تهنئة أهل الإسلام بتجديد بيت الله الحرام

المؤلف:

إبراهيم بن محمّد بن عيسى الميموني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥٤

من تنشق عنه الأرض أنا ـ ولا فخر ـ ثم تنشق عن أبى بكر وعمر ، ثم تنشق عن الحرمين بمكة والمدينة ، ثم أبعث بينهما» وروى الخطيب فى الموضع عن جابر مرفوعا قال : أول من يدخل الجنة الأنبياء ، ثم مؤذنو البيت الحرام ، ثم مؤذنو بيت المقدس ، ثم مؤذنو مسجدى ، ثم سائر المؤذنين». وقد روى فى فضل الموت ببيت المقدس أحاديث منها : «ما روى أن من دفن ببيت المقدس وقىّ فتنة القبر ، وسؤال الملكين ، وكأنما دفن فى السماء». وروى أبو نعيم فى تاريخ مسند ضعيف عن أبى هريرة مرفوعا من مات ببيت المقدس فكأنما مات فى السماء وهل ورد ما هو شائع إلخ الجواب الذى ورد وهو ضعيف أن أزواج المؤمنين بالجابية ، والجابية داخله فى الأرض المقدسة لكن الصحيح أن الأرواح منها ما هو فى الجنة ، ومنها ما هو بغيرها كما بينه فى شرح حديث أن أرواح إلخ ممن أراده فليراجعه. وأما قوله وما الحكمة فى ارتفاع الصخرة؟ فجوابه ليعلم الناس سر قوله تعالى (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) وهذه الصخرة مشاهدة لا علاقة من فوقها ، ولا عمد من تحتها ممسوكة فى الهواء بالقدرة ، وقد علمت مما مر ما ورد فيها وأما قوله وهل جميع عيون الأرض تحتها؟ فجوابه نعم. ورد ذلك عن كعب وغيره أن مياه الأرض كلها أصل انفجار من تحت صخرة بيت المقدس وقوله وهل المسجد الأقصى فى الفصل؟ إلخ فجوابه نعم ، هو كذلك : وفى التضعيف أيضا كما مر وقد صح عن أبى ذر أنه سأل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أى المساجد وضع أولا؟ قال : المسجد الحرام قال : ثم ماذا؟ قال : المسجد الأقصى قال : كم بينهما قال : أربعون ولم يذكر مسجد المدينة لأن أول من وضعه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخلاف المسجدين المذكورين وأما قوله : ولم يسمى الأقصى فجوابه الأقصى أفعل من القصى والقاصى هو البعيد ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكة فى الأرض يعظم بالزيارة ، وقيل : وضعه بالأقصى منهم أى من العرب أو من مكة أو من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما قوله من بناه وأسسه؟ فجوابه أول من بناه آدم ثم الخليل ، ثم دثر فبناه يعقوب ، ثم دثر فبناه داود ، ولم يكمله فبناه سليمان عليهم الصلاة والسلام أحسن بناء ، وأما قوله وهل علوه إلى آخره؟ فجوابه قال كعب : هو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا. قال الحافظ بن حجر : وفيه نظر وأما قوله وما الحكمة فى إسرائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ إلخ فجوابه : لأنه معدن

٣٠١

الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من لدن الخليل وهكذا أجمعوا له هنالك كلهم ، وأمهم فى محلتهم ودارهم ، ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدم والإمام الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال بعضهم : ذلك لإظهار الحق على من عانده لأنه لو عرج من مكة إلى السماء ، تجد المعاندة فى الإسراء سبيلا إلى البيان والإيضاح ، فلما ذكر أنه أسرى به إلى بيت المقدس سألوه عن أشياء من بيت المقدس كانوا أروها ، وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك فلما أخبرهم بما حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء به إلى بيت المقدس فى ليلة ، وإذا صح خبره فى ذلك لم يصدقوه فى بقية ما ذكر ، وقال بعضهم : «ليحصل له العروج مستويا من غير تعريج» لما روى عن كعب .. أن باب السماء الذى يقال له مصعد الملائكة مقابل بيت المقدس كان يصلى إليه الأنبياء يهاجرون إليه ، فحصل له الرحيل إليه فى الجملة ، ليجمع من أشتات الفضائل». وقال بعضهم : لأنه محل الحشر وأراد الله تعالى أن تطأه قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم ببركة أثر قدمه». وقال بعضهم أراد الله أن يريه القبلة التى صلى إليها مدة كما عرف الكعبة التى صلى إليها وقال بعضهم لأنه مجمع أرواح الأنبياء فأراد الله أن يشرفهم بزيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم». وقال بعضهم : «أراد الله أن يتفاءل بحصول التقديس له حسا ومعنى وقال بعضهم أراد الحق سبحانه وتعالى أن لا يخلى قربه فاصلة عن مشهده ، ووطن قدمه ، فتتمم تقديس بيت المقدس بصلاة سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما تم تقديسه به أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد الحديث المسجد الحرام لأنه مولده ، ومسقط رأسه ، وموضع نبوته ، ومسجد المدينة لأنه محل هجرته وأرض قربته ، والمسجد الأقصى لأنه موضع معراجه». وقوله : وهل صلى؟ إلخ جواب نعم ، صح. من طرق كثيرة ذلك وورد فى روايات أنه ، قبل عروجه وبعده وأما الباب فباب الرحمة وهو مشهور هناك وأما من كان مقيما به من الأنبياء فإبراهيم وإسحق ويعقوب ، ومن بعدهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فقوله وهل صح إلخ فجواب علم مما قرؤا أما قوله وما الحكمة فى تقديم المالكية إلى آخره فجوابه : هو أمر اصطلاح والله تعالى أعلم ، ما قيل فى أخبار المقام اعلم أن لهذا البيت المعظم زاده الله شرفا وتعظيما آيات شريفة ، وعجائب عزيزة منيفة تدل على شرفه منها مقام إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

