علم المعاني

الدكتور عبدالعزيز عتيق

علم المعاني

المؤلف:

الدكتور عبدالعزيز عتيق


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ١
ISBN: 978-9953-537-68-9
الصفحات: ٢٠٨

٨ ـ التذييل : وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها توكيدا ، وهو ضربان :

أ ـ جار مجرى المثل إن استقل معناه واستغني في فهمه عما قبله.

ب ـ غير جار مجرى المثل إن لم يستقل معناه ولم يستغن في فهمه عما قبله.

* * *

٢٠١

المساواة

المساواة هي إحدى الطرق الثلاث التي يلجأ إليها البليغ للتعبير عن كل ما يجول بنفسه من خواطر وأفكار. فالبليغ على حسب مقتضيات الأحوال والمقامات قد يسلك في أداء معانيه تارة طريق الإيجاز ، وتارة طريق الإطناب ، وتارة طريقا وسطا بين بين ، هو طريق المساواة.

وإذا كان الإيجاز هو التعبير عن المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح ، وإذا كان الإطناب هو زيادة اللفظ على المعنى لفائدة ، فإن المساواة هي أن تكون المعاني بقدر الألفاظ والألفاظ بقدر المعاني ، لا يزيد بعضها على بعض.

فالمساواة ، كما يقول أبو هلال العسكري ، هي المذهب المتوسط بين الإيجاز والإطناب ، وإليه أشار القائل بقوله : كأن ألفاظه قوالب لمعانيه ؛ أي لا يزيد بعضها على بعض (١).

وقد عدّها ابن الأثير قسيم إيجاز القصر ، وسماها «الإيجاز بالتقدير» ، وعرفه بأنه الإيجاز الذي يمكن التعبير عن معناه بمثل ألفاظه وفي عدتها ، أو هو ما ساوى لفظه معناه (٢).

ولكي نتبين حقيقة «المساواة» التي هي طريق وسط في التعبير بين

__________________

(١) كتاب الصناعتين ص ١٧٩.

(٢) المثل السائر ص ٢١٢.

٢٠٢

الإيجاز والإطناب نورد فيما يلي بعض أمثلة لها ثم نعقب عليها.

١ ـ قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

٢ ـ وقال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ.)

٣ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات».

٤ ـ وقال شاعر :

أهابك إجلالا وما بك قدرة

عليّ ، ولكن ملء عين حبيبها

وما هجرتك النفس أنك عندها

قليل ، ولكن قل منك نصيبها

فإذا تأملنا هذه الأمثلة وجدنا الألفاظ فيها بقدر المعاني ، وأننا لو حاولنا أن نزيد فيها لفظا لجاءت الزيادة لغير فائدة ، أو أردنا إسقاط لفظ لكان ذلك إخلالا بالمعنى. فالألفاظ في كل مثال مساوية للمعاني ، ولذلك يسمى أداء الكلام بهذه الطريقة «مساواة».

وفيما يلي طائفة منوعة من الأمثلة على «المساواة» تزيد في جلاء أمرها وتوضيح حقيقتها.

* * *

١ ـ قال تعالى : (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ ،) فقوله : (فَلَهُ ما سَلَفَ) من جوامع الكلم ، ومعناه أن خطاياه الماضية غفرت له وتاب الله عليه فيها ، إلا أن قوله (فَلَهُ ما سَلَفَ) أبلغ ، أي أن السالف من ذنوبه لا يكون عليه إنما هو له.

٢ ـ وقال تعالى : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ، فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) كلمة جامعة تغني عن ذكر ضروب من العذاب ، لأن من أحاط به كفره فقد أحاطت به كل خطيئة.

٣ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال أمتي بخير ما لم تر الأمانة مغنما

٢٠٣

والزكاة مغرما». فالألفاظ هنا مساوية للمعاني تمام المساواة ، وكل زيادة أو نقص في ألفاظ الحديث إخلال بالمعنى.

٤ ـ ومن حديث مطول يتضمن سؤال جبريل عن الإحسان قوله : «ما الإحسان؟ قال أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

فقوله : «تعبد الله كأنك تراه» من جوامع الكلم أيضا ، لأنه ينوب مناب كلام كثير ، كأنه قال : تعبد الله مخلصا في نيتك ، واقفا عند أدب الطاعة من الخضوع والخشوع ، آخذا أهبة الحذر وأشباه ذلك ، لأن العبد إذا خدم مولاه ناظرا إليه استقصى في آداب الخدمة بكل ما يجد إليه السبيل وما ينتهي إليه الطوق.

