تاريخ المدينة

قطب الدين الحنفي

تاريخ المدينة

المؤلف:

قطب الدين الحنفي


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

فى حكم زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضلها ، وكيفيتها ، وكيفية زيارة ضجيعيه رضى الله تعالى عنهما ، وكيفية السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حال الزيارة ، والسلام عليه والتوسل به إلى الله عزوجل ، وإثبات حياته وبقاء حرمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته ، وذكر ما رؤى فى الحجرة الشريفة من العجائب وشوهد فيها من (ق ٢٢٧) الغرائب.

ذكر حكم زيارة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضلها

إذا انصرف الحجاج والمعتمرون عن مكة المشرفة ويستحب لهم استحبابا مؤكدا أن يتوجهوا إلى مدينة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للفوز بزيارته فإنها من أعظم القرب وأرجى الطاعات والحج المساعى وفى شرح المختار : لما جرى الرسم ان الحجاج إذا فرغوا من مناسكهم وقفلوا عن المسجد الحرام قصدوا المدينة زائرين قبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ هى من أفضل المندوبات والمستحبات بل تقرب من درجة الواجب فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرض عليها وبالغ فى الندب إليها احببت أن أذكر فيها فصلا أذكر فيه نبذا من الآداب وذكرها فى مناسك الحج أنها قريبة إلى الواجب فى حق من كان له سعة وممن صرح باستحبابها وكونها سنة من الشافعية فى أواخر باب أعمال الحج والغزالى (١) فى الإحياء والبغوى فى التهذيب والشيخ عز الدين بن عبد السلام (٢) فى مناسكه وأبو

__________________

(١) هو محمد بن محمد بن محمد الغزالى الطوسى أبو حامد ، حجة الإسلام ، فيلسوف متصوف ، له نحو مائتى مصنف ، مولده سنة ٤٥٠ ه‍ ، ووفاته فى الطابران سنة ٥٠٥ ه‍ ، رحل إلى نيسابور ، ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام ومصر ، وعاد إلى بلدته.

له عدة مصنفات منها إحياء علوم الدين ، والاقتصاد فى الاعتقاد ، ومحك النظر ، ومعارج القدس فى أحوال النفس ، والفرق بين الصالح وغيرها ، ثقة.

(٢) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبى القاسم بن الحسن السلمى الدمشقى عز الدين الملقب بسلطان العلماء ، فقيه شافعى بلغ رتبة الاجتهاد ، ولد سنة ٥٧٧ ه‍ ، ونشأ فى دمشق وزار بغداد سنة ٥٩٩ ه‍ فأقام شهرا وعاد إلى دمشق ، فتولى الخطابة والتدريس بزاوية الغزالى ، ثم الخطابة بالجامع الأموى ، قاد حركة الجهاد ضد الفرنج.

له عدة مصنفات منها الفوائد وقواعد الأحكام ، وقواعد الشريعة ، وترغيب أهل الإسلام وغيرها ، ثقة.

مات سنة ٦٦٠ ه‍.

١٨١

عمرو بن الصلاح (١) (ق ٢٢٨) وأبو زكريا النواوى (٢) رحمهم‌الله تعالى ومن الحنابلة الشيخ موفق الدين والإمام أبو الفرج البغدادى وغيرهما. وأما المالكية فقد حكى القاضى عياض منهم الاجماع على ذلك ، وفى تهذيب الطالبين لعبد الحق عن الشيخ أبى عمران المالكى أن زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجبة. قال عبد الحق يعنى من السنن الواجبة ومن كلام العبدى المالكى فى شرح الرسالة أن المشى إلى المدينة لزيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس وأكثر عبارات الفقهاء أصحاب المذاهب تقتضى استحباب السفر للزيارة لأنهم استحبوا للحاج بعد الفراغ من الحج الزيارة ومن ضرورتها السفر. وأما نفس الزيارة فالأدلة عليها كثيرة منها قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)(٣) الآية ولا شك أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حى وأن أعمال أمته معروضة عليه ومنها حديث ابن عمر المذكور فى باب الفضائل (ق ٢٢٩) يرفعه «من زار قبرى وجبت له شفاعتى» رواه الدارقطنى وابن أبى الدنيا (٤) وابن خزيمة (٥) والبيهقى فى الشعب.

__________________

(١) هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام تقى الدين أبو عمرو ، وعثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان ابن موسى الكردى الشهرزوى الشافعى ، صاحب كتاب علوم الحديث وشرح مسلم وغير ذلك.

وسمع من ابن سكينة وابن طبرزد والمؤيد الطوسى وخلائق ، ودرس بالصالحية ببيت المقدس ثم قدم دمشق وولى دار الحديث الأشرفية ، مات سنة ٦٤٣ ه‍.

(٢) هو محيى الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرى الحزامى الحورانى الشافعى ، ولد سنة ٦٣١ ه‍ وقدم دمشق سنة ٦٤٩ ه‍ ، وحج مرتين ، وسمع من الرضى بن البرهان ، والنعمان بن أبى اليسر والطبقة.

صنف التصانيف النافعة كشرح مسلم ، والروضة ، وشرح المهذب ، والمنهاج ، والتحقيق ، والأذكار ، ورياض الصالحين ، والإرشاد ، والتقريب ، وتهذيب الأسماء ، واللغات ، ومختصر أسد الغابة ، والمبهمات ، وولى مشيخة دار الأشرفية بعد أبى شامة. مات سنة ٦٧٦ ه‍.

