أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦
ومن الدّليل على أنَّ الحسن بن علي عليهماالسلام قد نصَّ ثبات إمامته ، وصحّة النصّ من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفساد الاختيار ، ونقل الشيع عمّن قد أوجبوا بالادلّة تصديقه أنَّ الامام لا يمضي أو ينصّ على إمام كما فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ كان النّاس محتاجين في كلّ عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الاُمّة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يكون عالماً ليعلم النّاس ما جهلوا ، وعادلاً ليحكم بالحق ، ومن هذا حكمه فلابدّ من أن ينصَّ عليه علّام الغيوب على لسان من يؤدِّي ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدلُّ على عصمته.
فإن قالت المعتزلة : هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلّوا على صحّتها ، قلنا : أجل لابدّ من الدلائل على صحّة ما ادعيناه من ذلك وأنتم ، فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدلُّ عليه دون أن يدلَّ على صحّة أصله ، ودلائلنا في كتبنا موجودة على صحّة هذه الاصول ونظير ذلك أنَّ سائلا لو سألنا الدّليل على صحّة الشرايع لاحتجنا أن ندل على صحّة الخبر وعلى صحّة نبوَّة النبيّ صلىاللهعليهوآله وعلى أنَّه أمر بها ، وقبل ذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ واحدٌ حكيمٌ ، وذلك بعد فراغنا من الدّليل على أنَّ العالم محدث ، وهذا نظير ما سألونا عنه ، وقد تأمّلت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكاً وهو أنّهم قالوا : لو كان الحسن بن عليُّ عليهماالسلام قد نصَّ على من تدَّعون إمامته لسقطت الغيبة.
والجواب في ذلك أنَّ الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الانسان إلى بلد يكون معروفاً فيه ومشاهداً لأهله ، ويكون غائباً عن بلد آخر ، وكذلك قد يكون الانسان غائباً عن قوم دون قوم ، وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال : إنَّه غائب وإنّه مستتر ، وإنّما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمّن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وإنّه ليس مثل آبائه عليهمالسلام ظاهراً للخاصّة والعامّة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممّن تجب بنقلهم الحجّة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم ، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه عليهمالسلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحّة آيات النبيّ صلىاللهعليهوآله سوى القرآن وإن خالفهم
أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزَّنادقة والدَّهريّة في كونها. ولبست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأمّلك.
وأما قولهم (١) إذا ظهر فكيف يعلم أنَّه محمّد بن الحسن بن عليٍّ عليهمالسلام؟.
فالجواب في ذلك أنَّه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجّة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم.
وجواب آخر وهو أنَّه قد يجوز أن يظهر معجزاً يدلُّ على ذلك. وهذا الجواب الثّاني هو الّذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الأوّل صحيحاً.
وأمّا قول المعتزلة : فكيف لم يحتجَّ عليهم عليُّ بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى؟ فإنا نقول : أنَّ الأنبياء والحجج عليهمالسلام إنّما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عزَّ وجلَّ به ممّا يعلم الله أنَّه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجّة عليهم بقول النبيِّ صلىاللهعليهوآله فيه ونصّه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللّهم إلّا أن يقول قائل : أنَّ إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت ، فنقول له : وما الدّليل على صحّة ذلك؟ وما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله عزَّ وجلَّ لو أظهر معجزاً على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت ولادَّعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزاً لم يعلم أنَّ إقامة المعجز كانت أصلح.
فإن قالت المعتزلة : فبأيّ شيء تعلمون أنَّ إقامة (٢) من تدعون إمامته المعجز على أنَّه ابن الحسن بن عليّ عليهماالسلام إصلح؟ قلنا لهم : لسنا نعلم أنَّه لابدّ من إقامة المعجز في تلك الحال وإنّما نجوز ذلك ، اللّهمّ إلّا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لابدّ منه لاثبات الحجّة وإذا كان لابدّ منه كان واجباً وما كان واجباً كان صلاحاً لا فساداً ، وقد علمنا أنَّ الأنبياء عليهمالسلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كلِّ يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كلّ محتجٍّ عليهم ممّن أراد الاسلام ، بل في
__________________
(١) أي قول المعتزلة.
(٢) في بعض النسخ « أن أقام ».
وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله عزَّ وجلَّ من الصلاح. وقد حكى الله عزَّ وجلَّ عن المشركين أنّهم سألوا نبيّه صلىاللهعليهوآله أنَّ يرقى في السّماء وأن يسقط السّماء عليهم كسفاً أو ينزِّل عليهم كتاباً يقرؤونه وغير ذلك ممّا في الآية ، فما فعل ذلك بهم ، وسألوه أن يحيى لهم قصيَّ بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كان عليهالسلام قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات ، وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه ، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الادلّة من تكرُّر المعجزات والاستظهار بكثرة الدّلالات.
وأمّا قول المعتزلة : إنَّه احتجّ بما يحتمل التأويل ، فيقال : فما احتجَّ عندنا على أهل الشورى إلّا بما عرفوا من نصِّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لأنّ أولئك الروساء لم يكونوا جهّالاً بالامر وليس حكمهم حكم غيرهم من الاتباع ، ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عزَّ وجلَّ بأضعاف من بعث من الانبياء؟ ولم لم يبعث في كلّ قرية نبيّاً وفي كلّ عصر ودهر نبيّاً أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة؟ ولم لم يبيّن معاني القرآن حتّى لا يشك فيه شاك ولم تركه محتملاً للتأويل؟ وهذه المسائل تضطرُّهم إلى جوابنا. إلى ههنا كلام أبي جعفر بن قبة ـ رحمهالله ـ.
