إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام : إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق فيكونون في النصارة (١).

طريفة : كانت لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة حكايات كثيرة فمنها أنّه قال له يوما : يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟ فقال : نعم ، فقال له : أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار وإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك فقال له في الحال : أريد ضمينا يضمن لك أنّك تعود إنسانا وإنّي أخاف أن تعود قردا فلا أتمكّن من استرجاع ما أخذت (٢).

وفي البحار عن محمد بن مسلم قال : سمعت حمران بن أعين وأبا الخطّاب سمعا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أوّل من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه‌السلام وإنّ الرجعة ليست بعامّة وهي خاصّة لا يرجع إلّا من محض الإيمان محضا أو محض الشرك محضا (٣).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ إبليس قال : أنذرني إلى يوم يبعثون فأبى الله ذلك عليه فقال : إنّك من المنذرين إلى يوم الوقت المعلوم ظهر إبليس لعنه الله في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين ، فقلت : وإنّها لكرّات؟

قال : نعم إنّها لكرّات وكرّات ما من إمام في قرن إلّا ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن [من] الكافر فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه ، يكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له الروحاء قريب من كوفتكم فيقتتلون قتالا لم يقتل مثله منذ خلق الله عزوجل العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين عليه‌السلام قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات فعند ذلك يهبط الجبّار عزوجل (٤) في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر برسول الله أمامه بيده حربة من نور فإذا نظر إليه إبليس يرجع القهقرى ناكصا على عقبيه فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت؟ فيقول : إنّي أرى ما لا ترون انّي أخاف الله ربّ العالمين ، فيلحقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطعنه طعنة بين كتفيه فيكون هلاكه

__________________

(١) البحار : ٥٢ / ٣٩٠ ح ٢١٢ عن غيبة السيد علي.

(٢) فهرست النجاشي : ٥٣ / ١٠٧.

(٣) تصحيح الاعتقاد : ٢١٥.

(٤) هبوط الجبّار تعالى كناية عن نزول آيات عذابه كما في البحار.

٣٠١

وهلاك جميع أشياعه ، فعند ذلك يعبد الله عزوجل ولا يشرك به شيئا ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعا وأربعين ألف سنة حتّى يلد الرجل من شيعة علي ألف ولد من صلبه ذكرا ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله تعالى (١).

في البحار عن الباقر عليه‌السلام قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى أحد واحد تفرّد في وحدانيته ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا ثمّ خلق من ذلك النور محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلقني وذريّتي ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجّ على خلقه ، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدّسه ونسبّحه وذلك قبل أن يخلق الخلق وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا ، وذلك قوله عزوجل (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) (٢) يعني لتؤمنن بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولتنصرن وصيّه وسينصرونه جميعا وإنّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجاهدت بين يديه وقتلت عدوّه ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والنصرة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثنّ الله أحياء من آدم إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ نبي مرسل يضربون بين يديّ بالسيف الأموات والأحياء والثقلين جميعا ، فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبّون زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله ، قد تخلّلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم ليضربوا بها هام الكفرة وجبابرتهم وأتباعهم من جبابرة الأوّلين والآخرين حتّى ينجزهم الله ما وعدهم في قوله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (٣) أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادي ، ليس عندهم تقيّة ، وإن لي الكرة بعد الكرّة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرّات

__________________

(١) مختصر البصائر : ٢٧ ، والبحار : ٥٣ / ٤٢ ح ١٢.

(٢) سورة آل عمران : ٨١.

(٣) سورة النور : ٥٥.

٣٠٢

وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وأنا قرن من حديد وأنا عبد الله وأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أمين الله وخازنه وعيبة سرّه وحجابه ووجهه وصراطه وميزانه وأنا الحاشر إلى الله وأنا كلمته التي يجمع بها المفترق ويفرّق بها المجتمع وأنا أسماء الله الحسنى وأمثاله العليا وآياته الكبرى وأنا صاحب الجنّة والنار ، أسكن أهل الجنّة الجنّة وأسكن أهل النار النار وإليّ تزويج أهل الجنّة وإليّ عذاب أهل النار وإليّ إياب الخلق جميعا وأنا الاياب الذي يئوب إليه كلّ شيء بعد القضاء وإليّ حساب الخلق جميعا ...» إلى آخر الخطبة (١).

وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد أسرى بي ربّي عزوجل فأوحى إليّ من وراء حجاب ما أوحى وكلّمني بما كلّم به وكان ممّا كلّمني به أن قال : يا محمّد إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم. إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان الله عمّا يشركون. إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبّح له من في السماوات والأرض وأنا العزيز الحكيم. يا محمّد إني أنا الله لا إله إلّا أنا الأوّل فلا شيء قبلي وأنا الآخر فلا شيء بعدي وأنا الظاهر فلا شيء فوقي وأنا الباطن فلا شيء دوني وأنا الله لا إله إلّا أنا بكلّ شيء عليم.

يا محمّد علي أوّل من آخذ ميثاقه من الأئمّة ، يا محمّد علي آخر من أقبض روحه من الأئمّة وهو الدابة التي تكلّمهم ، يا محمّد علي أظهره على جميع ما أوحيه إليك ليس لك أن تكتم منه شيئا. يا محمّد أبطنه الذي أسررته إليك فليس ما بيني سرّ دونه. يا محمّد علي على ما خلقت من حلال وحرام ، علي عليم به (٢).

