تاريخ المدينة

قطب الدين الحنفي

تاريخ المدينة

المؤلف:

قطب الدين الحنفي


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

الفصل

الخامس

فى ذكر إجلاء بنى النضير

من المدينة وحفر الخندق

وقتل بنى قريظة

٨١
٨٢

اعلم أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد عقد حلفا بين بنى النضير من اليهود وبين بنى عامر ، فعدا عمرو بن أمية الضمرى من بنى النضير على رجلين من بنى عامر فقتلهما ، فأتى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى قريظة يستعينهم فى دية القتيلين ، فقالوا : نعم. ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا : انكم لم تجدوا الرجل على مثل حاله هذا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا إلى جنب جدار من بيوتهم ، فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقى صخرة ، فصعد أحدهم لذلك. فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر من السماء فقام ورجع إلى المدينة وأخبر أصحابه الذين معه منهم أبو بكر وعمر رضى الله (ق ٧٢) عنهم وأمرهم بالتهيؤ لحربهم ، وسار حتى نزل بهم فى شهر ربيع الآخر سنة أربع بعد الهجرة فتحصنوا فى الحصون فأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقطع نخيلهم وبحرقها ، وقذف الله تعالى فى قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ، ففعل فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام ، وخلوا الأموال فقسمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خراشة ذكرا فقرا فأعطاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يسلم من بنى النضير إلا رجلين يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها فأنزل الله تعالى فى بنى النضير سورة الحشر بأسرها ، وكانت نخيل بنى النضير تسمى بويرة ، وقيل بويرة اسم بلدة أو موضع من مواضع بنى النضير.

ذكر حفر الخندق

حفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق يوم الأحزاب ، وذلك أن نفرا من بنى النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ٧٣) وكانوا بخيبر ، وكان رئيسهم حيى بن أخطب قدم هو ورؤساء قومه إلى مكة على قريش فدعوهم لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطاعتهم قريش وغطفان بمن جمعوا.

٨٣

فلما سمع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب الخندق على المدينة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه كما ثبت فى صحيح البخارى ، واشتدت عليهم صخرة فى الخندق فشكوها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعا بإناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله تعالى أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الصخرة فانهالت حتى عادت كالكثيب لا ترد فأسا ولا مسحا ، ولم يزل المسلمون يعملون فيه حتى اتموه وحفره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طولا من أعلى وادى بطحان غربى الوادى مع الحرة إلى غربى المصلى ، مصلى العيد ، ثم إلى مسجد الفتح ثم إلى الجبلين الصغيرين اللذين فى غربى الوادى ، يقال لأحدهما رابح وللآخر جبل بنى عبيد.

وأقبلت قريش وكنانة ومن تبعهما من الأحابيش فى عشرة آلاف حتى نزلوا بمجتمع السيول من رومة وادى العقيق وقائدهم أبو سفيان ، وأقبلت غطفان وبنو أسد ومن تبعها من أهل نجد حتى (ق ٧٤) نزلوا بذنب نقمىء إلى جانب أحد ما بين طرفى وادى النقمى وقائدهم عيينة بن حصن ، وأتى الحارث بن عوف فى بنى مرة ومسعود بن رحيلة فى أشجع ، وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون فى ثلاثة آلاف حتى جعلوا ظهورهم إلى جبل سلع ، وضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبته على القرن الذى فى الجبل غربى سلع موضع مسجده اليوم ، ثم سعى حيى بن أخطب حتى قطع الحلف الذى كان بين بنى قريظة وبين النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأجابوه لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشتد الخوف واشتد الحصار على المسلمين وكان فى ذلك ما قص الله تعالى بقوله : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ....)(١) الآيات.

فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركون بضعا وعشرين ليلة لم يكن لهم حرب إلا الرمى بالنبل إلا الفوارس من قريش فإنهم قاتلوا فقتلوا وقتلوا ، وأصاب سعد بن معاذ سهم فحسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جرحه فانتفخت يده ونزف الدم ، فلما رأى ذلك قال : اللهم إن كنت

__________________

(١) ١٠ م الأحزاب ٣٣.

٨٤

أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها ، اللهم إن كنت (ق ٧٥) وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقر عينى فى بنى قريظة ، وكان راميه خبال بن الحرفة رماه بسهم فى عضده أصاب أكحله فانقطع فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بضرب فسطاط فى المسجد لسعد ، فكان يعوده كل يوم.