٣٠٢

وهو لغة موضع القدم القائم ومقام إبراهيم هو الحجر الذى وقف عليه الخليل ، وفى سبب وقوفه عليه أقوال الأوائل : أنه الحجر الذى نزل لإبراهيم الخليل صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الجنة كما صبح به الحديث ليقوم عليه عند بنائه الكعبة إذا طال البناء ، فكان يعلو به إلى أن يضع الحجر فى عمله ، ثم يقصر به إلى أن يتناول الحجر من إسماعيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه أثر قدميه هذا الذى نادى عليه لما فرغ بناء الكعبة «أيها الناس إن الله بنى لكم بيتا ، فحجوا إليه» فسمعته مع النطف فى الأصلاب والأجنة فى الأرحام فأجابوه فى ذلك لبيك وفى رواية أنه نادى بذلك على الحجون ، ولا ينافى الاحتمال أنه نادى مرتين الثانى أنه جاء بعد موت هاجر مرتين بطلب ابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام ، فلم يجده ففى المرة الثانية قالت له زوجته انزل فأبى فقالت : دعنى أغسل رأسك ، فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب ، فغسلت شقه ثم دفعته ، وقد عاتب رجل فيه فوضعته تحت الشق الآخر فغسلته ، فغابت رجله الثانية فيه ، فجعله الله من الشعائر ، وهذا القول منسوب إلى ابن عباس وابن مسعود ـ رضى الله تعالى ـ عنهما قال ابن حجر فى شرح الغمريه وهذا القول من الغرائب الثالث أنه وقف عليه للآذان بالحج ، قال العلامة الفاسى ويمكن الجمع بين هذه الأقاويل بأن يكون الخليل عليه الصلاة والسلام وقف : عليه لهذه الأمور الثلاثة ، وذكر الأزرقى فى تاريخه أنه لما فرغ من التأذين ، جعل المقام قبله ، فكان يصلى إليه مستقبل القبلة. انتهى ذكر صفته وقدره ذكر الأزرقى ـ رحمه‌الله ـ شيئا من ذلك وذكر أن ذرع المقام ذراع وإن القدمين داخلان فيه سبعة أصابع وذكر القاضى عز الدين بن جماعة : أن مقدار ارتفاعه من الأرض نصف ذراع ، وربع ذراع ، وثمن ذراع وموضع عرض القدمين ملبش بفضة ، وعمقه من فوق الفضة سبع قراريط. ونصف قيراط انتهى قال العلامة الفاسى : والذراع الذى حرر به جماعة ذراع الحديد المتقدم ذكره والذراع الذى حرر به الأزرقى ذراع اليد وبين ذراع الحديد ، واليد فرط نحو ثمن أو قرب منه بحسب الأشخاص ، فتأمل وبمعادة من غير أن يتعرض له أحد فى الجاهلية ، مع كثرة السيول التى كانت تدخل الحرم وتزحزح ما هو أكبر منه بأضعاف متضاعفة فى آيات الله الباهرة ذكر شىء من حليه المقام أول ما حلى المقام فى خلافه المهدى العباسى ، وسبب تحليته أنه وقع ما نثلم وخيف عليه أن

٣٠٣

يتفتت فكتب فى ذلك الحجبة إلى المهدى ، فبعث بألف دينار فصب بها المقام من أعلاه وأسفله ، ثم زيد فى تحليته بالذهب أيضا فى خلافة المتوكل فى مصدر الحاج سنة ست وثلاثين ومائتين ، وعمل الذهب الذى حلى به فى هذا التاريخ فوق الذهب الذى تحلى به فى زمن المهدى ، هذا ما ذكره الأزرقى فى خبر حلية المقام ، ولم يذكر السنة التى حلا فيها فى خلافة المهدى وهى سنة إحدى وستين ومائة على ما ذكر الفاكهى ، وذكر أن المذهب الذى حل به المقام فى خلافة المتوكل لم يزل عليه إلى أن أخذه جعفر بن الفضل ، ومحمد بن حاتم فى سنة إحدى وخمسين ومائتين وضرباه دنانير وأنفقاه على حزب إسماعيل العلو فيما ذكر ، وأبقى الذهب الذى عمل فى خلافة المهدى إلى سنة ست وخمسين ومائتين ثم قلع ، وضم إليه ذهب آخر ، وصلى بذلك كله المقام وكان فى المقام حيثه من فضة مع الذهب فزيد فيها فى هذا التاريخ ، والذى زاد الذهب والفضة فى هذا التاريخ أمير مكة على بن الحسن الهاشمى العباسى ، وكان سبب هذه الحلية أن الحجبة ذكروا العلى بن الحسن المذكور أن المقام قدرها ويخاف عليه ، وسألوه أن نجدد عمله ويصيبه حتى يشتد ، فأجابهم إلى ما سألوه ، وقلع ما على المقام من الذهب والفضة فإذا هو سبع قطع ملصقة وزال عنها الإلصاق فأحكم الصاقه بالعقاقير وركب عليه من حليه الذهب والفضه ما يزيده شدة ، ويستحسنه الناظر فيه ، وكان ابتداء عمل ذلك فى المحرم سنة ست وخمسين ومائتين ، والفراغ منه فى ربيع الأول منها وكان جملة باقى الطوقين الذين عملا فى المقام بالنجوم التى فيهما ، ألفى مثقال ذهب إلا ثمانية مثاقيل. انتهى من كتاب الفاكهى بالمعنين ذكر صفة الموضع الذى فيه المقام ، والمصلى خلفه ، قال العلامة الفاسي. أما صفة الموضع المشار إليه فإنه الآن قبة عالية من خشب ثانية قائمة على أربعة أعمدة دقاق ، حجارة منحوتة بينها أربعة شبابيك من حديد من الجهات الأربعة ، ومن الجهة الشرقية يدخل المقام والقبة مما يلى المقام منقوشة من خزفه بالذهب ، فما يلى السماء مبيضه بالنور ، وأما موضع المصلى الآن فإنه شاباط من خزف على أربعة أعمدة ، منها عمودان عليهما القبة وهو متصل بها وهو مما يلى الأرض منقوش من خزف بالذهب ، ومما يلى السماء مبيض منور وأحدث عهد صنع فيه ذلك شهر رجب سنة عشر وثمانمائة واسم الملك الناصر فرح صاحب مصر مكتوب فيه بسبب هذه العمارة ،

٣٠٤

واسم الملك الناصر محمد بن قلاون مكتوب فى الشباك الشرقى من هذا الموضع ، لأنه عمره فى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وفى هذا التاريخ عملت الشبابيك الحديد المطبقة بالمقام من جوانبه الأربعة ، وكانت خشبا قبل ذلك ، ولعل الملك المسعود صاحب اليمن أول من بنى القبة على مقام إبراهيم ، لأن أبا شامه فى ذيل الروحتين ذكر شيئا من خبر المسعود ثم قال : «وهو يبنى القبة على مقام إبراهيم عليه‌السلام». انتهى والمقام بين الشبابيك الأربعة من قبة من حديد ثابتة فى الأرض وتحت المقام فى جوف القبة الحديد رصاص مضبوب المقام ، والقبة ناتبان فيه بحيث لا يستطاع قلع القبة إلا بالمعاول وشبهها ، وما عزمت متى ثبت المقام ، والقبة المشار إليهما فى الأرض ، لأن المقام على ما ذكر ابن جبير كان غير ثابت يوضع حينا فى الكعبة وحينا فى موضعه هذا ، وعليه قبة من خشب فإذا كان الموسم وضعت عليه قبة من حديد. انتهى بالمعنى ذكر ذرع ما بين المقام والحجر الأسود والركن الشامى وجدار الكعبة الشرقي ، وزمزم قال العلامة الفاسي : قد حرر ذلك الأزرقى وابن جماعة وذكرنا كلامهما فى أصل هذا الكتاب وحررنا ذلك أيضا فكان ما بين ركن الكعبة الذى فيه الحجر الأسود وبينه الركن اليمانى من أركان الصندوق الذى فيه المقام من داخل الشباك الذى فيه الصندوق ، أربعة وعشرين ذراعا إلا سدسى ذراع ، وكان ذرع ما بين وسط جدار الكعبة الشرقى إلى وسط الصندوق المقابل له اثنين وعشرين ذراعا إلا ربع ذراع ، وكان ما بين ركن الكعبه الشامى الذى يلى الحجر يكون الجيم ، وركن الصندوق الشامى ثلاثة وعشرين ذراعا ، وكان ما بين ركن الصندوق الشرقى إلى ركن البيت الذى فيه بئر زمزم المقابل له خمسة عشر ذراعا إلا ثلث ذراع ، وكل ذلك بذراع الحديد المتقدم ذكره ، ذكر موضع المقام فى الجاهلية والإسلام وما قيل فى ذلك ورد عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ له إلى موضعه هذا حين غبره السبل عنه ، روينا عن الأزرقى قال : حدثنى جدى حدثنا عن الجيار بن الورد قال : «سمعت ابن أبى مليكه يقول : «موضع المقام هو الذى هو به اليوم ، هو موضعه فى الجاهلية ، وفى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ إلا أن السيل ذهب به فى خلافة عمر حين

