دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: ٣٠٧

عليه آثار الوضع والبطلان؟! » (١).

« ثمّ جاء ابن المطهّر الأعرابي ، البوّال على عقبيه ، ويضع لهم المطاعن ، قاتله الله من رجل سوء بطّاط » (٢).

« إنّ هذا الرجل السوء يذكر لمثل هذا الرجل [ يعني أبا بكر ] المطاعن ، لعن الله كلّ مخالف طاعن ، وكنت حين بلغت باب المطاعن أردت أن أطوي عنه كشحا ، ولا أذكر منه شيئا ، لأنّها تؤلم خاطر المؤمن ويفرح بها المنافق الفاسد الدين ، لأنّ من المعلوم أنّ هذا الدين قام في خلافة هؤلاء الخلفاء الراشدين ، ولمّا سمع المنافق أنّ هؤلاء مطعونون فرح بأنّ الدين المحمّدي لا اعتداد به ، لأنّ هؤلاء المطعونين ـ حاشاهم ـ كانوا مؤسّسي هذا الدين ، وهذا ثلمة عظيمة في الإسلام ، وتقوية كاملة للكفر أقدم به الروافض لا أفلحوا ... » (٣).

« ثمّ جاء البوّال الذي استوى قوله وبوله ، فيجعله [ أي : عثمان ] كالكفّار ، ولا يقبل دفنه مع المسلمين ، أفّ له وتفّ ، والصفع على رقبته بكلّ كفّ » (٤).

ثانيا ـ التعاطف مع بني أميّة ومناوئي أمير المؤمنين :

والفضل وإن كان يتظاهر في كتابه بحبّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم‌السلام ، ويعترف ببعض مناقبهم وفضائلهم ، لكنّه يحاول الدفاع عن

__________________

(١) دلائل الصدق ٢ / ٥٨٩.

(٢) دلائل الصدق ٢ / ٥٩٣.

(٣) دلائل الصدق ٢ / ٥٩٤.

(٤) دلائل الصدق ٣ / ٣١٦.

٦١

خصومهم وتبرئة مناوئيهم عن المثالب ، وتبرير أو تهوين ما صدر عنهم تجاه النبيّ وأهل بيته الأطهار ، ولا بأس بإيراد طرف من نصوص عباراته في ذلك :

١ ـ عائشة :

فمثلا نجده يقول عن خروج عائشة ضدّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تقود الجيوش لحربه في البصرة ، ما هذا لفظه :

« إنّها خرجت محتسبة ، لأنّ قتلة عثمان قتلوا الإمام وهتكوا حرمة الإسلام ، فخرجت تريد الاحتساب وأخطأت في هذا الخروج مع الاجتهاد ، فيكون الحقّ مع عليّ ، وهي لم تكن عاصية ، للاجتهاد ... بل ذكر أرباب الأخبار أنّ بعد الفراغ من وقعة الجمل ، دخل عليّ على عائشة ، فقالت عائشة : ما كان بيني وبينك إلّا ما يكون بين المرأة وأحمائها! فقال أمير المؤمنين : والله ما كان إلّا هذا. وهذا يدلّ على نفي العداوة ... » (١).

فاقرأ واحكم في دين هذا الرجل وعقله بما يقتضيه العلم بالقرآن والأحكام الشرعية ومجريات الأمور.

٢ ـ أمراء بني أميّة :

ويقول عن الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وأمثالهم ، ما نصّه :

« معظم ما يطعنون على عثمان هو تولية بني أميّة على الممالك ،

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٦١٤ ـ ٦١٥.

٦٢

وذلك لأنّه رأى أمراء بني أميّة أولي رشد ونجابة وعلم بالسياسات ... وكان بنو أميّة على هذه النعوت » (١).

٣ ـ معاوية :

قال العلّامة تحت عنوان « مطاعن معاوية » : « وقد روى الجمهور منها أشياء كثيرة ، وهي أكثر من أن تحصى ، منها : ما روى الحميدي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ويح عمّار! تقتله الفئة الباغية بصفّين ، يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار (٢) ؛ فقتله معاوية ؛ ولمّا سمع معاوية اعتذر فقال : قتله من جاء به. فقال ابن عبّاس : فقد قتل رسول الله حمزة لأنّه جاء به إلى الكفّار! » (٣).

فقال الفضل : « قول أهل السنّة والجماعة في معاوية : إنّه رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وصحبته ثابتة ، لا ينكره الموافق والمخالف ، وكان كاتب وحي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم.

