كمال الدّين وتمام النّعمة

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

كمال الدّين وتمام النّعمة

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٦

كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدِّمة من عصر وفاة آدم عليه‌السلام إلى حين زماننا هذا منهم المستخفون ومنهم المستعلنون ، بذلك جاءت الاثار ونطق الكتاب.

فمن ذلك ما :

حدثنا به أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله قال : حدّثنا أحمد بن ـ محمّد بن خالد البرقيُّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن إسحاق بن جرير ، عن عبد الحميد ابن أبى الدِّيلم قال : قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام : يا عبد الحميد إنَّ لله رسلاً مستعلنين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحقِّ المستعلنين فسله بحق المستخفين.

وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى : « ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً » (١) فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه‌السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه‌السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين ، فلمّا كان وقت كون إبراهيم عليه‌السلام ستر الله شخصه وأخفى ولادته ، لان الامكان في ظهور الحجّة كان متعذِّراً في زمانه ، وكان إبراهيم عليه‌السلام في سلطان نمرود مستترا لامره وكان غير مظهر نفسه ، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلّهم إبراهيم عليه‌السلام على نفسه ، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه ، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيم عليه‌السلام كان له أوصياء حججاً لله عزَّ وجلَّ في أرضه يتوارثون الوصيّة كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليه‌السلام فكان فرعون يقتل أولاد بنى إسرائيل في طلب موسى عليه‌السلام الّذي قد شاع من ذكره وخبر كونه ، فستر الله ولادته ، ثمّ قذفت به أمّه في اليمِّ كما أخبر الله عزَّ وجلَّ في كتابه « فالتقطه آل فرعون » (٢) وكان موسى عليه‌السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه ، وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه ، ثمّ كان من أمره بعد أنَّ أظهر دعوته ودلّهم على نفسه ما قد قصه الله عزَّ وجلَّ في كتابه ، فلمّا كان وقت

__________________

(١) النساء : ١٦٤.

(٢) القصص : ٧.

٢١

وفاة موسى عليه‌السلام كان له أوصياء حججاً لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه‌السلام.

فظهر عيسى عليه‌السلام في ولادته ، معلناً لدلائله ، مظهراً لشخصه ، شاهراً لبراهينه ، غير مخف لنفسه لان زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.

ثمَّ كان له من بعده أوصياء حججاً لله عزَّ وجلَّ كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزَّ وجلَّ له في الكتاب : « ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرسل من قبلك » (١) ثمّ قال عزَّ وجلَّ : « سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا » (٢) فكان ممّا قيل له ولزم من سنّته على إيجاب سنن من تقدمه من الرُّسل إقامة الاوصياء له كاقامة من تقدّمه لاوصيائهم ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصياء كذلك وأخبر بكون المهديِّ خاتم الأئمّة عليهم‌السلام ، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، نقلت الاُمّة ذلك بأجمعها عنه ، وأنَّ عيسى عليه‌السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه ، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا عليه‌السلام المنتظر للقسط والعدل ، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود.

وذلك أنَّ المعروف المتسالم بين الخاصِّ والعامِّ من أهل هذه الملّة أنَّ الحسن ابن علىٍّ والد صاحب زماننا عليهما‌السلام قد كان وكلّ به طاغية زمانه إلى وقت وفاته ، فلمّا توفّي عليه‌السلام وكل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشدَّ الطلب وكان أحد المتوليّين عليه عمّه جعفر أخو (٣) الحسن بن عليٍّ بما ادّعاده لنفسه من الامامة ورجا أن يتمّ له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزَّمان عليه‌السلام فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدِّمة ، ولزم من حكمة غيبة عليه‌السلام ما لزم من حكمة غيبتهم.

__________________

(١) فصلت : ٤٣.

(٢) الاسراء : ٧٧.

(٣) كذا.

٢٢

رد اشكال :

وكان من معارضة خصومنا أن قالوا : ولم أوجبتم في الائمّة ما كان واجباً في الانبياء ، فما أنكرتم أنَّ ذلك كان جائزاً في الانبياء وغير جائز في الائمّة فإنَّ الائمّة ليسوا كالانبياء فغير جائز أن يشبه حال الائمّة بحال الانبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنَّه جائز في الائمّة ما كان جائزاً في الانبياء والرسل فيما شبهتم من حال الائمّة الّذين ليسوا بأشباه الانبياء والرُّسل ، وإنما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل ، فلن تثبت دعواكم في ذلك ، ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الائمّة بحال الانبياء عليهم‌السلام إلّا بدليل مقنع.

فأقول ـ وبالله أهتدي ـ : أنَّ خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك ولو أنّهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكّر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبيّة لرؤسائهم ومن تقدّم من إسلافهم لعلموا أنَّ كلَّ ما كان جائزاًً في الأنبياء فهو واجبٌ لازم في الائمّة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذة وذلك أنَّ الأنبياء هم أصول الائمّة ومغيضهم (١) والائمّة هم خلفاء الأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حجج الله وحدود (ه و) شرايعه مادام التكليف على العباد قائماً والامر لهم لازماً ، ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول : أنَّ الأنبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الائمّة حجج الله إذ ليسوا بالانبياء ولا كالانبياء ، وله أن يقول أيضا : فغير جائز أن يسمّوا أئمّة لأنّ الأنبياء كانوا أئمّة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمّة كالانبياء ، وغير جائز أيضاً أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشّريعة إذ ليسوا كالرّسول ولا هم برسل. ثمّ يأتي بمثل هذا من المحال ممّا يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره ، فلمّا فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.

