إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

الفرع الثالث

في إخبار أهل العرفان والحسّاب والكهنة

بظهوره وعلاماته عجّل الله فرجه

في البحار عن البرسي في المشارق أنّ ذا جدن الملك أرسل إلى السطيح لأمر شكّ فيه ، فلمّا قدم عليه أراد أن يجرّب علمه قبل حكمه فخبأ له دينارا تحت قدمه ثمّ أذن له فدخل فقال له : ما خبأت لك يا سطيح؟ فقال سطيح : حلفت بالبيت والحرم والحجر الأصمّ والليل إذا أظلم والصبح إذا تبسّم وبكل فصيح وأبكم ، لقد خبّأت لي دينارا بين النعل والقدم ، فقال الملك : من أين علمك هذا يا سطيح؟ فقال : من قبل أخ لي جنّي ينزل معي أنّى نزلت ، فقال الملك : أخبرني عمّا يكون في الدهور؟ فقال سطيح : إذا غارت الأخيار وقادت الأشرار وكذّب بالأقدار وحمل بالأوقار وخشعت الأبصار لحامل الأوزار وقطعت الأرحام وظهرت الطعام لمستحلّي الحرام في حرمة الإسلام واختلفت الكلمة وخفرت الذمّة وقلّت الحرمة وذلك عند طلوع الكوكب الذي يفزع العرب وله شبيه الذنب ، فهناك ينقطع الأمطار وتجفّ الأنهار وتختلف الأعصار وتغلو الأسعار في جميع الأقطار ، ثمّ تقبل البربر بالرايات الصفر على البراذين حتّى ينزلوا مصر فيخرج رجل من ولد صخر فيبدّل الرايات السود بالحمر فيبيح المحرمات ويترك النساء بالثدي معلّقات وهو صاحب نهب الكوفة ، فربّ بيضاء الساق مكشوفة ، على الطريق مردوفة ، بها الخيل محفوفة ، قتل زوجها وكسر عجزها واستحلّ فرجها ، فعندها يظهر ابن النبي المهدي (عج) ، وذلك إذا قتل المظلوم بيثرب وابن عمّه في الحرم وظهر الخسفي فوافق الوسمي فعند ذلك يقبل المشوم بجمعه الظلوم فتظاهر الروم بقتل القروم فعندها ينكسف كسوف إذا حاد الزحوف وصفا الصفوف ويظهر ملك من صنعاء اليمن أبيض كالقطع اسمه حسين أو حسن فيذهب بخروجه عمر الفتن ، فهناك يظهر مباركا زكيّا وهاديا ومهديّا وسيّدا علويّا فيفرح الناس إذا أتاهم بمن الله الذي هداهم فيكشف بنوره الظلمة ويظهر به الحقّ بعد الخفاء ويفرّق الأموال في الناس بالسواء

١٤١

ويغمد السيف فلا يسفك الدماء ويعيش الناس في البشر والهناء ويغسل بماء عدله عين الدهر من القذى ويرد الحق على أهل القرى ويكثر في الناس الضيافة والقرى ويرفع بعدله الغواية والعمى كأنّه كان غبارا فانجلى فيملأ الأرض عدلا وقسطا والأيّام حبّا وهو علم الساعة بلا امتراء (١).

وفي الينابيع عن الشيخ محيي الدين الطائي الأندلسي في حل الصحيفات الجفرية : ولما أطلعني الله على العوالم الماضية سألت عن شرحيهما فقال : إنّهما لا يعلمان إلّا ظاهره وإنّه إلى الآن مقفل فحله لي ، والإمام علي عليه‌السلام ورث علم الحروف من سيّدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب ، وقد ورث علي كرّم الله وجهه علم الأوّلين والآخرين وما رأيت فيمن اجتمعت بهم أعلم منه.

قال ابن عبّاس : أعطي الإمام علي كرّم الله وجهه تسعة أعشار العلم وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي وهو أوّل من وضع مربع مائة في مائة في الإسلام وقد صنّف الجفر الجامع في أسرار الحروف وفيه ما جرى للأوّلين وما يجري للآخرين وفيه اسم الله الأعظم وتاج آدم وخاتم سليمان وحجاب آصف وكانت الأئمّة الراسخون من أولاده يعرفون أسرار هذا الكتاب الربّاني واللباب النوراني وهو ألف وسبعمائة مصدر المعروف بالجفر الجامع والنور اللامع وهو عبارة عن لوح القضاء والقدر ، ثمّ الإمام الحسين عليه‌السلام ورث علم الحروف من أبيه كرّم الله وجهه ثمّ الإمام زين العابدين ورث عن أبيه عليهما‌السلام ثمّ الإمام محمد الباقر عليه‌السلام ورثه من أبيه ثمّ الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ورثه من أبيه عليه‌السلام وهو الذي غاص في أعماق أغواره واستخرج درره من أصداف أسراره وحلّ معاقد رموزه وفكّ طلاسم كنوزه وصنف الخافية في علم الجفر وجعل في خافية الباب الكبير ابتث وفي الباب الكبير أبجد إلى قرشت ونقل أنّه يتكلّم بغوامض الأسرار والعلوم الحقيقية وهو ابن سبع سنين ، وقال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : علمنا غابر ومزبور وكتاب مسطور في رقّ منشور ونكت في القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب ونقر في الأسماع ولا ينفر عنه الطباع وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر الإكسير والجفر الأصفر ومنّا الفرس الغوّاص والفارس القنّاص فافهم هذا اللسان الغريب والبيان العجيب.

__________________

(١) البحار : ٥١ / ١٦٢.

١٤٢

قيل : إنّ الجفر يظهر في آخر الزمان مع الإمام محمد المهدي رضى الله عنه ولا يعرف عن الحقيقة إلّا هو ، كان الإمام علي عليه‌السلام من أعلم الناس بعلم الحروف وأسرارها وقال الإمام علي : سلوني قبل أن تفقدوني فإنّ بين جنبي علوما كالبحار الزواخر. واعلم أنّ هذا الجفر هو التكسير الكبير الذي ليس فوقه شيء ولم يهتد إلى وضعه من لدن آدم إلى الإسلام غير الإمام علي كرّم الله وجهه كلّ ذلك ببركة تعليم خير الأنام ومصباح الظلام محمّد عليه أفضل الصلاة وأتمّ السلام. ولما كنت في بلدة بجاية سنة عشرة وستمائة اجتمعت بإدريس وحللت عليه الثمانية والعشرين سفرا بكمالها وأهدى إليّ علمه على أحسن حال. فهذا الذي حملني على إخراج كتاب سهل ممتنع وما سلم من الخطأ إلّا المعصوم وما منّا إلّا له مقام معلوم ، وأنّ الإمام جعفر الصادق عليه‌السلاموضع وفقا مسدسا على عدد حرف ألف الذي هو كافي وكان يخرج منه علوما كالبحار الزواخر ، وإن أردت حلّه على الحقيقة فانظر في كتاب شقّ الجيب يظهر لك سرّ ذلك ، وكان لسيّدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي فيه تصرّف غريب. قال سيّدي الشيخ أبو مدين المغربي : ما رأيت شيئا إلّا رأيت شكل الباء فيه ، ولذلك كان أوّل البسملة وهي آية من كلّ سورة. وقال : ما من رسم يرسم إلّا وله خاصّية حتّى الحيّة إذا مشت على التراب. وقد أودع الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في السرّ الأكبر من الجفر الأحمر سرّا كبيرا ولا ينبئك إلّا مثل إمام خبير فإن عرفت سرّه ووضعه وضعت الجفر جميعه ، وذكرت بعض هذه الأسرار في الفتوحات المكيّة ، فلمّا أراد الله أن يثبت الحجّة لآدم عليه‌السلام على الملائكة وأراد أن يعلمهم أنّ آدم أحقّ بالخلافة منهم قال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) (١) فثبت العجز على الملائكة بالمسألة التي سألهم إيّاها وعجزوا عن علمها فجعل آدم خليفة لكونه أحقّ بالخلافة منهم لفضل علمه. فمن وصل إلى هذه الفضيلة فقد اختصّه الله تبارك وتعالى من بين عباده وجعله أفضل أهل زمانه ، ولم يهتدوا إلى سرّ يقع إلّا إمام العلوم باب مدينة المعصوم ، وحللنا نزرا يسيرا في شقّ الجيب فيما يتعلّق بالمهدي (عج) وخروجه : أخرج يا إمام تعطل الإسلام إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد.