٣٠٥

جاء سبل أم نهل ، الذى ماتت فيه ما احتمل المقام فذهب به فوجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة فى وجهها ، وكتب بذلك إلى عمر ، فأقبل فزعا ، فدخل معتمرا فى رمضان وقد عفى السيل موضع المقام ، فدعا الناس وسألهم عن موضعه فقال المطلب ابن أبى وداعه : «عندى علم ذلك كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدرة من موضعه إلى الركن ، وإلى باب الحجر وإلى زمزم بميقاط ، وهو عندى فى البيت» فقال له عمر : «اجلس عندي ، وأرسل إليها فأرسل المطلب ، فأتى بها فوجدها عمر كما قال فشاور الناس عمر ، واستثبت فقالوا : هذا موضعه فأمر بإحكام ربضه تحته ثم خوله فوضعه فى مكانه هذا إلى اليوم». انتهى بمعناه وذكر الأزرقى ما يوافق قول ابن أبى مليكه فى موضع المقام عن عمرو بن دينار وسفيان بن عيينه وروى الفاكهى عن عمرو ابن دينار وسفيان بن عيينه مثل ما حكاه فيها الأزرقى بالمعني ، ونقل المحب الطبرى فى القرى عن مالك ما يخالف ذلك لأنه قال : «وقال مالك فى المدونة» كان المقام فى عهد إبراهيم عليه‌السلام فى مكانه اليوم ، وكان أهل الجاهلية ألصقوه إلى البيت خيفة السيل ، فكان كذلك فى عهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهد أبى بكر ، فلما ولى عمرو رده بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمه ، قيس بها حين أخذوه». انتهى ثم قال المحب : وفى هذا مناقضة ظاهره لما ذكره الأزرقى عن ابن أبى مليكه». انتهى وذكر المحب ما يرجح ما قاله ابن أبى مليكه ، وذكرنا ذلك فى هذا الكتاب ووقع لغير مالك ما يوافق قوله إن المقام كان عند البيت لأنار روينا فى الأوائل لأبى عروبه عن مجاهد قال : كان المقام إلى جنب البيت وكانوا يخافون عليه من السيول ، وكان الناس يصلون خلفه. انتهى وروينا فى مغازى موسى بن عقبة قال : كان زعموا المقام لاصقا فى الكعبة فأخره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مكانه هذا. انتهى ما يدل على أنه كان عند الكعبة وأن الولاة أخذوه ، وذكر الفاكهى أخبارا أخر تدل على أن المقام كان عند الكعبة وفى بعضها ما يشعر بتقريب بيان موضعه عند الكعبة لأنه روى بسترة إلى سعيد بن جبير أنه قال : كان المقام فى وجه الكعبة فلما كثر الناس خشى عمر بن الخطاب أن يطأوه بأقدامهم فأخرجه إلى موضعه هذا الذى هو به اليوم ، حذاء موضعه الذى كان به قدام الكعبة انتهى وهذا يقتضى أن يكون موضع المقام اليوم حذاء موضعه

٣٠٦

الذى كان عند الكعبة ، والمقام الآن فى الصندوق الذى فيه المقام من وجه الكعبة ذراعان ، ونحو خمسة قراريط بالحديد ، والذراعان اللذان يحاذيان الصندوق من وجه الكعبة على ما يحاذى نصف الحفرة المرخمة التى فى وجه الكعبة مما يلى الحجر بسكون الحيم ، والقراريط الزائد على الذراعين مما يلى هذا النصف ، وعلى هذا فيكون موضع المقام عند الكعبة تخمينا ـ والله أعلم. فيما بين نصف الحفرة التى تلى الحجر بسكون الجيم ، والقراريط التى تلى هذا النصف ، ورأيت فى موضع المقام عند الكعبة ما يخالف هذا الآن الفقيه أبا عبد الله محمد بن شراقة العامرى قال فى كتابه دلائل القبلة ومن الباب يعنى باب البيت ـ إلى مصلى آدم عليه الصلاة والسلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه الثوب وهو موضع الخلوق من إزار الكعبة أرجح من تسعة أذرع وهناك كان موضع مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وصلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنده حين فرغ من طوافه فأنزل الله عزوجل عليه واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ثم نقله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الموضع الذى هو فيه الآن وذلك على عشرين ذراعا من الكعبة ثم قال وبين موضع الخلوق وهو مصلى آدم عليه‌السلام وبين الركن الشامى ثمانية أذرع. انتهى وهذا يقتضى اتحاد موضع مصلى آدم عليه‌السلام فى ذرع ما بينه ، وبين ركن الكعبة الذى يلى الحجر ، بسكون الجيم يكون على ذراعين وثلثى ذراع بالحديد من طرف الحفرة إلى جهة الحجر بسكون الجيم ، وعلى هذا فيكون موضع المقام عند الكعبة خارجا عن الحفرة فى مقدار ذراعين وثلثى ذراع ، وعلى مقتضى ما قيل من أن موضعه اليوم حذاء موضعه عند الكعبة فى مقدار نصف الحفرة التى يلى الحجر بسكون الجيم ، والله أعلم بالصواب والذراع الذى حرر به ابن سراق ذراع اليد وما ذكره فى مقدار ما بين موضع المقام الآن ووجه الكعبة لا يلائم ما ذكره الأزرقي ، فى مقدار ما بين موضع المقام الآن ووجه الكعبة ولا يلائم أيضا ما ذكرناه فى ذلك ، وذكر ابن جبير فى أخبار رجلته ما يقتضى أن الحفرة المرخمة التى عند باب الكعبة فى وجهها علامة موضع المقام فى عهد إبراهيم إلى أن صرفه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الموضع الذى هو الآن مصلي ، وفى هذا نظر لأن موضع المقام الآن هو موضعه فى عهد الخليل عليه‌السلام من غير خلاف ، أعلم فى ذلك وإنما الخلاف فى موضعه الآن هل

