحديث ببلد الرِّي يعرف بأبي عليِّ بن عبد ربّه قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال : حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال : حدّثنا تميم بن بهلول قال : حدّثنا عليُّ ابن عاصم ، عن الحصين بن عبد الرَّحمن ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : كنت مع
__________________
(١) في بعض النسخ « الخيرة الطاهرة ».
أمير المؤمنين عليهالسلام في خرجته إلى صفّين ، فلمّا نزل بنينوى وهو شطُّ الفرات قال : بأعلى صوته : يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ قال : قلت : ما أعرفه يا أمير المؤمنين ، فقال : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي ، قال : فبكى طويلاً حتّى اخضلت لحيته (١) وسالت الدُّموع على صدره وبكينا معه وهو يقول : أوه أوه مالي ولال أبي سفيان مالي ولال حرب : حزب الشيطان وأولياء الكفر؟! صبراً يا أبا عبد الله فقد لقي أبوك مثل الّذي تلقى منهم ، ثمَّ دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة فصلّى ما شاء الله أن يصلّي.
ثم ذكر نحو كلامه الاوَّل إلّا أنَّه نعس عند انقضاء صلاته ساعة ، ثمّ انتبه فقال : يا ابن عبّاس ، فقلت : ها أناذا ، فقال : إلّا اخبرك بما رأيت في منامي آنفاً عند رقدتي؟ فقلت : نامت عيناك ورأيت خيراً يا أمير المؤمنين ، قال : رأيت كأنّي برجال بيض قد نزلوا من السّماء معهم أعلام بيض ، قد تقلّدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطّة ، ثمّ رأيت هذه النخيل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض ، فرأيتها تضطرب بدم عبيط ، وكأني بالحسين نجلي (٢) وفرخي ومضغتي ومخّي قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث ، وكأن الرِّجال البيض قد نزلوا من السّماء ينادونه ويقولون : صبرأ آل الرَّسول فإنكم تقتلون على أيدي شرار النّاس ، وهذه الجنّة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثمّ يعزَّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشر فقد أقرَّ الله عينك به يوم القيامة ، يوم يقوم النّاس لربِّ العالمين ، ثمّ انتبهت.
هكذا والّذي نفس عليٍّ بيده لقد حدّثني الصادق المصدَّق أبو القاسم صلىاللهعليهوآله ، إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا وهذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين وسبعة عشر رجلاً كلّهم من ولدي وولد فاطمة عليهاالسلام ، وأنّها لفي السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس ، ثمَّ قال لي : يا ابن عبّاس اطلب لي حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت قط وهي مصفرَّة ، لونها
__________________
(١) أخضلت لحيته أي ابتلت بالدموع.
(٢) في بعض النسخ « سخلى ».
لون الزَّعفران.
قال ابن عبّاس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة الّتي وصفتها لي ، فقال عليٌّ عليهالسلام : صدق الله ورسوله ثمّ قام يهرول إليها فحملها وشمّها وقال : هي هي بعينها ، تعلم يا ابن عبّاس ما هذه الابعار؟ هذه قد شمها عيسى ابن مريم عليهالسلام وذلك أنَّه مرَّ بها ومعه الحواريّون فرأى هذه الظباء مجتمعة فأقبلت إليه الظباء وهي تبكي فجلس عيسى عليهالسلام وجلس الحواريون ، فبكى وبكى الحواريّون وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى ، فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أيَّ أرض هذه؟ قالوا : لا ، قال : هذه أرض يُقتل فيها فرخ الرَّسول أحمد وفرخ الحرة الطاهرة (١) البتول شبيهة اُمّي ويلحد فيها وهي أطيب من المسك وهي طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء ، فهذه الظباء تكلّمني وتقول : إنّها ترعى في هذه الأرض شوقاً إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ، ثمّ ضرب بيده إلى هذه الصيران (٢) فشمها فقال : هذه بعر الظباء على هذه الطيب لمكان حشيشها ، اللّهمَّ أبقها أبداً حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاه وسلوة. قال : فبقيت إلى يوم النّاس هذا وقد اصفرَّت لطول زمنها هذه أرض كرب وبلاء.
وقال بأعلى صوته : يا ربّ عيسى بن مريم لا تبارك في قتلته والحامل عليه والمعين عليه والخاذل له.
ثمَّ بكى بكاء طويلاً وبكينا معه حتّى سقط لوجهه وغشي عليه طويلاً ، ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرَّها في ردائه وأمرني أن أصرَّها كذلك ، ثمّ قال : يا ابن عبّاس إذا رأيتها تنفجر دماً عبيطاً فاعلم أنَّ أبا عبد الله قد قتل ودفن بها.