إذا دار الزمان على حروف

ببسم الله فالمهديّ قاما

__________________

(١) سورة البقرة : ٣٣.

١٤٣

ويخرج بالحطيم عقيب صوم

ألا فأقرئه من عندي السلاما (١)

لمّا انجر الكلام بذكر الشيخ العارف الكامل محيي الدين ناسب ذكر بعض كلماته (في الفتوحات المكيّة) وهو هذا : إنّ لله خليفة يخرج من عترة رسول الله من ولد فاطمة يواطئ اسمه اسم رسول الله ، جدّه الحسين بن علي عليهما‌السلام يبايع بين الركن والمقام يشبه برسول الله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ وينزل عنه في الخلق ـ بضمّ الخاء ـ أسعد الناس به أهل الكوفة يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يضع الجزية على الكفّار ويدعو إلى الله بالسيف ويرفع المذاهب عن الأرض فلا يبقى إلّا الدين الخالص ، أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمّتهم فيدخلون كرها تحت حكمه خوفا من سيفه يفرح به عامّة المسلمين أكثر من خواصّهم يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف إلهي ، له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصرونه ولو لا أنّ السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله ولكنّ الله يظهره بالسيف والكرم فيطمعون ويخافون ويقبلون حكمه من غير إيمان ويضمرون خلافه ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهب أئمّتهم أنّه على ضلال في ذلك لأنّهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع وما بقي مجتهد في العالم وأنّ الله لا يوجد بعد أئمّتهم أحدا له درجة الاجتهاد ، وأمّا من يدّعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية فهو عندهم مجنون فاسد الخيال ، انتهى. (٢)

فانظر بعين الإنصاف قوله : لله خليفة ، وقوله : أسعد الناس به أهل المعرفة ، وقوله : أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد ، وقوله : لأنّهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع.

وفي الينابيع عن الشيخ الجليل اليماني :

وفي يمن أمن يكون لأهلها

إلى أن ترى نور الهداية مقبلا

بميم مجيد من سلالة حيدر

ومن آل بيت طاهرين بمن علا

يسمّى بالمهدي من الحقّ ظاهر

بسنة خير الخلق يحكم أوّلا

وقال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي :

ويظهر ميم المجد من آل أحمد

ويظهر عدل الله في الناس أوّلا

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٢٢١ ط. دار الاسوة ، وفيض القدير : ٦ / ٣٦١ ح ٩٢٤٢.

(٢) الفتوحات المكيّة : ٣ / ٤١٩ باب ٣٦٦ ط. بولاق ـ مصر.

١٤٤

كما قد روينا من علي الرضا

وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا (١)

وعنه أيضا :

ويخرج حرف الميم من بعد شينه

بمكة نحو البيت بالنصر قد علا

فهذا هو المهدي بالحقّ ظاهر

سيأتي من الرحمن للحقّ مرسلا

ويملأ كلّ الأرض بالعدل رحمة

ويمحو ظلام الشرك والجور أوّلا

ولايته بالأمر من عند ربّه

خليفة خير الرسل من عالم العلى (٢)

وعن الشيخ محيي الدين في كتابه المسمّى عنقاء المغرب :

فعند فنا خاء الزمان ودالها

على فاء مدلول الكرور يقوم

مع السبعة الأعلام والناس غفل

عليم بتدبير الامور حكيم

فأشخاصه خمس وخمس وخمسة

عليهم ترى أمر الوجود يقوم

ومن قال إنّ الأربعين نهاية

لهم فهو قول يرتضيه كليم

وإن شئت أخبر عن ثمان ولا تزد

طريقهم فرد إليه قويم

فسبعتهم في الأرض لا يجهلونها

وثامنهم عند النجوم لزيم

وعن الشيخ صدر الدين القونوي في شأنه وعلامة ظهوره :

يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا

على رغم شيطانين بالمحق للكفر

يؤيّد شرع المصطفى وهو ختمه

ويمتدّ من ميم بأحكامها يدري

ومدّته ميقات موسى وجنده

خيار الورى في الوقت يخلو عن الحصر

على يده محق اللئام جميعهم

بسيف قويّ المتن علّك أن تدري

حقيقة ذاك السيف والقائم الذي

تعيّن للدين القويم على الأمر

لعمري هو الفرد الذي بان سرّه

بكلّ زمان في مطاه يسري

تسمّى بأسماء المراتب كلّها

خفاء وإعلانا كذاك إلى الحشر

أليس هو النور الأتمّ حقيقة

ونقطة ميم منه إمدادها يجري

يفيض على الأكوان ما قد أفاضه

عليه إله العرش في أزل الدهر

فما ثم إلّا الميم لا شيء غيره

وذو العين من نوّابه مفرد العصر

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٣٧ ط. دار الاسوة.

(٢) المصدر السابق.

١٤٥

هو الروح فاعلمه وخذ عهده إذا

بلغت إلى مدّ مديد من العمر

كأنّك بالمذكور تصعد راقيا

إلى ذروة المجد الأثيل على القدر

وما قدره إلّا ألوف بحكمة

إلى حدّ مرسوم الشريعة بالأمر

بنا قال أهل الحلّ والعقد واكتفى

بنصّهم المثبوت في صحف الزبر

فإن تبغ ميقات الظهور فإنّه

يكون بدور جامع مطلع الفجر

بشمس تمدّ الكلّ من ضوء نورها

وجمع دراري الأوج فيها مع البدر

وصلّ على المختار من آل هاشم

محمد المبعوث بالنهي والأمر

عليه صلاة الله ما لاح بارق

وما أشرقت شمس الغزالة في الظهر

وآل وأصحاب اولي الجود والتقى

صلاة وتسليما يدومان للحشر (١)

وعن أبي هلال المصري استاذ محيي الدين :

إذا حكم النصارى في الفروج

وغالوا في البغال وفي السروج

وذلّت دولة الإسلام طرّا

وصار الحكم في أيدي العلوج

فقل للأعور الدجّال هذا

زمانك إن عزمت على الخروج

عن محبوب القلوب قطب الدين الأشكوري عن سعد الدين الحموي بيتا بالعربي يشعر بزمان قيام القائم (عج) الملك الخفي الجلي بالرمز العددي وهو هذا :

إذا بلغ الزمان عقيب صوم

ببسم الله فالمهديّ قاما

اللهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه.