٣٠٧

هو موضعه فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ذكر ابن أبى مليكة أو لا كما قال مالك والله أعلم ولم أر فى تاريخ الأزرقى ذكر السنة التى ورد فيها عمر المقام إلى موضعه هذا لما غيره عنه السيل ، وهى سنة سبع عشرة من الهجرة كما ذكر ابن جرير ، وابن الأثير ، وقيل سنة ثمانى عشرة كما ذكر بن حمدون فى التذكرة والله أعلم بالصواب ، ذكر شيء من فضل المقام لا شك أن فضل المقام : مشهور ثابت بنص القرآن العظيم ، والسنه الصحيحة فأما القرآن ففى قوله تعالى (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ) الآية والمراد بالمقام فى هذه الآية هذا المقام على الصحيح المشهور وقيل المراد مناسك الحج كلها وقيل عرفة وقيل مزدلفة وقيل الحرم كله ، وأما السنة فتقدم شىء من فضله مع فضل الحجر الأسود وأنهما من ياقوت الجنة ، وغير ذلك وروينا فى تاريخ الأزرقى عن مجاهد قال : يأتى الركن والمقام يوم القيامة كل واحد منهما قبل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالموافاة خاتمة قال القاضى فى تفسير قوله تعالي : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى الخطاب لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو أمر استحباب ، ومقام إبراهيم هو الحجر الذى كان فيه أثر قدميه ، والموضع الذى كان فيه حين قام عليه ودعى الناس إلى الحج أو رفع بناء البيت ، وهو موضعه اليوم ، روى أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد عمر فقال : هذا مقام إبراهيم ، فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى فقال : لم أؤمر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت ، وقيل المراد به الأمر بركعتى الطواف ، لما روى جابر «أنه عليه‌السلام لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأوا «واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى» ذلك ففى وجوبهما قولان وقيل مقام إبراهيم الحرم كله ، وقيل مواقف الحج ، واتخذاها مصلى أن يدعى فيها ، ويتقرب إلى الله تعالى وقرأ نافع وابن عامر واتخذوا بلفظ الماضى عطفا على جعلنا أى واتخذوا الناس مقامه المرسوم به يعنى الكعبة قبلة يصلون إليها انتهى فقولد وهو موضعه اليوم صريح بأن موضعه الآن هو موضعه فى عهد الخليل وقد تقدم عن الإمام الفاسى حكاية الاتفاق على ذلك ، وأنه لا يعلم فى ذلك خلافا. والرد على ابن جبير حيث ذكر فى رحلته ما يقتضى أن الحفرة المرضمة التى عند باب الكعبة فى وجهها علامة مواضع المقام فى عهد إبراهيم إلى أن صرفه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الموضع الذى هو الآن مصلي ، وإنما الخلاف فى

٣٠٨

موضعه الآن هل هو موضعه فى زمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما ذكر بن أبى مليكة أولا كما قال مالك ثم ما ذكره القاضى فى روايه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى خلف المقام إلى آخره ، ولا تقتضى أن الصلاة خلف المقام على هذه الصفة من كونه فى محله الآن ، لأن هناك روايتين كما بينه الفاسى أحداهما مفسرة للأخرى وذلك أن الأزرقى قال : حدثنى جدى حديثا داود بن عبد الرحمن عن ابن جريح عن محمد بن عباد ابن جعفر عن ابن السائب «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح فى وجه الكعبة حذو الطرفة البيضاء ، ثم رفع يديه فقال هذه القبلة وحديث أسامة يوافق ، وفى الصحيح من حديث أسامة بن زيد ـ رضى الله عنهما ـ الموافق فى المعنى لحديث بان السائب «أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل البيت دعى فى حوالبه كلها ، ولم يصل ، حتى خرج فلما خرج ركع قبل البيت ركعتين ، وقال هذه القبلة أخرجاه وقال النسائى سبح فى نواحيه وكبر ولم يصل ثم خرج وصلى خلف المقام ركعتين ثم قال هذه القبلة قال الفاسى ولا منافاة بين قول اسامة فى بعض طرق حديثه ركع قبل البيت ، وبين قوله فى بعض طرق حديثه ، وصلى خلف المقام ركعتين لأن المقام كان فى وجه الكعبة على ما ذكر بن عقبه فى مغازيه ، وغيره يكون قوله صلى خلف المقام مفسر لقوله : ركع قبل البيت لينتفى التعارض بين حديثية وهذا أولى من حمل قوله على أنه صلى خلف المقام فى موضعه اليوم لأنه إذا حمل على ذلك يفهم منه التناقض بين الحديثين. والله أعلم وإذا كان حديث ابن السائب يقتضى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الكعبة فى يوم الفتح ، وقال : هذه القبلة واقتضى ذلك أيضا حديث أسامة ففى ذلك دليل على اتحاد المصلى الذى ذكره أسامة ، وابن السائب فلا يحسن حينئذ عدهما مصليين ، والله أعلم ، والظاهر أن المصلى الذى ذكره اسامة والمصلى الذى ذكره ابن السائب هو موضع المقام فى الجاهلية عند الكعبة وقد سبق الخلاف فيه هل هو عند الكعبة فى نصف الحفرة المرضمة فى وجه الكعبة مما يلى الحجر بسكون الجيم أو هو عند الكعبة خارج عند الحفر بمقدار ذراعين وثلثى ذراع بالحديد ، مما يلى الحفرة من جهة الحجر بسكون الجيم والقول الأول : وافق قول سعيد بن جبير والثاني : يوافق قوله ابن سراقه والله أعلم بالصواب ووجدت بخط الرضى بن خليل المكى مفتى الحرم ما يقتضى أن النبى صلى بين

٣٠٩

هذه الحفرة ، وبين الحجر بسكون الجيم ، وأن الدعاء مستجاب فيه ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أن هذا المصلى هو المصلى الذى ذكره اسامة وابن السائب وأما الحفرة المرضمة فى وجه الكعبة ، فذكر الشيخ الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام الشافعى أنها المكان الذى صلى فيه جبريل بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلوات الخمس حين فرضها الله على أمته ، قال القاضى عز الدين بن جماعة : ولم أر ذلك لغيره وفيه بعد. انتهى وقد نقل عن شيخ اليمن علما وعملا أحمد بن موسى بن العجيلى ما يوافق ما ذكره بن عبد السلام فى الحفرة المذكورة ، وأنه حقق ذلك بطريق الكشف بعد أن سأله عن ذلك الرضى الطبرى أمام المقام شيخ شيوخنا هكذا بلغنى ـ والله أعلم ـ وقد سبق ما يقتضى أن نصفها الذى يلى الحجر بسكون مصلى الآية وهذا أحد المواطن ص ١٧٧ * التى وافق عمر فيها ربه فى ذكر شيء ، من أخبار الحجر الأسود روينا فى تاريخ الأزرقي ، عن ابن إسحاق وغيره «أن الله عزوجل استودع الركن أبا قبيس حين غرق الأرض فى زمن نوح عليه‌السلام وقال : إذا رأيت خليلى يبنى بيتا فأخرجه له فلما بنى الخليل البيت جاءه جبريل عليه‌السلام ، بالحجر الأسود ، فوضعه الخليل للناس بعد الغرق ذكرة الزبير بن بكار وهذا يخالف ما سبق ـ والله أعلم ـ وقال ابن اسحاق بعد أن ذكر إخراج بنى بكر بن عبد مناف بن كنانة وغبشان ابن خزاعه لجرهم من مكه فخرج عمرو بن الحرث بن مضاض الجرهمى يقرأ إلى الكعبة وبحجر الركن فدفنهما فى زمزم وانطلق ، هو ومن معه من جرهم إلى اليمن ، وذكر الزبير معنى ذلك كما سيأتى ـ إن شاء الله تعالي ـ وذكر ابن عائد الدمشقى فى مغازيه ما يقتضى أن جرهما حين خرجوا من مكة فعلوا فى الحجر الأسود وغير ما ذكره ابن اسحق لأنه ذكر خبرا عن أم سلمة فيه شىء من شأن أم جرهم وخروجهم من مكة إلى اليمن ، وفيه شىء من شأن قصى من كلاب ، وما ولد له من أولاد من حين بنت حليله وفيه فقال قصى لامرأته : قولى لجدتك تدل نبيك على الحجر ، فلم يزل بها حتى قالت : إنى أعقل أنهم حين خرجوا إلى اليمن سرقوه ونزلوا منزلا ، وهو معهم فبرك الجمل الذى عليه فضربوه ، فقام ثم ساروا فبرك فضربوه ، ثم قام فبرك الثالثة ، وقالوا : أما برك من أجل الحجر فدفنوه ، وذلك فى أسفل مكة وإنى أعرف حيث برك فخرجوا

