دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: ٣٠٧

وعصبة كان في نصّ الغدير لهم

فضل جليّ وفيه تمّت النّعم

أئمّة للهدى طابت أرومتهم

وفي بيوتهم الآيات والحكم

لهم إياب الورى يوم الحساب وفي

أيديهم الحوض والنّعماء والنّقم

فمنهم الحسن الزاكي ومن شرفت

بحسنه الخصلتان الحكم والكرم

روح النبيّ ونفس المرتضى وأخ الشهي

د وابن التي تجلى بها الظلم

هو الملاذ ومن فيه المعاذ غدا

وفيه للملتجي منجى ومعتصم

الدين والعلم والعليا به جمعت

لكن تفرّق عنه الناس حين عموا

ما روعيت لرسول الله حرمته

فيه ولا عهده ، كلّا ولا الرّحم

باعوا بدنياهم الأخرى على خطل

ويمّموا قتله يا بئسما أمموا

تعسا لهم تركوا الوغد اللئيم على

منابر المصطفى ينزو ويحتكم

لا غرو أنّهم أحرى بمثلهم

إذ سادهم بعد يعسوب الهدى الرّخم

١٨١

قد عاهد المجتبى والغدر شيمته

فخانه وهو من ترعى به الذّمم

ودسّ سمّا نقيعا قد أصاب به

فؤاده يا فداه العرب والعجم

ومنه ألقى لما يلقاه طائفة

من قلبه قطعا في الطّست وهو دم

* * *

ومن شعره يستنجد بالإمام المهديّ عليه‌السلام قوله :

إلام أقاسي الأسى والوصب

وحتّام أضنى وقلبي يجب

فيا رحمة الله عطفا على

مقيم بجنبك رهن النّوب

ترامت إليك ركاب الهوى

تخبّ بركب الرّجا والطلب

* * *

وقال يتشوّق إلى وطنه وهو في البصرة :

ربوع الحمى هل إليك رجوع

وهل لي بدارات الديار طلوع؟!

وهل ترد الألحاظ منهل أنسها

ويجمعها والماجدين شروع؟!

وهل يبلغ المعمود مأمن عزّه

فيأمن روع للكئيب مروع؟!

١٨٢

وهل لي في تلك المنازل وقفة

تبثّ لديها لوعة وولوع؟!

فقد ملكت قلبي الأبيّ همومه

وعاصي دموعي للغرام مطيع

وكم بتّ من بعد الوداع مسهّدا

أعاني الأسى والوادعون هجوع

فمن لي بكوماء برى جسمها السّرى

وشوقي براها والغرام نسوع

لتبلغني أرض الغريّ وروض

ة الوصيّ التي منها الزمان يضوع

فأمسك أطراف العتاب بمذودي

وأفرش خدّا ما علاه خضوع

وله هذه المقطوعة الجميلة :

حيّاك يا قلب فأحياكا

ريم الحمى إذ زار مغناكا

بشراك فيه زائرا بعد ما

أبعد لقياك وأشجاكا

أخلفك الوعد ولم يتّئب

وعند ما وافاك أوفاكا

لقد قضى بالعدل ما بيننا

وبعد ما راعاك أرعاكا

جنيت من فيه جناه وقد

عدا بريّاه وأرواكا

* * *

وله في صدر كتاب عن لسان بعض الأصحاب :

يا من به الأحكام والحكم

دارت فأمّت داره الأمم

لك في الأنام مناقب ظهرت

لم يحصها القرطاس والقلم

١٨٣

فنداك قام لك الفخار به

إنّ الفخار دعامه الكرم

وجميل خلقك دان فيه لك

العرب الكماة الصّيد والعجم

وعظيم حلمك قد بلغت به

ما ليس يبلغ نعته الكلم

ما هزّت الأيّام ركنك في

ما فيه ركن الطود ينهدم

هبّت عليك زعازع فغدت

منها بحار البغي تلتطم

لكنّما قابلت عاصفها

برزين حلم زانه الحلم

هذا تراثك من نبيّ هدى

تجلى بنور جبينه الظلم

ووصيّه الزاكي وآلهما

أسمى الورى وسواهم الخدم

فاهنأ بأنّك يا وليّهم

ومطيعهم منهم ونجلهم

فهم الأسود وأنت شبلهم

وهم الأصول وأنت فرعهم

وتبعتهم في كلّ مكرمة

لتنال يوم الفصل وصلهم

فغدوت ربّ الفخر منفردا

وندى يديك وإنّه قسم

قسم الإله لك العلاء رضا

دون الورى إنّ العلى قسم

أهدي إليك سلام ذي كلف

عاني الحشاشة شفّه الألم

ما غرّدت بنت الأراك وما

سقت الورى من كفّك الدّيم

* * *

وله مؤرّخا عام ولادة عبد الأمير بن الشيخ محمّد رضا الخزاعي :

