تهنئة أهل الإسلام بتجديد بيت الله الحرام

المؤلف:

إبراهيم بن محمّد بن عيسى الميموني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

اللبن ، وقد قال تعالي : «من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين» فظهرت هذه السقيا المباركة بين الفرث والدم ، وكانت تلك من دلائلها المشاكلة لمعناها ، وأما الغراب فهو فى التأويل فاسق ، وهو أسود فدلت نقرته عند الكعبة على نقرة الأسود الحبشي ، بمعوله فى أساس الكعبة يهدمها آخر الزمان فكان نقرة الغراب فى ذلك المكان تؤذن مما يفعله الفاسق فى آخر الزمان ، بقبله الرحمن وسقيا أهل الإيمان ، وذلك عند ما يرفع القرآن وتجىء عبادة الأوثان وفى الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخربن الكعبة ذو السويقتين من الحبشة وفيه أيضا صفية أنه أفجع ، وهذا ينظر إلى كون الغراب أعصم إذا افجح تباعد فى الرجلين كما ، أن من العصم اختلاف فيهما ، والاختلاف بتباعد ، وقد بذى السويقتين كما نعت الغراب بصفة فى ساقية ، فتأمل وهذا من خفى علم التعبير ، لأنها كانت رؤيا ، وأما قرية النمل ففيها من المشاكلة أيضا والمناسبة أن زمزم عين مكة التى يردها الجميع ، والعماد من كل جانب فيحملون إليها البر والشعير ، وغير ذلك وهى لا تحرث ولا تزرع ، كما قال سبحانه خبرا عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام «ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم» «الآية وقرية النمل كذلك لأن النمل لا يحرث ولا يزرع وتجلب الحبوب إلى فريقها من كل جانب ، ومكة قال تعالى (كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) مع أن لفظ قرية النمل مأخوذ من قرية الماء فى الحوض إذا جمعته ، والرؤيا تعبر على اللفظ تارة ، وعلى المعنى أخري ، فقد اجتمع اللفظ والمعنى فى هذا التأويل. والله أعلم التنبيه الثانى فى بعض فضائل زمزم وخواصها قال أبو ذر : ـ رضى الله عنه ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنها طعام طعم وشفاء سقم» رواه أبو داود الطيالسى والطبرانى والبزار ورجاله رجال الصحيح ورواه مسلم بدون وشفاء سقم وقال ابن عباس : ـ رضى الله تعالي ـ عنهما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ماء زمزم لما شرب له رجاله موثوق إلا أنه اختلف فى إرساله ووصله أوضح كما قال الحافظ وقال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام طعم ص ١٨٤ * وشفاء سقم رواه الطبرانى ورجاله ثقات وصححه بن حبان وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما. كنا شباعه يعنى زمزم ونجدها نعم العون على العيال رواه الطبرانى

٣٢١

ورجاله ثقات وقال أيضا : اشربوا من شراب الأبرار» يعنى زمزم رواه الأزرقى وقال أيضا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفه سقاه من ماء زمزم «رواه أبو نعيم فى الحلية وصحح الدمياطى إسناده وقال عباد بن عبد الله بن الزبير : لما حج معاوية حججنا معه ، فلما طاف بالبيت صلى عند المقام ركعتين ، ثم وزمزم وهو خارج إلى الصفا فقال : انزع لى منها دلوا يا غلام قال : فنزع له منه دلوا فأتى به فشرب وصبّ على وجهه ورأسه وهو يقول : زمزم شفاء ، وهى لما شرب له «رواه الفاكهى قال الحافظ : هذا إسناد حسن مع كونه موقوفا ، وهو أحسن من كل إسناد وقفت عليه لهذا الحديث روى الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله تعالى عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ماء زمزم لما شرب له» ولفظ أحمد «لما شرب فيه» وقد صح عن جماعه من الأئمة أنهم جربوا هذا الحديث فوجدوه صحيحا وقد ذكر العلماء له خواصا فمنها أنه يرد الحمى لأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك كما فى سنن النسائى من حديث ابن عباس ، ومنها أنه يذهب الصداع قال الضحاك ومنها أنه لا يرفع ولا يغور ، إذا رفعت المياه وغارت قبل يوم القيامة قال الضحاك : أيضا ومنها أنه يفضل مياه الأرض كلها طبا وشربا قال الشيخ بدر الدين بن الصاحب وزنت ماء زمزم بماء عين مكة فوجدت زمزم أثقل من العين بنحو الربع ثم أعترتها بميزان الطب ، فوجدتها تفضل مياه الأرض كلها طبا وشرعا بل قال شيخ الإسلام البلقيني : «إنه أفضل من ماء الجنة ، ولهذا مزيد بيان تقدم فى شق صدره الشريف ، ومنها أنه يحلو ليلة النصف من شعبان ويطيب ذكر ذلك ابن الحاج فى مناسكه نقلا عن مكى بن أبى طالب ونص كلامه قال الشيخ مكى ابن أبى طالب وفى ليله النصف من شعبان يحلو ماء زمزم ، ويطيب ماؤها ، يقول أهل مكة أن عين سلوان تفضل بها تلك الليلة ويبذل على أخذ الماء فى تلك الليلة الأموال ، ويقع الزحام فلا يصل إلى الماء إلا ذوجاه وشرف ، قال : وعاينت ذلك ثلاث سنين ومنها أن يكثر فى ليلة النصف من شعبان كل سنة بحيث أن البئر تفيض بالماء على ما قيل ، لكن لا يشاهد ذلك إلا العارفون ، وقد شاهد ذلك الشيخ الصالح أبو الحسن المعروف بكر تاج ، ومنها أن الإطلاع فيها يجلوا البصر قال الضحاك ومنها أنه يحط الأوزار والخطايا ، ذكر ذلك أبو الحسن

