تاريخ المدينة

قطب الدين الحنفي

تاريخ المدينة

المؤلف:

قطب الدين الحنفي


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

١
٢

٣
٤

مقدمة التحقيق

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

والصلاة والسلام على أفضل خلق الله

سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وأصحابه ...

وبعد :

فإن التراث كنوز الشعوب والأمم ، فهو الخالد الباقى على مر عصور الزمان ، وتتمتع الأمة الإسلامية بثراء هذه الكنوز ، والمدينة المنورة من المدن التى ذكرت فى كتاب الله العزيز والأحاديث النبوية ، فهى معقل من معاقل الدعوة المحمدية الزكية ، وقد كتب عدد لا بأس به من المؤرخين والجغرافيين والمحدثين والمفسرين عن المدينة المنورة وأيضا عن مكة بطريقة دقيقة ومنظمة نذكر منهم الأزرقى وابن ظهيرة والعاقولى والفاسى وابن النجار والسيوطى.

فقال الجغرافى ياقوت الحموى عن المدينة (١) «لهذه المدينة تسعة وعشرون اسما وهى : المدينة وطيبة وطابة والمسكينة والعذراء والجابرة والمحبة والمحببة والمجبورة ويثرب والناجية والموفية وأكالة البلدان والمباركة والمحفوفة والمسلمة والمجنة والقدسية والعاجمة والمرزوقة والشافية والخيرة والمحبوبة والمرحومة وجابرة والمختارة والمحرمة والقاحمة وطبايا».

قال الزبير بن بكار فى كتابه «أخبار المدينة» بلغنى أن للمدينة فى التوراة أربعين اسما.

وقال عبد الله بن جعفر بن أبى طالب : سمى الله المدينة «الدار والإيمان» لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ)(٢).

__________________

(١) معجم البلدان ٥ / ٨٣.

(٢) ٩ م الحشر ٥٩.

٥

وعن زيد بن أسلم رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للمدينة عشرة أسماء فهى : المدينة وهى طيبة وطابة ومسكينة وجابرة ومجبورة ويندد (١) ويثرب والدار».

وهناك قول آخر أن للمدينة فى التوراة أحد عشر أسما : طيبة وطابة والمسكينة والمجبورة والمرحومة والعذراء والمحبة والمحبوبة والفاطمة.

كذلك كان العلم ذاخرا بها فى زمن التابعين كالفقهاء السبعة وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وعبيد الله بن عتبة بن مسعود وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وفى السابع ثلاثة أقوال ، فقيل سالم بن عبد الله بن عمر وقيل أبو سلمة بن عبد الرحمن وقيل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وكذلك من زمن صغار التابعين كزيد بن اسلم وربيعة الرأى ويحيى بن سعيد وابى الزناد ..

وغيرهم ثم خرج منها امام الأئمة مالك بن انس ابو المذاهب الفقهية.

شيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسجده الشريف فى السنة الأولى من هجرته واتخذ سواريه من النخيل وسقفه من الجريد ولم يرتفع إلا مترين ليتمكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الوقوف على الجذع فى وقت الخطبة وبعد عودة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة خيبر عام ٧ ه‍ اصبح المسجد ضيقا لا يسع المسلمين فاعتزم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على توسيعه فاصبح ١٠٠ ذراع فى ١٠٠ ذراع.

ثم فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه رأى انه من الضرورة توسيع مسجد النبى

__________________

(١) قال فى وفاء النيل» ذكره كراع هكذا بالمثناة التحية والدالين ، وهو إما من الند ـ بالنون المشددة المفتوحة ـ وهو الطيب المعروف ، وقيل العنبر ، أو من الند وهو التل المرتفع ، أو من الناد وهو الرزق ، والذى سرده الشيخ رحمه‌الله تعالى : لا يبلغ العشرة قال لصاحب «وفاء الوفاء» فيه وحديث للمدينة عشرة اسماء من طريق عبد العزيز بن عمران وسردها فيه ثمانية فقط.

ثم روى من طريقة أيضا عن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب «سمى الله المدينة الدار والإيمان».

قال : وجاء فى الحديث الأول ثمانية اسماء وجاء فى هذا اسمان ، فالله أعلم أهما تمام العشرة أم لا.

ورواه ابن زبالة كذلك إلا أنه سرد تسعة فزاد اسما واسقط العاشر منه.

٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد حدد ابن عمر مقدار هذه الزيادة فقال «.. جعل طوله ١٤٠ ذراعا وعرضه ١٢٠ ذراعا فتكون الزيادة فيه ١١٠٠ متر مربع» (١).

وفى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه وبالتحديد سنة ٢٩ ه‍ جدد عثمان رضى الله عنه على نسق ما فعله من عمارة فى المدينة المنورة اى بنى بالحجارة المنحوتة والسوارى الضخمة وجعل سقفه من خالص خشب الساج كما وسع من الجهات الثلاث الجنوبية والغربية والشمالية عشرة اذرع وقد قام عثمان رضى الله عنه بتتبع سير العمل بنفسه حتى انتهى فى عشرة اشهر.

