تاريخ المدينة

قطب الدين الحنفي

تاريخ المدينة

المؤلف:

قطب الدين الحنفي


المحقق: الدكتور محمّد زينهم محمّد عزب
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٤٦

قال الشيخ جمال الدين : وأما الطريق العظمى فهى طريق الناس اليوم من باب المدينة إلى المصلى وهو الذى قال فيه ثم صلى حيث يصلى الناس اليوم ولا يعرف من المساجد التى ذكرت لصلاة العيد إلا هذا الذى يصلى فيه العيد اليوم.

قال : وشماليه مسجد وسط الحديقة المعروفة بالعريضى المتصلة بقية عين الأوراق ويعرف اليوم (ق ١٦٣) بمسجد أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه ولم يرد أنه صلى بالمدينة عيدا فى خلافته فتكون هذه المساجد الموجودة اليوم من الأماكن التى صلى فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد سنة إذ لا يختص أبو بكر وعلى رضى الله تعالى عنهما بمسجدين لأنفسهما ويتركان المسجد الذى صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الشيخ جمال الدين : وليس بالمدينة الشريفة مسجد يعرف غير ما ذكر إلا مسجد على ثنية الوادى على يسار الداخل إلى المدينة من طريق الشام.

ومسجد آخر صغير على طريق السافلة وهى الطريق اليمنى الشرقية إلى مسهر حمزة رضى الله تعالى عنه يقال إنه مسجد أبى ذر الغفارى رضى الله تعالى عنه ولم يرد فيهما نقل يعتمد عليه.

وأما مسجد الضرار فهو المسجد الذى بناه المنافقون مضاهاة لمسجد قباء ، فلما بنوه (ق ١٦٤) أتوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو متجهز إلى تبوك فأمروه أن يصلى لهم فيه ، فقال إنى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لأتيناكم فصيلنا لكم فيه ، فلما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذى اوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار مرجعه من تبوك أتاه خبر المسجد فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدى أو اخاه عاصما ، وفى رواية وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه ، فخرجا حتى أتيا سالم بن عوف فأخذا سعفا من النخل وأشعلاه ثم دخلا المسجد وفيه أهله فحرقاه وهدماه وأنزل الله تعالى فيه : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً)(١) إلى آخر الآية نزلت هذه الآية فى أبى عامر الراهب لأنه كان خرج إلى قيصر

__________________

(١) ١٠٧ م التوبة ٩.

١٤١

وتنصر ووعدهم قيصر أنه سيأتيهم فبنوا مسجد الضرار.

وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا : خدام بن (ق ١٦٥) خالد ومن بيته أخرج المسجد ومعتب بن قشير وأبو صبية بن الأزعر وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع بن زيد ونبتل بن الحارث ومخرج ويخلد بن عثمان ووديعة بن ثابت وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم وفيه نظر لأنه شهد بدرا قاله ابن عبد البر (١).

وكل مسجد بنى على ضرار أو رياء أو سمعة فحكمه حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه.

قال النقاش (٢) : فيلزم أن لا يصلى فى كنيسة ونحوها فإنها بنيت على شر.

قال القرطبى : هذا لا يلزم لأن الكنيسة لم يقصد بها الضرر بالعين وإن كان أصل بنائها على شر إنما بنوها لعباداتهم وقد أجمع العلماء أن من صلى فى كنيسة أو سعة على موضع طاهر جاز.

وذكر أبو داود عن عثمان بن العاص : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف كانت طواغيتهم وقوله تعالى (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) قد يعبر عن الصلاة بالقيام ومنه من قام رمضان إيمانا (ق ١٦٦) أماكنها وهى فى قرى الأنصار.

ومنها :

__________________

(١) هو الإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر عاصم النمرى القرطبى ، ولد سنة ٣٦٨ ه‍ وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام ، وأجاز له من مصر الحافظ عبد الغنى وساد أهل الزمان فى الحفظ والإتقان ، لم يكن بالأندلس مثله بالحديث.

له التمهيد والاستذكار والاستيعاب وفضل العلم والتقصى على الموطأ ، وقبائل الرواة والشواهد ، والكنى والمغازى والأنساب ، مات سنة ٤٦٣ ه‍.

(٢) هو الحافظ المفسر أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلى ثم البغدادى المقرى المفسر ، ولد سنة ٢٦٦ ه‍ وسمع أبا مسلم الكجى والحسن بن سفيان والطبقة ، له مؤلف (الغاية) وصنف شفاء الصدور وغريب القرآن والسنة ، مات سنة ٣٥١ ه‍.

١٤٢

مسجد بنى زريق من الخزرج

وهو أول مسجد قرئ فيه القرآن بالمدينة قبل هجرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأن رافع بن مالك الزرقى رضى الله تعالى عنه لما لقى رسول الله فى العقبة أعطاه ما نزل عليه من القرآن بمكة إلى ليلة العقبة. وذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ ولم يصل.