ونقل أيضا عن الشيخ محيي الدين في العلائم :

لا بدّ للروم ممّا ينزل حلبا

مدججين بأعلام وأبواق

والترك تحشر من نصيبين (٢) من حلب

يأتوا كراديس في جمع وأفراق

كم من قتيل يرى في الترب منجدلا

في رمستين بدا كالماء مهراق

ولا تزال جيوش الترك سائرة

حتّى تحلّ بأرض القدس عن ساق

والترك يستنجد المصري حين يرى

في جحفل الروم غدرا بعد ميثاق

ويخرج الروم في جيش لهم جلب

إلى اللقاء بإرقال وإعناق

__________________

(١) ينابيع المودّة : ٣ / ٣٣٨ بتفاوت.

(٢) مدينة بين الموصل والشام (المعجم : ٥ / ٢٨٨).

١٤٦

وتخرب الشام حتّى لا انجبار لها

من روم أو روس وإفرنج وبطراق

وتنشر الراية الصفراء في حلب

من كفّ قيل يقول الحقّ مصداق

يا وقعة لملوك الأرض أجمعها

روم وروس وإفرنج وبطراق

ويل الأعاجم من ويل يحلّ بهم

من واد وخل من روس واعناق

يأخذهم السيف من أرض الجبال فلا

يبقى ببغداد منهم فارس باق

وتملك الكرد بغدادا وساحتها

إلى خريسان من شرق لا عراق

وتشرب الشاة والسرحان ماءهما

بالأمن من غير إرجاف وإفراق

وتأتي الصيحة العظمى فلا أحد

ينجو ولا من حكمه باق

والله أعلم بعد ذلك ما ذا يكون ويبقى

ذو الوجود الواحد الباقي

زهرة : في الصراط المستقيم : وجد كتاب بخط الكمال العلوي النيسابوري في خزانة أمير المؤمنين عليه‌السلام فيه وصيّة لابنه محمد بن الحنفية ، وهذا الكتاب تأليف الشيخ زين أبي محمد علي بن محمد بن يونس العاملي الفنفجوري النباطي البياضي :

بنيّ إذا ما جاشت الترك فانتظر

ولاية مهديّ يقوم ويعدل

وذلّ ملوك الأرض من آل هاشم

وبويع منهم من يلذ ويهزل

صبيّ من الصبيان لا رأي عنده

ولا عنده جلّ ولا هو يعقل

فثمّ يقوم القائم الحقّ منكم

وبالحق يأتيكم وبالحق يعمل

سمي نبي الله نفسي فداؤه

فلا تخذلوه يا بني وعجلوا (١)

أقول : هذه الأشعار أيضا في الديوان المنسوب إليه مذكور ، وكذا في خطبته عليه‌السلام المعروفة بخطبة البيان التي تذكر بعيد هذا.

__________________

(١) الصراط المستقيم : ٢ / ٢٦٤.

١٤٧

الفرع الرابع

وهو فرع الرياحين

في خطب علي عليه‌السلام في علامات الظهور وحديث مفضل بن عمر في علامات الظهور والرجعة وهو مشتمل على رياحين

الريحان الأوّل : في الخطبة التي خطبها في البصرة المعروفة بخطبة البيان ولما كانت نسختها مختلفة ذكرنا نسختين منها نسخة ذكر فيها أصحاب القائم ونسخة ذكر فيها أصحاب الولاة منسوبة منه إلى البلاد.

النسخة الاولى : في نسخة حدّثنا محمّد بن أحمد الأنباري قال : حدّثنا محمد بن أحمد الجرجاني قاضي الري قال : حدّثنا طوق بن مالك عن أبيه عن جدّه عن عبد الله بن مسعود رفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لمّا تولّى الخلافة بعد الثلاثة أتى إلى البصرة فرقي جامعها وخطب الناس خطبة تذهل منها العقول وتقشعر منها الجلود ، فلمّا سمعوا منه ذلك أكثروا البكاء والنحيب وعلا الصراخ ، قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أسرّ إليه السرّ الخفي الذي بينه وبين الله عزوجل فلأجل ذلك انتقل النور الذي كان في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى وجه علي ابن أبي طالب عليه‌السلام قال : ومات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه الذي أوصى فيه لعلي أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان قد أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يخطب الناس خطبة البيان فيها علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة قال : فأقام أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صابرا على ظلم الامّة إلى أن قرب أجله وحان وصاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخطبة التي تسمّى خطبة البيان فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام بالبصرة ورقي المنبر وهي آخر خطبة خطبها فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أيّها الناس أنا وحبيبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهاتين وأشار بسبابته والوسطى ولو لا آية في كتاب الله لنبأتكم بما في السماوات والأرض وما في قعر هذا فما يخفى عليّ منه شيء ولا تعزب كلمة منه وما اوحي إليّ بل هو علم علمنيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقد أسرّ لي ألف مسألة في كلّ مسألة ألف باب وفي كلّ باب ألف نوع ، فاسألوني قبل أن تفقدوني ، اسألوني عمّا دون العرش

١٤٨

أخبركم ولو لا أن يقول قائلكم : إنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ساحر كما قيل في ابن عمّي، لأخبرتكم بمواضع أحلامكم وبما في غوامض الخزائن (المسائل) ولأخبرتكم بما في قرار الأرض(١). وهذه هي خطبته التي خطب وهي خطبة البيان :

«بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله بديع السماوات وفاطرها وساطح المدحيات وقادرها ومؤيّد الجبال وساغرها (٢) ومفجّر العيون وباقرها ومرسل الرياح وزاجرها وناهي القواصف وآمرها ومزين السماء وزاهرها ومدبّر الأفلاك ومسيّرها ومظهر البدور ونائرها ومسخّر السحاب وماطرها ومقسّم المنازل ومقدّرها [و] مدلج الحنادس (٣) وعاكرها ومحدث الأجسام وقاهرها ومنشئ السحاب ومسخّرها ومكوّر الدهور ومكرّرها ومورد الامور ومصدرها وضامن الأرزاق ومدبّرها ومنشئ الرفات (٤) ومنشرها. أحمده على آلائه وتوافرها وأشكره على نعمائه وتواترها وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة يؤدّي الإسلام ذاكرها ويؤمن من العذاب يوم الحساب ذاخرها ، وأشهد أنّ محمّدا عبده الخاتم لما سبق من الرسالة وفاخرها ورسوله الفاتح لما استقبل من الدعوة وناشرها أرسله إلى أمّة قد شغل بعبادة الأوثان سائرها (٥) واغتلطس بضلالة دعاة الصلبان ماهرها وفخر بعمل الشيطان فاخرها وهداها عن لسان قول العصيان طائرها وألمّ بزخرف الجهالات والضلالات سوء ماكرها فأبلغ رسول الله في النصيحة وساحرها ومحا بالقرآن دعوة الشيطان ودامرها وأرغم معاطس (٦) جهال العرب وأكابرها حتّى أصبحت دعوته بالحقّ ينطق ثامرها (٧) واستقامت به دعوة العليا وطابت عناصرها ، أيّها الناس سار المثل وحقّق العمل وكثر الوجل وقرب الأجل ودنا الرحيل ولم يبق من عمري إلّا القليل فاسألوني قبل أن تفقدوني.