قال ابن عبّاس : فوالله لقد كنت أحفظها أكثر من حفظي لبعض ما افترض الله عليَّ
__________________
(١) في بعض النسخ « الخيرة الطاهرة.
(٢) جمع الصوار ـ ككتاب ـ وهو القطيع من البعر أو المسك وقال في القاموس : الصور : النخل الصغار. والصيران : المجتمع. والمراد بالصيران هنا المجتمعة من أبعار الظباء.
وأنا لا أحلّها من طرف كمّي ، فبينا أنا في البيت نائمٌ إذ انتبهت فإذا هي تسيل دماً عبيطاً وكان كمي قد امتلأت دماً عبيطاً ، فجلست وأنا أبكي وقلت : قتل والله الحسين والله ما كذبني عليٌّ قطٌّ في حديث حدَّثني ولا أخبرني بشيء قطُّ أنَّه يكون إلّا كان كذلك لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره ، ففزعت وخرجت وذلك [ كان ] عند الفجر فرأيت والله المدينة كأنّها ضباب (١) لا يستبين فيها أثر عين ، ثمَّ طلعت الشمس فرأيت كأنّها كاسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك وقلت ، قتل والله الحسين ، فسمعت صوتاً من ناحية البيت وهو يقول :
اصبـروا آل الرَّسول |
|
قُتل الفرخ النحول (٢) |
نزل الـرُّوح الاميـن |
|
ببـكاء وعويـل |
ثمَّ بكى بأعلى صوته وبكيت وأثبّت عندي تلك الساعة وكان شهر المحرَّم ويوم عاشوراء لعشر مضين منه فوجدته يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدَّثت بهذا. الحديث اولئك الّذين كانوا معه فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة لا ندري ما هو ، فكنا نرى أنَّه الخضر صلوات الله عليه وعلى الحسين ، ولعن الله قاتله والمشيّع عليه.
وقد روى أنَّ حبابة الوالبيّة لقيت أمير المؤمنين عليهالسلام ومن بعده من الائمّة عليهمالسلام وأنّها بقيت إلى أيّام الرِّضا عليهالسلام فلم ينكر من أمرها طول العمر فكيف ينكر القائم عليهالسلام.
__________________
(١) اليوم صار ذا ضباب ـ بالفتح ـ أي ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان.
(٢) النحول : الهزال. وفي بعض النسخ « المحول » ولعل المراد العطشان لأنّ المحل : انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلاء.
٤٩
( باب )
* (في سياق حديث حبابة الوالبيّة ما :) *
١ ـ حدّثنا عليُّ بن أحمد الدّقّاق رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب قال : حدّثنا عليُّ بن محمّد ، عن أبي عليٍّ محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر ، عن أحمد ابن قاسم العجليِّ ، عن أحمد بن يحيى المعروف ببرد ، عن محمّد بن خداهي (١) ، عن عبد الله بن أيّوب ، عن عبد الله بن هشام ، عن عبد الكريم بن عمر الخثعميِّ ، عن حبابة الوالبيّة قالت : رأيت أمير المؤمنين عليهالسلام في شرطة الخميس ومعه درَّة يضرب بها يبّاع الجري والمار ما هي والزَّمار والطافي ويقول لهم : يا بيّاعي مسوخ بني إسرائيل وجند بني مروان ، فقام إليه فرات بن الأحنف فقال له : يا أمير المؤمنين فماجند بني مروان؟ (قالت :) فقال له : أقوام حلقوا اللحاء وفتلوا الشوارب ، فلم أرنا ناطقاً أحسن نطقاً منه ثمَّ أتبعته فلم أزل أقفوا أثره حتّى قعد في رحبة المسجد فقلت له : يا أمير المؤمنين ما دلالة الامامة رحمك الله؟ فقال لي : ايتيني بتلك الحصاة ـ وأشار بيده إلى حصاة ـ فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه ، ثمّ قال لي : يا حبابة إذا ادَّعى مدَّع الامامة فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنَّه إمام مفترض الطاعة ، والامام لا يعزب عنه شيء يريده.
قالت : ثمَّ انصرفت حتّى قبض أمير المؤمنين عليهالسلام فجئت إلى الحسن عليهالسلام وهو في مجلس أمير المؤمنين والناس يسألونه ، فقال لي : يا حبابة الوالبيّة! فقلت : نعم يا مولاي : فقال : هاتي ما معك ، قلت : فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها كما طبع أمير المؤمنين عليهالسلام.
__________________
(١) في الكافي « عن أحمد بن محمّد بن يحيى المعروف بكرد ، عن محمّد بن خداهى عن عبد الله بن أيّوب ، عن عبد الله بن هاشم ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ».
