دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - المقدمة

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-354-3
الصفحات: ٣٠٧

كذب » (١).

أقول :

قال ابن تيميّة في كلام له : « نعم ، مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم ، كالّذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم ، يقولون : إنّه كان في قتاله على الحقّ مجتهدا مصيبا ، وإنّ عليّا ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين ، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات ، مثل المروانية الذي صنّفه الجاحظ » (٢).

فانظر من الكاذب؟! وهل الفضل أكثر تعنّتا من ابن تيميّة؟!

وإن شئت التفصيل فارجع إلى الجزء السادس من كتابنا الكبير (٣).

* اعتماده على ابن الجوزي في كتاب « الموضوعات » :

لقد حكم الفضل على كثير من أحاديث مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالبطلان والوضع ، ولمّا لم يكن عنده أيّ دليل على مدّعاه ، ذكر كلام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه الموضوعات!

فمن ذلك ردّه على استدلال العلّامة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي الله ... » بقوله : « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في كتاب الموضوعات من طريقين ، وقال : هذا

__________________

(١) دلائل الصدق ٢ / ٥٦٥.

(٢) منهاج السنّة ٤ / ٣٩٩.

(٣) نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ٦ / ٢٦٠ ـ ٣١٠.

١٠١

حديث موضوع على رسول الله ... » (١).

كما إنّه طعن في بعض الرواة الّذين نقل عنهم العلّامة ، ولم يذكر دليلا على طعنه إلّا كلام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات ..

ومن ذلك قوله في الكلبي : « قال ابن الجوزي في كتاب الموضوعات : « وكان من كبار الكذّابين : وهب بن وهب القاضي ، ومحمّد بن السائب الكلبي ، و ... » قال : « والغرض أنّ محمّد بن السائب الكلبي من الكذّابين الوضّاعين » (٢).

أقول :

ونحن مضطرّون هنا إلى ذكر بعض كلمات أئمّة القوم في ابن الجوزي وفي خصوص كتاب الموضوعات ، ليتبيّن السبب الحقيقي لاعتماد الفضل عليه وعلى كتابه في مقابلة العلّامة في مثل هذه المواضع ، ولكي تعرف حقيقة حال الفضل أيضا!

قال الذهبي ـ بترجمة أبان بن يزيد العطّار ـ : « قد أورده العلّامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء ، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه. وهذا من عيوب كتابه ، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق » (٣).

وقال بترجمة ابن الجوزي : « كان كثير الغلط في ما يصنّفه ... له وهم كثير في تواليفه ... » (٤).

__________________

(١) دلائل الصدق ٢ / ٣٤٩.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ٥٧٢.

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ١٣٠ رقم ٢٠.

(٤) تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٧ رقم ١٠٩٨.

١٠٢

وقال ابن حجر الحافظ ـ بترجمة ثمامة بن الأشرس ، بعد قصّة ـ:

« دلّت هذه القصّة على إنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدّث به » (١).

وقال السيوطي : « قال الذهبي في التاريخ الكبير : لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة ، بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه » (٢).

وقال السيوطي : « واعلم أنّه جرت عادة الحفّاظ ـ كالحاكم وابن حبّان والعقيلي وغيرهم ـ أنّهم يحكمون على حديث بالبطلان من حيثية سند مخصوص ، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن ، ويكون ذلك المتن معروفا من وجه آخر ، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به ، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع مطلقا ، ويورده في كتاب الموضوعات ، وليس هذا بلائق ، وقد عاب عليه الناس ذلك ، آخرهم الحافظ ابن حجر » (٣).

وقال السيوطي بشرح النواوي مازجا بالمتن : « وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين ، أعني أبا الفرج ابن الجوزي ، فذكر في كتابه كثيرا ممّا لا دليل على وضعه ، بل هو ضعيف ، بل وفيه الحسن والصحيح ، وأغرب من ذلك أنّ فيها حديثا من صحيح مسلم! قال الذهبي : ربّما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حسانا قويّة » (٤).

__________________

(١) لسان الميزان ٢ / ٨٣.

(٢) طبقات الحفّاظ : ٤٨٠.

(٣) التعقيبات على الموضوعات ـ مقدّمة الكتاب / طبعة الهند.

