موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

حوادث سنة ١٠٧٢ ه‍ ـ ١٦٦١ م

مما يعزى إليه :

أنه يبدي لبعض الاشخاص منوياتهم أو يخبر عن قدوم الآخرين ...! ومن مشهودات المؤرخ مرتضى آل نظمي أن أحد المساكين حين مرور الوالي رمى بشبكته فأصاب نحو عشرين سمكة. كان طرحها على حظّه.

ففي أيام حكومته تولدت قناعة للناس فيه ومن هذا القبيل ما يحكى أنه جاءه ملّاح ، دخل عليه قائلا إن سفينته أصابتها الريح واضطرب أمرها وكادت تغرق فاستمد بسعد الوزير ونذر شمعة فنجا من الخطر. فقدمها إليه.

ومن ذلك أنه كان يخرج وحده منفردا يتجوّل في الأسواق والطرق تارة في رأس الجسر وآونة في القهاوي فيستريح هناك. وفي هذه الأثناء يفصل القضايا ويقطع الخصومات وعلى كل حال كان يخشى الناس سطوته وينقاد إليه الجيش والأمراء وكان الكل معه في دائرة الآداب.

والغريب أنه لو رأى عصيانا. أو شاهد تقصيرا عاقب بالحبس الطويل ، أو صادر أموال الجاني ، ورأى منه أنواع العذاب لدرجة أنه قد يؤدي إلى هلاكه ... وفي أيامه كثر السراق وزادت السفاهات.

عزله :

بدأت حكومته في ٢٠ ذي الحجة سنة ١٠٦٩ ه‍ ودامت إلى ٩ رجب سنة ١٠٧٢ ه‍.

وبعد أن عزل عهد إليه بمنصب الاناضول ومن هناك أمر أن يذهب إلى جزيرة گريد فظن أنه ورد الأمر السلطاني بقتله فكان يخشى السجن فارتبك شأنه وبتسويل من بعض أعوانه التجأ إلى يوسف بن سيدي خان

٨١

حاكم العمادية (١) ولم يوافق على القيام بما عهد إليه وحينئذ لم يرض سائر من معه بأفعاله هذه فانفصلوا عنه وكذلك تركته العساكر التي كانت معه فألقى الأكراد القبض عليه واستولوا على أمواله. وبفرمان من السلطان أمر والي ديار بكر محمد باشا الكرجي فتمكن من قتله وقتل بعض أتباعه وأرسل رؤوسهم إلى استنبول (٢).

وفي قصص هذا الوزير عبرة ، نال حظا وافرا من الحياة الدنيا ثم أصابته هذه النكبة فذل.

حكومة الوزير مصطفى باشا القنبور :

هذا الوزير شيخ وقور. يدعى بمصطفى باشا القنبور (الأحدب). كان آغا الينگچرية فأنعم عليه السلطان بولاية بغداد. وفي أيام السلطان مراد نال منصب چورباجي في بغداد. قضى بها مدة. ثم صار (آغا بغداد) وفي هذه المرة ولي الوزارة. كان واليا جليلا محترما ، تعرف لدى الأهلين وألفوه لما سبق له من معرفة بهم. وإن منصب آغا الينگچرية عهد به إلى صالح آغا رئيس العرفاء (٣).

إلغاء ضرائب :

هذا الوزير رفع ما تمكن من رفعه من بدع فأبطل الأمور التي لم تكن لائقة. ولم يكسر خاطر أحد. كانت تؤخذ من الأهلين دراهم بيتية أو مصاريف المضيف. تستوفى كمورد رزق للكتخدا وللمختارين ورؤساء

__________________

(١) تاريخ راشد ج ١ ص ٢٤ ـ ٢٥ ، وكلشن خلفا ص ٩٢ ـ ٢. ورد سيد خان وصوابه سيدي خان.

(٢) أوليا جلبي ج ٤ ص ٤١٠.

(٣) كلشن خلفا ص ٩٢ ـ ١ وتاريخ راشد ج ١ ص ٢٣.

٨٢

المحلات فرفعها. وعين للكتخدا راتبا من كيسه الخاص فجبر خاطر الضعفاء (١).