بربع العزّ عندك روض مجدك

يغرّد في هناك ونجح قصدك

وينشر فيه أعلام التّهاني

وينشر لؤلؤ البشرى بجهدك

بمولود لذاتك قلت : أرّخ

( تصوّر نوره من بدر مجدك )

١٨٤

وله تشطير لأبيات جاءته في رسالة من أحد أصدقائه ، يقول فيها :

( دهري أراني عجبا )

دام له تعجّبي

تاه به سرح النهى

( وهو كثير العجب )

( من عيلم علّامة )

أظهر ما لم أحسب

ناهيك فيه من فتى

( حلف النهى والأدب )

( مهذب راسي الحجى )

خفيف طبع عربي

إنّي وإن قلّ الفدا

( أفديه من مهذّب )

وما سمعنا عن فتى

مثل له في الأدب

قد حال عن ودّ أخ

ذا حسب ونسب

صدّق ما يسمعه

من كذب الأوهام بي

ولم يصدّق نبئي

وإن يكن عن النبيّ

وكذّب الوجدان من

صدق فعال الأنجب

قد طبعت نفسي على

طبع عن العرج أبي

يا فئة طابوا وما

تدنّسوا بالرّيب

مذاقهم طاب وما

طاب لهم ذو وصب

أقولها لأنّهم

يقلون من لم يذنب

لم يحفظوني وهم

ينسون ذنب المذنب

نفثة سوء صدرت

من ذي أسى معذّب

يقدح منها شرر

من مهجة ذي لهب

إنّ أخاك طيّب

نفسا لطيب الحسب

نما بحجر طيّب

من طيّب من طيّب

١٨٥

نفس له عزيزة

أنفس نفس لأبي

كانت كما تهوى العلى

مقرّها في الشّهب

قد أنجبته عصبة

حلّت بأعلى منصب

لمّا تنادت للعلى

حوت جميع الرّتب

علما وحلما ، عفّة

عفوا بيوم الغضب

فضلا سخاء ورعا

حيا كمال الأدب

ما السبب الذي به

استحقّ سوء العتب

وليس بالجاني الذي

استوجب ما لم يجب

لم يجن غير إنّه

أجنّ حبّ النّجب

قلوتم متيّما

قال : هواكم مذهبي

وملّتي حبّكم

وإن قطعتم سببي

ولم يزل ديني الهوى

وعنه لم أنقلب

حتّى أوارى قبلكم

تحت صفيح النّوب

ويدفنوني دونكم

فديتكم في التّرب

وللحساب ينشرو

ن كلّ جسم ترب

وللجواب يسألو

ني عند نشر الكتب

فأفصح القول الذي

لقيت منه وصبي

مناديا فيه بما

من قاله لم يخب

آل محمّد هوي

ت حسبنا ذا الأدب

منهم وفيهم قد طلب

ت ولقاهم مطلبي

طوبى لمن أحبّهم

وهي أعزّ الرّتب

١٨٦

ودان في ولاهم

وعنهم لم يرغب

أنّى وفوا لحبّه

وعدا ووفّوا أربي

فإنّني على الإبا

أفدي وفاهم بأبي

داموا ودام ودّهم

ما دام عمر الحقب

وما زهت زهر الرّبى

تحت سقيط الحبب

* * *

وكتب في صدر رسالة :

كتابي قد تضمّن منك ذكرا

يحلّي فيه ناظره نشيده

إذا نشر الملا ما فيه يطوي

ويملي من مزاياك العديده

ذكا فيه النديّ كأنّ فيه

غدت تجني مساعيك الحميده

* * *

وكتب في صدر كتاب :