(٤) تدريب الراوي ـ شرح تقريب النواوي ١ / ٢٧٨.

١٠٣

أقول :

فهل كان ابن روزبهان جاهلا بحال ابن الجوزي وكتابه؟!

سادساً ـ نقل المطلب عن كتاب وليس فيه ، ونفي وجوده في كتاب وهو فيه :

ثمّ إنّه قد ينقل الحديث أو غيره من كتاب من الكتب ، ويظهر بعد المراجعة عدم وجوده فيه ... وبالعكس ، عندما يستدل العلّامة بحديث أو ينسب إلى القوم عقيدة أو قولا ، فينفي وجوده أو ما يفيده في الكتاب أو شيء من الكتب .. وهذه موارد من ذلك :

* ذكر العلّامة أقوالا للأشاعرة في الجواب عمّا أورد عليهم في مسألة الكسب ، فقال الفضل :

« وأمّا هذه الأقوال التي نقلها عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم ».

فذكر الشيخ المظفّر أنّها موجودة في شرح المقاصد.

والعجيب أنّه مع قوله : « فما رأيناها في كتبهم » يقول بالنسبة إلى القول الثاني من تلك الأقوال : « هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلّاني من الأشاعرة » (١).

* وذكر الفضل قصّة زنا المغيرة ودرء عمر الحدّ عنه ، بنحو ينزّه فيه المغيرة عن ذلك الفعل الشنيع وعمر عن تعطيل حدّ الله فيه ، فقال :

__________________

(١) دلائل الصدق ١ / ٥٤٠ و ٥٤١ و ٥٤٧.

١٠٤

« هذا رواية الثقات ، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة ، وذكره البخاري في تاريخه ، وابن الجوزي ، وابن خلّكان ، وابن كثير ، وسائر المحدّثين ، وأرباب التاريخ في كتبهم » ..

قال : « وعلى هذا الوجه هل يلزم طعن؟! » (١).

فقال الشيخ المظفّر في الجواب : « قبح الكذب عقلي وشرعي ، ولا سيّما في مقام تحقيق المذهب الحقّ الذي يسأل الله العبد عنه ، وأقبح منه عدم المبالاة به وعدم الحياء ممّن يطّلع عليه.

أنت ترى هذا الرجل يفتعل قصّة وينسبها إلى كتب معروفة ، وما رأيناه منها خال عن أكثر هذه القصّة ، كتاريخ الطبري ووفيات الأعيان ...

ولنذكر ما في تاريخ الطبري ووفيات الأعيان لتعلم كذبه في ما نسبه إليهما ، ونستدلّ به على كذبه في ما نسبه إلى غيرهما ... » (٢).

* وقال الفضل ـ في الدفاع عن عثمان في إيوائه الحكم بن أبي العاص وأهله ـ:

« روى أرباب الصحاح أنّ عثمان لمّا قيل له : لم أدخلت الحكم بن أبي العاص؟! قال : استأذنت رسول الله في إدخاله فأذن لي ، وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدّقاني ، فلمّا صرت واليا عملت بعلمي في إعادتهم إلى المدينة. وهذا مذكور في الصحاح ، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل لا يوافقه نقل الصحاح ... » (٣).

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ١٤٩.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٣) دلائل الصدق ٣ / ٢٥٨.

١٠٥

أقول :

قد ادّعى هذا قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزلي ، واعترض عليه السيّد المرتضى علم الهدى ـ كما نقل العلّامة عنه ـ بأنّ هذا ـ قول قاضي القضاة ـ لم يسمع من أحد ، ولا نقل في كتاب ، ولا يعلم من أين نقله القاضي؟! أو في أيّ كتاب وجده؟! (١).

وهنا أيضا يقول الشيخ المظفّر : « لا أثر لهذا الخبر في صحاحهم بحسب التتبّع ، ولم أجد من نقله عنها ، ولو كان موجودا فيها فلم لم يعيّن الكتاب ومحلّ ذكره منه بعد إنكار المرتضى رحمه‌الله ... » (٢).

* وذكر الفضل مطلبا ـ في مقام الدفاع عن عثمان وتبرئته عن تعطيل حدّ الله في عبيد الله بن عمر ـ ونسبه إلى التواريخ قائلا :

« هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ ، ونقله الطبري وغيره ... » (٣).

