تاريخ المدينة

قطب الدين الحنفي

تاريخ المدينة

المؤلف:

قطب الدين الحنفي


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

الفصل الثالث

فيما جاء فى

حرمة المدينة وغبارها وتمرها

ودعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لها بالبركة وما يئول

إليه أمرها وحدود حرمها

٤١
٤٢

ذكر حرمة المدينة الشريفة

روى القاضى عياض (١) فى الشفاء أن مالك بن أنس (٢) رحمه‌الله تعالى كان لا يركب فى المدينة دابة ، وكان (ق ٢٦) يقول لى : استحى من الله تعالى أن أطأ تربة فيها تربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحافر دابتى.

ويرى أنه وهب للشافعى (٣) رحمه‌الله تعالى كراعا كبيرا كان عنده ، فقال له الشافعى : أمسك منها دابة ، فأجابه بمثل هذا الجواب ، وقد أفتى مالك رحمه‌الله تعالى فيمن قال تربة المدينة ردية بضربه ثلاثين درة وأمر بحبسه وكان له قدر ، وقال : ما أحوجه الى ضرب عنقه ، تربة دفن فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزعم انها غير طيبة.

__________________

(١) هو القاضى عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض ، أبو الفضل اليحصبى السبتى الحافظ ، ولد سنة ٤٧٦ ه‍ ، أجاز له أبو على الغسانى ، وتفقه وصنف التصانيف التى سارت بها الركبان كالشفاء ، وطبقات المالكية ، وشرح مسلم والمشارق فى الغريب ، وشرح حديث أم زرع ، والتاريخ ، وغير ذلك.

ولى قضاء سبتة ثم غرناطة ، مات سنة ٥٤٤ ه‍ بمراكش.

(٢) هو الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحى الحميرى أبو عبد الله المدنى ، روى عن نافع ومحمد بن المنكدر ، وجعفر الصادق وحميد الطويل ، وخلق ، وعنه الشافعى ...

قال : ابن المدينى : له نحو ألف حديث ، قال البخارى : أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ، وقال الشافعى : إذا جاد الأثر فمالك النجم.

مات سنة ١٧٩ ه‍.

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عبد مناف القرشى المطلبى المكى ، نزيل مصر ، ولد بغزة سنة ١٥٠ ه‍ وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين ، روى عن عمه محمد بن على وأبى أسامة وسعيد ابن سالم القداح ، وابن عيينة ومالك وابن علية وابن أبى فديك ، وخلق.

قال المزنى : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين ، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر ، مات سنة ٢٠٤ ه‍.

٤٣

وعن الزهرى (١) انه قال : «إذا كان يوم القيامة رفع الله تعالى الكعبة البيت الحرام إلى البيت المقدس فتمر بقبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة فتقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فيقول عليه الصلاة والسلام : وعليك السلام يا كعبة الله ما حال أمتى؟ فتقول يا محمد : أما من وفد إلى من أمتك فأنا القائمة بشأنه ، وأما من لم يفد إلى من أمتك فأنت القائم به» رواه سعيد الموصلى (٢) فى باب رفع الكعبة المشرفة الى البيت المقدس ، فانظر لسر زيارة البيت الحرام للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودخول الكعبة (ق ٢٧) المشرفة مدينة خير الأنام وكفى بهذا الشرف تعظيما.

(ذكر) (٣) الشيخ عبد الله المرجانى (٤) فى بهجة النفوس والأسرار فى تاريخ دار الهجرة المختار : لما جرى سابق شرفها فى القدم أخذ من تربتها حين خلق آدم عليه‌السلام فأوجد الموجد وجودها من بعد العدم.

قال أهل السير إن الله تعالى لما حمر طينة آدم عليه‌السلام حين أراد خلقه أمر جبريل

__________________

(١) هو الزهرى أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب المدنى أحد الأعلام ، نزل الشام وروى عن سهل بن سعد وابن عمر وجابر وأنس وغيرهم من الصحابة ، وخلق من التابعين ، وعنه أبو حنيفة ومالك وعطاء بن أبى رباح ، وعمر بن عبد العزيز وابن عيينة ، والليث والأوزاعى ، وابن جريج ، وخلق.

مات سنة ١٢٤ ه‍.

(٢) هو المعافى بن عمران الموصلى الأزدى الفهمى أبو سعيد فقيههم وزاهدهم ، روى عن شعبة والأوزاعى وحماد بن سلمة ومالك والثورى ، وعنه ابنه أحمد وموسى بن أعين ووكيع ، وخلق.

قال الخطيب : صنف كتبا فى السنن والزهد والأدب ، مات سنة ١٨٤ ه‍.

(٣) إضافة من عندنا.