وفيه بإسناده إلى حمران بن أعين : الدنيا مائة ألف سنة ، لسائر الناس عشرون ألف سنة ولآل محمّد ثمانون ألف سنة (٣).

وفيه عن مفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : كأني بسرير من نور قد وضع وقد ضربت عليه قبّة من ياقوتة حمراء مكلّلة بالجوهر وكأنّي بالحسين جاث على ذلك السرير وحوله تسعون ألف قبّة خضراء وكأنّي بالمؤمنين يزورونه ويسلّمون عليه فيقول الله عزوجل : أوليائي

__________________

(١) مختصر البصائر : ٣٤ ، والبحار : ٥٣ : ٤٧ ح ٢٠.

(٢) مختصر البصائر : ٣٦ ومدينة المعاجز : ٥ / ٤٥.

(٣) مختصر البصائر : ٢١٢ ، والبحار : ٥٣ / ١١٦ ح ١٣٨.

٣٠٣

سلوني فطال ما أوذيتم وذللتم واضطهدتم فهذا يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيتها لكم ، فيكون أكلهم وشربهم من الجنّة ، فهذه والله الكرامة [التي لا انقضاء لها ولا يدرك منتهاها] (١). ولا يخفى أنّ سؤال الحوائج يدلّ على أنّ هذا في الرجعة إذ هي لا تسأل في الآخرة(٢).

زهرة : قد ذكرنا في أوّل الكتاب في الغصن الأوّل في باب أنّ الأرض لا تخلو من إمام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : لو بقيت الأرض يوما بلا إمام منّا لساخت بأهلها ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه (٣). وحديث قيام القائم بعد المهدي بأربعين يوما ونظير هذه الأخبار كثير.

إن قيل : ما التوفيق بين هذه الأخبار وأخبار رجعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين؟

قلنا : روي عن أبي حمزة عن أبي بصير قلت للصادق عليه‌السلام : يا ابن رسول الله سمعت من أبيك أنّه قال : يكون بعد القائم اثنا عشر إماما فقال : قد قال : اثنا عشر مهديا ولم يقل : اثنا عشر إماما (٤). وفي رواية بعد المهدي يرجع الخلفاء الاثنا عشر وظهور القيامة بعد المهدي بعد رجوعه في الدنيا في المرّة الثانية (٥).

وفي العوالم عن تفسير العيّاشي عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : والله ليملكن رجل منّا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا قال : قلت فمتى ذلك؟ قال : بعد موت القائم ، قال : قلت : وكم يقوم القائم في عالمه حتّى يموت؟ قال : تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى موته ، قال : قلت : فيكون بعد موته هرج؟

قال : نعم ، خمسين سنة ، قال : ثمّ يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتّى يقال : لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كلّ هذا القتل ، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتّى يلجئونه إلى حرم الله فإذا اشتد البلاء

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٥٩ ح ٣٩٠ باب ٥٠ وما بين المعكوفين منه.

(٢) البحار : ٥٣ / ١١٦ ح ١٤٠.

(٣) كمال الدين : ١١٨ ط. القديمة واصول الكافي : ١ / ١٨٠ ح ٣.

(٤) كمال الدين : ٣٥٨ ح ٥٦ ط. جامعة المدرسين.

(٥) راجع معجم أحاديث الإمام المهدي : ٢ / ٢٤٥ وما بعدها.

٣٠٤

عليه مات المنتصر وخرج السفّاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر فيقتل كلّ عدوّ لنا يا جابر ويملك الأرض كلّها ويصلح الله له أمره ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعا ، ثم قال أبو جعفر : يا جابر هل تدري من المنتصر والسفّاح؟ يا جابر المنتصر الحسين عليه‌السلام والسفّاح أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

زهرة اخرى : عن السيّد ابن طاوس رحمه‌الله في الطرائف عن مسلم في صحيحه سمعت جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تركوها كلّها ، ثمّ ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمر الرازي قال : سمعت حريز يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه لأنه كان يؤمن بالرجعة (٢).

انظر رحمك الله كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيّهم برواية أبي جعفر عليه‌السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسّك بهم. ثمّ وإنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله الأموات في القبور للمسألة وروايتهم عن أصحاب الكهف ، وهذا كتابهم يتضمّن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) (٣) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسى وحديث العزير ومن أحياه عيسى ابن مريم ، وصافي الكشاف من الزمخشري ، وحديث ذي القرنين وسأل ابن الكوّاء أملك أم نبي؟ فقال : ليس بملك ولا نبي لكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه [الأيمن] في طاعة الله فمات ثمّ بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمّي ذا القرنين (٤).

أقول : بعد ما أوردنا من طرق الفريقين (٥) في إثبات الرجعة ووقوعها للامم السابقة وهذه الامّة لا يكاد يتيسّر إنكارها لأحد ، بل إنكارها يكون من المكابرات الصرفة والعناد المحض

__________________

(١) تفسير العياشي : ٢ / ٣٥٣.

(٢) الطرائف : ١ / ٢٧٥ ط. الأعلمي بتحقيقنا وصحيح مسلم بشرح النووي : ١ / ٦٠ ح ٥٢.