سلام ما لمى شفتي غرير

ترشّفه الذي فيه شفاه

يبيت مسهّدا سكران صاح

حليف الحزن تيّمه هواه

رمته يد النّوى عنه فأمسى

يكابد ما تحمّل في نواه

بكاه لجوده بالصدّ حتّى

جرت في صوب أدمعه دماه

غريقا في بحور الهمّ أضحى

ونار لظى الصّبابة في حشاه

بأطيب منه نشرا حين يهدي

وينشر من فم الذكرى شذاه

ولا رشف الحميّا حين تجنى

بأشهى للنّدامى من جناه

ولا نقر المثاني حين تشدو

بأحلى للخواطر من ثناه

ولا زهر الدّراري حين تبدو

بأزهى للنواظر من سناه

١٨٧

إلى علياك يهدى من معنّى

نحيل الجسم أنحله عناه

فيا ملك الفواضل أنت بحر

وأين البدر من سامي علاه؟!

به العليا تباهي كلّ مولى

فهل من رام مفخره حكاه؟!

وكان إلى الفواضل خير مأوى

فهل ساوى فضائله سواه؟!

جواد ما جرى في الجود إلّا

وقال الناس ما أقصى مداه!

همام ما يهمّ بغير حزم

ولا يهمي الحيا كحيا حباه

فتى العليا الذي خطبته قدما

فأمهرها بما ملكت يداه

فيا دامت مساعيه ودامت

له البشرى لتبلغه مناه

ولا زال الفخار به ينادي

وفي إظهار علياه نداه

وله مؤرّخا بناء دار لأحد أصدقائه :

شيّد بيتا للنّدى

ندب سما أنداده

بيتا سما هام السما

لمّا غدا عماده

أبو الحسنين من به

نال الهدى مراده

إنّ الفخار جملة

ألقى له قياده

فصحّ في تاريخه

( لفخره قد شاده )

١٣٢٩

* * *

وله يهنّئ الشيخ جواد بن الشيخ صافي الطّريحي بقرانه سنة ١٣٢١ ، وهو من أوائل شعره :

غادة دارت رحاها

بفؤادي من شجاها

تخجل الشمس إذا ما

بزغت رأد ضحاها

١٨٨

أحرقت قلب المعنّى

وشجته بهواها

بنهار الحسن يهدى

وبليل الجعد تاها

يا خليليّ إذا عج

تم إلى الحيّ سلاها

أتراها يوم بانت

حنّ قلبي لسواها

وسلاها عن فؤادي

أ ترى يوما سلاها

علّها رقّت لصبّ

بات رقّا في هواها

ملكت قلبي فساءت

وبإحسان جزاها

إن تكن قد أسخطتني

ونفت عنّي رضاها

فبمدحي لجواد

حقّقت نفسي مناها

من بيوت المجد لكن

فضلهم فوق ذراها

أسرة فوق الثّريّا

رفع الفخر بناها

قد سمت قدرا فشدّت

أنمل العليا حباها

هي عين للمعالي

رغمت أنف عداها

أدركوا العلياء حتّى

بلغوا أقصى مداها

ملكوا قيد المعالي

فقضوا حقّ علاها

دمتم في غضّ عيش

والعلى غضّ بناها

مصنّفاته :

وقد أغنى الشيخ المظفّر قدس‌سره المكتبة الإسلامية بمصنّفات جليلة في شتّى العلوم ، منها :

١ ـ دلائل الصدق لنهج الحقّ : وهو من أنفس الكتب في بابه ، طبع

١٨٩

غير مرّة في النجف الأشرف ، وطهران ، والقاهرة ، وهو الذي تقرأ له هذه المقدّمة.

٢ ـ شرح القواعد ، وهو شرح كبير على قواعد الأحكام للعلّامة الحلّي.

٣ ـ الإفصاح عن أحوال رجال الصحاح : كتاب وحيد في بابه ، وهو قيد التحقيق في مؤسّستنا ، وسيصدر قريبا إن شاء الله تعالى.

٤ ـ شرح كفاية الأصول للآخوند الخراساني.

٥ ـ حاشية على العروة الوثقى.

٦ ـ رسالة في فروع العلم الإجمالي.

٧ ـ وجيزة المسائل : وهي رسالة عملية مطبوعة تتضمّن خلاصة آرائه وفتاواه في المسائل الفقهية ، كتبها لتكون مرجعا لمقلّديه.

٨ ـ حاشية على رسالة السيّد أبو الحسن الأصفهاني.