(٤) هو محمد بن أبى بكر بن على نجم الدين المرجانى الذروى الأصل ، المكى ، ولد سنة ٧٦٠ ه‍ ، والوفاة سنة ٨٢٧ ه‍ نحوى مكة فى عصره ، له معرفة بالأدب والنظم والنثر ، من كتبه «مساعد بالأدب» فى الكشف عن قواعد الإعراب ، قصيدة من نظمه وشرحها و «طبقات فقهاء الشافعية» ومنظومة فى «دماء الحج».

٤٤

عليه‌السلام أن يأتيه بالقبضة البيضاء التى هى قلب الأرض وبهاؤها ونورها ليخلق منها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهبط جبريل فى ملائكة الفراديس المقربين وملائكة الصفيح الأعلى فقبض قبضة من موضع قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى يومئذ بيضاء نقية فعجنت بماء التسنيم ورعرعت حتى صارت كالدرة البيضاء ثم غمست فى أنهار الجنة كلها وطيف بها فى السموات والارض والبحار فعرفت الملائكة حينئذ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفضله قبل ان تعرف آدم عليه‌السلام وفضله ، ثم عجنت بطينة آدم بعد ذلك ولا يخلق ذلك الجهد إلا (ق ٢٨) من أفضل بقاع الأرض. حكاه الثعلبى (١).

قال أبو عبيد الجرهمى (٢) وكان كبير السن عالما بأخبار الأمم : إن تبعا الأصغر وهو تبع بن حبان بن تبع سار إلى يثرب فنزل فى سفح جبل أحد وذهب إلى اليهود وقتل منهم ثلاثمائة وخمسين رجلا حبرا وأراد خرابها فقام إليه حبر من اليهود فقال له : أيها الملك مثلك لا يقتل على الغضب ولا يقبل قول الزور وأنت لا تستطيع أن تخرب هذه القرية قال : ولم؟ .. قال : لأنها مهاجر نبى من ولد إسماعيل يخرج من هذه المدينة يعنى البيت الحرام فكف تبع ومضى إلى مكة ومعه هذا اليهودى ورجل آخر من عالم اليهود فكسا البيت الحرام كسوة ونحر عنده ستة آلاف جزور وأطعم الناس ولم يزل بعد ذلك يحوط المدينة الشريفة.

ويروى ان سليمان عليه‌السلام لما حملته الريح من اصطخر على ممره بوادى النمل سار إلى اليمن فتوغل فى البادية فسلك مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سليمان عليه‌السلام :

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الأستاذ أبو إسحاق الثعلبى ، ويقال الثعالبى المقرئ المفسر الواعظ الأديب الثقة الحافظ ، صاحب التصانيف الجليلة ، العالم بوجوه الإعراب والقراءات.

مات سنة ٤٢٧ ه‍ ، له التفسير الكبير ، والعرائس فى قصص الأنبياء ، وسمع منه الواحدى.

(٢) هو عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى من ملوك قحطان فى الحجاز فى العصر الجاهلى القديم ، تولى مكة بعد خروج أبيه منها ، وكان ملكه ضعيفا ، وهو تابع لأصحاب اليمن من بنى يعرب بن قحطان ، ولم تطل مدته ، مات بمكة.

٤٥

هذه دار هجرة نبى فى آخر الزمان طوبى لمن آمن به واتبعه ، فقال له قومه كم بيننا و (ق ٢٩) بين خروجه؟ قال : زهاء ألف عام.

ووادى النمل هو وادى السديرة بأرض الطائف من أرض الحجاز ، قاله كعب وقيل هو بالشام.

وعن أنس (١) رضى الله عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان اذا قدم من سفر فنظر إلى جدار المدينة أوضع راحلته وإن كان على دابة حركها (٢).

وعن أبى هريرة (٣) رضى الله عنه قال : «توشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة» (٤) قال الترمذى (٥) حديث حسن.

روى عن سفيان بن عيينة (٦) أنه قال هو مالك بن أنس رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) هو أنس بن مالك بن النضر أبو حمزة الأنصارى المدنى ، خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله صحبة طويلة وحديث كثير. مات سنة ٩٣ ه‍.

(٢) ورد فى السيرة لابن هشام ٢ / ١٠٢.

(٣) هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسى اليمانى ، حفظ عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكثير ، وعن أبى بكر وعمر وأبى بن كعب ، وعنه سعيد بن المسيب وبشير بن نهيك ، وخلق كثير ، وكان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع.

قال البخارى : روى عنه ثمانمائة نفس أو أكثر .. وولى إمارة المدينة ، وناب أيضا عن مروان فى إمرتها.