فقال الشيخ المظفّر : « عجبا لهذا الرجل من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به ، فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلى الطبري وغيره ، وقد نظرت تاريخ الطبري وغيره ممّا حضرني من كتبهم ، فلم أجد بها ... » (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩٢ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٢٥٦.

(٢) دلائل الصدق ٣ / ٢٥٩.

(٣) دلائل الصدق ٣ / ٣١٠.

(٤) دلائل الصدق ٣ / ٣١٠.

١٠٦

سابعا ـ التحريفات في الروايات والكلمات :

وما أكثر تحريفات الفضل في الأخبار والروايات وكلمات العلماء ، بزيادة أو نقيصة ، وهو في نفس الوقت يتّهم العلّامة والشيعة بالاختلاق والافتراء ، ونحن نذكر من ذلك موارد ، ليزداد الباحث المنصف بصيرة واطّلاعا على واقع حال الفضل وقومه :

* قال العلّامة ـ في مبحث أنّ الأنبياء معصومون ، في ذكر ما في كتب القوم من الإهانة والقدح في الأنبياء ـ : « وفي الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر : أنّه كان يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه دعا زيد بن عمرو بن نفيل ، وذلك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله ، فقدّم إليه رسول الله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثمّ قال : إنّي لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل ممّا لم يذكر اسم الله عليه ».

قال العلّامة : « فلينظر العاقل : هل يجوز له أن ينسب نبيّه إلى عبادة الأصنام والذبح على الأنصاب ويأكل منه ، وأنّ زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتمّ حفظا ورعاية لجانب الله تعالى ؛ نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة » (١).

فقال الفضل :

« من غرائب ما يستدلّ به على ترك أمانة هذا الرجل وعدم الاعتماد والوثوق على نقله : رواية هذا الحديث. فقد روى بعض الحديث ليستدلّ به على مطلوبه ، وهو الطعن في رواية الصحاح ، وما ذكر تمامه ، وتمام

__________________

(١) نهج الحقّ : ١٥٥ ، وانظر : دلائل الصدق ١ / ٦٦٢.

١٠٧

الحديث : أنّ رسول الله لمّا قال زيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام قال : وأنا أيضا لا آكل من ذبيحتهم وممّا لم يذكر اسم الله عليه ؛ فأكلا معا.

وهذا الرجل لم يذكر هذه التتمّة من الطعن في الرواية ، نسأل الله العصمة من التعصّب ، فإنّه بئس الضجيع » (١).

أقول :

قد ذكر العلّامة الحديث عن « الصحيحين » ، أمّا الفضل فادّعى وجود التتمّة ولم ينسبها إلى كتاب! وجعل يتّهم العلّامة! وقد قال الشيخ المظفّر :

« قد راجعنا صحيح البخاري ، فوجدنا الحديث أثر أبواب المناقب ، وفي باب ما ذبح على النصب والأصنام من كتاب الذبائح ، وما رأينا لهذه التتمّة أثرا (٢).

وقد رواه أحمد في مسنده ، ولم يذكر ما أضافه الخصم (٣).

وليست هذه أوّل كلمة وضعها ، بل سبق له مثلها قريبا في روايات اللهو ، وسيأتي له أمثالها.

ولا عجب ، فإنّها سنّة لهم في غالب أخبارهم ، ومنها أصل هذا الحديث ، ولكنّي أعجب من إرعاده وإبراقه وسؤاله العصمة عن التعصّب ، ونسبته إلى المصنّف عدم الأمانة! وكأنّه يريد بذلك أن يدعو قومه إلى

__________________

(١) دلائل الصدق ١ / ٦٦٢.

(٢) صحيح البخاري ٥ / ١٢٤ ح ٣١٢ وج ٧ / ١٦٥ ح ٣١ ، ولم نجده في صحيح مسلم ، وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٥٥ ح ٨١٨٩ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٢ / ١٢١ ـ ١٢٢ ، الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٢٧٥ ح ١٤٢٤.

(٣) انظر : مسند أحمد ١ / ١٨٩ وج ٢ / ٦٩ و ٨٩ و ١٢٧.

١٠٨

إضافة هذه التتمّة » (١).