كلام لأحد المشايخ في الرد على الزيدية :
وقال غيره من متكلّمي مشايخ الاماميّة : إنَّ عامّة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أنَّ القول بغيبة صاحب الزَّمان عليهالسلام مبنيٌّ على القول بإمامة آبائه عليهمالسلام ، والقول بأمامة آبائه عليهمالسلام مبنيٌّ على القول بتصديق محمّد صلىاللهعليهوآله وإمامته ، وذلك أنَّ هذا باب شرعيٌّ وليس بعقليٍّ محض والكلام في الشرعيات مبني على الكتاب والسنة كما قال الله عزَّ وجلَّ : « فإنَّ تنازعتم في شيء (يعني في الشرعيّات) فردُّوه إلى الله وإلى الرَّسول » (١) فمتى شهد لنا الكتاب والسنّة وحجّة العقل فقولنا هو المجتبى ، ونقول : أنَّ جميع طبقات الزيديّة و
__________________
(١) النساء : ٥٩.
الاماميّة قد اتفقوا على أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض » وتلقّوا هذا الحديث بالقبول فوجب أنَّ الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عزَّ وجلَّ كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطاً ولا استخراجاً كما لم تكن معرفة الرَّسول صلىاللهعليهوآله بذلك استخراجاً ولا استنباطاً ولا استدلالاً ولا على ما تجوز عليه اللّغة وتجري عليه المخاطبة ، بل يخبر عن مراد الله ويبيّن عن الله بيانا تقوم بقوله الحجّة على النّاس ، كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرَّسول صلىاللهعليهوآله بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة ، قال الله عزَّ وجلَّ في صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله : « قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني » (١) فأتباعه من أهله وذريّته وعترته هم الّذين يخبرون عن الله عزَّ وجلَّ مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة ، ومتى لم يكن المخبر عن الله عزَّ وجلَّ مراده ظاهراً مكشوفاً فانّه يجب علينا أن نعتقد أنَّ الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرَّسول صلىاللهعليهوآله يعرف التأويل والتنزيل إذ الحديث يوجب ذلك.
وقال علماء الاماميّة : قال الله عزَّ وجلَّ : « إنَّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذريّة بعضها من بعض » (٢) فوجب بعموم هذه الآية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أنَّ الله عزَّ وجلَّ جنّس النّاس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الأنبياء والرسل والخلفاء عليهمالسلام وجنساً اُمروا باتباعهم ، فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبّر وسائس ومعلّم ومقوِّم يجب أن يكون بازائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عزَّ وجلَّ « ذرّيّة بعضها من بعض » وقد صحَّ أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم المصطفون من آل إبراهيم فوجب
__________________
(١) يوسف : ١٠٨.
(٢) آل عمران : ٣٣.
أن يكون المصطفى بعد الحسين عليهالسلام منه لقوله عزَّ وجلَّ « ذرّيّة بعضها من بعض » ومتى لم تكن الذّرّية منه لا تكون الذّرّية بعضها من بعض إلّا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الامامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين عليهماالسلام وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى « ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم » ، فدلّت الآية على ما دلّت السنّة عليه.
استدلال على وجود امام غائب من العترة يظهر ويملا الأرض عدلا :
وقال بعض علماء الاماميّة : كان الواجب علينا وعلى كلّ عاقل يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن وبجميع الأنبياء الّذين تقدَّم كونهم كون نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله أن يتأمّل حال الاُمم الماضية والقرون الخالية فإذا تأمّلنا وجدنا حال الرُّسل والامم المتقدّمة شبيهة بحال أمّتنا وذلك أنَّ قوّة كلّ دين كانت في زمن أنبيائهم عليهمالسلام إنّما كانت متى قبلت الاُمم الرُّسل فكثر أتباع الرَّسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أنَّ قوي أمر الرَّسول من هذه الاُمّة لأنّ الرُّسل الّذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمّد صلىاللهعليهوآله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهمالسلام هم الرُّسل الّذين في يد الاُمم آثارهم وأخبارهم ، ووجدنا حال تلك الاُمم اعترض في دينهم الوهن في المتمسّكين به لتركهم كثيراً ممّا كان يجب عليهم محافظته في أيّام رسلهم وبعد مضيِّ رسلهم وكذلك ما قال الله عزّ وجلّ : « قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم كثيراً ممّا كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير » (١).
وبذلك وصف الله عزَّ وجلَّ أمر تلك القرون فقال عزَّ وجلَّ : « فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً » (٢) وقال الله عزّ وجلّ لهذه الاُمّة : « ولا يكونوا كالّذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم » (٣).
__________________
(١) المائدة : ١٨.
(٢) مريم : ٥٩.
(٣) الحديد : ١٦.