حوادث سنة ١٠٧٣ ه‍ ـ ١٦٦٢ م

لم يحدث في أيامه ما يستحق الذكر إلا أن هذا الوزير وإن كان صاحب تجربة وتدابير صائبة ولكنه ابتلي بالأفيون والبرش (معجون من أفيون وغيره مما يولد التخيلات) كان أحيانا يغضب بلا داع ويستعمل الشدة ويهدّد أو يقوم بأمور لا مبرّر لها. ومن ثم يتحرّك بحركات غير مقبولة ويعزر أعوانه أحيانا. ذلك ما دعا أن يعهد بكافة الشؤون إلى كتخداه. فكان يسمع منه بعض ما يتصدى به إلى اهانته فترك من خوفه أمواله وما يملك وفرّ هاربا (٢).

حوادث سنة ١٠٧٤ ه‍ ـ ١٦٦٣ م

عزل الوالي :

مضت هذه السنة والأحوال على ما هي عليه. وفيها عزل الوزير وكانت حكومته في ١٠ رجب سنة ١٠٧٢ ه‍ وانتهت في ٢٧ جمادى الأولى سنة ١٠٧٤ ه‍ (٣).

وفاة نظمي البغدادي :

هو والد مرتضى المؤرخ صاحب گلشن خلفا وابن بنت عهدي البغدادي صاحب گلشن شعرا. أورد له ابنه مرتضى بعض الأشعار في تاريخه وخير ترجمة له الترجمة الملحقة ب (تذكرة عهدي) للقربى والصلة

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٢ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ٩٢ ـ ٢.

(٣) كلشن خلفا ص ٩٢ ـ ٢.

٨٣

بينهما. ومنها عرفنا أن نظمي ولد في ٤ شهر رمضان سنة ١٠٠٢ ه‍. ومن أول نشأته مال إلى المعارف كآبائه وأجداده فظهرت مواهبه. وجالس العلماء والأدباء فبرز في النظم كما فاق في التحرير.

وبينا هو في راحة ورغد من العيش إذ فاجأ الناس أمر (بكر صوباشي) وهجوم العجم وقائعهما المؤلمة فغيرت في الوضع فاضطر المترجم أن يترك بغداد ويتزيّا بزي درويش. سكن هو وأمه في كربلاء خشية أن يعرف حاله.

بقي هناك مدة في خفاء حتى جاء حافظ أحمد باشا لاستخلاص بغداد. فوافاه ومدحه بقصيدة. ولما عاد الباشا غير ناجح في مهمته ارتبك أمره. وعرف حاله ، فهاجر إلى الرها وهناك عرفت له مكانته. وبعد مدة سقط من صهوة الجواد فكسرت رجله وبقي عليلا مدة إلا أنه لم يخف حاله. كان اتصل بأشراف البلد وشيوخها وفضلائها قبل أن يصاب ونال مكانة سامية.

وفي أثناء ملازمته لداره بارى (منظومة مجنون ليلى) للشاعر فضولي برواية سمّاها (ناز ونياز) فأضافها إلى ديوانه. اعتاد النظم منذ الصغر. ولما ورد السلطان مراد الرابع مدحه بقصيدة وتمنى له السفر الميمون. وبعد الفتح عام ١٠٥٣ ه‍ عاد بأهله وولده إلى بغداد فحصل على مكانة معروفة ونال بعض المناصب في كتابة الديوان. وفي سنة ١٠٦٦ ه‍ ذهب مع أمه وعياله إلى الحج وزيارة مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقبل أن يتوفى ببضع سنوات تتجاوز الخمس ترك الأعمال ولازم العبادة وقراءة القرآن والأوراد إلى أن توفي عام ١٠٧٤ ه‍.

فالمترجم له اليد الطولى في النظم والنثر. كان فذّا في الفارسية والعربية. يعد فريد عصره. وهو صاحب عرفان وزهد ، وسلوك مقبول ، وتصوف مرغوب فيه ، وله مساع وأعمال فاضلة ... وفي كل أحواله راعى القوانين الشرعية. ولم يحد عنها.

٨٤

ورثاه من معاصريه :

١ ـ سيفا : رثاه بقصيدة فيها تاريخ الوفاة.