(٣) ٦٤ م النساء ٤.

(٤) هو عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس الأموى أبو بكر بن أبى الدنيا البغدادى ، قال الخطيب كان مؤدب أولاد الخلفاء ، روى عن إبراهيم بن المنذر الحزامى ، وأحمد بن إبراهيم الدورقى والحارث بن محمد بن أبى أسامة ، والحسن بن حماد سجادة ، وخلف بن هشام البزار ، ورجاء بن مرجى الحافظ والزبير بن بكار ، وزهير بن حرب ، وأبى عبيد القاسم بن سلام ، وعنه ابن ماجه وأبو بكر ، وأحمد بن سليمان النجار ، وأبو العباس بن عقده ، وأبو على البرذعى ، وابن أبى حاتم ، ثقة ، ولد سنة ٢٠٨ ه‍ ومات سنة ٢٨١ ه‍.

(٥) هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمى النيسابورى ، ولد سنة ٢٢٣ ه‍ ، وسمع ابن إسحاق ومحمد بن حميد ، كان إماما ثبتا معدوم النظير ، ثقة ، مات سنة ٣١١ ه‍ ، قال ابن حبان : ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن وحفظ ألفاظها الصحاح وزيادتها حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا ابن خزيمة فقط.

١٨٢

وفى لفظ «من جاءنى زائرا لم تترعه حاجة إلا زيارتى كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة» كذا فى الخليعات وعند أبى يعلى الموصلى بلفظ «من زارنى بعد وفاتى عند قبرى فكأنما زارنى فى حياتى» وفى لفظ الدارقطنى «كان كمن زارنى فى حياتى وصحبنى» وفى لفظ «من زارنى محتسبا إلى المدينة كان فى جوارى يوم القيامة» ذكره البيهقى وابن الجوزى وغيرهما.

وعند ابن عدى عن ابن عمر يرفعه «من حج البيت ولم يزرنى فقد جفانى» وذكره ابن الجوزى فى الموضوعات وهو غير جيد لأن ابن عدى لما رواه بين سند وحكم بأنه جيد والدارقطنى لما رواه فى غريب مالك قال تفرد به هذا الشيخ يعنى النعمان بن شبل وهو منكر ولا يلزم من هذا أن لا يكون المتن منكرا وفى البيهقى فى السنن الكبير وفى الثامن من فوائد الحافظ أبى الفتح الأزدى عن ابن مسعود (ق ٢٣٠) يرفعه «من حج حجة الإسلام وزار قبرى وغزا غزوة وصلى علىّ فى بيت المقدس لم يسأله الله تعالى فيما افترض عليه».

وفى الدرة الثمينة لابن النجار عن أنس يرفعه «ما من أحد من أمتى له سعة ثم لم يزرنى فليس له عذر». وقد تقدم فى باب الفضائل.

الأحاديث الواردة فى

فضل زيارة القبر المقدس

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الحديث «وجبت له شفاعتى» (١) معناه حقت وثبتت ولزمت وأنه لا بد منها بوعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفضلا.

قال الشيخ تقى الدين السبكى (٢) وقوله له اما أن يكون المراد له بخصوصه بمعنى أن

__________________

(١) حديث : «من زار قبرى وجبت له شفاعتى» أخرجه الدارقطنى وأبو بكر البزار.

(٢) هو الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر الأصولى النحوى اللغوى الأديب المجتهد تقى الدين أبو الحسن على بن عبد الكافى بن على بن تمام شيخ الإسلام ، ولد سنة ٦٨٣ ه‍ وأخذ الفقه عن ابن الرفعة ، ـ ـ والحديث عن الشرف الدمياطى ، والقراءات عن التقى الصائغ ، والأصلين ، والمعقول عن العلاء الباجى والخلاف والمنطق عن السيف البغدادى ، والنحو عن أبى حيان ، والتصوف عن التاج بن عطاء ، وسمع ابن الصواف ، ثقة ، مات سنة ٧٥٦ ه‍.

١٨٣

الزائرين يخصون بشفاعة لا تحصل لغيرهم عموما ولا خصوصا. وإما أن يكون المراد أنهم يفردون بشفاعة بما يحصل لغيرهم ، ويكون أفرادهم بذلك تشريفا وتنويها بهم بسبب الزيارة. وإما أن يكون المراد أنه ببركة الزيارة يجب دخوله فى عموم من تناله الشفاعة وفائدة ذلك البشرى بأنه يموت مسلما ، وعلى هذا التقرير الثالث يجب إجراء اللفظ على عمومه لأنا لو (ق ٢٣١) أضمرنا فيه شرط الوفاة على الإسلام لم يكن لذكر الزيارة معنى لأن الإسلام وحده كان يقبل هذه الشفاعة وعلى التقديرين الأولين يصح هذا الإضمار ، فالحاصل أن أثر الزيارة إما للوفاة على الإسلام مطلقا لكل زائر وكفى بها نعمة وإما شفاعة خاصة بالزائر أخص من الشفاعة العامة للمسلمين. وقوله «شفاعتى» فى الإضافة إليه تشريف لها فإن الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون والزائر لقبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم له نسبة خاصة منه يشفع فيه هو بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الشافع فكما أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من غيره كذلك شفاعته أفضل من شفاعة غيره. انتهى كلام السبكى.

ومنها أن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحياه الله تعالى بعد موته حياة تامة واستمرت تلك الحياة إلى الآن وهى مستمرة إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى ويشاركه فى ذلك الأنبياء عليهم‌السلام والدليل على ذلك (ق ٢٣٢) أمور :

أحدها : قوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(١).