٩ ـ حاشية على رسالته الصغيرة.

١٠ ـ حاشية على مناسك الحجّ للسيّد أبو الحسن الأصفهاني.

١١ ـ حاشية على الرسالة العملية للشيخ عبد الحسين مبارك.

١٢ ـ مضافا إلى مجموعة شعره.

وفاته :

توفّي رحمه‌الله ظهيرة يوم الأربعاء ٢٣ ربيع الأوّل سنة ١٣٧٥ ه‍ بمستشفى الكرخ ببغداد ، بعد مرض عضال ، وحين أعلن عن وفاته اهتزّت الأوساط الشيعية في العراق وغيره لهذا النبأ المروّع ، ونقل جثمانه الطاهر

١٩٠

إلى النجف الأشرف يوم الخميس ٢٤ ربيع الأوّل بموكب قلّ نظيره ، وقد رقد في جوار إمامه أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فيمقبرته الخاصّة الكائنة على الشارع العامّ من طريق الكوفة اليوم.

وقد كان يومه يوما مشهودا شاركت فيه جماهير المؤمنين ، وتعطّلت فيه الأعمال ، وأغلقت الأسواق ، وتوقّفت الدراسات الدينية لمدّة عشرة أيّام حزنا على شيخنا العظيم ، وأقيمت مجالس الفاتحة في النجف وفي كثير من أنحاء العراق وخارجه ، وامتدّت إلى يوم الأربعين.

كما أقيم في ذكرى أربعينيّته حفل تأبينيّ كبير في مدرسة الإمام البروجردي في النجف الأشرف يوم ٨ جمادى الآخرة سنة ١٣٧٥ ه‍ ، وأخرى في مدينة البصرة في ٢٢ جمادى الآخرة ، ألقيت فيها قصائد الرثاء وكلمات التأبين من قبل علماء الأمّة وأدبائها عبّرت عمّا لشيخنا رضوان الله عليه من مكانة سامية في نفوس المؤمنين ؛ وقد أرّخ وفاته شعرا عدد من الأفاضل ، كان من بينهم العلّامة السيّد محمّد الحلّي ، الذي قال :

كم للهدى بعد أبي أحمد

من أمل خاب ونجم خبا

فشرعة الحقّ بتاريخها

تنعى رجالها ( الحسن ) المجتبى

وقد رثاه السيّد مصطفى جمال الدين بقصيدة عنوانها « الفتنة الكبرى » قالها بتاريخ ٢٣ / ١١ / ١٩٥٥ في حفل التأبين ، رثاء له وتأييدا لأخيه الشيخ محمّد رضا المظفّر ، الذي قاد حملة التجديد في الحوزة العلمية ، يقول في مطلعها :

تبقى ـ يتيه بها الخلود ويفخر ـ

ذكراك في شفة الزمان تكرّر

١٩١

الليل يطويها : خشوعا ذابلا

والصبح يطلقها : قوى تتفجّر

ولأنت في الحالين : أقوى ضارع

يعنو .. وألين قائد يتحرّر

شمخت طهارة أصغريك : فمنطق

صاف ، وقلب بالحنان مفجّر

وصلابة في الحقّ دون منالها

فكر أشل ، وخاطر متحجّر

تعبت عيون الركب .. ليس بمدرك

أذيال شوطك طرفه المتحيّر

وكبت بهم صهوات مجد خيلها

هزلى ، من العشب المهوّم تعثر

وتدرّعوا جببا بلين ، يكاد من

مزق بها ترف الغضارة يطفر

آمنت أنّ الصدق أبلق دونه

سعة المدى .. والزيف أعرج أزور

* * *

أأبا ( الدلائل ) من ضميرك ( صدقها )

يسقى .. ومن وضح بطبعك تسفر

ومن الصفاء العذب تجري رقّة

وصفاء طبع ، في مداها ، الأسطر

١٩٢

فالنفس ـ واضحة السلوك وجهمة ـ

لا بدّ في ما أنتجت تتصوّر

فإذا صفا طبع النجوم وجدت في

وضح الغدير صفاءها يتموّر

وإذا غرست الكرم في مستنقع

سبخ .. طعمت الملح في ما يثمر

يهنيك أنّك قد وصلت إلى المدى

عفّ اليدين ، ووجه يومك مسفر

وبلغت مرماها ، وثوبك لم يكن

أبدا بلون غبارها يتغيّر

في حين صفّقت الجموع لفارس

يطأ العنان جواده فيقصّر

ومساهم في الشوط أكبر حذقه :

لو يعتليه من الغبار الأكثر!!