قال الشيخ جمال الدين : وقرية بنى زريق قبل سور المدينة الشريفة وقبل المصلى وبعضها كان من داخل السور اليوم بالموضع المعروف بدروان أو ذى أروان التى وضع لبيد ابن الأعصم وهو من يهود بنى رزيق السحر فى رعوانة بئرها ، والحديث مشهور.

وقال الشيخ أبو الفتح : ذى أروان اسم محلة بنى زريق وهناك بئر تسمى بير ذى أروان والمسجد هناك.

ومسجد بنى ساعدة من الخزرج رهط سعد بن عبادة

ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه وجلس فى السقيفة.

عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سقيفتنا التى (ق ١٦٧) عند المسجد فاستسقى فحصنت له وضعه فشرب ثم قال زدنى فحصنت له أخرى فشرب ثم قال كانت الأولى أطيب.

وفى هذه السقيفة كانت بيعة أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه.

وقرية بنى ساعدة عند بئر بضاعة والبئر وسط بيوتهم وشمالى البئر اليوم إلى جهة المغرب بقية أطم يقال إنه من دار أبى دجانة رضى الله تعالى عنه الصغرى التى عند بضاعة.

ومسجد عند بيوت المطر عند خيام بنى عفان روى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه وأن تلك المنازل كانت منازل آل بنى رهيم كلثوم بن الحصين الغافرى رضى الله تعالى عنه. قال الشيخ جمال : وليس الناحية معروفة اليوم.

١٤٣

ومسجد لجهينة ولمن هاجر من بلى.

عن خارجة بن الحارث بن رافع عن أبيه عن جده قال : جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقود رجلا من أصحابه فى بنى الربعة من جهينة فقال له أبو مريم فعاده بين منزل بنى قيس العطار الذى فيه الأراكة وبين منزلهم الآخر الذى (ق ١٦٨) واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.

وروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يمر بالطريق التى فيها هذا المسجد وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة ومزبلة ، وروى سعيد بن جبير رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أرسل ليهدم رأى الدخان يخرج منه. وقيل كان الرجل يدخل فيه سعفة فيخرجها سوداء محترقة ، وعن ابن مسعود أنه قال جهنم فى الأرض ثم تلى (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ.)

قال القرطبى : اختلف هل ذلك حقيقة أو مجاز على قولين أحدهما أن ذلك حقيقة وأنه كان يحفر ذلك الموضع الذى انهار فيخرج منه دخان.

وقال جابر بن عبد الله أنا رأيت الدخان يخرج منه ، وقال خلف بن سيرين : رأيت فى مسجد المنافقين حجرا يخرج منه الدخان. وقال الحافظ محب الدين : هذا المسجد قريب من مسجد قباء وهو كبير وحيطانه عالية وقد كان بناؤه مليحا.

قال الشيخ جمال الدين : وأما (ق ١٦٩) اليوم فلا أثر له ولا يعرف له مكان وما ذكره الشيخ محب الدين فهو وهم لا أصل له.

قال عفيف الدين المرجانى وقد ذكر الشيخ جمال الدين وابن النجار هذا المسجد فى تاريخهما وعداه من جملة المساجد التى صلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يصل فيه فلذلك أخرنا ذكره. انتهى.

وأما التقاء وحاجز المذكوران فى الأشعار فاعلم أن التقاء من غربى مصلى العيد المذكور إلى منزلة الحجاج غربى وادى بطحان والوادى يفصل بين المصلى والتقاء من أجل مجاورة المكانين وفيه يقول بعضهم موريا عن المشيب ومصلى الجنائز :

١٤٤

ألا يا سائرا فى فقد عمرو

يكابد فى السرى وعداه

بلغت نقا المشيب وجزت عنه

وما بعد النقاء الا المصلاه

وأما حاجز فهو من غربى النقاء إلى منتهى الحرة من وادى العقيق.

لا يعرف اليوم إلا بعض (ق ١٧٠) بلى دار الأنصار فصلى فى المنزل فقال نفر من جهينة لأبى مريم لو لحقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألته أن يخط لنا مسجدا ، فقال احملوه فحملوه فلحق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال مالك : يا أبا مريم فقال يا رسول الله لو خططت لنا مسجدا فجاء إلى مسجد جهينة وفيه خيام ليلى فأخذ طلعا أو محجنا فخط لهم به والمنزل ليلى والخطة لجهينة.

قال الشيخ جمال الدين وهذه الناحية اليوم معروفة غربى حصن صاحب المدينة والسور القديم بينها وبين جبل سلع وعندها أثر باب من أبواب المدينة خراب ويعرف اليوم بدرب جهينة والناحية من داخل السور بينه وبين حصن المدينة ومسجد دارنا النابغة ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، ومسجد بنى عدى بن النجار ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه أيضا ، قال الشيخ جمال الدين : وهذه الدار غربى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يليه من جهة (ق ١٧١) المشرق دار غنم بن مالك بن النجار.