وبعد أن توفّي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ... ولّاه عمر في إمارة الشام ... ثمّ ولّاه عثمان الشام وأضافه ما فتحه من بلاد الروم ، وكان على ولايتها مدّة خلافة عثمان بن عفّان. ثمّ لمّا تولّى الخلافة أمير المؤمنين عليّ عزله من إمارة الشام ...

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٢٤٤.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٢ / ٤٦١ ح ١٧٩٤ ، وانظر : صحيح البخاري ١ / ١٩٤ ح ١٠٧.

(٣) نهج الحقّ : ٣٠٦ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٣٥١.

٦٣

ومذهب أهل السنّة والجماعة : إنّ الإمام الحقّ بعد عثمان كان عليّ ابن أبي طالب ، ولا نزاع لأحد من أهل السنّة في هذا ، وإنّ كلّ من خرج على عليّ كانوا بغاة ، على الباطل ، ولكن كانوا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، ينبغي أن يحفظ اللسان عنهم ، ويكفّ عن ذكرهم وما جرى بين الصحابة ، لأنّه يورث الشحناء ويثير البغضاء ، ولا فائدة في ذكره.

وأمّا ما ذكره من مطاعن معاوية فلا اهتمام لنا أصلا بالذبّ عنه ، فإنّه لم يكن من الخلفاء الراشدين حتّى يكون الذبّ عنه موجبا لإقامة سنّة الخلفاء وذبّ الطعن عن حريمهم ، ليقتدوا بهم الناس ، ولا يشكّوا في كونهم الأئمّة ، لأنّ معظم الإسلام منوط بآرائهم ، فإنّهم كانوا خلفاء النبوّة ووارثي العلم والولاية.

وأمّا معاوية فإنّه كان من ملوك الإسلام ، والملوك في أعمالهم لا يخلون عن المطاعن ، ولكن كفّ اللسان عنهم أولى ، لأنّ ذكر مطاعنه لا تتعلّق به فائدة ما أصلا ... وقد قال رسول الله : لا تذكروا موتاكم إلّا بالخير ... » (١).

أقول :

في هذا الكلام ، ينصّ الفضل على عدم اهتمامهم بالذبّ عن معاوية ، لكنّ أبناء تيميّة وحجر وكثير والعربي وأمثالهم يهتمّون الاهتمام البالغ بالذبّ عنه ، ولو سلّمنا صدق الفضل ـ ولو في حقّ نفسه في الأقلّ ـ

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٣٥١ ـ ٣٥٣.

٦٤

في عدم الاهتمام بالذبّ عن معاوية والجواب عن مطاعنه ، فقد وجدنا في كلامه المذكور :

١ ـ يصف معاوية ب‍ « كاتب وحي رسول الله » ، وهو ما يزعمه أولياؤه له ، وهو ممّا لا أساس له من الصحّة ، ولا نصيب له من الحقيقة ..

٢ ـ يدعو إلى الكفّ وحفظ اللسان عنه ، بل يرى أولوية ذكره بالخير ، ولذا قال ـ في جواب رواية العلّامة « إنّ معاوية قتل أربعين ألفا من المهاجرين والأنصار وأولادهم .. » (١) ، وروايته دخول أروى بنت الحارث ابن عبد المطّلب على معاوية وقولها له : « لقد كفرت النعمة ، وأسأت لابن عمّك الصحبة ، وتسمّيت بغير اسمك ، وأخذت غير حقّك ... » (٢) ـ : « إنّ هذه الحكايات والأخبار التي لم تصحّ بها رواية ، ولم يقم بصحّتها برهان ، ترك ذكرها أولى وأليق ، سيّما أنّها متضمّنة لنشر الفواحش وعظام هذه الجماعة رميمة ، ولم يبق لهم آثار ... » (٣).

٣ ـ ويقول بأنّه رجل من الصحابة وصحبته ثابتة ، مشيرا إلى ما كرّره في كتابه من وجوب تعظيم الصحابة كلّهم! ومن ذلك قوله : « مذهب عامّة العلماء أنّه يجب تعظيم الصحابة كلّهم ، والكفّ عن القدح فيهم ، لأنّ الله عظّمهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه ... والرسول قد أحبّهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة ... ثمّ إن من تأمّل سيرتهم ، ووقف على مآثرهم وجدّهم في نصرة الدين ، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، لم يتخالجه شكّ في عظم شأنهم ، وبراءتهم

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٣٩٣.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٣) دلائل الصدق ٣ / ٣٩٥.