والشهادة حاصلة له صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أتم الوجوه لأنه شهيد الشهداء ، قال الله تعالى (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(٢) وان من توهم أن ذلك من خصائص القتل فقد حصل له ذلك أيضا من أكلة خيبر صرح ابن عباس وابن مسعود وغيرهما بأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات شهيدا.

__________________

(١) ١٦٩ م آل عمران ٣.

(٢) ١٤٣ م البقرة ٢.

١٨٤

ثانيها : حديث أنس يرفعه «الأنبياء احياء فى قبورهم يصلون» فى لفظ عند البيهقى (١) «الأنبياء لا يتركون فى قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدى الله عزوجل حتى ينفخ فى الصور».

ثالثها : حديث أنس عن مسلم «أتيت على موسى ليلة أسرى بى وهو قائم يصلى فى قبره».

رابعها : حديثه الإسراء ورؤيته الأنبياء وذكره لكل أحد أنه على صورة كذا وبهيئة كذا ومستند إلى البيت المعمور وأمثال ذلك دلائل قاطعة على أنهم أحياء بأجسادهم.

خامسها : (ق ٢٣٣) حديث أوس بن أوس (٢) «إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» وفيه دليل واضح.

وقد ذهب إلى ما ذكرنا دليله وأوضحنا حجته جماعة من أهل العلم وصرحوا به منهم الإمام البيهقى والأستاذ أبو القاسم القشيرى (٣) وأبو حاتم ابن حبان (٤) وأبو طاهر الحسين بن على الأردشتانى وصرح به أبو عمرو بن الصلاح ومحيى الدين النووى

__________________

(١) هو البيهقى شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن على بن موسى الخسروردى ، صاحب التصانيف ، ولد سنة ٣٨٤ ه‍ ، ولزم الحاكم وتخرج به وأكثر عنه جدا وهو من كبار أصحابه ، بل زاد عليه بأنواع من العلوم ، له عدة مصنفات منها السنن الكبرى والصغرى ، وشعب الإيمان والأسماء ، والصفات ، ودلائل النبوة والبعث ، والآداب ، والدعوات ، والمدخل ، والمعرفة ، والترغيب والترهيب ، والخلافيات ، والزهد ، والمعتقد ، ثقة ، مات سنة ٤٥٨ ه‍.

(٢) هو أوس بن أوس الصحابى الثقفى ، سكن دمشق ومات بها ، روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فضل الاغتسال يوم الجمعة ، وعنه أبو الأشعث الصنعانى ، وعبادة بن نسى ، ثقة.

(٣) هو عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك بن طلحة النيسابورى القشيرى ، من بنى قشير بن كعب أبو القاسم زين الإسلام شيخ خراسان فى عصره زهدا وعلما بالدين ، كانت إقامته بنيسابور ، وتوفى فيها ، وكان السلطان ألب أرسلان يقدمه ويكرمه ، من كتبه التيسير فى التفسير ، ويقال له التفسير الكبير ، ولطائف الإشارات ، والرسالة القشيرية.

(٤) هو الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمى البستى ، صاحب التصانيف سمع النسائى والحسن بن سفيان ، وأبا يعلى الموصلى ، وولى قضاء سمرقند ، وكان من فقهاء الدين ، وحفاظ الآثار عالما بالنجوم ، صنف المسند الصحيح ، والتاريخ ، والضعفاء ، كان ثقة نبيلا فهما ، وقال ابن الصلاح : ربما غلط الغلط الفاحش ، مات سنة ٣٥٤ ه‍.

١٨٥

والحافظ محيى الدين الطبرى وغيرهم. وأما حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...» (١) فلا دلالة فيه على النهى عن الزيارة بل هو حجة فى ذلك ومن جعله دليلا على حرمة الزيارة فقد أعظم الجرأة على الله تعالى ورسوله وفيه برهان قاطع على عبارة قائله وقصوه عن ذوق صافى العلم وقصوره عن نيل درجة كيفية الاستباط والاستدلال. والحديث فيه دليل على استحباب الزيارة من وجهين :

الأول : أن موضع قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل بقاع الأرض وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على الله تعالى لأنه لم يقسم بحياة أحد غيره وأخذ الميثاق (ق ٢٣٤) من الأنبياء بالإيمان به وبنصره كما فى قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٢) الآية وشرفه بفضله على سائر المرسلين وكرمه أن ختم به النبيين ورفع درجته فى عليين.

فإذا تقرر أنه أفضل المخلوقين وأن تربته أفضل بقاع الأرض استحب شد الرحال إليه إلى تربته بطريق الأولى.

الوجه الثانى : أنه استحب شد الرحال إلى مسجد المدينة ولا يتصور من المؤمنين المخلصين انفكاك قصده عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكيف يتصور أن المؤمن المعظم قدر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدخل مسجده ويشاهد حجرته ويتحقق أنه يسمع كلامه ثم بعد ذلك يسعه أن لا يقصد الحجرة والقبر ويسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا مما لا احتسبه على أحد وكذلك لو قصد زيارة قبره لم ينفك قصده عن قصد المسجد.

ومن الدليل عن الزيارة الأحاديث الكثيرة الصحيحة فى فضل زيارة الإخوان فى الله تعالى فزيارة (ق ٢٣٥) النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولى وأولى.