استشهد يومئذ من المسلمين ستة من الأنصار ولم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه على ما هم عليه من الخوف والشدة حتى هدى الله تعالى نعيم بن مسعود (١) أحد بنى غطفان للإسلام ، ولم يعلم أصحابه ، وخدع بين بنى قريظة وقريش وغطفان ، ورمى بينهم الفتن ، وبعث الله تعالى عليهم الريح فى ليالى باردة فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم فرجعوا إلى بلادهم وكان مجيئهم وذهابهم فى شوال سنة خمس من الهجرة ، ويروى أنهم لما وقفوا على الخندق قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ويقال إن سلمان أشار به على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال محب الدين : والخندق اليوم باق وفيه قناة تأتى من عين بقباء إلى النخل الذى (ق ٧٦) بأسفل المدينة المعروف بالسيخ حول مسجد الفتح ، وقد انظم أثره وتهدمت حيطانه.

قال الشيخ جمال الدين : وأما اليوم فقد عفا أثر الخندق ولم يبق منه شىء يعرف إلا ناحية لأن وادى بطحان استولى على موضع الخندق فصار مسلة فى موضع الخندق.

قال عفيف الدين المرجانى : وفى سنة تسع وأربعين وسبعمائة أرانى والدى رحمه‌الله باقى جدار الخندق.

__________________

(١) هو نعيم بن مسعود الأشجعى أبو سلم صحابى أسلم يوم الخندق ، وقصته مشهورة فى تحزيب الأحزاب ، روى عنه ابنه سلمه.

قتل يوم الجمل مع على.

٨٥

ذكر قتل بنى قريظة

بالمدينة الشريفة

قال ابن إسحاق : ولما انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخندق رجع إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح ، فأتى جبريل عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متعجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم» فقال : ما وضعت الملائكة بعد السلاح ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم.

إن الله تعالى يأمرك بالسير إلى بنى قريظة فإنى عامد إليهم فمزلزل بهم ، فأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الناس : «من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة» فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فحاصرهم (ق ٧٧) خمسا وعشرين ليلة ، وقذف الله تعالى فى قلوبهم الرعب حتى نزلوا على حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتواثب الأوس وقالوا : يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج فهم لنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا ترضون يا معشر الأوس أن نحكم فيكم رجلا منكم» فقالوا : بلى ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فذلك إلى سعد بن معاذ» وكان سعد فى خيمته يداوى جرحه ، وكان حارثة بن كلدة هو الذى يداويه ، وكان طبيب العرب وهو مولى أبى بكرة مسروح فأتت الأوس بسعد بن معاذ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : «احكم فى بنى قريظة».

فقال : إنى أحكم فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذرارى. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة» (أى من فوق سبع سموات) وكان الذين نزلوا على حكمه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعمائة واستنزلوا بنى قريظة من حصونهم فجلسوا بالمدينة فى دار امرأة من بنى النجار ، ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق (ق ٧٨) ثم بعث إليهم فجىء بهم فضرب أعناقهم فى تلك الخنادق ، وكانوا سبعمائة وفيهم حيى بن أخطب الذى حرضهم على نقض العهد فقتل منهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم كل من أنبت واستحيى من لم ينبت ، وقتل منهم امرأة كانت طرحت رحا على

٨٦

خلاد بن سويد من الحصن فقتلته يوم قتال بنى قريظة فقتلها به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لخلاد أجر شهيدين.

ثم قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أموالهم ونساءهم على المسلمين ، وأنزل الله تعالى فى بنى قريظة والخندق من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) إلى قوله تعالى : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها)(١) قيل هى نساؤهم.

ثم انفتق على سعد بن معاذ جرحه فمات منه شهيدا ، وذلك بعد أن أصابه السهم بشهر فى شوال سنة خمس هجرية. وكان رجلا طوالا ضخما.

ولم تزل بقايا اليهود بالمدينة إلى خلافة عمر رضى الله عنه (ق ٧٩).

وروى عن ابن شهاب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب».

قال ابن شهاب : ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه حتى أتاه اليقين أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يجتمع دينان فى جزيرة العرب» فأجلى يهود خيبر ، وأجلى يهود نجران وفدك.

