إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

كان مجاورا بالحائر على مشرّفه السلام رأى المهدي سلام الله عليه في منامه وكان به علّة فشكاها إلى القائم عجّل الله فرجه فأمره بكتابته وغسله وشربه ففعل ذلك فبرئ في الحال(١).

الحكاية السادسة والعشرون : فيه عن كتاب نور العيون تأليف الفاضل البحر الألمعي محمد شريف الحسيني الاصفهاني عن استاذه العالم الزاهد الورع الميرزا محمد تقي بن الميرزا محمد كاظم بن الميرزا عزيز الله بن المولى محمد تقي المجلسي الملقّب بالألماسي قال في رسالة له : والظاهر أن اسمها «بهجة الأولياء في ذكر من رآه في الغيبة الكبرى» حدّثني بعض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حيّ إلى هذا الوقت ـ أي سنة ستّ وثلاثين بعد المائة والألف ـ قال : إنّي كنت قد سافرت في بعض السنين مع جماعة فركبنا السفينة وسرنا في البحر فاتّفق أنه انكسرت سفينتنا وغرق جميع من فيها ، وتعلّقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدّة إلى جزيرة فسرت في أطراف الجزيرة فوصلت بعد اليأس من الحياة بصحراء فيها جبل عظيم ، فلمّا وصلت إليه رأيته محيطا بالبحر إلّا طرفا منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه ففرحت وزاد شوقي وصعدت قدرا من الجبل ، حتّى إذا بلغت إلى وسطه في موضع أملس مقدار عشرين ذراعا لا يمكن الاجتياز منه أبدا فتحيّرت من أمري وصرت أتفكّر في أمري فإذا أنا بحيّة عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة ففررت منها منهزما مستغيثا بالله تبارك وتعالى في النجاة من شرّها كما نجّاني من الغرق ، فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب قصد الحيّة مسرعا من أعلى الجبل حتّى وصل إلى ذنبها فصعد منه حتّى إذا وصل رأس الحيّة إلى ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه فوق الحجر وصل الحيوان إلى رأسها وأخرج من فمه حمئة مقدار إصبع فأدخلها في رأسها ثمّ نزعها وأدخلها في موضع آخر منها وولى مدبرا فماتت الحيّة في مكانها من وقتها ، وحدث منها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة ، فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها وسال في البحر وبقي عظامها كسلّم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه ، فتفكّرت في نفسي وقلت إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكّلت على الله في ذلك وصعدت منها حتّى علوت الجبل وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حدّ الغاية في الغضارة

__________________

(١) جنّة المأوى : ٥٣ / ٢٢٦ الحكاية السادسة.

٤١

والنضارة والطراوة والعمارة ، فسرت حتّى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة وبناء عال مشتمل على بيوتات وغرف كثيرة في وسطها ، فأكلت من تلك الفواكه واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرّج الحديقة وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البرّ قاصدي الحديقة يقدمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال وغاية من المهابة ، يعلم من ذلك أنّه سيّدهم ، فدخلوا الحديقة ونزلوا من خيولهم وخلّوا سبيلها وتوسّطوا القصر فتصدّر السيّد وجلس الباقون متأدّبين حوله.

ثمّ أحضروا الطعام فقال لهم ذلك السيّد : إنّ لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولا بدّ لنا من دعوته إلى الطعام ، فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت : اعفني من ذلك ، فأخبر السيّد بذلك فقال : اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله ، فلمّا فرغنا من الطعام أمر بإحضاري وسألني عن قصّتي ، فحكيت له القصّة. فقال : أتحبّ أن ترجع إلى أهلك؟ قلت : نعم ، فأقبل على واحد منهم فأمره بإيصالي إلى أهلي فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده فلمّا سرنا قليلا قال لي الرجل : انظر فهذا سور بغداد ، فنظرت فإذا أنا بسوره وغاب عنّي الرجل ، فتفطّنت من ساعتي هذه وعلمت انّي لقيت سيّدي ومولاي ومن سوء حظّي حرمت من هذا الفيض العظيم فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة (١).

الحكاية السابعة والعشرون : في البحار عن السيّد الفاضل أمير غلام قال : كنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدّسة بالغري على مشرّفها السلام وقد ذهب كثير من الليل ، فبينا أنا أجول فيها إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدّسة ، فأقبلت إليه ، فلمّا قربت منه عرفت أنه استاذنا الفاضل العالم التقي الزكيّ مولانا أحمد الأردبيلي قدّس الله روحه فأخفيت نفسي عنه حتّى أتى الباب وكان مغلقا فانفتح له عند وصوله إليه ودخل الروضة فسمعته يتكلّم كأنّه يناجي أحدا ، ثمّ خرج وأغلق الباب فمشيت خلفه حتّى خرج من الغري وتوجّه نحو مسجد الكوفة فكنت خلفه بحيث لا يراني حتّى دخل المسجد وصار إلى المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام عنده ومكث طويلا ثمّ رجع وخرج من المسجد وأقبل نحو الغري فكنت خلفه حتّى قرب من الحنانة ، فأخذني سعال لم أقدر على دفعه فالتفت إليّ فعرفني وقال : أنت أمير غلام؟ قلت : نعم. قال : ما تصنع هاهنا؟ قلت : كنت معك

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٥٩.

٤٢

حيث دخلت الروضة المقدّسة إلى الآن وأقسم عليك بحقّ صاحب القرآن تخبرني بما جرى عليك في تلك الليلة من البداية إلى النهاية. فقال : أخبرك على أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيّا ، فلمّا توثّق ذلك منّي قال : كنت أفكّر في بعض المسائل وقد أغلقت عليّ فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين عليه‌السلام وأسأله عن ذلك ، فلمّا وصلت إلى الباب فتح لي بغير مفتاح كما رأيت فدخلت الروضة وابتهلت إلى الله تعالى في أن يجيبني مولاي عن ذلك ، فسمعت صوتا من القبر : أن ائت مسجد الكوفة وسل عن القائم عليه‌السلام فإنّه إمام زمانك (عج) ، فأتيت عند المحراب وسألته عنها وأجبت ، وها أنا أرجع إلى بيتي (١).