ومجانب سمت الجميع وهمّه

في : كيف يختزل الطريق فيظهر!!

ومحشّد الأنصار ، يوهم نفسه

أنّ المصفّق معجب متأثّر!!

تعبوا ... فدون الغاية الكبرى يد

توهي العنان ، وحاجز لا يطفر

١٩٣

ومنها :

أأبا ( الدلائل ) هل تراك قصيدتي

سمحا ، كعهدك في الحياة فتعذر؟!

فلقد حشدت خواطري ليطيب من

ذكراك هذا المنبر المتذكّر

لكنّها ثارت ، وأطبق أفقها

بدخان قلب لم يزل يتفجّر

حتّى إذا انحسر الدخان ولحت في

طرر الغروب ، وضوء وجهك أصفر

أدركت أنّا قادمون لليلة

عسرى ، يغيم بها الرجاء الخيّر

يهنيك أنّك قد بلغت مغيبها

كالشمس ، لم يحجب سناك العثير

وتركت في ( القمرين ) بعدك للسرى

في الليلة الظلماء ما يتنوّر

فالجيل من هدي ( الرضا ) متقدّم

في شوطه ، ومن ( الحسين مظفّر )

* * *

١٩٤

أسلوب العمل ومنهج التحقيق

لأهمّيّة الكتاب المتمثّلة بكونه دورة كلامية عقائدية كاملة ، جاءت على مباحث الإلهيّات والنبوّة والإمامة بأسلوب علميّ رصين ، قويّ السبك ، وبلغة سهلة ، مع خلق رفيع في أدب المناظرة والحوار ، ممّا جعله في نظر الأوساط العلمية الردّ الأمثل على كتاب ابن روزبهان ، والكتاب الأفضل في تبيين عقائد الإمامية الاثني عشرية وإبراز معالمها ، فأصبح « دلائل الصدق » في موقع الريادة على المستويين الحجاجي والكلامي.

مضافا إلى ذلك أنّ أيّا من طبعتي الكتاب في طهران والقاهرة غير متوفّرتين في المكتبات لمن يروم اقتناءها ، بعد مضيّ أكثر من ربع قرن على آخر طبعاته ، ممّا جعل الحصول على إحداها عسيرا.

هذا ، مع حاجة الكتاب إلى مزيد من التحقيق والتعضيد بشكل يليق بمستواه ، خصوصا بعد أن أصبحت أكثر المصادر الإسلامية ـ سواء الشيعية منها أو السنّية ـ متوفّرة في زماننا الحاضر بشكل ملحوظ ، علاوة على تطوّر وسائل الطباعة بمستوى عال ممّا يجعل إمكانية إخراج الكتاب بشكل أنيق وبطباعة فنّية حديثة قليلة الأخطاء تساعد القرّاء وطلّاب الحقيقة على مطالعته بسهولة ..

لذلك كلّه فقد شرعت مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث بتحقيق هذا السفر الجليل وفق أسلوب العمل الجماعي ، الذي تميّزت به أعمالها.

هذا ، وقد جرت خطوات العمل كالآتي :

١٩٥

النسخ المعتمدة :

اعتمدنا في عملنا على مخطوطة ومطبوعتين ، هي :

١ ـ النسخة المخطوطة : وهي التي أتحفنا بها نجل المؤلّف الأستاذ الدكتور محمود المظفّر ـ حفظه الله تعالى ـ ، دوّنها الشيخ المصنّف قدس‌سره بخطّه الشريف ، وهي كاملة المحتوى ، واضحة الخطّ ، كتبت عناوينها بشكل بارز ، ويشاهد فيها بعض التصحيحات والتعليقات كتبها الشيخ المؤلّف رحمه‌الله في الحاشية.