٣٢٢

محمد بن مرزوق الزعفرانى الشافعى فى مناسكه وروى الأزرعى عن مكحول مرسلا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال النظر فى زمزم عبادة وهى تحط الخطايا ومنها أن الله تعالى خصه بالملوحة ليكون الباحث عليها الملح الإيمانى ولو جعله عذبا جدا لغلب الطبع البشري ، وبهذا يرد على ابى على المعرى قوله لك الحمد أمواه البلاد بأسرها عذاب ، وحصنت بالملوحة زمزم ، ومنها أن من حثى على رأسه ثلاث حثيات ، لم تصبه ذلك أبدا ، رواه الفاكهى عن بعض ملوك الروم ، أنه وجد ذلك فى كتبهم خاتمة يذكر على بعض الألسنة أن فضيلته مادام فى محله فإذا نقل تغير قال فى المقاصد الحسنه وهذا شىء لا أصل له فقد كتب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سهيل بن عمرو «إن جاءك كتابى ليلا فلا تصبحن ، أو نهارا فلا تمسين ، حتى تبعث إليّ بماء زمزم» وفيه أن بعث له بزادتين ، وكان حينئذ بالمدينة قبل أن تفتح مكة ، وهو حديث حسن بشواهده وروى الترمذى وحسنه ابن خزيمه فى صحيحه والحاكم والبيهقى عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها حملت ماء زمزم فى القوارير ، وقالت : حمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الأداوى والقرب ، وكان يصب منه على المرضى ويسقيهم ، وروى الطبرانى عن حبيب بنى أبى ثابت قال : سألت عطاء عن حمل ماء زمزم قال : قد حمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحمله الحسين ـ رضى الله عنه ـ وأعلم أنه يجوز نقل ماء زمزم باتفاق الأئمة الأربعة بل هو مستحب عند الشافعية والمالكيه والفرق عند الشافعية بينه وبين حجارة الحرم فى عدم جواز نقلها وجواز نقل ماء زمزم أن الماء ليس شىء يزول فلا يعود ، أشار إلى هذا الفرق الإمام الشافعى كما حكاه عنه البيهقى وقال ابن العماد واختلفوا فى استعمال زمزم فمذهبنا لا يكره استعماله فى شىء من الطهارات كسائر المياه لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ فيه ، لكن قال أبو الفرج العجلى فى نكت الوسيط والوجيز الأولى : أن لا يتطهر به لحرمته وكرامته وقد روى عن العباس ـ رضى الله عنه ـ أنه قال لا أحله لمغتسل وهو للشارب حل وبل والبل بكسر الباء الموحدة وبالآم الشفاء أى هو حلال وشفاء للشارب ، يقال : بل من مرضه إذا شفي ، وكان ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ إذا شرب ماء زمزم قال : «اللهم إنى أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء» وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ماء زمزم

٣٢٣

طعام طعم ، وشفاء سقم ، من كل داء» وأما استعماله فى إزالة النجاسة والاستنجاء فنقل فى الكفاية ، عن الماوردي ، أنه لا يجوز استعماله ولا استعمال حجارة الحرم فى الاستنجاء والصحيح خلاف ذلك ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز استعماله فى الطهارة مطلقا ، ودليلنا عموم الأدلة وأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ منه ، ولأنه يؤدى جواز التيمم مع وجود الماء ، ولأن حرمة ماء زمزم إن كانت لأجل أن يتبع من الحرم فينبغى أن لا يجوز استعمال مياه آبار الحرم ، وان كانت حرمته لكونه طعاما وشفاء لكان الذى نبع من بين أصابع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من ماء زمزم ، وفيه من الشفاء ما ليس فى ماء زمزم ، ومع ذلك فقد توضأت به الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ ولا حجه فى قول العباس ـ رضى الله عنه ـ لا أحمله لأنه محمول على إحالة اجتماع الناس إلى الشرب فقوله لا أحمله لمغتسل أى فى حالة الاحتياج إلى الشرب لأن الغالب التزاحم عليه للشرب. انتهى كلام بن العماد وقال العلامة الفاسي : أول من أظهر زمزم على وجه الأرض جبريل عليه‌السلام عند إسماعيل عليه‌السلام سقيا له من الله تعالي ، ولما أظهر الله ماء زمزم لإسماعيل ، حوضت عليه أمه هاجر خيفة أن يفوتها قبل أن تملأ منه شنتها ولو تركته لكان عينا تجرى كما رويناه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الصحيح وذكر الفاكهى «أن الخليل عليه‌السلام حفر زمزم لأنه قال بعد أن ذكر خبرا فيه إخراج جبريل ماء زمزم لإسماعيل ، فحفر إبراهيم بعد ذلك البئر ، ثم غلبه عليها ذو القرنين» انتهى وهذا غريب ـ والله أعلم ـ ولم يزل ماء زمزم طاهرا ينتفع به سكان مكة إلى أن استخفت جرهم بحرمة الكعبة ، والحرم ، فدرس موضعه ومرت عليه السنون عصرا بعد عصر ، إلى أن صار لا يعرف ، وقيل أن جرهما دفنتها حين نفيت عن مكه ذكره الزبير بن بكار وغيره تم بوأه الله تعالى لعبد المطلب ابن هاشم جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما خصه الله به من الكرامة فأتى فى المنام وأمر بحفرها ، وأعلمت له بعلامات استبان بها موضع زمزم ، فحفرها وكان حفره لها قبل مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مقتضى ما رويناه عن على ـ رضى الله عنه ـ فى السيرة لان إسحاق سيد رجاله ثقات وروينا عن الزهرى أن حفر عبد المطلب لزمزم كان بعد الفيل وعلى هذا فيكون حفر عبد المطلب لها

٣٢٤

بعد مولد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والله أعلم ويروى أن أبا طالب عم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عالج زمزم ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينقل فى علاجه الحجارة وهو غلام وهذا الخبر فى مسند البزار بإسناد ضعيف وبتقدير صحته فهو غير علاج عبد المطلب ، والله أعلم ذكر علاج زمزم فى الإسلام روينا عن الأزرقى بالسند المتقدم إليه قال : ثم كان قد قل ماءوها ، حتى كانت تحجم فى سنة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ومائتين. قال : فضرب فيها تسع أذرع فى الأرض ، فى تقدير جوانبها ثم قال : وقد كان سالم بنى الجراح قد ضرب فيها فى خلافة الرشيد أذراعا ؛ وكان قد ضرب فيها فى خلافة المهدى أيضا ، وكان عمر بن ماهان وهو على البريد والصوافى فى خلافه الأمين محمد ابن الرشيد قد ضرب منها ، وكان ماؤها قد قل حتى كان رجل يقال محمد بن مسير من أهل الطائف يعمل فيها ، فأنا صليت فى قعرها. انتهى باختصار ذكر ذرع بئر زمزم وصافيها من العيون أو صفة الموضع الذى هى فيه الآن ، أما ذرع عورتها من أعلاها إلى أسفلها فستون ذراعا على ما ذكر الأزرقي ، وقال أيضا : ففورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعا. انتهى وهذا يخالف ما سبق ، والله أعلم وأما العيون التى فى قعرها فثلاث عند حذاء الركن الأسود ، وعين جذاء أبى قبيس والصفا وعين حذاء المروة ذكر ذلك الأزرقى والفاكهى وذكر الفاكهى خبرا فيه أن العباس بن عبد المطلب قال لكعب الأحبار : فأى عيونها اغزر؟ قال : العين التى تجرى من قبل الحجر قال : صدقت. انتهى وأما صفة الموضع الذى فيه زمزم فهو بيت مربع فى جدرانه تسعة أحواض للماء تملأ من بئر زمزم ليتوضأ منها الناس وأعلى البيت مسقوف ما خلا الموضع الذى يحاذى البئر ، وهذه الصفة يخالف الصفة التى ذكرها الأزرقى فى صفة موضع زمزم ، وفى سابع ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثمان مائة هدمت ظلة المؤذنين التى فوق البيت ، الذى فيه زمزم ، لتحربها ولحراب أساطينها الحشب من أكل الأرضة ، لذلك وسلخ جميع الجدر الغربي ، من هذا البيت وهو الذى يلى الكعبة والجدار الشامى منه وهو الذى يلى مقام الشافعى وبنى ما سلخ من هذين الجدارين حتى كمل بناؤها بحجارة منحوته فى غالب ذلك وحجارة غير منحوتة بعد أن أوسعوا