(٣) سورة البقرة : ٢٤٣.

(٤) كتاب السنّة : ٥٨٣ ح ١٣١٨ وسعد السعود : ٦٥.

(٥) أقول : من الذين كانوا يؤمنون بالرجعة الصحابي واثلة كما ذكر ابن قتيبة في المعارف : ١٩٢ ط. مصر ذكر من تأخّر موته من الصحابة. وجابر الجعفي : لوامع الأنوار : ٢ / ١٤٧ ، وكثير عزة ، راجع عيون الأخبار لابن قتيبة : ٢ / ١٤٤ ، والمنتخب : ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وأبو حمزة الثمالي كما ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث : ١٣٧ ذكر يزيد بن هارون.

٣٠٥

في الدين والجحود لما جاء به سيّد المرسلين من وقوعها في هذه الامّة ، أجارنا الله من ذلك وسائر المؤمنين ، كيف لا وقد ورد في الصحيح عن خاتم النبيّين أنّه قال : كلّ ما جرى في امم الأنبياء قبلي شيء سيجري في أمّتي مثله (١). والأخبار في ذلك قد تجاوزت حدّ التواتر المعنوي.

__________________

(١) أقول : قد فصّل ذلك المقريزي في ذيل كتابه النزاع والتخاصم : ١٥٧ ـ ١٥٨.

٣٠٦

فاكهة

هذه قصيدة نظمها بعض علماء دار السلام استغرب الناظم لها اختفاءه ولم يعلم أنّ له أسوة بالأنبياء والمرسلين ، واستبعد إلى هذه الأيّام بقاءه وغفل عن قدرة ربّ العالمين. وقد أجابه علّامة زمانه وفريدة عصره الفاضل المحدّث النوري بأجوبة شافية كافية وسمّاها : كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار ذكرت هذه القصيدة مع القصيدة التي نظمها في جوابها العالم الخبير والفاضل النحرير الذي عجز عن وصف مدائحه المادحون وسطعت من أقلام حكمته أنوار اليقين الشيخ محمد حسين لا زال مؤيّدا ومسدّدا برفع شبه الجاهلين خلف علّامة البشر والأستاذ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدّس الله سرّه ألحقتها بكتابي هذا : إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب ، وجعلتها فاكهة من ثمار هذا الكتاب الذي هو شجرة مباركة من أشجار كتابنا حدائق الجنان والله ولي التوفيق والغفران.

قال الناظم هداه الله ووفّقه للخير :

أيا علماء العصر يا من له الخبر

بكل دقيق حار من دونه (١) الفكر

لقد حار منّي الفكر بالقائم الذي

تنازع فيه الناس واشتبه الأمر

فمن قائل في القشر لبّ وجوده

ومن قائل قد ذبّ عن لبّه القشر

وأوّل هذين للذين تقررا

به العقل يقضي والعيان ولا نكر

وكيف وهذا الوقت ذاع لمثله

ففيه توالى الظلم وانتشر الشرّ

وما هو إلّا ناشر العدل والهدى

فلو كان موجودا لما وجد الجور

وإن قيل من خوف الطغاة قد اختفى

فذاك لعمري لا يجوّزه الحجر

ولا النقل كلا إذ تيقّن أنّه

إلى وقت عيسى يستطيل له العمر

وإن ليس بين الناس من هو قادر

على قتله وهو المؤيّد والنصر

وإن جميع الأرض ترجع ملكه

ويملأها قسطا ويرتفع المكر

__________________

(١) في الذريعة : في مثله.

٣٠٧

وإن قيل من خوف الأذاة قد اختفى

فذلك قول عن معايب يفترّ

فهلّا بدا بين الورى متحمّلا

مشقّة نصح الخلق من دأبه الصبر

ومن عيب هذا القول لا شكّ أنّه

يؤول إلى جبن الإمام وينجرّ

وحاشاه من جبن ولكن هو الذي

غدا يختشيه من حوى البر والبحر

على أنّ هذا القول غير مسلّم

ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحرّ

ففي الهند أبدى المهدوية كاذب

وما ناله قتل ولا ناله ضرّ

وإن قيل هذا الاختفاء بأمر من

له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

فذلك أدهى الداهيات ولم يقل

به أحد إلّا أخو السفه الغرّ

أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه

على غيرهم كلّا فهذا هو الكفر

فتحى م هذا الاختفاء وقد مضى

من الدهر آلاف وذاك له ذكر

وما أسعد السرداب في سرّ من رأى

له الفضل من أمّ القرى وله فخر

فيا للأعاجيب التي من عجيبها

أن اتخذ السرداب برجا له البدر (١)

فأجاب المجيب الموفّق دامت بركاته وتوفيقاته :