__________________

(١) ٩ ـ ٢٧ م الأحزاب ٣٣.

٨٧
٨٨

الفصل

السادس

فى ذكر ابتداء بناء

مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما زيد فيه

أو نقص منه إلى هذا التاريخ

٨٩
٩٠

وفيه ذكر ما جاء فى قبلة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر حجر أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الليل ، وذكر قصة الجذع ، وذكر منبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والروضة الشريفة ، وذكر سد الأبواب والشوارع فى المسجد الشريف ، وذكر تجمير المسجد الشريف وتخليقه وذكر موضع تأذين بلال رضى الله تعالى عنه وذكر أهل الصفة ، وذكر زيادة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ٨٠) وذكر بطحاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر زيادة عثمان رضى الله عنه ، وذكر زيادة الوليد بن عبد الملك ، وذكر زيادة المهدى ، وذكر بلاعات المسجد وساء صحنه والسقايات التى كانت فيه ، وذكر احتراق المسجد الشريف ، وذكر الخوخ والأبواب التى كانت فى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر ذرع المسجد اليوم وعدد أساطينه وطيقانه وحدود المسجد القديم ، وذكر أسوار المدينة الشريفة.

ذكر مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

لما قدم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة نزل على كلثوم بن الهدم فى بنى عمرو بن سالم بن عوف فمكث عندهم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وكان كلثوم بن الهدم أسلم قبل قدوم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة وتوفى فى السنة الاولى.

وروى البخارى فى صحيحه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة. وفى مسلم أقام فيهم أربع عشرة ليلة (ق ٨١) وأخذ مربد كلثوم بن الهدم وعمله مسجدا وأسسه وصلى فيه إلى بيت المقدس وخرج من عندهم يوم الجمعة عند ارتفاع النهار ، فركب ناقته القصوى وحشد المسلمون ولبس السلاح عن يمينه وشماله وخلفه وكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا : هلم يا رسول الله الى القوة والمنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويقول عن ناقته إنها مامورة خلوا سبيلها فمر ببنى سالم بن عوف فأتى مسجدهم الذى فى وادى رانونا وأدركته صلاة الجمعة فصلى بهم هناك وكانوا مائة

٩١

رجل ، وقيل أربعون وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، ثم ركب راحلته وأرخى لها زمامها وما يحركها وهى تنظر يمينا وشمالا حتى انتهت به إلى زقاق الحسبى من بنى النجار فبركت على باب أبى أيوب الأنصارى وقيل بركت أولا على باب مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ثارت وهو عليها فبركت على باب أبى أيوب ثم التقوى وثارت وبركت مبركها الأول وألقت جرانها فى الأرض ورزمت فنزل عنها (ق ٨٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى بيت «أبى» أيوب سبعة أيام ثم بنى مسجده ثم لم يزل فى بيت أبى أيوب ينزل عليه الوحى حتى ابتنى مسجده ومساكنه ، وكان ابتداء بنيانه مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى شهر ربيع الأول من السنة الأولى وكانت إقامته فى دار أبى أيوب سبعة أشهر.

قال الشيخ جمال الدين : ودار أبى أيوب مقابلة لدار عثمان رضى الله عنه من جهة القبلة والطريق بينهما وهى اليوم مدرسة للمذاهب الأربعة ، اشترى عرضتها الملك المظفر شهاب الدين غازى (١) ابن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى وبناها وأوقفها على المذاهب الأربعة وأوقف عليها وقفا بما فارقين وهى دار ملكه ولها بدمشق وقف أيضا ويليها من جهة القبلة عرصة كبيرة تحاذيها من القبلة كانت دارا لجعفر بن محمد الصادق ، وفيها الآن قبلة مسجده وفيها أثر المحاريب وهى اليوم ملك الأشراف المنايغة وللمدرسة قاعتان كبرى وصغرى وفى إيوان الصغرى الغربى خزانة صغيرة مما يلى القبلة (ق ٨٣) فيها محراب يقال إنها مبرك ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) هو غازى المظفر ابن أبى بكر العادل ابن أيوب صاحب ميافارقين ، وخلاط ، والرها وإربل ، من ملوك الدولة الأيوبية ، كان فارسا مهيبا جوادا ، كنيته شهاب الدين ، له أخبار مع أخيه الملك الأشرف موسى ، وغيره ، اجتمع به المؤرخ سبط ابن الجوزى فى الرها سنة ٦١٢ ه‍ ، فقال : «حضر مجلسى بجامع الرها ، وكان لطيفا ينشد الأشعار ويحكى الحكايات» وهو الذى أجازه محيى الدين ابن عربى بالرواية عنه إجازة أوردها العياشى فى رحلته مع بعض اختصار من آخرها. أولها «بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتى ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين أقول وأنا محمد بن على بن عربى الحاتمى ، وهذا لفظى : استخرت الله تعالى وأجزت للسلطان الملك المظفر شهاب الدين غازى ابن الملك العادل المرحوم إن شاء الله أبى بكر بن أيوب ... الخ».

