علم البديع

الدكتور عبدالعزيز عتيق

علم البديع

المؤلف:

الدكتور عبدالعزيز عتيق


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٨

ومنها قول أبي تمام :

مها الوحش إلا أن هاتا أوانس

قنا الخط إلا أن تلك ذوابل (١)

فالموازنة تامة بين كل لفظة وما يقابلها في المصراعين ما عدا لفظتي «هاتا وتلك».

ومنها قول أبي تمام أيضا ، والموازنة تامة بين جميع ألفاظ الشطر الأول وما يقابلها من ألفاظ الشطر الثاني :

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا

ومن أمثلة الموازنة كذلك قول الشاعر :

صفوح صبور كريم رزين

إذا ما العقول بدا طيشها

ففي الشطر الأول من البيت هنا موازنتان : الأولى «صفوح صبور» والثانية «كريم رزين» وقد تساوى اللفظان في كل موازنة وزنا واختلفا تقفية.

التشريع

التشريع ، ويسمى التوشيح والتوأم ، هو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند الوقوف على كل منهما.

وتفصيل ذلك أن يبني الشاعر أبيات قصيدته على وزنين من أوزان الشعر وقافيتين. فإذا وقف من البيت على القافية الأولى كان شعرا مستقيما من وزن على عروض ، وإذا أضاف إلى ذلك ما بني عليه شعره من القافية

__________________

(١) المها : جمع مهاة وهي هنا البقرة الوحشية ، والخط ، موضع تنسب إليه الرماح المستقيمة. والشاعر يصف هنا الأوانس أو النساء بسعة العيون وطول القدود.

٢٤١

الأخرى كان أيضا شعرا مستقيما من وزن آخر على عروض ، وصار ما يضاف إلى القافية الأولى للبيت كالوشاح.

والتشريع لا يكاد يستعمل في الكلام المنثور المسجوع إلا قليلا وليس من الحسن في شيء! واستعماله في الشعر أحسن منه في الكلام المنثور. ومن أمثلته شعرا قول بعضهم :

أسلم ودمت على الحوادث مارسا

ركنا ثبير أو هضاب حراء

ونل المراد ممكنا منه على

رغم الدهور وفز بطول بقاء

فهذان البيتان من وزن «الكامل» التام المؤلف من «متفاعلن» مكررة ست مرات وقافيتهما الهمزة. فإذا أسقطنا من كل بيت تفعيلتين فإن البيتين ينتقلان إلى مجزوء الكامل ويصيران :

أسلم ودمت على الحوا

دث مارسا ركنا ثبير (١)

ونل المراد ممكنا

منه على رغم الدهور

وقد استعمل ذلك الحريري في قصيدة كاملة معروفة في مقاماته منها :

يا خاطب الدنيا الدنيّة إنها

شرك الردى وقرارة الأكدار

دار متى ما أضحكت في يومها

أبكت غدا بعدا لها من دار

فالقصيدة التي منها هذان البيتان من وزن الكامل التام أيضا والقافية الراء ، فإذا أسقطنا هنا تفعيلتين صار البيتان من مجزوء الكامل والقافية الدال هكذا :

__________________

(١) ثبير : الجبل المعروف عند مكة ، وحراء : جبل بمكة فيه غار ، وكان الرسول قبل أن يوحى إليه يأتيه ويخلو بغاره فيتحنث فيه ، أي يتعبد لله.

٢٤٢

يا خاطب الدنيا الدنيّ

ة إنها شرك الردى

دار متى ما أضحكت

في يومها أبكت غدا

وقد ظهر «التشريع» قبل كلام الحريري في كلام العرب المتقدمين ، من نحو القائل :

وإذا الرياح مع العشي تناوحت

هوج الرمال بكثبهن شمالا

ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا

قبل القتال ونقتل الأبطالا (١)

فالبيتان من وزن الكامل التام كذلك والقافية اللام ، وبإسقاط تفعيلتين ينتقل البيتان إلى وزن آخر هو مجزوء الكامل وإلى قافية أخرى هي اللام أيضا هكذا :

وإذا الرياح مع العشي

تناوحت هوج الرمال

ألفيتنا نقري العبي

ط لضيفنا قبل القتال

ولا شك أن هذا النوع لا يأتي إلا بتكلف زائد وتعسف ، وحسنه منوط بما فيه من الصناعة لا بما فيه من البلاغة والبراعة. ومن ثم لا يحسن إلا إذا كان يسيرا ؛ كالرقم في الثوب أو الشية في الجلد كما يقول ابن الأثير.