٣١٠

بالحديد ، وخرجوا بها معهم فأرتهم حيث برك أولا وثانيا وثالثا فقالت احفروا ههنا ، فحفروا حين يئسوا منه ثم ضربوه فأصابوه وأخرجوه ، فأتى به قصى فوضعه فى الأرض ، وكانوا يتحسمون به وهو فى الأرض حتى بنى قصى البيت» انتهى وذكر الفاكهى هذا الخبر بزيادة فيه ، وذكر عن الزبير وابن الكلبى خبرا يشبه عن بن أياد بن نزار لأنه قال : بعد أن ذكر الخبر عن ابن الكلبى فحدثنا الزبير بن أبى بكر قال : لما هلك وكيع الأيادى واتضعت أيادى وهى إذ ذاك تلى أمر بيت الله الحرام ، وقاتلوهم ، وأخرجوهم ، وأجلوهم ثلاثا يخرجون رعبهم فلما كان الليلة التالية ، حسروا مضر إن يلى الركن الأسود فحملوه على بعير فبرك فلم يقم ، فغيروه فلم يحملوه على شىء الإروح وسقط فلما رأو ذلك بحثوا له تحت شجرة فدفنوه ثم ارتحلوا من ليلتهم فلما كان بعد يومين افتقدت مضر الركن فعظم فى أنفسها ، وقد كانت شرطت على أياد كل امرأة متزوجة فى أياد ثم قال فأبصرت أيادا حين دفنت الركن أجمع الزبير وبن الكلبى فى حديثهما كل واحد منهم ينجوا من حديث صاحبه ، فقالت لقومها : حين رأت مشقة ذهاب الركن على مضر حذوا عليهم أن يولوكم حجابة البيت ، وأدلكم على الركن فأخذوا بذلك عليهم ، ثم قال : فد لتهم عليه فابتحثوه فأعادوه فى مكانه ، وولوه فلم يبرح فى أيدى خزاعة حين قدم قصى فكان من أمره الذى كان. انتهي ، وهذا الخبر أقرب إلى الصحة من الخبر الذى ذكره ابن عائذ ؛ لأن المعروف فى القصة التى ذكرها ابن عائذ أنها اتفقت لبنى أياد لا لجرهم ، والله تعالى أعلم بالصواب ، ذكر ما أصاب الحجر الأسود فى زمن ابن الزبير ـ رضى الله تعالى عنهما ـ وما صنع فيه من الفضة فى زمنه وزمن هارون الرشيد روينا فى تاريخ الأزرقى خبرا طويلا فى خبر ابن الزبير للكعبة قال فيه : وكان الركن قد تصدع من الحريق بثلاث فرق فانشظت منه شظيه كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك به هو طويل فشده ابن الزبير بالفضة إلا تلك الشظية من أعلاها بين موضعها فى أعلا الركن انتهى ورويا فى تاريخ الأزرقى عن جده قال كان ابن الزبير ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه من الحريق ثم كانت الفضة قد تزلزلت وتزعزعت وتفلقت ، حول الحجر حتى

٣١١

خافوا عليه أن ينقضى فلما اعتمر هارون الرشيد وجاءوا فى سنة تسع وثمانين ومائة أمر بالحجارة التى بينها الحجر الأسود ، فنقيت بالماس من فوقها ، ومن تحتها ثم أفرغ فيها الفضة

ذكر ما أصاب الحجر الأسود فى فتنة القرمطي

وأخذه له كان أبو طاهر القرمطى واخامكه فى سابع ذى الحجة سنة سبع عشرة وثلثمائة وأسرف فيها هو وأصحابه فى القتل والنهب ، وفعل المنكرات ، وكان مما فعلوه أن بعضهم ضرب الحجر الأسود بدبوس فتكسر ، ثم قلع يوم الاثنين بعد الصلاة لأربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة بأمر أبى طاهر ، وذهب به معه إلى بلاده هجر وبقى موضعه من الكعبة خاليا يضع الناس فيه أيديهم للتبرك إلى أن رد إلى موضعه من الكعبة يوم النحر وذلك يوم الثلاثاء من سنة تسع وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره المسبحي ، وذكر أن الذى وافى به مكة شنبر بن الحسن القرمطى وأن شنبرا لما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر من سفط ، وعليه جنبات فضة قد عملت من طوله وعرضه ، تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه ، وأحضر معه جصا ، يشد به فوضع شنبر الحجر بيده ، وشده الصانع بالجص ، وقال شببر : لما رواه أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئته ، ونظر الناس إلى الحجر فتبنوه وقبلوه واستلموه ، وحمدوا الله تعالى وكانت مده كينونته عند القرمطى وأصحابه اثنين وعشرين سنة إلا أربعة أيام هذا معنى كلام المسبحى ، وذكر القاضى عز الدين بن جماعة فى منسكه أن المطيع العباس اشتراه بخمسين ألف دينار من أبى طاهر القرمطي ، وفى هذا نظر لأن أبا طاهر القرمطى مات فى خلافه المطيع فى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة على ذكر ابن الأثير ، وغيره والله أعلم ذكر ما صنعته الحجبة بالحجر الأسود باثر رد القرامطة له ذكر المسبى أن فى سنة أربعين وثلثمائة قلع الحجبة الحجر الأسود الذى نصبه شنبر وجعلوه فى الكعبة خوفا عليه وأحبوا أن يجعلو له طوقا من فضه يشده به كما كان قديما حين عمله ابن الزبير ـ رضى الله عنهما ـ فأخذ فى إصلاحه صائغان حاذقان فعملا له طوقا من فضة ، وأحكماه ونقل المسبحى عن محمد ابن قانع الخزاعى أن مبلغ ما على الحجر الأسود من الطوق ، وغيره ثلاثة آلاف وسبعة وتسعون درهما ونصف ، على ما