ومسجد ابن خدرة

بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة واسمه الأبجر بن عوف بن الحارث وقيل خدرة أم أبجر والأول أشهر وهم بطن من الأنصار وأبجر بفتح الهمزة والجيم وسكون الباء الموحدة.

عن هشام بن عروة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد بنى خدرة وعن يعقوب بن محمد (١) عن أبى صعصعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى بعض منازل بنى خدرة فهو

__________________

(١) هو يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى ، أبو يوسف المدنى ، نزيل بغداد.

روى عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى ، وإبراهيم بن سعد ، وإبراهيم بن على الرافعى ، وسبرة بن عبد العزيز بن سبرة الجهنى والزهرى ، ويونس بن حبيب النحوى ، ومحمد بن طلحة التيمى ، ومحمد بن معن الغفارى ، ومحمد بن إسماعيل بن أبى فديك ، ثقة.

١٤٥

المسجد الصغير الذى فى بنى خدرة مقابل بيت الحية.

قال الشيخ جمال الدين : ودار بنى خدرة عند بئر البضعة.

ومسجد بنى مازن

عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضع مسجد بنى مازن بن النجار بيده وهيأ قبلته ولم يصل فيه.

وعن يعقوب بن محمد بن أبى صعصعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى بيت أم أبى بردة فى بنى مازن.

قال الشيخ جمال الدين ودار بنى مازن قبلى بئر البصر وسمى الثانية (ق ١٧٢) اليوم أبو مازن ، ومسجد ابن حديلة وهو مسجد أبى بن كعب رضى الله تعالى عنه.

عن يوسف الأحرج وربيعة بن عثمان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد بنى حديلة.

ومسجد الشيخ جمال الدين ودار بنى حديلة عند بئر حا شمالى سور المدينة من جهة المشرق وبنو حديلة بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار بن الخزرج.

ومسجد بنى دينار

ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد بنى دينار عند العسالين وأن أبا بكر رضى الله تعالى عنه تزوج امرأة من بنى دينار بن النجار فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعوده فكلموه أن يصلى لهم فى مكان يصلون فيه ، فصلى لهم فى هذا المسجد.

ومسجد بنى دينار بين دار بنى حديلة ودار بنى معاوية فهذه بطون بنى النجار كلها ودورهم هذه المذكورة بالمدينة وما حولها من (ق ١٧٣) جهة الشمال إلى مسجد الإجابة وهم بنو غنم بن النجار وبنو عدى بن النجار وبنو مازن بن النجار وبنو دينار بن

١٤٦

النجار وبنو معاوية بن النجار ، وفيهم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «خير دور بنى الأنصار دار بنى النجار».

ومسجد بأصل المنارتين من طريق العقيق الكبرى صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو لا يعرف.

ومسجد بنى حارثة من الأوس ، ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ودار بنى حارثة بيثرب.

ومسجد بنى الأشهل رهط سعد بن معاذ وأسيد بن حضير ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه وأن أم عامر بن يزيد بن السكن أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعرق فتعرقه ثم قام فصلى ولم يتوضأ وبنو عبد الأشهل منسوبون إلى عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم بنو الحارث ثم بنو ساعدة وقاية (ق ١٧٤) كل دور الأنصار خير.

ومسجد بنى الحبلى وهم رهط عبد الله بن سلول ذكر أنه صلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، ومسجد بنى الحارث بن الخزرج ذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

قال الشيخ جمال الدين : ودار بنى الحبلى بين قباء وبين دار بنى الحارث ، ودار بنى الحارث شرقى وادى بطحان تعرف اليوم بالحارث بإسقاط بنى ، ومسجد بنى أمية بن زيد بالعوالى فى الكسا عند مال نهيك بن أبى نهيك ، ذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

قال الشيخ جمال الدين : ودارهم شرقى دار بنى الحارث وفيهم كان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه نازلا بامرأته الأنصارية أم عاصم بنت أو أخت عاصم بن ثابت ابن أبى الأفلح رضى الله تعالى عنه.

ومسجد بنى حذرة عند الأطم الذى بجوار سعد بن عبادة ، ووضع صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على الحجر الذى فى أطم سعد.

قال الشيخ جمال (ق ١٧٥) الذى هو هذه الدار قبلى دار بنى ساعدة ، وبئر بضاعة مما يلى سوق المدينة ، وكان سوق المدينة عرضه ما بين المصلى إلى جدار سعد المذكور ، وهو جدار كان يستقى الناس فيها الماء كما ورد عنه بعد وفاة أمه رضى الله تعالى عنه.