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى باب مسجد مكة ١ ، ٦ ، والصوم ٦٧ ، والصيد ٢٦ ، وصحيح مسلم باب حج ٤١٥ ، ٥١١ ، وباب مناسك ٩٤ ، وسنن الترمذى باب الصلاة ١٢٦.

(٢) ٨١ م آل عمران ٣.

١٨٦

ومنها أن حرمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم واجبة حيا وميتا ولا شك أن الهجرة إليه كانت فى حياته من أهم الأشياء فكذلك بعد موته.

ومنها الأحاديث الدالة على استحباب زيارة القبور وهذا فى حق الرجال مجمع عليه وفى حق النساء فيه خلاف هذا فى غير قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأما زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم فالاجماع على الاستحباب للرجال والنساء.

ومنها أن الاجماع على جواز شد الرحال للتجارة وتحصيل المصالح الدنيوية فهذا أولى لأنه من أعظم المصالح الأخروية.

ومنها اجماع الناس العملى على زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشد الرحال إليه بعد الحج من بعد وفاته إلى زماننا هذا.

ومنها الاجماع القولى ، قال القاضى عياض زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة من المسلمين مجمع عليها.

وأما الآثار فى الباب فكثيرة جدا.

عن يزيد المهرى قال : لما ودعت عمر بن عبد العزيز قال إن لى إليك حاجة قلت يا أمير المؤمنين كيف ترى حاجتك (ق ٢٣٦) عندى إنى أراك إذا أتيت المدينة سترى قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقرئه منى السلام.

وعن حاتم بن وردان قال : كان عمر بن عبد العزيز يوجه البريد قاصدا من الشام إلى المدينة ليقرئ عنه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم السلام.

وفى باب الحج من فتاوى الفقيه أبى الليث قال أبو القاسم لما أردت الخروج إلى مكة قال القاسم بن عسان إن لى إليك حاجة إذا أتيت قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقرئه منى السلام فلما وضعت رجلى فى مسجد المدينة ذكرت.

قال الفقيه أبو الليث فيه دليل أن من لم يقدر على الخروج فأمر غيره ليسلم عنه فإنه ينال فضيلة السلام إن شاء الله تعالى. انتهى.

١٨٧

وفى مسند الدارمى أنه كان أيام الحرة لم يؤذن فى مسجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثا ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن أم الدرداء قالت (ق ٢٣٧) : رحل عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه من فتح بيت المقدس فصار إلى الجابية فاستأذنه بلال أن يقره بالشام ففعل ذلك. فقال وأخى أبو رويحة يعنى عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمى الذى آخى بينى وبينه رسول الله فنزل داريا فى خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان فقال لهم قد اتيناكم خاطبين وقد كنا كافرين فهدانا الله تعالى فإن تزوجونا فالحمد لله تعالى وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله فزوجوهما.

ثم إن بلالا رأى فى منامه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول ما هذه الجفوة يا بلال ما آن لك أن تزورنى يا بلال فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعل يضمها ويقبلها فقالا له يا بلال نشتهى نسمع أذانك الذى كنت تؤذن لرسول الله (ق ٢٣٨) صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المسجد فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذى كان يقف فيه ، فلما قال الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة ، فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجتها فلما قال أشهد أن محمدا رسول الله خرجت العواتق من خدورهن وقالوا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما رؤى يوم أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك اليوم. ذكره ابن عساكر فى ترجمة بلال.

وليس الاعتماد فى الاستدلال بهذا الحديث على رؤيا المنام فقط بل على فعل بلال وهو صحابى لا سيما فى خلافة عمر رضى الله تعالى عنه والصحابة متوافرون ولا تخفى عنهم هذه القصة فسفر بلال فى زمن صدر الصحابة لم يكن إلا للزيارة والسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكذلك إيراد عمر بن عبد العزيز البريد من الشام فى زمن صدر التابعين فلا يقل من لا علم له إن السفر لمجرد الزيارة ليس بسنة.

١٨٨

وأنشد بعضهم (ق ٢٣٩) :

تمام الحج أن تقف المطايا

على ليلى وتقرئها السلام

وفى الواقع ان الأحسن أن يبدأ بمكة فإذا قضى نسكه بمكة أتى المدينة لأن الحج فرض والزيارة تطوع ولو كانت الحجة غير حجة الإسلام يبدأ بأيهما شاء ولو بدا بالمدينة فى الوجه الأول جاز وإذا نوى زيارة قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلينو مع ذلك زيارة مسجده لأنه أحد المساجد الثلاثة.

وأما كيفية زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وزيارة ضجيعيه رضى الله تعالى عنهما فإذا توجه إلى زيارة قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكثر من الصلاة والتسليم على سيدنا محمد البشير النذير صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى طريقه وينبغى أن ينيخ البطحاء التى بذى الخليفة وهى المعرس ويصلى بها تأسيا بسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان ابن عمر رضى الله تعالى عنهما شديد الحرص على ذلك.

ويروى عن نافع أنه انقطع عن ابن عمر حتى سبقه إلى المعرس ثم جاء إليه فقال له ما حبسك عنى فأخبره فقال (ق ٢٤٠) إنى ظننت أنك أخذت الطريق الأخرى ولو فعلت لأوجعتك ضربا.