٣١٢

قيل. انتهى وهذه الحلية غير حلية الحجر الآن لأن داود بن عيسى بن قلتيه الحسنى أمير مكة أخذ طوق الحجر قبل عزله عن مكة سنة خمس وثمانين وخمسمائة ، أوفى التى بعدها على ما ذكر غير واحد وهذا يقتضى أن يكون قلع الحجر الأسود حتى يعمل له طوق يصونه وما علمت يقينا أنه قلع بعد ذلك ، غير أن بعض فقهاء المصريين ذكر لى فى موسم سنه أربعة عشر وثمانمائة أن الحجر الأسود قلع من موضعه لتحليته فى سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ، وذكر أنه شاهده مقلوعا ورأيت بعض المكيين ينكر عليه ذلك كثيرا ـ والله تعالى أعلم ـ. ذكر ما أصاب الحجر الأسود بعد فتنة القرامطة من بعض الملاحدة مثلهم ذكر أبو عبد الله محمد بن على بن عبد الرحمن العلوى أن فى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة يوم النفر الأول ، قام رجل فقصد الحجر الأسود ، فضربه ثلاث ضربات بدبوس ، وتنخش وجه الحجر من تلك الضربات ، وتساقطت منه شظايا مثل الأطفار وتشقق وخرج مكسرة أسمر يضرب إلى صفرة محبب مثل الخشخاش ، فأقام الحجر على ذلك يومين ، ثم أن بنى شيبه جمعوا الفتات ، وعجنوه بالمسك واللك ، وحشوا الشقوق وطلوها بطلاء من ذلك. انتهى باختصار وذكر بن الأثير هذه الحادثة فى أخبار سنة أربع عشرة وأربعمائة والله تعالى أعلم ذكر صفته وقدره وقدر ما بينه وبين الأرض ذكر المسبحى أن محمد ابن نافع الخزاعى دخل الكعبة فيمن دخلها للنظر إلى الحجر الأسود ، لما كان فى الكعبة بأثر رد القرامطة لدوانه تأمل الحجر الأسود فإذا السواد فى رأسه دون سائره أبيض قال : وكان مقدار طوله فيما حررت مقدار عظم ذراع ، أو كالذراع المقبوضة الأصابع ، والسواد فى وجهه غير ماض فى جميعه. انتهى وما ذكره العلوى فى صفة الحجر يخالف هذا ، والله أعلم ، وقيل فى طوله أكثر مما ذكر الخزاعى لأن صاحب العقد نقل ما يقتضى أن طوله ثلاثة أذرع ، والله أعلم وارتفاع الحجر الأسود من أرض المطاف ذراعا فى ربع وسدس ذراع بذراع الحديد على ما ذكر القاضى عز الدين بن جماعه فيما أخبرنى به عند حال.

ذكر شىء من الآيات المتعلقة بالحجر الأسود

للحجر الأسود آيات بينات منها حفظ الله تعالى له من الضياع منذ أهبط إلى الأرض مع ما وقع من الأمور المقتضية لذهابه كالطوفان ودفن بنى أياد وذكر ابن

٣١٣

جماعة أن الحجر الأسود أزيل من موضعه غير مرة ، ثم رده الله إليه قال : وقع ذلك من جرهم وإياد والعماليق والقرامطة انتهى ولم أر ما ذكره عن العماليق والله أعلم ومنها أنه يقال ما هلك تحته لما حمل إلى هجر أربعون جملا فلما أعين حمل على قعود هذيل ، فسمن وقيل : هلك تحته ثلثمائة بعير وقيل : خمسمائة والله أعلم ومنها أنه يطفو على الماء ، ومنها أنه لا يسحق من النار ، ذكر هاتين الآيتين ابن أبى الدم فى الفرق الإسلامية فيما حكاه عنه ابن شاكر الكتبى المؤرخ ونقل ذلك عن بعض المحدثين ورفعه إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والله تعالى أعلم ـ بالصواب خاتمه فى ذكر الحطيم والمستجار والملتزم وما جاء فى استجابة الدعاء فى هذه المواضع وغيرها من الأماكن بمكة المشرفة وحرمها.

ذكر الملتزم

الملتزم ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة على ما رويناه فى تاريخ الأزرقى عن ابن عباس ، ويقال له المدعا والمتعوذ على ما رويناه فى تاريخ الأزرقى عن ابن عباس وروينا عنه حديثا مرفوعا فى استجابه الدعاء فيه ورويناه مسلسلا فى الأربعين المختارة لابن مسدى ذكر المستجار ما بين الركن اليماني ، والباب المسدود فى دبر الكعبة وقد سماه بذلك ابن سراقه وابن جبير والمحب الطبرى ويقال للمستجار والمتعوذ والملتزم على ما روى عن ابن الزبير ويقال له : ملتزم عجائز قريش على ما روى عن ابن عباس رويا ذلك عنهما فى تاريخ الأزرقى وروينا فيه عن معاوية ابن ابى سفيان من قام عند ظهر البيت ، فدعى استجيب له ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، قال المحب الطبري : ومثل هذا القول من معونة لا يكون إلا عن تلق من لسان النبوة انتهى وفيه دعى عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير ، وأخوه مصعب وعبد الملك بن مروان ؛ بما رب لهم فنالوها فى الدنيا إلا عبد الله بن عمر فإنه لم يدع إلا بالجنه وبشر بها ورؤيت له وهذا الخبر رويناه أبسط من هذا فى مجابى الدعوة لابن أبى الدنيا ذكر الحطيم اختلف فيه ، وفى سبب تسميته بذلك فقيل هو ما بين الحجر الأسود ، ومقام إبراهيم وزمزم والحجر بسكون الجيم وهذا مقتضى ما قاله ابن جريج فيما حكاه عنه الأزرقى فى تاريخه وفى كتب الحنفيه أن الحطيم الموضع

٣١٤

الذى فيه الميزاب وعن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال الحطيم : الجدار وقال المحب الطبري : يعنى جدار حجر الكعبة قال : وقد قيل الحطيم هو الشاذروان سمى بذلك لأن البيت رفع وترك هو محطوما فيكون فعيلا بمعنى مفعول قال : وقد قيل لأن العرب كانت تطرح ما طافت فيه من الثياب فيبقى حتى ينحطم من طول الزمان فيكون فعيلا بمعنى فاعل. انتهى وقيل فى سبب تسميته بالحطيم أن الناس كانوا يحطون هنالك بالإيمان فقل من دعا هنالك على ظالم إلا هلك ، وقل من حلف هنالك إثما إلا عجلت له العقوبة وهذا روينا فى تاريخ الازرقي ، ومن فضائل الحطيم ما رواه الفاكهى بسنده إلى عائشة ـ رضى الله عنها ـ مرفوعا أن خير البقاع وأطهرها وأزكاها وأقرئها من الله ما بين الركن والمقام ، وأن فيما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة فمن صلى فيه أربع ركعات نودى من نطاب العرش أيها العبد غفر لك ما قد سلف منك فاستأنف العمل. انتهى باختصار ، ومن فضائل الحطيم أن فيه قبر تسعة وتسعين نبيا جاءوا حجاجا فقبضوا هنالك ، وممن قيل قبره هنالك. على ما ورد فى رواية غير هذه الرواية نوح وهود وصالح وشعيب ، وفى رواية ثالثة أن فيه قبر تسعين نبيا منهم هود وصالح وإسماعيل ، وهذه الأخبار فى تاريخ الأزرقى وفيه أيضا أن قبر إسماعيل فى الحجر ، والله أعلم بالصواب.

ذكر زمزم

وحفر عبد المطلب لها زادها الله شرفا اختلف العلماء لم سميت بذلك؟ فقيل لكثرة مائها قال أبو عبيد البكري : يقال : ماء زمزم رزفزلت أى كثير وفى الموعب لابن التيان ماء زمزم وزمزام وهو الكثير ، وقيل لتزمزم الماء فيها ، وهو حركته والزمزمة الصوت يسمع له دوى وقيل لاجتماعها نقل عن ابن هشام وقال مجاهد سميت زمزم لأنها مشتقة من الهمزة والهمزة الغمر بالعقب فى الأرض رواه الفاكهى بسند صحيح وقيل : لأنها زمت بالميزاب لئلا تأخذ يمينا وشمالا وقال البكرى فى معجمه. فى زمزم لغات بفتح أوله وإسكان ثانيه وفتح الزاى الثانية وزمزم بضم أوله وفتح ثانيه بلا تشديد ، وكسر الزاى الثانية وذكر الزمخشرى فى ربيع الأبرار أن جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنبط ماء زمزم مرتين مرة لادم صلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣١٥

حتى انقطعت زمن الطوفان ومره لأم إسماعيل وفى الزهر ، وبعضه ما قاله قول خويلد بن أسد بن عبد العزى فى حق عبد المطلب.