الحكاية الثامنة والعشرون : فيه عن الشيخ الجليل أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير في كتاب كنوز النجاح قال : دعاء علّمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنّان أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه‌الله تعالى في بلدة بغداد في مقابر قريش وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليه من خوف القتل فنجا منه ببركة هذا الدعاء ، قال أبو الحسن المذكور : إنّه علّمني أن أقول : اللهمّ عظم البلاء وبرح الخفاء وانقطع الرجاء وانكشف الغطاء وضاقت الأرض ومنعت السماء وإليك يا ربّ المشتكى وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء ، اللهمّ فصلّ على محمّد وآل محمّد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم فعرّفتنا بذلك منزلتهم ، ففرّج عنّا بحقّهم فرجا عاجلا كلمح البصر أو هو أقرب ، يا محمّد يا علي اكفياني فإنّكما كافياي وانصراني فإنّكما ناصراي ، يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني. قال الراوي إنّه عليه‌السلام عند قوله : يا صاحب الزمان ، كان يشير إلى صدره الشريف (٢).

الحكاية التاسعة والعشرون : في جنّة المأوى عن السيّد السند والحبر المعتمد الميرزا صالح دام علاه ابن السيّد المحقّق السيّد مهدي القزويني الساكن بالحلّة أعلى الله مقامه قال : خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلّة أريد زيارة الحسين ليلة النصف منه ، فلمّا وصلت إلى شط الهندية وعبرت إلى الجانب الغربي منه وجدت الزوّار الذاهبين من الحلّة وأطرافها والواردين من النجف ونواحيه جميعا محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من

__________________

(١) البحار : ٥٢ / ١٧٥.

(٢) جنّة المأوى : ٢٧٥ الحكاية ٤٠.

٤٣

عشائر الهندية ولا طريق لهم إلى كربلاء لأنّ عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق وقطعوه عن المارّة ولا يدعون أحدا يخرج من كربلاء ولا أحدا يلج إلّا انتهبوه قال : فنزلت على رجل من العرب وصلّيت صلاة الظهر والعصر وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوّار وقد تغيّمت السماء ومطرت مطرا يسيرا فبينما نحن جلوس إذا خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجهين نحو طريق كربلاء فقلت لبعض من معي : اخرج واسأل ما الخبر فخرج ورجع إليّ وقال لي : إنّ عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية وتجمّعوا لإيصال الزوّار إلى كربلاء ولو آل الأمر إلى المحاربة مع عنزة ، فلمّا سمعت قلت : إنّ هذا الكلام لا أصل له لأنّ بني طرف لا قابلية لهم على مقابلة عنزة في البرّ وأظنّ هذه مكيدة منهم لإخراج الناس عن بيوتهم لأنّهم استثقلوا بقاءهم عندهم وفي ضيافتهم ، فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوّار إلى البيوت فتبيّن الحال كما قلت فلم تدخل الزوّار إلى البيوت وجلسوا في ظلالها والسماء متغيّمة فأخذتني لهم رقّة شديدة وأصابني انكسار عظيم وتوجّهت إلى الله تعالى بالدعاء والتوسّل بالنبيّ وآله وطلبت إغاثة الزوّار ممّا هم فيه ، فبينما أنا على هذا الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع كريم لم أر مثله وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه فأقبل يخب به جواده حتّى وقف على البيت الذي أنا فيه وكان بيتا من شعر مرفوع الجوانب فسلّم فرددنا عليه‌السلام ثمّ قال : يا مولانا ـ يسمّيني باسمي ـ بعثني من يسلّم عليك وهم كنج آغا محمد وصفر آغا وكانا من قوّاد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوّار فإنّا قد طردنا عنزة من الطريق ونحن ننتظر مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على الجادة فقلت له : وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية؟ قال : نعم فأخرجت الساعة فإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريبا فقلت بخيلنا فقدّمت إلينا فتعلّق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال : يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوّار وأقم الليلة حتّى يتّضح الأمر ، فقلت له : لا بدّ من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة ، فلمّا رأتنا الزوّار قد ركبنا تبعوا أثرنا بين ماش وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنّه الأسد الخادر ونحن خلفه حتّى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه فتبعناه في الصعود ثمّ نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نر له عينا ولا أثرا فكأنّما صعد من السماء أو نزل في الأرض ولم نر قائدا ولا عسكرا فقلت لمن معي : ما بقي شكّ في انّه صاحب الأمر عليه‌السلام.

٤٤

فقالوا : لا والله ، وكنت وهو بين أيدينا أطيل النظر إليه كأنّي رأيته قبل ذلك لكنّني لا أذكر أين رأيته ، فلمّا فارقنا تذكّرت انّه هو الشخص الذي زارني بالحلّة وأخبرني بواقعة السليمانية ، وأمّا عشيرة عنزة فلم نر لهم أثرا في منازلهم ولم نر أحدا نسأله عنهم سوى أننا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرّ فوردنا كربلاء تخبّ بنا خيولنا فوصلنا إلى باب البلاء وإذا بعسكر على سور البلد فنادوا : من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثمّ نظروا إلى سواد الزوّار ثمّ قالوا : سبحان الله! هذه البرية قد امتلأت من الزوّار ، أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم : اجلسوا وخذوا أرزاقكم ولمكّة ربّ يرعاها ثمّ دخلنا البلد فإذا بكنج محمد آغا جالس على تخت قريب من الباب فسلّمت عليه فقام في وجهي فقلت له : يكفيك فخرا أنّك ذكرت باللسان فقال : ما الخبر؟ فأخبرته بالقصّة فقال لي : يا مولاي من أين لي علم بأنّك زائر حتّى أرسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنزة؟ ثمّ قال : فأين صارت عنزة؟ قلت : لا علم لي سوى أنّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرّ كأنّها غبرة الظعائن ثمّ أخرجت الساعة وإذا بقي من النهار ساعة ونصف فكأنّ مسيرنا كلّه في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء ، فلمّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلّاحين الذين في بساتين كربلاء قال : فبينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم وبيده رمح طويل فصرخ فيهم بأعلى صوته : يا معاشر عنزة قد جاء الموت هذا عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنّكم تنجون منهم فألقى الله عليهم الخوف والذلّ حتّى إنّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل فلم تمض ساعة حتّى ارتحلوا بأجمعهم وتوجّهوا نحو البرّ فقلت له : صف لي الفارس فوصفه وإذا هو صاحبنا بعينه وهو الفارس الذي جاءنا والحمد لله ربّ العالمين (١).