وليزد فى الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا وقع بصره على معاهد المدينة وحرمها ونخيلها وأماكنها وكلما قرب من المدينة وعمرانها زاد من الصلاة والتسليم وسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته فى الدنيا والآخرة ويستحضر تعظيم عرصاتها وتبجيل منازلها ورحباتها فإنها المواطن التى عمرت بالوحى والتنزيل وكثر فيها تردد أبى الفتوح جبريل وأبى الغنايم ميكائيل واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله تعالى وسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما انتشر.

وقد أحسن ناظم هذه الأبيات رادا على من أنكر سماع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المصلى عليه الصلاة :

١٨٩

ألا أيها الغادى إلى يثرب مهلا

لتحمل سوقا ما أطيق له حملا

تحمل رعاك الله منى تحية

وبلغ سلامى روح من طيبة حلا

وقف عند ذاك القبر فى الروضة

التى تكون على يمنى المصلى إذا صلا

وقم خاضعا فى مهبط الوحى خاشعا

وخفض هناك الصوت واسمع لما يتلى

(ق ٢٤١)

وناد سلام الله يا قبر أحمد

على جسد لم يبل فيك ولن يبلى

ترانى أرانى عند قبرك كاهذا

يناديك عبد ما له غيركم مولى

وتسمع عن قرب صلاتى مثل ما

تبلغ عن بعد صلاة الذى صلى

اناديك يا خير الخلائق والذى

به ختم الله النبيين والرسلا

نبى الهدى لولاك لم نعرف الهدى

ولولاك لم نعرف حراما ولا حلا

ولولاك لا والله ما كان كائن

لم يخلق الرحمن جزءا ولا كلا

واستحب بعض العلماء أن يقول اللهم هذا حرم رسولك فاجعله لى وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب اللهم افتح لى أبواب رحمتك وارزقنى فى زيارة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك واغفرلى وارحمنى يا خير مسئول.

وما يفعله بعضهم من النزول عن الرواحل عند رؤيتهم المدينة والحرم النبوى ومشيهم إما قليلا أو إلى أن يصلوا لا بأس به لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينكر على وفد عبد القيس حين نزلوا عن الرواحل لما رأوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتعظيم جهته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحرمه (ق ٢٤٢) المقدس بعد وفاته كهو فى حياته.

الأحاديث الواردة فى فضل زيارة القبر المقدس (٢)

وحكى القاضى عياض فى الشفاء أن أبا الفضل الجوهرى لما ورد المدينة زائرا وقرب من بيوتها ترجل ومشى باكيا منشدا :

١٩٠

ولما رأينا رسم من لم يدع لنا

فوادا العرفان الرسوم لها فلا

نزلنا عن الأكوار نمشى كرامة

لعن بان عنه أن نلم به ركبا

وينبغى أن يغتسل عند دخولها أو يتوضأ كما ذكرنا فى دخول مكة ويلبس انظف ثيابه والجديد أفضل ويتطيب ثم يدخل المدينة الشريفة قائلا باسم الله رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا وليكن خاضعا خاشعا معظما لحرمتها مكثرا من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاصدا المسجد الشريف وليحضر فى نفسه شرف البقعة وجلاله من شرف الإيمان وليكن ممتلئ القلب من هيبته صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنه يراه وليمثل فى نفسه إذا مشى مواضع الأقدام الشريفة (ق ٢٤٥) النبوية فلعله فى موضع قدميه العزيزتين فلا يضع قدمه إلا بسكينة ووقار كما كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشى.

ومن الأدب إذا دخلها ألا يركب فيها كما كان مالك رحمه‌الله تعالى يفعل وكان يقول استحيى من الله عزوجل أن أطا تربة فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحافر دابة.

فإذا وصل باب المسجد الشريف فيدخل من باب جبريل عليه‌السلام وبقدمه ورجله اليمنى فى الدخول واليسرى فى الخروج وليقل ما قدمناه فى دخول المسجد الحرام وليدخل بخضوع وتذلل وأدب حامدا الله تعالى شاكرا له على نعمته عليه ، واستحب العلماء أن يقصد أول دخوله الروضة المقدسة وهى بين المنبر والقبر المقدس فيصلى تحية المسجد فى مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الحضرة وفى غيره من الروضة أو من المسجد فإذا صلى التحية سجد شكرا لله تعالى على ما انعم به عليه وسأله اتمام النعمة بقبول زيارته.

قال الكرمانى (١) : ويسجد بعد تحية المسجد سجدة شكر لله تعالى (ق ٢٤٤) على وصوله إلى تلك البقعة الشريفة والروضة المنيفة ، وفى الاختيار يسجد شكرا لله تعالى على

__________________

(١) هو عبد الرحمن بن محمد بن أميروية أبو الفضل الكرمانى ، فقيه حنفى ، إنتهت إليه رياسة المذهب بخرسان ، مولده سنة ٤٥٧ ه‍ ، ووفاته سنة ٥٤٣ ه‍ ، من كتبه التجريد فى الفقه ، والإيضاح فى شرح التجريد ، وشرح الجامع الكبير ، والفتاوى.

١٩١

ما وفقه فإن خاف فوت المكتوبة بدأ بها وكفته عن تحية المسجد ثم ينهض إلى القبر الشريف المقدس من ناحية القبلة فيقف قبالة وجهه الشريف.

قال رشيد الدين فيستدبر القبلة ويستقبل المسمار الفضة الذى بجدار القبر المقدس على نحو اربعة اذرع من السارية التى هى غر رأس القبر الشريف فى زاوية جداره.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقف على نحو ثلاثة أذرع من الجدار ويجعل القنديل الكبير على رأسه ناظرا إلى الأرض غاض الطرف فى مقام الهيبة والتعظيم والاجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرا فى نفسه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته وعلمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحضوره وقيامه وسلامه ويمثل صورته الشريفة فى حياته موضوعا فى لحده.