وأوسع البحور في هذا النوع «الرجز» الذي يتألف من «مستفعلن» ست مرات ، فإنه قد وقع مستعملا «تاما» و «مجزوءا» و «مشطورا» و «منهوكا» ، فيمكن أن يعمل للبيت منه أربع قواف.

__________________

(١) العبيط : الذبح ، ويقال : اعتبط الإبل والغنم إذا ذبحها لغير داء ، ونقري العبيط لضيفنا : أي نحسن إلى ضيفنا ونقدم له من طعامنا خير ما نذبح من إبلنا أو غنمنا المبرأة من الأدواء.

٢٤٣

ولعل في النموذج التالي من شعر محمد بن جابر الضرير الأندلسي ما يوضح ذلك. قال :

يرنو بطرف فاتر مهما رنا

فهو المنى لا أنتهي عن حبه

يهفو بغصن ناضر حلو الجنى

يشفي الضنى لا صبر لي عن قربه

لو كان يوما زائري زال العنا

يحلو لنا في الحب أن نسمى به

فهذه الأبيات من الرجز التام ، فإذا تركناها على حالها فهي من الرجز التام والقافية الباء ، وإذا أسقطنا منها تفعيلتين من آخر كل بيت صارت من الرجز المجزوء والقافية النون هكذا :

يرنو بطرف فاتر

مهما رنا فهو المنى

يهفو بغصن ناضر

حلو الجنى يشفي الضنى

لو كان يوما زائري

زال العنا يحلو لنا

وإذا أسقطنا تفعيلة من آخر كل بيت من مجزوء الرجز هذا صارت الأبيات من مشطور الرجز والقافية النون أيضا هكذا :

يرنو بطرف فاتر مهما رنا

يهفو بغصن ناضر حلو الجنى

لو كان يوما زائري زال العنا

وإذا عدنا فأسقطنا تفعيلة من هذا المشطور صارت الأبيات من منهوك الرجز والقافية الراء هكذا :

يرنو بطرف فاتر

يهفو بغصن ناضر

لو كان يوما زائري

٢٤٤

ولعلنا لاحظنا من كل ما سبق أن التشريع كنوع من البديع اللفظي إذا أسرف الشاعر منه في القصيدة الواحدة أسقطها وأحالها إلى نوع من الصناعة الباردة الغثة ، وأن أحسنه ما جاء فيها قليلا عفو الخاطر.

٢٤٥
٢٤٦

فهرس

مقدمة....................................................................... ٥

نشأة البديع وتطوره............................................................ ٧

فنون علم البديع............................................................. ٧٥

المحسنات البديعية المعنوية :

المطابقة..................................................................... ٧٦

المقابلة...................................................................... ٨٤

المبالغة...................................................................... ٩١

الإغراق................................................................... ١٠٠

الغلو..................................................................... ١٠٥

الايغال................................................................... ١١٢

التتميم.................................................................... ١١٧

التورية.................................................................... ١٢٢

٢٤٧

التقسيم................................................................... ١٣٤

الالتفات.................................................................. ١٤٢

الجمع..................................................................... ١٥٥

التفريق.................................................................... ١٥٦

الجمع مع التقسيم.......................................................... ١٥٨

الجمع مع التفريق........................................................... ١٦٠

الجمع مع التفريق والتقسيم................................................... ١٦٢

تأكيد المدح بما يشبه الذم................................................... ١٦٤

تأكيد الذم بما يشبه المدح................................................... ١٧٠

المذهب الكلامي........................................................... ١٧٠

اللف والنشر.............................................................. ١٧٥

مراعاة النظير............................................................... ١٧٩

أسلوب الحكيم............................................................ ١٨٢

التجريد................................................................... ١٨٩

المحسنات البديعية اللفظية :

الجناس.................................................................... ١٩٥

السجع................................................................... ٢١٥

رد العجز على الصدر...................................................... ٢٢٤

لزوم ما لا يلزم............................................................. ٢٣٢

الموازنة.................................................................... ٢٣٩

التشريع................................................................... ٢٤١

٢٤٨