* وقال العلّامة : « من مسند أحمد ... : لمّا نزل ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) جمع النبيّ من أهل بيته ثلاثين ، فأكلوا وشربوا ثلاثا ، ثمّ قال لهم : من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون خليفتي ، ويكون معي في الجنّة؟ فقال عليّ : أنا ؛ فقال : أنت » (٣).

فقال الفضل : « وفي مسند أحمد بن حنبل ( ويكون خليفتي ) غير موجود ، بل هو من إلحاقات الرافضة. وهذان الكتابان اليوم موجودان وهم لا يبالون من خجلة الكذب والافتراء » (٤).

أقول :

الحديث رواه العلّامة عن مسند أحمد والكتابان موجودان ـ كما ذكر الفضل ـ ، وقد قال الشيخ المظفّر في جوابه : « من أعجب العجب أن يكذب هذا الرجل وينسب الكذب إلى آية الله المصنّف رحمه‌الله ، وشدّد النكير عليه وعلى علمائنا أهل الصدق والأمانة.

وإذا أردت أن تعرف كذبه فراجع المسند ص ١١١ من الجزء الأوّل ، تجد الحديث مشتملا على لفظ ( خليفتي ).

وهكذا نقله في الكنز عن المسند ، وعن ابن جرير ، قال : وصحّحه ،

__________________

(١) دلائل الصدق ١ / ٦٦٢ ـ ٦٦٣.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

(٣) نهج الحقّ : ٢١٣ ، وانظر : دلائل الصدق ٢ / ٣٥٩.

(٤) دلائل الصدق ٢ / ٣٥٩.

١٠٩

وعن الطحاوي والضياء في المختارة (١) ... » (٢).

* وقال العلّامة في حديث تزويج أمير المؤمنين بالزهراء عليهما‌السلام : « في مسند أحمد بن حنبل : إنّ أبا بكر وعمر خطبا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام ، فقال : إنّها صغيرة ؛ فخطبها عليّ فزوّجها منه (٣) » (٤).

فقال الفضل : « صحّ في الأخبار أنّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة فقال رسول الله : إنّي أنتظر أمر الله فيها ، ولم يقل : إنّها صغيرة ، وهذا افتراء على أحمد بن حنبل ، وكلّ من قال هذا فهو مفتر على رسول الله وناسبا (٥) للكذب إليه ... » (٦).

فقال الشيخ المظفّر : « ما نقله المصنّف رحمه‌الله عن المسند قد رواه بعينه النسائي في أوائل كتاب النكاح من سننه ، في باب تزويج المرأة مثلها في السنّ (٧) ، ورواه الحاكم وصحّحه على شرط الشيخين ولم يتعقّبه الذهبي (٨) ... » (٩).

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ / ١٢٨ ح ٣٦٤٠٨.

(٢) دلائل الصدق ٢ / ٣٦٠.

(٣) فضائل الصحابة ـ لأحمد بن حنبل ـ ٢ / ٧٦١ ح ١٠٥١.

(٤) نهج الحقّ : ٢٢٢ ، وانظر : دلائل الصدق ٢ / ٤٤٧.

(٥) كذا في الأصل ، والصحيح : « ناسب » بالرفع.

(٦) دلائل الصدق ٢ / ٤٤٧.

(٧) سنن النسائي ٦ / ٦٢ ، السنن الكبرى ـ للنسائي أيضا ـ ٣ / ٢٦٥ ح ٥٣٢٩ وج ٥ / ١٤٣ ح ٨٥٠٨.

(٨) المستدرك على الصحيحين ٢ / ١٨١ ح ٢٧٠٥ ، ورواه ابن حبّان في صحيحه ٩ / ٥١ ح ٦٩٠٩.

(٩) دلائل الصدق ٢ / ٤٤٧ ـ ٤٤٨.

١١٠

* وقال العلّامة ـ في اعتراضات عمر على النبيّ بسوء أدب ـ : « وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي ، في مسند عبد الله بن عمر بن الخطّاب : إنّه لمّا توفّي عبد الله بن أبي سلول ، جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فسأله أن يصلّي عليه ، فقام رسول الله ليصلّي عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال : يا رسول الله! أتصلّي عليه وقد نهاك ربّك أن تصلّي عليه؟! فقال رسول الله : إنّما خيّرني الله تعالى (١) ... » (٢).