٣٢٥

فى عرض الجدارين لأحكام البناء ولا سيما الغربى ، فإنهم أعمقوا فى أساسه فى الأرض ، ولسبب اتساعهم فى عرض هذين الجدارين ، أوسعوا فى الأحواض التى فيهما من داخل البيت ، وكل ذلك يبنى بالنورة ، وبنى بها وبالأجر ، ما سلخ من الجدار الشرقى من هذا البيت ، وهو ما فوق العتبة العليا من هذا البيت إلى أعلا الجدار ، وثبتوا على الجدار الشرقى أسطوانتين من أجر بالنورة لشدّ الدارابزين الذى يكون فى ذلك ، وبنوا خمس أساطين دقيقة من أجر بالنورة وثلاث فوق الجدار الغربى ، وواحدة فى الجدار الشامى ، وأخرى من الجدّ اليمانى ونصبوا اسطوانة من خشب بين الأسطوانتين المؤخرتين ، وجعلوا أخشابا بين كل من الأساطين الست وستروها بألواح من خشب مدهونة وجعلوا فيها بين الأساطين الأم ، وصف بين الوسطى الأجر والخشب ، فجعلوا فيه قبة من خشب مدهونة وجعلوا فوق هذه القبة قبة من خشب وجريد وقصيب ، ساترة للقبة المدهونة وجعلوا زفافا من خشب مدهونا بطيف يجمع هذا السقف ، وأيقنوا شد الرفرف والقبة والسقف بمسامير كثيرة كبار ، وبكلاليب حديد ، وجعلوا فوق السقف المدهون سقفا من خشب غير مدهون وطلوه بالنورة ودكوا فوقها بالأجر ، وطلوا ذلك بالنورة ، وطلوا ما فوق القبه بالجبس طليا حسنا وأصلحوا جميع سطح البيت بالأجرة ، والنورة وجعلوا دارابزين من خشب مخروط ، يطيف بجميع جوانب السطح ، خلا جانبه اليمانى وجعلوا دارابزين من خشب مخروط يطيف بجانبى الظله اليمانى ، والشرقى ، ولم يكن قبل فى هذين الجانبين دارابزين ، وجعلوا شباكا من حديد فوق بئر زمزم ، زنته اثنان وتسعون منا كل من مائتين وستون درهما بعد أن ضيقوا سعة الفتحة التى كانت تحاذى بئر زمزم بأخشاب مسمرة جعلت هنالك ولم يكن هناك شباك حديد قبل ذلك ، وإنما كان هناك أخشاب مرتفعة كالقافة فطيف بالبئر تمنع من السقوط فيها ، وجعلوا دارابزين من خشب مخروط ، يطيف بالشباك الحديد ووسعوا الدرجة التى يصعد منها الى سطح هذا البيت لضيقهما ، وجعلوا لها دارابزين من خشب غير مخروط واستحسنت وسعتها ، وكذا جميع ما عمر فى جدار هذا البيت وما عمل فى سطحه من ظلة المؤذنين ، وغير ذلك استحسانا

٣٢٦

كثيرا وفرغ من عمل ذلك كله فى رجب سنة اثنتين وثمان مائة والمتولى المعروف هذه العمارة الجناب العالى الكبير العلانى ، خواجا شيخ على بن محمد الجيلانى نزيل مكة المشرفة ـ زاده الله رفعة ـ وتوفيقا وكان الى جانب هذا الموضع خلوه فيها بركة تملأ من زمزم ويشرب منها من داخل الى الخلوة لها باب الى جهة الصفا ، ثم شدد جعل فى موضع الخلوة بركة مقبوة ، وفى جدارها الذى قبل الصفا زبازيب من نحاس يتوضأ الناس فيها على أحجار نصبت عند الزبازيب وفوق البركة المقبوة خلوه فيها شباك الى الكعبة وشباك إلى جهة الصفا ، وطابق صغير الى البركة ، وكان عمل ذلك على هذه الصفة فى سنة سبع عشر وثمان مائة هدم ذلك حتى بلغ الأرض فى العشر الأول من ذى الحجة سنة سبع عشرة وثمان مائة ، لما قيل من أن بعض الجهلة يستنجى هناك ، وعمر عوض ذلك سبيل لمولانا السلطان المؤيد بن النصر شيخ ـ نصرة الله ـ ينتفع الناس بالشرب منه ، فيتضاعف له الدعاء ولمن كان السبب فى ذلك وصفة هذا السبيل : بيت مربع مستطيل فيه ثلاثة شبابيك كبار من حديد ، فوق كل شباك لوح من جبس صنعة حسنة من كل واحد الى جهة الكعبة واثنان إلى جهة الصفا ، وتحت كل شباك حوض فى داخل البيت وفيه بركة حاصل للماء ، وله سقف مدهون يراه من داخل السبيل ، وباب إلى جهة الصفا وله رفرف من خشب من خارجه ، وفوق ذلك شراريف من حجارة منحوته وباطن السبيل منور ظاهره مرخم بحجارة ملونة ، وجاءت عمارته حسنه وفرغ منها فى شهر رجب سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، وابتدى فى عمله بأثر سفر الحاج وفى موضع هذه الخلوة كان مجلس عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ على مقتضى ما ذكر الأزرقى والفاكهى ، ومن الحجر الأسود إلى وسط البيت الذى فيه بئر زمزم أحد وثلاثون ذراع وسدس ذراع بذراع الحديد ذكر أسماء زمزم قال الفاكهى : أعطانى أحمد بن محمد بن ابراهيم كتابا ذكر فيه أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه فقالوا هذه تسمية أسماء زمزم هى زمزم وهى مزمة جبريل وسقيا الله إسماعيل لا تنزف ولا تذم وهى بركة وسيدة نافعة ومضمونة وعونه ويسرى وصافية وبرزة وعصمة وسالمه وميمونه ومباركة وكافية وعافية ومعذبة وطاهرة ومقداة وجرمية. ومروية. ومؤنسة وطعام طعم وشفاء من

٣٢٧

سقم انتهى. ولها أسماء أخر غير ذلك ، وهى حفيره العباس ذكره ياقوت وهمز جبريل بتقديم الميم ، على الزاى ذكره السهيلى قال : وحكى زمازم وزمزم ورأيت فوق الزاى من زمزم ضمه وعلى الميم الأول شده وفتحة وطيبة : وتكتم وشباعة العيال وشراب الأبرار وقرية النمل ، ونقرة الغراب وهزمة اسماعيل ، وهذه الأسماء ذكرناها فى أصل هذا الكتاب بأبسط من هذا ، وظبيه فى أسماء زمزم بالظاء المعجمة بعدها باء موحدة ساكنة ثم ياء مثناة من تحت على مقتضى ما ذكر ابن الأثير فيما نقله عن ابن جماعة فى مكة وكلام السهيلى يقتضى أن طيبة اسم زمزم بطاء مهملة بعدها ياء مثناه من تحت مشددة ثم باء موحده والله أعلم وأقاتكتم فى أسماء زمزم فهو فعل فيكون بفتح التاء الأول وسكون الكاف وضم التاء الثانية بعد الكاف والله أعلم. واختلف فى زمزم هل هى مشتقة أم لا؟ واختلف فى المعنى الذى اشتقت منه على القول بأنها مشتقة وقد أوضحنا ذلك مع معانى بعض أسمائها فى أصل هذا الكتاب.