أيّها الناس أنا المخبر عن الكائنات أنا مبين الآيات أنا سفينة النجاة أنا سرّ الخفيّات أنا صاحب البيّنات أنا مفيض الفرات أنا معرب التوراة أنا المؤلّف للشتات أنا مظهر المعجزات

__________________

(١) بتفاوت في الأمان : ٦٨ ، ومن لا يحضره الفقيه باختصار : ٤ / ١٧٥ ح ٥٤٠٢.

(٢) السغر : النفي (لسان العرب : ٤ / ٧٤٠) وفي المصدر : قافرها.

(٣) الحنادس : الليالي المظلمة.

(٤) الرفات : العظام البالية المتفرّقة.

(٥) في المصدر : شاعرها.

(٦) المعطس : الأنف (كتاب العين : ١ / ٣١٩).

(٧) الثامر : كل شيء خرج ثمره (لسان العرب : ٤ / ٢١٤).

١٤٩

أنا مكلّم الأموات أنا مفرّج الكربات أنا محلّل المشكلات أنا مزيل الشبهات أنا ضيغم الغزوات أنا مزيل المهمّات أنا آية المختار أنا حقيقة الأسرار أنا الظاهر علي حيدر الكرّار أنا الوارث علم المختار أنا مبيد الكفّار أنا أبو الأئمّة الأطهار أنا قمر السرطان (١) أنا شعر الزبرقان (٢) أنا أسد الشرة (٣) أنا سعد الزهرة أنا مشتري الكواكب أنا زحل الثواقب أنا عين الشرطين أنا عنق السبطين أنا حمل الإكليل أنا عطارد التعطيل أنا قوس العراك أنا فرقد السماك (٤) أنا مريخ الفرقان أنا عيون الميزان أنا ذخيرة الشكور أنا مصحّح (٥) الزبور أنا مؤوّل التأويل أنا مصحف الإنجيل أنا فصل الخطاب أنا أمّ الكتاب أنا منجد البررة أنا صاحب البقرة أنا مثقل الميزان أنا صفوة آل عمران أنا علم الأعلام وأنا جملة الأنعام أنا خامس أهل الكساء أنا تبيان النساء أنا صاحب الأعراف أنا مبيد الأسلاف أنا مدير الكرم أنا توبة (٦) الندم أنا الصاد والميم أنا سرّ إبراهيم أنا محكم الرعد أنا سعادة الجد أنا علانية المعبود أنا مستنبط هود أنا نحلة الخليل أنا آية بني إسرائيل أنا مخاطب الكهف أنا محبوب الصحف أنا الطريق الأقوم أنا موضح مريم أنا السورة لمن تلاها أنا تذكرة آل طه أنا ولي الأصفياء أنا الظاهر مع الأنبياء أنا مكرّر الفرقان أنا آلاء الرحمن أنا محكم الطواسين أنا إمام آل ياسين أنا حاء الحواميم أنا قسم الم أنا سائق الزمر أنا آية القمر أنا راقب المرصاد أنا ترجمة صاد أنا صاحب الطور أنا باطن السرور أنا عتيد قاف أنا قارع الأحقاف أنا مرتّب الصافات أنا ساهم الذاريات أنا سورة الواقعة أنا العاديات والقارعة أنا نون والقلم أنا مصباح الظلم أنا مؤوّل القرآن أنا مبين البيان أنا صاحب الأديان أنا ساقي العطشان أنا عقد الإيمان أنا قسيم الجنان أنا كيوان الإمكان أنا تبيان الامتحان أنا الأمان من النيران أنا حجّة الله على الإنس والجان أنا أبو الأئمّة الأطهار أنا أبو المهدي القائم في آخر الزمان قال : فقام إليه مالك الأشتر فقال : متى يقوم هذا القائم من ولدك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه‌السلام : إذا زهق الزاهق ، وخفت الحقائق ولحق

__________________

(١) البرج المعروف.

(٢) الزبرقان : ليلة خمس عشرة ليلة البدر (كتاب العين : ٥ / ٢٥٥).

(٣) الشرة : النشاط والرغبة ومنه الحديث : لكل عابد شرة (النهاية : ٢ / ٤٥٨).

(٤) السماك الاعزل وهو الكوكب في برج الميزان وطلوعه يكون في الصبح لخمس يخلون من تشرين الاول (مجمع البحرين : ٢ / ٤٢١).

(٥) في نسخة : مفصح.

(٦) في نسخة : تابوت.

١٥٠

اللاحق وثقلت الظهور وتقاربت الامور وحجب النشور وأرغم المالك وسلك السالك ودهش العدد وهاجت الوساوس وغيطل (١) العساعس (٢) وماجت الأمواج وضعف الحاج واشتد الغرام وازدلف الخصام واختلفت العرب واشتد الطلب ونكص الهرب وطلبت الديون وذرفت العيون وأغبن المغبون وشاط النشاط وحاط الهباط وعجز المطاع واظلم الشعاع وصمّت الأسماع وذهب العفاف وسجسج الإنصاف واستحوذ الشيطان وعظم العصيان وحكمت النسوان وفدحت الحوادث ونفثت النوافث وهجم الوابث واختلفت الأهواء وعظمت البلوى واشتدّت الشكوى واستمرّت الدعوى وقرض القارض ولمظ اللامظ وتلاحم الشداد ونقل الملحاد وعجت الفلاة وخجعج الولاة ونضل (٣) البارخ وعمل الناسخ وزلزلت الأرض وعطل الفرض وكبتت الأمانة وبدت الخيانة وخشيت الصيانة واشتد الغيض وأراع الفيض وقاموا الأدعياء وقعدوا الأولياء وخبثت الأغنياء ونالوا الأشقياء ومالت الجبال وأشكل الاشكال وشيع الكربال (٤) ومنع الكمال وساهم المستحيح ومع الفليح وكفكف الترويح وخدخد البلوع وتكلكل الهلوع وفدفد المذعور وندند الديجور ونكس المنشور وعبس العبوس وكسكس الهموس وأجلب الناموس ودعدع (٥) الشقيق وجرثم الأنيق ونور الأفيق (٦) وأذاد الذائد وراد الرائد وجد الجدود ومدّ المدود وكد الكدود وحدّ الحدود ونطل الطليل (٧) وعلعل العليل وفضل الفضيل وشتّت الشتات وشمتت الشمات وكد الهرم وقضم القضم وسدم السدم وبال الذاهب وذاب الذائب ونجم ثاقب وورور القران واحمر الدبران (٨) وسدس الشيطان وربع الزبرقان وثلث الحمل وساهم زحل وأقل العرا (٩) والزخار (١٠) وأنبت الأقدار وكملت العشرة وسدس الزهرة وغرمت الغمرة (١١)

__________________

(١) الغيطل : شجر ملتف ، والغيطلة أصوات القوم والغيطلة اسم الظلام وتراكمه (كتاب العين : ٤ / ٣٨٦).

(٢) من العس من يسعى في الليل (كتاب العين : ١ / ٧٤).

(٣) أي فضله في مراماة فغلبه.

(٤) ما تكربل به الحنطة.

(٥) ملأ.

(٦) الافيق : بين جوران والغور وهو الاردن (تاج العروس : ٦ / ١٧٩) وقيل الجلد الذي لم يدبغ.

(٧) الطليل : الحصير.

(٨) اسم نجم.

(٩) نوع من الشجر (كتاب العين : ١ / ٨٦).

(١٠) كثير الماء.

(١١) الماء الكثير كما في النهاية : ٣ / ٣٨٤ ، والغمرة الشدة كما في اللسان.