__________________

(١) المغيض : مجتمع الماء ومدخله في الأرض والمراد بالفارسية (انبياء نسخه أصل وسر چشمهء امامانند). وفى بعض النسخ « ومفيضهم » من الافاضة.

٢٣

ثمَّ نحن نبيّن الان ونوضح بعد هذا كلّه أنَّ التشاكل بين الأنبياء والائمّة بيّنٌ واضٌ فيلزمهم أنّهم حجج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حججه على العباد ، وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء ، وذلك قول الله عزَّ وجلَّ : « أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول وأولي الأمر منكم » (١) وقوله تعالى : « ولو ردُّوه إلى الرَّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الّذين يستنبطونه منهم » (٢) فولاة الامرهم الاوصياء والائمّة بعد الرَّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرَّسول وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرَّسول كما أوجب على العباد من طاعة الرَّسول ما أوجبه عليهم من طاعته عزَّ وجلَّ في قوله : « أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسول » ثمّ قال : « من يطع الرَّسول فقد أطاع الله (٣) » وإذا كانت الائمّة عليهم‌السلام حجج الله على من لم يلحق بالرَّسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده كما كان الرَّسول حجّة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الائمّة ما لزم من طاعة الرَّسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم وإن كان الرَّسول أفضل من الائمّة فقد تشاكلوا في الحجّة والاسم والفعل (٤) والفرض ، إذ كان الله جل ثناؤه قد سمّى الرُّسل أئمّة بقوله لابراهيم : « إنّي جاعلك للنّاس إماماً » (٥) وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنَّه قد فضّل الأنبياء والرُّسل بعضهم على بعض فقال تبارك وتعالى : « تلك الرُّسل فضلّنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ـ الآية » (٦) وقال : « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ـ الآية » (٧) فتشاكل الأنبياء في النبوَّة وإن كان بعضهم أفضل من بعض ، وكذلك تشاكل الأنبياء والاوصياء ، فمن قاس حال الائمّة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الائمّة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالّذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والاوصياء عليهم‌السلام.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) النساء : ٨٣.

(٣) النساء : ٨٠.

(٤) في بعض النسخ « والعقل ».

(٥) البقرة : ١١٩.

(٦) البقره : ٢٥٤.

(٧) الاسراء : ٥٦.

٢٤

وجه آخر لاثبات المشاكلة :

ووجه آخر من الدّليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الائمّة والأنبياء عليهم‌السلام أنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : « لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة » (١) وقال تعالى : « ما آتيكم الرَّسول فخذوه وما نهيكم عنه فانتهوا » (٢) فأمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نهتدي بهدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونجري الاُمور (الجارية) على حدِّ ما أجراها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قول أو فعل ، فكان من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المحقّق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والائمّة أن قال : « منزلة عليٍّ عليه‌السلام منّي كمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لانبي بعدي » فأعلمنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنَّ عليا ليس بنبي وقد شبهه بهارون وكان هارون نبيّاً ورسولاً ( و ) كذلك شبّهه بجماعة من الأنبياء عليهم‌السلام.

حدثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله قال : حدّثنا علىٌ بن الحسين السّعد آباديُّ قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقيُّ ، عن أبيه محمّد بن خالد قال : حدّثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشّيبانيُّ ، عن أبيه ، عن جدِّه (٣) عن عبد الله ابن عباس قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في سِلمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في فطانته وإلى داود في زهده ، فلينظر إلى هذا. قال : فنظرنا فإذا علىُّ بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر

__________________

(١) الاحزاب : ٢١.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني عامى ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال ابن سعد : ثقة ، وقال أبو زرعة : لا بأس به ، مستقيم الحديث. وابنه عبد الملك عنونه النجاشي وقال : كوفي ثقة عين روى عن أصحابنا ورووا عنه ، ولم يكن متحققاً بأمرنا ، له كتاب يرويه محمّد بن خالد. وأما أبوه عنترة بن عبد الرحمن فعنونه العسقلاني في النقريب والتهذيب وقال : ذكره ابن حبان في الثقات وذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة : أنَّه كوفي ثقة.

٢٥

من صبب (١) ، فإذا استقام أن يشبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحداً من الائمّة علهيم السلام بالأنبياء والرُّسل استقام لنا أن نشبّه جميع الائمّة بجميع الأنبياء والرُّسل ، وهذا دليل مقنعٌ وقد ثبت شكل صاحب زماننا عليه‌السلام في غيبته بغيبة موسى عليه‌السلام وغيره ممّن وقعت بهم الغيبة ، وذلك أنَّ غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلّة التدبير من الّذي قدَّمنا ذكره في الفصل الأوَّل.

ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمّة والأنبياء أنَّ الرُّسل الّذين تقدَّموا قبل عصر نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أوصياؤهم أنبياء ، فكلُّ وصيٍّ قام بوصيّة حجّة تقدّمه من وقت وفاة آدم عليه‌السلام إلى عصر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان نبيّاً ، وذلك مثل وصي آدم كان شببث ابنه ، وهو هبة الله في علم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان نبيّاً ، ومثل وصي نوح عليه‌السلام كان سام ابنه وكان نبيّاً ، ومثل إبراهيم عليه‌السلام كان وصيه إسماعيل (٢) ابنه وكان نبيّاً ، ومثل موسى عليه‌السلام كان وصيّه يوشع بن نون وكان نبيّاً ، ومثل عيسى عليه‌السلام كان وصيّه شمعون الصفا وكان نبيّاً ، ومثل داود عليه‌السلام كان وصيه سليمان عليه‌السلام ابنه وكان نبيّاً. وأوصياء نبيّنا عليهم‌السلام لم يكونوا أنبياء ، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل محمّداً خاتماً لهذه الامم (٣) كرامة له وتفضيلاً ، فقد تشاكلت الائمّة والأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدّمنا ذكره من تشاكلهم فالنبيُّ وصيٌّ والامام وصيٌّ ، والوصيُّ إمام والنبي إمام ، والنبيُّ حجّة والامام حجّة (٤) ، فليس في الاشكال أشبه من تشاكل الائمّة والانبياء.

وكذلك أخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بتشاكل أفعال الاوصياء فيمن تقدّم وتأخّر من قصّة يوشع بن نون وصيِّ موسى عليه‌السلام مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى وقصّة

____________

(١) أي يرفع رجليه رفعاً بيناً بقوة دون احتشام وتبختر. والصبب : ما انحدر من الأرض أو الطريق.

(٢) في بعض النسخ « اسحاق ».

(٣) في بعض النسخ « لهذا الاسم » أي النبوة.

(٤) في بعض النسخ « والوصي حجّة ».

٢٦

أمير المؤمنين عليه‌السلام وصىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائشة بنت أبى بكر ، وإيجاب غسل الأنبياء أوصيائهم بعد وفاتهم.

حدثنا عليُّ بن أحمد الدَّقاق رحمه‌الله قال : حدّثنا حمزة بن القاسم قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازيُّ قال : حدّثنا أبو عوانة قال : حدّثنا الحسن ابن عليٍّ (١) ، عن عبد الرّزاق ، عن أبيه ، عن مينا مولى عبد الرّحمن بن عوف ، عن عبد الله بن مسعود قال : قلت للنبىّ عليه‌السلام : يا رسول الله من يغسّلك إذا متَّ؟ قال : يغسّل كلّ نبيٍّ وصيّه ، قلت : فمن وصيك يارسول الله؟ قال : عليُّ بن أبي طالب قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال : ثلاثين سنة ، فإنَّ يوشع بن نون وصيُّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة ، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى عليه‌السلام فقالت : أنا أحقُّ منك بالامر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها ، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على عليِّ في كذا وكذا ألفاً من امّتي فتقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها ، وفيها أنزل الله عزَّ وجلَّ : « وقرن في بيوتكنَّ ولا تبرجنَّ تبرُّج الجاهليّة الاولى » (٢) يعنى صفراء بنت شعيب ، فهذا الشكل قد ثبت بين الائمّة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل ، وكلُّ ما كان جائزاً في الأنبياء فهو جائز يجري في الائمّة حذو النّعل بالنّعل والقذَّة بالقذَّة ، ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدّمه من الائمّة عليهم‌السلام لوجب أن تدفع نبوَّة موسى بن عمران عليه‌السلام لغيبته إذ لم يكن كلًّ الأنبياء كذلك ، فلمّا لم تسقط نبوة موسى لغيبتة وصحت

__________________

(١) هو الحسن بن علي الخلال أبو علي ـ وقيل أبو محمّد ـ الحلواني نزيل مكة ثقة ثبت يروى عن عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعانى ، قال أحمد ابن صالح المصرى : قلت لاحمد بن حنبل : رأيت أحدا أحسن حديثاً من عبد الرزاق؟ قال : لا. ويرموه القوم بالتشيع. يروى عن أبيه همام وهو ثقة يروى عن مينا بن أبى مينا الزهري الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف وهو شيعي جرحه العامة لتشيعه. وما في النسخ من الحسين بن علي بن عبد الرزاق ، فهو تصحيف.

(٢) الاحزاب : ٣٢.

٢٧

نبوَّته مع الغيبة كما صحّت نبوَّة الأنبياء الّذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحّت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدّمه من الائمّة الّذين لم تقع بهم الغيبة.

وكما جاز أن يكون موسى عليه‌السلام في حجر فرعون يُربيّه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجوداً بشخصه بين النّاس ، يدخل مجالسهم ويطأ بسطهم ويمشي في أسواقهم ، وهم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

فقد روي عن الصّادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنَّه قال : في القائم سنّة من موسى ، وسنّة من يوسف ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : فأمّا سنة موسى فخائف يترقب ، وأما سنة يوسف فإنَّ إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه ، وأما سنة عيسى فالسياحة ، وأما سنة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالسيف.