وفي الاثر « أنَّه يأتي على النّاس زمان لا يبقى فيهم من الاسلام إلّا اسمه ومن القرآن إلّا رسمه » وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنَّ الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء » فكان الله عزَّ وجلَّ يبعث في كلّ وقت رسولاً يجدِّد لتلك الاُمم ما انمحى من رسوم الدِّين واجتمعت الاُمّة إلّا من لا يلتفت إلى اختلافه ، ودلّت الدّلائل العقليّة أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد ختم الأنبياء بمحمّد صلىاللهعليهوآله فلا نبيَّ بعده ، ووجدنا أمر هذه الاُمّة في استعلاء الباطل على الحقّ والضلال على الهدى بحال زعم كثيرٌ منهم أنَّ الدّار اليوم دار كفر وليست بدار الاسلام ، ثمّ لم يجر على شيء من اُصول شرايع الاسلام ما جرى في باب الامامة ، لأنّ هذه الاُمّة يقولون : لم يقم [ لهم ] بالامامة منذ قتل الحسين عليهالسلام إمامٌ عادلٌ لا من نبي اُميّة ولا من ولد عبّاس الّذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق ، ونحن والزّيديّة وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون : أنَّ الامام لا يكون إلّا من ظاهره ظاهر العدالة ، فالاُمّة في يد الجائرين يلعبون بهم ويحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله ، وظهر أهل الفساد على أهل الحقِّ وعدم اجتماع الكلمة ، ثمّ وجدنا طبقات الاُمّة كلّهم يكفر بعضهم بعضاً ، ويبرأ بعضهم من بعض.
ثمّ تأمّلنا أخبار الرَّسول صلىاللهعليهوآله فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملا قسطاً وعدلاً كما ملئت جورا وظلما برجل من عترته ، فدلنا هذا الحديث على أنَّ القيامة لا تقوم على هذه الاُمّة إلّا بعد ما ملئت الأرض عدلا ، فإنَّ هذا الدِّين الّذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيّده الله عزَّ وجلَّ كما أيّد الأنبياء والرُّسل لمّا بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودةً غير معدومة ، وقد علمنا عامة اختلاف الاُمّة وسبرنا أحوال الفرق ، فدلّنا أنَّ الحقَّ مع القائلين بالأئمّة الاثنى عشر عليهمالسلام دون من سواهم من فرق الاُمّة ، ودلّنا ذلك على أنَّ الامام اليوم هو الثاني عشر منهم وأنّه الّذي أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله به ونصَّ عليه. وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله في عدد الائمّة عليهمالسلام وإنّهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر ،
والاخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.
اعتراضات للزيدية :
قال بعض الزّيديّة : إنَّ الرِّواية الّتي دلت على أنَّ الائمّة اثنا عشر قول أحدثه الاماميّة قريباً وولّدوا فيه أحاديث كاذبة.
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنَّ الأخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً مستفيضاً من حديث عبد الله ابن مسعود ما حدّثنا به أحمد بن الحسن القطّان المعروف بأبي عليِّ بن عبد ربّه الرّازيُّ وهو شيخ كبير لاصحاب الحديث قال : حدّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزيُّ بالري في شهر ربيع الأوّل سنة اثنين وثلاثمائة ، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف باسحاق بن راهويه ، عن يحيى بن يحيى (١) ، عن هشام ، عن مجالد (٢) عن الشعبيِّ ، عن مسروق قال : بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شابٌّ : هل عهد إليكم نبيّكم صلىاللهعليهوآله كم يكون من بعده خليفة؟ قال : إنّك لحدث السنِّ وإنَّ هذا شيء ما سألني عنه أحد [ من ] قبلك ، نعم
__________________
(١) هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي أبو زكريا النيسابوري ثقة. وأما اسحاق بن راهويه فهو أبو يعقوب الحنظلي المروزي المحدث الفقيه ، قال ابن حنبل : اسحاق عندنا امام من أئمّة المسلمين وما عبر جسر أفضل منه (راجع تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٢٩٦ وج ١ ص ٢١٦).
(٢) في بعض النسخ « هشام بن خالد » وفى أكثرها « هشام بن مجالد » وفى مسند أحمد ج ١ ص ٣٩٨ هذا الحديث بعينه « عن حماد بن زيد ، عن المجالد ، عن الشبعى » وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الّذي يأتي ، يروى عن مجالد بن سعيد بن عمير أبي عمرو هو كما قال ابن حجر ليس بالقوي. وفي كفاية الاثر أيضاً « عن هشام الدستوائي ، عن مجالد بن سعيد » وهذا هو الصواب لمّا في طريق الشيخ في كتاب الغيبة « عن عميس بن يونس عن مجالد بن سعيد » وقلنا المراد بهشام أبو بكر البصري واسم ابيه « سنبر » وهو ثقة ثبت. وفي الخصال « هيثم بن خالد » وهو تصحيف. وأما الشعبي فهو عامر بن شراحيل أبو عمرو ، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في التقريب. وأما مسروق فهو مسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ثقة فقيه عابد.
عهد إلينا نبيّنا صلىاللهعليهوآله أنَّه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني اسرائيل.
وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النصِّ على الائمّة الاثنى عشر عليهمالسلام. بالامامة. ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر بن سمرة ما حدّثنا به أحمد بن محمّد بن إسحاق الدّينوريِّ ، وكان من أصحاب الحديث قال : حدّثني أبو بكر بن أبي داود (١) ، عن إسحاق بن إبراهيم ابن شاذان ، عن الوليد بن هشام ، عن محمّد بن ذكوان (٢) قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن سيرين ، عن جابر بن سَمُرة السوائي قال : كنّا عند النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يلي هذه الاُمّة اثنا عشر ، قال : فصرخ النّاس فلم أسمع ما قال : فقلت لابي ـ وكان أقرب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله منّي : ما قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ فقال : قال : كلّهم من قريش وكلّهم لا يرى مثله.
وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضاً ، وبعضهم روى « اثنا عشر أميرا » ، وبعضهم روى « اثنا عشر خليفة » فدلَّ ذلك على أنَّ الاخبار الّتي في يد الاماميّة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام بذكر الائمّة الاثنى عشر أخبارٌ صحيحة (٣).
قالت الزّيديّة : فإنَّ كان رسول الله صلىاللهعليهوآله قد عرَّف اُمّته أسماء الأئمّة الاثنى عشر فلم ذهبوا عنه يميناً وشمالاً وخبطوا هذا الخبط العظيم؟
فقلنا لهم : إنّكم تقولون : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله استخلف عليّاً عليهالسلام وجعله الامام بعده ونصِّ عليه وأشار إليه وبيّن أمره وشّهره ، فما بال أكثر الاُمّة ذهبت عنه و
__________________
(١) في الخصال « أبو بكر بن أبي زواد » ولم أظفر به.
(٢) في بعض النسخ من الخصال « مخول بن ذكوان » ولم أجده.
(٣) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقا عن جابر بن سمرة راجع المسند ج ٥ ص ٨٧ إلى ص ١٠٨. ورواه الخطيب أيضاً في التاريخ ج ١٤ ص ٣٥٣ من حديث جابر بن سمرة ونحوه في ج ٦ ص ٢٦٣ من حديث عبد الله بن عمرو وأخرجه مسلم في صحيحة كتاب الامارة بطرق عديدة من حديث جابر.
تباعدت منه حتّى خرج من المدينة إلى ينبع (١) وجرى عليه ما جرى ، فإنَّ قلتم : إنَّ عليا عليهالسلام لم يستخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلّمتم عليه ، فإنَّ النّاس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحاً ، وعن البيان وإن كان مشروحاً كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد ، ومن قوله عزَّ وجلَّ : « ليس كمثله شيء » إلى التشبيه.
اعتراض آخر للزيدية :
قالت الزّيديّة : وممّا تكذب به دعوى الاماميّة أنّهم زعموا أنَّ جعفر بن محمّد عليهماالسلام نصَّ لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته ، ثمّ أنَّ إسماعيل مات في حياته فقال : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فإنَّ كان الخبر الاثنا عشر صحيحاً فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمّد عليهماالسلام ويعرِّف خواصَّ شيعته لئلّا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم.
فقلنا لهم : بم قلتم : أنَّ جعفر بن محمّد عليهماالسلام نصَّ على إسماعيل بالامة؟ وما ذلك الخبر؟ ومن رواه؟ ومن تلقّاه بالقبول؟ فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً ، وإنّما هذه حكاية ولّدها قوم قالوا بامامة إسماعيل ، ليس لها أصلٌ لأنّ الخبر بذكر الائمّة الاثنا عشر عليهمالسلام قد رواه الخاصُّ والعامُّ ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله والائمّة عليهمالسلام ، وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب. فأمّا قوله : « ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني » فانه يقول : ما ظهر لله أمر كما ظهر له في أسماعيل ابني إذا اخترمه في حياتي (٢) ليعلم بذلك أنَّه ليس بامام بعدى. وعندنا من زعم أنَّ الله عزَّ وجلَّ يبدو له اليوم في شيء لم يعلمه أمس فهو كافرٌ والبراءة منه واجبة ، كما روي عن الصادق عليهالسلام.
حدثنا أبي رضياللهعنه عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن ـ يحيى بن عمران الأشعريِّ قال : حدّثنا أبو عبد الله الرازي ، عن الحسن بن الحسين
__________________
(١) في بعض النسخ « البقيع ».
(٢) اخترمة : أهلكه واستأصله.
اللؤلؤيِّ ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار ، عن أبي بصير ؛ وسماعة ، عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قال : من زعم أنَّ الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه أمس فابرؤوا منه.
وإنّما البداء الّذي ينسب إلى الاماميّة القول به هو ظهور أمره. يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي ، لا بدا ندامة ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
وكيف ينصُّ الصادق عليهالسلام على إسماعيل بالامامة مع قوله فيه : إنَّه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعريّ ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن إسماعيل فقال : عاص ، لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضياللهعنه قال : حدّثنا أبي ، عن محمّد ابن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، والبرقيِّ ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن حمّاد ، عن عبيد بن زرارة قال : ذكرت إسماعيل عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال : والله لا يشبهني ولا يشبه أحداً من آبائي.
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدّثنا سعد بن عبد الله عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن أبي نجران ، عن الحسين بن المختار ، عن الوليد بن ـ صبيح قال : جاءني رجلٌ فقال لي : تعال حتّى اريك ابن الرَّجل قال : فذهبت معه ، قال : فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر ، قال : فخرجت مغموماً فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلَّ أستار الكعبة بدموعه ، قال : فخرجت أشتدَّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم ، فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه ، قال : فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : لقد ابتلى ابني بشيطان يتمثل في صورته.
وقد روي أنَّ الشيطان لا يتمثّل في صورة نبيٍّ ولا في صورة وصيِّ نبيٍّ ، فكيف يجوز أن ينصّ عليه بالامامة مع صحّة هذا القول منه فيه.