قال الشافعى : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره ، مات سنة ٥٨ ه‍.

(٤) ورد فى الترمذى باب العلم ١٨.

(٥) هو أبو عيسى الترمذى محمد بن عيسى بن سورة بن الضاحك السلمى ، صاحب الجامع والعلل ، روى عنه محمد بن المنذر شكر والهيثم بن كليب ، وأبو العباس المحبوبى ، وخلق ، مات سنة ٢٧٩ ه‍.

(٦) هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران ميمون الهلالى أبو محمد الكوفى الأعور.

روى عن عمرو بن دينار والزهرى ، وزياد بن علاقة ، وزيد بن أسلم ، ومحمد بن المنكدر ، وعنه الشافعى وابن المدينى وابن معين ، وابن راهويه ، والفلاس.

قال ابن المدينى : ما فى أصحاب الزهرى أتقن من ابن عيينة.

وقال الشافعى : لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز .. مات سنة ١٩٨ ه‍.

٤٦

وعن عبد الرزاق (١) أن قائله هو العمرى الزاهد.

قال التوربشتى فى شرح المصابيح : وما ذكره ابن عيينة وعبد الرزاق فهو محمول منهما على غلبة الظن دون القطع به ، وقد كان مالك رحمه‌الله تعالى حقيقا بمثل هذا الظن فإنه كان إمام دار الهجرة والمرجوع بها إليه فى علم الفتيا وكذلك العمرى الزاهد ، وهو عبد الله بن عمر رضى الله عنهما بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم ، وقد كان نسيج وحده وكان من عباد الله الصالحين المشائين فى عباده (ق ٣٠) وبلاده بالنصيحة ، ولقد كان بلغنا أنه يخرج إلى البادية ليتفقد أحوالها شفقة منه عليهم وإذا ألحق النصيحة فيهم فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكان يقول لعلماء المدينة : شغلكم طلب الجاه وحب الرياسة عن توفية العلم حقه فى إخوانكم من المسلمين ، تركتموهم فى البوادى والفلوات يعمهون فى أودية الجهل ومنبهة الضلال ، أو كلاما هذا معناه.

قال التوربسى ولو جاز لنا أن نتجاوز الظن فى مثل هذه القضية لكان قولنا إنه عمر أولى من قوله إنه العمرى مع القطع به ، فقد لبث بالمدينة أعواما يجتهد فى تمهيد الشرع وتبين الأحكام ، ولقد شهد له أعلام الصحابة بالتقوى فى العلم حتى قال ابن مسعود (٢) رضى الله عنه يوم استشهد عمر رضى الله عنه : لقد دفن بموته تسعة اعشار العلم ، انتهى.

__________________

(١) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميرى مولاهم أبو بكر الصنعانى أحد الأعلام ، روى عن أبيه وابن جريج ، ومعمر والسفيانين ، والأوزاعى ، ومالك ، وخلق ، وعنه أحمد وإسحاق وابن المدينى وأبو أسامة ووكيع وخلق ، مات سنة ٢١١ ه‍.

(٢) هو أبو عبد الرحمن الهذلى عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخادمه ، وأحد السابقين الأولين ، ومن كبار البدريين ، ومن نبلاء الفقهاء والمقرئين ، كان ممن يتحرى فى الأداء ويشدد فى الرواية ويزجر تلاميذه عن التهاون فى ضبط الألفاظ ، وكان من أوعية العلم وأئمة الهدى.

مات بالمدينة سنة ٣٢ ه‍.

٤٧

قال العفيف المرجانى (١) : سمعت والدى يقول كنت ذات يوم جالسا فى البستان فإذا بمقدار ثلاثين أو أربعين فارسا لابسين بياضا معممين ملثمين جميعهم قاصدين المدينة فاتبعتهم فى أثرهم فلم أجد لهم خبرا فسألت عنهم فلم أجد (ق ٣١) من يخبرنى عنهم ولم أجد لهم أثرا فعلمت أنهم من الملائكة أو من مؤمنى الجن أو صالحى الإنس أتوا لزيارة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال والبستان اليوم باق معروف بالمرجانية بالقرب من المصلى ..

قال العفيف : وسمعته يقول من بركة أرض المدينة أنى زرعت بالبستان بطيخا فلما استوى أتانى بعض الفقراء من أصحابى فأشاروا إلى بطيخة انتهت وقالوا هذه لا تتصرف فيها هى لنا إلى اليوم الفلانى ، فلما خرجوا أتى من قطعها ولم أعلم فتشوشت من ذلك ونظرت فاذا بنوارة قد طلعت مكان تلك البطيخة فلم يأت يوم وعد الفقراء إلا وهى أكبر من الأولى فأتوا وأكلوها ولم يشكوا أنها الأولى.