فقال الفضل : « غيّر الحديث عن صورته ، والصواب ـ من رواية الصحاح ـ أنّ عمر قال لرسول الله : أتصلّي عليه وهو قال كذا وكذا؟! وطفق يعدّ مثالبه وما ظهر عليه من نفاقه ، فقال رسول الله : دعني! فأنا مأمور ومخيّر ؛ فصلّى عليه ، فأنزل الله تصديقا لفعل عمر ونهيه عن الصلاة عليه قوله : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ... ) (٣) الآية ؛ وهذا من مناقب عمر حيث وافقه الله على فعله وأنزل على تصديق قوله القرآن ... » (٤).

فقال الشيخ المظفّر في جوابه : « قد روى البخاري هذا الحديث بألفاظه التي ذكرها المصنّف رحمه‌الله (٥) ، وكذلك مسلم في فضائل عمر (٦) ، وفي أوّل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٧) .. فما نسبه الفضل إلى

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ٢ / ٢١٩ ح ١٣٣٥.

(٢) نهج الحقّ : ٣٣٨ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٥٠٣.

(٣) سورة التوبة ٩ : ٨٤.

(٤) دلائل الصدق ٣ / ٥٠٣.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ١٢٩ ح ١٩٠ و ١٩٢.

(٦) صحيح مسلم ٧ / ١١٦.

(٧) صحيح مسلم ٨ / ١٢٠.

١١١

المصنّف رحمه‌الله من تغيير صورة الحديث جهل وتحامل.

بل الفضل هو الذي غيّر صورة الحديث الذي صوّبه ... » (١).

* وقال العلّامة ـ في زيادة عمر في الأذان : الصلاة خير من النوم ـ:

« روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في حديث أبي محذورة سمرة ابن معير لمّا علّمه الأذان (٢) ... » (٣) فلم يذكر فيه : « الصلاة خير من النوم ».

فقال الفضل : « روى مسلم في صحيحه ، وكذا الترمذي والنسائي في صحيحهما ، عن أبي محذورة ، قال : قلت : يا رسول الله! علّمني الأذان ، فذكر الأذان وقال بعد ( حيّ على الفلاح ) : فإن كانت صلاة الصبح قلت : الصلاة خير من النوم » (٤).

فقال الشيخ المظفّر : « ما أصلف وجهه وأقلّ حيائه ، كيف افترى في حديث أبي محذورة هذه الزيادة على صحيح مسلم وهو بأيدي الناس ، ولا أثر لها فيه (٥) ، كما إنّه لا وجود لهذا الحديث في صحيح الترمذي حتّى بدون الزيادة ، وإنّما أشار إليه إشارة (٦).

نعم ، هو موجود بالزيادة في صحيح النسائي ، في الأذان في السفر ، من طريق واحد ضعيف (٧) ، ورواه قبله من طرق بدون هذه الزيادة (٨) ... » (٩).

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٥٠٤.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٣ / ٥٠٣ ح ٣٠٦١.

(٣) نهج الحقّ : ٣٥١ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٥٥٤.

(٤) دلائل الصدق ٣ / ٥٥٥.

(٥) صحيح مسلم ٢ / ٣ الحديث الأوّل من باب صفة الأذان.

(٦) سنن الترمذي ١ / ٣٦٦ ح ١٩١ و ١٩٢.

(٧) سنن النسائي ٢ / ٧.

(٨) سنن النسائي ٢ / ٤ ـ ٦.

(٩) دلائل الصدق ٣ / ٥٥٥.

١١٢

* وقال العلّامة : « روى البخاري ومسلم في صحيحهما : قال عمر للعبّاس وعليّ : فلمّا توفّي رسول الله قال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ، فجئتما أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها .. فقال أبو بكر : قال رسول الله : لا نورّث ما تركنا صدقة.

فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ؛ والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ.

ثمّ توفّي أبو بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله ووليّ أبي بكر ؛ فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ... ».

قال العلّامة : « ... إنّه وصف اعتقاد عليّ والعبّاس في حقّه وحقّ أبي بكر بأنّهما كاذبان آثمان غادران خائنان .. فإن كان اعتقاده فيهما حقّا وكان قولهما صدقا ، لزم تطرّق الذمّ إلى أبي بكر وعمر ، وأنّهما لا يصلحان للخلافة .. وإن لم يكن كذلك ، لزم أن يكون قد قال عنهما بهتانا وزورا إن كان اعتقاده مخطئا ، وإن كان مصيبا لزم تطرّق الذمّ إلى عليّ والعبّاس حيث اعتقدا في أبي بكر وعمر ما ليس فيهما (١) ... » (٢).