الحكاية الثلاثون : وفيه عن السيّد السند الميرزا صالح المزبور عن بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلّة قال : خرجت غدوة من داري قاصدا داركم لأجل زيارة السيّد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام المعروف بقبر السيّد محمد ذي الدمعة فرأيت على

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٨٨ الحكاية ٤٦.

٤٥

شبّاكه الخارج إلى الطريق شخصا بهيّ المنظر يقرأ فاتحة الكتاب فتأمّلته فإذا هو غريب الشكل وليس من أهل الحلّة فقلت في نفسي : هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب ونحن أهل البلد نمرّ ولا نفعل ذلك فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد ، فلمّا فرغت سلّمت عليه فردّ السلام وقال لي : يا علي أنت ذاهب لزيارة السيّد مهدي؟ قلت : نعم ، قال : فإنّي معك ، فلمّا صرنا ببعض الطريق قال لي : يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب المال في هذه السنة فإنّك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤدّيا للحقّ وقد قضيت ما فرض الله عليك ، وأمّا المال فإنّه عرض زائل يجيء ويذهب وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطّلع عليه أحد مخافة الكسر فاغتممت في نفسي وقلت : سبحان الله كسري قد شاع وبلغ حتّى إلى الأجانب إلّا أنّي قلت له في الجواب : الحمد لله على كلّ حال ، فقال : إنّ ما ذهب من مالك سيعود إليك بعد مدّة وترجع كحالك الأوّل وتقضي ما عليك من الديون قال : فسكت وأنا متفكّر في كلامه حتّى انتهينا إلى باب داركم فوقفت ووقف فقلت : ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال عليه‌السلام لي : ادخل أنا صاحب الدار فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه ، فلمّا صرنا إلى المجلس وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيّد قدس‌سره من داخل الدار لأجل البحث ، ومكانه من المجلس خال لم يجلس به أحد احتراما له وفيه كتاب مطروح فذهب الرجل فجلس في الموضع الذي كان السيّد رحمه‌الله يعتاد الجلوس فيه ثمّ أخذ الكتاب وفتحه وكان الكتاب شرائع المحقّق رحمه‌الله ثمّ استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخطّ السيّد رحمه‌الله وكان خطّه في غاية الضعف لا يقدر كلّ أحد على قراءته فأخذ يقرأ في تلك الكراريس ويقول للطلبة : ألا تعجبون من هذه الفروع؟ وهذه الكراريس هي بعض من جملة كتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الأحكام وهو كتاب عجيب في فنّه لم يبرز منه إلّا ست مجلّدات من أوّل الطهارة إلى أحكام الأموات.

قال الوالد أعلى الله درجته : لمّا خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي ، فلمّا رآني قام وتنحّى عن الموضع وألزمته بالجلوس فيه ورأيته رجلا بهيّ المنظر وسيم الشكل في زي غريب ، فلمّا جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة وسؤال عن حاله واستحييت أن أسأله من هو وأين موطنه ، ثمّ شرعت بالبحث فجعل الرجل يتكلّم في

٤٦

المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنّه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة : اسكت ، ما أنت وهذا؟ فتبسّم وسكت ، قال رحمه‌الله : فلمّا انتهى البحث قلت له : من أين كان مجيئك إلى الحلّة؟ فقال : من بلد السليمانية.

فقلت : متى خرجت؟ فقال : بالأمس خرجت منها حين دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلّب عليها وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا وقد كان أحمد باشا المتقدّم قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادّعى السلطنة لنفسه في السليمانية ، قال الوالد رحمه‌الله : فبقيت متفكّرا في حديثه وأن هذا الفتح وخبره لم يبلغ إلى حكّام الحلّة ولم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلّة وبالأمس خرجت من السليمانية وبين الحلّة والسليمانية ما يزيد على عشرة أيّام للراكب المجدّ ، ثمّ إنّ الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الاناء ليغترف به ماء من الحب فناداه لا تفعل فإنّ في الاناء حيوانا ميّتا فنظر فيه فإذا سام أبرص ميّت فأخذ غيره فجاء بالماء إليه ، فلمّا شرب قام للخروج ، قال الوالد : فقمت لقيامه فودّعني وخرج فلمّا صار خارج الدار قلت للجماعة هلّا أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانية؟ فقالوا : هلّا أنكرت عليه ، قال : فحدّثني الحاج علي المتقدّم بما وقع له في الطريق وحدّثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة وإظهار العجب من الفروع التي فيها ، قال الوالد أعلى الله مقامه ، فقلت : اطلبوا الرجل وما أظنّكم تجدونه ، هو والله صاحب الأمر روحي فداه فتفرّق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا ولا أثرا فكأنّما صعد في السماء أو نزل في الأرض ، قال : فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلّة بعد عشرة أيّام من ذلك اليوم وأعلن ذلك عند حكّامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر عند ذوي الدولة العثمانية. قال صاحب الكتاب قلت : الموجود فيما عندنا من كتاب الأنساب ان اسم ذي الدمعة حسين ويلقّب أيضا بذي العبرة وهو ابن زيد الشهيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ويكنّى بأبي عاتقة وإنّما لقّب بذي الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل ، وربّاه الصادق عليه‌السلام فأورثه علما جمّا وكان زاهدا عابدا وتوفي في سنة خمس وثلاثين ومائة وزوّج ابنته بالمهدي الخليفة العبّاسي وله أعقاب كثيرة (١).

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٨٦ الحكاية ٤٤.