بنفسي بعيد الدار قرّبه الفكر

وأدناه من عشّاقه الشوق والذكر

تستّر لكن قد تجلّى بنوره

فلا حجب تخفيه عنهم ولا ستر

ولاح لهم في كلّ شيء تجليا

فلا يشتكي منه البعاد ولا البحر

بمرآه تسقى العين خسرا وخيبة

ويسعد في أنواره القلب والصدر

ألا طل وإن عذبت يا ليل بعده

فمن بعد طول الليل يستعذب الفجر

وأقصر أطلت اللوم يا عاذلي به

فلا مفصل إلّا على حبّه قصر

عداك السنا من هذه الجذوة التي

بأكباد أهل الحبّ شب لها جمر

وما الحب إلّا منتهى السدرة التي

لهم من جناها لبّه ولك القشر

حبيبي بك الأشياء قامت فما الذي

يقيم على إثباتك الجاهل الغرّ

حبيبي أسارى في وجودك ضلّة

ولولاك للإيجاد ما انتظم الأمر

بفيك جرى عين الحياة ومذ دنا

ليشرب منها عمّر الشارب الخضر

__________________

(١) راجع الذريعة : ١ / ٤٧٥ رقم ٢٣٤٦ و ٣ / ٩١ رقم ٢٨٨.

