«الصديقين».
ولكن ليس ثمّة قرائن واضحة من نفس الآية تؤيد فكرة هذا الاستنتاج!
ثانيا : حقيقة إحاطة الله بكل شيء
يجب أن لا نتصور ـ مطلقا ـ أنّ إحاطة الخالق جلّ وعلا بالموجودات والكائنات تشبه إحاطة الهواء الذي يلف الكرة الأرضية ويغلّفها ، لأنّ مثل هذه الإحاطة هي دليل المحدودية ، بل الإحاطة المعنية هنا تتضمن معنى دقيقا ولطيفا يتمثل في ارتباط كلّ الكائنات والموجودات بالذات المقدسة.
وبعبارة اخرى : لا يوجد في عالم الوجود سوى وجود أصيل واحد قائم بذاته ، وبقية الموجودات والكائنات تعتمد عليه وترتبط به ، بحيث لو زال هذا الارتباط لحظة واحدة فلا يبقى شيء منها.
إنّ هذه الإحاطة نتلمّس كنهها وحقيقتها في الكلمات الواردة عن أمير المؤمنين عليهالسلام إذ يقول : «مع كلّ شيء لا بمقارنة ، وغير كلّ شيء لا بمزايلة».
وقد نلمح هذا المعنى بعينه فيما ذكره الإمام الحسين عليهالسلام في دعاء عرفة ذي المحتوى العميق ، إذ يقول فيه : «أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا» (١).
ثالثا : آيات الآفاق والأنفس
لو أتيح للإنسان أن ينكر كلّ ما يستطيع ، فهو لا يستطيع أن ينكر وجود نظام دقيق قائم يعم بنسقه عالم الوجود ، فأحيانا يقضي عالم معين كلّ عمره بالدرس
__________________
(١) مقطع من دعاء الإمام الحسين عليهالسلام في يوم عرفة ، وهو ممّا تذخر به كتب الأدعية.