٢ ـ غوثي : رثاه بقصيدة ختمها ببيت يتضمن تاريخ وفاته.

٣ ـ ابنه (ابن المترجم) لم يعين اسمه والظاهر أنه مرتضى صاحب (گلشن خلفا) فهو شاعر أيضا. ونسختي الخطية من گلشن شعرا عليها ختمه وكان محترما في عصره لدى علماء وأدباء زمانه (١) ...

الوزير مصطفى باشا :

نشأ في البلاط ويعرف ب (مصطفى باشا الينبوغ) (٢). كان واليا في الروم. ثم فوض إليه منصب بغداد. كان في سنّ الشباب. ولا يخلو من كبرياء فلم تؤدبه التجارب ولا هذبته الأيام في وقائعها فلا يزال لم يستفد من عبر الدهر. كان يميل إلى بعض أهل النميمة فهو مسماع اذن. يبدي غلظة وشدة ... ومما عرف عنه أنه تجاوز على بعض مجاوريه فاغتصب دورهم وألحقها بسرايه الخاص فارتكب جريرة. لم يشتر هذا الدور بغبن فاحش ولكن الغدر متحقق ظاهر فاشتهر بسوء السمعة فسخط الناس عليه وتذمّروا منه ...

يحكى عن بعض أهل الصلاح أنه قال في هذا الوزير :

في بغداد (الحسين بن منصور الحلاج) (٣) يحلج قطنه.!

لم تطل مدة حكمه ولا دام له رغد العيش فقضى نحبه بداء البطنة. دفن بجوار (حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي).

__________________

(١) كلشن شعرا ص ٣٦٢.

(٢) الينبوغ القطن ويراد به القطني.

(٣) الحلاج. جاء ذكره في غالب كتب التصوف ، وفي كتاب النبراس في خلفاء بني العباس لابن دحية الكلبي ص ٩٩ ـ ١٠٥ وفي كتابنا (التكايا والطرق).

٨٥

وأيام حكومته من ٢٨ جمادى الأولى سنة ١٠٧٤ ه‍ إلى أواخر ذي الحجة منها (١).

حوادث سنة ١٠٧٥ ع ١٦٦٤ م

وزارة قره مصطفى باشا :

كان صبيح الوجه. حلو الكلام. ولي بغداد سنة ١٠٦١ ه‍ ثم ديار بكر فحلب ومصر القاهرة. فأقبلت عليه الدنيا ونال حظا وافرا منها. ثم انقلب الزمان عليه فكشر له أنيابه. غضب عليه السلطان فعزله من مصر وتوجّه نحو استنبول. وفي أثناء الطريق عيّن حسن باشا أبازه لإلقاء القبض عليه بتسويل من أهل الفساد ...

فلما سمع بذلك ترك ما لديه من أموال ونفائس وذهب بنفسه فارا فدخل استنبول بزيّ متخف ، فانزوى. ولم يتمكن أحد من العثور عليه. بالرغم من التحريات.

ولهذا لقب ب (مصطفى باشا الفار). اختفى سبع سنوات أو ثمانيا فعفا عنه السلطان وأنعم عليه بولاية (وان) ثم نال منصب بغداد.

ولما وصل إلى بغداد أبدى الزهد والدروشة وعامل الأهلين بالحسنى والرأفة ، فأنسى ما كان فعله سابقا.

ولد له ولد اسمه محمد بك في حكومته الأولى ببغداد. وفي هذه المرة أجريت له حفلة ختان فقدم سبعة أيام أنواع المأكولات وأطعم الصادر والوارد. أجرى الضيافة للجميع وكان يلاطف الكل ويبسم في وجوههم.

كان هذا الوزير حلو اللسان ، بديع البيان. ينهض لكل زائر ويبش بكل وارد فجلب القلوب بتواضعه.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٣ ـ ٢.

٨٦

حكم من سلخ صفر سنة ١٠٧٥ ه‍ إلى ٢٦ ذي القعدة منها (١).

وزارة إبراهيم باشا الطويل :

كان هذا رئيس البستانيين في الحرم السلطاني. ثم صار قائمقام استنبول. اشتهر بالصلاح ورضي عنه الخاص والعام. ثم عهد إليه بمنصب بغداد (٢).