أقول :

هذا ما نقله العلّامة من الصحيحين وعلّق عليه بأمور منها ما ذكرناه.

فقال الفضل : « هذا كلام أدخله هذا الكاذب في الحديث الصحيح من رواية البخاري ... وليس فيه ما قال : ( فرأيتماه كاذبا غادرا خائنا ) حتّى

__________________

(١) صحيح مسلم ٥ / ١٥٢ ، وسيأتي ما في صحيح البخاري.

(٢) نهج الحقّ : ٣٦٤ ـ ٣٦٦ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٦٠٠.

١١٣

يحتاج إلى الاعتذار » (١).

أقول :

قال العلّامة : « روى البخاري ومسلم في صحيحهما ... » فذكر القصّة عنهما ، ونحن نذكر لك واقع حال اللفظ الذي أنكره الفضل ونسب إدخاله في الحديث إلى العلّامة ، كي تعرف الحقيقة ، وأنّ العلّامة لم يدخل في الحديث ، وإنّما الخيانة من البخاري ومن لفّ لفّه!!

أخرج مسلم في صحيحه عن مالك بن أوس : إنّ عمر قال مخاطبا لعليّ والعبّاس :

« فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ؛ فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر : قال رسول الله : ما نورّث ما تركنا صدقة ؛ فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم أنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ.

ثمّ توفّي أبو بكر ، وأنا وليّ رسول الله ووليّ أبي بكر ، فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم أنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ » (٢).

هذا نصّ الحديث في صحيح مسلم.

وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه ، ولكنّه في كلّ موضع بلفظ يختلف عن غيره!

* فأخرجه في باب فرض الخمس باللفظ التالي : « ... فقبضها أبو بكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، والله

__________________

(١) دلائل الصدق ٣ / ٦٠٣.

(٢) صحيح مسلم ٥ / ١٥٢ ، كتاب الجهاد ، باب حكم الفيء.

١١٤

يعلم أنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ؛ ثمّ توفّي الله أبا بكر ، فكنت أنا وليّ أبي بكر ، فقبضتها سنتين من إمارتي ، أعمل فيها بما عمله رسول الله وما عمل فيها أبو بكر ، والله يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ » (١).

فحذف البخاري من الحديث كلتا الفقرتين : « فرأيتماه ... » و « فرأيتماني ... ».

* وأخرجه في كتاب المغازي في حديث بني النضير : « فقبضه أبو بكر ، فعمل فيه بما عمل رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وأنتم حينئذ ـ فأقبل على عليّ وعبّاس وقال : ـ تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان ، والله يعلم أنّه فيه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ. ثمّ توفّى الله أبا بكر ، فقلت : أنا وليّ رسول الله وأبي بكر ، فقبضته سنتين من إمارتي ، أعمل فيه بما عمل فيه رسول الله وأبو بكر ، والله يعلم أنّي فيه صادق بارّ راشد تابع للحقّ ... » (٢).

فأسقط فقرة : « فرأيتماه ... » وجعل مكانها « تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان » ، وحذف الفقرة الثانية.

* وأخرجه في كتاب النفقات ، باب حبس نفقة الرجل قوت سنته :

« فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وأنتما حينئذ ـ وأقبل على عليّ وعبّاس ـ تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا ؛ والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ ؛ ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ١٨٠ ضمن ح ٣.

(٢) صحيح البخاري ٥ / ٢٠٧ ضمن ح ٧٨.

١١٥

عمل رسول الله وأبو بكر ... » (١).

فأسقط الفقرة الأولى وجعل مكانها : « تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا » وأسقط الفقرة الثانية.

* وأخرجه في كتاب الفرائض ، باب قول النبيّ : لا نورّث ما تركنا صدقة :

« فتوفّى الله نبيّه فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله ، ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ وليّ رسول الله ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ... » (٢).

فحذف الفقرتين معا ، ولم يجعل شيئا مكانهما!