٥ ـ ومن أمثلة المساواة شعرا قول النابغة الذبياني :

وإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

٦ ـ وقول الأعشى في اعتذاره إلى أوس بن لأم عن هجائه إياه :

وإني على ما كان مني لنادم

وإني إلى أوس بن لأم لتائب

وإني إلى أوس ليقبل عذرتي

ويصفح عني ما حييت لراغب

فهب لي حياتي فالحياة لقائم

بشكرك فيها خير ما أنت واهب

سأمحو بمدحي فيك إذ أنا صادق

كتاب هجاء سار إذ أنا كاذب

٧ ـ ومن المساواة هذه الأبيات المشهورة :

ولما قضينا من منى كل حاجة

ومسّح بالأركان من هو ماسح

وشدّت على دهم المطايا رحالنا

ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح

٨ ـ ومن هذا الضرب أيضا أبيات أبي نواس التالية في وصف آثار مجلس شراب والتي قال فيها الجاحظ : «لا أعرف شعرا يفضل هذه الأبيات» :

ودار ندامى عطلوها وأدلجوا

بها أثر منهم : جديد ودارس

٢٠٤

مساحب من جرّ الزقاق على الثرى

وأضغاث ريحان جنيّ ويابس

حبست بها صحبي فجددت عهدهم

وإني على أمثال هذا لحابس

تدار علينا الراح في عسجدية

حبتها بأنواع التصاوير فارس

قرارتها كسرى وفي جنباتها

مها تدريها بالقسي الفوارس (١)

فللراح ما زرت عليه جيوبهم

وللماء ما دارت عليه القلانس

__________________

(١) المها : الظباء والغزلان وبقر الوحش ، والقسي : جمع مفرده القوس التي يرمى عنها ، والفوارس تدري المها بالقسي : أي يختلونها ويحتالون لصيدها. وفي البيتين الأخيرين يصف أبو نواس كئوس شراب منقوشة بالصور ، في قرارتها صورة كسرى ، وفي جنباتها منظر صيد يطارد فيه الفوارس بقسيهم الظباء والغزلان ويحتالون لصيدها.

وفي البيت الأخير يريد أبو نواس أن يقول : إن حد الخمر من صور الفوارس المنقوشة على جنبات الكئوس تصل إلى ما زرت عليه جيوبهم ، أي إلى التراقي والنحور ، ثم زيد الماء فيها مزاجا فارتفع الشراب فيها وانتهى إلى ما دارت عليه القلانس ، أي إلى ما فوق الرؤوس. وهكذا بهذا التعبير الرمزي يرينا الشاعر حد الراح أو الخمر صرفا من حدها ممزوجة في هذه الكئوس.

٢٠٥
٢٠٦

المحتويات

مقدمة.......................................................................... ٥

الفصل الأول : بين البلاغة والفصاحة.............................................. ٧

الفصل الثاني : علم المعاني ـ نشأته وتطوره.......................................... ٢٥

الفصل الثالث : علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام.................................. ٣٥

المبحث الأول : الكلام بين الخبر والإنشاء......................................... ٤٢

الخبر.......................................................................... ٤٢

ركنا الجملة..................................................................... ٤٨

أغراض الخبر................................................................... ٥٠

أضرب الخبر................................................................... ٥٢

مؤكدات الخبر.................................................................. ٥٥

خروج الخبر عن مقتضى الظاهر.................................................. ٦٠

أغراض الخبر البلاغية............................................................ ٦٣

الإنشاء....................................................................... ٦٩

أقسام الإنشاء.................................................................. ٧٠

الإنشاء الطلبي................................................................. ٧٤

أولا ـ الأمر..................................................................... ٧٥

خروج الأمر عن معناه الأصلي.................................................... ٧٧

ثانيا ـ النهي.................................................................... ٨٣

٢٠٧

خروج النهي عن معناه الحقيقي................................................... ٨٤

ثالثا ـ الاستفهام................................................................ ٨٨

المعاني التي تستفاد من الاستفهام بالقرائن........................................... ٩٥

رابعا ـ التمني.................................................................. ١١١

خامسا ـ النداء................................................................ ١١٤

المبحث الثاني : الجملة......................................................... ١١٩

أجزاء الجملة.................................................................. ١١٩

أحوال المسند والمسند إليه...................................................... ١٢٢

الحذف...................................................................... ١٢٢

الذكر....................................................................... ١٣٢

التقديم والتأخير............................................................... ١٣٦

القصر وأدواته................................................................ ١٤٦

أقسام القصر................................................................. ١٥٢

القصر باعتبار طرفيه.......................................................... ١٥٦

القصر باعتبار حال المخاطب................................................... ١٥٨

الفصل والوصل............................................................... ١٦٠

مواضع الفصل................................................................ ١٦١

مواضع الوصل................................................................ ١٦٧

محسنات الوصل وعيوبه........................................................ ١٧١

الإيجاز والإطناب والمساواة...................................................... ١٧٣

الإيجاز...................................................................... ١٧٣

الإطناب..................................................................... ١٨٦

المساواة...................................................................... ٢٠٢

٢٠٨