رد اشكال :

فكان من الزِّيادة لخصومنا أن قالوا : ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادَّعيتم من الغيبة كغيبة موسى عليه‌السلام ومن حلّ محله من الائمّة (١) الّذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجّة موسى لم تلزم أحداً إلّا من بعد أنَّ أظهر دعوته ودلَّ على نفسه وكذلك لا تلزم حجّة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتّى يظهر دعوته ويدل على نفسه [ كذلك ] فحينئذ تلزم حجّته وتجب طاعته ، وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجّته ، ولا تجب طاعته.

فأقول ـ وبالله أستعين ـ : إنَّ خصومنا غفلوا عما يلزم من حجّة حجج الله في ظهورهم واستتارهم وقد ألزمهم الله تعالى الحجّة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبّطهم ولكنّهم كما قال الله عزَّ وجلَّ : « أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها » (٢) أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أخبرنا في قصّة موسى عليه‌السلام أنَّه كان له شيعة

__________________

(١) في بعض النسخ « من الأنبياء ».

(٢) سوره محمّد (ص) : ٢٤.

٢٨

وهم بأمره عارفون وبولايته متمسّكون ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته ، ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول : « ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوِّه فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوِّه » (١) وقال عزَّ وجلَّ حكاية عن شيعة : « قالوا اُوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ـ الآية » (٢) فأعلمنا الله عزَّ وجلَّ في كتابه أنَّه قد كان لموسى عليه‌السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوّة ، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدَّعوة ولم يكونوا يعرفون أنَّ ذلك الشخص هو موسى بعينه ، وذلك أنَّ نبوّة موسى إنّما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتّى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرَّجلين قبل مسيره إلى شعيب ، وكذلك وجدنا مثل نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عرف أقوامٌ أمره قبل ولادته وبعد ولادته ، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوّة ، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسيِّ رحمه‌الله ، ومثل قُسّ بن ساعدة الاياديِّ ، ومثل تبّع الملك ، ومثل عبد المطّلب ، وأبي طالب ، ومثل سيف بن ذي ـ يزن ، ومثل بحيرى الرّاهب ، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام ، ومثل أبي مويهب الراهب ، ومثل سطيح الكاهن ، ومثل يوسف اليهوديِّ ، ومثل ابن حوّاش الحبر المقبل من الشام ، ومثل زيد بن عمرو بن نفيل ، ومثل هؤلاء كثير ممّن قد عرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده ، والاخبار في ذلك موجودة عند الخاصّ والعامّ ، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها ، فليس من حجّة الله عزَّ وجلَّ نبي ولا وصي إلّا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتّى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عزَّ وجلَّ في ظهورهم وحين استتارهم ، وأغفل ذلك أهل الجحود والضّلال والكنود فلم يكن عندهم [ علم ] شيء من أمرهم ، وكذلك سبيل صاحب زماننا عليه‌السلام حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل

__________________

(١) القصص : ١٥.

(٢) الاعراف : ١٢٩.

٢٩

المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيّامه (١) وكونه ووقت ولادته ونسبه ، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده ، وأغفل ذلك أهل الجحود والانكار والعنود ، وفي صاحب زماننا عليه‌السلام قال الله عزَّ وجلَّ : « يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل » (٢) وسئل الصادق عليه‌السلام عن هذه الآية فقال : الايات هم الائمّة ، والآية المنتظرة هو القائم المهديُّ عليه‌السلام فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسّيف وإن آمنت بمن تقدَّم من آبائه عليهم‌السلام ». حدّثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ؛ والحسن بن محبوب ، عن علي ابن رئاب وغيره ، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام.

وتصديق ذلك (أنَّ الايات هم الحجج) من كتاب الله عزَّ وجلَّ قول الله تعالى : « وجعلنا ابن مريم وأمّه آية » (٣) يعني حجّة ، وقوله عزَّ وجلَّ لعزير (٤) حين أحياه الله من بعد أنَّ أماته مائة سنة « فانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس » (٥) يعني حجّة فجعله عزَّ وجلَّ حجّة على الخلق وسمّاه آية. وإنّ النّاس لمّا صحَّ لهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر الغيبة الواقعة بحجّة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أوّلهم عمر بن الخطّاب فانه قال لما قبض النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والله ما مات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسى عليه‌السلام عن قومه وإنّه سيظهر لكم بعد غيبته.

حدثنا أحمد بن محمّد بن الصقر الصائغ العدل قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن العباس ابن بسّام قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن يزداد قال : حدّثنا نصر بن سيار بن داود

__________________

(١) في بعض النسخ « وشواهد آياته ».

(٢) الانعام : ١٥٨.

(٣) المؤمنون : ٥٠.

(٤) في بعض النسخ « لارميا ».

(٥) البقرة : ٢٥٩.