اعتراض آخر :
قالت الزّيديّة : بأيّ شيء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجّتكم على الاسماعيليّة القائلين بامامته؟
قلنا لهم : ندفع إمامته بما ذكرنا من الاخبار وبالأخبار الواردة بالنصِّ على الائمّة الاثنى عشر عليهمالسلام وبموته في حياة أبيه.
فأمّا الاخبار الواردة بالنصِّ على الأئمّة الاثنى عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب.
وأمّا الاخبار الواردة بموته في حياة الصادق عليهالسلام ما حدّثنا به أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، والحسن بن عليّ بن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن ـ عبد الله الاعرج قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : لمّا مات إسماعيل أمرت به وهو مسجّى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره ، ثمّ أمرت به فغطّي ، ثمّ قلت : اكشفوا عنه فقبلت أيضاً جبهته وذقنه ونحره ، ثمّ أمرتهم فغطّوه ، ثمّ أمرت به فغسل ثمّ دخلت عليه وقد كفّن فقلت : اكشفوا عن وجهه ، فقبّلت جبهته وذقنه ونحره وعوَّذته ، ثمَّ قلت : درِّجوه. فقلت : بأي شيء عوذته؟ قال : بالقرآن.
قال مصنّف هذا الكتاب : في هذا الحديث فوائد أحدها الرُّخصة بتقبيل جبهة الميّت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلّا أنَّه من مسّ ميّتاً قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه ، فإنَّ مسّه بعد ما يبرد فعليه الغسل ، وإن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه ، فلو ورد في الخبر أنَّ الصادق عليهالسلام اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنَّه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد.
وللخبر فائدة أخرى وهي أنَّه قال : أمرت به فغسّل ولم يقل غسّلته وفي هذا الحديث أيضاً ما يبطل إمامة إسماعيل لأنّ الامام لا يغسّله إلّا إمام إذا حضره (١).
__________________
(١) فيه نظر لأنّه يمكن أن يقال الاخبار الّتى وردت بان الامام لا يغسله إلّا الامام مع ضعف سندها لا تدل على وجوب المباشرة إنّما دلالته على أنَّ ولى الامام في التجهيز هو الامام الّذي بعده
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهالله قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أيوب بن نوح ، ويعقوب يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن شعيب ، عن أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليهالسلام جالس عنده فلمّا حضره الموت شدَّ لحييه وغطّاء بالملحفة ثمّ أمر بتهيئته ، فلمّا فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله ».
حدثنا أبي رضياللهعنه قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريُّ ، عن إبراهيم ابن مهزيار ، عن أخيه عليِّ بن مهزيار ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن مرّة مولى محمّد بن ـ خالد قال : لمّا مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله عليهالسلام إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر ، ثمّ قال : هكذا صنع رسول الله صلىاللهعليهوآله بابراهيم ولده.
حدثنا محمّد بن الحسن رضياللهعنه قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن الحسين بن عمر ، عن رجل من بني هاشم قال : لمّا مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد الله عليهالسلام فتقدّم السّرير بلا حذاء ولارداء.
حدثنا أبي رحمهالله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن حماد بن عيسى ، عن جرير ، عن إسماعيل بن جابر والارقط ابن عمِّ أبي عبد الله ـ قال : كان أبو عبد الله عليهالسلام عند إسماعيل حين قبض فلمّا رأي الارقط جزعه قال : يا أبا عبد الله قد مات رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : فارتدع ثمّ قال : صدقت أنا لك اليوم أشكر.
حدثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رحمهالله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن عمرو بن عثمان الثقفي ،
__________________
سواء باشر ذلك بنفسه أو أمر من يفعل باذنه أو برضاه أن غاب ، وفى التهذيب ج ١ ص ٨٦ والاستبصار ج ١ ص ٢٠٧. باب كيفيّة غسل الميت بطريق صحيح أعلائي عن معاوية بن عمار قال : « أمرني أبو عبد الله عليهالسلام أن أغمز بطنه ، ثمّ أوضيه بالاشنان ، ثمّ اغسل رأسه بالسدر ولحييه ، ثمّ أفيض على جسده منه ، ثمّ أدلك به جسده ، ثمّ أفيض عليه ثلاثا ، ثمّ أغسله بالماء القراح ، ثمّ أفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح وأطرح فيه سبع ورقات سدر ».
عن أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد الله عليهالسلام : فرأيت أبا عبد الله عليهالسلام وقد سجد سجدة فأطال السجود ، ثمّ رفع رأسه فنظر إليه قليلا ونظر إلى وجهه [ قال : ] ثمّ سجد سجدة اخرى أطول من الاولى ، ثمّ رفع رأسه وقد حضره الموت فغمضه وربط لحييه وغطّى عليه ملحفة ، ثمّ قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شيءٌ الله أعلم به ، قال : ثمّ قام فدخل منزله فمكث ساعة ، ثمّ خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب الّتي كانت عليه ووجهه غير الّذي دخل به فأمر ونهي في أمره (١) حتّى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن « إسماعيل يشهد أن لا إله إلّا الله ».