٣٠٨

ولي فيك سرّ لو أبوح ببعضه

لقلت من الإيجاز هذا هو السرّ

فيا بأبي لح للبرية أو تغب

وليس على علياك من غيبة ضرّ

فشمس الضحى والبدر نوراهما هما

وإن غربت أو غيّب الشمس والبدر

ولا نكر أن لاحت ولم ير ضوءها

أخو نظر لكن على عينه النكر

ولا بأس ممّن جاء يسأل قائلا

أيا علماء العصر يا من له الخبر

لقد حار منّي الفكر بالقائم الذي

تحيّر فيه الناس والتبس الأمر

عثرت ألا يا سائلا حار فكره

على من له في كلّ مسألة خبر

أعرني منك اليوم أذنا سميعة

إذا ما قرأت الحقّ لم يعرها وقر

وقلبا ذكيا في التخاصم يعتدى

لطائرة الإنصاف عنك به وكر

وخذ عندها من نظم فكري لئالئا

بهنّ إليك الخبر يقذف لا البحر

مضامينها الغرّ الصحيحة صادر

بها مصدر العلم الإلهيّ والصدر

إمام الهدى النوري من نور علمه

أنارت به في الافق أنجمه الزهر

يقول ولا تنفكّ أعلام فضله

على أرؤس الأعلام في طيّها نشر

ألا إنّ ما استغربت منّا مقالة

به قال منكم معشر ما لهم حصر

وكلّهم أضحوا لديكم أئمّة

عنى لعلاهم من حوى البر والبحر

موثقة أسماؤهم في رجالكم

ففي كلّ سطر من فضائلهم شطر

فمنهم كمال الدين كما في مطالب السئول

ل طوى سؤلا به حتى انكشف الستر

وذا الحافظ الكنجي كم في بيانه

بيان براهين يبين بها الأمر

وكم لابن صباغ فصول مهمّة

تفصّل ما قد أجمل الكتب والسفر

فإنّ بشمس الدين تذكرة لمن

يريد خواصا طبقها النص والذكر

وحسبي بمحيي الدين نقضا فإنّ في

الفتوح عليك الفتح قد جاء والنصر

وكم في يواقيت الجواهر جوهر

به عاد شعرانيكم وله الفخر

لواقح أنوار له انظر فان للعرا

قي فيه قصة عودها نضر

وصدقه فيه الخواص عليّ من

كراماته لا يستطاع لها ذكر

ذوو القدر ها هم عينوا قدر عمره

فما ذا يقول اليوم من ما له قدر

٣٠٩

وشاهدهم فيما ادعوه شواهد

النبوّة فالجاميّ ممّن له خبر

وفصل الخطاب الخاجه بارسا قد احتوى

تفاصيل فيها يثلج القلب والصدر

وهذا أبو الفتح احتوت أربعينه

أحاديث فيها جل أصحابكم قروا

وكم للبخاري الدهلوي رسائل

بهن مع المهدي آباؤه الغرّ

وفي روضة الأحباب للحق روضة

بعرف عطاء الله ضاع لها نشر

وهذا البلاذري سل سلسلاتهم

تجده روى عنه شفاها ولا نكر

وهذا مواليد الأئمّة قاطع

بها كم تبدّى لابن حساد بكم سرّ

وها لابن شمس الدين كم من هداية

على سعداء الكشف آثارها غرّ

يقول أرى المهدي حقّا وإنّه

سيبدو وإن كان استطال له العمر

ففي الكافرين السامري نظيره

وفي المؤمنين الياس والروح والخضر

وكالسامري الدجال إنّ لشأنه

حديثا غريبا سوف يأتي له ذكر

وفضل بن روزبهانكم مع عناده

أقر بما قلناه إذ وضح الأمر

وناصر دين الله لو لا اعتقاده

على أنّ ذا السرداب غاب به البدر

لما شيّدت منه المباني بأمره

وحرّر فيها باسمه الخلف الطهر

وهذي ينابيع المودّة قد جرت

لنا من سليمان به الأبحر الغزر

وذا أحمد الجامي والعارف الذي

غدا شيخ إسلام لكم أيّها النضر

وللصفدي شرح دائرة بها

على الغيب محيي الدين أطلعه الجفر

وعيّنه في شعره مادحا أبو المعانيّ

ذو الأسرار القونوي الصدر

وملّا جلال الدين مثنوي الذي

يحق له ذو الكشف لو سجدا خرّوا

وكم عبد رحمن لكم متألّه

بمرآة أسرار تجلّى له السير

وذا النّسفي يحكيه عن حمويّكم

وعن ذاك تحقيق النبوة يفتر

براهين ساباطيكم كم تضمّنت

لقاضي جواد ما يبين له العذر

وكم حد مهدويكم بالمكاشفات من

غوامضها ما ضمّت الحجب والستر

وقد نظم البصري عامر تحفة

غدت ذات أنوار مضامينها الغرّ

تعرّض فيها الفارضية فاعتلت

عليها ولم لا تعتلي وهي البكر

٣١٠

يقول بها حتّى متى أنت غائب

إمام الهدى قد ضاق منّا لك الصدر

كذا الهمداني والنسميّ وشيخكم

محمد صبان الذي أنتجت مصر

كذا العارف العطّار كم ضمّ شعره

مدائح من أرواحها نفح العطر

وهذا الخوارزمي الخطيب روى لنا

حديثا به لا شكّ يعتقد الحبر

ألا فانظروا يا مسلمين لمنكر

عليّ مقالا ما به بأس أو نكر

يكفّرني فيما أقول وإنّما

تدين به تالله أقوامه الزهر

وكلّهم ما بين راو وعارف

وشيخ له الكشف المبجّل والستر

وما ذكروا في جنب من لم أبح بهم

كما سنحت من شاهقات الذرى ذر

وفيما ذكرناه ترى الحقّ عند من

غدا قائلا قد ذبّ عن لبّه القشر

ويا ليت شعري ما العيان الذي قضى

ببطلان هذا عند من ما له شعر

فأمّا التجلّي للعيون فما ادعى

به أحد إلّا أخو السفه الغمر

ففي الهند أبدى المهدوية كاذب

فكذّبه كل الورى البدو والحضر

وما كلّ من أضحى مضلّا يناله

كما حسب القتل المعجل والضرّ

وإلّا فإنّا نحن أو أنتم على

ضلال فلم لا نالنا السوء والشرّ

نعم هو موجود ولكن لحكمة

بها الله أدرى اختير عنّا له الستر

وإلّا فكم فاز الخواص بشخصه

كما للعراقي والخواص مضى ذكر

وعد رجال الغيب ذا نسفيكم