٦٥

عمّا نسب إليهم المبطلون من المطاعن ، ومنعه ذلك عن الطعن فيهم ، ورأى ذلك مجانبا للإيمان » (١).

أقول :

لكنّ المنصف إذا تأمّل في هذه الكلمات ومناقشاته في استدلالات العلّامة ، حصل له الشكّ والتردّد في صدق الفضل في مقاله بأن لا اهتمام له بالذبّ عن معاوية ، لا سيّما بالنظر إلى قوله بالنسبة إلى الأخبار والحكايات التي استدلّ بها العلّامة : « لم تصحّ بها رواية ، ولم يقم بصحّتها برهان » ..

بل قوله في قضيّة سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « أمّا سبّ أمير المؤمنين ـ نعوذ بالله من هذا ـ فلم يثبت عند أرباب الثقة ، وبالغ العلماء في إنكار وقوعه ، حتّى إنّ المغاربة وضعوا كتبا ورسائل ، وبالغوا فيه كمال المبالغة ... » (٢) يدلّ بوضوح على كونه في مقام الدفاع عن معاوية بكلّ اهتمام! وذلك لوجود أخبار سبّ معاوية لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحثّ الناس على ذلك ، في كثير من الكتب المعتمدة عند القوم ، حتّى في الصحاح! ..

أخرج مسلم في صحيحه : « أمر معاوية سعدا فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟! فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فلن أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول له ـ وقد

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ٣٨٥.

٦٦

خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول الله! خلّفتني مع النساء والصبيان؟! فقال له رسول الله ـ : أما ترضى ... وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية ... ولمّا نزلت : هذه الآية ( تَعالَوْا ... )(١) ... » (٢).

فهذا الحديث في كتاب التزموا بصحّة رواياته ، ودلالته واضحة.

هذا ، ولفظاعة صنع معاوية ، ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من سبّ عليّا فقد سبّني » (٣) .. ومن سبّ رسول الله فهو كافر بالإجماع ، ولأنّ ثبوت كفر معاوية بهذا وغيره يؤدّي إلى الطعن في من نصبه وفي من سبقه ، تحيّر القوم واضطربوا!! ..

أمّا تكذيب الخبر ـ كما فعل الفضل ـ فمردود بأنّه في الصحيح ..

وأمّا الالتزام به لصحّته فيترتّب عليه ما ذكرناه ، وهو هادم لأساس مذهبهم ، فكأنّهم لم يجدوا بدّا من التلاعب في متن الحديث :

فرواه بعضهم بلفظ : « قدم معاوية في بعض حجّاته ، فدخل على سعد ، فذكروا عليّا ، فنال منه ، فغضب سعد ... » (٤).

ثمّ جاء ابن كثير فأسقط جملة : « فنال منه ، فغضب سعد » (٥).

ورواه أحمد في المناقب باللفظ التالي : « ذكر عليّ عند رجل وعنده سعد بن أبي وقّاص ، فقال له سعد : أتذكر عليّا؟! ... » (٦).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٢٠.

(٣) أخرجه الحاكم وصحّحه ، وأقرّه الذهبي في التلخيص ؛ انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٠ ح ٤٦١٥.

(٤) سنن ابن ماجة ١ / ٤٥ ح ١٢١ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٦ ح ١٥.

(٥) البداية والنهاية ٨ / ٦٣.

(٦) فضائل الصحابة ٢ / ٧٩٧ ح ١٠٩٣.

٦٧

ورواه النسائي في الخصائص بلفظ آخر ، هو : « عن سعد ، قال : كنت جالسا فتنقّصوا عليّ بن أبي طالب ، فقلت : لقد سمعت رسول الله ... » (١).

وأبو نعيم الأصفهاني أراح نفسه من المشكلة ، فأسقط القصّة من أصلها! فلم يذكر إلّا : « عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : قال رسول الله في عليّ ثلاث خلال ... » (٢).

٤ ـ عبد الله بن الزبير :

ومن ذا الذي يشكّ في عداء عبد الله بن الزبير لأمير المؤمنين عليه‌السلام؟! ومع ذلك يعدّه الفضل في الخلفاء الراشدين بزعمه! فيقول في معنى حديث الاثني عشر خليفة : « ثمّ ما ذكر من عدد اثني عشر خليفة ، فقد اختلف العلماء في معناه ، فقال بعضهم : هم الخلفاء بعد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وكان اثنا عشر منهم ولاة الأمر إلى ثلاثمائة سنة ، وبعدها وقعت الفتن والحوادث ، فيكون المعنى أنّ أمر الدين عزيز في مدّة خلافة اثني عشر ، كلّهم من قريش.