ومسجد النور صلى فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا يعرف اليوم فيه منازل بنى وافق من الأوس رهط هلال بن أمية الواقفى أحد الثلاثة الذين خلفوا ، ولا يعرف مكان دارهم اليوم إلا أنها بالعوالى.

١٤٧

ومسجد فى دار سعد بن خيثمة بقباء ذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه.

قال الشيخ جمال الدين : ودار سعد بن خيثمة أحد الدور الذى قبل مسجد قباء يزورها الناس إذا زاروا قباء ، وهناك أيضا دار كلثوم بن الهدم فى تلك العرصة ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم نازلا بها حين قدم المدينة وكذلك أهله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهل أبى بكر رضى الله تعالى عنه وهى سودة بنت (ق ١٧٦) زمعة وعائشة وأمها وأم رومان وأختها أسماء بنت أبى بكر رضى الله تعالى عنه ، وولدت أسماء عبد الله بن الزبير قبل نزولهم إلى المدينة ، فكان أول مولود ولد من المهاجرين بالمدينة.

ومسجد التوبة صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالعصبة عند بئرهم ، وهو غير معروف.

قال الشيخ جمال الدين : أما العصبة فهى غربى مسجد قباء فيها مزارع وآبار كثيرة ، وهى منازل بنى حجب كلفة بطن من الأوس.

ومسجد بنى أنيف صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومسجد عاصم بن سويد ، عن أبيه قال : سمعت مشيخة بنى أنيف يقولون صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها كان يقود طلحة بن البزار رضى الله تعالى عنه قريبا من أطمهم.

قال الشيخ جمال الدين : يكون دار بنى أنيف وهم بطن من الأوس بين قرية بنى عمرو بن عوف بقباء وبين العصبة ومسجد الشيحتين ، ويسمى مسجد السيح صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو موضع بين المدينة وبين أحد ، كما قدمنا.

ومسجد بنى خطمة صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومسجد العجوز ذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ١٧٧) صلى فى مسجد العجوز بين خطمة وهى امرأة من سليم.

ومسجد بنى وائل صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال الشيخ جمال الدين : الظاهر أن منازلهم بالعوالى شرقى مسجد الشمس لأن تلك النواحى كلها ديار الأوس ، وما سفل من ذلك إلى المدينة ديار الخزرج.

ومسجد بنى بياضة من الخزرج صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبنو بياضة بطن من الأنصار ثم من الخزرج.

١٤٨

قال المطرى : وكانت دار بنى بياضة فيما بين دار بنى سالم بن عوف من الخزرج بوادى رانونا عند مسجد الجمعة إلى وادى بطحان قبل دار بنى مازن لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صلى الجمعة فى بنى سالم بن عوف برانونا ركب راحلته فانطلق به حتى وازنت دار بنى بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو رجال بنى بياضة.

ومسجد بفيفا الخيار : ذكر ابن إسحاق فى غزوة القشير أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلك على نقب بنى ضبار ثم على فيفان الخيار منزل تحت شجرة ببطحان بن زاهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده وضع له طعاما عندها (ق ١٧٨) وموضع أثا فى البومة معلوم واستقى من ماء يقال.

قال الشيخ جمال الدين : فيفا الخيار غربى الجماوات التى بوادى العقيق ، وهى الجبال التى غربى العقيق ، وهى أرض فيها سهولة وفيها حجارة وحفائر ، وهو الموضع الذى كانت ترعى فيه إبل الصدقة ، ولقاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه ورد فى رواية أنها إبل الصدقة ، وفى أخرى أنها لقاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنها كانت ترعى بذى الجدر غربى جبل غير على ستة أميال من المدينة.

والروايتان صحيحتان بينهما أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت له إبل من نصيبه من الغنم وكانت ترعى مع إبل الصدقة فأخبر مرة عن إبله ومرة عن إبل الصدقة وأن النفر من عكل أو من عرنية أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها ففعلوا ، ثم قتلوا الراعى ، وكان يسمى يسار من موالى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستاقوا الإبل فبعث فى أثرهم عشرين فارسا واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركهم فربطوهم وفقدوا واحدة من لقاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ١٧٩) تدعى الحناء فلما دخلوا بهم المدينة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغابة أسفل المدينة فخرجوا بهم نحوه فلقوه وهو راجع إلى المدينة وهو اليوم موضع معروف يتجمع فيه سيل قنا وسيل بطحان فأمر بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك.

١٤٩

ذكر المساجد التى صلى فيها صلى‌الله‌عليه‌وسلم

بين مكة والمدينة

منها مسجد ذى الحليفة وهو محرم الحاج ميقات أهل المدينة ، قال الشيخ جمال الدين : ومسجد الحليفة هو المسجد الكبير الذى هنالك ، وكانت فيه عقود فى قبلته ومنارة فى ركنه الغربى الشمالى فتهدم على طول الزمان وهو مبنى فى موضع الشجرة والبئر من جهة شمالية ، وفى هذا المسجد مسجد آخر أصغر منه ، ولا يبعد أن يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه بينهما مقدار رمية سهم.