أقول وما قولى عليهم يشبه ... إليك ابن سلمى انت حافر زمزم ركبه إبراهيم يوم ابن هاجر .. وركضه جبريل على عهد آدم قال السهيلى : وكانت زمزم سقيا لإسماعيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفرها الروح القدس بعقبه وفى حفرها بالعقب دون أن يفجرها باليد ، أو غيرها إشارة إلى أنها لعقبة ورأته وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهي ، والعقب بأفضل من مؤخر الرجل عن الساق ، والمراد به فى الآية الولد وولد الولد ، ولم يدل ماء زمزم ظاهر اينتفع به سكان مكة ولما توفى الله سبحانه وتعالى إسماعيل بن إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولى البيت بعده إبنه نابت بنون ومثناه فوقيه ما شاء الله تعالي ، إن يليه ثم ولى البيت مضاض بميم مسكورة وحكى ضمها وضادين معجمتين ابنى عمرو والجمر ثمى ثم أن الله تعالى نشر ولد إسماعيل أى كثرهم بمكة وأخوالهم من جرهم ولاه البيت والحكام بمكة لا ينازعهم ولد إسماعيل ، وفى ذلك لخولتهم وقرابتهم وإعظاما للحرم أن يكون به بغى وقتال ، ثم إن جرهما بغوا بمكة واستحلوا إحلالا من الحرم ، فظلموا من داخلها من غير أهلها ، وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرق بذلك أمرهم أى ساءت حالتهم فعند ذلك رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وغبشان ابن خزاعة ذلك فأجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة فاذنوهم أى أعلموهم بالحرب ، فأقتتلوا فغلبتهم بنو بكر ، وغبشان ، فنفوهم من مكة وكانت مكه فى الجاهلية لا يقر بها ظلما ولا بغيا ، ولا يبغى فيها أحد إلا أخرجته ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا أهلكته مكانه فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض يغزالين الكعبة اللذين كان ساسان ملك الفرس أهداهما مع الأشتاف القطعية المنسوبة إلى بلد بالهند من جهة الصين للكعبة وقيل أهداها سابور وكانت الأوائل من ملوك الفرنج تحجها إلى عهد ساسان أو شابور فدفنه ذلك فى زمزم وردمها ومرت عليها السنون عصرا بعد عصر إلى أن صار موضعها لا يعرف حتى ثواها الله تعالى لعبد المطلب وانطلق عمرو بن الحارث بن مضاض ومن معه من جرهم إلى اليمن وروى قصة حفر عبد المطلب لزفر ابن إسحاق ص ١٨١ * عن

٣١٦

على بن أبي ـ طالب رضى الله عنه ـ والبيهقى عن الزهرى أن عبد المطلب بينا هو فى الحجر أتى فقيل له احفر بئره بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المهملة سميت بذلك لكثرة منافعها وسعة مائها قال : وقا بئره فذهب عنه حتى إذا كان العد فنام فى مضجعه ، ذلك فأتى أيضا فقيل له : احفر المضنونه قال وهب بن مبنه : «سميت بذلك لأنها ضن بمائها على غير المؤمنين ، فلا يتضلع منها منافق» وروى البخارى فى التاريخ وابن ماجه والطبرانى والحاكم والبيهقى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال آيه ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم له طرق وهو بمجموعها حسن وروى الأزرقى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : التضلع من ماء زمزم برأه من النفاق ، وقيل سميت بذلك لأنه قيل لعبد المطلب : احفر المصنوته ضننت بها على الناس إلا عليك ، قال وما المصنوته ، فذهب عنه حتى إذا كان من الغد فنام فى مضجعه ذلك فقيل له : ظبية لظاء معجمة فيا موحدة فمثناه تحتيه سميت بذلك تشبيها بالظبية ، وهى الخريطة لجمعها ما فيها قاله فى النهاية تبعا لأبى موسى المديني ، والذى جرى عليه السهيلى والخشنى أنها بطاء مهمله فمثناه تحتيه فباء قال : الخشنى من الطيب ، وقال السهيلي : لأنها للطيبين والطيبات قال : وما ظبيه فذهب عنه فلما كان الغد عاد إلى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له : احفر زمزم قال : وما زمزم قال : لا تتزف أى لا يفزغ ماؤها ولا يلحق قعرها قال السهيلى وهذا برهان عظيم لأنها لم تنزف من ذلك الحين إلى اليوم قط ومقد وقع فيها حبشى فنزحت من أجله فوجد ماؤها ينور من ثلاثة أعين أقواها وأكثرها ماء عين من ناحية الحجر الأسود ، ولا تذم قال الخشني : أى لا توجد قليلة الماء يقال : أزممت البئر إذا وجدتها ذمه أى قليلة الماء زاد السهيلى وليس معناه على ما يبدو من ظاهر اللفظ من أنها لا يزمها حد ولو كان من الذم لكان ماؤها أعذب المياه ولتضلع من كل من شرب فيه ، وقد تقدم أنه لا يتضلع منها منافق مماؤها إذا مذموم عندهم ، وفى النهاية لا تذم أى لا تعام أولا تلغى مذمومه ، من قولك أذممت إذا وجدته مذموما ، وقيل : لا يوجد ماؤها قليلا من قولهم بيرذمه إذا كانت قليلة الماء وحكمه بعضهم على لا تذم عاقبة شربها تسقى الحجيج الأكبر ، عظم ثم أدع بالماء الروا غير الكدر يقال ماؤها بالكسر والقصر وردا بالفتح والمداى غرب

٣١٧

تسقى حجيج الله فى كل مبر تفعل من البريريد فى مناسك الحج ، ومواضع الطاعة ، ليس يخاف منه شىء يا عمر بفتح العين المهملة أى يا عمر هذا الماء فإنه لا يؤذي ، ولا يخاف منه ما يخاف من المياه إذا أنوط فى شربها ، بل هو بركة على كل حال ، فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك إلى قريش ، فقال : تعلمون أنى قد أمرت بحفر زمزم قالوا : فهل بين لك أين هي؟ قال لا قالوا فارجع إلى مضجعك الذى رأيت فيه ما رأيت فإن يك حقا من الله يبين لك وإن يك من الشيطان فلن يعود إليك ، فرجع عبد المطلب فنام فيه ، وقال : اللهم بين لى وأورى فى المنام أحفر تكتم بمثناتين فوقيتين مبنى للمفعول وفى لفظ فقيل : له احفر زمزم ان حفرتها لم تندم وهى تراث من أبيك الأعظم لا تنزف ولا تذم تسقى الحجيج الأعظم مثل نعم جافل لم يقسم الجافل من جفلت الغنم إذا انفلتت بجملتها ولم تقسم لم تتورع ولم تتفرق ينفذ فيها نادر المغنم يكون ميراثا وعقدا محكم ليست لبعضكم ما قد تعلم. فقال : وأين هى فقيل له بين الفرث والدم فى مبحث الغراب الأعصم وهو من الغربان من يشافية بياض قالة الخشنى فى قريه النمل وهو الموضع الذى يجتمع فيه النمل ، فقام عبد المطلب يمشى ، حتى جلس فى المسجد الحرام ينتظر ما سمى له من الآيات ، فنحرت بقرة بالخرورة فانفلتت من جازرها بحشاشة نفسها ، أى بقية روحها حتى غلبها الموت بين الوثنين إساف بكسر الهمزة وفتح المهملة المخففة ونائلة فنون وبعد الألف مثناه تحتيه فنحرت تلك احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع على الفرش فبحث عن قرية النمل ، فقام عبد المطلب فحفر هناك ومعه ابنه الحارث ، وليس له يومئذ ولد غيره فجاءته قريش فقالت له : ما هذا النيع قال : أمرت بحفر زمزم فلما كشف عنها ، وأبصروا بالطى كبرو الطى قال ابن هشام ويقال : الطوى والمعنى واحد واعترضه الخشنى بأنه ليس بظاهر لأن الطى الحجارة التى تطوى أى يبنى ، بها البئر سميت بالمصدر ، والطوى هى البئر نفسها فعند ذلك ، عرفت قريش أنه قد ادرك حاجته فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر نبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها قال : ما أنا بفاعل إن هذا الأمر خصصت به دونكم قالوا تحاكمنا قال نعم قالوا بيننا وبينك كاهنة بنى سعد بن هذيم كذا روى ورواه ابن سراح سعد هذيم باسقاط ابن قال الخشنى وهو