مات سنة ٦٤٥ ه‍.

٩٢

ثم قال رحمه‌الله تعالى : واعلم أن المسجد الشريف فى دار بنى غنم بن مالك بن النجار وكان مريدا للتمر لسهل وسهيل ابنى رافع بن عمرو بن مالك بن النجار وكانا غلامين يتيمين فى حجر أسعد بن زرارة فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقبله منهما هبة حتى ابتاع منهما وبناه. وقيل لم يأخذا له ثمنا وقيل اشتراه من بنى عفراء بعشرة دنانير ذهبا ودفعها عنه أبو بكر رضى الله تعالى عنه وكانت دار بنى النجار أوسط دور الأنصار وأفضلها ، وبنو النجار أخوال عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والنجارهم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وهم بطون كثيرة سمى بالنجار لانه اختتن بالقدوم وقد صح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه قال : «خير دور الانصار دور بنى النجار».

وعن أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ٨٤) لما أخذ المربد من بنى النجار وكان فيه نخل وقبور المشركين وخرب فأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت ، قال صفوا النخل قبلة له واجعلوا عضادتيه حجارة ، وطفق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينقل معهم اللبن فى بنيانه وبنى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده مربعا وجعل قبلته الى بيت المقدس وطوله سبعون ذراعا فى عرض شبرا وأزيد وجعل له ثلاثة أبواب ، وجعلوا ساريتى المسجد من الحجارة وبنوا باقيه باللبن.

وفى الصحيحين كان جدار المسجد كادت الشاة تجوزه.

وقالت عائشة رضى الله تعالى عنها : كان طول جدار المسجد بسطة وكان عرض الحائط لبنة لبنة ثم إن المسلمين كثروا فبنوه لبنة ونصفا ثم قالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل قال : نعم ، فأقيم له سوارى من جذوع النخل شقة شقة ثم طرحت عليها العوارض والحصف والأجر وجعل وسط رحبة فأصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف بهم فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل فقام لهم (ق ٨٥) عريش كعريش موسى تمام وخشيبات نعم فنعمل والأمر أعجل من ذلك فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقال إن عريش موسى عليه‌السلام كان إذا قام به أصاب رأسه السقف.

٩٣

وقال أهل السير : وبنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده مرتين فبناه حين قدم أقل من مائة فى مائة ، فلما فتح الله تعالى عليه خيبر بناه وزاد عليه فى الدور مثله.

ذكر ما جاء فى قبلة مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

اعلم أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجده متوجها إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا وقيل ستة عشر ثم أمر بالتحول إلى الكعبة فى السنة الثانية من الهجرة فى صلاة الظهر يوم الثلاثاء النصف من شعبان وقيل فى رجب فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رمطا على زوايا المسجد ليعدل القبلة فأتاه جبريل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة ثم قال بيده هكذا فأماد كل جبل بينه وبين الكعبة لا يحول دون نظره شىء ، فلما فرغ قال جبريل فأعاد الجبال (ق ٨٦) والمسجد والاشياء على حالها وصارت قبلته إلى الميزاب من البيت فهى المقطوع بصحتها.

وعن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال كانت قبلة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الشام وكان مصلاه الذى يصلى فيه للناس من الشام مسجده أن تضع الأسطوانة المخلقة اليوم خلف ظهرك ثم تمشى مستقبل الشام وهى خلف ظهرك حتى إذا كنت محاذيا لباب عثمان المعروف اليوم بباب جبريل عليه‌السلام ، والباب على منكبك الأيمن وأنت فى صحن المسجد كانت قبلته فى ذلك الموضع وأنت واقف فى مصلاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيأتى ذكر الاسطوانة فى محله.