وعن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال : بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذى الحليفة مبده وصلى فى مسجدها ، ويروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى مسجد الشجرة إلى جهة (ق ١٨٠) الأسطوانة الوسطى استقبلها وكان موضع الشجرة التى كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إليها وكانت سمرة فينبغى للحاج إذا وصل إلى ذى حليفة أن لا يتعدى فى نزوله المسجد المذكور من أربع من نواحيه ، ومسجد بشرقى الروحاء ، والروحاء من أعمال الفرع.

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه قال صلى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشرق الروحاء عن يمين الطريق ، وأنت ذاهب إلى مكة ، وعن يسارها وأنت مقبل من مكة.

قال الشيخ جمال الدين : شرق الروحاء هو آخر السيالة وأنت متوجه إلى مكة وأول السيالة إذا قطعت فرش مالك وأنت مغرب وكانت الصخيرات صخيرات الإمام عن يمينك وهبطت من فرش مالك ثم رجعت عن يسارك واستقبلت القبلة هذه السيالة وكانت قد تجدد فيها بعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عيون وسكان آخرها الشرف المذكور والمسجد عنده ، وعند قبور قديمة ثم تهبط فى وادى الروحاء مستقبل القبلة ، ويعرف اليوم بوادى بنى سالم بطن من حرب فتمشى مستقبل القبلة وشعب على رضى الله تعالى عنه على يسارك إلى أن تدور الطريق (ق ١٨١) بك إلى المغرب وأنت مع أصل الجبل الذى عن يمينك فأول ما

١٥٠

يتلقاك مسجد على يمينك ويعرف ذلك المكان الظبية ، ويبقى جبل ورقان على يسارك ، ومسجد يعرف الظبية وهو المتقدم ذكره آنفا ، وكانت فيه قبو كبير فى قبته فتهدم صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفى المسجد الآن حجر قد نقش عليه بالخط الكوفى عنده عبارة «الميل الفلانى من البريد الفلانى».

ومسجد الزبير

حدثنا ابن الحسن عن أخيه عن كثير (١) بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال : أول غزاة غزاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا معه غزوة الأبواء حتى إذا كان بالروحاء عند عرف الظبية قال : «أتدرون ما اسم هذا الوادى» يعنى ورقان «هذا حمت اللهم بارك فيه وبارك لأهله فيه ، تدرون ما اسم هذا الوادى» يعنى وادى الروحاء «هذا سجاسج ، لقد صلى فى هذا المسجد قبلى سبعون نبيا ، ولقد مر بها» يعنى الروحاء «موسى بن عمران عليه‌السلام فى سبعين الفا من بنى إسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان على ناقة له ورقاء ولا تقوم الساعة حتى يمر بها عيسى ابن مريم عليه‌السلام (ق ١٨٢) حاجا أو معتمرا أو يجمع الله تعالى ذلك».

وذكر أبو عبيد البكرى أن قبر مضر بن نزار بالروحاء على ليلتين من المدينة بينهما أحد وأربعون ميلا ، وقيل أربعون ، وقيل عشرة فراسخ وذلك ثلاثون ميلا.

وفى صحيح مسلم أن ما بين الروحاء والمدينة ستة وثلاثون ميلا.

ومسجد الغزالة

فى آخر وادى الروحاء مع طرف الجبل على يسارك وأنت ذاهب إلى مكة ، لم يبق

__________________

(١) هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد بن طلحة اليشكرى المزنى المدنى.

روى عن أبيه ومحمد بن كعب القرظى ونافع مولى ابن عمر ، ويبح بن عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدرى ، وبكير بن عبد الرحمن المزنى وجماعة ، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصارى ، وأبو أويس وزيد ابن الحباب ، وعبد الله بن وهب ، وعبد الله بن نافع وإبراهيم بن على الرافعى ، وإسحاق بن إسحاق ، وأبو عامر العقدى ، ثقة.

١٥١

منه اليوم إلا عقد الباب ، صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعن يمين الطريق إذا كنت بهذا المسجد وأنت مستقبل النازية موضع كان عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنه ينزل فيه ويقول : هذا منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان ثم شجرة كان عمر رضى الله تعالى عنه يصب فضل وضوئه فى أهلها ويقول : هكذا رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفعل.

وإذا كان الإنسان عند مسجد الغزالة المذكورة كانت طريق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة المشرفة على يساره مستقبل القبلة ، وفى الطريق المعهود من قديم الزمان يمر على بئر يقال لها الشقياء ثم على ثنية هرشا (ق ١٨٣) وهى طريق الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، والطريق اليوم من طريق الروحاء على النازية إلى مضيق الصفراء.