وفى عهد الوليد بن عبد الملك وبالتحديد سنة ٨٨ ه‍ ادخل حجرات امهات المؤمنين فبلغت الجهة الغربية عشرين ذراعا والجهة الشرقية ثلاثين ذراعا وهو اول من وشى جدرانه بالمرمر وزخارف الفسيفساء وجلل سقفه بماء الذهب وقد جعله من خالص خشب الساج ، واستمر العمل فيه اربع سنوات ، وقد انفق فى عمارته خمسة واربعين الف دينار وكان ذلك فى ولاية عمر بن عبد العزيز على المدينة المنورة وقد أشرف على العمارة بنفسه.

وفى عام ١٦١ ه‍ جدد عمارة المسجد المهدى العباسى ، وزاد مائة ذراع فى الجهة الشمالية ، وايضا استمر العمل اربع سنوات من عام ١٦١ الى ١٦٥ ه‍.

وفى عام ٦٥٥ ه‍ وقع احتراق فى المسجد الشريف بسبب اهمال موقد المصابيح وقد خرب الحريق المسجد ، ولم تفلت منه إلا قبة الناصر لدين الله التى كانت فى رحبته ، وحين بلغ المستعصم العباسى الخبر ارسل الصناع والآلات فى موسم الحج ، وبدأ العمل عام ٦٥٥ ه‍ وقد حدثت فى هذا العام احداث التتار وحروبهم ولكن عمل البناء لم يتوقف اذ اشترك فيه الملك المظفر ملك اليمن وملك نور الدين على بن المعز الصالحى وإن كانت العمارة لم تنته إلا فى عهد الملك الظاهر بيبرس.

__________________

(١) انظر الملحق الثانى من كتاب شفاء الغرام للفاسى ص ٤٠٧.

٧

ومن أشهر الملوك والسلاطين الذين قاموا بالتجديد أو التوسعة أو الاصلاح أو الترميم.

١ ـ الملك الناصر محمد بن قلاون ٧٠٥ و ٧٠٦ و ٧٢٩ هجرية.

٢ ـ الملك الأشرف برسباى عام ٨٣١ هجرية.

٣ ـ الملك الظاهر شقمق عام ٨٥٣ هجرية.

٤ ـ الملك الأشرف قايتباى عام ٨٧٩ هجرية.

٥ ـ السلطان سليمان العثمانى عام ٩٧٤ هجرية.

والكتاب الذى بين ايدينا «تاريخ المدينة» للإمام «قطب الدين بن علاء الدين النهروانى» (١) وهو العالم الكبير أحد المدرسين بالحرم الشريف فى الفقه والتفسير والاصلين وسائر العلوم ، وكان يكتب الانشاء لاشراف مكة وله فصاحة عظيمة يعرف ذلك من اطلع على مؤلفه الذى سماه «البرق اليمانى فى الفتح العثمانى» وهو مؤلف «الاعلام فى اخبار بيت الله الحرام» وكان عظيم الجاه عند الاتراك لا يحج احد من كبرائهم الا وهو الذى يطوف به ولا يرتضون بغيره ، وكانوا يعطونه العطاء الواسع وكان يشترى بما يحصله منهم نفائس الكتب ويبذلها لمن يحتاجها ، واجتمع عنده منها ما لم يجتمع عند غيره ، وكان كثير التنزهات فى البساتين وكثيرا ما يخرج الى الطائف ويستصحب معه جماعة من العلماء والأدباء ويقوم بكفاية الجميع ، ومات سنة ٩٨٨ هجرية ـ ثمان وثمانين وتسعمائة ـ هكذا أرخ موته الضمدى فى ذيل الغربال.

وقال العصامى فى تاريخه انه توفى فى يوم السبت السادس والعشرين من ربيع الثانى سنة ٩٩٠ ه‍ تسعمائة وتسعين.

قال وأرخ بعضهم موته فقال «قد مات قطب الدين أجل علماء مكة».

ثم قال وهو يزيد على تاريخ موته بواحد.

__________________

(١) النهروالى باللام كما ضبطه فى أعلام الإعلام وغيره ، نسبة إلى قرية من الهند لا الى النهروان كما يتوهم مما هنا.

٨

كانت هذه لمحة سريعة عن المؤلف وحياته.

وقد قمت بتصوير المخطوطة من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت رقم ٩٦٥ تاريخ وعدد أوراقها ١٣٣ ورقة ، وخطها واضح وسهل القراءة.

فلهذا نقدم هذا العمل البسيط خدمة للباحثين والدارسين والمؤرخين فأرجو من الله عزوجل أن ينال هذا العمل رضا الله والمسلمين.

والله ولى التوفيق

د. محمد زينهم محمد عزب

القاهرة ١٤١٦ ه‍ ـ ١٩٩٥ م

٩
١٠

١١

١٢

١٣

١٤

١٥

١٦

١٧
١٨

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه العون

والحمد لله رب العالمين ،

والصلاة والسلام على سيدنا

محمد وآله وصحبه أجمعين ...

الفصل الأول

فى أول سكنى المدينة

١٩
٢٠