قال العفيف فى تاريخه أيضا : سمعت والدى يقول سحرت امرأة من أهل اليمن زوجها وغيرت صورته واتفق لهم حكاية طويلة ثم شفع فيه بعض الناس فقالت امرأته : لا بد أن أترك فيه علامة فاطلقته بعد ان نبت له ذنب كذنب الحمار فحج وهو على تلك الحالة فشكى ذلك إلى أبى عبد الله محمد بن يحيى الغرناطى (٢) فقيه كان بمكة فأمره بالسفر إلى المدينة (ق ٣٢) فسار فى طريق المدينة إليها قال : فعند وصوله الى قباء سقط منه ذلك الذنب بإذن الله تعالى.

__________________

(١) سبق التعريف به فى ص ٤٤ حاشية (٤).

(٢) هو محمد بن يحيى بن أبى عمر العدنانى أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة ، روى عن فضيل بن عياض وأبى معاوية ، وخلق ، وعنه وهلال بن العلاء ووثقة ابن حبان.

وقال أبو حاتم : صدوق حدث بحديث موضوع عن ابن عينية ....

قال البخارى : مات سنة ٢٤٣ ه‍.

٤٨

ما جاء فى غبار المدينة الشريفة

تقدم فى باب الفضائل حديث غبار المدينة الشريفة وشفائه من الجذام.

قال ابن عمر رضى الله عنهما إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دنا من المدينة منصرفه من تبوك خرج إليه يتلقى أهل المدينة من المشايخ والغلمان ثار من آثارهم غبار فخمر بعض من كان مع رسوله الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنفه من الغبار فمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده فأماط بها عن وجهه ، وقال «أما علمت أن عجوة المدينة شفاء من السم وغبارها شفاء من الجذام».

وعن إبراهيم بن الجهيم (١) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بنى الحارث فإذا هم ووبى فقال : «ما لكم يا بنى الحارث ووبى» قالوا : يا رسول الله أصابتنا هذه الحمى ، قال : «فأين أنتم عن صعيب؟» قالوا : يا رسول الله ما نصنع به؟ قال «تأخذون من ترابه فتجعلونه فى ماء ثم يتفل عليه أحدكم ويقول باسم الله تراب أرضنا بريق بعضنا شفاء لمريضنا بإذن ربنا» ففعلوا فتركتهم الحمى.

قال أبو القاسم (ق ٣٣) طاهر بن يحيى العلوى (٢) صعيب وادى الطعان دون الماجشونية وفيه حفرة يأخذ الناس منها وهى اليوم إذا أصاب وباء إنسان أخذ منها ، قال الحافظ محمد محب الدين بن النجار (٣) : رأيت هذه الحفرة والناس يأخذون منها وذكروا أنهم جربوه فوجدوه صحيحا ، قال : وأخذت أنا منها أيضا.

__________________

(١) الثابت هو إبراهيم بن على بن حسن بن على بن أبى رافع المدنى ، مولى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن أبيه وعمه أيوب وكثير بن عبد الله وغيرهم ، ثقة.

(٢) هو الفقيه والمحدث العلوى أبو القاسم طاهر بن يحيى العلوى ، ثقة ، له ذكر فى بعض المصادر.

روى عنه ابن خلكان فى وفيات الأعيان.

(٣) هو محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن أبو عبد الله محب الدين بن النجار مؤرخ حافظ للحديث ، من أهل بغداد ، مولده سنة ٥٧٨ ه‍ ، ووفاته سنة ٦٤٣ ه‍ ، رحل إلى الشام ومصر والحجاز وفارس وغيرها ، واستمر فى رحلته ٢٧ سنة ، من كتبه «الكمال فى معرفة الرجال» تراجم و «ذيل تاريخ بغداد لابن الخطيب» و «نزهة الورى فى أخبار أم القرى» و «نسبة المحدثين إلى الآباء والبلدان» و «مناقب الشافعى» و «العقد الفائق فى عيون أخبار الدنيا ومحاسن الخلائق» و «الأزهار فى أنواع الأشعار» و «الزهر فى محاسن شعراء أهل العصر».

٤٩

وبطحان بضم الباء وسكون الطاء المهملة وسمى بذلك لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط ، قاله ابو عبيد القاسم بن سلام (١).

وعن أبى سلمة أن رجلا أتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبيده قرحة فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طرف أصبع لحصير ثم وضع أصبعه التى تلى الإبهام على التراب بعد مسها بريقه فقال : «باسم الله بريق بعضنا بتربة أرضنا تشفى سقيمنا بإذن ربنا» ثم وضع أصبعه على القرحة فكأنما حل من عقال.