ومسجد على يمين الطريق المذكورة تجده حين تقضى أكمة دون الروثية بميلين تحت صخرة ضخمة قد انكسر أعلاها فانثنى فى جوفها وهى قائمة على ساق الروثية معروفة ، والمسجد غير معروف.

ومسجد بطريق تلقه من وراء العرج وأنت ذاهب إلى مكة عن يمين الطريق على رأس خمسة أميال من العرج إلى هبطة هناك ، وعندها ثلاثة أقطاب ورضم من حجارة بين سلمات ، كان عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة فيصلى الظهر فى هذا المسجد ، والعرج معروف إلا المسجد.

مسجد على يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة فى مسيل دون ثنية هرشا إلى سماحة هى أقرب السرحات على الطريق وهى أطولهن ، وعقبة هرشا معروفة سهل المسلك.

ومسجد بالأثاثة ولا يعرف.

ومسجد بالمسيل الذى بوادى مر بظهران حين تهبط من الصفراوات على يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة (ق ١٨٤).

ومسجد بذى طوى ، وادى طوى بين الثنيتين ، ومصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه أكمة سوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع أو نحوها يمينا ثم تصلى مستقبل الفرضتين بين الجبل الطويل الذى بينك وبين الكعبة ، وليس بمعروف ، وذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل

١٥٢

بالدبة دبة المستعجلة من المضيق واستقى له من بئر الشعبة الصابة أسفل من الدبة فهو لا يفارقها الماء أبدا.

قال الشيخ جمال الدين : والمستعجلة هى المضيق الذى يصعد إليه الحاج إذا قطع النازية وهو متوجه إلى الصغر.

وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل بشعب ليسفر وهو الشعب الذى بين المستعجلة والصفراء ، وقسم به غنائم أهل بدر ولا يزال به الماء غالبا.

ومسجد الصفراء

ذكر ابن زبالة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه ، وصلى بمسجد آخر يسمى ذات آل من مضيق الصفراء ، وفى مسجد آخر بدفران واد معروف يصب فى الصفراء من جهة الغرب (ق ١٨٥) وأنهم حفروا بئرا فى موضع سجود النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجدوا الماء بها له فضلا من العذوبة على ما حولها ببركة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومسجد بالبرود ذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نزل فى موضع المسجد الذى بالبرود من مضيق الفرع وصلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومسجد من طريق مبرك ذكر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فيه فى مطلعه من طريق مبركة فى مسجد هناك بينه وبين زعان ستة أميال.

ذكر المساجد المشهورة التى صلى فيها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم

فى الغزوات وغيرها

مسجد بعضد على مرحلة من المدينة صلى فيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند خروجه إلى خيبر.

ومسجد بالصهباء ، والصهباء من أدنى خيبر صلى به المعروف ، وهو معروف ،

١٥٣

وذكر ابن زبالة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين وصل إلى خيبر من رجوعه من الطائف نزل بين أهل الشق وأهل النضاة وصلى إلى عوسجة هناك وجعل حول مصلاه حجارة تعرف بها.

ومسجد بشمران ، ذكر ابن زبالة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ق ١٨٦) صلى أيضا على رأس جبل بخيبر يقال له شمران فتم مسجده من ناحية سهم بنى النزار.

قال المطرى : ويعرف الجبل اليوم بسمران بالسين المهملة ، يروى أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ميلان فى ميلين من خيبر مقدس» وعن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خيبر مقدسة والسوارقة موتفكة» وخيبر كانت مسكن اليهود وموضع الجبابرة منها على ثمانية برد من المدينة ، وفى خبر رد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشمس على علىّ رضى الله تعالى عنه بعد ما غربت حتى صلى العصر.

ومسجد ببدر كان عند العريش الذى بنى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر وهو معروف اليوم يصلى فيه ببطن الوادى بين النخيل والعين قريبة منه.

ومسجد بالعشيرة فى بطن ينبع معروف اليوم ، ومسجد بالحديبية (ق ١٨٧) لا يعرف بل يعرف ناحيتها لا غير ، وهو بجدة ، وهو بين مكة وجدة مثل ما بين مكة والطائف ومثل ما بين مكة وعسقلان.

قال مالك : وبينهما أربعة برد ، وتقدم تحديد الحديبية وتعريفها فى محلها.

ومسجد يليه من أرض الطائف ، قال الشيخ جمال الدين : وهو معروف رأيته ، وعند أثر فى حجر يقال أثر خف ناقة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأفاد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنحره الرغا حين قدم وهو أول دم أريق فى الإسلام رجل من بنى ليث قتل رجلا من بنى هذيل فقتله به.