وقال بعضهم : إنّ عدد الصلحاء الخلفاء من قريش اثنا عشر ، وهم : الخلفاء الراشدون ، وهم خمسة ، وعبد الله بن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، وخمسة أخر من خلفاء بني العبّاس. فيكون هذا إشارة إلى الصلحاء من الخلفاء القرشية » (٣).

وإذا كان من « الخلفاء الراشدين » فما هو الأصل في أعمالهم بنظره؟!

__________________

(١) تهذيب خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام : ٢٤ ح ١٠.

(٢) حلية الأولياء ٤ / ٣٥٦.

(٣) دلائل الصدق ٢ / ٤٨٦.

٦٨

قال : « الأصل أن تحمل أعمال الخلفاء الراشدين على الصواب » (١)!

٥ ـ أنس بن مالك :

وقال الفضل ـ وهو في الحقيقة يقصد الدفاع عن أنس بن مالك ـ:

« وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين استشهد من أنس بن مالك ، فاعتذر بالنسيان ، فدعا عليه ؛ فالظاهر أنّ هذا من موضوعات الروافض ... » (٢).

وأقول :

ذكر هذا الخبر : ابن السائب الكلبي في جمهرة النسب ، والبلاذري في أنساب الأشراف ، وابن قتيبة في المعارف ، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، وابن حجر في الصواعق ، وغيرهم من أعلام الحديث والتاريخ (٣).

ثالثا ـ التكذيب بقضايا ثابتة :

وكم من قضيّة ثابتة لا تقبل الجدل والتشكيك كذّبها الفضل

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٢٦٢.

(٢) دلائل الصدق ٢ / ٥٤٠.

(٣) انظر : جمهرة النسب ٢ / ٣٩٥ ، أنساب الأشراف ٢ / ٣٨٦ ، المعارف : ٣٢٠ ، شرح نهج البلاغة ١٩ / ٢١٨ وورد الخبر كذلك في ج ٤ / ٧٤ وج ١٩ / ٢١٧ ، تاريخ دمشق ٩ / ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، الصواعق المحرقة : ١٩٨.

وراجع : فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ١ / ٦٦٣ ح ٩٠٠ ، حلية الأولياء ٥ / ٢٦ ـ ٢٧ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ لابن المغازلي ـ : ٧٤ ح ٣٣ ، مناقب الإمام عليّ عليه‌السلام ـ للخوارزمي ـ : ٣٧٨ ح ٣٩٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٠٦.

٦٩

وأنكرها! وجعل يسبّ ويشتم العلّامة لذكرها!!

وقد رأينا أن نذكر عشرة موارد من هذا القبيل ، تاركين الحكم للباحث المنصف الحرّ :

١ ـ كون أبي بكر في جيش أسامة :

قال الفضل : « قد صحّ أنّ أبا بكر لم يكن في جيش أسامة ، وقد قال الجزيري : من ادّعى أنّ أبا بكر كان في جيش أسامة فقد أخطأ ، لأنّ النبيّ بعد أن أنفذ جيش أسامة قال : مروا أبا بكر فليصلّ بالناس ؛ ولو كان مأمورا بالرواح مع أسامة لم يكن رسول الله يأمره بالصلاة بالأمّة » (١).

أقول :

هذا كلامه!

ونحن للاختصار نكتفي بكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري ، فإنّه يقول ما ملخّصه :

« كان تجهيز أسامة يوم السبت ، قبل موت النبيّ بيومين ... فبدأ برسول الله وجعه في اليوم الثالث ، فعقد لأسامة لواء بيده ، فأخذه أسامة ، فدفعه إلى بريدة ، وعسكر بالجرف. وكان ممّن ندب مع أسامة من كبار المهاجرين والأنصار ، منهم : أبو بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة ، وسعد ، وسعيد ، وقتادة بن النعمان ، وسلمة بن أسلم. فتكلّم في ذلك قوم ... ثمّ اشتدّ برسول الله وجعه فقال : أنفذوا جيش أسامة.

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ١١.

