إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

الشيخ علي اليزدي الحائري

إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب عجّل فرجه - ج ٢

المؤلف:

الشيخ علي اليزدي الحائري


المحقق: السيد علي عاشور
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠
الجزء ١ الجزء ٢

الهائلة ، خرج جمّ غفير من مجاوري كربلاء من العرب والعجم وخرجنا بالعيال وثقل الأطفال بعد خروج جمع كثير قبلنا ومعنا عمّنا الرجل التقيّ النقيّ المعروف بالصلاح يدعى الحاج عبد الحسين ، فخرجنا حتّى انتهينا إلى قريب من السدّة التي خارج البلدة قريب من مركز السليمانية تعرف بالسدّة التي أمر بها الشيخ شيخ العراقين طاب ثراه وإذا بانقلاب الهواء وهبوب الأرياح العاصفة والعجاج الثائر فتراكمت السحب السود وأخذت الهواء تمطر مطيرات ناعمة إلى أن اشتدّ المطر واغزر فأمطرت البرد والحالوب الشديد فكأنها مقامع من حديد وكانت ما تقرب من جوزة كبيرة أو نارنجة صغيرة واشتدّ الأمر وضاق الفضاء ونزل البلاء وأيقنّا بالموت والفناء فهلك بها المواشي والأنعام واضطرب منها الخاص والعام ، فمنهم من أصابته في صدغه فقضى به نحبه في حينه وساعته ومنهم من كان ينتظر ومنهم من اندهش وانذهل ومنهم المفترش في الثلج والوحل ، هذا واستصعب البرد غايته واشتد إلى أن بلغ نهايته فكان الفلك الزمهرير أخرق الهواء وأشرف ، وكان الهواء بالثلج قد تكيف فغدت الأرجل والأيادي مستجمدة والأبدان كالخشبة البالية فوقفت المطايا من السير ولم تتمكّن من الحركة ، فأشرت إلى عبد الحسين المذكور أن أدركنا بالوصول إلى مركز السليمانية حيث تقف السفن والسواجي وإخبارها بنا كي تحملنا إليه وتضعنا لديه وأنا متكفّل بالعيال والأطفال فذهب وبالغ في ذلك فلم يجد شيئا منها قط ولو ببذل دراهم كثيرة وبقي في خيبة وأياس ولم يقدر المراجعة عندنا وإخباره إيّانا وقد خفقت علينا أجنحة الموت وأنشبت بنا المنية أظفارها فتوسّلت حينئذ بالحجّة المنتظر والإمام الحي الثاني عشر فبينما نحن على ذلك وإذا بساجة هناك وفيها سيّد ظننتها من أهالي كربلاء وهو يقول : اين حاج شيخ علي خودمانست أي : هذا الرجل المسمّى حاج شيخ علي المنسوب إلينا ، ثمّ رحّب بنا فأمروا نقلنا العيال في ساجته وأخذنا إلى المركز فتحوّلنا إلى الحي والجماعة التي هناك نزيل السليمانية وقضى من أمر الزوّار في تلك الوقعة ما قضى ولم أتفطّن باستغاثتي منذ هذه المدّة وإغاثته إلّا بعد زمان ، رزقنا رؤيته الكاملة في الرجعة إن شاء الله.

الحكاية الأربعون : مضمون ما ذكره شيخ المحدّثين المولى النوري في كتابه جنّة المأوى ، وذكر فاضل من الواعظين باختلاف يسير : كنت سنة ثلاث وثلاثمائة وألف متردّدا في المذاكرة في شهر رمضان بالمسجد فرأيت ليلة من ليالي المحاق من شهر شعبان أنّ

٦١

احدا ناولني كتاب إكمال الدين للصدوق قدس‌سره الذي كان لي بالخزانة قال لي : ذاكر بما في هذا ، فتناولته فانتبهت واشتغلت بالمذاكرة وفي كل يوم كنت أذاكر شيئا ممّا في ذلك الكتاب امتثالا للأمر ، ثمّ إنّي سافرت لزيارة الأئمّة بالعراق يوم السابع عشر من شهر صفر المظفر من السنة التالية فزرت مقابر قريش وسرّ من رأى ولاقيت صديقي الأنور شيخ المحدّثين في عصره المولى النوري نوّر الله قلبه وملأ لبّه حبّه وفاوضنا في المطالب فحدّثته بالرؤيا قال : هذا ليس بشيء وعندي رواية ليس في روايات من رأى الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ما يحوي تفصيلها ثمّ حكاها لي فقفلت وزرت الحائر المقدّس والغري الأقدس وعدت إلى المقابر وكان في عزمي أن أسمعها من لفظ الرائي الراوي بغير واسطة فنويت يوما أن أمضي إلى بغداد فأرسلت إلى السيّد السند والحبر المعتمد السيّد محمد ابن السيد أحمد ابن السيد حيدر الكاظمي زيد في تأييده في أن يكتب كتابا إلى أخيه المقيم ببغداد ذي السداد والاعتماد السيّد حسين سلّمه الله تعالى لكي يطلب لي الرائي الراوي ويحضره عندي لأسمعه منه فكتب وأرسل الكتاب إليّ فأخذته وأتيت بغداد ونزلت بدار الحاج علي أكبر التاجر الهمداني فبعث من أخبره بقدومنا وأوصل إليه الكتاب ، ثمّ جاء السيّد المذكور وجلس هنيئة فقام وخرج في طلب الرجل وما كان إلّا ساعة وإذا به قد رجع ومعه الرجل قال : لما خرجت من عندكم أطلبه فلاقيته في بعض السكك فحمدنا الله جل جلاله على هذه النعمة المترقبة واقتضينا منه أن يحكي لنا ما رأى فأبى وضايقنا ذكر أنّ الشيخ محمد حسن طال بقاه منعه عن ذلك فأصرّ عليه السيّد والحاج وقالا : إنّ هذا ـ يعنياني ـ من أهل العلم والمنبر يذاكر به الناس ، والمصلحة في أن يحكى له فطفق يقول ـ واسمه الحاج علي ابن قاسم الكرادي البغدادي وكان عليه سيماء الصدق والصمت والأمانة ولوائح الصلاح منه للمتوسمين لائحة وكان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر الرجب من السنة المذكورة ـ :