واستدبار القبلة هو المستحب عند مالك والشافعية والحنابلة واختلفت عبارة اصحابنا (ق ٢٤٥) فى ذلك ففى مناسك الفارسى والكرمانى عن أبى الليث يقف مستقبل القبلة مستدبر القبر المقدس ويضع يمينه على شماله فى الصلاة ، وهذا شاذ والصحيح المعتمد عليه أن يقف عند الرأس المقدس بحيث يكون على يساره ويبعد عن الجدار قدر اربعة أذرع ثم يدور إلى أن يقف قبالة الوجه المقدس مستدبرا القبلة ثم يسلم ويصلى عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم يسلم على أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما.

وروى الإمام أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه فى مسنده عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال : من السنة أن تأتى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ثم تقول السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته وليس من السنة أن يمس الجدار أو يقبله بل الوقوف من البعد اقرب إلى الاحترام والآداب أن لا يرفع صوته بالتسليم ولا يمس القبر بيده ولا يقف عند القبر طويلا.

ويروى أن أبا جعفر المنصور ناظر مالك بن أنس فى مسجد رسول الله (ق ٢٤٦) فقال له يا أمير المؤمنين : لا ترفع صوتك فى هذا فإن الله عزوجل أدب قوما فقال

١٩٢

(لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ)(١) الآية ومدح قوما فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ)(٢) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه‌السلام إلى الله تعالى يوم القيامة بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله تعالى فيك.

رواه الحافظ ابن بشكوال (٣) ثم القاضى عياض فى الشفاء رحمهما‌الله تعالى.

قال ابن جماعة (٤) ولا يلتفت إلى قول من زعم أنه موضع لهواه الذى أراده.

قال الحافظ محب الدين : وعلامة الوقوف تجاه الوجه الكريم مسمار فضى مضروب فى رخامة حمراء.

قال المرجانى فى بهجة النفوس : وجميع أصحاب التواريخ المتقدمة يذكرون العلامة بالمسمار ويصفونه بأنه صفر (ق ٢٤٧) ولعله غير. انتهى.

والذى هو موجود الآن عيانا ومشاهدة أنه من فضة والله تعالى اعلم.

واما الدلالة بالقنديل فقال الشيخ جمال الدين : الآن هناك عدة قناديل جددت بعد احتراق المسجد ثم قال وموقوف الناس اليوم للسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرصة بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهما.

__________________

(١) ٢ م الحجرات ٤٩.

(٢) ٣ م الحجرات ٤٩.

(٣) هو خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال ال

خزرجى الأنصارى الأندلسى أبو القاسم مؤرخ بحاثة ، ولد سنة ٤٩٤ ه‍ ، من أهل قرطبة ، ولى القضاء فى بعض جهات إشبيلية ، له نحو خمسين مؤلفا أشهرها الصلة ، والغوامض ، والمحاسن ، والفضائل ، مات سنة ٥٧٨ ه‍.

(٤) هو الحافظ الإمام قاضى القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز ابن قاضى القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكنانى الحموى الأصل الدمشقى المولد ، ثم المصرى الشافعى ، ولد سة ٦٩٤ ه‍ ، ومات سنة ٧٦٧ ه‍ ، سمع من الدمياطى والأبرقوهى وأجاز له ابن وريدة وأبو جعفر بن الزبير ، صنف تخريج أحاديث الرافعى ، والمناسك الكبرى والصغرى ، وولى قضاء الديار المصرية ، وتدريس الخشابية ، أخذ عنه العراقى ووصفه بالحافظ.

١٩٣

قال المرجانى : وذكر بعض المتبصرين أنه إذا أتى للسلام على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرى فى الحجر الاسود الذى تحت الرخامة الحمراء التى فيها المسمار الفضة صورة شخص له شعر طويل مرة يفرقه ومرة يتركه وهو ينظر إلى من يأتى للسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمرة يبتسم فى وجه المسلم ومرة لا ينظر إلى أحد وأكثر قعوده ثانيا إحدى رجليه نصف تربيعة وركبته الأخرى قائمة ومن جانبه الأيمن مما يلى الروضة شخص آخر ومن جانبه الأيسر البكرى شخصان آخران.

قال الرائى فعدمت الخشوع فى ذلك المحل الشريف (ق ٢٤٨) بسبب رؤيتى لهما وشغل خاطرى بهما.

وقال المرجانى أيضا إشارة إلى إثبات الوقار والحرمة لخواطر الاعتبار : سمعت والدى رحمه‌الله تعالى يقول صلينا يوما الظهر بحرم المدينة واقبل طائر عظيم ابيض طويل الساقين أتى من جهة باب السلام وهو يطير مع جدار القبلة وقد ملأ جناحاه ما بين الحائط القبلى والسوارى فلما حاذى المحراب وقف ومشى قليلا قليلا إلى أن وصل إلى الشباك موقف المسلمين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستقبل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووقف وجعل يضع منقاره على الأرض ويرفعه مرارا إلى أن فرغ الناس من صلاتهم واجتمعوا عليه ينظرونه ثم مشى حتى خرج إلى صحن المسجد إلى نحو الحجرة التى يذكر أنها حد المسجد القديم ثم فتح اجنحته وطار مرتفعا فى الجو غير مائل يمينا ولا يسارا حتى غاب عن اعيننا. انتهى.