٤٧

الحكاية الحادية والثلاثون : وفيه عن تاريخ قم تأليف الشيخ الفاضل الحسن بن محمد ابن الحسن القمي من كتاب مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين من مصنّفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمّي ما لفظه بالعربية : باب ذكر بناء مسجد جمكران بأمر الإمام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة ، سبب بناء المسجد المقدّس في جمكران بأمر الإمام عليه‌السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال : كنت ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة نائما في بيتي ، فلمّا مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني فقالوا : قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان (عج) فانّه يدعوك قال : فقمت وتعبّأت وتهيّأت فقلت : دعوني حتّى ألبس قميصي فإذا بنداء من جانب الباب هو : ما كان قميصك؟ فتركته فأخذت سراويلي فنودي : ليس ذلك منك فخذ سراويلك ، فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي : الباب مفتوح ، فلمّا جئت إلى الباب رأيت قوما من الأكابر فسلّمت عليهم فردّوا ورحّبوا بي وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن فلمّا أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فرش حسان وعليها وسائد حسان ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متّكئا عليها وبين يديه شيخ وبيده كتاب يقرؤه عليه وحوله أكثر من ستّين رجلا يصلّون في تلك البقعة وعلى بعضهم ثياب بيض وعلى بعضهم ثياب خضر وكان ذلك الشيخ هو الخضر فأجلسني ذلك الشيخ ودعاني الإمام باسمي وقال : اذهب إلى حسن بن مسلم وقل له : إنّك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ونحن نخربها زرعت خمس سنين والعام أيضا على حالك من الزراعة والعمارة ولا رخصة لك في العود إليها وعليك ردّ ما انتفعت به من غلّات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد ، وقل لحسن بن مسلم إنّ هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى على غيرها من الأراضي وشرّفها وأنت أضفتها إلى أرضك وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابّين فلم تنتبه عن غفلتك فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر.

قال حسن بن مثلة : يا سيدي لا بدّ لي في ذلك من علامة فإنّ القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجّة عليه ولا يصدّقون قولي ، قال : إنّا سنعلم هناك فاذهب وبلّغ رسالتنا واذهب إلى السيّد أبي الحسن وقل له يجيء ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ويعطيه

٤٨

الناس حتّى يبنوا المسجد ويتمّ ما نقص منه من غلّة رهق ملكنا بناحية اردهال ويتم المسجد وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ليجلب غلّته كلّ عام ويصرف إلى عمارته وقل للناس : ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعززوه ويصلّوا هنا أربع ركعات للتحية في كلّ ركعة يقرأ سورة الحمد مرّة وسورة الاخلاص سبع مرّات ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات وركعتان للإمام صاحب الزمان عليه‌السلام هكذا يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّر مائة مرّة ، ثمّ يقرؤها إلى آخرها ، وهكذا يصنع في الركعة الثانية ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات فإذا أتمّ الصلاة : يهلّل (١) ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة مرّة ، ثمّ قال عليه‌السلام ما هذه حكاية لفظه:فمن صلّاها فكأنّما [صلّى] (٢) في البيت العتيق ، قال حسن بن مثلة : قلت في نفسي كان هذا موضع أنت تزعم أنّما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتّكي على الوسائد فأشار ذلك الفتى إليّ أن اذهب فرجعت ، فلمّا سرت بعض الطريق دعاني ثانية وقال : إنّ في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فإن أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلّا فتعطي من مالك وتجيء به إلى هذا الموضع وتذبحه الليلة الآتية ثمّ تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ومن به علّة شديدة فإنّ الله يشفي جميعهم ، وذلك المعز أبلق كثير الشعر وعليه سبع علامات سود وبيض ، ثلاث على جانب وأربع على جانب سود وبيض كالدراهم ، فذهبت فأرجعوني ثالثة وقال عليه‌السلام : تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فإن حملت على السبع انطبق على ليلة القدر وهي الثالثة والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة وكلاهما يوم مبارك ، قال حسن بن مثلة : فعدت حتّى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكّرا حتّى أسفر الصبح فأدّيت الفريضة وجئت إلى علي بن منذر فقصصت عليه الحال فجاء معي حتّى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة فقال : والله إنّ العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أنّ هذه السلاسل والأوتاد هاهنا فذهبنا إلى السيّد الشريف أبي الحسن الرضا فلمّا وصلنا إلى باب داره رأينا خدّامه وغلمانه يقولون : إنّ السيّد أبا الحسن

__________________

(١) قال الميرزا النوري : الظاهر أنّه يقول : لا إله إلّا الله وحده وحده.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

٤٩

الرضا ينتظرك من سحر ، أنت من جمكران؟

قلت : نعم ، فدخلت عليه الساعة وسلّمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكّن لي في مجلسه وسبقني قبل أن أحدّثه وقال : يا حسن بن مثلة إنّي كنت نائما فرأيت شخصا يقول لي : إنّ رجلا من جمكران يقال له حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ولتصدقن ما يقول واعتمد على قوله فإنّ قوله قولنا فلا تردنّ عليه قوله فانتبهت من رقدتي وكنت أنتظرك الآن فقصّ عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج وتخرج فركبوا ، فلمّا قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطرق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أنّي ما رأيت هذا المعز قط ولم يكن في قطيعي إلّا أنّي رأيته وكلّما أريد أن آخذه لا يمكنني والآن جاء إليكم ، فأتوا بالمعز كما أمر به السيّد إلى ذلك الموضع وذبحوه وجاء السيّد أبو الحسن الرضا رضى الله عنه إلى ذلك الموضع وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلّات وجاءوا بغلّات رهق وسقفوا المسجد بالجذوع وذهب السيّد أبو الحسن الرضا (رض) بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والأعلّاء ويمسّون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون.

قال أبو الحسن محمد بن حيدر : سمعت بالاستفاضة أنّ السيّد أبا الحسن الرضا كان في المحلّة المدعوة بالموسويان من بلدة قم ، فمرض بعد وفاته ولد له فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد فلم يرها. انتهت حكاية بناء هذا المسجد الشريف المشتملة على المعجزات الباهرة والآثار الظاهرة التي منها وجود مثل بقرة بني إسرائيل في معز من معزى هذه الامّة.