كنت ببغداد أتجر في البز والقماش وانتدبت يوما للنظر في حساب رأس مالي وما حصل لي من الربح لأعرف ما صار عليّ وفي ذمّتي من حق السادات وسهم الإمام عليه‌السلام ولاحظت ورأيت انّه تعلّق بذمّتي ثمانمائة قران من سهم الإمام عليه‌السلام فعزمت أن آتي الغري وأزور أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير وأوصل ما عليّ إلى العلماء هناك ، فجئت الغري وزرت

٦٢

وأوصلت ما أخذته معي ستمائة قران إلى ثلاثة من علماء النجف ورجعت إلى بغداد وكان بعزمي أن أوصل الباقي معجلا إلى الشيخ محمد حسن آل ياسين فأخذت يوما ما كان نقدا بالحانوت معي وأتيته به وأوصلت إليه ذلك وقلت : شيخنا عندي بعد كذا من السهم وهو لم ينقد ، بل جنس أبيعه وآتيك به وإن شئت فاكتب للسادة حوالة عليّ أؤدي إليهم شيئا فشيئا قال : نعم أكتب عليك الحوالة لهم ، قلت له : شيخنا أريد أن تكتب لي تذكرة تكتب شهادتك بأنّي من موالي أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليه‌السلام أجعلها في كفني ، قال : أكتب لك ذلك فقمت من عنده لأخرج قال : بت هنا هذه الليلة تزور ، إنّها ليلة الجمعة وكان وقت العصر من الخميس ، قلت له : شيخنا ما أقدر لأنّ العملة بالكارخانة يستوفون أجورهم في كلّ اسبوع أوّل النهار من يوم الجمعة فخرجت إلى بغداد وما مضيت من السبيل إلّا ثلثه فإذا بسيّد جليل مقبل من جانب بغداد أسمر على خدّه الأيمن أو الأيسر ـ والترديد من الرائي ـ شامة سوداء ، لحيته خفيفة ، عليه ثياب خضر ، يرى من أبناء خمسة وثلاثين ولمّا دنا منّي سلّم عليّ وفتح باعه وضمّني إليه وقبّلني وأنا أيضا قبّلته وأظنّه من السادة الذين كنت أعطيهم شيئا من الخمس أحيانا يعرفني وأنا لا أعرفه بشخصه وهو يرجو منّي شيئا فقال عليه‌السلام : حاج علي أهلا وسهلا ، على خير؟ قلت له : أريد بغداد ، قال عليه‌السلام لي : ارجع نزور جدّي موسى بن جعفر ، هذه ليلة الجمعة ، قلت له : سيدنا لا أقدر ، عندي شغل ، قال عليه‌السلام : ارجع لأشهد أنا لك والشيخ ، وإنّ الله أمر بشاهدين ، قلت : أي شيخ تريد؟ قال لي : الشيخ محمد حسن آل يس قلت له : ما أدراك ما جرى بيني وبينه؟ قال عليه‌السلام لي : يؤدّون حقّ الإنسان إليه لا يدري ارجع ، فهبته وأكبرته ولم أقدر على مخالفته فرجعت معه وهو آخذ يدي بيده قابض عليها ، ولما تأمّلته رأيته عظيما فقلت في نفسي : أسأله عن بعض الأشياء ، فقلت له : سيّدنا كان عليّ من سهم الإمام عليه‌السلام كذا وأوصلت بالغري إلى فلان وفلان وفلان وسمّيتهم له فهل صار عملي صحيحا؟

قال : نعم بيد وكلائنا وصل ، قلت : وأوصلت اليوم إلى فلان وسمّيته له كذا ثمّ صار القرار على الحوالة فهل هذا صار أيضا صحيحا؟ قال : عليه‌السلام : نعم بيد وكيلنا وصل ، ثمّ نظرت ورأيت نهرا جاريا عن يميننا غير الدجلة وماؤه صاف كأبيض ما يكون من الماء وأصفاه كأنّه ماء صاف في بلور وقد حفّت بنا من كلّ الطرفين أشجار كثيرة ملتفة متدلية على رءوسنا من كلّ

٦٣

نوع ولون من الليمون والنارنج والرمّان والكرم والكمثرى قد أينعت ثمارها فقلت له : سيدنا إنّي طرقت كثيرا من هذا الطريق ولم أر شيئا من هذه الأشياء أبدا ، قال عليه‌السلام : إذا زارنا موالونا تباريهم هذه الأشياء ، قلت له : سيدنا أراك فرد رؤية أريد أن أسألك عن مسألة ، قال عليه‌السلام : بسم الله ، قلت له : إني زرت سنة تسعة وستّين ومائتين وألف مولاي الرضا عليه‌السلام فهل زيارتي مقبولة؟ قال عليه‌السلام : مقبولة إن شاء الله قلت له : سيدنا مسألة قال : بسم الله ، قلت له : الحاج محمد حسين بذارباشي زيارته مقبولة ـ قلت عند نفسي : الناس يجيئونني ويسألونني : هل سألت السيد عنه وكان من أهل بغداد ومعنا في طريق الرضا عليه‌السلام ـ قال العبد الصالح : زيارته مقبولة ، قلت له : سيّدنا مسألة ، قال عليه‌السلام : بسم الله ، قلت : فلان سمّيته له زيارته مقبولة وكان معنا في ذلك الطريق فلم يجبني بشيء ، قلت له : سيّدنا سألتك عن مسألة هل سمعته فأدار وجهه عنّي إلى جانب آخر ، وهذا الرجل فحصنا عن حاله فبان أنّه كان قد قتل أمّه قلت له : سيدنا فرمان هل هو من موالي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان رجلا من قرائبي قال : هو وجميع من يلوذ بك من موالي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قلت : سيدنا أنا قليل المعرفة بالمسألة أسألك عن مسألة قال عليه‌السلام : بسم الله ، قلت له : لقينا في ذهابنا إلى زيارة مولانا الرضا عليه‌السلام بمرحلة دروت رجلا من المعدان راجعا من الزيارة أقريناه بالليل وسألناه عن بلد الرضا عليه‌السلام كيف هو؟ فقال : الجنّة الجنّة كنت هناك خمسة عشر يوما بالمهمانخانة أتغدى وأتعشّى وأي جرأة للنكير والمنكر يجيئانني ويسألانني في القبر وقد نبت لحمي من طعامه ، كلامه هذا صحيح؟