حدثنا أبي رحمهالله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن ـ عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبى الحسن ظريف بن ناصح ، عن الحسن ابن زيد قال : ماتت ابنة لابي عبد الله عليهالسلام فناح عليها سنة ، ثمّ مات له ولدٌ آخر فناح عليه سنة ، ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعاً شديداً فقطع النوح ، قال : فقيل لابي عبد الله عليهالسلام : أصلحك الله أيناح في دارك؟ فقال : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لمّا مات حمزة : ليبكينَّ حمزة لا بواكي له (٢).
حدثنا محمّد بن الحسن رحمهالله قال : حدّثنا الحسن بن متّيل الدَّقّاق قال : حدّثنا يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن عليّ بن فضال ، عن محمّد بن عبد الله الكوفيّ قال : لمّا حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد الله عليهالسلام جزعاً شديداً قال : فلمّا غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثمّ تسرَّح وخرج يأمر وينهى قال : فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك لقد ظنّنا أن لا ينتفع بك زماناً لمّا رأينا من جزعك ، قال : إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا.
حدثنا عليُّ بن أحمد بن محمّد الدّقّاق رحمهالله قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفيُّ قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكيُّ قال : حدّثنا الحسين بن الهيثم قال :
__________________
(١) يعني في تجهيز اسماعيل.
(٢) في بعض النسخ « لكنّ حمزة لا بواكي له ».
حدّثنا عبّاد بن يعقوب الاسديُّ قال : حدّثنا عنبسة بن بجّاد العابد قال : لمّا مات إسماعيل بن جعفر بن محمّد وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام وجلسنا حوله وهو مطرقٌ ، ثمّ رفع رأسه فقال : أيّها النّاس أنَّ هذه الدُّنيا دار فراق ودار التواء (١) لا دار استواء على أنَّ فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا تردُّ (٢) وإنّما يتفاضل النّاس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ، ومن لم يقدّم ولداً كان هو المقدَّم دون الولد ، ثمّ تمثّل عليهالسلام بقول أبي خراش الهذليُّ يرثي أخاه.
ولا تحسبي إنّي تناسيت عهده |
|
ولكن صبري يا إمام جميل (٣) |
اعتراض آخر :
قالت الزّيديّة : لو كان خبر الائمّة الاثنى عشر صحيحا لمّا كان النّاس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام في الامامة حتّى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتّى أنَّ الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق عليهالسلام فلمّا لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول : إلى أين؟ إلى المرجئة أم إلى القدريّة؟ أم إلي الحروريّة وإن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له : لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدريّة ، ولا إلى الحروريّة ولكن إلىَّ. فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثنى عشر أحدها جلوس عبد الله للامامة ، والثاني إقبال الشيعة إليه ، والثالث حيرتهم عند امتحانه ، والرّابع أنّهم لم يعرفوا أنَّ إمامهم موسى بن جعفر عليهماالسلام حتّى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدَّة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره : « اللّهمَّ إنّي أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف ».
فقلنا لهم : أنَّ هذا كله غرور من القول وزخرف ، وذلك أنّا لم ندع أنَّ
__________________
(١) التواء : الاعوجاج.
(٢) اللوعة : حرقة الحزن.
(٣) في بعض النسخ « يا أميم جميل » والاميم هو المضروب على أم رأسه.
جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الائمّة الاثني عشر عليهمالسلام بأسمائهم ، وإنّما قلنا : أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبر أنَّ الائمّة بعده الاثنا عشر ، الّذين هم خلفاؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث ، فأمّا زرارة بن أعين فانه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر عليهماالسلام من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الّذي هو القرآن على صدره ، وقال : اللّهم إنّي أئتمُ بمن يثبت هذا المصحف إمامته ، وهل يفعل الفقيه المتديّن عند اختلاف الامر عليه إلّا ما فعله زرارة ، على أنَّه قد قيل : أنَّ زرارة قد كان عمل بأمر موسى بن جعفر عليهماالسلام وبامامته وإنّما بعث ابنه عبيداً ليتعرَّف من موسى بن جعفر عليهماالسلام هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقيّة في كتمانه ، وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضياللهعنه قال : حدّثنا عليُّ ابن إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيِّ رضياللهعنه قال : قلت للرِّضا عليهالسلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حقَّ أبيك عليهالسلام؟ فقال : نعم ، فقلت له : فلم بعث ابنه عبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام؟ فقال : أنَّ زرارة كان يعرف أمر أبي عليهالسلام ونص أبيه عليه وإنّما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليهالسلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونصَّ أبيه عليه وإنّه لمّا أبطأ عنه ابنه طولب باظهار قوله في أبي عليهالسلام فلم يحبّ أن يقدّم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال : اللّهمّ إنَّ إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد عليهماالسلام.
والخبر الّذي احتجّت به الزّيديّة ليس فيه أنَّ زرارة لم يعرف إمامة موسى بن ـ جعفر عليهماالسلام وإنّما فيه أنَّه بعث ابنه عبيداً ليسأل عن الخبر.
حدثنا أبي رحمهالله قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ابن يحيى بن عمران الاشعريّ ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن أبيه قال : لمّا بعث زرارة عبيداً ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضيِّ أبي عبد الله
عليهالسلام فلمّا اشتدَّ به الامر أخذ المصحف وقال : من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي. وهذا الخبر لا يوجب أنَّه لم يعرف ، على أنَّ راوي هذا الخبر أحمد بن هلال (١) وهو مجروح عند مشايخنا ـ رضي الله عنهم ـ.