وتتألّف هذه النسخة من ثلاثة أجزاء ، وقع الفراغ منها في ٢٩ ربيع الآخر ١٣٥٠ ه‍ ، تضمّنت هذه الأجزاء أصول الدين ، ولم يتعرّض فيها إلى أصول الفقه وفروعه في ردّه على ابن روزبهان ، وقد أشار إلى سبب ذلك بقوله : « وليقف إلى هنا جواد القلم ، فإنّ أصول الدين هي الأصل ، فإن وفّق الله سبحانه الناظر في هذا الكتاب لاتّباع الحقّ فهو في غنى عن الكلام في أصول الفقه وفروعه ، وإلّا فهو بعيد عن الهداية ، وعسانا إذا سنحت الفرصة نتمّ الكتاب ، والله هو الموفّق ».

وذكر الشيخ المظفّر قدس‌سره في خاتمة الكتاب منهجيّته في النقل من كتب أهل السنّة ، فقد قال فيها :

« خاتمة : نقدّم فيها العذر لإخواننا الكرام عن قلّة ما ننقل من كتب أهل السنّة ، فنقول :

أنت تعلم أنّ النجف الأشرف بلدة إمامية ، ولا حاجة لأهلها في اقتناء كتب القوم ، ولكن قد توجد في بعض المكتبات ، وأنا بالخصوص لا أملك شيئا منها سوى كنز العمّال في أثناء تأليفي لهذا الكتاب ، وما كنت أعرف

١٩٦

أكثر كتبهم مسمّى ولا اسما.

ولمّا شرعت في هذا الكتاب التزمت باستعارة ما أحتاجه منها ، فاستعرت ما تيسّر لي منها ، فقلّ لذلك نقلي عن كتبهم ، وقد كان لا يهون على نفسي أن تطول عندي إقامة كتاب غيري ، فأنا ربّما استعرت الكتاب حينا وأعدته إلى صاحبه ، ولذا تراني أنقل عن الكتاب الواحد مرّة عنه بنفسه ومرّة بالواسطة ، وربّما أنقل عن الكتاب شيئا في مقام وفيه أشياء نافعة لمقامات أخر لا أعلم بها ، مضافا إلى ضيق الوقت واهتمامي بما هو أهمّ لديّ .. ومع ذلك قد جاء بحمد الله تعالى وافيا بالمطلوب ، كافيا لطالب الحقّ.

وأنا أرجو ممّن يطّلع من إخواني على أكثر ممّا ضمّنته هذا الكتاب ، أن يعلّق عليه ، وله الفضل عليّ ، والجزاء الأسنى من الله عزّ وجلّ.

فممّا نقلت عنه كثيرا :

صحيحا مسلم والبخاري ، وعيّنت المحلّ الذي فيه الرواية بذكر الباب والكتاب من الصحيحين ، لسهولة الوصول إليها بذلك ، ولم أعيّن الصحيفة لتعدّد طبعهما ، لا سيّما البخاري ، مع إنّه يقرب حدوث طبعات أخر لهما ..

ونقلت أيضا عن صحيح الترمذي في جملة من المقامات ..

كما نقلت قليلا عن صحيحي النسائي وأبي داود وموطّأ مالك ، وعيّنت المحلّ بالباب والكتاب ونحو ذلك ..

ونقلت كثيرا عن الدرّ المنثور للسيوطي ، وتعرف المحلّ منه بالآية ..

كما ربّما نقلت عن تفسير الزمخشري والرازي وبعض التفاسير

١٩٧

الأخر ، وتعرف المحلّ أيضا بالآية ..

ونقلت أيضا عن مستدرك الحاكم أبي عبد الله ، المطبوع بالطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن ..

وعن كنز العمّال ، المطبوع أيضا بهذه المطبعة ..

وعن تاريخ الطبري ، المطبوع بالطبعة الأولى بالمطبعة الحسينية المصرية ..

وعن كامل ابن الأثير ، المطبوع أيضا بالطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية المصرية ..

وعن مسند أحمد بن حنبل ، المطبوع بالمطبعة الميمنية بمصر ، الذي انتهى طبعه سنة ١٣١٣ هجرية ..

وعن شرح النهج لابن أبي الحديد ، المطبوع بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر ، الذي انتهى طبعه سنة ١٣٢٩ هجرية ..

وعن العقد الفريد لابن عبد ربّه ، المطبوع بمصر ، المجزّأ إلى أربعة أجزاء ، الذي انتهى طبعه سنة ١٣٣١ هجرية ، وقد أنقل عن المطبوع في غير هذه السنة ..

وعيّنت المحلّ في هذه المذكورات أخيرا بالصحيفة من الجزء ، ليكون أسهل للتناول ..