٧٠

وقد روي ذلك عن : الواقدي ، وابن سعد ، وابن إسحاق ، وابن الجوزي ، وابن عساكر ... » (١).

٢ ـ تفرّد أبي بكر برواية حديث « نحن معاشر الأنبياء ... » :

وقال الفضل : « وأمّا ما ذكر أنّ أبا بكر تفرّد برواية هذا الحديث من بين سائر المسلمين ، فهذا كذب صراح ... فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب إنّ أبا بكر تفرّد برواية حديث عدم توريث رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم؟! » (٢).

أقول :

هذا كلامه ، ونحن نذكر أسماء بعض كبار أئمّة أهل السنّة ممّن نصّ على تفرّد أبي بكر بالحديث المزبور ، ونشير إلى محالّ كلماتهم في ذلك :

القاضي الإيجي (٣) ...

الفخر الرازي (٤) ..

أبو حامد الغزّالي (٥) ..

__________________

(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ١٩٢ ذ ح ٤٤٦٩.

وانظر : المغازي ـ للواقدي ـ ٣ / ١١١٨ ، الطبقات الكبير ٢ / ١٤٦ وج ٤ / ٤٩ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٦ / ١٢ عن ابن إسحاق ، المنتظم ٢ / ٤٥٨ ، تاريخ دمشق ٨ / ٦٠ و ٦٣.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٣) شرح مختصر ابن الحاجب في علم الأصول ٢ / ٥٩ في مبحث خبر الواحد.

(٤) المحصول في علم الأصول ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١ في مبحث خبر الواحد.

(٥) المستصفى في علم الأصول ٢ / ١٢١ ـ ١٢٢ في مبحث خبر الواحد.

٧١

سيف الدين الآمدي (١) ..

علاء الدين البخاري (٢) ..

سعد الدين التفتازاني (٣) ..

جلال الدين السيوطي عن : البغوي وأبي بكر الشافعي وابن عساكر (٤).

المتّقي الهندي ، عن : أحمد ومسلم وأبي داود وابن جرير والبيهقي (٥) ..

ابن حجر المكّي (٦).

٣ ـ كشف أبي بكر بيت فاطمة عليها‌السلام :

وقال الفضل : « وأمّا ما ذكره من كشف بيت فاطمة ، فلم يصحّ بهذا رواية قطعا » (٧).

أقول :

خبر كشف بيت فاطمة الزهراء عليها‌السلام من أصدق الأخبار

__________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ / ٢٩٨ و ٥٢٥ في مبحث خبر الواحد ومبحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد ـ في التخصيص بالأدلّة المنفصلة ـ المسألة الخامسة.

(٢) كشف الأسرار في شرح أصول البزدوي ٢ / ٦٨٨.

(٣) فواتح الرحموت في شرح مسألة الثبوت ـ هامش المستصفى ـ ٢ / ١٣٢.

(٤) تاريخ الخلفاء : ٨٦.

(٥) كنز العمّال ٥ / ٦٠٥ ح ١٤٠٧١.

(٦) الصواعق المحرقة : ٢٥ و ٥٣.

(٧) دلائل الصدق ٣ / ٣٢.

٧٢

وأثبتها ، وقد رواه جمع كثير من الأئمّة الأعلام من أهل السنّة في كتبهم المعروفة المشهورة ، فمنهم من رواه بالإسناد ، ومنهم من أرسله إرسال المسلّمات ، وتنتهي أسانيدهم إلى أبي بكر نفسه ، في خبر يبدي فيه أبو بكر أسفه على أمور فعلها ودّ لو تركها ، في كلام طويل ، ونحن نذكر القدر المحتاج إليه هنا ، وذلك قوله : « وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن غلّقوه على الحرب ».

ومن رواته :

أبو جعفر الطبري ، في التاريخ ٢ / ٣٥٣ ..

وأبو عبيد القاسم بن سلّام ، في كتاب الأموال : ١٧٤ ..

وابن عبد ربّه القرطبي ، في العقد الفريد ٣ / ٢٧٩ ..

والمسعودي ، في مروج الذهب ٢ / ٣٠١ ..

وابن قتيبة ، في الإمامة والسياسة ١ / ٣٦ ..

وسعيد بن منصور ..

والطبراني ، في المعجم الكبير ١ / ٦٢ ح ٤٣ ..

وابن عساكر ، في تاريخ دمشق ٣٠ / ٤١٨ ـ ٤٢٢ ..

وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي ..