قال مؤلّف كتاب جنّة المأوى الحاج ميرزا حسين النوري طاب ثراه : لا يخفى أنّ مؤلّف تاريخ قم هو الشيخ الفاضل حسن بن محمد القمي وهو من معاصري الصدوق رضوان الله عليه ، روى في ذلك الكتاب عن أخيه حسين بن علي بن بابويه رضى الله عنه وأصل الكتاب على اللغة العربية ، ولكن في السنة الخامسة والستّين بعد ثمانمائة نقله إلى الفارسية حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك بأمر الخاجا فخر الدين إبراهيم بن الوزير الكبير الخاجا عماد الدين محمود بن الصاحب الخاجا شمس الدين محمد بن علي الصفي ، قال العلّامة

٥٠

المجلسي رحمه‌الله في أوّل البحار : إنّه كتاب معتبر ولكن لم يتيسّر لنا أصله وما بأيدينا إنّما هو ترجمته ، وهذا كلام عجيب لأنّ الفاضل الألمعي الميرزا محمد أشرف صاحب كتاب فضائل السادات كان معاصرا له مقيما باصفهان وهو ينقل من النسخة العربية ، بل ونقل عنه الفاضل المحقّق الآغا محمد علي الكرمانشهاني في حواشيه على نقل الرجال في باب الحاء في اسم الحسن حيث ذكر الحسن بن مثلة ونقل ملخّص الخبر المذكور من النسخة العربية ، وأعجب منه أنّ أصل الكتاب كان مشتملا على عشرين بابا.

وذكر العالم الخبير الميرزا عبد الله الاصفهاني تلميذ العلّامة المجلسي رحمه‌الله في كتابه الموسوم برياض العلماء في ترجمة صاحب هذا التاريخ أنّه ظفر على ترجمة هذا التاريخ في قم وهو كتاب كبير حسن كثير الفوائد في مجلّدات عديدة ولكنّي لم أظفر على أكثر من مجلّد واحد مشتمل على ثمانية أبواب بعد الفحص الشائع ، وقد نقلنا الخبر السابق من خط السيّد المحدّث الجليل السيّد نعمة الله الجزائري رحمه‌الله عن مجموعة نقله منها ولكنّه كان بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم نظم هذا المجموع. ولا يخفى أنّ كلمة التسعين الواقعة في صدر الخبر المثناة فوق ثمّ السين المهملة كانت في الأصل سبعين بتقديم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ ؛ لأنّ وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين ، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ السبع والسبعين بتقديم السين أو التاء حذرا عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو العالم (١).

الحكاية الثانية والثلاثون : فيه عن السيّد الثقة التقي السيّد المرتضى النجفي وقد أدرك شيخ الفقهاء وعمادهم الشيخ جعفر النجفي وكان معروفا عند علماء العراق بالصلاح والسداد وصاحبته سنين سفرا وحضرا فما وقفت منه على عثرة في الدين قال : كنّا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرزين في المشهد الغروي وقد سألته عن اسمه غير مرّة فما كشف عنه لكونه محل هتك الستر وإذاعة السرّ قال : ولمّا حضر وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده ومؤذن ومتطهّر ، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة خربة وقد رأينا مجراها عند مقبرة هاني بن عروة ، والدرج الذي تنزل إليه

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٣٠ الحكاية الثامنة.

٥١

ضيّقة مخروبة لا تسع غير واحد فجئت إليه وأردت النزول فرأيت شخصا جليلا على هيئة الأعراب قاعدا عند الماء يتوضّأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة وكنت مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحرّكه شيء فقلت وقد اقيمت الصلاة ما معناه : لعلّك لا تريد الصلاة مع الشيخ ، أردت بذلك تعجيله فقال : لا. فقلت : لم؟ قال : لأنّه الشيخ الدخني ، فما فهمت مراده فوقفت حتّى أتمّ وضوءه فصعد وذهب ونزلت وتوضّأت وصلّيت ، فلمّا قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملأ قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيّرت حاله وألوانه وصار متفكّرا مهموما فقال : قد أدركت الحجّة وما عرفته وقد أخبر عن شيء ما اطّلع عليه إلّا الله تعالى ، اعلم أنّي زرعت الدخنة في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في الطرف الغربي من بحيرة الكوفة محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه ، فلمّا قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمّني أمره فصرت أتفكّر فيه وفي آفاته.

الحكاية الثالثة والثلاثون : وفيه عن العالم الصالح الميرزا محمد تقي بن الميرزا محمد كاظم عزيز الله بن المولى محمد تقي المجلسي الملقّب بالألماسي وهو من العلماء الزاهدين ، قال : حدّثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات سولستان عن رجل ثقة أنّه قال : اتفق في هذه السنين أنّ جماعة من أهل بحرين عزموا على إطعام جمع من المؤمنين على التناوب فأطعموا حتّى بلغ النوبة إلى رجل منهم لم يكن عنده شيء فاغتمّ لذلك وكثر حزنه وهمّه فاتّفق أنّه خرج ليلة إلى الصحراء فإذا بشخص قد وافاه وقال له : اذهب إلى التاجر الفلاني وقل : يقول لك محمد بن الحسن أعطني الاثني عشر دينارا التي نذرتها لنا فخذها منه وأنفقها في ضيافتك ، فذهب الرجل إلى ذلك التاجر وبلّغه رسالة الشخص المذكور فقال التاجر : قال لك ذلك محمد بن الحسن عليهما‌السلام بنفسه؟ فقال البحريني : نعم ، فقال : عرفته ، فقال : لا ، فقال التاجر : هو صاحب الزمان (عج) ، وهذه الدنانير نذرتها له ، فأكرم الرجل وأعطاه المبلغ المذكور وسأله الدعاء وقال له : لما قبل نذري أرجو منك أن تعطيني منه نصف دينار وأعطيك عوضه فجاء البحريني وأبلغ المبلغ في مصرفه (١).

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٥٨ الحكاية ٢٧.