حوادث سنة ١٠٧٦ ه‍ ـ ١٦٦٥ م

الأحساء والبصرة

واقعة الأحساء :

كانت امارة الاحساء في الاصل امارة عثمانية من أيام السلطان سليمان القانوني. دخلت في حوزة العثمانيين من حين الاستيلاء على البصرة والحكم المباشر فيها بالقضاء على امارتها ...

الأحساء أيام الحكم العثماني :

الأحساء بحذاء هجر دار القرامطة في أنحاء البحرين وأحيانا تشمل البحرين وأحيانا تعدّ منها تبعا لاختلاف التشكيلات الإدارية (٣). وفي العهد العثماني لا نستطيع أن ندون عنها معلومات كافية وواضحة. وكل ما علمناه أن الحكومة عينت حكاما وارسلتهم إلى الاحساء لا نعلم عن حكمهم ما يستحق الذكر. وفي أيام سيدي علي رئيس كان حاكمها مراد رئيس (٤).

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٤ ـ ١.

(٢) تاريخ راشد ج ١ ص ٩٧. وكلشن خلفا ص ٩٤ ـ ١.

(٣) خلاصة الأثر ج ١ ص ١٩.

(٤) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤.

٨٧

ثم عرفنا من مؤلفات عديدة أن أمراء بني خالد حكموها إلى أواخر القرن العاشر ثم حكمها علي باشا من أوائل القرن الحادي عشر باسم العثمانيين. ثم صارت لذريته (١). وتوفي عام ١٠٥١ ه‍. خلفه الأمير أبو بكر ثم يحيى بن علي باشا المذكور وأخذ الطريقة عن الشيخ تاج الدين الهندي (٢).

ويحيى باشا أخو الأمير أبي بكر ولد في أول الألف وتوفي سنة ١٠٧٦ ه‍ في المدينة. وهذا عالم أديب له ديوان شعر في مجلدين. مدح الشريف زيد بن محسن شريف مكة.

وآخر ولاة الاحساء محمد باشا جرت واقعة البصرة هذه من جرائه. ومن ترجمة أبي بكر نعلم العلاقة والصلة بينهما.

ولما حدثت الفتن بين حسين باشا آل أفراسياب وأعمامه وأدت إلى ما أدت إليه كان أمير الاحساء ناصرهم ودلّهم على طريق الالتجاء إلى الدولة العثمانية وساعدهم بكل ما أوتي ... ومن ثم أراد حسين باشا الانتقام منه وأول عمل قام به أنه استمال العشائر الكبيرة هناك وفي مقدمتها (بنو خالد). كانت تنازع السلطة وأميرها آنئذ براك فقربه إليه واتفق معه وأرسل جيشا في قيادة أمير له اسمه سلمان.

ضيقوا الحصار على الاحساء ، فوجد واليها في نفسه ضعفا. لم يستطع الكفاح فاضطر أن يسلم البلد إلى الأمير سلمان بعد أن طلب الأمان من أمير بني خالد (براك) وأجلى الباشا وأعوانه عن البلد. ولما رام سلمان دخول البلد منعه الشيخ براك وانتزع أسلحة من معه وطردهم فحكم البلد وكان حاكما عادلا.

أنهي الخبر إلى حسين باشا ففكر في الأمر. فلم ير بدّا من تجهيز جيش على الشيخ براك فبعث بالجند تحت قيادة أمير له يدعى يحيى

__________________

(١) خلاصة الأثر ج ١ ص ١٨.

(٢) خلاصة الأثر ج ١ ص ٩٠.

٨٨

وحينئذ جرت معركة دامية بين براك ويحيى فكان النصر حليف يحيى وهرب الشيخ براك فارا من البلد فجاء أعيان الأحساء يطلبون الأمان فأمنّهم وصار حاكما وهذا حاول أن يوسع حكمه إلى عمان وأن تمتد سلطته على الاصقاع الأخرى النائية (١) ...