حدثنا شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه قال : سمعت سعد بن عبد الله يقول : ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن التشيّع إلى النصب إلّا أحمد بن هلال ، وكانوا يقولون : إنَّ ما تفرَّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله ، وقد علمنا أنَّ النبيّ والائمّة صلوات الله عليهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه. والشاك في الامام على غير دين الله ، وقد ذكر موسى جعفر عليهماالسلام أنَّه سيستوهبه من ربّه يوم القيامة.
حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضياللهعنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن محمّد بن أبي الصهبان ، عن منصور بن العبّاس ، عن مروك بن عبيد ، عن درست ابن أبي منصور الواسطيّ ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام قال : ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال : والله إنّي سأستوهبه من ربّي يوم القيامة فيهبه لي ، ويحك أنَّ زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله وأحبَّ وليّنا في الله.
حدثنا أبي ومحمّد بن الحسن ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا أحمد بن إدريس ؛ ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً ، عن محمّد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك ، عن أبى عبد الله عليهالسلام أنَّه قال : أربعة أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً : بريد العجليُّ ، وزرارة بن أعين ، ومحمّد بن مسلم ، والاحول (٢) أحبُّ النّاس إليَّ أحياء وأمواتاً.
فالصادق عليهالسلام لا يجوز أن يقول لزرارة : إنَّه من أحبِّ النّاس إليه وهو لا يعرف إمامة موسى بن جعفر عليهماالسلام.
__________________
(١) هو أحمد بن هلال العبرتائي وردت فيه ذموم عن الامام العسكري عليهالسلام كما في (كش).
(٢) يعنى محمّد بن النعمان البجلي مؤمن الطاق.
اعتراض آخر :
قالت الزيدية : لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء : إنَّ الائمّة اثنا عشر لأنّ الحجّة باقية على هذه الاُمّة إلى يوم القيامة ، والاثنا عشر بعد محمّد صلىاللهعليهوآله قد مضى منهم أحد عشر ، وقد زعمت الاماميّة أنَّ الأرض لا تخلو من حجة.
فيقال لهم : إنَّ عدد الائمّة عليهمالسلام اثنا عشر والثاني عشر هو الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ثمّ يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلّا بالاقرار باثني عشر إماماً إعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر عليهالسلام بعده.
حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضياللهعنه قال : حدّثنا عبد العزيز ابن يحيى قال : حدّثنا إبراهيم بن فهد ، عن محمّد بن عقبة ، عن حسين بن الحسن ، عن إسماعيل بن عمر ، عن عمر بن موسى الوجيهي (١) عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن ـ الحارث قال : قلت لعلي عليهالسلام : يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الاحداث بعد قائمكم؟ قال : يا ابن الحارث ذلك شيء ذكره موكول إليه ، وإن رسول الله صلى الله عهد إلي أن لا اخبر به إلّا الحسن والحسين عليهماالسلام.
حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رحمة الله عليه ـ قال : حدّثنا عبد العزيز بن ـ يحيى الجلوديُّ ، عن الحسين بن معاذ ، عن قيس بن حفص ، عن يونس بن أرقم ، عن أبي سنان الشيبانيِّ (٢) عن الضحاك بن مزاحم ، عن النزال بن سبرة ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام في
__________________
(١) عمر بن موسى الوجيهي زيدي له كتاب قراءة زيد بن علي عليهالسلام وقال : سمعت زيد ابن علي يقول : هذا قراءة أمير المؤمنين عليهالسلام.
(٢) اما الحسين بن معاذ فالظاهر هو الحسين بن معاذ بن خليف البصري الذى ذكره ابن حبان في الثقات ، وأما قيس بن حفص فالظاهر هو قيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي مولاهم أبو محمّد البصري المتوفى ٢٢٧ الذى ذكره ابن حبان في الثقات أيضاً. وأما يونس بن أرقم فلم أجد من ذكره ، وأما أبو سنان الشيباني المصحف في نسخ الكتاب بابي سيار فهو سعيد بن سنان البرجمي الشيباني الكوفي الّذي ذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابداً فاضلاً انتهى ، يروي عن ضحاك بن مزاحم الهلالي أبي القاسم ويقال أبو محمّد
حديث يذكر فيه أمر الدّجّال ويقول في آخره : لا تسألوني عمّا يكون بعد هذا فانّه عهد إليَّ حبيبي عليهالسلام أن لا اخبر به غير عترتي. قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة ابن صوحان : ماعنى أمير المؤمنين بهذا القول؟ فقال صعصعة : يا ابن سبرة أنَّ الّذي يصلّي عيسى بن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة ، التاسع من ولد الحسين بن عليٍّ عليهماالسلام وهو الشمس الطالعة من مغربها ، يظهر عند الرُّكن والمقام ، فيطهّر الأرض ويضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحدٌ أحداً ، فأخبر أمير المؤمنين عليهالسلام أنَّ حبيبه رسول الله صلىاللهعليهوآله عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمّة.
ويقال للزيّديّة : أفيكذب رسول الله صلىاللهعليهوآله في قوله « إنَّ الائمّة اثنا عشر ». فإنَّ قالوا : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يقل هذا القول ، قيل لهم : أن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقّى طبقات الاماميّة إيّاه بالقبول فما أنكرتم ممّن يقول : أنَّ قول رسول الله صلىاللهعليهوآله « من كنت مولاه » ليس من قول الرَّسول عليهالسلام.