٥٢

الحكاية الرابعة والثلاثون : وفيه عن محمد باقر الشريف الاصفهاني أنّ في سنة ألف ومائة وثلاث وسبعين كنت في طريق مكّة المعظّمة صاحبت رجلا ورعا موثقا يسمّى الحاج عبد الغفور في ما بين الحرمين وهو من تجّار تبريز يسكن في اليزد وقد حجّ قبل ذلك ثلاث مرّات وبنى في هذا السفر على مجاورة بيت الله سنتين ليدرك فيض الحج ثلاث سنين متوالية ، ثمّ بعد ذلك في سنة ألف ومائة وستّة وسبعين حين معاودتي من زيارة المشهد الرضوي على صاحبه السلام رأيته أيضا في اليزد وقد مرّ في رجوعه من مكة بعد ثلاث حجّات إلى بندر صورت من بنادر هند لحاجة له ورجع في سنتها إلى بيته فذكر لي عند اللقاء : أنّي سمعت من الميرزا بولي طالب أنّ في السنة الماضية جاء مكتوب من سلطان الافرنج إلى الرئيس الذي يسكن بندر بمبئي من جانبه ويعرف بجندران ، في هذا الوقت ورد علينا رجلان عليهما لباس الصوف ويدّعي أحدهما أنّ عمره سبعمائة وخمسين سنة والآخر سبعمائة سنة ويقولان : بعثنا صاحب الأمر (عج) لندعوكم إلى دين محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولان : إن لم تقلبوا دعوتنا ولم تتدينوا بديننا يغرق البحر بلادكم بعد ثمان أو عشرة سنين والترديد من الحاج المذكور وقد أمرنا بقتلهما فلم يعمل فيهما الحديد ووضعناهما على الأثواب وأوقدنا فيهما النار فلم يحرقا فشددنا أيديهما وأرجلهما وألقيناهما في البحر فخرجا منه سالمين ، وكتب إلى الرئيس أن يتفحّص في أرباب مذاهب الإسلام واليهود والمجوس والنصارى وأنّهم هل رأوا ظهور صاحب الأمر عليه‌السلام في آخر الزمان في كتبهم أم لا ، قال الحاج المزبور : وقد سألت من قسيس كان في صورت عن صحّة المكاتبة المذكورة فذكر لي كما سمعت. وبالجملة الخبر مشهور منتشر في تلك البلدة والله العالم (١).

الحكاية الخامسة والثلاثون : فيه أنّ في شهر جمادى الأولى من سنة ألف ومائتين وتسع وتسعين ورد الكاظمين رجل اسمه آقا محمّد مهدي من قاطنة بندر ملومين من بنادر ماچين وممالك برمه وهو الآن في تصرّف الانجليز ، ومن بلدة كلكته قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستّة أيّام من البحر مع المركب الدخانية وكان أبوه من أهل شيراز ولكنّه ولد تعيش وكان له أقارب في بلدة كاظمين عليهما‌السلام من التجّار المعروفين فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٦١ الحكاية ٣٠.

٥٣

يوما فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سرّ من رأى لطغيان الماء فأتوا به إلى المركب وسلّموه إلى راكبيه وهم من أهل بغداد وكربلاء وسألوهم المراقبة في حاله والنظر في حوائجه لعدم قدرته على إبرازها وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامراء للتوجّه في أموره ، فلمّا ورد تلك الأرض المشرّفة والناحية المقدّسة أتى إلى السرداب المنوّر بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنة المذكورة وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى وتضرّع فيها زمانا طويلا وكان يكتب قبيله حاله على الجدار ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة فما تمّ بكاؤه وتضرّعه إلّا وقد فتح الله لسانه وخرج بإعجاز الحجّة (عج) من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق وكلام فصيح ، واحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيّد الفقهاء وشيخ العلماء رئيس الشيعة وتاج الشريعة المنتهى إليه رئاسة الإماميّة سيّدنا الأفخم واستاذنا الأعظم الحاج الميرزا محمد حسن الشيرازي متّع الله المسلمين بطول بقائه وقرأ عنده متبرّكا سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحّته وحسن قراءته وصار يوما مشهودا ومقاما محمودا ، وفي ليلة الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين وأضاء وافضاءه من المصابيح والقناديل ونظموا القصة ونشروها في البلاد ، وكان معه في المركب مادح أهل البيت الفاضل اللبيب الحاج ملّا عباس الصفّار الزنوزي البغدادي فقال وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضا وصحيحا :

وفي عامها جئت والزائرين

إلى بلدة سر من قد رآها

رأيت من الصين فيها فتى

وكان سمي إمام هداها

يشير إذا ما أراد الكلام

وللنفس منه يريد براها

وقد قيّد السقم منه الكلام

وأطلق من مقلتيه دماها

فوافى إلى باب سرداب من

به الناس طرا تنال مناها

يروم بغير لسان يزور

وللنفس منه وهت بعناها

وقد صار يكتب فوق الجدار

ما فيه للروح منه شفاها

أروم الزيارة بعد الدعاء

ممن رأى أسطري وتلاها

لعل لساني يعود الفصيح

وعليّ أزور وأدعو الإلها

٥٤

إذا هو في رجل مقبل

تراه ورى البعض من أتقياها

تأبط خير كتاب له

وقد جاء حيث غاب ابن طه

فأومى إليه ادع ما قد كتب

وجاء فلمّا تلاه دعاها

وأوصى به سيّدا جالسا

ان ادعوا له بالشفاء شفاها

فقام وأدخله غيبة الإمام

المغيب من أوصياها

وجاء إلى حضرة الصفة

التي هي للعين نور ضياها

وأسرج آخر فيها السراج

وأدناه من فمه ليراها

هناك دعا الله مستغفرا

وعيناه مشغولة ببكاها

ومذ عاد منها يريد الصلاة

قد عاود النفس منه شفاها

وقد أطلق الله منه اللسان

وتلك الصلاة أتمّ أداها

ولمّا بلغ الخبر إلى خرّيت (١) صناعة الشعر السيّد المؤيد الأديب اللبيب فخر الطالبيين وناموس العلويين السيّد حيدر ابن السيد سليمان الحلّي أيّده الله تعالى كتب إلى سر من رأى كتابا صورته :

بسم الله الرحمن الرحيم لما هبت من الناحية المقدّسة نسمات كرم الإمامة فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله عند ما قام عندها في تضرّعه وابتهاله أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة في نظم قصيدة تتضمّن بيان هذا المعجز العظيم ونشره وإن أهمّني علامة الزمن وغرّة وجهه الحسن ، فرع الأراكة المحمدية ومنار الملّة الأحمدية ، علم الشريعة وإمام الشيعة لأجمع بين العبادتين في خدمة هاتين الحضرتين فنظمت هذه القصيدة الغرّاء وأهديتها إلى دار إقامته وهي سامراء راجيا أن تقع موقع القبول فقلت ومن الله بلوغ المأمول :

كذا يظهر المعجز الباهر

ويشهده البرّ والفاجر

وتروى الكرامة مأثورة

يبلغها الغائب الحاضر

يقرّ لقوم بها ناظر

ويقذى لقوم بها ناظر

فقلب بها ترحا واقع

وقلب بها فرحا طائر

__________________

(١) الخرّيت : الحاذق في الدلالة.