٣٠

الاشعريُّ قال : حدّثنا محمّد بن عبد ربّه (١) ، وعبد الله بن خالد السلّولي أنّهما قالا : حدّثنا أبو معشر نجيح المدنيُّ قال : حدّثنا محمّد بن قيس ، ومحمد بن كعب القرظيِّ ، وعمارة بن غزّية ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري (٢) ، وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا : لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبل عمر بن الخطاب يقول : والله مامات محمّد وإنّما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنّه سيظهر بعد غيبته فما زال يردّد هذا القول ويكرّره حتّى ظنّ النّاس أنَّ عقله قد ذهب ، فأتاه أبو بكر وقد اجتمع النّاس عليه يتعجّبون من قوله فقال : اربع على نفسك يا عمر (٣) من يمينك الّتى تحلف بها ، فقد أخبرنا الله عزَّ وجلَّ في كتابه فقال : يا محمّد « إنّك ميّت وإنّهم ميّتون (٤) » فقال عمر : وإنّ هذه الآية لفي كتاب الله يا أبا بكر؟ فقال : نعم أشهد بالله لقد ذاق محمّد

__________________

(١) محمّد بن يزداد الرازي قال أبو النضر العياشي : لا بأس به. ونصر بن سيار لم أجد من ذكره وليس هو بنصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام بن عبد الملك ، ومحمّد بن عبد ربّه الانصاري اجاز التلعكبرى جميع حديثه وكان يروى عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميرى ونظرائهما كما في منهج المقال. وأما عبد الله بن خالد فلم أعرفه.

(٢) أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ـ بكسر المهملة وسكون النون ـ المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته وليس بقوى في الحديث ، ومحمّد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب. وأما محمّد بن كعب القرظي فثقة عالم ولد سنة أربعين على الصحيح ومات سنة ١٢٠ وقيل قبل ذلك. وأما عمارة بن غزية المدني فوثقه أحمد وأبو زرعة وقال يحيى بن معين : صالح وقال أبو حاتم : ما بحديثه بأس ، وكان صدوقاً. وأما سعيد بن أبي سعيد فاسمه كيسان المقبري أبو سعد المدنى ، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوراً لها فهو ثقة صدوق كما في التهذيب. واما عبد الله بن أبي مليكة فهو عبد الله بن عبيد الله وأبو ملكية بالتصغير ثقة فقيه.

(٣) أي ارفق بنفسك وكف عن هذا القول واليمين.

(٤) الزمر : ٣٠.

٣١

الموت ، ولم يكن عمر جمع القرآن (١).

الكيسانية :

ثم غلطت الكيسانيّة بعد ذلك حتّى ادَّعت هذه الغيبة لمحمّد بن الحنفية ـ قدَّس الله روحه ـ حتّى أنَّ السيّد بن محمّد الحميريَّ رضي‌الله‌عنه (٢) اعتقد ذلك وقال فيه :

ألا إنَّ الائمّة من قريـش

ولاة الامر أربعة سـواء

علـيٌّ والثـلاثة مـن بنـيه

هُمُ أسباطنا والأوصياء (٣)

فـسبـطٌ سبـط إيمـان وبـرٍّ

وسبطٌ قد حوته كربلاء (٤)

وسبط لا يذوق الموت حتّـى

يقود الجيش يقدمه اللّواء (٥)

يغيب فلا يـرى عنّا زماناً (٦)

برضوى عنده عسـلٌ وماء

وقال فيه السيّد ـ رحمة الله عليه ـ أيضا :

أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى

فحتّى متـى يخفـى وأنت قريب

فلو غاب عنّا عمر نوح لا يقنـت

منّا النّفوس بـأنّه سيـؤوب (٧)

__________________

(١) أي لم يقرء أو يحفظ جميع القرآن.

(٢) هو اسماعيل بن محمّد الحميري ، سيد الشعراء. كان يقول أولا بامامة محمّد بن الحنفية ثمّ رجع إلى الحق ، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبع كتب التراجم. قيل : توفى ببغداد سنة ١٧٩ فبعثت الاكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفناً له ، فكنفه الرشيد من ماله ورد الاكفان إلى أهلها.

(٣) في « الفرق بين الفرق » لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفراييني « هم الاسباط ليس بهم خفاء » وكذا في الملل والنحل للشهرستاني.

(٤) في الفرق « وسبط غيبته كربلاء ». وكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين.

(٥) في الفرق والملل « يقود الخيل يقدمها اللواء ».

(٦) في الفرق « تغيب لا يرى فيهم زماناً ».

(٧) هذا المصراع في بعض النسخ هكذا « نفوس البرايا أنَّه سيؤوب ».

٣٢

وقال فيه السيّد أيضاً :

ألاحيّ المقيم بشعـب رضـوى

واهد له بمنزلـه السّـلاما

وقل : يا ابن الوصيِّ فدتك نفسي

أطلت بذلك الجَبَـل المقاما

فمـرَّ بمعشـر والـوك منا

وسمّـوك الخليـفة والاماما

فمـا ذاق ابن خـولة طعم موت

ولاوارت لـه أرض عظاما

فلم يزل السيّد ضالّاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمّد بن الحنفيّة حتّى لقى الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ورأى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له أنّها حقٌّ ولكنّها تقع في الثاني عشر من الائمّة عليهم‌السلام وأخبره بموت محمّد بن الحنفيّة وأن أباه شاهد دفنه ، فرجع السيّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتّضاحه له ، ودان بالامامة.

حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار النيسابوريُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا علي بن محمّد قتيبة النيسابوري ، عن حمدان بن سليمان ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال : سمعت السيّد بن محمّد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمّد بن علي ـ ابن الحنفيّة ـ قد ضللت في ذلك زماناً ، فمن الله علي بالصادق جعفر بن ـ محمّد عليهما‌السلام وأنقذني به من النّار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحَّ عندي بالدّلائل التي شاهدتها منه أنَّه حجّة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وإنّه الامام الّذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له ، : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم‌السلام في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه‌السلام : إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الائمّة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقِّ بقية الله في الأرض وصاحب الزَّمان ، والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه (١) لم يخرج من الدُّنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً. قال السيّد : فلمّا

__________________

(١) في بعض النسخ « في الأرض ».