يروى أن أول ما نسخ من أمور الشرع أمر القبلة ، وتقدم فى باب الفضائل فضل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجده صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ذكر حجر أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

لما بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده بنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة رضى الله تعالى عنهما على نعت بناء المسجد من لبن (ق ٨٧) وجريد وكان لبيت عائشة رضى الله تعالى

٩٤

عنها مصراع وأخذ من عرعر أو ساج ، ولما تزوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساءه بنى لهن حجرات وهى تسعة أبيات وهى بناء بين بيت عائشة رضى الله تعالى عنها إلى الباب الذى يلى باب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أهل السير : ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحجرات ما بينه وبين القبلة والشرق إلى الشام ولم يضربها فى عريشه فكانت خارجة من المسجد مد يده به إلى جهة المغرب وكانت ابوابها شارعة فى المسجد.

قال عمران بن أبى أنس : كانت منها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها على أبوابها مسوح الشعر.

قال ابن النجار : وذرعت الستر فوجدته ثلاثة أذرع فى ذراع فكان الناس يدخلون حجر أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وفاته يصلون فيها يوم الجمعة ، حكاه مالك وقال : كان المسجد يضيق على أهله وحجرات أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ٨٨) ليست من المسجد لكن أبوابها شارعة فيه.

وقالت عائشة ، رضى الله عنها : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا اعتكف يدنى إلىّ رأسه فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان.

عن عبد الله بن يزيد الهذبى قال : رأيت بيوت أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز (١) رضى الله تعالى عنه كانت بيوتا باللبن ولها حجر من جريد ورأيت بيت أم سلمة وحجرتها من لبن البناء فقال : لما غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دومة الجندل بنت أم سلمة بابها وحجرتها بلبن. فلما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر الى اللبن ، فقال ما هذا البناء فقالت :

__________________

(١) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموى المدنى ثم الدمشقى أمير المؤمنين.

روى عن أنس وصلى أنس خلفه ، وروى عن الربيع بن سبرة ، والسائب بن سعد ، وسعيد بن المسيب وجماعة ، وعنه ابناه عبد الله وعبد العزيز وأبو سلمة بن عبد الرحمن والزهرى ، ثقة مأمون ، له فقه وعلم وورع.

مات سنة ١٠١ ه‍.

٩٥

أردت أن أكف أبصار الناس فقال : يا أم سلمة شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان.

قال عطاء الخراسانى (١) : أدركت حجر أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود فحضرت كتاب (ق ٨٩) الوليد يقرأ يأمر بإدخالها فى المسجد فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم.

وسمعت سعيد بن المسيب يقول : يومئذ والله لوددت أنهم يتركونها على حالها ينشأ ناس من أهل المدينة فيقدم القادر من الآفاق فيرى ما اكتفى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والفخر.

وقال يزيد بن أبى أمامة (٢) : ليتها تركت حتى يقصر الناس من البنيان ويروا ما رضى الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومفاتيح الدنيا بيده.

وأما بيت فاطمة رضى الله تعالى عنها فإنه كان خلف بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن يسار المصلى إلى القبلة وكان فيه خوخة إلى بيت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قام من الليل إلى المخرج اطلع منه يعلم خبرهم. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتى بابها كل صباح فيأخذ بعضادتيه ويقول الصلاة الصلاة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (ق ٩٠) (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣).

قال الحافظ محب الدين ابن النجار : وبيتها اليوم حوله مقصورة وفيه محراب وهو خلف حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال عفيف الدين المرجانى وهو اليوم أيضا باق على ذلك.

__________________

(١) هو عطاء بن أبى مسلم مولى المهلب بن أبى صفرة أيوب الخراسانى نزيل الشام وأحد الأعلام ، روى عن أبى الدرداء ومعاذ وابن عباس مرسلا ، وروى عن يحيى بن يعمر ونافع وعكرمة وعنه ابن جريج والأوزاعى ، ومالك وشعبة وحماد بن سلمة ، ثقة.

مات سنة ١٣٥ ه‍.

(٢) الثابت هو يزيد بن أبى أمية ، روى عن ابن عمر وعنه محمد بن أبى يحيى الأسلمى هو يزيد الأعور.