١٥١

وطهرت الأفاطس وتوهم الكساكس وتقدّمتهم النفائس فيكدحون الجرائر ويملكون الجزائر ويحدثون كيسان ويخربون خراسان ويصرفون الحلسان ويهدمون الحصون ويظهرون المصون ويقتطفون الغصون ويفتحون العراق ويحجمون الشقاق بدم يراق فعند ذلك ترقّبوا خروج صاحب الزمان.

ثمّ إنّه جلس على أعلى مرقاة من المنبر وقال : آه ثمّ آه لتعريض الشفاه وذبول الأفواه ، قال عليه‌السلام فالتفت يمينا وشمالا ونظر إلى بطون العرب وساداتهم ووجوه أهل الكوفة وكبار القبائل بين يديه وهم صموت كأنّ على رءوسهم الطير فتنفّس الصعداء وأنّ كمدا وتململ حزينا وسكت هنيئة فقام إليه سويد بن نوفل وهو كالمستهزئ وهو من سادات الخوارج فقال : يا أمير المؤمنين أأنت حاضر ما ذكرت وعالم بما أخبرت؟ قال : فالتفت إليه الإمام عليه‌السلام ورمقه بعينه رمقة الغضب فصاح سويد بن نوفل صيحة عظيمة من عظم نازلة نزلت به فمات من وقته وساعته فأخرجوه من المسجد وقد تقطّع إربا إربا فقال عليه‌السلام : أبمثلي يستهزئ المستهزءون أم عليّ يتعرّض المتعرّضون؟ أو يليق لمثلي أن يتكلّم بما لا يعلم ويدّعي ما ليس له بحق ، هلك والله المبطلون ، وأيم الله لو شئت ما تركت عليها من كافر بالله ولا منافق برسوله ولا مكذّب بوصيّه وإنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون.

قال : فقام إليه صعصعة بن صوحان وميثم وإبراهيم بن مالك الأشتر وعمر بن صالح فقالوا : يا أمير المؤمنين قل لنا بما يجري في آخر الزمان فإنّ قولك يحيي قلوبنا ويزيد في إيماننا. فقال : حبّا وكرامة ، ثمّ نهض عليه‌السلام قائما وخطب خطبة بليغة تشوّق إلى الجنّة ونعيمها وتحذّر من النار وجحيمها ، ثمّ قال عليه‌السلام : أيّها الناس إنّي سمعت أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : تجتمع في أمّتي مائة خصلة لم تجتمع في غيرها فقامت العلماء والفضلاء يقبّلون بواطن قدميه وقالوا : يا أمير المؤمنين نقسم عليك بابن عمّك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تبيّن لنا ما يجري في طول الزمان بكلام يفهمه العاقل والجاهل قال : ثمّ إنّه حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى عليه وقال : أنا مخبركم بما يجري من بعد موتي وبما يكون إلى خروج صاحب الزمان القائم بالأمر من ذريّة ولد الحسين وإلى ما يكون في آخر الزمان حتّى تكونوا على حقيقة من البيان فقالوا : متى يكون ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه‌السلام : إذا وقع الموت في الفقهاء وضيّعت أمّة محمّد المصطفى الصلاة واتّبعوا الشهوات وقلّت الأمانات وكثرت

١٥٢

الخيانات وشربوا القهوات واستشعروا شتم الآباء والامّهات ورفعت الصلاة من المساجد بالخصومات وجعلوها مجالس الطعامات وأكثروا من السيّئات وقلّلوا من الحسنات وعوصرت السماوات فحينئذ تكون السنة كالشهر والشهر كالاسبوع والاسبوع كاليوم واليوم كالساعة ويكون المطر قيظا والولد غيضا ويكون أهل ذلك الزمان لهم وجوه جميلة وضمائر رديّة من رآهم أعجبوه ومن عاملهم ظلموه ، وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين فهم أمرّ من الصبر وأنتن من الجيفة وأنجس من الكلب وأروغ من الثعلب وأطمع من الأشعب وألزق من الجرب لا يتناهون عن منكر فعلوه إن حدّثتهم كذبوك وإن أمنتهم خانوك وإن ولّيت عنهم اغتابوك وإن كان لك مال حسدوك وإن بخلت عنهم بغضوك وإن وضعتهم شتموك ، سمّاعون للكذب أكّالون للسحت ، يستحلّون الزنا والخمر والمقالات والطرب والغناء ، والفقير بينهم ذليل حقير والمؤمن ضعيف صغير والعالم عندهم وضيع والفاسق عندهم مكرم والظالم عندهم معظّم والضعيف عندهم هالك والقويّ عندهم مالك لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، الغنى عندهم دولة والأمانة مغنمة والزكاة مغرمة ويطيع الرجل زوجته ويعصي والديه ويجفوهما ويسعى في هلاك أخيه وترفع أصوات الفجّار ويحبّون الفساد والغناء والزنا ويتعاملون بالسحت والربا ويعار على العلماء ويكثر ما بينهم سفك الدماء ، وقضاتهم يقبلون الرشوة وتتزوّج الامرأة بالامرأة وتزفّ كما تزفّ العروس إلى زوجها وتظهر دولة الصبيان في كلّ مكان ويستحلّ الفتيان المغاني وشرب الخمر وتكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وتركب السروج الفروج ، فتكون الامرأة مستولية على زوجها في جميع الأشياء ؛ وتحجّ الناس ثلاثة وجوه : الأغنياء للنزهة والأوساط للتجارة والفقراء للمسألة وتبطل الأحكام وتحبط الإسلام وتظهر دولة الأشرار ويحلّ الظلم في جميع الأمصار فعند ذلك يكذب التاجر في تجارته والصائغ في صياغته وصاحب كلّ صنعة في صناعته فتقلّ المكاسب وتضيق المطالب وتختلف المذاهب ويكثر الفساد ويقلّ الرشاد فعندها تسودّ الضمائر ويحكم عليهم سلطان جائر وكلامهم أمرّ من الصبر وقلوبهم أنتن من الجيفة ، فإذا كان كذلك ماتت العلماء وفسدت القلوب وكثرت الذنوب وتهجر المصاحف وتخرب المساجد وتطول الآمال وتقلّ الأعمال وتبنى الأسوار في البلدان مخصوصة لوقع العظائم النازلات فعندها لو صلّى أحدهم يومه وليلته فلا يكتب له منها