* وأخرجه في كتاب الاعتصام ، باب ما يكره من التعمّق والتنازع :

« ثمّ توفّى الله نبيّه فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله ، وأنتما حينئذ ـ وأقبل على عليّ وعبّاس فقال : ـ تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا ، والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحقّ ؛ ثمّ توفّى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله وأبو بكر ... » (٣).

فحذف الفقرة الأولى ، ووضع مكانها « تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا » ، أمّا الفقرة الثانية فقد حذفها!

فممّن هذا التلاعب بالأخبار؟! وهل الفضل يجهل هذا أو يتجاهل؟! ولماذا يتّهم العلّامة والإماميّة؟!

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ / ١١٤ ضمن ح ٩٣.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٢٦٧ ضمن ح ٥.

(٣) صحيح البخاري ٩ / ١٧٨ ضمن ح ٧٦.

١١٦

* وقال العلّامة ـ في مبحث عصمة الأنبياء ـ : « وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين ، قالت عائشة : رأيت النبيّ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد ، فزجرهم عمر (١).

وروى الحميدي عن عائشة ، قالت : دخل عليّ رسول الله وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند النبيّ. فأقبل عليه رسول الله وقال : دعها. فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا (٢) ... » (٣).

فقال الفضل : « وأمّا منع أبي بكر عنه ، فإنّه كان يعلم جوازه في أيّام العيد ، وتتمّة الحديث : أنّ النبيّ قال لأبي بكر : ( دعهما ، فإنّها أيّام عيد ) فلذلك منعه أبو بكر ، فعلّمه رسول الله أنّ ضرب الدفّ والغناء ليس بحرام في أيّام العيد » (٤).

أقول :

أين هذه التتمّة؟! ومن أين جاء بها الفضل؟!

قال الشيخ المظفّر : « وأمّا ما ذكره من تتمّة الحديث ، فمن إضافاته ، على إنّها لا تنفعه بالنظر إلى تلك الأمور السابقة ، ومن أحبّ الاطّلاع على كذبه في هذه الإضافة ـ أعني قوله : ( فإنّها أيّام عيد ) تعليلا لقوله لأبي بكر : « دعها » فليراجع الباب الثاني من كتاب العيدين من صحيح البخاري (٥) ،

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ٤ / ٥٢ ح ٣١٦٨.

(٢) الجمع بين الصحيحين ٤ / ٥٣ ضمن ح ٣١٦٨.

(٣) نهج الحقّ : ١٤٩ ، وانظر : دلائل الصدق ١ / ٦٣١.

(٤) دلائل الصدق ١ / ٦٣٢.

(٥) صحيح البخاري ٢ / ٥٤ ح ٢.

١١٧

وآخر كتاب العيدين من صحيح مسلم (١) » (٢).

* وآخر تحريف من الفضل نذكره : تحريفه كلام الحافظ القاضي عياض ، وتفصيل ذلك :

إنّ العلّامة رحمه‌الله ذكر ـ في معرض ما في كتب القوم من الصحاح وغيرها من الهتك لنبيّنا وسائر الأنبياء عليهم‌السلام ـ قصّة « الغرانيق » (٣).

فأنكر الفضل وجود القصّة في الصحاح .. ثمّ قال في آخر كلامه :

« وذكر الشيخ الإمام القاضي أبو الفضل موسى بن عياض (٤) اليحصبي المغربي في كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى أنّ هذا من مفتريات الملاحدة ولا أصل له ، وبالغ في هذا كلّ المبالغة » (٥).

فقال الشيخ المظفّر : « وأمّا ما نسبه إلى القاضي عياض في كتاب الشفا فافتراء عليه ؛ لأنّه إنّما قال : « صدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال : لقد بلي الناس ببعض الأهواء والتفسير وتعلّق بذلك الملحدون (٦) » (٧).

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ / ٢٢.

(٢) دلائل الصدق ١ / ٦٣٧.

نقول : إنّ جملة « فإنّها أيّام عيد » غير موجودة في الحديثين المشار إليهما ، والتي ادّعى الفضل أنّها موجودة فيهما ؛ ولذلك تمسّك الشيخ المظفّر قدس‌سره بتكذيبه ..

إلّا أنّ هذه الجملة مذكورة بعينها في حديث آخر من صحيح البخاري هي غير محلّ النزاع ، فانظر : صحيح البخاري ٢ / ٦٨ ح ٣٤ ؛ فلاحظ!