كيفية السلام عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حال

الزيارة والسلام على ضجيعيه

رضى الله تعالى عنهما

ليقل بحضور بال وغض صوت وسكون جوارح : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبى الله ، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه ، السلام عليك يا حبيب الله ،

١٩٤

السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا سيد الأنبياء والمرسلين ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين ، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك الطاهرين ، السلام عليك وعلى أزواجك الطاهرات امهات المؤمنين ، السلام عليك وعلى آلك واصحابك وآلك اجمعين ، السلام عليك وعلى سائر الانبياء والمرسلين وسائر عباد الله الصالحين ، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته جزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته صلى الله عليك وسلم كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون وصلى عليك فى الأولين والآخرين أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من خلقه أجمعين ، كما استنقذنا بك من الضلالة ونصرنا بك من العماية وهدانا بك من الجهالة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك عبده (ق ٢٥٠) ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه ، وأشهد يا رسول الله انك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة وجاهدت فى الله حق جهاده وعبدت ربك حتى أتاك اليقين ، ونحن مذكرون يا رسول الله واضيافك وجينانك جيئنا إليك إلى جنابك الكرام من بلاد شاسعة وأماكن بعيدة نقصد بذلك قضاء حقك علينا ، والنظر إلى ما ترك والتيمن بزيارتك والتبرك بالسلام عليك والاستشفاع بك إلى ربنا عزوجل ، فإن خطايانا قد قصمت ظهورنا وأوزارنا قد أثقلت كواهلنا ، وأنت الشافع المشفع وقد قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١).

وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربنا ، واسأله أن يميتنا على سنتك ويحشرنا فى زمرتك ، ويسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى ويرزقنا مرافقتك فى الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك (ق ٢٥١) رفيقا يا رسول الله الشفاعة ، الشفاعة ، الشفاعة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وآته نهاية ما ينبغى أن يسأله السائلون ، وخصه

__________________

(١) ٦٤ م النساء ٤.

١٩٥

بالمقام المحمود والوسيلة والفضيلة والدرجة ، وبغاية ما ينبغى أن يؤمله الآملون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد عبدك ورسولك النبى الأمى وعلى آل محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد وازواجه وذريته ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد.

ثم يتحول إلى صوب يمينه بقدر ذراع فيسلم على أبى بكر رضى الله تعالى عنه لأن رأسه بحيال منكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الأكثرين فيقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفيه ، وثانيه فى الغار جزاك الله عن أمة محمد خيرا ، ولقاك فى القيامة أمنا وبرا.

ثم يتأخر إلى صوب يمينه بقدر ذراع فيسلم على عمر رضى الله تعالى عنه لأن رأسه عند منكب أبى بكر رضى الله تعالى عنه عند الاكثرين فيقول : السلام عليك يا أمير (ق ٢٥٢) المؤمنين عمر الفاروق الذى أعز الله تعالى بك الإسلام ، جزاك الله عن الإسلام وأمة نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيرا.

ومن قال من الحنفية إنه يستقبل القبلة عند السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال إذا أراد السلام على أبى بكر يتحول عن يساره مقدار ذراع ، وكذلك يفعل للسلام على عمر رضى الله تعالى عنه ، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتوسل إلى الله تعالى به فى حوائجه ، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ، ويدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين ولمن أحب بما أحب ، ويختم دعاءه بآمين وبالصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفى مناسك الفارسى : إذا فرغ من السلام على عمر رضى الله تعالى عنه ، يرجع قدر نصف ذراع فيقف بين رأس الصديق ورأس الفاروق ويقول : السلام عليكما يا ضجيعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليكما يا صاحبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ٢٥٣) يا وزيرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعاونين له فى الدين ، والعاملين بسنته حتى اتاكما اليقين فجزاكما الله تعالى

١٩٦

خير جزاء ، جئنا يا صاحبى رسول الله زائرين لنبينا وصديقنا وفاروقنا ، ونحن نتوسل بكما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليشفع لنا ... انتهى.

وكذلك ذكر فى الاختيار : ثم يتقدم إلى رأس القبر الشريف فيقف بين القبر والاسطوانة التى هناك ويستقبل القبلة ويجعل الرأس المقدس عن يساره ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويدعوا لنفسه ولمن احب بما احب.

قال قاضى القضاة عز الدين ابن جماعة : ما ذكروه من العود ومن التقدم إلى رأس القبر المقدس للدعاء عقب الزيارة لم ينقل عن فعل الصحابة رضى الله تعالى عنهم والتابعين ورحمهم‌الله تعالى ، ومن عجز عن حفظ ما قدمناه ذكره عند السلام عليه لله أو ضاق وقته اقتصر على بعضه واقله السلام عليك يا رسول الله.

والمروى عن جماعة من السلف الإيجاز فى هذا جدا فعن الامام مالك رحمه‌الله أنه كان يقول : (ق ٢٥٤) السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته.

وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر الشريف وقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا ابتاه ثم ينصرف ، ثم إن كان أحد أوصاه بالسلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فليقل السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان أو فلان بن فلان يسلم عليك يا رسول الله (١) من العبارات.

وروى أن عمر بن عبد العزيز كان يوصى بذلك ويرسل البريد من الشام إلى المدينة بذلك كما قدمناه.