ذكر فضائل ماء زمزم وخواصه

رويناه من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خير ما على وجه الأرض ماء زمزم أخرجه ابن حبان والطبرانى بسند رجاله ثقات ، وكان شيخنا شيخ الاسلام سراج الدين البلقينى ، يقول : أنه أفضل من ماء الكوثر على ما ذكر عنه الشيخ لابن الدين الفارسكورى وذكر أن شيخ الاسلام كان يعلل ذلك بكونه غسل به صدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين شق لأنه لم يكن يغسل إلا بأفضل المياه وذكر شيخنا الحافظ العراقى أن حكمة غسل صدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بماء زمزم ليقوى به على رؤية ملكوت السموات والأرض ، والجنة والنار ، لأن من خواص ماء زمزم أنه يقوى القلب ، ويسكن الروع انتهى بالمعنى والله أعلم بالصواب وروينا من حديث ابن عباس أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أراد أن يتحف الرجل بتحفة سقاه من ماء زمزم أخرج هذا الحديث الحافظ شرف الدين الدمياطى بسنده وقال فيما أنيبت به عنه اسناد صحيح وروينا من حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ماء زمزم لما شرب له إن شربته تستشفى به شفاك الله وإن شربته لقطع ظمأك قطعه هى هزمه جبريل وسقيا الله اسماعيل وهذا الحديث رويناه فى سند الدارقطنى ، وأخرجه الحاكم فى المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من

٣٢٨

الجارودى ، يعنى محمد بن حبيب رواية عن سفين بن عيينة ، قال شيخنا الحافظ العراقى : سلم منه ولله الحمد ، لإن الخطيب ذكره فى تاريخ بغداد ، وقال : كان صدوقا ، وحسن شيخنا ابن الصلاح أن حديث بن عباس أصح من حديث جابر. انتهى وذكر الذهبى رحمه‌الله ما يقتضى أن هذا الحديث ضعيف ، لأنه قال بعد أن ضعف الأسنانى شيخ الدارقطنى فيه : فلقد أثم الدارقطنى بسكوته عنه فإنه بهذا الإسناد باطل ، وقد ذكرنا بقية كلام الذهبى فى أصل هذا الكتاب : وقد أخرجنا فى أصل هذا الكتاب حديث جابر من طرق وحديثا لعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهم ـ فى هذا المعنى وحديث جابر رواه الموالى ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحيح الدمياطى هذا الإسناد وفى صحته نظر على ما ذكر الحافظ ابن حجر وبينا ذلك فى أصله ـ والله أعلم ـ وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمقاصدهم الجليلة فنالوها روينا فى ذلك أخبارا منها أن الإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ شربه للعلم فكان فيه غاية ، وللرمى فكان يصيب العشرة من العشرة ، والتسعة من العشرة ، ومنها أن رجلا يشرب سويقا فيه أبرة وهو لا يشعر بها فاعترضت فى حلقة ، وصار لا يقدر يطبق فمه وقارب أن يموت فأمره بعض الناس بالشرب من ماء زمزم وأن يسأل الله الشفاء فشرب منه شيئا بجهد ، وجلس عند أسطوانة المسجد الحرام فغلبته عيناه فنام وانتبه من نومه ، وهو لا يحس من الإبرة شيئا. وليس به بأس ذكر هذا الخبر الفاكهى ، وهذا ملخص منه بالمعنى ومنها أن أحمد بن عبد الله الشريفى الفراش بالحرم المكى شربه للشفاء من العما فشفى ، كما ذكر لى شيخنا الشريف عبد الرحمن بن أبى الخير الفاسى : ومنها أن الفقيه العلامة المدرس المفتى أبا بكر بن عمر بن منصور الأصبحى المعروف بالشبينى بشين : معجمة ونون ثم يا مثناة من تحت ونون وياء للنسبة أحد العلماء المغتربين ببلاد اليمن ، شرب من ماء زمزم بنية الشفاء من استسقاء عظيم أصابه بمكه فشفى بأثر شربة له على ما أخبرنى به الفقيه الصالح عفيف الدين عبد الله بمكه ، وأخبرنى عن أبيه أنه لما اشتد به الاستسقاء خرج يتعرض لطبيب بمكة فأعرض عنه الطبيب الذى قصده ، فانكسر

٣٢٩

خاطره لذلك ، وألقى الله بباله أن يشرب من ماء زمزم واستسقى بدلو ، فشرب منه حتى تضلع ، وأنه بعد أن تضلع منه أحس انقطاع شىء فى جوفه فبادر حتى وصل الى رباط الشدرة يستنجى به فما وصل إليه ألا وهو شديد الخوف من أن يروث فى المسجد ، فألقى شيئا كثيرا ، ثم عاد إلى زمزم وشرب فيه ثانيا حتى تضلع وأخرج شيئا كثيرا ثم صح فبينما هو فى بعض الأيام برباط رفيع بمكة يغسل ثوبا له وهو يطأه برجله ، وإذا بالطبيب الذى أعرض عن ملاطفته فقال له : أنت صاحب تلك العلة فقال : نعم قال له : بما تداويت قال : بماء زمزم فقال الحكيم : الله لطف بك قال : وبلغنى عن ذلك الحكيم أنه قال حين رآه أولا هذا ما يعيش ثلاثة أيام عثر الله المذكور وهذه الأخبار تدل لصحته والحديث صحيح أو حسن وقد ذكر ابن الجوزى فى الموضوعات * ص ١٨٩ ولم ينصف فى ذلك ، وأما حديث الذى فيه أن الباذنجان لما أكل له فهو حديث موضوع على ما بلغنى عن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلى ، وصرح بوضعه مشيخنا الحافظ نور الدين الهيثمى ، وليس لهذا الحديث أصل فى كتب الإسلام إلا فى أثناء حديث فى مسند الفردوس بإسناد مظلم ، ورويناه فى حزوين عليك بإسناد ساقط ، ومن خواصها أنه يبرد الحمى ، ومنها أنه يذهب الصداع ، على ما قال الضحاك بن مزاحم ومنها أن المياه العذبة ترفع وتعور قبل يوم القيامة إلا ماء زمزم ، قاله الضحاك أيضا ، والله أعلم بذلك ، ومنها أنه يفضل مياه الأرض كلها طّبا وشرعا ، على ما قال الشيخ بدر الدين بن الصاحب الأثارى المصرى فى تأليف له سماه نقل الكرام وهديه دار السلام ، وأنشد لنفسه أبياتا حسنة فى مدح ماء زمزم كتبناها فى أصل هذا الكتاب ، ومنها أن ماءها يحلو ليلة نصف شعبان ويطيب على ما ذكر ابن الحاج المالكى فى منسكه ومنها أنه يكثر فى ليلة النصف من شعبان فى كل سنة ، بحيث أن البئر يفيض بالماء على ما قيل لكن لا يشاهد ذلك الا العارفون ، ومن شاهد ذلك الشيخ الصالح أبو الحسن المعروف بكر تاج على ما وجدت بحط حد أبى الشريف أبى عبد الله ألفاسى نقلا عن الشيخ فخر الدين النوزرى عن الشيخ على كرتاج ومنها على ما قال الضحاك بن مزاحم الاطلاع فيها يجلو البصر ، ومنها أن الاطلاع فيها يحط الأوزار والخطايا على ما ذكر أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفرانى فى