١٥٣

شيء ولا تقبل صلاته لأنّ نيّته وهو قائم يصلّي يفكّر في نفسه كيف يظلم الناس وكيف يحتال على المسلمين ويطلبون الرئاسة للتفاخر والمظالم وتضيق على مساجدهم الأماكن ويحكم فيهم المتألف (١) ويجور بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا عداوة وبغضا ويفتخرون بشرب الخمور ويضربون في المساجد العيدان والزمر فلا ينكر عليهم أحد ، وأولاد العلوج يكونون في ذلك الزمان الأكابر ويرعى القوم سفهاؤهم ويملك المال من لا يملكه ولا كان له بأهل لكع من أولاد اللكوع وتضع الرؤساء رءوسا لمن لا يستحقّها ويضيق الذرع ويفسد الزرع وتفشو البدع وتظهر الفتن ، كلامهم فحش وعملهم وحش وفعلهم خبث وهم ظلمة غشمة وكبراؤهم بخلة عدمة وفقهاؤهم يفتون بما يشتهون وقضاتهم بما لا يعلمون يحكمون وأكثرهم بالزور يشهدون ، من كان عنده درهم كان عندهم مرفوعا ، ومن علموا أنّه مقلّ فهو عندهم موضوع ، والفقير مهجور ومبغوض والغني محبوب ومخصوص ، ويكون الصالح فيها مدلول الشوارب ، يكبرون قدر كلّ نمّام كاذب وينكس الله منهم الرءوس ويعمي منهم القلوب التي في الصدور أكلهم سمان الطيور والطياهيج (٢) ولبسهم الخزّ اليماني والحرير ، يستحلّون الربا والشبهات ويتعارضون للشهادات ، يراءون بالاعمال ، قصراء الآجال لا يمضي عندهم إلّا من كان نمّاما ، يجعلون الحلال حراما ، أفعالهم منكرات وقلوبهم مختلفات ، يتدارسون فيما بينهم بالباطل ولا يتناهون عن منكر فعلوه ، يخاف أخيارهم أشرارهم ، يتوازرون في غير ذكر الله تعالى ، يهتكون فيما بينهم بالمحارم ولا يتعاطفون ، بل يتدابرون ، إن رأوا صالحا ردّوه وإن رأوا نمّاما آثما استقبلوه ومن أساءهم يعظّموه وتكثر أولاد الزنا ، والآباء فرحون بما يرون من أولادهم القبيح فلا ينهونهم ولا يردّونهم عنه ويرى الرجل من زوجته القبيح فلا ينهاها ولا يردّها عنه ويأخذ ما تأتي به من كد فرجها ومن مفسد خدرها حتّى لو نكحت طولا وعرضا لم تهمّه ولا يسمع ما قيل فيها من الكلام الرديء ، فذاك هو الديّوث الذي لا يقبل الله له قولا ولا عدلا ولا عذرا فأكله حرام ومنكحه حرام فالواجب قتله في شرع الإسلام وفضيحته بين الأنام ويصلى سعيرا في يوم القيام ، وفي ذلك يعلنون بشتم الآباء والامّهات وتذلّ السادات وتعلو الأنباط ويكثر

__________________

(١) في الصحاح : (٤ / ١٤٤٧) المتألف : السريع الوثب.

(٢) نوع من الطيور.

١٥٤

الاختباط (١) فما أقلّ الأخوة في الله تعالى وتقل الدراهم الحلال وترجع الناس إلى أشرّ حال فعندها تدور دول الشياطين وتتواثب على أضعف المساكين وثوب الفهد إلى فريسته ويشحّ الغني بما في يديه ويبيع الفقير آخرته بدنياه فيا ويل للفقير وما يحلّ به من الخسران والذلّ والهوان في ذلك الزمان المستضعف بأهله وسيطلبون ما لا يحلّ لهم ، فإذا كان كذلك أقبلت عليهم فتن لا قبل لهم بها ، ألا وإنّ أوّلها الهجري القصير ، وآخرها السفياني والشامي وأنتم سبع طبقات فالطبقة الاولى [وفيها مزيد التقوى إلى سبعين سنة من الهجرة] أهل تنكيد وقسوة إلى السبعين سنة من الهجرة ، والطبقة الثانية أهل تباذل وتعاطف إلى المائتين والثلاثين سنة من الهجرة.

والطبقة الثالثة أهل تزاور وتقاطع إلى الخمسمائة وخمسين سنة من الهجرة ، والطبقة الرابعة أهل تكالب وتحاسد إلى السبعمائة من الهجرة ، والطبقة الخامسة أهل تشامخ وبهتان إلى الثمانمائة وعشرين سنة من الهجرة ، والطبقة السادسة أهل الهرج والمرج وتكالب الأعداء وظهور أهل الفسوق والخيانة إلى التسعمائة والأربعين سنة من الهجرة ، والطبقة السابعة فهم أهل حيل وغدر وحرب ومكر وخدع وفسوق وتدابر وتقاطع وتباغض والملاهي العظام والمغاني الحرام والامور المشكلات في ارتكاب الشهوات وخراب المدائن والدور وانهدام العمارات والقصور ، وفيها يظهر الملعون من الوادي الميشوم وفيها انكشاف الستر والبروج وهي على ذلك إلى أن يظهر قائمنا المهدي صلوات الله وسلامه عليه ، قال : فقامت إليه سادات أهل الكوفة وأكابر العرب وقالوا : يا أمير المؤمنين بيّن لنا أوان هذه الفتن والعظائم التي ذكرتها لنا لقد كادت قلوبنا أن تنفطر وأرواحنا أن تفارق أبداننا من قولك هذا ، فوا أسفاه على فراقنا إيّاك فلا أرانا الله فيك سوءا ولا مكروها ، فقال علي عليه‌السلام : قضي الأمر الذي فيه تستفتيان كلّ نفس ذائقة الموت قال : فلم يبق أحد إلّا وبكى لذلك.

قال : ثمّ إنّ علي قال : ألا وإنّ تدارك الفتن بعد ما أنبئكم به من أمر مكّة والحرمين من جوع أغبر وموت أحمر ، ألا يا ويل لأهل بيت نبيّكم وشرفائكم من غلاء وجوع وفقر ووجل حتّى يكونوا في أسوأ حال بين الناس ، ألا وإنّ مساجدكم في ذلك الزمان لا يسمع لهم صوت فيها ولا تلبّى فيها دعوة ثمّ لا خير في الحياة بعد ذلك ، وإنّه يتولّى عليهم ملوك كفرة من عصاهم

__________________

(١) الاختباط : طلب المعروف والكسب (لسان العرب : ٧ / ٥٣٣).

١٥٥

قتلوه ومن أطاعهم أحبّوه ، ألا إنّ أوّل من يلي أمركم بنو اميّة ثمّ تملك من بعدهم ملوك بني العبّاس فكم فيهم من مقتول ومسلوب.

ثمّ إنّه عليه‌السلام قال : آه آه ألا يا ويل لكوفانكم هذه وما يحلّ فيها من السفياني في ذلك الزمان ، يأتي إليها من ناحية هجر بخيل سباق تقودها أسود ضراغمة وليوث قشاعمة أوّل اسمه ش ، إذا خرج الغلام الأشر فيأتي إلى البصرة فيقتل ساداتها ويسبي حريمها فإنّي لأعرف بها كم وقعة تحدث بها وبغيرها ، وتكون بها وقعات بين تلول وآكام فيقتل بها اسم ويستعبد بها صنم ثمّ يسير فلا يرجع إلّا بالجرم فعندها يعلو الصياح ويقتحم بعضها بعضا ، فيا ويل لكوفانكم من نزوله بداركم ، يملك حريمكم ويذبح أطفالكم ويهتك نساءكم ، عمره طويل وشرّه غزير ورجاله ضراغمة وتكون له وقعة عظيمة ، ألا وإنّها فتن يهلك فيها المنافقون والقاسطون والذين فسقوا في دين الله تعالى وبلاده ولبسوا الباطل على جادّة عباده فكأنّي بهم قد قتلوا أقواما تخاف الناس أصواتهم وتخاف شرّهم فكم من رجل مقتول وبطل مجدول يهابهم الناظر إليهم ، قد تظهر الطامة الكبرى فيلحقوا أوّلها آخرها ، ألا وإنّ لكوفانكم هذه آيات وعلامات وعبرة لمن اعتبر ، ألا وإنّ السفياني يدخل البصرة ثلاث دخلات يذل العزيز ويسبي فيها الحريم ، ألا يا ويل المؤتفكة وما يحل بها من سيف مسلول وقتيل مجدول وحرمة مهتوكة ، ثمّ يأتي إلى الزوراء الظالم أهلها فيحول الله بينها وبين أهلها فما أشدّ أهلها بينه وبينها وأكثر طغيانها وأغلب سلطانها.