ثلاث مئين بل يزيدهم الحصر

وقال وهم كلّا حضور لدى الورى

ولم يرهم إلّا الأخصّاء والنزر

فلم لا بذا المقدار كذبت حائرا

كما حار منك اليوم في واحد فكر

وما هو مسجون فتحسب أنّه

قد اتّخذ السرداب برجا له البدر

بلى هو في الأمصار غاد ورائح

يخيب به مصر ويحظى به مصر

وها هو قطب الكائنات جميعها

ولولاه لم يوجد ذرى لا ولا ذرّ

وما حقّ ما لا يدرك العقل وجهه

ويعجز عن إدراكه الذهن والفكر

مسارعة الإنكار فيه فإنّما

ينزّه عن أمثالها العالم الحبر

وهذا تميم قد حكى لنبيّه

حديثا حكاه كان من قبله الطهر

٣١١

غداة بهم سفن المسير تكسّرت

فألقاه في عظمى جزائره البحر

هناك أوى جساسة ظنّ أنّها

لشيطانه من فوقها ارتكم الشعر

فجاءت بهم لشخص مفلل

تحيّر فيه العقل واندهش الفكر

فأخبرهم فيما سيجري به القضا

وقال أنا الدجّال بي تعدد النذر

فلا مرسل إلّا ويوعد قومه

بأعور دجّال سيقوى به الكفر

فهذا لعمر الله أعظم حيرة

وأجدر أن لو ردّه اللب والحجر

واخرى لعمري لو تحيّرت سائلا

بإيجاده من قبل ذلك ما السرّ

وتلك علوم الغيب من جاءه بها

وها هو ملعون له الخزي والخسر

وقد كان مغلول اليدين من الذي

لإطعامه إيّاه أخّره الدهر

وبعد تميم كيف لم يره امرؤ

وكم موكب بالأبحر السبع قد مروا

ولكنّه عن فعله ليس يسأل إلّا

له وجاء النهي عن ذاك والزجر

وإنّ عقول الخلق أقصر مبتغى

عروجا إلى ما دبّر الخالق البرّ

وقد صح بالبرهان أنّ إلهنا

حكيم غنيّ ليس يلجئه فقر

وكم مشكل يعيي العقول وإنّما

بما قد أشرنا يكتفي الفطن الحرّ

فكلّ بيان جاءنا عن نبيّنا

تناقله قوم هم بيننا السفر

علينا وجوبا أن يكون اعتقادنا

هو الحقّ لا يعروه ريب ولا نكر

وإنّا اناس لم ننازع ولم نكن

شركناه في خلق فيبدو لنا السرّ

وقد وردت أخباركم وتواترت

أن الخلفاء اثنان بعدهما عشر

وفيهم يقوم الدين أبلج واضحا

وتندفع الأسوا ويستنزل القطر

ولما انقضت للراشدين خلافة

وأضحى عضوضا بعدهم ذلك الأمر

وأنقص دين الله قدرا يزيده

فأصبح دين الله ليس له قدر

لكعبته هدم وقبر نبيّه

تطل الدما فيه وينسكب الخمر

وآل رسول الله تلك دماؤهم

لدى كل رجس من لئام الورى هدر

مصائبهم شتّى وشتّى قبورهم

فلا بقعة إلّا وفيها لهم قبر

على ظمأ يقضي ومن فيض نحرها

تروّى الصفاح البيض والذبل السمر

٣١٢

ويمسي حسين بالطفوف مجدّلا

ويرفع منه الرأس فوق القنا شمر

وتسبى بنات المصطفى الطهر حسّرا

ونسوة صخر لا يراع لها وكر

أتوها بنو مروان فافتعلوا به

أفاعيل منها شنعة برئ الكفر

فكم أضربوا فيها بلادا وأهلكوا

عبادا وضجّ القتل في الناس والأسر

وأوّلهم تنبيك مكّة ما جنى

عشية بالحجّاج شدّ له أزر

على حرم الله المجانيق نصبت

فهدّم حتى البيت والركن والحجر

وولي من بعد العراق فعندها

توالى هناك الظلم وانتشر الشرّ

وما زال في كوفان يعبث ظلمه

إلى أن اعيدت وهي مخربة قفر

فكم من سعيد قد شقي بهلاكه

وكم عابد صلت على عنقه البسر

ودع للوليد الذكر إنّ بذكره

يزعزع عرش الله والرسل والطهر

أما جعل القرآن مرمى سهامه

فمزّقه رميا كما يشهد الشعر

أما أمر السكرى وقد أجنبا معا

فأمّت بأهل المصر غادته العفر

أما نكحوا عمّاتهم وبناتهم

وشاع الخنا ما بينهم وفشا العهر

ألم ترد الأخبار عنه بلعنهم

وطرد أناس ما استطال له العمر

ألم ير رؤيا أزعجته فنزلت

بلعنهم الآيات إذ ذاك والذكر

أما عاد مال المسلمين وبيته

لهم دخلا يشرى به اللهو والسكر

أهولاء للإسلام كانوا أئمّة

إليهم من الله انتهى النهي والأمر

فوا أسفي لو كان يجدي تأسّفي

ووا صبر قد عيل من دونها الصبر

تعد بنو مروان فيكم أئمّة

وآل رسول الله ليس لهم ذكر

وتحكي مزاياهم مساوي عداهم

فكلّ به تفنى الدفاتر والحبر

ولما رأينا فيهم كل سبّة

وكلّ شنيع دونه الكفر والمكر

علمنا بأنّ المصطفى ما عناهم

بأخباره والأمر في بيته قصر

وإنّ اجتماع الناس لا خيرة لهم

ولكنما ألجأهم الخوف والقهر

وليس الذي يعنيهم من تجمّعت

عليه الورى قسرا ولو دأبه الكفر

وذا خبر الثقلين أضحى مسلّما

لدى الكلّ لا ريب عراه ولا نكر

٣١٣

وها هو بالتعيين نص بأهله

فقد قرنوهم بالتمسّك والذكر

فمن أهله لن يخلو عصر بحكمه

كما من كتاب الله لن يخلون عصر

وأكده مذ قال لن يتفرّقا

إلى أن يوافينا معا بهما الحشر

سفينة نوح هم فراكبه نجا

وتاركه يلقيه في لجّة البحر

وأورد سمهوديّكم في خلاصة الوفاء

خبرا ما إن يحيق به المكر

إلى حائط جاء النبي وكفّه

بكفّ علي في السماء له القدر

هنالك صاح النخل هذا هو النبي

وهذا الولي منه أئمّتنا الطهر

فقال رسول الله للصهر ذا يكن

من النخل صيحاني ليشتهر الأمر

فوا عجبا حتّى الجمادات سلمت

فما بال قوم تدّعي أن لها حجر