ونقلت أيضا كثيرا عن صواعق ابن حجر ، وعيّنت المحلّ بالفصل والباب ..

وعلى هذا القياس ..

وقد وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب في اليوم ... ».

١٩٨

٢ ـ طبعة طهران : وقد طبعت في حياة المؤلّف قدس‌سره ، وأشرف على تصحيحها بنفسه ، فجاءت مختلفة عن النسخة المخطوطة في موارد كثيرة ، فقد غيّر وأصلح كثيرا من الموارد في ردّه على الفضل بن روزبهان ، ورتّب بعض فقراتها ـ قياسا لما كانت عليه في النسخة المخطوطة ـ كتغيير جملة بجملة أخرى ، أو تقديم حديث على آخر ، كما أضاف إليها عناوين للمطالب.

وجاءت هذه الطبعة في ثلاثة أجزاء .. طبع الجزء الأوّل منها بمطبعة « بو ذر جمهري » في طهران ، سنة ١٣٦٩ ه‍.

وطبع الجزء الثاني بالمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، سنة ١٣٧٢ ه‍.

أمّا الجزء الثالث فقد طبع بمطبعتي « بو ذر جمهري » و « مروي چاپخانه عالي علوي » في طهران ، سنة ١٣٧٣ ه‍.

وقد عبّرنا عن هذه الطبعة ب‍ « طبعة طهران » من باب التغليب.

وقد طبعت هذه الطبعة مرّة أخرى في كلّ من طهران وبيروت بالتصوير « الأوفسيت » ، إلّا أنّ طبعة لبنان لم تر النور ، لما كانت تمرّ بلبنان من ظروف عصيبة في تلك الفترة.

٣ ـ طبعة القاهرة : وهي التي طبعت بعد وفاة الشيخ المظفّر قدس‌سره ، وبعد مرور نحو ربع قرن على الطبعة الأولى ، وهي في ثلاثة أجزاء ضخام ، تمّ طبعها بصفّ جديد في مطبعة « دار المعلّم للطباعة » في القاهرة ، سنة ١٣٩٦ ه‍.

ثمّ أعادت مؤسّسة الثقافة الإسلامية « بنياد فرهنگي كوشانپور » في طهران طبع الكتاب بالتصوير على هذه الطبعة.

١٩٩

وقد كانت هذه الطبعة كثيرة الأسقاط والأغلاط ، وتوجد فيها اختلافات كثيرة مقارنة بالنسخة المخطوطة وطبعة طهران ، المذكورتين آنفا ، لذا فقد جعلناها نسخة مساعدة في تحقيقنا للكتاب.

وعبّرنا عن هذه الطبعة ب‍ : « طبعة القاهرة ».

وبما أنّ « طبعة القاهرة » هي الأكثر تداولا اليوم ، فقد اعتمدها سماحة السيّد الميلاني حفظه الله في كتابته « أجلى البرهان » مقدّمة لهذه الطبعة المحقّقة من الكتاب ، والتي مرّت بنا سابقا.

عملنا في الكتاب :

١ ـ قمنا بعملية المقابلة بين النسخة المخطوطة وبين المطبوعتين ومعارضتها على بعضها ، وتثبيت ما ورد من اختلافات مهمّة ، وذلك باتّباع أسلوب التلفيق بين النسخة المخطوطة وبين طبعة طهران ، اللتين اعتبرناهما نسختي الأصل ، وجعلنا طبعة القاهرة نسخة مساعدة لما فيها من أغلاط وأسقاط كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

فإن كان هناك خلاف مع المصدر وكانتا متّفقتين على شيء ، قلنا في الهامش : « في الأصل : ... كذا وكذا » ، وإن لم تكونا كذلك ، ذكرنا صفة النسخة للتمييز بينهما ، وربّما ذكرنا الاختلاف الوارد في طبعة القاهرة ـ ولم يحدث ذلك إلّا نادرا جدّا ـ فنذكر مكان الطبع تمييزا لها عمّا في المطبوعة الأخرى.

كما قمنا بمقابلة كلام العلّامة الحلّي قدس‌سره على « نهج الحقّ » و « إحقاق الحقّ » المطبوع والمخطوط.

أمّا بالنسبة إلى كلام ابن روزبهان ، فقد قابلناه وطبّقناه على كتاب

٢٠٠