قال : نعم جدّي ضامن ، قلت له : سيّدنا ، أنا قليل المعرفة بالمسألة أريد أن أسألك مسألة قال : بسم الله ، قلت : سمعت الشيخ عبد الرزاق وكان رجلا ببغداد ويقرأ لنا الأخبار والمرثية ويقول من حجّ أربعين حجّة واعتمر أربعين عمرة وكان تمام عمره صائما نهاره قائما ليله ثمّ مات بين الصفا والمروة ولم يوال أمير المؤمنين وأولاده المعصومين عليه‌السلام فليس بناج ولا له من عمله شيء ، هذا صحيح؟

قال عليه‌السلام : أي والله ليس له شيء ، قلت له : سيدنا مسألة ، قال : اسأل ، قلت له : وكان يقول : روي أنّ سليمان الأعمش قال : كان لي جار أتيته ليلة جمعة فقلت له : ما تقول في زيارة الحسين عليه‌السلام؟ قال : بدعة فقمت من عنده وأتيت إلى مضجعي وقلت في نفسي آتيه ثانيا فإن أصرّ قتلته ، فلمّا كان وقت السحر أتيت بابه فقرعته فإذا بزوجته تقول لي : إنّه قصد إلى زيارة

٦٤

الحسين عليه‌السلام من أوّل الليل فذهبت في أثره فلمّا دخلت الروضة فإذا بالشيخ باك وداع فقلت له : بالأمس كنت تقول : زيارته بدعة والآن أتيت تزوره فقال : رأيت رؤيا هالتني ، رأيت ناقة من نور عليها هودج من نور وفيه امرأتان والناقة تطير بين السماء والأرض فقلت لمن هذه؟ فقيل : لخديجة الكبرى وفاطمة الزهراء سلام الله عليهما قلت : أين يريدون؟ قيل: ليلة الجمعة يزورون الحسين عليه‌السلام ثمّ دنوت من الهودج وإذا برقاع تتساقط من السماء قلت : ما هذه الرقاع؟ قيل : هذه فيها أمان من النار لزوّار الحسين عليه‌السلام ليلة الجمعة فطلبت رقعة فقيل : إنّك تقول زيارته بدعة لا تنالها حتّى تعرف فضله وتزوره فانتبهت فزعا وقصدت إلى زيارته ، هل هذا صحيح؟

قال : صدق ، قلت له : سيدنا سمعته يقول : روي أنّه من زار الحسين عليه‌السلام ليلة الجمعة فله أمان من النار ، هذا صحيح؟ قال عليه‌السلام : أي والله وعيناه تدمعان ثمّ مضينا حتّى وصلنا إلى موضع من الجادة جانباه بساتين وكان هناك موضع عن يمين الخارج من بغداد إلى كاظمية لبعض السادة وفيهم أيتام أدخله الحكّام في الجادة غصبا وتعرف ببستان السادة ، والمحتاطون من البلدتين لا يمرّون منه ، ورأيته يمشي في هذا الموضع فقلت له : سيّدنا يقال : إنّ المرور من هناك مشكل ، قال : يجوز لموالينا المرور منه ، فقلت له : سيّدنا إنّي أراك فرد رؤية ، هذا بستان ميرزا هادي يقولون : إنّ قاعه وقف على موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : تمام مالنا ، اسأل غير هذا ، فوصلنا إلى ساقية أخرجت من الدجلة لأجل البساتين فيها يفترق الطريقان : طريق السادة والطريق السلطاني فرأيته مال إلى الأوّل فقلت : سيّدنا نمضي من السلطاني قال : لا ، نمضي من هذا فمشينا وما خطونا إلّا خطوات فرأيت أنفسنا عند الكفشوان (١) الصاعد إلى يسار الإيوان الشرقي وباب المراد للداخل إليه فخلع نعليه وخلعت ومضى من الإيوان ولم يقف بباب الرواق ودخله ووقف بباب الحرم وقال لي : زر ، قلت له : سيدنا أنا عامي لم أقرأ ، قال : أزوّرك؟ قلت له : نعم ، فقال عليه‌السلام : أأدخل يا الله السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا فاطمة الزهراء وانتهى إلى السلام على علي بن محمد والحسن العسكري عليه‌السلام وسلّم عليه فالتفت إليّ وقال : أتعرف إمام زمانك؟ قلت : نعم ، قال عليه‌السلام : فما تقول أنت إذا انتهيت في السلام إلى هنا؟

__________________

(١) كلمة فارسية الأصل ، وهو المسئول عن المكان الذي يعدّ لوضع الأحذية.

٦٥

قلت : أقول السلام عليك يا صاحب الزمان السلام عليك يا حجّة الله قال :وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فدخل ودخلت وقبّل الضريح وقبّلت ثمّ قال لي : زر ، قلت له : سيدنا قلت لك انّي لم أقرأ قال عليه‌السلام : أزوّرك؟ قلت له : نعم ، قال : بأيّ زيارة؟ قلت له: سيّدنا إنّي أراك فرد رؤية بأيّها أفضل؟ قال : أمين الله ، ثمّ قال عليه‌السلام : السلام عليكما يا أميني الله في أرضه السلام عليكما يا حجّتي الله على عباده وانتهى إلى آخرها وشموع الحرم مشعلة غير أنّي أرى جوّ الحرم مضيئا بضوء غير ضوء السراج بل كضوء الشمس عند ارتفاعها وأرى ضوء تلك الشموع بجنبه كضوئها إذا اشتعلت بالنهار وقت الضحى قبالة الشمس ثمّ تحوّل من طرف الرجلين إلى خلف الضريح ووقف بالجانب الشرقي منه مستقبلا وقال : نزور الحسين عليه‌السلام من هنا فزاره بزيارة الوارث وزرت ، ولمّا فرغنا فإذا بالمؤذنين لفريضة المغرب قد فرغوا فقال لي : الحق الجماعة وصلّ وأشار إلى المسجد الذي خلف الحرم ومنه إليه باب مشروع والشيخ المذكور يصلّي بالناس هناك فدخل المسجد ووقف عن يمينه محاذيا له وصلّى بنفسه وأنا وقفت في الصف وفرج لي مكاني وصلّيت جماعة ولمّا انفلت نظرت إليه فلم أره فقمت أطلبه بالحرم لأعطيه شيئا لأنّه زوّرني وأضيفه بالليل فدرت الحرم والرواق والإيوان ولم أره وأنا أتفكّر في نفسي : من هذا؟ وما هذه الامور التي شاهدتها منه والكلمات التي سمعتها ، فعلمت أنّه الإمام عليه‌السلام فأتيت إلى الكفشوان وسألته عنه قال : خرج ومضى ، ثمّ قال : هو رفيقك؟ قلت : نعم فتبسّم فأتيت إلى منزلي ونمت ، فلمّا قمت أتيت الشيخ بكرة وحكيت له ذلك فقال : الله موفّقك لا تحكه ببغداد ، ثمّ إنّي بعد ذلك بشهر كنت بالحرم الشريف يوما بالمحل الذي يوضع المصاحف أتلو القرآن إذا به عليه‌السلام عنّ لي وقال لي : ما ذا رأيت أنت؟ قلت : لم أر شيئا ، ثمّ قال لي ثانيا : ما ذا رأيت؟ قلت له : لم أر شيئا فغاب عنّي قال أقول : وهذا الرجل كان يبدو منه عند حكايته لي الأسف والتحسّر كمن فات عنه شيء لا مندوحة عنه ، ثم قبّلت فاه فقام وفارقنا ولعمرك لو طلب حريص وضرب آباط الابل فيه حولا لكان قليلا. هذا ما رويته وبحق روايتي عنه بيد أنّ ما رقمته معنى ما سمعته منه بلفظه ولغته المتداولة اليوم (١).