وثمّ حديث قد روته كباركم

بإسناده قد صحّ مضمونه البكر

هم أمن أهل الأرض لولاهم هوت

كأهل السما أمن لها الأنجم الزهر

ومن هاهنا قد بان نفع وجوده

لكل الورى من أنكروه ومن قروا

وكم مثل ذا ما لو تأملتم به

لكم لاح من أسراره البطن والظهر

ومن مات لم يعرف إمام زمانه

يصرّح عمّا ندّعيه ويفترّ

ويا ليت شعري لو سئلت من الذي

إذا متّ لم تعرفه عاجلك الخسر

وفي أي نقل قد تمسّكت طائعا

نبيّك في أهليك إذا جاءك الأمر

أتكفرها من بعد ما قد تواترت

وسلّم فيها الكلّ لا الشفع والوتر

أجل أم توالي غير آل محمد

مؤوّلة تلك الأحاديث والزبر

فجئنا بأهدى منهم نتّبعهم

وإلّا فما زيد إذا عدّ أو عمرو

ومن ذا جميعا بان لا بدّ للورى

إمام هدى لم يخل من شخصه عصر

وقولك هذا الوقت داع لمثله

ضلال فلا ظلم توالى ولا شرّ

وما ظلم ذاك الوقت إلّا إذا ملا

البقاع وما تحت السما الكفر والغدر

بحيث لو استبقى من الناس مؤمن

لأهلكه ما بينها الخوف والحذر

هناك له يأتي الإله بعدّة

كعدّة ما للمصطفى ضمنت بدر

ويأتي له من ربّه الإذن عندها

فيملأها قسطا ويرتفع المكر

٣١٤

ولم يأت للآن النداء من السما

على أحد : هذا هو الخلف الطهر

وحاشاه أن يعصي ويخرج قبل أن

يجيء له من ربّه الإذن والنصر

ومنّا إله العرش أدرى بفعله

وليس لنا نهي عليه ولا أمر

ولم نعترض هلّا أذنت بوقتنا

ففيه توالى الظلم وانتشر الشرّ

على أنّه لا ظلم باد وهذه

ملوك بني عثمان آثارها غرّ

وراياتها في كلّ شرق ومغرب

على طي أعناق الملوك لها نشر

بسلطاننا عبد الحميد قد اغتدت

ثغور بني الإسلام بالعدل تفترّ

بيض أياديه ورزق سيوفه

جميع بقاع الأرض يانعة خضر

ولم نر في الأعصار عصرا كعصره

به انبسط الإيمان وانتشر البشر

ومنه [قد] استوجبت حدا وإنّما

بقولك ذا عمّاله الصيد لم يدروا

على أنّه لو سلم الظلم في الورى

وأنّ جميع الأرض قد عمّها النكر

فذاك عليكم وارد حيث إنّه

إلى الآن لم يولد ولم يبده الدهر

وقولك من خوف الطغاة قد اختفى

وأن ذاك شيء لا يجوّزه الحجر

كقولك من خوف الأذاة قد اختفى

وذلك قول عن معايب يفتر

ويتلوها ذا الاختفاء بأمر من

له الأمر في الأكوان والحمد والشكر

وإن رمت توضيح المقال لدفع ما

به وقع الإشكال والتبس الأمر

فأجمعها طول على غير طائل

وتكرير ألفاظ بها قبح الكرّ

وما الكل إن لاحظتها غير شبهة

لكل جهول ما له مسكة تعرو

فهيا اغتنم حلّا ونقضا جوابها

على أنّ هذا الأمر مسلكه وعر

وذلك أنّ الله أرسل رسله

فلم يبق للعاصي بمعصية عذر

ودلّت عليهم بالعقول خوارق

معجّزة كيلا يقال هي السحر

ولو أنّهم في كل حال يرى لهم

على كلّ من عاداهم الفتح والنصر

لأوشك من ضعف العقول يرونهم

عن الله أربابا فينعكس الأمر

فمن أجل هذا لم يزل لعداهم

عليهم على طول المدى القهر والظّفر

ويشهد فيما قلته كلّ من له

بأحوال رسل الله من قبل ذا سبر

٣١٥

وإلّا فقل مذ غاب في الغار أحمد

وصدّيقه لمّا أطلّهم المكر

أيعجز ربّ الخلق عن نصر حزبه

على غيرهم كلّا فهذا هو الكفر

وليتك مذ منك المعاني تكسّرت

حفظت مبانيها فلم يعرها الكسر

بلى حيثما قد فاتك النصر جئتنا

تقول بها وهو المؤيّدة النصر

وقد بان من هذا بأن لو بكل ما

تقول التزمنا ما علينا بها ضرّ

وإنّ خلافا منك ذا حيث لم تكن

بحسن تقول الأشعرية والجبر

ولا حسن إلّا ما به الشرع قد أتى

ولا قبح إلّا عنه ما قد أتى الزجر

فكان جديرا لو سألت من الذي

يقول به ما قاله الشارع الطهر

وطالبت في دعواه حقّ دليلها

فإن قاله فالحمد لله والشكر

وإن لم يقله كان حقّا عليك لو

سخرت به واهتزّك الجهل والكبر

ولكن بحمد الله أصبحت أجهل ال

لأنام فلا عرف لديكم ولا نكر

رددت دعاوينا بأسوإ فرية

كما ردّها يوما بسوأته عمرو

حفرت لنا بئرا لتوقعنا بها

وقد أوقعتكم في حفيرتها البئر

وشعرك لم يعذب على أنّ كلّه

افتراء نعم بالكذب يستعذب الشعر

ولكن من العجز اخترعت كواذبا

تثير من الأجفان ما كمن الصدر

شققت عصا الإسلام فيها وإن ذا

بإيحاء أهل الكفر كي يغلب الكفر

شياطينهم فيه غرتك وإنما

قد استلبت إيمانك البيض والصفر

فترجمت من تلك الأباطيل جيفة

كستها بنتن الخبث ألفاظك الغبر

وألقيت بالبغضاء في أهل ملّة

ليشغلها ما بينها الكرّ والضرّ

فتأخذها الأعداء من كلّ جانب

وتنهش أسد الدين أكلبها العقر

أجل فاختراع الكذب فيكم سجية

ففيكم على أشياخكم يقتفى الأثر

فكم نسبوا أمرا إلينا ولم يفه

به أحد منّا ولا ضمّه سفر

فذا الهيثمي كم في صواعقه رمى

إلينا امورا ليس فينا لها ذكر

وذا الحافظ الذهبي يذهب أن نرى

بسردابه المهدي أعدمه الستر

وها نحن كلا قائلون بأنّ من

رأى شخصه بالذات لم يحصه الذكر

٣١٦

بكبراه والصغرى معا بان للورى