(٣) ٣٣ م الأحزاب ٣٣.

٩٦

ذكر مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الليل

روى عيسى بن عبد الله (١) عن أبيه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يطرح حصيرا كل ليلة إذا انكفت الناس وراء بيت على رضى الله تعالى عنه ثم يصلى صلاة الليل. قال عيسى وذلك موضع الأسطوانة الذى مما يلى الدورة على طريق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن سعيد بن عبد الله بن فضيل (٢) قال : مر بى محمد ابن الحنفية وأنا أصلى اليها فقال لى أراك تلزم هذه الأسطوانة هل جاءك فيها أثر؟ قلت : لا ، قال فالزمها فإنها كانت مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال قلت هذه الاسطوانة. قال : نعم.

قال الشيخ جمال الدين : وهذه الأسطوانة خلف بيت فاطمة رضى الله تعالى عنها والواقف المصلى إليها يكون باب جبريل المعروف قديما بباب عثمان رضى الله تعالى عنه على يساره وحولها الدرابزين الدائر (ق ٩١) على حجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد كتب فيها بالرخام هذا متهجد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الحافظ محب الدين : بيت فاطمة رضى الله تعالى عنها من جهة الشمال وفيه محراب إذا توجه المصلى إليها كانت يساره إلى باب عثمان رضى الله تعالى عنه.

ذكر قصة الجذع

عن أنس رضى الله تعالى عنه قال : كان رسول الله يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره إليها فلما كثر الناس قالوا : ابنوا له منبرا فبنوا له منبرا له عتبتان ، فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أنس : فأنا فى المسجد فسمعت الخشبة تحن حنين الواله فما زالت تحن حتى نزل إليها فاحتضنها فسكنت ، وكان الحسين إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال يا عباد الله

__________________

(١) هو عيسى بن عبد الله بن أنيس الأنصارى روى عن أبيه وعنه عبد الله بن عمر ، وثقة ابن حبان.

(٢) وثقة ابن حبان ، مات سنة ١٣٠ ه‍.

٩٧

الخشبة تحن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شوقا إليه لمكانه من الله عزوجل فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه.

وعن جابر بن عبد الله (١) : كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل فكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع المنبر (ق ٩٢) سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار.

وفى رواية أنس : حتى ارتج المنبر بجواره ، وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به. وفى رواية المطلب حتى تصدع وانشق حتى جاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليه فسكت ، زاد غيره فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن هذا بكى لما فقد من الذكر ، وزاد غيره والذى نفسى بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدفن تحت المنبر ، كذا فى حديث المطلب وسهل بن سعد وإسحاق عن أنس.

وفى بعض الروايات جعل فى السقف وقيل كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا صلى صلى إليه فلما هدم المسجد أخذه أبى فكان عنده إلى أن أكلته الأرض.

وذكر الأسفرايينى (٢) أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاه إلى نفسه فجاءه يخرق الأرض فالتزمه ثم أمره فعاد إلى مكانه.

وفى حديث أبى بريدة قال يعنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن شئت أدرك إلى الحائط الذى كنت فيه ينبت لك عروقك ويكمل (ق ٩٣) لك خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وإن شئت أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله تعالى من ثمرك ثم أصغى له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ما يقول فقال بل تغرسنى فى الجنة يأكل منى أولياء الله تعالى وأكون فى مكان لا أبلى فيه

__________________

(١) هو جابر بن عبد الله الأمام أبو عبد الله الأنصارى الفقيه ، مفتى المدينة فى زمانه ، حمل عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم علما كثيرا نافعا ، مات سنة ٧٨ ه‍.

(٢) هو الحافظ البارع أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الحوشى الرحال عن ابن عدى وطبقته.

قال الحاكم : أشهد أنه يحفظ من حديث مالك وشعبة والثورى ومسعر أكثر من عشرين ألف حديث ، وكان من فرسان الحديث ، مات سنة ٤٠٦ ه‍.

٩٨

فسمعه من يليه. فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد فعلت ثم قال اختار دار البقاء على دار الفناء.

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها لما قال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك غار الجذع فذهب.

وقصة الجذع نظير احياء الموتى لعيسى عليه‌السلام وأكبر.