الحكاية الحادية والأربعون : في جنّة المأوى عن المولى أبي الحسن الشريف العاملي

__________________

(١) لم أجده في جنّة المأوى.

٦٦

الغروي تلميذ العلّامة المجلسي في شرح مشيخة الفقيه في ترجمة المتوكّل بن عمير راوي الصحيفة قال رحمه‌الله : إنّي كنت في أوائل البلوغ طالبا لمرضاة الله ساعيا في طلب رضاه ولم يكن لي قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أنّ صاحب الزمان صلوات الله عليه كان واقفا في الجامع القديم بأصبهان قريبا من باب الطبني الذي [هو] الآن مدرسي فسلّمت عليه وأردت أن أقبّل رجله فلم يدعني وأخذني فقبّلت يده وسألته عن مسائل قد أشكلت عليّ :

منها : إنّي كنت أوسوس في صلواتي وكنت أقول إنّها ليست كما طلبت منّي وأنا مشتغل بالقضاء ولا يمكنني صلاة الليل وسألت عنه شيخنا البهائي رحمه‌الله فقال : صل صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل وكنت أفعل هكذا فسألت الحجّة (عج) : أصلّي صلاة الليل؟ فقال : صلّها ولا تفعل كالمصنوع الذي كنت تفعل ، إلى غير ذلك من المسائل التي لم يبق في بالى ثمّ قلت : يا مولاي لا يتيسّر لي أن أصل إلى خدمتك كلّ وقت فأعطني كتابا أعمل عليه دائما ، فقال (عج) : أعطيت لأجلك كتابا إلى مولانا محمد التاج وكنت أعرفه في النوم فقال : رح وخذ منه فخرجت من باب المسجد الذي كان مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطيخ محلّة من أصفهان ، فلمّا وصلت إلى ذلك الشخص فلمّا رآني قال : بعثك الصاحب (عج) إليّ؟ قلت : نعم ، فأخرج من جيبه كتابا قديما ، فلمّا فتحته ظهر لي أنّه كتاب الدعاء فقبّلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجّها إلى الصاحب فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب فشرعت في التضرّع والبكاء والجؤار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر ، فلمّا فرغت من الصلاة والتعقيب وكان في بالى أنّ مولانا محمد هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء ، فلمّا جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة وكان القاري السيّد صالح أمير ذو الفقار الجرفادقاني فجلست ساعة حتّى فرغ منه ، والظاهر أنّه كان في سند الصحيفة لكن للغمّ الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم وكنت أبكي وذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي ، وكنت أبكي لفوات الكتاب فقال الشيخ : أبشر بالعلوم الإلهية والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائما وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في التصوّف وكان مائلا إليه فلم يسكن قلبي وخرجت باكيا متفكّرا إلى أن ألقي في روعي أن أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم ، فلمّا وصلت إلى دار البطيخ رأيت رجلا صالحا اسمه آقا حسن وكان يلقّب بتاج ، فلمّا وصلت

٦٧

إليه وسلّمت عليه قال : يا فلان الكتب الوقفية التي عندي كلّ من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به ، وقال : وانظر إلى هذه الكتب وكلّما تحتاج إليه خذه فذهبت معه إلى بيت كتبه فأعطاني أوّل ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم فشرعت في البكاء والنحيب وقلت : يكفيني ، وليس في بالى أنّي ذكرت له النوم أم لا ، وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي كتبها جدّ أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب مكتوبة من خط الشهيد وكانت موافقة غاية الموافقة حتى في النسخ التي كانت مكتوبة بهامشها وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي وببركة إعطاء الحجّة (عج) صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كلّ بيت وسيّما في أصبهان فإنّ أكثر الناس لهم صحائف متعدّدة وصار أكثرهم صلحاء وأهل الدعاء وكثير منهم مستجابو الدعوة ، وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر (عج) والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا أحصيها وذكرها العلّامة المجلسي رحمه‌الله في إجازات البحار مختصرا (١).

__________________

(١) جنّة المأوى : ٢٧٧ الحكاية ٤١.

٦٨

فاكهة

في البحار وجدت رسالة مشتهرة بالجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لاشتمالها على ذكر من رآه ولما فيها من الغرائب وانّما أفردت لها بابا لأنّي لم أظفر بها في الاصول المعتبرة ولنذكرها بعينها كما وجدتها :

«بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لمعرفته والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيّد بريّته محمد الذي اصطفاه من بين خليقته وخصّنا بمحبّة علي والأئمّة المعصومين من ذريّته صلّى الله عليهم أجمعين الطيّبين الطاهرين وسلّم تسليما كثيرا ، وبعد فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين وسيّد الوصيين وحجّة ربّ العالمين وإمام المتّقين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بخط الشيخ الفاضل والعامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدّس الله سرّه ما هذا صورته :

الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله وسلّم ، وبعد فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفا الله عنه : قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العاملين الشيخ شمس الدين محمد بن يحيى الحلّي والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحوام الحلّي قدّس الله روحيهما ونوّر ضريحيهما في مشهد سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية على مشرفها محمّد وآله أفضل الصلاة وأتمّ التحية حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي والفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن الفاضل المازندراني المجاور بالغري على مجاوريه السلام حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين بسرّ من رأى وحكى لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب ، فمرّ بي باعث الشوق إلى رؤياه وسألت تيسير لقياه والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط روايته وعزمت على الانتقال إلى سرّ من رأى للاجتماع فيه فاتّفق أنّ الشيخ زين الدين علي بن