والمتّقي الهندي ، عن الأربعة الأواخر ، في كنز العمّال ٥ / ٦٣١ ح ١٤١١٣.

ولقد رواه الطبري قائلا : « حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدّثنا الليث بن سعد ، قال : حدّثنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، أنّه دخل على أبي بكر .. » فأورد الخبر بطوله ، وفيه : « فوددت أنّي

٧٣

لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب » ثمّ قال بعد الخبر :

« قال لي يونس : قال لنا يحيى : ثمّ قدم علينا علوان بعد وفاة الليث ، فسألته عن هذا الحديث ، فحدّثني به كما حدّثني الليث بن سعد حرفا حرفا ، وأخبرني أنّه هو حدّث به الليث بن سعد ، وسألته عن اسم أبيه فأخبرني أنّه علوان بن داود ».

ثمّ قال الطبري : « وحدّثني محمّد بن إسماعيل المرادي ، قال : حدّثنا عبد الله بن صالح المصري ، قال : حدّثني الليث ، عن علوان بن صالح ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ أبا بكر الصدّيق قال ... ثمّ ذكر نحوه ولم يقل فيه : ( عن أبيه ) » (١).

صحّة السند :

أقول : ورجال السند كلّهم ثقات ، وأكثرهم من الأئمّة الأعلام :

* فأمّا يونس بن عبد الأعلى ، الصدفي المصري ، فهو من رجال مسلم والنسائي وابن ماجة ، ومن مشايخ أبي حاتم وأبي زرعة وابن خزيمة وأبي عوانة وأمثالهم من الأئمّة ؛ وقد وصف ب‍ « ركن من أركان الإسلام » وقال الذهبي عنه : « كان كبير المعدّلين والعلماء في زمانه بمصر » .. « كان قرّة عين ، مقدّما في العلم والخير والثقة » ، توفّي سنة ٢٦٤ (٢).

* وأمّا يحيى بن عبد الله بن بكير ، المصري ، فهو من رجال الصحيحين وغيرهما ، ووصفه الذهبي ب‍ « الإمام المحدّث ، الحافظ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٣٤٨ رقم ١٤٤.

٧٤

الصدوق ... كان غزير العلم ، عارفا بالحديث وأيّام الناس ، بصيرا بالفتوى ، صادقا ، ديّنا ... ما علمت له حديثا منكرا حتّى أورده » مات سنة ٢٣١ (١).

* وأمّا الليث بن سعد ، عالم الديار المصرية ، فهو من رجال الصحاح الستّة .. قال الذهبي : « كان الليث رحمه‌الله فقيه مصر ومحدّثها ومحتشمها ورئيسها ، ومن يفتخر بوجوده الإقليم ... » (٢).

* وأمّا علوان بن داود ، فقد أورده أبو حاتم في الثقات (٣) ، وحسّنه سعيد بن منصور كما سيأتي ، وكذا ورد في سند الحاكم في مستدركه كما ستعلم كذلك.

وابن أبي حاتم ذكره بعنوان « علوان بن إسماعيل » ، قال : « علوان بن إسماعيل الفرقسائي ، روى عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ... روى عنه : الليث ... سمعت أبي يقول ذلك » (٤).

وقيل : علوان بن صالح (٥) ، وهكذا ورد في الإسناد الثاني للطبري (٦) ، وفي بعض الكتب أنّه توفّي سنة ١٨٠ (٧).

* وأمّا صالح بن كيسان ، فهو من رجال الصحاح الستّة ، قال الذهبي : « صالح بن كيسان ، الإمام الحافظ الثقة ، أبو محمّد ، ويقال : أبو

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٦١٢ رقم ٢١٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ٨ / ١٣٦ رقم ١٢.

(٣) كتاب الثقات ٨ / ٥٢٦.

(٤) الجرح والتعديل ٧ / ٣٨ رقم ٢٠٦.

(٥) الضعفاء الكبير ٣ / ٤١٩ رقم ١٤٦١ ، لسان الميزان ٤ / ١٨٨ رقم ٥٠٢.

(٦) تاريخ الطبري ٢ / ٣٥٤.

(٧) ميزان الاعتدال ٥ / ١٣٥ رقم ٥٧٦٩.

٧٥

الحارث ، المدني ... » (١).

* وأمّا عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، فهو من رجال أبي داود ، قال الحافظ ابن حجر : « مقبول » (٢).