أول من غرس النخل فى الأرض انوشن بحدشيت ، وأول من غرس بالمدينة بنو قريظة وبنو النضير ، حدث العوفى عن الكلبى فى تاريخ ملوك الأرض أن شربة الخثعمى عمر (ق ٣٤) ثلاثمائة سنة ، وأدرك زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال وهو بالمدينة : لقد رأيت هذا الوادى الذى أنتم فيه وما به نخلة ولا شجرة مما ترون ، ولقد سمعت أخريات قومى يشهدون بمثل شهادتكم هذه يعنى لا إله إلا الله.

وممن عمر مثل هذا جماعة منهم سلمان الفارسى والمستوغر بن ربيعة (٢) وتقدم فى الفضائل حديث «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره فى ذلك اليوم سم ولا سحر».

__________________

(١) هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادى القاضى أحد الأعلام ، روى عن هيثم وإسماعيل بن عياش وابن عيينة ووكيع وخلق ، وثقه أبو داود وابن معين وأحمد وغير واحد.

وقال ابن راهويه : أبو عبيد أوسعنا علما وأكثرنا أدبا ، وأكثرنا جمعا ، إنا نحتاج إلى أبى عبيدة ، وأبو عبيدة لا يحتاج إلينا ، ولى قضاء طرطوس ، وفسر غريب الحديث ، وصنف كتبا ، ومات بمكة سنة ٢٢٤ ه‍.

(٢) هو عمرو بن ربيعة بن كعب التميمى السعدى أبو بيهس شاعر من المعمرين الفرسان فى الجاهلية ، قيل إدرك الإسلام ، وأمر بهدم البيت الذى كانت تعظمه ربيعة فى الجاهلية ، لقب المستوغر لقوله يصف فرنسا غرقت.

ينش الماء فى الربلات منها

نشيش الرضف فى اللبن الوغير

٥٠

وفى صحيح مسلم «من أكل سبع تمرات من بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسى» واللابة الخرة (والخرة حجارة سود من الجبلين) فقوله «ما بين لابتيها» أى خربتها.

وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يؤتى بأول التمر فيقول : «اللهم بارك لنا فى مدينتنا وثمارها وفى مدنا وصاعنا بركة مع بركة» (١) ثم يعطيه أصغر من يحضره من الوالدان.

وفى رواية (ابن) السنى (٢) عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أتى بباكورة وضعها على عينيه ثم على شفتيه ثم يقول : «اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره» ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان.

وعن على رضى الله عنه خرجنا (ق ٣٥) مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التى كانت لسعد بن أبى وقاص ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ائتونى بوضوء» فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال «اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك أن تبارك لهم فى مدهم مثل ما باركت لأهل مكة ومع البركة بركتين» (٣).

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى باب الفضائل «المدينة ١٣» وباب الجهاد ٧١ ، ومناقب الأنصار ٤٥ ، ومرضى ٨ ، ٣٣ ، وباب دعوات ٤٣ ، وسنن الترمذى باب المناقب ٧١ ، والمسند ٥ / ١٨٥ ، ٢٢٠ ، ٦ / ٥٦ ، ٦٥ ، ٢٢٢ ، ٢٤٠ ، ٢٦٠.

(٢) هو الحافظ الإمام الثقة أبو بكر بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن اسباط الدينورى ، مولى جعفر بن أبى طالب صاحب «عمل اليوم والليلة» وراوى سنن النسائى.

كان دينا صدوقا اختصر السنن وسماه «المجتبى»

مات سنة ٣٦٤ ه‍.

(٣) ورد فى صحيح البخارى فى باب الأطعمة ٢٨ ، والبيوع ٥٣ ، وكفارات ودعوات ٣٥ ، واعتصام ١٦ ، وسنن الترمذى ٦٧ ، وسنن الدارمى باب البيوع ٣٩.

٥١

ذكر ما يئول إليه أمر المدينة الشريفة

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لتتركن المدينة على خير ما كانت مذللة ثمارها لا يغشاها إلا العوافى ـ يريد عوافى الطير والسباع ـ وآخر من يحشر منها راعيين من مزينة يريدان المدينة ينغفا بغنمها فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجهيهما» رواه البخارى.

وعنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لتتركن المدينة على أحسن ما كانت عليه حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذى على بعض سوارى المسجد أو على المنبر» قالوا : يا رسول الله فلمن تكون الثمار فى ذلك الزمن ، فقال : «لعوافى الطير والسباع» (ق ٣٦) رواه مالك فى الموطأ.