٦٩

فاضل المازندراني انحدر من سر من رأى إلى الحلّة في أوائل شهر شوّال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته ويقيم على المشهد الغروي على مشرّفيه السلام ، فلمّا سمعت بدخوله إلى الحلّة وكنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فإذا أنا به وقد أقبل راكبا يريد دار السيّد الحسيب ذي النسب الرفيع والحسب المنيع السيّد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلّة أطال الله بقاءه ، ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور ولكن خلج في خاطري أنه هو ، فلمّا غاب عن عيني تبعته إلى دار السيّد المذكور ، فلمّا وصلت إلى باب الدار رأيت السيّد فخر الدين واقفا على باب داره مستبشرا ، فلمّا رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرّفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا وسرورا ولم أملك نفسي على الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت ، فدخلت الدار مع السيّد فخر الدين فسلّمت عليه وقبّلت يديه فسأل السيد عن حالي فقال له : هو الشيخ فضل ابن الشيخ يحيى الطيبي صديقكم فنهض واقفا وأقعدني في مجلسه ورحّب بي وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لأنّه كان عارفا بهما سابقا ولم أكن في تلك الأوقات حاضرا ، بل كنت في بلدة واسط أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمّده الله برحمته وحشره في زمرة أئمّته ، فتحادث مع الشيخ الصالح المذكور متّع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه أمارات تدلّ على الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث والعربية بأقسامها وطلبت منه شرح ما حدّث به الرجلان الفاضلان العاملان العالمان الشيخ شمس الدين والشيخ جلال الدين الحلّيان المذكوران سابقا عفى الله عنهما ، فقصّ لي القصّة من أوّلها إلى آخرها بحضور السيّد الجليل السيّد فخر الدين نزيل الحلّة صاحب الدار وحضور جماعة من علماء الحلّة والأطراف وقد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفّقه الله وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوّال سنة تسع وتسعين وستمائة وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه وربّما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظه تغيير لكن المعاني واحدة.

قال حفظه الله تعالى : قد كنت مقيما في دمشق الشام منذ سنين مشتغلا بطلب العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفّقه الله لنور هدايته في علمي الاصول والعربية وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنّه كان

٧٠

عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأصولين ، وكان ليّن الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته ، فكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول قال العلماء الإمامية بخلاف من المدرّسين فإنّهم يقولون عند ذكر الشيعة قال علماء الرافضة فاختصصت به وتركت التردّد إلى غيره فأقمنا على ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة فاتّفق أنّه عزم على السفر من دمشق الشام يريد الديار المصرية فلكثرة المحبّة التي كانت بيننا عزّ عليّ مفارقته وهو أيضا كذلك فآل الأمر إلى أنّه ـ هداه الله ـ صمّم العزم على صحبتي له إلى مصر وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي يقرءون عليه فصحبه أكثرهم ، فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا إلى مدينة من بلاد مصر معروفة بالقاهرة وهي أكبر من مدائن مصر كلّها فأقام بالمسجد الأزهر مدّة يدرس فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلّهم لزيارته وللانتفاع بعلومه ، فأقام في قاهرة مصر مدّة تسعة أشهر ونحن معه على أحسن حال وإذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه بمرض شديد قد عرض له وأنّه يتمنّى الاجتماع به قبل الممات ويحثّه فيه على عدم التأخير ، فرقّ الشيخ من كتاب أبيه وبكى وصمّم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس فعزم بعض التلامذة على صحبته ومن الجملة أنا لأنّه ـ هداه الله ـ قد كان أحبّني محبّة شديدة وحسن في المسير معه فسافرت إلى الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلى أوّل قرية من الجزائر المذكورة عرضتني حمى منعتني عن الحركة فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رقّ لي وبكى وقال : يعزّ عليّ مفارقتك ، فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم وأمره أن يتعاهدني حتّى يكون منّي أحد الأمرين وإن منّ الله بالعافية أتبعه إلى بلده ، هكذا عهد إليّ بذلك وفّقه الله لنور الهداية إلى طريق الحقّ المستقيم ، ثمّ مضى إلى بلد الأندلس ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيّام فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيّام لشدّة ما أصابني من الحمى ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريته من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة فسألت عن حالهم فقيل : إنّ هؤلاء يجيئون من جهة قريته من أرض البربر وهي قريبة من جزائر الرافضة ، فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم

٧١

فقيل : إنّ المسافة خمسة وعشرون يوما منها يومان بغير عمارة ولا ماء وبعد ذلك فالقرى متّصلة ، فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها ، فلمّا قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا أرضهم العامرة تمشيت راجلا وتنقلت على اختياري من قرية إلى اخرى إلى أن وصلت إلى أوّل تلك الأماكن فقيل لي : إنّ جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيّام فمضيت ولم أتأخّر فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة ولها أبراج محكمات شاهقات وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر ، فدخلت من باب كبيرة يقال لها باب البربر فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد فهديت عليه ودخلت إليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا على البحر من الجانب الغربي من البلد ، فجلست في جانب المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن بالظهر ونادى بحيّ على خير العمل ، ولمّا فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب الزمان (عج) فأخذتني العبرة بالبكاء ، فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد وأنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيت من وضوئهم المنقول عن أئمّة الهدى ، فلمّا فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهيّ الصورة ، عليه السكينة والوقار فتقدّم إلى المحراب وأقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه وصلّى بهم إماما وهم مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمّتنا على الوجه المرضي فرضا ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح ، ومن شدّة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في الطريق لم يمكن أن اصلّي معهم الظهر ، فلمّا فرغوا ورأوني أنكروا عليّ عدم اقتدائي بهم فتوجّهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي؟ وما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأنّي عراقي الأصل وأمّا مذهبي فإنّني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الأديان كلّها ولو كره المشركون فقالوا لي : لم تنفعك هاتان الشهادتان إلّا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الاخرى لتدخل الجنّة بغير حساب؟ فقلت لهم : وما تلك الشهادة الاخرى اهدوني إليها يرحمكم الله فقال لي إمامهم : الشهادة الثالثة هي أن تشهد أنّ أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغرّ المحجّلين علي بن أبي طالب والأئمّة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة ، قد أوجب الله طاعتهم على عباده وجعلهم أولياء أمره