قال ابن إسحاق : ثم سلك من يليه على نحب وهى عقبة فى الجبل حتى نزلت تحت سدرة يقال لها الصادرة ، ثم ارتحل فنزل الطائف ، وكان قد نزل قريبا من حصن الطائف فقتل جماعة من أصحابه بالنبل فانتقل إلى موضع مسجده الذى بالطائف اليوم.

قال عفيف الدين المرجانى : وهذا الحصن باق إلى الآن بالبناء الجاهلى ، وفيه مقدار

١٥٤

أربعين بيتا ، وفيه بئر ، وفيها اثنين عظيم يمنعهم البناء فيه إلا أن يذبحوا عنده وهو بالقرب من مسجد الحجاج بن يوسف ، وكان قد بنى (ق ١٨٨) هذا المسجد بتربة حمراء يؤتى بها من اليمن ولم يبق إلا آثاره ومنارتاه خراب.

ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالطائف فى وسط المعروف اليوم بمسجد سيدنا عبد الله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ، وفى ركن المسجد الكبير منارة عالية بنى فى أيام الناصر لدين الله تعالى أبى العباس أحمد ابن المستضىء وخلفه تحت المنارة بئر ينزل فيه إلى الماء بدرج قريب الأربعين درجة ، ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذا الجامع بين قبتين صغيرتين يقال إنهما بنيتا فى فى موضع قبتى زوجيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللتين كانتا معه عائشة وأم سلمة رضى الله تعالى عنهما ، وبين القبتين محراب ، وكذلك قدام القبلية أيضا محراب لا يبعد أن يكون صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى فى المحرابين.

وللمسجد العباسى أربعة أروقة فى قبلته ، وله ثلاثة أبواب فى يمينه ويساره ومؤخره ، وفى ركنه الأيمن القبلى قبر سيدنا عبد الله بن العباس رضى الله تعالى عنهما ابن عم سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى قبره ملبن ساج على بنيان (ق ١٨٩) طوله من الأرض ثلاثة أشبار ، وعرضه بطول القبر عشرة أشبار وقليل وعرض القبر ستة أشبار وقليل أمر بعمله الإمام المقتفى لأمر الله تعالى فى سنة سبع وأربعين وخمسمائة ، كذا مكتوب فى الخشب.

وتوفى بالطائف سنة ثمان وستين وقد أضر.

قال ميمون بن مهران (١) : شهدنا جنازته بالطائف فلما وضع ليصلى عليه جاء طائر أبيض حتى دخل فى أكفانه فالتمس فلم يوجد ، فلما سوى عليه التراب سمعنا صوتا ولم نر شخصا يقول : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً ...) إلى آخر السورة.

__________________

(١) هو ميمون بن مهران الجزرى أبو أيوب الرقى.

قال سليمان بن موسى : «إن جاءنا العلم من ناحية الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه ، وإن جاءنا من البصرة عن الحسن البصرى قبلناه ، وإن جاءنا من الحجاز عن الزهرى قبلناه ، وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه» كان هؤلاء الأربعة علماء الناس فى زمن هشام ، مات سنة ١١٦ ه‍.

١٥٥

وعنده فى القبة ثلاثة قبور وقدامها إلى القبلة ثلاثة أخرى على يمين الداخل من الباب ، على أحد تلك القبور ، هذا قبر زبيدة توفيت فى جمادى الآخرة من سنة خمس وستين وثلاثمائة.

قال عفيف الدين المرجانى : والظاهر أن هذه غير زبيدة بنت جعفر امرأة هارون الرشيد ، فقد ذكر المسعودى فى مروج الذهب أن (ق ١٩٠) زبيدة بنت جعفر توفيت سنة ستة عشرة ومائتين ، وفى خلافة المأمون واسمها أمة العزيز وهى ابنة عم الرشيد وزوجته وأم الأمين وهى التى بنت الآبار والبرك والمصانع بمكة ، وحفرت العين المعروفة بعين المشاش بالحجاز وأجرتها من مسافة اثنى عشر ميلا إلى مكة وأنفقت عليها ألف ألف مثقال وسبعمائة ألف مثقال وأدخلتها مكة وفرقتها فى شوارعها.

قال الشيخ جمال الدين : ورأيت بالطائف شجرات سدر يذكر أنهن من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهن واحدة دور جدرها خمسة وأربعون شبرا ، وأخرى تزيد على الأربعين ، وأخرى سبعة وثلاثون ، قال : وهناك شجرة يذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بها وهو على راحلته فانفرق جدرها نصفين ، يذكر أن ناقته صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخلت من بينهما وهو ناعس.

قال رحمه‌الله : رأيتها فى سنة ست وتسعين وستمائة (ق ١٩١) وحملت من ثمرها إلى المدينة ، ثم دخلت الطائف فى سنة تسع وعشرين وسبعمائة فرأيتها قد وقعت ويبست وجدرها ملقى لا يمسه أحد لحرمتها.