ما جاء فى تحديد حدود حرم المدينة الشريفة

فى الصحيحين من حديث على رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله تعالى والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا يوم القيامة» وأراد بالحدث البدعة وذلك لم تجر به سنة ولم يتقدم به عمل ، وبالمحدث المبتدع.

قال التوربشتى : روى بعضهم المحدث بفتح الدال وليس بشىء لأن الرواية الصحيحة بكسر الدال وفيه من طريق المعنى وهن ، وهو أن اللفظين يرجعان حينئذ إلى شىء واحد ، فإن إحداث البدعة وإيواءها سواء ، والإيواء قلما يستعمل فى الأحداث وإنما المشهور استعمالها فى الأعيان التى ينضم إلى المأوى. انتهى.

وعن على رضى الله عنه قال ما عندنا شىء إلا كتاب الله تعالى ، وهذه الصحيفة

٥٢

عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة حرم ما بين عاير الى كذا ، رواه البخارى مطولا وهذا لفظه رواه مسلم فقال : ما بين عيرا إلى ثور وهذا هو حد الحرم فى الطول (ق ٣٧).

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه كان يقول لو رأيت الظبا ترتع بالمدينة ما ذعرتها ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما بين لابتيها حرام» (١) متفق عليه. وهذا حد الحرم فى العرض ، وعنه حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بين لابتى المدينة ، قال أبو هريرة رضى الله عنه فلو وجدت الظبا ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثنى عشر ميلا حمى ، رواه مسلم.

قال المازرى (٢) : نقل بعض أهل العلم أن ذكر ثور هنا وهم من الراوى ، لأن ثورا بمكة ، والصحيح ما بين عير إلى أحد.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام إن عيرا جبل معروف بالمدينة ، وإن ثورا لا يعرف بها وإنما يعرف بمكة ، قال : فإذن ترى أن أهل الحديث ما بين عيرا إلى أحد [كذا] وكذلك قال غيره.

وقال أبو بكر الحازمى (٣) : حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما بين عيرا إلى أحد ، قال هذه الرواية الصحيحة وقيل إلى ثور وليس له معنى. انتهى.

قالوا : ويكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمى أحدا ثورا تشبيها بثور مكة لوقوعه فى مقابلة جبل

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى باب الصوم ٣٠ ، وسنن ابن ماجه باب الصيام ١٤.

(٢) هو محمد بن على بن عمر التميمى المازرى أبو عبد الله محدث من فقهاء المالكية ، نسبته إلى مازرة (Mazzara) بجزيرة صقلية ، ووفاته بالمهدية سنة ٥٠٥ ه‍ ، له المعلم بفوائد مسلم فى الحديث والتلقين فى الفروع والكشف والأنباء فى الرد على الأحياء للغزالى ، وإيضاح المحصول فى الأصول ، وكتب فى الأدب.

(٣) هو محمد بن موسى بن عثمان بن حازم أبو بكر زين الدين المعروف بالحازمى ، باحث من رجال الحديث أصله من همذان ، ولد سنة ٥٤٨ ه‍ ، ووفاته بغداد سنة ٥٨٤ ه‍ ، له كتاب «ما اتفق لفظه واختلف مسماه فى الأماكن والبلدان و «المشتبه فى الخط» والفيصل فى مشتبه النسبة والاعتبار فى بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار فى الحديث ، والعجالة فى النسب وشروط الأئمة الخمسة فى مصطلح الحديث ، وغير ذلك.

٥٣

يسمى عيرا وقيل اراد بهما ما زمى المدينة ، لما ورد فى حديث أبى سعيد (ق ٣٨) حرمت ما بين مازميها وقيل أراد الحرتين شبه احدى الحرتين بعير لنتوء وسطه ونشوزه ، والآخر بثور لا متع تشبيها لثور الوحش.

وقيل إنما بين عير مكة إلى ثورها من المدينة مثله حرام وإنما قيل هذه التأويلات لما لم يعرف بالمدينة جبل يسمى ثورا.

قال المحب الطبرى (١) : وقد أخبرنى الثقة الصدق الحافظ العالم المجاور بحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو محمد عبد الله البصرى أن حدى أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الارض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور فعلمنا بذلك أن ما تضمنه الخبر صحيح وعدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم سؤالهم وبحثهم عنه. انتهى.

قال جمال الدين المطرى (٢) وغيره قد قلت بالمدينة الشريفة عن أهلها القدماء الساكنين بالعمرية والغاية انما يعرفون عن آبائهم وأجدادهم أن وراء أحد جبل يقال له ثور معروف ، قال : وشاهدنا الجبل ولم يختلف فى ذلك أحد وعسى (ق ٣٩) أن يكون أشكل على من تقدم لقلة سكناهم المدينة ، قال : وهو خلف جبل أحد من شماليه تحته وهو جبل صغير مدور وهو حد الحرم كما نقل ولعل هذا الاسم لم يبلغ أبا عبيد ولا المازرى. انتهى.