٣٣٠

كتاب الإرشاد فى المناسك ، له وروى الفاكهى نحوه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرسلا من رواية مكحول ، بسنده الى مكحول ومنها أن من حثا على رأسه ثلاث حثيات من ماء زمزم لم تصبه زلة أبدا ، على ما وجد فى كتب الروم ، منها حكاه الفاكهى بسنده عن بعض ملوك الروم ذكر آداب شربه : يستحب لشاربه أن يستقبل القبلة وأن يسهى فيذكر الله تعالى ، ويتنفس ثلاثا ويتضلع منه ، ويحمد الله تعالى ، ويدعو بما كان ابن عباس يدعو به إذا شرب ماء زمزم ، وهو أنه يقول اللهم إنى أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء ، كما روى عنه فى المستدرك للحاكم ولا يقتصر على هذا الدعاء ، بل يدعو بما أحب من أمر الآخرة والدنيا ، ويتجنب الداعى بما فيه مأثمه. ذكر حكم التطهير بماء زمزم يصح التطهر به بالإجماع على ما ذكر الرويانى فى البحر ، والماوردى فى الحاوى ، والنووى فى شرح المهذب وينبغى توقى إزالة النجاسة به وخصوصا مع وجود غيره وخصوصا فى الاستنجاء ، فقد قيل أنه يورث الباسور وجزم المحب الطبرى بتحريم إزالة النحاسة بة وأن حصل به التطهير وقال ابن شعبان من المالكية لا يغسل بماء زمزم ميت ولا نجاسة ومقتضى ما ذكره ابن حبيب المالكى استحباب التوضى به وكذلك مذهب الشافعى ذكره ابن حنبل فى روايه عن الوضوء به ، وذكر الفاكهى أن أهل مكة يغسلون موتاهم بماء زمزم إذا فرغوا من غسل الميت ، وتنظيفه تبركا به ، وذكر أن أسماء بنت الصديق ـ رضى الله عنها ـ غسلت ابنها عبد الله بن الزبير رضى الله عنه بماء زمزم ذكر نقل ماء زمزم إلى البلدان روينا فى جامع الترمذى عن عائشة رضى الله عنها أنها حملت من ماء زمزم فى القوارير وقالت حمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الأداوى والقرب ، وكان يصب على المرضى ويسقيهم قال الترمذى حديث غريب ، لا يعرف إلا من هذا الوجه ، وروينا من حديث ابن عباس بسند رجاله ثقات فى معجم الطبرانى الكبير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استهدى سهل ابن عمرو من ماء زمزم ، وروينا فى تاريخ الأزرقى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم استعجل سهيلا فى إرسال ذلك إليه ، وأنه بعث إليه بروايتين ، وقد اتفق الأئمة على جواز نقله واستحب ذلك الشافعية والمالكيه ذكر خير شىء من سقاية العباس بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ هذه السقايه الآن بيت مربع فى أعلاه قبه كبيرة ساتره لجميعه والقبة من أجر معقود بالنورة

٣٣١

وفى أسفل جدرانها خلا الجنوبى شبابيك من حديد تشرف على المسجد الحرام ، فى كل جهة شباكان وفى جانبها الشمالى من خارجها حوضان من رخام مفردين ، وباب الساقية بينهما وفى هذا البيت بركه كبيرة ، تملأ من بئر زمزم يسكب الماء من البئر فى حشبه طويله على صفه الميزاب ، متصلة بالجدار المشرقى فى حجره زمزم ، ويجرى الماء منها إلى الجدار المشار إليه ، ثم إلى قناة تحت الأرض حتى يخرج من البركة من نوارة فى وسطها ، وتاريخ عمارة هذه القبة سنة سبع وثمان مائة ، وسبب عمارتها فى هذه السنه سقوط القبة التى كانت على هذه السقاية وكانت خشبا من عمل الجواد والناصر محمد بن قلاون ، ممن عمر هذه السقاية وقد ذكرنا فى أصل هذا الكتاب ما ذكره الأزرقى فى صفة هذه السقاية وهو يخالف ما ذكرناه ، وقد ذكر الأزرقى ذرع ما بينها وبين الحجر الأسود وغير ذلك من جوانب المسجد ، وذكرنا شيئا من ذلك فى أصل هذا الكتاب ، مع تحرير بالماء بينها وبين الحجر الأسود. انتهى ذكر فضل خبره الذى الآن بداخل مكة والمرابطة بها لما تقدم فى القصة أن قريشا لما أرادوا بناء الكعبة خرجوا إلى جدة لشراء المركب التى انكسرت عليها ، باب أن يذكر فضلها ، ثم نختم بعد ذلك بالكلام على فضل المرابطة بالثغور ، وفضل المجاورة بمكة فنقول فضل جدة التى هى الآن ساحل مكة روى الفاكهى عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضى الله عنه ـ قال : قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكه رباط وجده جهاد وعن ابن جريح قال : سمعت عطا يقول أما جدة خزانة مكة أوتى به إلى مكة ولا يخرج به منها ، ثم قال : أعنى ابن جريح أنى لأرجو أن يكون فضل مرابط جده على سائر المرابط كفضل مكة على سائر البلدان وعن عباد وابن كثير ، أنه قال : الصلاة بجده بسبعه عشر ألف ألف صلاة والدرهم فيها بمائة ألف وأعمالها بقدر ذلك يغفر للناظر فيها من بصره ، مما يلى البحر ، وعن فرقه السبخى أنه قال : أتى رجل أقراء هذه الكتب وأتى لا أجد فيما أنزل الله من كتبه جدة أو جديدة يكون بها قتلى وشهد الشهداء يومئذ على ظهر الأرض أفضل منهم ، وعن بعض المكيين أن الحبشة جاءت إلى جدة فى سنة ثلاث وثمانين فى مصدرها فوقعوا بأهل جدة فخرج الناس من مكة إلى جدة غزاة فى