وتلخّص : صحّة الحديث على ضوء كلمات علماء القوم ، مضافا إلى :

١ ـ إنّ الحاكم النيسابوري أخرج قطعة منه ، في كتاب الفرائض ، من المستدرك على الصحيحين ، بإسناده عن علوان بن داود ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ؛ وهي قوله : « وددت أنّي سألت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ميراث العمّة والخالة ، فإنّ في نفسي منها حاجة » (٣).

٢ ـ إنّ المتّقي الهندي أخرج الحديث ، فأسنده إلى : أبي عبيد في كتاب الأموال ، والعقيلي ، وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي في فضائل الصحابة ، الطبراني ، ابن عساكر ، سعيد بن منصور ، وقال : « إنّه حديث حسن » (٤).

وسعيد بن منصور الذي حسّن الحديث من أعلام الأئمّة في الحديث والرجال ، ومن رجال الصحاح الستّة.

فعن أحمد بن حنبل : كان سعيد من أهل الفضل والصدق.

وعن أبي حاتم الرازي : هو ثقة ، من المتقنين الأثبات ، ممّن جمع

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٥ / ٤٥٤ رقم ٢٠٣.

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٧٢٢ رقم ٤٩٥٢.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٣٨١ ح ٧٩٩٩.

(٤) كنز العمّال ٥ / ٦٣١ ذ ح ١٤١١٣.

٧٦

وصنّف.

وقال الذهبي : الحافظ الإمام ، شيخ الحرم ، مؤلّف كتاب السنن (١) (٢).

٣ ـ إنّ سعيد بن عفير ، الراوي الآخر للحديث عن علوان بن داود ، وهو سعيد بن كثير بن عفير المصري ، وينسب إلى جدّه ، من رجال الصحيحين وغيرهما ..

وقال ابن عديّ ما ملخّصه : « لم أسمع أحدا ولا بلغني عن أحد من الناس كلام في سعيد بن كثير بن عفير ، وهو عند الناس صدوق ثقة ، وقد حدّث عن الأئمّة من الناس ، ولا أعرف سعيد بن عفير غير المصري ، ولم أجد لسعيد بعد استقصائي على حديثه شيئا ممّا ينكر عليه أنّه أتى بحديث به برأسه إلّا حديث مالك عن عمّه أبي سهيل ، أو أتى بحديث زاد في إسناده إلّا حديث غسل النبيّ ، وكلا الحديثين يرويهما عنه ابنه عبيد الله ، ولعلّ البلاء من عبيد الله ، لأنّي رأيت سعيد بن عفير مستقيم الحديث » (٣).

وذكر الذهبي كلام ابن عديّ وتعقّبه : « بلى ، لسعيد حديث منكر من رواية عبد الله بن حمّاد الآملي ، عن سعيد بن عفير ، عن يحيى بن أيّوب ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزبير ، عن جابر مرفوعا ، في عدم وجوب العمرة ... » (٤).

وتلخّص : إنّ الرجل من أصدق الناس وأوثقهم ، وإنّ حديثه عن « علوان » ليس حديثا منكرا.

__________________

(١) قسم الفضائل من كتاب « السنن » مفقود ، فلم يطبع مع ما طبع منه.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٥٨٦ رقم ٢٠٧ ، تهذيب الكمال ٧ / ٣٠٥ رقم ٢٣٤٣.

(٣) الكامل في الضعفاء ٣ / ٤١١ رقم ٨٣٩.

(٤) ميزان الاعتدال ٣ / ٢٢٤ رقم ٣٢٦٠.

٧٧

هذا ، وقد رواه عن علوان بن داود رجل آخر أيضا ، اسمه الوليد بن الزبير ، كما سيأتي في رواية ابن عساكر.

٤ ـ إنّ ابن عساكر أخرج هذا الحديث وليس فيه « علوان » ، قال :

أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمّد بن الفضل الفراوي وأمّ المؤيّد نازيين المعروفة بجمعة بنت أبي حرب محمّد بن الفضل بن أبي حرب ، قالا : أنا أبو القاسم الفضل بن أبي حرب الجرجاني ، أنبأ أبو بكر أحمد بن الحسن ، نا أبو العبّاس أحمد بن يعقوب ، نا الحسن بن مكرم بن حسّان البزّار أبو علي ببغداد ، حدّثني أبو الهيثم خالد بن القاسم ، قال : حدّثنا ليث ابن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، أنّه دخل على أبي بكر ... ».

قال ابن عساكر : « كذا رواه خالد بن القاسم المدائني عن الليث ، وأسقط منه علوان بن داود.