__________________

(١) هو المحب الطبرى الإمام المحدث فقيه الحرم أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبى بكر المكى الشافعى ، مصنف الأحكام الكبرى ، وشيخ الشافعية ، ومحدث الحجاز ، ولد سنة ٦١٥ ه‍ ، وسمع من ابن المقير وابن الحميزى ، وشعيب الزعفرانى ، وكان إماما زاهدا صالحا كبير الشأن.

مات سنة ٦٩٤ ه‍.

(٢) هو محمد بن أحمد بن محمد بن خلف الأنصارى السعدى المدنى أبو عبد الله جمال الدين المطرى ، فاضل عارف بالحديث والفقه والتاريخ ، نسبته إلى المطرية بمصر وهو من أهل المدينة المنورة ، ولى نيابة القضاء فيها وألف لها تاريخا سماه التعريف بما أنست الهمرة من معالم دار الهجرة ،.

مات سنة ٧٤١ ه‍.

٥٤

وأما عير فهو الجبل الكبير الذى من جهة قبلة المدينة ، واختلف فى صعيد حرم المدينة وشجرها ومذهبنا أنه لا يحرم وتقدم آخر الباب التاسع الجواب عن حديث سعد بن أبى وقاص وعن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن ابراهيم حرم مكة وإنى حرمت المدينة» وعن حديث سعد بن أبى وقاص أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنى أحرم ما بين لابتى المدينة أن تقطع عضاهها» الحديث.

قال التوربشتى فى شرح المصابيح وكان سعد وزيد بن أبى ثابت (١) يريان فى ذلك الجزاء وأجاب عن ذلك بأنه نسخ فلم يشعرا به ، قال : وإنما ذهب إلى النسخ من ذهب للأحاديث التى تدل على خلاف ذلك ، ولهذا لم يأخذ بحديثهما أحد من فقهاء الأمصار.

وسئل مالك عن النهى الذى ورد فى قطع سدر المدينة فقال (ق ٤٠) : إنما نهى عنه لئلا يتوحش وليبقى بها شجرها فيستأنس بذلك من هاجر إليه ويستظل بها. انتهى.

وأجاب أيضا عن حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

«اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراما ...» الحديث ، وفيه أنه لا ينفر صيدها وكذلك فى حديث جابر ولا يصاد صيدها.

قال : والسبيل فى ذلك ان يحمل النهى على ما قاله مالك وغيره من العلماء احب ان تكون المدينة ما هو له متسانسة فإن صيدها وإن رأى تحريمه نفر يسير من الصحابة ، فإن الجمهور منهم لم ينكروا واصطباره [كذا] الطيور بالمدينة ولم يبلغنا فيه عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى من طريق يعتمد عليه.

__________________

(١) هو زيد بن ثابت أبو سعيد الأنصارى الخزرجى المقرئ ، كاتب وحى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، امره النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتعلم خط اليهود فجود الكتابة وكتب الوحى وحفظ القرآن الكريم واتقنه ، وأحكم الفرائض ، وشهد الخندق وما بعدها ، وانتدبه الصديق لجمع القران الكريم فتتبعه وتعب على جمعه ، ثم عينه عثمان لكتابة المصحف وثوقا بحفظه ودينه وأمانته وحسن كتابته ، قرأ عليه لقرآن جماعة منهم ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمى ، وحدث عنه ابنه خارجة وأنس بن مالك وابن عمر وغيرهم ، مات سنة ٤٥ ه‍.

٥٥

وقد قال أبو عمير ما قعد التغبر وهذا يدل على أنهم كانوا يصطادون الطيور ولو كان حراما لم يسكت عنه فى موضع الحاجة ثم لم يبلغنا عن أحد من الصحابة أنه رأى الجزاء فى صيد المدينة ولم يذهب أيضا إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار الذين (ق ٤١) عليهم علم الفتيا فى بلاد الإسلام. انتهى.

وأجاب التوربشتى أيضا عن حديث سعد رضى الله عنه أنه وجد عبدا يقطع شجرا أو الحنطة فسلبه ثيابه ، قال : والوجه فى ذلك النسخ على ما ذكرنا وقد كانت العقوبات فى أول الإسلام جارية فى الأموال.

***

٥٦

الفصل الرابع

فى ذكر أودية المدينة الشريفة

وآبارها المنسوبة إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعينها

وذكر جبل أحد والشهداء عنده

٥٧
٥٨

ذكر وادى العقيق وفضله

تقدم حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادى العقيق يقول : «أتانى الليلة آت من ربى ..» الحديث ، وكان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ينيخ بالوادى فيتحرى معرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقول : هو أسفل من المسجد الذى ببطن الوادى بينه وبين الطريق وسط من ذلك.