٣٣

سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أولها :

فلمّا رأيت النّاس في الدِّين قد غووا

تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا (١)

ونـاديـت باسم الله والله اكبـر

وأيقنت أن يـعـفو ويغفر

ودنت بدين الله ماكنت ديّناً (٢)

بـه ونهاني سيّد النّاس جعفـر

فقلت : فهبني قـد تهودت برهة

وإلا فدينـي ديـن مـن يتنصـر

وإني إلى الرحمـن من ذاك تـائب

إني قد أسـلمت والله أكبر

فلست بغال ما حييت وراجع

إلـى ما عليه كنـت اُخفي واظهر

ولا قائل حـيّ برضـوى محمّد

وإن عـاب جهّال مقـالي وأكثروا

ولكنّـه ممن مضى لسبيلـه

على أفضل الحـالات يقفي ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الاُولى لهم

من المصطفى فرعٌ زكيٌ وعنصر

إلى آخر القصيدة ، (وهي طويلة) وقلت بعد ذلك قصيدة اخرى :

أيا راكباً نحو المدينـة جسـرة

عذافرة يطوى بها كلّ سبسب (٣)

إذا ما هداك الله عاينـت جعفراً

فقـل لـوليِّ الله وابـن المهـذَّب

ألا يا أميـن الله وابن أمينه

أتوب إلى الرَّحمـن ثمّ تأوَّبي

إليك من الامر الّذي كنت مطنباً (٤)

أحارب فيه جاهداً كلَّ معرب

وما كان قولي في ابن خولة مطنباً

معاندة منّي لنسل المطيـب

ولكن روينـا عن وصيِّ محمّد

وما كان فيمـا قال بالمتكذّب

بأنَّ وليَّ الامر يفقد لا يرى

ستيراً (٥) كفعل الخائف المترقّب

__________________

(١) في بعض النسخ « باسم الله والله اكبر ».

(٢) في بعض النسخ « ودنت بدين غير ما كنت دينا ».

(٣) الجسرة : البعير الذى أعيا وغلظ من السير. والعذافرة : العظمة الشديدة من الابل ، والناقة الصلبة القوية. والسبب : المفازة ، أو الأرض المستوية البعيدة.

(٤) في بعض النسخ « كنت مبطنا ».

(٥) في بعض النسخ « سنين ». وفى بعضها « كمثل الخائف ».

٣٤

فتقسم أموال الفقيد كأنّما

تغيّبه بين الصفيح المنصّب (١)

فيمكث حينا ثمّ ينبع نبعة

كنبعة جدي من الافق كوكب (٢)

يسير بنصر الله من بيت ربّه

على سودد منه وأمر مسبّب (٣)

يسيـر إلى أعدائه بلوائه

فيقتلهم قتلا كحران مغضب (٤)

فلما روى أنَّ ابن خولة غائب

صرفنـا إليه قولنا لم نكـذِّب

وقلنا هو المهديُّ والقائم الّـذي

يعيش به من عدله كلُّ مجدب

فان قلت لا فالحقُّ قولك والذي

أمرت (٥) فحتمٌ غير ما متعصّب

واشهد ربي أنَّ قولك حجة

على النّاس طرا من مطيع ومذنب

بأنَّ وليَّ الامر والقائم الذي

تطلّـع نفسي نحوه بتطـرُّب

له غيبة لابدَّ مـن أن يغيبها

فصلّى علهـى الله من متغيّب

فيمكث حيناً ثمّ يظهر حينه (٦)

فيملك من في شرقها والمغرَّب (٧)

بذاك أدين الله سرّاً وجهرة

ولست وإن عوتبت فيه بمعتب (٨)

وكان حيّان السّراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ، ومتى صح موت

__________________

(١) الصفيح : من أسماء السماء ، ووجه كل شيء عريض. والمنصب المرتفع. ولعل المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم. كما يظهر من بعض اللغات.

(٢) كذا وفى بعض نسخ الحديث :

« فيمكث حينا ثمّ يشرق شخصه

مضيئاً بنور العدل اشراق كوكب »

وهكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين. وليس هذا البيت في ارشاد المفيد ولا كشف الغمة للاربلي.

(٣) في بعض النسخ « وأمر مسيب ».

(٤) فرس حرون : الذى لا ينقاد والاسم الحران.

(٥) في الارشاد وكشف الغمة « تقول فحتم ».

(٦) في الارشاد « يظهر أمره » ولعله هو الصواب.

(٧) في اعلام الورى « فيملاء عدلا كل شرق ومغرب ».

(٨) « بمعتب » خبر ليست. يعنى عتابهم اياى ليس بموقع.

٣٥

محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة بطل أن تكون الغيبة الّتي رويت في الأخبار واقعة به.