٣١٨

الصواب لأن هذيما لم يكن أباه وإنما كفله بعد أبيه فأضيف إليه وكانت بإشراف الشام بالغا أخت القاف وهو ما ارتفع من أرضه واحدة شرف تقول قعدت على شرف من الأرض أى مكان مرتفع فركب عبد المطلب فى نفر من بنى أبيه وركب من كل بطن من ، آفنا قريش نظرا لافنا جمع فنوكا جمال ، وحمل أى أخلاطهم ، وكانت الأرض مفاوز بين الشام والحجاز ، والمفاوز القفار واحدتها مفازة وفى اشتقاق اسمها ثلاثة أقوال فقيل : لأن راكبها إذا قطعها فقد فاز ، وقيل : معناها مهلكه يقال : فاز الرجل وفوز مشددا وفاء بالدال المهمله إذا هلك وقيل سميت مفازه على جهة التفاؤل حتى إذا كانوا بمفازه من تلك البلاد ففى ما عبد عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا الهلكة ثم طلبوا من القوم السقيا ، فقالوا لهم : ما نستطيع أن نسقيكم وانا نخاف مثل الذى أصابكم فقال عبد المطلب لأصحابه ماذا ترون قالوا : ما رأينا إلا تبع رأيك قال أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته ، فكلما مات رجل منكم دفعه أصحابه فى حفرته حتى لا يبقى منكم إلا واحد نضيعه رجل أهون من ضبعة جميعكم ففعلوا ثم قال : والله أن القينا بأيدينا للموت لا يحس ، ولكن نضرب فى الأرض أى نسافر ، ونبتغى لعل الله تعالى يسقينا بعجر فقال لأصحابه : ارتحلوا ما ارتحلوا وارتحل فلما جلس على ناقته فانبعثت به انفجرت عين من خفها بماء عذب فكبر عبد المطلب ، وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه ، واستقوا وسقوا ثم نادى القائل من قريش فقال : هلموا إلى الماء ، فقد سقانا الله ، فجاؤا واستقوا وسقوا وقالوا يا عبد المطلب : قدو الله قضى لك علينا لا نخاصمك فى زمزم أبدا إن الذى سقاك هذا الماء ، بهذه الفلاة لهو الذى سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا ، ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا بينه وبينها ، فلما رجع عبد المطلب أكمل حفر زمزم وجعل عليها حوضا يملؤه ويشرب الحاج منه فيكسره أناس من حسدة قريش بالليل ، فيصلحه عبد المطلب ، فلما أكثروا إفساده دعى عبد المطلب ربه فأرى فى المنام ، فقيل له : قل اللهم أنى لا أحلها لمغتسل ، ولكن هى للشارب حل بكسر الحاء الحلال ضد الحرام بكسر الباء الموحدة المباح وقيل الشفا من قولهم بل من مرض ، وبل وبعضهم يجعله أتباعا لحل قال فى النهاية ويمنع من جواز الاتباع الواو ، ثم كفيهم فقال عبد المطلب فنادى بالذى

٣١٩

رأى ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد إلا رمى فى جسده تبرا ، حتى تركوا حوضه وسقيانه وذكر بن إسحاق أن عبد المطلب وجد فى زمزم غزالين من ذهب ، وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم ، حين خرجت وجدت فيها أسيافا قلعية ، وأدراعا فقالت له : قريش : يا عبد المطلب لنا معك فى هذا شرك ، وحق قال : لا ولكن هلموا إلى أمر نصف بكسر النون وسكون الصاد المهمله ، وبفتحها النصفه بفتحات ، وهو الاسم من الإنصاف بينى وبينكم يضرب عليه بالقداح ، جمع قدح بكسر القاف فيهما ، وهو السهم الذى كانوا يستقسمون به قالوا وكيف نصنع قال ص ١٨٣ * اجعل للكعبة قدحين ولى قدحين ولكم قدحين فمن خرج قدحاه على شىء ، كان له ومن تخلف قدحاه فلا شىء له فقالوا : أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقدحين أسودين لعبد المطلب ، وقدحين أبيضين لقريش ثم أعطوا صاحب القداح يضرب بها عند هبل بضم الهاء وفتح الباء وهو صنم فى جوف الكعبة وقام عبد المطلب يدعو وصاحب القداح يضرب القداح ، فخرج الأصفران على الغزالين وخرج الأسودان على الأسياف ، والأدرع ، وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الأسياف بابا للكعبة وضرب فى الباب الغزالين من ذهب فكان أول ذهب حلية الكعبة قال ابن إسحاق : فلما حفر عبد المطلب زمزم ودله الله تعالى عليها وخصه بها زاده الله بها شرفا وخطرا فى قومه ، بفتح الخاء المعجمه والطاء المهملة قال فى المصباح : خطر الرجل يخطر خطرا وزاد شرفا إذا ارتفع قدره ومنزلته فهو خطير ، وتخلطت كل ساقية كانت بمكة حين ظهرت ، وأقبل الناس عليها التماس بركتها ، ومعرفة فضلها لمكانها من البيت وأنها سقاية الله عزوجل لإسماعيل صلى‌الله‌عليه‌وسلم تنبسقان الأول ، قال السهيلي : دل عبد المطلب على زمزم بعلامات ثلاث بنقرة الغراب الأعصم وأنها بين الفرث والدم وعند قرية النمل ولم يخص هذه العلامات الثلاث إلا بكلمه إلهية وفائده مشاكله لطيفة فى علم التعبير والتوسم الصادق المعنى زمزم ومائها أم الفرث والدم فإن مإها طعام طعم ، وشفاء سقم ، وهى لما شرب له وقد تقوت من مائها أبو ذر ثلاثين بين ليلة ويوم فسمن حتى تكسرت عن بطنه فهى إذا كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فى اللبن إذا شرب أحدكم اللبن فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شىء يسد مسد الطعام والشراب إلا

٣٢٠