وفي كلّ هذا كلّ أصحابنا قروا

وينكر منّا القول إن هو جامع

العلوم وإنّ في كلّ شيء له خبر

وما هو إلّا وارث علم جده

وإنّ علوم المصطفى ما لها حصر

فلا غرو أن لو تفتري اليوم قائلا

له الفضل عن أمّ القرى وله الفخر

وتهزأ في السرداب جهلا وفيهم

ويبدو على ما تفتري الفري والسخر

فما سعد السرداب بالبدر وحده

نعم ما أظلّته السما البر والبحر

وأسعدها أمّ القرى فيه أنّه

سيطلع منها مشرقا ذلك البدر

وذا منك جهل وافتراء بأننا

عليها نرى السرداب أضحى له الفخر

وما شرف السرداب إلّا لأنّه

غدا لهم بيتا به برهة قرّوا

وهم في بيوت ربّها آذن لها

لترفع إجلالا ويتلى به الذكر

فيا مفتري هذا المقال أبن لنا

بذلك من ذا قال فلتنشر السفر

وقد صرح الأصحاب أنّ طلوعه

بحيث شموس الدين أطلعها الطهر

أبا صالح خذها إليك خريدة

ولا يرتجى إلّا القبول لها مهر

تمزّق من أعداك كلّ ممزّق

ويمرق في أكبادها الخوف والذعر

وذخرا ليوم الحشر أعددتكم بها

ولم يفتقر عبد له أنتم الذخر

إذا اسود وجهي بالذنوب فإنّ لي

لديكم بها ما يستضاء به الحشر

ألستم بشرع الدين أنتم نشرتم

ومنه إليكم فوّض الحشر والنشر

ألستم بساق العرش نور ومنكم

لأهل السما التسبيح يعلم والذكر

صفا الذهب الإبريز أنتم وإنّما

فؤادي إلّا عن ولائكم صفر

مواليّ ما آتي به عن ثنائكم

وقد ملئت منه الأناجيل والزبر

يواليكم قلبي على أنّ جرحه

لرزئكم لا يستطاع له سبر

وينصركم منّي لساني ومقولي

إذا ما بدا قد فاتها لكم النصر

ولا صبر لي حتّى أراها تطالعت

لقائمكم في الجور راياته الخضر

بكم أستمدّ الفيض ثمّ أمدّكم

ببحر ثناء فيكم ما له قعر

بني المصطفى من لي بأن آل عبدكم

فعبدكم من حرّ نار اللظى حرّ

٣١٧

فبشرى لأعداكم بآل أمية

كما بكم آل النبي لنا البشر

سلام عليكم كلّما نفحت صبا

وما غربت شمس وما طلع البدر

ولا برحت أعداؤكم في مهانة

يعاجلها خزي ويعقبها خسر (١)

وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين وسلّم تسليما كثيرا كثيرا.

قد تمّ بحمد الله بقلم مؤلّفه الضعيف علي بن المرحوم زين العابدين اليزدي البارجيني الحائري في التاسع عشر من شهر ذي القعدة الحرام السنة السادسة والعشرين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة النبويّة المحمّدية ، وبعد إتمامه في هذا اليوم كان خلاصنا من بركاته عمّا نحن فيه من الهموم والأحمال وخرجنا عن مجلس الاعتزال وفتحت عليّ الباب ولا قيت الأحباب وحاشا من بركاته أن يبأس ويخيب اللاجئ إليه وقارع الباب ، وأسأل الله من بركاته فتح الأبواب ، ولمّا كان شروعي في العاشر من شهر شوّال التالي من شهر الصيام.

فصار أربعين يوما من أوان الشروع إلى الختام.

__________________

(١) راجع ذيل كشف الأستار لكاشف الغطاء.

٣١٨

الفهرس

الغصن السادس

من ادعى رؤيته عليه‌السلام في الغيبة الكبرى وتحته واحد وأربعون حكاية.................... ٥

خبر الجزيرة الخضراء........................................................... ٦٩

دعاء العهد................................................................. ٨١

الغصن السابع

الإخبار بوجوده الآن وظهوره عجل الله فرجه..................................... ٨٦

الغصن الثامن

الآيات الدالة على علامات الظهور............................................. ٩٣

الأحاديث الدالة على علامات الظهور........................................ ١٠٣

في إخبار أهل العرفان والكهنة بظهوره عليه‌السلام.................................... ١٤١

في خطبة البيان............................................................ ١٤٨

في خطبة البيان أيضا....................................................... ١٩١

خطبة التطنجية............................................................ ١٩٩

حديث المفضل............................................................ ٢٠٨

الغصن التاسع

ما يقع في زمان رجعته عليه‌السلام.................................................. ٢٣١

٣١٩

الغصن العاشر

الآيات القرآنية في رجعة الأئمة عليهم‌السلام......................................... ٢٥٥

الأحاديث الشريفة في رجعة الأئمّة عليهم‌السلام...................................... ٢٦٣

في الآيات القرآنية المشعرة بالرجعة............................................ ٢٧٣

في الآيات المؤوّلة بالرجعة المطلقة.............................................. ٢٨٣

في الأخبار الواردة في خصوص رجعة الأئمّة عليهم‌السلام.............................. ٢٩٧

قصيدة في الإمام المهدي عليه‌السلام............................................... ٣٠٧

٣٢٠