قالت : ثمَّ أتيت الحسين عليهالسلام وهو في مسجد الرَّسول صلىاللهعليهوآله فقرَّب ورحّب بي ثمّ قال لي : إنَّ في الدلالة دليلاً على ما تريدين ، أفتريدين دلالة الامامة؟ فقلت : نعم يا سيّدي ، فقال : هاتي ما معك ، فناولته الحصاة ، فطبع لي فيها ، قالت : ثمّ أتيت عليَّ بن الحسين عليهماالسلام وقد بلغ بي الكبر إلى أن أعييت (١) وأنا أعدُّ يومئذ مائة وثلاث عشرة سنّة فرأيته راكعاً وساجداً مشغولاً بالعبادة ، فيئست من الدِّلالة فأومأ إليَّ بالسبّابة فعاد إليَّ شبابي ، قالت : فقلت : يا سيّدي كم مضى من الدُّنيا وكم بقي؟ قال : أمّا ما مضى فنعم ، وأمّا ما بقي فلا ، قالت : ثمّ قال لي : هاتي ما معك فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا جعفر عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا عبد الله ـ عليهالسلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام فطبع لي فيها ، ثمّ أتيت الرِّضا عليهالسلام فطبع لي فيها ثمّ عاشت حبابة الوالبيّة بعد ذلك تسعة أشهر على ما ذكره عبد الله بن هشام.
٢ ـ حدّثنا محمّد بن محمّد بن عصام رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال : حدّثنا عليُّ بن محمّد قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن عليٍّ عليهمالسلام : أنَّ حبابة الوالبيّة دعا لها عليُّ بن الحسين فرد الله عليها شبابها فأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها ، ولها يومئذ مائة سنّة وثلاث عشرة سنة.
قال مصنّف هذا الكتاب رضياللهعنه : فإذا جاز أن يردَّ الله على حبابة الوالبيّة شبابها وقد بلغت مائة سنّة وثلاث عشرة سنّة وتبقى حتّى تلقي الرِّضا عليهالسلام وبعده تسعة أشهر بدعاء عليِّ بن الحسين عليهماالسلام ، فكيف لا يجوز أن يكون نفس الامام المنتظر عليهالسلام أن يدفع الله عزَّ وجلَّ عنه الهرم ويحفظ عليه شبابه ويبقيه حتّى يخرج فيملاء الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، مع الأخبار الصحيحة بذلك عن النبيِّ صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام.
ومخالفونا رووا أنَّ أبا الدُّنيا المعروف بمعمر المغربيِّ واسمه عليُّ بن عثمان
__________________
(١) في الكافي « إلى أنَّ أرعشت ».
ابن خطاب بن مرَّة بن مؤيّد لمّا قبض النبيُّ صلىاللهعليهوآله كان له قريباً من ثلاثمائة سنّة ، وأنّه خدم بعده أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام وأنَّ الملوك أشخصوه إليهم وسألوه عن علّة طول عمره واستخبروه عمّا شاهد فأخبر أنَّه شرب من ماء الحيوان فلذلك طال عمره ، وأنّه بقي إلى أيّام المقتدر ، وأنّه لم يصحَّ لهم موته إلى وقتنا هذا ، ولا ينكرون أمره فكيف ينكرون أمر القائم عليهالسلام لطول عمره.
٥٠
( باب )
* (سياق حديث معمر المغربي) *
* (أبي الدُّنيا عليِّ بن عثمان بن الخطّاب بن مرَّة بن مؤيّد) *
١ ـ حدّثنا أبو سعيد عبد الله بن محمّد بن عبد الوهاب بن نصر السجزيُّ (١) قال : حدّثنا أبو بكر محمّد بن الفتح الرّقي (٢) ؛ وأبو الحسن عليُّ بن الحسن بن الاشكي (٣) ختن أبي بكر قالا : لقينا بمكّة رجلاً من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممّن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنّة تسع وثلاثمائة فرأينا رجلاً أسود الرأس واللّحية كأنّه شنُّ بال (٤) ، وحوله جماعة هم أولاده وأولاد أولاده ومشائخ من أهل بلده ، وذكروا أنّهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرت العليا وشهدوا هؤلاء المشائخ أنّا سمعنا آبائنا حكوا عن أبائهم وأجدادهم أنّا عهدنا (٥) هذا الشيخ
__________________
(١) في بعض النسخ « الشجري ».
(٢) مجهول لا يعرف. وفي بعض النسخ البرقيُّ ، وفي بعضها « المزني » وفي بعضها « المركي » وفي بعضها « المركني » وجعل في جميع هذه النسخ « القاسم » بدل « الفتح ».