٧٢

ونهيه وحججا على خلقه في أرضه وأمانا لبريته لأنّ الصادق الأمين محمدا رسول ربّ العالمين أخبرهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عزوجل له عليه‌السلام في ليلة معراجه إلى السماوات السبع وقد صار من ربّه كقاب قوسين أو أدنى وسمّاهم له واحدا بعد واحد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، فلمّا سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك وحصل عندي أكمل السرور وذهب عليّ تعب الطريق من الفرح وعرّفتهم أنّي على مذهبهم فتوجّهوا إليّ توجّه إشفاق وعيّنوا لي مكانا في زوايا المسجد وما زالوا يتعاهدوني بالعزّة والإكرام مدّة إقامتي عندهم ، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهارا فسألته عن ميرة (١) أهل بلده من أين تأتي إليهم فإنّي لا أرى لهم أرضا مزروعة ، فقال : تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر (عج) فقلت لهم : تأتيكم ميرتكم في السنة؟ فقال : مرّتين وقد أتت مرّة وبقي الاخرى فقلت : كم بقي حتّى تأتيكم؟ قال : أربعة أشهر ، فتأثّرت لطول المدّة ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا ونهارا بتعجيل مجيئها وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام ، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدّة فخرجت إلى شاطئ البحر أنظر إلى جهة المغرب التي ذكر أهل البلد أنّ ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة فرأيت شبحا من بعيد يتحرّك فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم : هل يكون في البحر طير أبيض فقالوا لي ، لا فهل رأيت شيئا؟ قلت : نعم ، فاستبشروا وقالوا : هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام ، فما كان إلّا قليل حتّى قدمت تلك المراكب وعلى قولهم إنّ مجيئها كان في غير الميعاد فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتّى كملت سبعا فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة بهيّ المنظر حسن الزي ودخل المسجد فتوضّأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمّة الهدى وصلّى الظهرين ، فلمّا فرغ من صلاته التفت نحوي مسلّما عليّ فرددت فقال : ما اسمك؟ وأظنّ أنّ اسمك علي؟ قلت : صدقت ، فحادثني باللين محادثة من يعرفني فقال : ما اسم أبيك ويوشك أن يكون فاضلا؟ قلت : نعم ، ولم أكن أشكّ في أنّه قد كان في صحبتنا من دمشق الشام إلى مصر فقلت : أيّها الشيخ ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق؟ فقال : لا ، قلت : ولا من مصر إلى

__________________

(١) الميرة : الطعام.

٧٣

الأندلس؟ قال : لا ومولاي صاحب العصر قلت له : ومن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟ قال : اعلم أنّه قد تقدّم إليّ وصفك وأصلك ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم أبيك ، وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء ، فسررت بذلك حيث قد ذكرت ، ولي عندهم اسم ، وكان من عادته أنّه لا يقيم عندهم إلّا ثلاثة أيّام فأقام اسبوعا وأوصل الميرة إلى أصحابها المقرّرة ، فلمّا أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرّر لهم عزم على السفر وحملني معه وسرنا في البحر ، فلمّا كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه ، فقال لي الشيخ واسمه محمد : ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟ فقلت له : إنّي أراه على غير لون ماء البحر ، فقال لي : هذا هو البحر الأبيض وتلك الجزيرة الخضراء وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى أنّ مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر عليه‌السلام ، فاستعملته وشربت منه فإذا هو كماء الفرات ، ثمّ إنّا لمّا قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء [فإذا هي] لا زالت عامرة آهلة ثمّ صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة ودخلنا البلد فرأيته محصّنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوّعة وفيها أسواق كثيرة وحمّامات عديدة وأكثر عماراتها برخام شفّاف وأهلها في أحسن الزيّ والبهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته ، ثمّ مضى بي رفيقي محمد ـ بعد ما استرحنا في منزله ـ إلى الجامع المعظّم فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر أن أصفه والناس يخاطبونه بالسيّد شمس الدين محمد العالم ويقرءون عليه في القرآن والفقه والعربية بأقسامها وأصول الدين والفقه الذي يقرءونه عن صاحب الأمر عليه‌السلام مسألة مسألة وقضية قضيّة وحكما حكما ، فلمّا مثلت بين يديه رحّب بي وأجلسني في القرب منه وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرّفني أنّه تقدّم إليه كلّ أحوالي وأنّ الشيخ محمد رفيقي إنّما جاء بي معه بأمر من السيّد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه ، ثمّ أمرني بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد وقال لي : هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة ، فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع فاسترحت فيه إلى وقت العصر وإذا أنا بالموكّل بي قد أتى إليّ وقال لي : لا تبرح من مكانك حتّى يأتيك السيّد وأصحابه لأجل العشاء معك فقلت :

٧٤

سمعا وطاعة ، فما كان إلّا قليل وإذا بالسيّد سلّمه الله قد أقبل ومعه أصحابه فجلسوا ومدّت المائدة فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيّد لأجل صلاة المغرب والعشاء ، فلمّا فرغنا من الصلاتين ذهب السيّد إلى منزله ورجعت إلى مكاني وأقمت على هذه الحال مدّة ثمانية عشر يوما ونحن في صحبته أطال الله بقاءه ، فأوّل جمعة صلّيتها معهم رأيت السيّد سلّمه الله صلّى الجمعة ركعتين فريضة واجبة فلمّا انقضت الصلاة قلت : يا سيدي قد رأيتكم صلّيتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة ، قال : نعم لأنّ شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت فقلت في نفسي ربّما كان الإمام حاضرا ثمّ في وقت آخر سألت منه في الخلوة هل كان الإمام عليه‌السلام حاضرا؟ فقال : لا ، ولكنّي أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه‌السلام فقلت : يا سيدي وهل رأيت الإمام عليه‌السلام؟