اعتراض آخر :
قالت الزّيديّة : اختلفت الاماميّة في الوقت الّذي مضى فيه الحسن بن عليِّ عليهماالسلام فمنهم من زعم أنَّ ابنه كان ابن سبع سنين ، ومنهم من قال : إنَّه كان صبيّاً (١) أو رضيعاً وكيف كان فانّه في هذه الحال لا يصلح للامامة ورئاسة الاُمّة وأن يكون خليفة الله في بلاده وقيّمه في عباده ، وفئة المسلمين إذا عضّتهم الحروب ، ومدبّر جيوشهم ، والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم ، والدَّافع عن حريمهم لأنّ الصبىَّ الرَّضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الامور ، ولم تجر العادة فيما سلف قديماً وحديثاً أن تلقى الاعداء بالصبيان ومن لا يحسن الرُّكوب ولا يثبت على السرج ، ولا يعرف كيف يصرف العنان ، ولا ينهض
__________________
قال عبد الله بن أحمد : ثقة مأمون وقال ابن معين وكذا أبو زرعة : ثقة. وهو يروى عن النزال ابن سبرة ـ بفتح المهملة وسكون الموحدة الهلالي وهو كوفى تابعي من كبار التابعين ذكره ابن حيان في الثقات كما في التهذيب.
(١) في بعض النسخ « جنيناً ».
بحمل الحمائل ، ولا بتصريف القناة ، ولا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغا ، فإنَّ أحد أوصاف الامام أن يكون أشجع النّاس.
الجواب :
يقال لمن خطب بهذه الخطبة : إنّكم نسيتم كتاب الله عزَّ وجلَّ : ولولا ذلك لم ترموا الاماميّة بأنّهم لا يحفظون كتاب الله وقد نسيتم قصّة عيسى عليهالسلام وهو في المهد حين يقول : « إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيّاً وجعلني مباركاً أينما كنت ـ الآية (١) أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثمّ حزبهم أمر من العدو (٢) كيف كان يفعل المسيح عليهالسلام وكذلك القول في يحيى عليهالسلام ، وقد أعطاه الله الحكم صبيّاً فإنَّ جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله ، ومن لم يقدر على دفع خصمه إلّا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله.
ونقول في جواب هذا الفصل : إنَّ الامر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه ، وجعله رجلاً بالغاً كاملاً فارساً شجاعاً بطلاً قادراً على مبارزة الأعداء والحفظ لبيضة الاسلام والدفع عن حوزتهم. وهذا جواب لبعض الاماميّة على أبي القاسم البلخي.
اعتراض آخر :
قالت الزّيديّة : قد شكَّ النّاس في صحّة نسب هذا المولود إذ أكثر النّاس يدفعون أن يكون للحسن بن عليٍّ عليهماالسلام ولد.
فيقال لهم : قد شكَّ بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا « لقد جئت شيئاً فرياً » (٣) فتكلّم المسيح ببراءة أمّه عليهالسلام فقال : « إنّي عبد الله آتاني الكتاب
__________________
(١) مريم : ٣٢.
(٢) حزبه أمر أي أصابه.
(٣) مريم : ٢٨. وقوله « فريا » أي عظيماً بديعاً أو قبيحاً منكراً ، من الافتراء وهو الكذب.
وجعلني نبيّاً » فعلم أهل العقول أنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يختار لاداء الرِّسالة مغمور النسب ولا غير كريم المنصب ، كذلك الامام عليهالسلام إذا ظهر كان معه من الايات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يعلم به أنَّه بعينه دون النّاس هو خلف الحسن بن علي عليهماالسلام.
قال بعضهم : ما الدّليل على أنَّ الحسن بن علي عليهالسلام توفي؟
قيل له : الأخبار الّتي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الأخبار الّتى وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام لأنّ أبا الحسن عليهماالسلام مات في يد الأعداء ومات أبو محمّد الحسن بن علي عليهماالسلام في داره على فراشه ، وجرى في أمره ما قد أوردت الخبربه مسنداً في هذا الكتاب.
فقال قائل منهم : فهلّا دلّكم تنازع أمّ الحسن وجعفر في ميراثه أنَّه لم يكن له ولد؟ لأنّا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أن لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته؟
فقيل له : هذه العادة مستفيضة وذلك أنَّ تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد وربما جرى بخلاف ذلك ، فلا يحمل أمرهم في كلِّ الاحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح عليهالسلام على العادات.
قال : فإنَّ جاز له أن يشكّ (١) في هذا لم لا يجوز أن نشكّ في كلّ من يموت ولا عقب له ظاهر.
قيل له : لا نشكُّ في أنَّ الحسن عليهالسلام كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسين عليهماالسلام والشيعة الأخبار لأنّ الشهادة الّتي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين ، ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا وهو قصّة موسى عليهالسلام لأنّ الله سبحانه لمّا أراد أن ينجّي بني إسرائيل من العبوديّة ويصير دينه على يديه غضّاً طريّاً أوحى إلى أمه « فإذا خفت عليه فألقيه في اليمِّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين » (٢) فلو أنَّ أباه عمران مات في ذلك الوقت لمّا كان الحكم في ميراثه إلّا كالحكم في ميراث
__________________
(١) في بعض النسخ « فإنَّ جاز لنا أن نشك ».
(٢) القصص : ٧.