فمما روى في وفاة محمّد بن الحنفيّة رضي‌الله‌عنه (١)

ما حدّثنا به محمّد بن عصام رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال : حدّثنا القاسم بن العلاء قال : حدثني إسماعيل بن عليِّ القزوينيُّ قال : حدثني عليُّ بن إسماعيل ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار (٢) قال : دخل حيّان السّراج على الصادق جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فقال له : يا حيّان ما يقول أصحابك في محمّد بن الحنفية؟ قال : يقولون : إنَّه حي يرزق ، فقال الصادق عليه‌السلام : حدثني أبي عليه‌السلام أنَّه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نسائه وقسم ميراثه ، فقال : يا أبا عبد الله إنّما مثل محمّد بن الحنفيّة في هذه الاُمّة كمثل عيسى بن مريم شُبّه أمره للنّاس ، فقال الصادق عليه‌السلام : شُبّه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟ قال : بل على أعدائه فقال : أتزعم أنَّ أبا جعفر محمّد بن عليِّ الباقر عليهما‌السلام عدوُّ عمّه محمّد بن الحنفية؟ فقال : لا ، فقال الصادق عليه‌السلام : يا حيّان إنّكم صدفتم عن أيات الله ، وقد قال الله تبار ك وتعالى : « سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون » (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : ما مات محمّد بن الحنفيّة حتّى أقرَّ لعليِّ بن الحسين عليهما‌السلام. وكانت وفاة محمّد بن الحنفيّة سنة أربع وثمانين من الهجرة.

حدثنا أبي رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن ـ يحيى : عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الصمد بن محمّد ، عن حنان بن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخلت على محمّد بن الحنفيّة وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصيّة ، فلم

__________________

(١) هذا العنوان للمؤلف وموجود في جميع النسخ.

(٢) هو الحسين بن المختار القلانسى الكوفى ثقة واقفى من أصحاب الكاظم عليه‌السلام. وما في بعض النسخ من « جعفر بن مختار » فهو تصحيف ، وعلي بن اسماعيل الظاهر هو على بن السندي الثقة. وأما حيان السراج فهو كيساني متعصب.

(٣) الانعام : ١٥٧. والصدف الرجوع عن الشيء.

٣٦

يجب ، قال : فأمرت بطست فجعل فيه الرَّمل ، فوضع فقلت له : خطَّ بيدك ، قال : فخطّ وصيّته بيده في الرَّمل ، ونسخت أنا في صحيفة.

ابطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة

ثم غلطت الناووسيّة بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صحَّ وقوعها عندهم بحجّة الله على عباده فاعتقدوها جهلاً منهم بموضعها في الصادق بن محمّد عليهما‌السلام حتّى أبطل الله قولهم بوفاته عليه‌السلام وبقيام كاظم الغيظ الأوّاه الحليم ، الامام أبي إبراهيم موسى ابن جعفر عليهما‌السلام بالامر مقام الصادق عليه‌السلام.

وكذلك ادَّعت الواقفيّة ذلك في موسى بن جعفر عليهما‌السلام فأبطل الله قولهم باظهار موته وموضع قبره ، ثمّ بقيام الرِّضا عليِّ بن موسى عليهما‌السلام بالامر بعده ، وظهور علامات الامامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه عليهم‌السلام.

فمما روى في وفاة موسى بن جعفر عليهما السلام (١)

ما حدّثني به محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا أحمد بن ـ محمّد بن عمار ، قال : حدثني الحسن بن محمّد القطعيُّ ، عن الحسن بن علي النخّاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزّاز ، عن عليِّ بن جعفر ، عن عمر بن واقد قال : أرسل إليَّ السنديُّ بن شاهك في بعض اللّيل وأنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي ، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ثمّ ركبت إليه ، فلمّا رآني مقبلاً قال : يا أبا حفص لعلّنا أرعبناك وأفزعناك ، قلت : نعم قال : فليس ههنا إلّا خيرٌ ، قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري؟ فقال : نعم ثمّ قال : يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت : لا فقال : أتعرف موسى بن جعفر؟ فقلت : اي والله إنّي لاعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر ، فقال : من ههنا ببغداد يعرفه ممّن يقبل قوله؟ فسمّيت له أقواما ووقع في نفسي أنَّه عليه‌السلام قد مات ، قال : فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء بي ، فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن ـ

__________________

(١) العنوان من المؤلف.

٣٧

جعفر؟ فسمّوا له قوماً ، فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدّار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى وقد صحبه ، قال : ثمّ قام ودخل وصلّينا ، فخرج كاتبه ومعه طومارٌ فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا ، ثمّ دخل إلى السنديِّ ، قال : فخرج السندي فضرب يده إليَّ فقال : قم يا أبا حفص ، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي : يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر ، فكشفته فرأيته ميتاً فبكيت واسترجعت ، ثمّ قال للقوم : انظروا إليه ، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثمّ قال : تشهدون كلّكم أنَّ هذا موسى بن جعفر بن محمّد؟ قالوا : نعم نشهد أنَّه موسى بن ـ جعفر بن محمّد ، ثمّ قال : يا غلام اطرح على عورته منديلاً واكشفه ، قال : ففعل ، فقال : أترون به أثراً تنكرونه؟ فقلنا : لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلّا ميتاً ، قال : لا تبرحوا حتّى تغسلوه واكفنّه وأدفنه ، قال : فلم نبرح حتّى غسّل وكفن وحمل فصلى عليه السنديُّ بن شاهك ، ودفناه ورجعنا ، فكان عمر بن ـ واقد يقول : ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر عليهما‌السلام منّي ، كيف تقولون : إنَّه حيٌّ وأنا دفنته.

حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار رحمه‌الله قال : حدّثنا عليُّ بن محمّد بن ـ قتيبة ، عن حمدان بن سليمان النيسابوريِّ ، عن الحسن بن عبد الله الصيرفيِّ ، عن أبيه قال : توّفي موسى بن جعفر عليهما‌السلام في يد السنديِّ بن شاهك فحملم على نعش ونودي عليه هذا إمام الرّافضة فاعرفوه ، فلمّا اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا الأمن أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج ، فخرج سليمان بن ـ أبي جعفر (١) من قصره إلى الشطِّ فسمع الصياح والضوضاء (٢) فقال لولده وغلمانه : ما هذا؟ قالوا : السنديُّ بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش ، فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربيِّ ، فإذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم

__________________

(١) هو عم الرشيد أحد أركان الدولة العباسية.

(٢) الضوضاء : الغوغاء وزنا ـ ومعنى ـ وأصوات النّاس في الحرب.

٣٨

فخذوه من أيديهم فإنَّ مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما عليهم من السّواد ، قال : فلمّا عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق (١) وأقام المنادين ينادون : الأمن أراد أن ينظر إلى الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر فليخرج ، وحضر الخلق وغسّله وحنّطه بحنوط وكفنه بكفّن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار ، مكتوباً عليها القرآن كلّه ، واحتفى (٢) ومشى في جنازته ، متسلّباً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه‌السلام هناك ، وكتب بخبره إلى الرَّشيد ، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر : وصلت رحمك يا عمّ وأحسن الله جزاك ، والله ، ما فعل السّنديُّ بن شاهك ـ لعنه الله ـ ما فعله عن أمرنا.

حدثنا أحمد بن زياد الهمدانيُّ رضي‌الله‌عنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن صدقة العنبريُّ قال : لمّا توّفي أبو إبراهيم موسى ابن جعفر عليهما‌السلام جمع هارون الرَّشيد شيوخ الطالبيّة وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكّام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه (٣) وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام وليس به أثر جراحة ولاسمٍّ ولاخنق ، وكان في رجله أثر الحنّاء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولّى غسله وتكفينه واحتفى وتحسّر في جنازته (٤).

حدثنا جعفر بن محمّد بن مسرور رحمه‌الله قال : حدّثنا الحسين بن محمّد بن عامر عن المعلّى بن محمّد البصريِّ قال : حدّثني عليّ بن رباط قال : قلت لعليِّ بن موسى الرِّضا عليهما‌السلام : أنَّ عندنا رجلاً يذكر أنَّ أباك عليه‌السلام حيٌّ وأنّك تعلم من ذلك ما تعلم؟ فقال عليه‌السلام : سبحان الله مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يمت موسى بن جعفر؟! بلى والله

__________________

(١) يعنى الموضع الذى يتشعب منه الطرق ويقال له بالفارسية (چهار راه).

(٢) أي مشى حافيا بلا نعل. وقوله : « متسلبا » أي بلا رداء ولازينة.

(٣) أي مات من غير قتل ولا ضرب ، بل مات بأجله.

(٤) تحسر إي تلهف أو مشى بلا رداء وعمامة.

٣٩

لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.

ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري (ع)

ثم ادَّعت الواقفة على الحسن بن عليّ بن محمّد عليهم‌السلام أنَّ الغيبة وقعت به لصحّة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنّه القائم المهديُّ ، فلمّا صحت وفاته عليه‌السلام بطل قولهم فيه وثبت بالاخبار الصحيحة الّتي قد ذكرناها في هذا الكتاب أنَّ الغيبة واقعة بابنه عليه‌السلام دونه.

فمما روى في صحة وفاة الحسن بن على بن محمّد العسكري (ع) (١)

ما حدّثنا به أبي ، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثنا من حضر موت الحسن بن عليّ بن محمّد العسكريِّ عليهم‌السلام ودفنه ممّن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب. وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضيِّ أبي محمّد الحسن ابن عليٍّ العسكريِّ عليهما‌السلام بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان (٢) وهو عامل السّلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قمّ ، وكان من أنصب خلق الله وأشدَّهم عداوة لهم ، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرَّ ـ من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السّلطان ، فقال أحمد بن عبيد الله : ما رأيت ولا عرفت بسرِّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن علي الرضا عليهم‌السلام ، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم ، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنِّ منهم والخطر ، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام النّاس فانّي كنت قائماً ذات يوم على رأس ابي وهو يوم مجلسه للنّاس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له : إنَّ ابن الرضا على الباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له (٣) فدخل رجلٌ أسمر أعينٌ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيّد البدن

__________________

(١) العنوان من المؤلف.

(٢) في أعلام الورى « أحمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان ».

(٣) زاد في الكافي ج ١ ص ٥٠٣ « فتعجبت ممّا سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكنّ عنده إلّا خليفة أوولى عهد أو من أمر السلطان أن يكنى ».

٤٠