٥٥

أجل طرف فكرك يا مستدلّ

وأنجد بطرفك يا غائر

تصفّح مآثر آل الرسول

وحسبك ما نشر الناشر

ودونكه نبأ صادقا

لقلب العدو هو الباقر

فمن صاحب الأمر أمس استبان

لنا معجز أمره باهر

بموضع غيبته مذ ألمّ

أخو علّة داؤها ظاهر

رمى فمه باعتقال اللسان

رام هو الزمن الغادر

فأقبل ملتمسا للشفاء

لدى من هو الغائب الحاضر

ولقّنه القول مستأجر

عن القصد في أمره جائر

فبيناه في تعب ناصب

ومن ضجر فكره حائر

إذ انحل من ذلك الاعتقال

وبارحه ذلك الضائر

فراح لمولاه في الحامدين

وهو لآلائه ذاكر

لعمري لقد مسحت داءه

يد كلّ خلق لها شاكر

يد لم تزل رحمة للعباد

لذلك أنشأها الفاطر

تحدر وإن كرهت أنفس

يضيق شجى صدرها الواغر

وقل إنّ قائم آل النبي

له النهي وهو هو الآمر

أيمنع زائره الاعتقال

ممّا به ينطق الزائر

ويدعوه صدقا إلى حلّه

ويقضي على أنّه القادر

ويكبو راجيه دون الغياب

وهو يقال به العاثر

فحاشاه بل هو نعم المغيث

إذا نضض الحارث الفاغر

فهذي الكرامة لا ما غدا

يلفقه الفاسق الفاجر

أدم ذكرها يا لسان الزمان

وفي نشرها فمك العاطر

وهنئ بها سر من رأى ومن

به ربعها آهل عامر

هو السيّد الحسن المجتبى

خضم الندى غيثه الهامر

وقل يا تقدست من بقعة

بها يهب الزلّة الغافر

كلا اسميك في الناس باد له

بأوجههم أثر الظاهر

٥٦

فأنت لبعضهم سر من رأى

وبه يوصف الخاسر

لقد أطلق الحسن المكرمات

محياك فهو بها سافر

فأنت حديقة زهو به

وأخلاقه روضك الناضر

عليم توقّى بحجر الهدى

ونسج التقى برده الظاهر

إلى أن قال سلّمه الله تعالى :

كذا فلتكن عترة المرسلين

وإلّا فما الفخر يا فاخر (١)

الحكاية السادسة والثلاثون : وفيه حدّثني الثقة الأمين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين المتولّي لأمر الشموعات لتلك البقعة العالية فيما ينيف على أربعين سنة قال : كان رجل من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمّى مصطفى الجمود وكان من الخدّام الذين ديدنهم أذيّة الزوّار وأخذ أموالهم بطريق فيها غضب الجبّار وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدّس على الصفة الصغيرة خلف الشّباك الذي وصفه هناك من الزوّار ويشتغل بالزيارة ، يحول الخبيث بينه وبين مولاه فينبهه على الأغلاط المتعارفة التي لا يخلو أغلب العوام منها بحيث لم يبق لهم حالة حضور وتوجّه أصلا ، فرأى ليلة في المنام الحجّة من الله الملك العلّام عليه‌السلام فقال له : إلى متى تؤذي زوّاري ولا تدعهم أن يزوروا؟ ما لك والدخول في ذلك؟ خل بينهم وبين ما يقولون فانتبه وقد أصمّ الله أذنيه فكان لا يسمع بعده شيئا واستراح منه الزوّار وكان كذلك إلى أن ألحقه الله بأسلافه في النار (٢).

الحكاية السابعة والثلاثون : فيه عن مجمع الفضائل والفواضل المولى علي الرشتي طاب ثراه وكان عالما برّا تقيا قال : رجعت مرّة من زيارة أبي عبد الله عليه‌السلام عازما للنجف الأشرف من طريق الفرات ، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلاء وطويريج رأيت أهلها من أهل حلّة ومن طويريج تفترق طريق الحلّة والنجف واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح ، رأيت واحدا منهم لا يدخل في عملهم وعليه آثار السكينة والوقار لا يمازح ولا يضاحك وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ومع ذلك كان شريكا في أكلهم وشربهم فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا فأخرجنا صاحب

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٦٥ ـ ٢٦٨ الحكاية ٣٢.

(٢) جنّة المأوى : ٢٦٩ الحكاية ٣٣.

٥٧

السفينة فكنّا نمشي على الشاطئ فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق فسألته عن سبب مجانبته من أصحابه وذمّهم إيّاه وقدحهم فيه فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السنّة وأبي منهم وأمّي من أهل الايمان وكنت أيضا منهم ولكن الله منّ عليّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزمان عليه‌السلام فسألت عن كيفية ايمانه فقال : اسمي ياقوت وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلّة فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلّة فبعدت عنها بمراحل إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت أريد منه وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحدا منهم وقد ذهبوا جميعا ، وكان طريقنا في برية قفر ذات سباع كثيرة ليس في أطرافها معمورة إلّا بعد فراسخ كثيرة فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم فضلّ عنّي الطريق وبقيت متحيّرا خائفا من السباع والعطش في يومه فأخذت أستغيث بالخلفاء والمشايخ وأسألهم الإعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى وتضرّعت كثيرا فلم يظهر منهم شيء ، فقلت في نفسي : إنّي سمعت من أمّي أنّها كانت تقول : إنّ لنا إماما حيّا يكنّى أبا صالح يرشد الضالّ ويغيث الملهوف ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أمّي فناديته واستغثت به فإذا بشخص في جنبي وهو يمشي معي وعليه عمامة خضراء قال رحمه‌الله : وأشار حينئذ إلى نبات حافة النهر وقال : كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات ، ثمّ دلّني على الطريق وأمرني بالدخول في دين أمّي وذكر كلمات نسيتها وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعا من الشيعة قال : فقلت : يا سيدي أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟ فقال عليه‌السلام ما معناه : لا لأنّه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد أريد أن أغيثهم ثمّ غاب عنّي فما مشيت إلّا قليلا حتّى وصلت إلى القرية وكان في مسافة بعيدة ووصل الجماعة إليها بعدي بيوم ، فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سيّد الفقهاء السيّد مهدي القزويني رحمه‌الله وذكرت له القصّة فعلّمني معالم ديني فسألته عملا أتوصّل به إلى لقائه عليه‌السلام مرّة اخرى فقال : زر أبا عبد الله عليه‌السلام أربعين ليلة جمعة قال : فكنت أزوره من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة فذهبت من الحلة في يوم الخميس ، فلمّا وصلت إلى باب البلد فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها فبقيت متحيّرا والناس متزاحمون على الباب فأردت مرارا أن أتخفّى وأجوز عنهم فما تيسّر لي فإذا