وقد وقع لي عاليا من حديث الليث ، وفيه ذكر علوان ، أخبرناه ... ».

ثمّ قال : « ورواه غير الليث عن علوان ، فزاد في إسناده رجلا بينه وبين صالح بن كيسان ، أخبرناه أبو القاسم بن السوسي وأبو طالب الحسيني ، قالا : أنا علي بن محمّد ، أنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان (١) ، أنا أبو محمّد عبد الله بن زيد بن عبد الرحمن النهراني ، نا الوليد بن الزبير ، ثنا علوان بن داود البجلي ، عن أبي محمّد المدني ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر ... » (٢).

__________________

(١) هو الأطرابلسي ، صاحب « فضائل الصحابة ».

(٢) تاريخ دمشق ٣٠ / ٤١٧ ـ ٤٢٠.

٧٨

قلت :

والظاهر وقوع السهو في هذا السند ، فإنّ « أبو محمّد المدني » هو « صالح بن كيسان » لا غيره ، و « الوليد بن الزبير » كأنّه الذي ذكره ابن أبي حاتم ، قال : « سمع منه أبي بحمص وروى عنه ... سئل أبي عنه فقال : صدوق » (١).

٥ ـ إنّ أبا عبيد ... وهو القاسم بن سلّام ، الإمام الحافظ ، المجتهد ، ذو الفنون ، المقبول عند الكلّ ، قال إسحاق بن راهويه : إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ، أبو عبيد أعلم منّي ومن ابن حنبل والشافعي ... توفّي سنة ٢٢٤ (٢) ، روى في كتاب الأموال قال : « حدّثني سعيد بن عفير ، قال : حدّثني علوان بن داود ـ مولى أبي زرعة بن عمرو بن جرير ـ ، عن حميد ابن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه عبد الرحمن ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه الذي توفّي فيه ، فسلّمت عليه ، وقلت : ما أرى بك بأسا والحمد لله ، ولا تأس على الدنيا ، فو الله إن علمناك إلّا كنت صالحا مصلحا.

فقال : أما إنّي لا آسى على شيء إلّا على ثلاث فعلتهم وددت أنّي لم أفعلهم ، وثلاث لم أفعلهم وددت أنّي فعلتهم ، وثلاث وددت أنّي سألت رسول الله عنهم.

فأمّا التي فعلتها ووددت أنّي لم أفعلها : فوددت أنّي لم أكن فعلت

__________________

(١) الجرح والتعديل ٩ / ٥ رقم ١٩.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٩٠ رقم ١٦٤.

٧٩

كذا وكذا ـ لخلّة ذكرها ، قال أبو عبيد : لا أريد ذكرها (١) ـ ... » (٢).

أقول :

لو كان ما فعله أبو بكر حقّا ، لما أعرض أبو عبيد عن ذكره ، ولو كان الخبر كذبا لكذّب الخبر قبل أن يكتم تلك الخلّة ولا يذكرها!!

٦ ـ وإنّ ابن تيميّة ـ المعروف بنصبه وعناده لأهل البيت عليهم‌السلام ـ يعترف بالقضيّة ثمّ يقول بلا حياء : « إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسّمه وأن يعطيه لمستحقّه ، ثمّ رأى أنّه لو تركه لهم لجاز ، فإنّه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء » (٣).

٤ ـ تحريم عمر المغالاة في المهر :

وقال الفضل : « شأن أئمّة الإسلام وخلفاء النبوّة أن يحفظوا صورة سنّة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في الأمّة ، فأمرهم بترك المغالاة ، والإجماع على أنّ الإمام له أن يأمر بالسنّة أن يحفظوها ، ولا يختصّ أمره بالواجبات ، بل له الأمر بإشاعة المندوبات ، وهذا ممّا لا نزاع فيه ، كما أجاب قاضي القضاة بأنّه طلب الاستحباب في ترك المغالاة والتواضع في قوله ، وأمّا تخطئة قاضي القضاة في جوابه ، فخطأ بيّن ، لأنّه لم يرتكب المحرّم ، بل هدّد به ... » (٤).

__________________

(١) قال محقّقه هنا : وقد ذكرها الذهبي في الميزان وهي قوله : « وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الحرب ».

(٢) كتاب الأموال : ١٧٤.

(٣) منهاج السنّة ٨ / ٢٩١.

(٤) دلائل الصدق ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤.

٨٠