وأمّا الناصر فإنّه أيضاً رأى أمير المؤمنين في الطيف ، فقال له عليهالسلام : أخرج ابن جميل في هذه الساعة ؛ فانتبه مذعوراً وتعوّذ من الشيطان ونام ، فأتاه عليهالسلام ثانياً وقال له مثل الأوّل ، فقال : ما هذا الوسواس؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه ، فانتبه وأنفذ في الحال من يطلقه ، فلمّا طرق الباب قال : والله وذا أنا متهيّئ ؛ فلمّا مثل بين يدي الناصر عرّفوه أنّهم وجدوه متهيئاً للخروج ، فقال له : بلغني أنّك كنت متهيئاً للخروج ، فممّا ذا؟
قال : إنّه جاء إليّ من جاءك قبل أن يجيء إليك. قال : فبما ذا؟ قال : عملت فيه قصيدة ، فقال الناصر : انشدنيها. فأنشد القصيدة.
الشاعر
مجد الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال : الجبي ، المعروف بابن جميل الفزاري ، كاتب شاعر ، وأديب متضلّع ، له في النحو واللغة والأدب وقرض الشعر خطوات واسعة ، وفي معجم الأدباء صحيفة بيضاء ، وفي طبقات النحاة ذكرى خالدة ؛ وقد جمع شوارد تاريخ ذلك الشاعر الفحل المنسيِّ الدكتور مصطفى جواد البغدادي في ترجمة نشرتها مجلّة الغري النجفيّة الغرّاء في عددها ال (١٦) من السنة السابعة (ص ٢) ، ونحن نذكرها برمّتها متناً وتعليقاً قال : وُلد بقرية من نواحي هيت تُعرف بجبا ، وقدم بغداد في أوّل عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدّق بن شبيب الواسطي النحوي حتى برع في النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الكريم ، وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ ، منهم : أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهّاب بن كليب ، والقاضي أبو الفتح محمد بن أحمد المندائي الواسطي سمعه حين قدومه بغداد ، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عاليةً.
قال القفطي : وقد كان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأيتها في جملة أجزاء