٥٨

بصاحبي صاحب الزمان في زي لباس طلبة الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد ، فلمّا رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب فما رآني أحد ، فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس وبقيت متحيّرا على فراقه عليه‌السلام وقد ذهب عن خواطري بعض ما كان في تلك الحكاية (١).

الحكاية الثامنة والثلاثون : فيه عن العالم الجليل المحدّث السيّد نعمة الله الجزائري عمّن أعتمد عليه أنّه كان منزله في بلد على ساحل البحر وكان بينهم وبين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو أقلّ ، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم وما يحتاجون إليه فاتّفق أنّهم على عادتهم ركبوا في سفينة قاصدين تلك الجزيرة وحملوا معهم زاد يوم ، فلمّا توسّطوا البحر أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد وبقوا على تلك الحال تسعة أيّام حتّى أشرفوا على الهلاك من قلّة الماء والطعام ثمّ إنّ الهواء رماهم في ذلك اليوم على جزيرة في البحر فخرجوا إليها وكان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة وأنواع الشجر فبقوا فيها نهارا ثمّ حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم ودفعوا ، فلمّا بعدوا عن الساحل نظروا إلى رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم ولم يتمكّنوا من الرجوع فرأوه قد شدّ حزمة حطب ووضعها تحت صدره وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة فحال الليل بينهم وبينه وبقي في البحر ، وأمّا أهل السفينة فما وصلوا إلّا بعد مضيّ أشهر ، فلمّا بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه فبقوا على ذلك عاما أو أكثر ثمّ رأوا أنّ ذلك الرجل قدم إلى أهله فتباشروا به وجاء إليه أصحابه فقصّ عليهم قصّته قال : فلمّا حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلّبني الأمواج وإذا أنا على الحزمة يومين حتّى أوقعتني على جبل في الساحل فتعلّقت بصخرة منه ولم أطق الصعود إلى جوفه لارتفاعه فبقيت في الماء وما شعرت إلّا بأفعى عظيمة أطول من المنار وأغلظ منها فوقعت على ذلك الجبل ومدّت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرّعت إلى الله تعالى فرأيت عقربا تدبّ على ظهر الأفعى ، فلمّا وصل إلى دماغها لسعتها بإبرة فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلّم العظيم الذي له مراق يسهل الصعود عليها قال : فرقيت على تلك الأضلاع حتّى خرجت إلى الجزيرة شاكرا لله تعالى على ما صنع فمشيت في تلك

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٩٣ حكاية ٤٧.

٥٩

الجزيرة إلى قريب العصر فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلّا أنّها خالية لكن فيها آثار الانس قال : فاسترحت في موضع منها ، فلمّا صار العصر رأيت عبيدا وخدما كلّ واحد منهم على بغل فنزلوا وفرشوا فرشا نظيفة وشرعوا في تهيئة الطعام وطبخه ، فلمّا فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين عليهم ثياب بيض وخضر ويلوح من وجوههم الأنوار فنزلوا وقدّم إليهم الطعام فلمّا شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة وأعلاهم نورا : ارفعوا حصّة من هذا الطعام لرجل غائب فلمّا فرغوا ناداني : يا فلان بن فلان ، أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم ورحّبوا بي فأكلت ذلك الطعام وما تحقّقت إلّا أنّه من طعام الجنّة ، فلمّا صار النهار ركبوا بأجمعهم وقالوا لي : انتظر هنا فرجعوا وقت العصر وبقيت معهم أيّاما فقال لي يوما ذلك الرجل الأنور : إن شئت الإقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت وإن شئت المضي إلى أهلك أرسلنا معك من يبلغك بلدك فاخترت على شقاوتي بلادي ، فلمّا دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبدا من عبيده فسرنا ساعة من الليل وأنا أعلم أنّ بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيّام فما مضى من الليل قليل منه إلّا وقد سمعنا نبح الكلاب فقال لي ذلك الغلام : هذا نبح كلابكم فما شعرت إلّا وأنا واقف على باب داري فقال : هذه دارك انزل إليها ، فلمّا نزلت قال لي : قد خسرت الدنيا والآخرة ذلك الرجل صاحب الدار فالتفت إلى الغلام فلم أره وأنا من ذلك الوقت بينكم نادما على ما فرطت ، هذه حكايتي وأمثال هذه الغرائب كثيرة لا نطيل الكلام بها.

أقول : قد نقل صاحب الكتاب حكاية عن كتاب نور العيون تأليف محمد شريف الحسيني تقرب من هذه إلّا أنّ بينها اختلافا كثيرا وقد ذكرناها في الخامسة والعشرين من الحكايات والله أعلم (١).

الحكاية التاسعة والثلاثون : وممّن فاز بتلك الدوحة العليا ونال التشرّف بتلك الطلعة الغرّاء في غيبته الكبرى المؤلف الضعيف وذلك في مسافرتي من محل إقامتي ومجاورتي ومدفني إن شاء الله تعالى وهو الحائر المقدّسة الحسينية والبقعة المباركة الطيّبة إلى زيارة مولانا أبي الأئمّة في وقفة البعثة النبوية السنة المعروفة بالغريقية وذلك سنة ألف وثلاثمائة وخمس من الهجرة المقدّسة وذلك أنّه اتفقت تلك الزيارة في فصل الربيع من تلك السنة

__________________

(١) جنّة المأوى : ٣٠٧ الحكاية ٥٧.

٦٠