وقال ابن أبى الزناد (١) : ولم يزل الجذع على حاله زمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما.

فلما هدم عثمان رضى الله تعالى عنه المسجد اختلف فى الجذع فمنهم من قال اخذه أبى بن كعب ، ومنهم من قال دفن فى موضعه.

قال الحافظ محب الدين : وكان الجذع فى موضع الاسطوانة المحلقة عن يمين محراب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الصندوق.

وذكر الشيخ جمال الدين أنه كان لا صقا بجدار المسجد القبلى فى موضع كرسى الشمعة اليمنى التى عن يمين المصلى فى مقام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والاسطوانة (ق ٩٤) التى قبل الكرسى متقدمة عن موضع الجذع فلا يعتمد على قول من جعلها موضع الجذع.

وفى الاسطوانة خشبة ظاهرة بالرصاص بموضع كان فى حجر من حجارة الاسطوانة مفتوح حوط عليه بالبياض والخشبة ظاهرة.

تقول العامة : هذا الجذع وليس كذلك بل هو من جملة البدع التى يجب إزالتها لئلا يفتتن بها كما أزيلت الجزعة التى فى المحراب القبلى فان الشيخ أبا حامد رحمه‌الله تعالى لما ذكر مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حققه بقوله إذا وقف المصلى فى مقام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكون رمانة المنبر الشريف حذو منكبه الأيمن ويجعل الجزعة التى فى القبلة بين عينية فيكون واقفا فى مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

__________________

(١) هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان القرشى المدنى يكنى أبا عبد الرحمن وأبو الزناد ، لقب وكان يغضب منه مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة امرأة عثمان بن عفان.

روى عن إدريس وعبد الله بن جعفر والأعرج وعنه السفيانان والأعمش وصالح بن كيسان وعبد الله بن أبى مليكة ، ثقة.

مات سنة ١٣١ ه‍ ، وقيل سنة ١٣٢ ه‍.

٩٩

قال الشيخ جمال الدين : وذلك قبل احتراق المسجد الشريف وقبل أن يجعل هذا اللوح القائم فى قبلة مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإنما جعل بعد حريق المسجد وكان يحصل بتلك الجزعة تشويش كثير وذلك أنهم كانوا يقولون هذه حرزة فاطمة بنت (ق ٩٥) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت عالية فيتعلق النساء والرجال اليها.

فلما كانت سنة احدى وسبعمائة جاور الصاحب زين الدين أحمد بن محمد بن على المعروف بالصغير فأمر بقلعها فقلعت وهى اليوم فى حاصل الحرم الشريف ثم توجه الى مكة فى أثناء السنة فرأى أيضا ما يقع من الفتنة عند دخول البيت الحرام من الرجال والنساء لامتثال العروة الوثقى فى زعمهم ، فأمر بقطع ذلك المثال والحمد لله.

وأما العود الذى فى الاسطوانة التى عن يمين مصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو الجذع المتقدم ذكره ، فقال الحافظ محب الدين : روى عن مصعب بن ثابت قال : طلبنا علم العود الذى فى مقام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم نقدر على أحد يذكر لنا شيئا حتى أخبرنى محمد بن مسلم السائب صاحب المقصورة أنه جلس إلى جنبه أنس بن مالك فقال تدرى لما صنع هذا العود ، ولم أسأله ، فقلت ما أدرى قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضع عليه يمينه ثم يلتفت (ق ٩٦) إلينا فيقول استووا واعدلوا صفوفكم فلما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سرق العود فطلبه أبو بكر فلم يجده ثم وجده عمر عند رجل من الانصار بقباء قد دفنه فى الأرض فأكلته الأرض فأخذ له عودا فشقه وأدخله فيه ثم شعبه ورده إلى الجدار وهو العود الذى وضعه عمر بن عبد العزيز فى القبلة وهو الذى فى المحراب اليوم باق.

قال مسلم بن حبان : إن ذلك العود من طرفا الغابة وقيل بل كان من الجذع المذكور.

قال المرجانى : قلت والله أعلم إن هذا الجذع الذى ذكره ابن النجار وأنه فى القبلة باق إلى اليوم لعله الذى قاس به الشيخ أبو حامد وقلعه ابن حنا.

قال الشيخ جمال الدين : وكان ذلك قبل حريق المسجد الشريف.

١٠٠