قال المرجانى : ورأيت بوج قرية من قرى الطائف سدرة محاذية للخبزة قريبة أيضا ، يذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلس تحتها حين أتاه عديس بالطبق العنب وأسلم وقالوا : شجرة محمد ، والقصة مشهورة.

قال : ورأيت غارا فى جبل هناك عند آخر الخبزة تحته العين يذكر أنه جلس فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. انتهى.

***

١٥٦

الفصل

الثامن

فى ذكر وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وأبى بكر الصديق

وعمر رضى الله عنهما

١٥٧
١٥٨

فى ذكر وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفيه ذكر وفاة أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه ، ووفاة عمر رضى الله تعالى عنه ، وذكر ما جاء أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما وعيسى عليه‌السلام خلقوا من طينة واحدة.

وما جاء فى وضع القبور المقدسة ، وصفة الحجر الشريفة.

وأما ذكر وفاته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)(١) حكى أبو معاذ عن النحويين أن الميت بالتخفيف الذى فارقه الروح وبالتشديد الذى لم يمت بعد وهو يموت فأخبره تعالى أنه ميت إشارة إلى قوله (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(٢) ثم إنه تعالى خيره بين البقاء واللقاء فاختار اللقاء ثم إنه تعالى خيره حين بعث إليه ملك الموت على أن يقبض روحه أو ينصرف ولم يخير قبله نبى ولا رسول.

ألا ترى إلى موسى عليه‌السلام حين قال ملك الموت أجب ربك فلطمه ففقأ عينه ولو أتاه على وجه التخيير لما بطش به وقال ملك الموت حين رجع إنك أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت.

قال الإمام أبو إسحاق الثعلبى : وقصة موسى وملك الموت لا يردها إلا كل مبتدع ضال يؤيده قوله عليه‌السلام «إن ملك الموت كان يأتى الناس عيانا حتى أتى موسى ليقبضه فلطمه ففقأ عينه فجاء ملك الموت بعد ذلك خفية» وكذلك قصته مع داود عليه‌السلام حين غلقت عليه أبوابه (ق ١٩٣) فرأى ملك الموت عنده فقال له ما أدخلك دارى بغير إذنى. فقال أنا الذى أدخل على الملوك بغير اذن.

فقال فأنت ملك الموت. قال : نعم.

قال جئت داعيا أم ناعيا؟ قال : بل ناعيا.

__________________

(١) ٣٠ ك الزمر ٢٣.

(٢) ٢٦ م الرحمن ٥٥.

١٥٩

قال : فهلا أرسلت إلى قبل ذلك لأستعد للموت.

فقال : كم أرسلت إليك فلم تنتبه.

قال ومن كانت رسلك؟ قال يا داود أين أبوك؟ أين أمك؟ أين أخوك؟

قال ماتوا. قال : أما علمت أنهم رسلى وأن التوبة تبلغك.

قال العلماء : وابتدئ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعه يوم الخميس فى ليالى بقين من صفر وقيل فى أول ربيع الأول فى السنة الحادية عشرة من الهجرة ومدة مرضه اثنا عشر يوما وقيل أربعة عشر وكان مرضه بالصداع واشتد وجعه فى بيت ميمونة فدعى نساءه واستأذنهن فى أن يمرض فى بيت عائشة رضى الله تعالى عنها فأذن له فخرج يمشى بين رجلين من أهل بيته : الفضل بن العباس وعلى رضى الله تعالى عنهما وخرج نهار الخميس فصلى على أصحاب أحد واستغفر لهم (ق ١٩٤) ثم أمر بسد الأبواب فى المسجد إلا باب أبى بكر رضى الله تعالى عنه.

قالت عائشة رضى الله تعالى عنها : اضطجع فى حجرتى فدخل عبد الرحمن بن أبى بكر وفى يده سواك أخضر ، قالت فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى يده نظرا عرفت أنه يريده.

قالت : فقلت يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك. قالت فأخذته فمضغته له حتى لينته ثم اعطيته اياه قالت : فاستن به كأشد ما رايته أستن سواكا قط ثم وضعه ووجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يثقل فى حجرى فذهبت أنظر فى وجهه فاذا بصره قد شخص وهو يقول بل الرفيق الأعلى فى الجنة. فقلت خيرك فاخترت والذى بعثك بالحق.

وروى ابن أبى ملكية قال : لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاصبا رأسه إلى صلاة الصبح وأبو بكر يصلى بالناس. فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تفرج الناس فعرف أبو بكر رضى الله تعالى عنه أن الناس لم يصنعوا ذلك (ق ١٩٥) إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى ظهره وقال صل بالناس وجلس رسول الله إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر رضى الله تعالى عنه ، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول : «يأيها الناس سعرت النار

١٦٠