(٣) في بعض النسخ « عليّ بن الحسين بن حثكا اللائكي » واحتمل كونه عليّ بن الحسن اللاني المعنون في تقريب التهذيب.
(٤) أي القربة الخلقة الصغيرة.
(٥) في بعض النسخ « أنّهم سمعوا آباءهم واجدادهم أنّهم عهدوا ».
المعروف بأبي الدُّنيا معمر واسمه عليُّ بن عثمان بن خطّاب بن مرّة بن مؤيّد وذكروا أنَّه همدانيٌّ ، وأنّ أصله من صنعاء اليمن (١) فقلنا له : أنت رأيت عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام؟ فقال بيده (٢) ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه عليهما ففتحهما كأنّهما سراجان ، فقال : رأيته بعينيَّ هاتين وكنت خادماً له ، وكنت معه في وقعة صفّين ، وهذه الشجّة من دابة عليٍّ عليهالسلام ، وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن ، وشهد الجماعة الّذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر ، وإنّهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة.
وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا ، ثمّ إنّا فاتحناه وساءلناه عن قصّته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل ، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلبٍّ وعقل ، فذكر أنَّه كان له والدٌ قد نظر في كتب الاوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنّها تجري في الظلمات ، وأنّه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمّل وتزوَّد حسب ما قدَّر أنَّه يكتفي به في مسيره ، وأخرجني معه واخرج معنا خادمين باذلين وعدّة جمال لبون [ عليها ] روايا وزادو إنّا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنّة ، فسار بنا إلى أنَّ وافينا طرف الظلمات ، ثمّ دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستّة أيّام ولياليها ، وكنّا نميز بين اللّيل والنّهار بأنّ النّهار كان يكون أضوء قليلاً وأقل ظلمة من اللّيل ، فنزلنا بين جبال وأودية ودكوات (٣) ، وقد كان والدي رضياللهعنه يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنّه وجد في الكتب الّتي قرأها أنَّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع ، فأقمنا في تلك البقعة أيّاماً حتّى فنى الماء الّذي كان معنا واستقيناه جمالنا ، ولولا أنَّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشاً ، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرُّجوع إلينا ، فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيّام ووالدي يطلب النهر فلا يجده
__________________
(١) في بعض النسخ « صعيد اليمن ».
(٢) أي أشار. وفي معنى القول توسع.
(٣) الدك : ما استوى من الرمل كالدكة والمستوى من المكان ، والتل والجبل.
وبعد الاياس عزم على الانصراف حذراً على التلف لفناء الزَّاد والماء ، والخدم الّذين كانوا معنا ضجروا فأوجسوا التلف على أنفسهم (١) وألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوماً من الرَّحل لحاجتي فتباعدت من الرَّحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللّون ، عذب لذيذ ، لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير ، ويجري جرياناً ليناً فذنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فوجدته عذباً بارداً لذيذاً ، فبادرت مسرعاً إلي الرَّحل وبشّرت الخدم بأنّي قد وجدت الماء ، فحملوا ما كان معنا من القرب والادوات لنملاها ، ولم أعلم أنَّ والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء ، لمّا كنّا عدمنا الماء وفنى ما كان معنا ، وكان والدي في ذلك الوقت غائباً عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هويّة (٢) على أن نجد النهر ، فلم نهتدي إليه حتّى أنَّ الخدم كذَّبوني وقالوا لي : لم تصدق ، فلمّا انصرفت إلى الرَّحل وانصرف والدي أخبرته بالقصّة فقال لي : يا بنيَّ الّذي أخرجني إلى هذا المكان وتحمّل الخطر كان لذلك النهر ولم أرزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتّى تملَّ الحياة ، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أو طاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سُنيّات ثمَّ توفّي رضياللهعنه.
فلمّا بلغ سنّي قريباً من ثلاثين سنّة وكان ( قد ) اتصل بنا وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ووفاة الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيّام عثمان فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبيِّ صلىاللهعليهوآله إلى عليِّ بن أبي طالب عليهالسلام فأقمت معه ، أخدمه وشهدت معه وقايع وفي وقعة صفّين أصابتني هذه الشجّة من دابّته ، فما زلت مقيماً معه إلى أن مضى لسبيله عليهالسلام ، فألحَّ عليَّ أولاده وحرمه أن اقيم عندهم فلم أقم وانصرفت إلى بلدي.
وخرجت أيّام بني مروان حاجّاً وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ما خرجت في سفر إلّا ما كان [ إلي ] الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعمّا شاهدت و
__________________
(١) في بعض النسخ « في أنفسهم » وفي بعضها « وخشوا على أنفسهم ».
(٢) أي زماناً طويلا.