قال : لا ولكن حدّثني أبي رحمه‌الله أنّه سمع حديثه ولم ير شخصه وأنّ جدّي رحمه‌الله سمع حديثه ورأى شخصه فقلت له : ولم ذاك يا سيدي يختص بذلك رجل دون آخر؟ فقال لي : يا أخي إنّ الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده وذلك لحكمة بالغة وعظمة قاهرة ، كما أنّ الله اختص من عباده الأنبياء والمرسلين والأوصياء والمنتجبين وجعلهم أعلاما لخلقه وحججا على بريته ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة ولم يخل أرضه بغير حجّة على عباده للظفر بهم ، ولا بدّ لكلّ حجّة من سفير يبلّغ عنه ، ثمّ إنّ السيّد سلّمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم وجعل يسير معي نحو البساتين فرأيت فيها أنهارا جارية وبساتين كثيرة مشتملة على أنواع الفواكه عظيمة الحسن والحلاوة من العنب والرمّان والكمثرى وغيرها ما لم أرها في العراقين ولا في الشامات كلّها ، فبينما نحن نسير من بستان إلى آخر مرّ بنا رجل بهيّ الصورة مشتمل ببردتين من صوف أبيض فلمّا قرب منّا سلّم علينا وانصرف عنّا فأعجبتني هيئته فقلت للسيّد سلّمه الله : من هذا الرجل؟ قال لي : أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟ قلت : نعم قال : إنّ وسطه مكانا حسنا وفيه عين جارية تحت شجرة ذات أغصان كثيرة وعندها قبّة مبنية بالآجر وإنّ هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبّة وأنا أمضي إلى هناك في كلّ صباح جمعة وأزور الإمام عليه‌السلام منها وأصلّي ركعتين وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين فمهما تضمّنت الورقة أعمل به ، فينبغي لك أن تذهب إلى هناك وتزور الإمام عليه‌السلام من القبّة ، فذهبت إلى

٧٥

الجبل فرأيت القبّة على ما وصف لي ـ سلّمه الله ـ فوجدت هناك خادمين فرحّب بي الذي مرّ علينا وأنكرني الآخر فقال له : لا تنكره فإنّي رأيته في صحبة السيّد شمس الدين العالم فتوجّه إليّ ورحّب بي وحادثاني وأتياني بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبّة وتوضّأت وصلّيت ركعتين وسألت الخادمين عن رؤية الإمام عليه‌السلام فقالا لي : الرؤية غير ممكنة وليس معنا إذن في إخبار أحد فطلبت منهم الدعاء فدعوا لي وانصرفت عنهما ونزلت من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة ، فلمّا وصلت إليها ذهبت إلى دار السيّد شمس الدين العالم فقيل لي : إنّه خرج في حاجة له ، فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري إلى الجبل واجتماعي بالخادمين وإنكار الخادم عليّ فقال : ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيّد شمس الدين وأمثاله ، فلهذا وقع الإنكار منه لك فسألته عن أحوال السيّد شمس الدين أدام الله أفضاله فقال : إنّه من أولاد أولاد الإمام عليه‌السلام وإنّ بينه وبين الإمام خمسة آباء وإنّه النائب الخاص عن أمر صدر منه عليه‌السلام.

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرّفه السلام : واستأذنت السيّد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه وقراءة القرآن المجيد ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها فأجاب إلى ذلك وقال : إذا كان ولا بدّ من ذلك فابدأ أوّلا بقراءة القرآن العظيم ، فكان كلّما قرأت شيئا فيه خلاف بين القرّاء أقول له قرأ حمزة كذا وقرأ الكسائي كذا وقرأ عاصم كذا وأبو عمرو بن كثير كذا ، فقال السيّد سلّمه الله : نحن لا نعرف هؤلاء وإنّما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من المكة إلى المدينة وبعدها لمّا حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمّد أتل عليّ القرآن حتّى أعرّفك أوائل السور وأواخرها وشأن نزولها فاجتمع إليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام وولداه الحسن والحسين وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وحسّان بن ثابت وجماعة من الصحابة (رض) عن المنتجبين منهم فقرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن من أوّله إلى آخره فكان كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرئيل ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام يكتب ذاك في زوج من أدم فالجميع قراءة أمير المؤمنين عليه‌السلام ووصي رسول

٧٦

ربّ العالمين ، فقلت : يا سيدي أرى بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها وبما بعدها كأنّ فهمي القاصر لم يصل إلى غور ذلك ، فقال : نعم الأمر كما رأيته وذلك لما انتقل سيّد البشر محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دار الفناء إلى دار البقاء وفعل صنما قريش ما فعلاه من غصب الخلافة الظاهرية وجمع أمير المؤمنين عليه‌السلام القرآن كلّه ووضعه في إزار وأتى به إليهم وهم في المسجد فقال لهم : هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أعرضه إليكم لقيام الحجّة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى ، فقال له فرعون هذه الامّة ونمرودها : لسنا محتاجين إلى قرآنك ، فقال : لقد أخبرني حبيبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولك هذا وإنّما أردت بذلك إلقاء الحجّة عليكم ، فرجع أمير المؤمنين عليه‌السلام به إلى منزله وهو يقول : لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك لا رادّ لما سبق في علمك ولا مانع لما اقتضته حكمتك فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك ، فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين وقال لهم : كلّ من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها ، فجاءه أبو عبيدة بن الجرّاح وعثمان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وحسّان بن ثابت وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم بعد وفاة سيّد المرسلين ، فلهذا ترى الآيات غير مرتبطة والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام بخطّه محفوظ عند صاحب الأمر عليه‌السلام فيه كلّ شيء حتّى أرش الخدش ، وأمّا هذا القرآن فلا شكّ ولا شبهة وإنّما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر عليه‌السلام. قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل : ونقلت عن السيّد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة وهي عندي جمعتها في مجلّد وسمّيتها بالفوائد الشمسية ولا أطلع عليها إلّا الخاصّة من المؤمنين وستراه إن شاء الله ، فلمّا كانت الجمعة الثانية وهي الوسطى من جمع الشهر وفرغنا من الصلاة وجلس السيّد سلّمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين وإذا أنا أسمع هرجا ومرجا وجزلة عظيمة خارج المسجد ، فسألت من السيّد عمّا سمعته فقال لي : إنّ أمراء عسكرنا يركبون في كلّ جمعة من وسط كلّ شهر وينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي فخرجت لرؤيتهم فإذا هم جمع كثيرون يسبّحون الله ويحمدونه ويهلّلونه جلّ وعزّ ويدعون بالفرج للإمام القائم عليه‌السلام بأمر الله والناصح لدين الله (م ح م د) بن الحسن المهدي الخلف الصالح صاحب الزمان عليه‌السلام ثمّ عدت إلى مسجد السيّد