(٣) نهج الحقّ : ١٤٣ ، دلائل الصدق ١ / ٥٩٨.

(٤) كذا! والصواب : أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض.

(٥) دلائل الصدق ١ / ٦٠٤.

(٦) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ١٢٥.

(٧) دلائل الصدق ١ / ٦٠٤.

١١٨

ثامنا ـ التناقض :

وكم من مورد ناقض الفضل فيه نفسه .. نكتفي من ذلك بذكر موردين :

* قال العلّامة طاب ثراه في مباحث أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام المستلزمة لإمامته : « المطلب الثاني : العلم. والناس كلّهم ـ بلا خلاف ـ عيال عليه في المعارف الحقيقية والعلوم اليقينية والأحكام الشرعية والقضايا النقلية ...

وروى الترمذي في صحيحه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها (١) ... » (٢).

فقال الفضل في جوابه : « ما ذكره من علم أمير المؤمنين ، فلا شكّ أنّه من علماء الأمّة ، والناس محتاجون إليه فيه ، وكيف لا؟! وهو وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف ، فلا نزاع لأحد فيه.

وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي ، فصحيح (٣) ... » (٤).

__________________

(١) اللفظ الموجود فعلا في سنن الترمذي هو : « أنا دار الحكمة وعليّ بابها »

وجاء في ذيله : « وفي الباب عن ابن عبّاس » .. ومن المعروف أنّ

حديث ابن عبّاس هو : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »

كما في مصادر الحديث ، وقد ذكر ابن حجر هذا الحديث نقلا عن الترمذي وغيره.

انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٣ ، الصواعق المحرقة : ١٨٩.

(٢) نهج الحقّ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، وانظر : دلائل الصدق ٢ / ٥١٥.

(٣) نقل غير واحد من علماء الشيعة والسنّة

حديث : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها »

من صحيح الترمذي وصرّحوا وأقرّوا بوجوده فيه وبصحّته ، لكنّ هذا الحديث غير موجود في نسخ صحيح الترمذي المتداولة اليوم ، فهو من الأحاديث الصحيحة التي أسقطتها يد الخيانة والعداء لأهل البيت عليهم‌السلام من الصحاح والمسانيد والسنن!

وقد تقدّم تخريج الحديث في صفحة ٣٩ ه‍ ٦ وصفحة ٤٠ ه‍ ١ ؛ فراجع.

(٤) دلائل الصدق ٢ / ٥١٥.

١١٩

وأقول :

قال الفضل في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بأنّه « من علماء الأمّة » .. فإن أراد أنّه « من علماء الأمّة » بمعنى أنّ في الأمّة من يساويه في العلم ، فهذا لا يجتمع مع كونه « وصيّ النبيّ في إبلاغ العلم وودائع حقائق المعارف » ، فيحصل التناقض.

وإن أراد أنّه « من علماء الأمّة » لكن لا يساويه غيره فيه ، لكونه « وصيّ النبي ... » فقد اعترف بأعلمية الإمام عليه‌السلام بالنسبة إلى غيره ، وهذا هو المطلوب ، ولكنّه لا يعترف به مكابرة وعنادا للحقّ.

* واستدلّ العلّامة رحمه‌الله برواية أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير المشهورين ، في قضيّة إقدام عمر على إحراق بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) (٢).

فأجاب الفضل قائلا : « من أسمج ما افتراه الروافض هذا الخبر ، وهو إحراق عمر بيت فاطمة.

وما ذكر أنّ الطبري ذكره في التاريخ ، فالطبري من الروافض ، مشهور بالتشيّع ، مع إنّ علماء بغداد هجروه لغلوّه في الرفض والتعصّب ، وهجروا كتبه ورواياته وأخباره ، وكلّ من نقل هذا الخبر فلا يشكّ أنّه رافضي متعصّب ، يريد إبداء القدح والطعن على الأصحاب ، لأنّ العاقل المؤمن الخبير بأخبار السلف ظاهر عليه أنّ هذا الخبر كذب صراح وافتراء

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٢٣٣.

(٢) نهج الحقّ : ٢٧١ ، وانظر : دلائل الصدق ٣ / ٧٨.

١٢٠