٣٣٢

البحر ، وعليهم أميرهم عبد الله بن محمد بن إبراهيم المخزومى. انتهى قال الفاسى ـ رحمه‌الله تعالى ـ عبد الله بن محمد هذا أول مكه للرشيد العباس ، فيكون المراد سنة ثلاث وثمانين ومائه ، وأول من جعل جدة ساحلا لمكة عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ فى سنة ست وعشرين من الهجرة وكانت الشعبية ساحل مكة قبل ذلك وذكر ابن جبير أنه رأى بجده أثر سور محمد مد بها وأن بها مسجدين بنيان لعمر بن الخطاب ـ رضى الله تعالى عنه ـ أحداهما يقال له : مسجد الأبنوش وهو معروف إلى الآن والآخر غير معروف ولعله والله أعلم المسجد الذى يقام فيه الجمعه وهو من عمارة المظفر صاحب اليمن. انتهى ويروى أن قبر حواء بجدة والله تعالى أعلم. خاتمه للإمام السبكى. رسالة سماها المحاوره والنشاطة. فى المجاوره والرباط. قال فيها ما نصة قال شيخنا : شيخ الإسلام بقيه السلف قاضى القضاه حاكم الحكام نقى الدين أبو الحسن على بن عبد الكافى السبكى رحمه‌الله تعالى جاءنى سؤال أيهما أفضل الإقامة فى الثغر على وجه المرابطة فى سبيل الله كالمرابطه فى أطراف بلد سيش ونحوها ، أو المجاورة بمكة شرفها الله تعالى ، والمدينة الشريفه فقلت مبتدرا المرابطة ثم رأيت أن أشرح ما عندى فى ذلك فأقول وبالله التوفيق : أما المجاورة بمكة فروى أبو داود فى سنته عن القعينى عبد الدروارى ، عن عن الرحمن بن حميد أنه سمع ، عمر بن عبد العزيز يسأل السائب بن يزيد : هل سمعت فى الإقامة شيئا؟ قال : أخبرنى ابن الحضرمى أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول للمهاجرين إقامة بعد الصدر ثلاثا ، وبوب عليه أبو داود باب الإقامة بمكة ، ورواه الترمذى أيضا من حديث العلاء بن الحضرمى مرفوعا يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا ، وقال : حسن صحيح وهذا خاص بالمهاجرين لا يتعدى إلى غيرهم ، لأن المهاجرين تركوها لله ، فلا يعودون فيما تركوه لله وكانوا يكرهون الموت فى الأرض التى هاجرو منها ، وورد بإسناد جيد عن ابن عمر بن الخطاب وليس فى الكتب السنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا دخل مكه قال : اللهم لا تجعل منايانا منها حتى تخرجنا منها ، وورد من حديث مرسل أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلف على سعد رجلا فقال : إن مات فلا تدفنوه بها. وكان عمر بن الخطاب يقول : يا معشر المهاجرين لا تتخذوا الأموال بمكة ، وأعدها بدار هجرتكم فإن

٣٣٣

قلب الرجل عنه ماله وفى مصنف ابن أبى شيبة أن عمر بن الخطاب وعائشة كانا إذا قدما مكة حاجا كره أن ينزل بيته الذى هاجر منه ، وبوب ابن أبى شيبة فى مصنفه للجوار بمكه فذكر حديث العلاء بن الحضرمى الذى ذكرناه وذكر عن إسماعيل ابن أبى خالد قال : سمعت عامرا يقول : ما جاور أحد من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان عامر يقول : مالجوار وعن الأعمش عن أبى سفين قال : جاورت مع جابر بن عبد الله بمكه ستة أشهر وعن عطاء قال : جاور عندنا جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدرى وعن ابن الزبير أنه كان يقيم بمكه السنين ، وعن حفص بن عثمان عن عبد الملك قال : جاورت بمكة وثم على بن حسين وسعيد بن جبير وعن عطاء قال : أتيت أنا وعبيد بن عمر الليثى عائشة ، وهى مجاورة قال : وكان عليها نذرا أن تجاور شهرا ، وكان عبد الرحمن أخوها يمنعها من ذلك ، وتقول جوار البيت وطواف به أحب إلى وأفضل ، فلما مات عبد الرحمن خرجت. وعن عمر لا تقيموا بعد النفر إلا ثلاثا وعن الشعبى عن عبد الله قال : مكه ليست بدار إقامة ولا مكث ، وما ذكره من مجاورة جابر وأبى سعيد فإنهما من الأنصار ليسا من المهاجرين ، وما ورد عن عمر من النهى محمول على المهاجرين أو أنه كان يقصد به عمارة البلاد وأن لا ينتقص حرمه البيت من قلوب الناس الوافدين عليه وقد اختلف العلماء فى كراهية المجاورة ، والحق أنها إنما تكره للمهاجرين ، أما غيرهم فلا يكره لهم الإقامة بها ، قد دعا إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات وهى أفضل الأرض عند الجمهور ، وحرمتها من يوم خلق الله السموات والأرض ، ويحكى أن النبيين كانوا يحجون فإذا أتوا الحرم مشوا إعظاما له ومشوا حفاة ، وقيل إنه ما من نبى أهلك الله أمته ، إلا أتى مكة بمن معه من الصالحين يتعبدون الله بها حتى يموتوا قلت : وهو مناسب لأن الإنسان ما دام فى الدنيا ينفى له الحرص على الازدياد فى الأعمال الصالحة على الحمل الوجوه فإذا لم يكن له شغل فى غير مكة أفضل من عبادته فيها فهى له أولى ، لأن عبادته بها أكمل ، وفيها بيت الله فحقيق بالعبد أن يكون عند بيت مولاه ، وعن ابن عباس قال : فى المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وشعيب عليهما‌السلام فقبر إسماعيل فى الحجر ، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود ، وهذا فى خبر ابن زنبور من رواية الكلبى عن أبى

٣٣٤

صالح ، وكنت سمعت شيخنا رضى الدين الطبرى بمكة يقول : إن قبر إسماعيل بالحجر فتعجبت من دفنه فيه والحجر من الكعبة حتى رأيت هذا الحديث فى الجزء المذكور ، وذكر الشيخ محب الدين الطبرى فى كتابه خير القرى فى زيارة أم القرى ، فيما جاء فى الجوار بمكه عن سهل بن عبد الله قال كان عبد الله بن صالح رجل له سابقة جليله وكان يفر من الناس من بلد إلى بلد ، حتى أتى مكة فطال مقامه بها ، فقيل له : لقد طال مقامك بها فقال : لم لا أقيم بها؟ ولم أر بلدا ينزل فيه الرحمة والبركة أكثر من هذا البلد الملائكة تغدو فيه وتروح ، وإنى أرى فيه عجائب كثيرة ، أرى الملائكة يطوفون به على صورتها ، لا يقطعون ذلك ، ولو قلت لك كلما رأيت لصفرت عقول قوم ليسوا بمؤمنين ، فقلت له أسالك ألا ما أخبرتنى بشىء من ذلك ، فقال ما من ولى لله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر هذا البلد فى كل جمعة ولا يتأخر عنه فمقامى هذا لاجل من أراه منهم ، ولقد رأيت رجلا يقال له مالك بن القاسم جبلى ، وقد جاء ويده غمره فقلت له إنك حديث عهد بالأكل ، فقال لى : استغفر الله ، فإننى منذ أسبوع لم آكل ولكن أطعمت والدتى ، وأسرعت لألحق صلاة الفجر ، وبينه وبين الموضع الذى جاء منه سبع مائة فرسخ نهل أنت مؤمن فقلت : نعم فقال : الحمد لله الذى أرانى مؤمنا موقنا خرجه الحافظ أبو الفرح فى مثير العزم قوله غمره إنما يقال هذا فى اللحم خاصة وعن إبراهيم قال : كان الاختلاف إلى مكه أحب إليهم من مجاورة البيت ، وعن الشعبى قال : لم يكن أحد من المهاجرين والأنصار يقيم بمكة وعن جابر أنه أقام بمكة فى أحواله فى بنى سهم سبعة أشهر ، خرجه سعيد بن منصور قلت : جابر بن عبد الله أنصارى ليس من المهاجرين فلا تحرم عليه الإقامة بمكة ، ومع ذلك فقد رأيت ما قيل أنه أقام فى أحواله ، فلم يقصد المجاورة وإنما أقام لشغل له مده احتياجه ، وفى هذا الكتاب من الميانشى من حديث ابن عباس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من أدرك شهر رمضان بمكه من أوله إلى آخره صيامه وقيامه كتب له مائه ألف شهر رمضان فى غيره ، وكان له بكل يوم مغفرة وشفاعة وبكل ليله مغفرة وشفاعة ، وبكل يوم حملان فرس من سبيل الله عزوجل وله بكل يوم دعوة مستجابة». وهذا الحديث فى ابن