٧٧

سلّمه الله فقال : رأيت العسكر؟ فقلت : نعم ، قال : فهل عددت أمراءهم؟ قلت : لا ، قال : عدّتهم ثلاثمائة وبقي ثلاثة عشر ناصرا ويجعل الله لوليّه الفرج بمشيئته إنّه جواد كريم ، قلت : يا سيدي ومتى يكون الفرج؟ قال : يا أخي إنّما العلم عند الله والأمر متعلّق بمشيئته سبحانه وتعالى حتّى إنّه ربّما كان الإمام لا يعرف ذلك بل له علامات وأمارات تدلّ على خروجه ومن جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه ويتكلّم بلسان عربي مبين : قم يا وليّ الله على اسم الله فاقتل بي أعداء الله ، ومنها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلّهم ؛ الصوت الأوّل : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ، والصوت الثاني : ألا لعنة الله على القوم الظالمين لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والصوت الثالث : بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول : إنّ الله بعث صاحب الأمر م ح م د بن الحسن المهدي عليه‌السلام فاسمعوا له وأطيعوا. فقلت : يا سيدي قد روينا من مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر عليه‌السلام وأنّه قال لما أمر بالغيبة الكبرى : من رآني بعد غيبتي فقد كذب ، فكيف فيكم من يراه فقال : صدقت إنّه عليه‌السلام إنّما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العبّاس حتّى الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدّث بذكره ، وفي هذا الزمان تطاولت المدّة وأيس منه الأعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم وببركته لا يقدر أحد من الأعداء على الوصول إلينا ، قلت : يا سيدي قد روت علماء الشيعة حديثا عن الإمام أنّه عليه‌السلام أباح الخمس لشيعته فهل رويتم عنه ذلك؟ قال : نعم إنّه رخّص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي وقال : هم في حلّ من ذلك ، قلت : وهل رخّص للشيعة أن يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامّة؟ قال : نعم ومن سبي غيرهم لأنّه عليه‌السلام قال : عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم ، وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سمّيتها لك. وقال السيّد سلّمه الله : إنّه يخرج من مكّة بين الركن والمقام في سنة وتر فليرتقبها المؤمنون ، فقلت : يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج فقال لي : اعلم يا أخي تقدّم إليّ كلام بعودك إلى وطنك لا يمكنني وإيّاك المخالفة لأنّك ذو عيال وغبت عنهم مدّة طويلة ولا يجوز لك التخلّف عنهم أكثر من هذا فتأثّرت من ذلك وبكيت ، قلت : يا مولاي وهل تجوز المراجعة في أمري؟ قال : لا ، قلت : يا سيدي وهل تأذن لي أن أحكي كلّما قد رأيته وسمعته؟ قال : لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئنّ قلوبهم إلّا كيت وكيت وعيّن ما لا أقوله ، فقلت : يا سيدي ما يمكن النظر إلى جماله وبهائه؟ قال : لا ،

٧٨

ولكن اعلم يا أخي أنّ كلّ مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه فقلت : يا سيدي أنا من جملة العبيد المخلصين ولا رأيته فقال لي : بل رأيته مرّتين ، منها : لما أتيت إلى سر من رأى وهي أوّل مرّة جئتها وسبقك أصحابك وتخلّفت عنهم حتّى وصلت إلى نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس على فرس شهباء وبيده رمح طويل وله سنان دمشقي ، فلمّا رأيته خفت على ثيابك فلمّا وصل إليك قال لك لا تخف اذهب إلى أصحابك فإنّهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة. فأذكرني والله ما كان ، فقلت قد كان ذلك يا سيدي ، قال : والمرة الاخرى حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخك الأندلسي وانقطعت عن القافلة وخفت خوفا شديدا فعارضك فارس على فرس غرّاء محجّلة ، بيده رمح أيضا وقال لك : سر ولا تخف إلى قرية على يمينك ونم عند أهلها الليلة وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ولا تتّق منهم فإنّهم مع قرى عديدة جنوبيّ دمشق مؤمنون مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمّة المعصومين من ذريته ، أكان ذلك يا بن فاضل؟ قلت : نعم ، وذهبت إلى عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزّوني وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي من غير تقيّة منّي : نحن على مذهب أمير المؤمنين ووصيّ رسول ربّ العالمين علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة المعصومين من ذريّته ، فقلت لهم : من أين لكم هذا المذهب ومن أوصله إليكم؟

قالوا : أبو ذر الغفاري رحمه‌الله حين نفاه عثمان إلى الشام ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمّتنا بركته ، فلمّا أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة فجهّزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرّحت لهم بمذهبي ، فقلت له : يا سيدي هل يحجّ الإمام في كلّ مدّة بعد مدّة؟ قال لي : يا ابن فاضل الدنيا خطوة مؤمن ، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلّا بوجوده ووجود آبائه ، نعم يحجّ في كلّ عام ويزور آباءه في المدينة والعراق والطوس على مشرّفها السلام ويرجع إلى أرضنا هذه ، ثمّ إنّ السيّد شمس الدين حثّ عليّ بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب ، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله ، وأعطاني السيّد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة ، ثمّ إنّه ـ سلّمه الله ـ وجّهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أوّل ما دخلتها من أرض البربر وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين دينارا ذهبا من معاملة بلاد المغرب ، ولم أجعل طريقي على الأندلس

٧٩

امتثالا لأمر السيّد شمس الدين أطال الله بقاءه ، وسافرت منها مع الغربي إلى مكّة شرّفها الله تعالى وحججت وجئت إلى العراق وأريد المجاورة في الغري على مشرفيه السلام حتّى الممات.

قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني : ولم أر لعلماء الإمامية ذكرا سوى خمسة : السيّد مرتضى الموسوي والشيخ أبي جعفر الطوسي ومحمد بن يعقوب الكليني وابن بابويه والشيخ أبي القاسم جعفر بن سعيد الحلّي.

هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح النقي والفاضل الزكي علي بن فاضل المذكور أدام الله إفضاله وأكثر من علماء الدهر وأتقيائه أمثاله والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلّى الله على خير خلقه سيّد البرية محمّد وعلى آله الطاهرين المعصومين وسلّم تسليما كثيرا كثيرا (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٥٢ / ١٥٩ ـ ١٧٤ باب ٢٤.

٨٠