وعن عامر بن سعد بن أبى وقاص (١) قال : ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى العقيق ثم رجع فقال : «يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطئه (ق ٤٢) وما أعذب ماءه أفلا ننتقل إليه». وقال «وكيف وقد أتتنى الناس». قال أهل أسير وجد قبر أرمى عند جماعة أم خالد بالعقيق مكتوب فيه أنا عبد الله رسول رسول سليمان بن داود عليه‌السلام إلى أهل يثرب ووجد حجر آخر على قبر أرمى أيضا عليه مكتوب أنا أسود بن سوارة رسول رسول الله عيسى عليه‌السلام إلى أهل هذه القرية.

وذكر الشيخ جمال الدين المطرى : والجمادات أربعة : جبل غربى وادى العقيق وابتنى الناس بالعقيق من خلافة عثمان رضى الله عنه ونزلوه وحفروا به الآبار ، وغرسوا فيه النخيل والأشجار من جميع نواحيه على جنبى وادى العقيق الى هذه الجمادات وسميت كل جماد منها باسم من بنى فيها ، ونزل فيه جماعة من الصحابة رضى الله عنهم منهم أبو هريرة وسعيد بن العاص (٢) ، وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد (٣)

__________________

(١) هو عامر بن سعد بن أبى وقاص الزهرى المدنى.

روى عن أبيه وعثمان والعباس بن عبد المطلب ، وأبى أيوب الأنصارى ، وأسامة بن زيد ، وأبى هريرة ، وأبى سعيد الخدرى ، وابن عمر وعائشة ، وأم سلمة ، وجابر بن سلمة ، وأبان بن عثمان ، ثقة ، كثير الحديث ، توفى فى خلافة الوليد بن عبد الملك

(٢) هو سعيد بن العاص بن أمية الأموى أبو عثمان ، يقال أبو عبد الرحمن ، قتل أبوه يوم بدر وكان كافرا ، ومات جده أبو أجحة قبل بدر مشركا.

روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن عمر وعثمان وعائشة ، وعنه ابناه.

(٣) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى أبو الأعور أحد العشرة. ـ ـ روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعنه وابن هشام وابن عمرو بن حريث ، وأبو الطفيل ، وقيس بن حازم ، وأبو عثمان النهدى ، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الرحمن بن الأخنس ، وعباس بن سهل بن سعد ، وعبد الله بن ظالم ، وطلحة بن عبد الله بن عوف ، ومحمد بن زيد بن عبد الله بن عمرو ، ومحمد ابن سيرين ، وغيرهم. ثقة.

مات بالمدينة سنة ٥٠ ه‍.

٥٩

وماتوا جميعهم به رضى الله عنهم وحملوا الى المدينة ودفنوا بالبقيع ، وكذلك سكنى جماعة من التابعين ومن بعدهم وكانت فيه القصور المشيدة والآبار (ق ٤٣) العذبة ، ولأهلها أخبار مستحسنة وأشعار رائقة ، ولما بنى عروة بن الزبير (١) قصره بالعقيق ونزله وقيل له جفوت عن مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنى رأيت مساجدهم لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة فى فجاجهم عالية فكان فيما هنالك فما هم فيه عافية.

وولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العقيق لرجل اسمه هيصم المدنى ولم تزل الولاة على المدينة الشريفة يولون عليه واليا حتى كان داود بن عيسى فتركه فى سنة ثمان وتسعين ومائة.

قال ابن النجار : وادى العقيق اليوم ساكن وفيه بقايا بنيان خراب وآثار تجد النقش برعيتها انسا.

قال الشيخ منتخب الدين : وبالمدينة عقيقان : الأصغر فيه بئر رومة والأكبر فيه بئر عروة سميا بذلك لأنهما عقا عن جرة المدينة ، أى قطعا.

قال الجمال المطرى : ورمل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من العرصة التى تسيل من الجهة الشمالية إلى الوادى فحمل منه وليس فى الوادى رمل أحمر غير ما يسيل من الجبل.

__________________

(١) هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدى أبو عبد الله المدنى ، فقيه عالم كثير الحديث ، صالح لم يدخل فى شىء من الفتن ، ثقة ، ولد سنة ٢٣ ه‍.

وقال ابن عينية : إن أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة : القاسم بن محمد ، وعروة ، وعمرة بنت عبد الرحمن.

مات سنة ٩١ ه‍ وقيل سنة ٩٢ ه‍.

٦٠