ثمّ قال : الويل للديلم وأهل شاهون وعجم لا يفقهون ، تراهم بيض الوجوه سود القلوب نائرة الحروب ، قاسية قلوبهم سود ضمائرهم ، الويل ثمّ الويل لبلد يدخلونها وأرض يسكنونها ، خيرهم طامس وشرّهم لامس ، صغيرهم أكثر همّا من كبيرهم تلتقيهم الأحزاب ويكثر فيما بينهم الضراب وتصحبهم الأكراد وأهل الجبال وسائر البلدان وتضاف إليهم أكراد همدان وحمزة وعدوان حتّى يلحقوا بأرض الأعجام من ناحية خراسان فيحلون قريبا من قزوين وسمرقند وكاشان فيقتلون فيها السادات من أهل بيت نبيّكم ثمّ ينزل بأرض شيراز ، ألا يا ويل لأهل الجبال وما يحلّ فيها من الأعراب ، ألا يا ويل لأهل هرموز وقلهات وما يحلّ بها من الآفات من أهل الطراطر المذهبات ، ويا ويل لأهل عمان وما يحلّ بها من الذلّ والهوان وكم وقعة فيها من الأعراب فتنقطع منهم الأسباب فيقتل فيها الرجال وتسبى فيها

١٥٦

الحريم ، ويا ويل لأهل أوال مع صابون من الكافور الملعون يذبح رجالهم ويستحيي نساءهم وإنّي لأعرف بها ثلاث عشرة وقعة ؛ الاولى بين القلعتين والثانية في الصليب والثالثة في الجنيبة والرابعة عند نوپا والخامسة عند أهل عراد وأكراد والسادسة في اوكر خارقان والكليا وفي سارو بين الجبلين وبئر حنين ويمين الكثيب وذروة الجبل ويمين شجرات النبق ، ألا يا ويل للكنيس وذكوان وما يحلّ بها من الذلّ والهوان من الجوع والغلاء ، والويل لأهل خراسان وما يحلّ بها من الذلّ الذي لا يطاق ويا ويل للري وما يحلّ بها من القتل العظيم وسبي الحريم وذبح الأطفال وعدم الرجال ويا ويل لبلدان الإفرنج وما يحلّ بها من الأعراب ويا ويل لبلدان السند والهند وما يحلّ بها من القتل والذبح والخراب في ذلك الزمان فيا ويل لجزيرة قيس من رجل مخيف ينزل بها هو ومن معه فيقتل جميع من فيها ويفتك بأهلها وإنّي لأعرف بها خمس وقعات عظام : فأوّل وقعة منها على ساحل بحرها قريب من برّها والثانية مقابلة كوشا والثالثة من قرنها الغربي والرابعة بين الزولتين والخامسة مقابلة برّها ، ألا يا ويل لأهل البحرين من وقعات تترادف عليها من كلّ ناحية ومكان فتؤخذ كبارها وتسبى صغارها ، وإني لأعرف بها سبعة وقعات عظام فأوّل وقعة فيها في الجزيرة المنفردة عنها من قرنها الشمالي تسمّى سماهيج والوقعة الثانية تكون في القاطع وبين النهر عن عين البلد وقرنها الشمالي الغربي وبين الأبلة والمسجد وبين الجبل العالي وبين التلتين المعروف بجبل حبوة ، ثم يقبل الكرخ بين التل والجادة وبين شجرات النبق المعروفة بالبديرات (١) بجانب سطر الماجي ثمّ الحورتين وهي سابعة الطامة الكبرى وعلامة ذلك يقتل فيها رجل من أكابر العرب في بيته وهو قريب من ساحل البحر فيقطع رأسه بأمر حاكمها فتغير العرب عليه فتقتل الرجال وتنهب الأموال فتخرج بعد ذلك العجم على العرب ويتبعونهم إلى بلاد الخط ، ألا يا ويل لأهل الخط من وقعات مختلفات يتبع بعضها بعضا فأوّلها وقعة بالبطحاء ووقعة بالديورة ووقعة بالصفصف ووقعة على الساحل ووقعة بدارين ووقعة بسوق الجزارين ووقعة بين السكك ووقعة بين الزراقة ووقعة بالجرار ووقعة بالمدارس ووقعة بتاروت ، ألا يا ويل لهجر وما يحلّ بها ممّا يلي سورها من ناحية الكرخ ووقعة عظيمة بالعطر تحت التليل المعروف بالحسيني ثم بالفرحة ثمّ بالقزوين ثمّ بالأراكة ثمّ بأمّ خنور ، ألا يا ويل

__________________

(١) في بعض النسخ : بالسديرات.

١٥٧

نجد وما يحلّ بها من القحط والغلاء ، وإني لأعرف بها وقعات عظام بين المسلمين ، ألا يا ويل البصرة وما يحلّ بها من الطاعون ومن الفتن يتبع بعضها بعضا وإنّي لأعرف وقعات عظام بواسط ووقعات مختلفات بين الشط والمجينبة ووقعات بين العوينات ، ألا يا ويل بغداد من الري من موت وقتل وخوف يشمل أهل العراق إذا حلّ فيما بينهم السيف فيقتل ما شاء الله وعلامة ذلك إذا ضعف سلطان الروم وتسلّطت العرب ودبّت الناس إلى الفتن كدبيب النمل فعند ذلك تخرج العجم على العرب ويملكون البصرة ، ألا يا ويل لقسطنطين (١) وما يحلّ بها من الفتن التي لا تطاق ، ألا يا ويل لأهل الدنيا وما يحلّ بها من الفتن في ذلك الزمان وجميع البلدان الغرب والشرق والجنوب والشمال ، ألا وانّه تركب الناس بعضهم على بعض وتتواثب عليهم الحروب الدائمة وذلك بما قدّمت أيديهم وما ربّك بظلّام للعبيد ، ثمّ إنّه عليه‌السلام قال : لا تفرحوا بالخلوع من ولد العبّاس يعني المقتدر فإنّه أوّل علامة التغيير ، ألا وإنّي أعرف ملوكهم من هذا الوقت إلى ذلك الزمان.

قال : فقام إليه رجل اسمه القعقاء وجماعة من سادات العرب وقالوا له : يا أمير المؤمنين بيّن لنا أسماءهم فقال عليه‌السلام : أوّلهم الشامخ فهو الشيخ والسهم المارد والمثير العجاج والصفور والفجور والمقتول بين الستور وصاحب الجيش العظيم والمشهور ببأسه والمحشور من بطن السباع والمقتول مع الحرم والهارب إلى بلاد الروم وصاحب الفتنة الدهماء والمكبوب على رأسه بالسوق والملاحق المؤتمن والشيخ المكتوف الذي ينهزم إلى نينوى وفي رجعته يقتل رجل من ولد العبّاس ، ومالك الأرض بمصر وما حي الاسم والسباع الفتان والدناح الأملح ، والثاني الشيخ الكبير الأصلع الرأس والنفاض المرتعد والمدل بالفروسة واللسين الهجين والطويل العمر والرضاع لأهله والمارق للزور والأبرش الأثلم وبنّاء القصور ورميم الامور والشيخ الرهيج والمنتقل من بلد إلى بلد والكافر المالك أرباب المسلمين وضعيف البصر وقليل العمر ، ألا وإنّ بعده تحلّ المصائب وكأنّي بالفتن وقد أقبلت من كلّ مكان كقطع الليل المظلم ، ثمّ قال عليه‌السلام : معاشر الناس لا تشكّوا في قولي هذا فإنّي ما ادّعيت ولا تكلّمت زورا ، ولا أنبئكم إلّا بما علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد أودعني ألف مسألة يتفرّع من كلّ مسألة ألف باب من العلم ، ويتفرّع من كلّ باب مائة ألف باب ، وإنّما أحصيت لكم هذه

__________________

(١) في بعض النسخ : لفلسطين.