وروى ابن أبى فديك وهو من علماء أهل المدينة وممن روى عنه الشافعى رحمه‌الله تعالى قال : سمعت بعض من ادركت يقول بلغنا أنه من وقف عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتلا هذه الآية (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ)(٢) الآية .. ثم قال صلى الله عليك

__________________

(١) بياض فى الأصل.

(٢) ٥٦ م الأحزاب ٣٣.

١٩٧

يا محمد (ق ٢٥٥) سبعين مرة فرآه ملك صلى الله عليك يا فلان ، ولم تسقط له حاجة.

ومن احسن ما يقول ما حكاه العلماء عن العتبى مستحبين له قال : كنت جالسا عند قبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء أعرابى فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله تعالى يقول (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(١) وقد جئتك مستغفرا من ذنبى مستشفعا بك إلى ربى ثم أنشد يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسى الفداء لقبر انت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم استغفر وانصرف فغلبتنى عيناى فرأيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام فقال يا عتبى الحق الاعرابى فبشره بأن الله تعالى قد غفر له.

قال بعض العلماء يقول الزائر بعد السلام والصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم إنك قد قلت وقولك الحق (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ)(٢) الآية ، اللهم إنا قد سمعنا قولك واطعنا امرك وقصدنا نبيك هذا (ق ٢٥٦) صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستشفعين بما لك من ذنوبنا وما اثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين إليك من زللنا ، معترفين بخطايانا وتقصيرنا اللهم فتب علينا وشفع نبيك هذا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك.

اللهم اغفر للمهاجرين والأنصار ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٣).

ولله در الاعرابى هذا حيث استنبط من الآية الكريمة المجىء إلى زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد موته مستغفرا فإن ذلك أظهر من قصد التعظيم وقت الإيمان واستغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الموت حاصل لأنه الشفيع الأكبر يوم القيامة والوسيلة العظمى فى طلب الغفران ورفع الدرجات

__________________

(١) ٦٤ م النساء ٤.

(٢) ٦٤ م النساء ٤.

(٣) ١٠ م الحشر ٥٩.

١٩٨

من بين سائر ولد آدم والمجىء إليه بعد موته تجديد لتأكيد التوسل به إلى الله تعالى وقت الحاجة.

وقد حسن هذين البيتين الشيخ محمد بن أحمد بن أمين الأقشهرى (١) رحمه‌الله تعالى فقال (ق ٢٥٧) :

خير المزار إلينا أعظمه

وخير من سر عرش الرب مقدمه

تأديته بعقول وهو أقومه

يا خير من دفنت فى التراب أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

طوبى لجاركم طابت مساكنه

جار يجار وجار الربع آمنه

قول إذا قلت تشفينى محاسنه

نفسى الفدا لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قال عز الدين ابن جماعة : وشتان بين هذا الأعرابى وبين من أضل الله تعالى فحرم السفر إلى زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى من أعظم القربات كما قدمناه.

ولبعض زوار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أتيتك زائرا وودت أنى

جعلت سواد عينى امتطيه

وما لى لا أسير على جفونى

إلى قبر رسول الله فيه

قال القاضى عياض رحمه‌الله تعالى : وجدير بمواطن (ق ٢٥٨) عمرت بالوحى والتنزيل وتردد بها جبريل وميكايل ، وعرجت منها الملائكة والروح وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما انتشر مدارس آيات ومساجد وصلوات ومشاهد الفضائل والخيرات ومعاهد البراهين والمعجزات ومناسك الدين ومشاعر المسلمين وموقف سيد المسلمين ومتبوأ خاتم النبيين حيث تفجرت النبوة وفاض عبابها ومواطن مهبط الرسالة وأول ارض مس جلد المصطفى ترابها أن تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها وأنشد :

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ الأقشهرى مؤرخ رحالة ، ولد سنة ٦٦٥ ه‍ فى أقشهر بقونية ، ورحل إلى مصر ثم إلى المغرب ، وجمع رحلته إلى المشرق والمغرب فى عدة مجلدات كبيرة ، وجاور بالمدينة ، ومات سنة ٧٣١ ه‍ ، وله الروضة فى أسماء من دفن بالبقيع.

١٩٩

يا دار خير المرسلين ومن به

هدى الأنام وخص بالآيات

عندى لأجلك لوعة وصبابة

وتشوق متوقد الجمرات

وعلى عهد إن ملأت محاجرى

من تلكم الجدران والعرصات

لأعفرن مصون شيبى أنها

من كثرة التقبيل والرشفات

لو لا العوادى والاعادى ربها

ابدا ولو سحبا على الوجنات

(ق ٢٥٩)

لكن شاهدى من حفيل تحتى

لقطين تلك الدار والحجرات

اذكى المسك المعتق نفحة

تغشاه بالآصال والبكرات

وتخصه بزاكى الصلوات

ونوامى التسليم والبركات

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تنجينا من الأهوال والآفات وتقضى لنا بها جميع الحاجات ، وتطهرنا بها من جميع السيئات ، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات ، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات فى الحياة وبعد الممات.

ورضى الله تعالى عن ساداتنا وأئمتنا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجمعين.

وحسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وحده.

وكان الفراغ من هذا الكتاب المبارك فى أول شهر ذى الحجة الحرام من شهور سنة ثمان من الهجرة النبوية وألف على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، اللهم اغفر لأمة محمد اجمعين آمين .. آمين.

وكان الفراغ من كتابته فى سلخ سنة ثمان وألف (١).

__________________

(١) هذا آخر المخطوطة.

٢٠٠