٣٣٥

ماجة ولفظه : من أدرك رمضان بمكة فصامه ، وقام منه ما تيسر له ، وذكر الغزالى ـ رحمه‌الله ـ فى الإحياء فضيلة المقام بمكة ، قال : كره الخائفون المحتاطون فى العلماء المقام بمكة لثلاثة معان أحدها خوف التبرم والأنس بالبيت ، فإن ذلك إنما يؤثر تسكين حرقة القلب فى الاحترام ، وأنه كان عمر ـ رضى الله عنه ـ يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول يا أهل اليمن يمنكم ، ويا أهل الشام شامكم ، ويا أهل العراق عراقكم قلت : يحتمل أن يكون مراد عمر بهذا عمارة البلاد ببقاء أهلها فيها ، والله أعلم قال الغزالى : ولذلك هم عمر ـ رضى الله عنه ـ بمنع الناس من كثرة الطواف وقال : خشيت أن ينسى الناس هذا البيت الثانى بتهيج الشوق بالمفارقة لينبعث داعية العود الثالث الخوف من الخطايا قال ابن مسعود : ما من بلد يؤاخذ فيه بالهم قبل العمل إلا مكة ، وتلا قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ويقال السيئات تضاعف كما تضاعف الحسنات ، وقال ابن عباس : لأن أذنب سبعين ذنبا بركبه أحب إلى من أن أذنب واحدا بمكة ، وركبه منزل بين مكة والطائف ولا يظن أن كراهية المقام يناقض فضل البقعة لأن هذه كراهية لضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع ، معنى قولنا أن ترك المقام به أفضل أى بالإضافة إلى المقام مع التقصير والتبرم ، وأما أن يكون أفضل مع الوفاء بحقه فهذيان ، وكيف لا ولما عاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة قال : «إنك لخير أرض الله إلى الله عزوجل ، وأحب بلاد الله إلى الله ، ولو لا أنى أخرجت منك ما خرجت» وما بعد مكه بقعة أفضل من مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأعمال فيها أيضا مضاعفة فكل عمل بالمدينة بألف ، وكل عمل فى مكه بمائة ألف ، والصلاة فى بيت المقدس بخمس مائة صلاة ، وكذلك سائر الأعمال ، فالعمل فى القدس على نصف العمل فى المدينة ، وعلى نصف عشر عشر العمل فى مكة ، والمقتضى لكون العمل فى مكة بمائة ألف ، مركب من حديثين أحدهما فى الصحيح ، والآخر سنده صحيح وقال حماد بن زيد عن حبيب بن معلم وقد وثقه أحمد وابن إسمعين عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة فى المسجد الحرام أفضل من صلاة فى مسجدى هذا بمائه صلاة» وهذا صريح فى تفضيل مكة على المدينة وروى نحوه من حديث موسى الجهنى عن نافع عن

٣٣٦

ابن عمر عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال الغزالى : وما بعده هذه المواضع الثلاثة إلا الثغور فإن المقام بها للمرابطة فيه فضل قلت : الثغور لأفضل فيها فى نفسها إنما الإقامة فيها لأجل الرباط بخلاف مكة ، والمدينة ، وبيت المقدس ، ففيها فضل فى أنفسها ، وليس فى الأرض بقعة لها فضل غير البلاد الثلاثة ، وعرفه ومرادنا بذلك الفضل الذى شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكما شرعيا ، وتشد الرحال إليها وأما غيرها فلا تشد الرحال إليها لذاتها ، وأما شد الرحال إليها لزيارة او جهاد أو علم فلا منع منه ، وقد التبس ذلك على بعض الناس ، فتوهم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن فى غير الثلاثة داخل فى النهى ، وهو خطأ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه ، فمعنى الحديث الوارد فى ذلك لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد ، أو إلى مكان من الأمكنه لأجل ذلك المكان ، إلا إلى ثلاثة مساجد وشد الرحال إلى زيارة حى أو ميت ليس إلى المكان بل إلى من فى المكان كشغل من الأشغال هذا ما يتعلق بالمجاوزة وفى المجاورة بمكة الاعتمار والطواف والنظر إلى البيت ، وتضعيف الصلاة التى تزيد على غيرها ، وفى المجاورة بالمدينة تضعيف الصلاة ، وزيارة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن مات بها يكون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم شفيعا له شهيدا له ، يوم القيامة وفى المعجم الكبير للطبرانى ثنا الحسن ابن على بن نصر المطوشى ثنا عبد الله بن أيوب المحرمى ثنا عبد الله ابن كثير بن جعفر عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان ، والمعجم الكبير روايتنا جمعة إلى الطبرانى والعجب أنه لم يستثن فى هذا الحديث مكة وقد ورد حديث من مات فى أحد الحرمين غفر له وفى إسناده ضعف والمنقول عن أبى حنيفة كراهية المجاورة ، وهو محمول على ما قدمناه عن الغزالى إن شاء الله تعالى وينبغى أن ينظر فى ضابط المجاورة التى اختلف العلماء فى كراهتها ، هل من شرطها الاستيطان؟ أو إقامة ما زاد على مدة المسافرين؟ أو كيف هى؟ ولا شك أن إقامة ثلاثة أيام لا تكره لأن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رخص فيها للمهاجرين ، وأقام فى حجته فيها ثلاثة أيام ، والزائد على ذلك يظهر أن يقال إن كان لشغل من