١٥٨

لتعرفوا مواقيتها إذا وقعتم في الفتن مع قلّة اعتصابكم ، فيا كثرة فتنكم وخبث زمانكم وخيانة حكّامكم وظلم قضاتكم وكلابة تجّاركم وشحّة ملوككم وفشي أسراركم وما تنحل أجسامكم وتطول آمالكم وكثرة شكواكم ، ويا قلّة معرفتكم وذلّة فقيركم وتكبّر أغنيائكم وقلّة وقاكم ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون من أهل ذلك الزمان ، تحلّ فيهم المصائب ولا يتّعظون بالنوائب ولقد خالط الشيطان أبدانهم وربح في أبدانهم وولج في دمائهم ويوسوس لهم بالإفك حتّى تركب الفتن الأمصار ويقول المؤمن المسكين المحبّ لنا إنّي من المستضعفين ، وخير الناس يومئذ من يلزم نفسه ويختفي في بيته عن مخالطة الناس والذي يسكن قريبا من بيت المقدس طالبا لثأر (١) الأنبياء عليه‌السلام ، معاشر الناس لا يستوي الظالم والمظلوم ولا الجاهل والعالم ولا الحقّ والباطل ولا العدل والجور ألا وإنّ له شرائع معلومة غير مجهولة ولا يكون نبي إلّا وله أهل بيت ولا يعيش أهل بيت نبي إلّا ولهم أضداد يريدون اطفاء نورهم ونحن أهل نبيّكم ألا وإن دعوكم إلى سبّنا فسبّونا وإن دعوكم إلى شتمنا فاشتمونا وإن دعوكم إلى لعننا فالعنونا وإن دعوكم إلى البراءة منّا فلا تتبرّءوا منّا ومدّوا أعناقكم للسيف واحفظوا يقينكم فإنّه من تبرّأ منّا بقلبه تبرّأ الله منه ورسوله ، ألا وإنّه لا يلحقنا سب ولا شتم ولا لعن.

ثمّ قال : فيا ويل مساكين هذه الامّة وهم شيعتنا ومحبّونا وهم عند الناس كفّار وعند الله أبرار وعند الناس كاذبون وعند الله صادقون وعند الناس ظالمون وعند الله مظلومون وعند الناس جائرون وعند الله عادلون وعند الناس خاسرون وعند الله رابحون فازوا والله بالايمان وخسر المنافقون.

معاشر الناس إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، معاشر الناس كأنّي بطائفة منهم يقولون إنّ علي بن أبي طالب يعلم الغيب وهو الربّ الذي يحيي الموتى ويميت الأحياء وهو على كلّ شيء قدير ، كذبوا وربّ الكعبة ، أيّها الناس قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مربوبين ، ألا وإنّكم ستختلفون وتتفرّقون ، ألا وإنّ أوّل السنين إذا انقضت سنة مائة وثلاثة وستين سنة توقّعوا أول الفتن فإنّها نازلة عليكم ثمّ يأتيكم في عقبها الدهماء تدهم الفتن فيها والغزو تغزو بأهلها والسقطاء تسقط الأولاد من بطون أمّهاتهم والكسحاء تكسح فيها الناس من القحط والمحن والفتناء تفتن بها من أهل الأرض

__________________

(١) في بعض النسخ : لآثار.

١٥٩

والنازحة تنزح بأهلها إلى الظلم والغمراء تغمر فيها الظلم والمنفية نفت منهم الايمان والكراء كرت عليهم الخيل من كلّ جهة والبرشاء يخرج فيها الأبرش من خراسان والسؤلاء يخرج فيها ملك الجبال إلى جزائر البحر يقهرهم ثمّ يؤيّدهم الله بالنصر عليه ثمّ تخرج بعد ذلك العرب ويخرج صاحب علم أسود على البصرة فتقصده الفتيان إلى الشام ، ثم العناء عنت الخيل بأعنتها والطحناء الأقوات من كلّ مكان والفاتنة تفتن أهل العراق والمرحاء تمرح الناس إلى اليمن والسكتاء تسكت الفتن بالشام والحدراء انحدرت الفتن إلى الجزيرة المعروفة أوال قبال البحرين والطموح تطمح الفتن في خراسان والجوراء جارت الفتن بأرض فارس والهوجاء هاجت الفتن بأرض الخط والطولاء طالت الخيل على الشام والمنزلة نزلت الفتن بأرض العراق والطائرة تطايرت الفتن بأرض الروم والمتّصلة اتصلت الفتن بأرض الروم والمحربة هاجت الأكراد من شهرزور والمرملة أرملت النساء من العراق والكاسرة تكسّرت الخيل على أهل الجزيرة والناحرة نحرت الناس بالشام والطامحة طمحت الفتنة بالبصرة والقتالة قتلت الناس على القنطرة برأس العين والمقبلة أقبلت الفتنة إلى أرض اليمن والحجاز والصروخ مصرخة أهل العراق فلا تأمن لهم والمستمعة أسمعت أهل الإيمان في منامهم والسابحة سبحت الخيل في القتل إلى أرض الجزيرة والأكراد يقتل فيها رجل من ولد العبّاس على فراشه ، والكرباء أماتت المؤمنين بكربهم وحسراتهم والغامرة غمرت الناس بالقحط والسائلة سال النفاق في قلوبهم والغرقاء تغرقت أهل الخط والحرباء نزل القحط بأرض الخط وهجر كل ناحية حتّى إنّ السائل يدور ويسأل فلا أحد يعطيه ولا يرحمه أحد والغالية تغلو طائفة من شيعتي حتّى يتّخذوني ربّا وإني بريء ممّا يقولون والمكثاء تمكث الناس فربّما ينادي فيها الصارخ مرّتين ألا وإنّ الملك في آل علي بن أبي طالب فيكون ذلك الصوت من جبرئيل ويصرخ إبليس لعنه الله : ألا وإنّ الملك في آل أبي سفيان ، فعند ذلك يخرج السفياني فتتبعه مائة ألف رجل ثمّ ينزل بأرض العراق فيقطع ما بين جلولاء وخانقين فيقتل فيها الفجفاج فيذبح كما يذبح الكبش ثمّ يخرج شعيب بن صالح من بين قصب وآجام فهو أعور المخلد فالعجب كلّ العجب ما بين جمادى ورجب ممّا يحلّ بأرض الجزائر وعندها يظهر المفقود من بين التل يكون صاحب النصر فيواقعه في ذلك اليوم ثمّ يظهر برأس العين رجل أصفر اللون على رأس القنطرة فيقتل عليها سبعين ألفا صاحب

١٦٠