٣٣٧

انتظار حج أو غيره فلا يكره قطعا ، وإن كان الغزالى ـ والله أعلم ـ فهو محل الخلاف ، وتحرير الخلاف ، وسببه ما قاله الغزالى ـ والله أعلم ـ وأما الرباط ففى البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى ـ رضى الله عنه ـ عن النبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «رباط يوم فى سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضوع سوط أحدكم فى الجنة خير من الدنيا وما عليها» (والروحه يروحها العبد فى سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) وفى مسلم من حديث سلمان ـ رضى الله عنه ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذى كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان» وفى سنن أبى داود من حديث فضالة بن عبيدان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كل الميت يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر» وهذا الحديث قال أبو داود : فيه سعيد بن منصور ثنا عبد الله بن وهب ثنا أبو هانى عن عمرو بن مالك عن فضالة ورواه الترمذى أيضا عن أحمد بن محمد عن ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن أبى هانى الخولانى أن عمرو بن مالك الجنبى أخبره أنه سمع فضالة ابن عبيد يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال كل ميت يختم على عمله إلا الذى مات مرابطا فى سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر قال الترمذى : حديث فضالة بن عبيد حديث حسن صحيح ولا يلزم أن يطرد هذا فى من مات فى الجهاد حنف أنفه لأن الجهاد لغرض ، وينقطع والرباط مستمر فالمرابط حبس نفسه ، وعزم على صرف عمره فى الرباط ، فهو من هذا الوجه يزيد على المجاهد قرأت على المحدث أبى بكر عبد الله بن على بن شبل الصهاجى قال : أنا الشيخ قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن على بن القسطلانى أنا أبو الحسن على بن أبى الكرم ابن النبا أنا أبو الفتح عبد الملك الكروضى أنا أبو عامر محمود بن القاسم الأزدى وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد الفورجى أنا أبو محمد عبد الجيار بن محمد بن عبد الله الجراحى أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبى ثنا أبو عيسى بن سورة الترمذى والترمذى جمعه هذى بهذا السند قال الترمذى بالإسناد المذكور إليه ثنا محمد ابن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو عامر العقدى قالا : ثنا هشام ابن سعد

٣٣٨

عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر» وقال غريب وليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف ، إنما يروى عن أبى عبد الرحمن الحبل عن عبد الله بن عمر ، وكذا قال وربيعة يروى عن فضالة بن عبيد قال المزنى ، رواه بشر بن عمر الزهرانى وخالد نزار الإيلى عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف عن عياض بن عقبة الغزالى ، عن عبد الله بن عمر رواه الليث بن سعد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف أن ابنا لعياض بن عقبة توفى يوم الجمعة فاشتد وجده عليه فقال له : رجل من صدف؟ يا أبا يحيى ألا أبشرك بشىء سمعته من عبد الله بن عمرو بن العاص فذكره قلت ما ذكره ابن عساكر من رواية ربيعة عن فضاله قد لا يرد على الترمذى ، ويكون مراده نفى سماعه من عبد الله بن عمرو بن العاص ، وحضر روايته عنه فى طريق أبى عبد الرحمن الجبلى لا نفى روايته عن أحمد سواه مطلقا ، وأما ما ذكره المزنى فسنذكره واسم أبى هلال والد سعيد مرزوق وقال الحافظ مسعود بن أحمد : يفيدنا هذا ويقول هذا من الزوايا يعنى معرفة اسم أبى هلال وذكر الطحاوى فى مشكل الإناء مثل ذكر الترمذى وزاد بروايته عن يونس عن ابن وهب عن الليث عن ربيعة أن عبد الرحمن بن قمزم أخبره أن ابنا لعياض بن عقبة توفى يوم جمعة فاشتد وجده عليه فقال له رجل من أهل الصدف : ألا أبشرك بشىء سمعته من عبد الله بن عمرو؟ فذكره ويونس هذا حوا بن عبد الأعلى الثقة المشهور ورواه الطحاوى أيضا عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أبيه وشعيب بن الليث عن الليث ثنا خالد يعنى ابن يزيد عن ابن أبى هلال عن ربيعة بن سيف أن عبد الرحمن بن مخذم فذكره قال فبطل الاحتجاج بهذا الحديث وذكر الطحاوى هذا فى معارضه حديث قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ثنا وهب ابن جرير ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن أم المؤمنين أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن للقبر ضغطة لو أن أحد ناج منها نجا منها سعد بن معاذ» قال الطحاوى : هكذا ثنا ابن مرزوق لغير إدخال فيه بين نافع وأم المؤمنين أحد أو حدثنا سليمان بن شعيب بن سليمان الكسائى

٣٣٩

أبو محمد ثنا عبد الرحمن بن زياد ثنا شعبة قال : سمعت نافعا يحدث عن امرأة ابن عمر عن عائشة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثله وثنا محمد بن إسماعيل الصانع ثنا يحيى بن بكير الكرمانى قاضى كرمان ثنا شعبة قال سعد اخبرنى قال : سمعت نافعا عن امرأة ابن عمر عن عائشة رفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ذكر مثله وقد خالف سفين بن سعيد فى إسناد هذا الحديث عن سعد فرواه عنه كما ثنا فهد ثنا أبو حذيفة ثنا سفين عن سعد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو أحد نجا من عذاب القبر ، لنجا منه سعد ثم قال بأصابعه الثلاث يجمعها كأنه يقبلها ثم قال : لقد ضغط ثم عوفى» قال الطحاوى : فقال قائل ايكون هذا مضادا لما قد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكره ثم قال الطحاوى ، فكان جوانبا له وذكر ما قدمناه ، وأن ربيعة لم يلق عبد الله بن عمرو ، وما ذكره حسن لكن يحتاج إلى جواب عن حديث فضالة فى المرابط فإما أن يجعل مخصصا لحديث عائشة وهو الأول وإما أن يفرق بين الأمن والوقاية فقد يحصل له وهو آمن فيها ، وهذا إذا صح الحديثان ، وفى كل منهما نظر سنبينه إن شاء الله وقد استمليت من الحافظ مسعود بن أحمد الحارث جزاء فى هذا الحديث ، وسمعته منه قال : قرأت على أحمد بن محمد أخبرك زهران الكرخى أنا الأذرى والرمافى والفورجى أنا الجراحى أنا المحبوبى أنا الترمذى ثنا محمد ابن يسار ثنا عبد الرحمن بن مهدى وأبو عامر العقدى قالا : ثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبى هلال عن ربيعة بن سيف فذكره قال مسعود وأنا بالحديث عبد اللطيف أنا الحرى أنا ابن الحصر ، أنا ابن المذهب أنا القطيعى ، ثنا عبد الله ابن أحمد حدثنى أبى ـ رحمه‌الله ـ ثنا أبو عامر العقدى ثنا هشام بن سعد فذكره قال مسعود وأنا أبو الفرج ، أنا ابن النحاس ، أنا القاضى أخبرنا الحوادى ، أنا ابن لشغير ابن سعد قال مسعود : واختلف على هشام فيمن رواه عنه ربيعه فقال انى مهدى والعقدى وشعيب بن حرب عبد الله بن عمرو من غير واسطه وهو ما أوردنا وكذلك قال يونس بن بكير : عنه عن ربيعه لم يذكر سعيد أو زاد حكاية قصة قال : توفى ابن فلان ابن عقبة يوم الجمعة فاشتد وجعه ، فسمعت عبد الله بن عمرو يقول : ألا أنبئك بما يسليك عن ابنك هذا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٤٠