والي الأحساء محمد باشا :

بعد أن سلم محمد باشا الاحساء مال إلى الشريف زيد يطلب منه أن يتوسط في أمره ويشرح ما جرى لدى السلطان محمد شاكيا ظلامته ، ملتمسا رفع ما ناله من حيف. أوضح الشريف زيد للسلطان أن حسين باشا أوقع أضرارا بالأهلين. واغتصب الأموال وتسلط على الضعفاء وعلى هذا أرسل السلطان إلى الوزير (قره مصطفى باشا) والي بغداد يستطلع الأخبار عن هذه الفتن ، وأن يحققها ويعلمه.

ومن ثم استفهم الوزير من حسين باشا عما فعل فكان جوابه أن ذلك إنما جرى منه بأمر سلطاني ، وأن الأمر لدى يحيى أمير الأحساء ، وأنه سوف يأتي به ، تعلل بذلك ولا أصل لما أجاب به (٢). ولكن صاحب گلشن خلفا أيد قول حسين باشا أنه حصل على فرمان سلطاني ليحقق ما جال في فكره من لزوم الاستيلاء على الاحساء. عدلت الدولة عن فرمانها وأرادت أن تتخذ هذه الفتنة وسيلة للتدخل فالعشائر صارت مع الدولة. وكذا الشريف سنحت له الفرصة كما أن ايران لم تتدخل على ما يفهم من المخابرة الرسمية. فكانت فرصة لا تضيّع بل يجب أن تغتنم. وحينئذ كتب حسين باشا إلى يحيى ما جرى من المخابرة حاكيا ما ابتلي به. ومن جملة ما كتب أن يأتي على عجل ليتخذ معه الأهبة لما

__________________

(١) منظومة الشهابي البصري ، وكلشن خلفا ، وعنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد. وذكر هذا الحادث في عمدة البيان في عمدة البيان في السنة السابقة.

(٢) منظومة الشهابي.

٨٩

يتوقع حدوثه. كتب إليه كتابا أرسله مع الساعي محمد. فصادف شيخ العرب هذا الساعي فأخذ الكتب وقدمها إلى محمد باشا وكان إذ ذاك في بغداد. جاء بأمل انقاذ مملكته فقدمها إلى الوزير وفيها طعن في نفس الوزير فاشتد حنقه وسخط على حسين باشا وصار ينتظر الفرصة للوقيعة به. ولكنه في ذلك الحين عزل. فلم يسع محمد باشا غير السكوت والانتظار. وقضية الحصول على الكتب فيها نظر.

أما حسين باشا فإنه أرسل إلى الاحساء أميرا اسمه عمر. وعاد يحيى إلى البصرة للاستعانة به فيما يخشى حدوثه (١) ...

ويفهم من مجرى هذه الحوادث ومن ولاية قره مصطفى باشا أنها من حوادث سنة ١٠٧٥ ه‍ وإلا فلا يأتلف ما ذكر في تاريخ السلحدار وما جاء في الوثائق المحلية (٢).

وجاء في عمدة البيان أن الأمير يحيى سار بالعساكر ومعه كنعان أمير قشعم فملك الاحساء وهرب منها الأمير برّاك ، فعادت كما كانت لآل أفراسياب سنة ١٠٧٦ ه‍ وبين أن أبا بكر توفي وكان أحد أسخياء العالم وهو ابن علي باشا الأحسائي.

الدولة العثمانية ـ ايران :

إن الدولة العثمانية في حربها مع حسين باشا آل أفراسياب حاذرت من الايرانيين أن يتدخلوا في الأمر فيكونوا لجهة أفراسياب فكتب الوزير الأعظم إلى اعتماد الدولة الايرانية أنه اقتضى تأديب هذا الثائر ، وأنه باغ على السلطان فطلب منه أن لا يمد إليه يد المعونة إذا التجأ إلى ايران وأن يحافظ على أساس الصلح وأن لا يظهر ما يخالف.

__________________

(١) منظومة الشهابي.

(٢) تاريخ السلحدار ج ١ ص ٣٩٩ وكلشن خلفا ص ٩٤ ـ ١.

٩٠

وإن اعتماد الدولة في جوابه يشير إلى أن الصلح لا يزال دائما ، ولا يساعد أمير أمراء البصرة بوجه ، ولا حدّ لأحد أن يخرق الصداقة ، أو يتحرك بما يغاير الصلح وكتبت الأوامر إلى أمراء الحدود في لزوم احترام العهود وأن لا يخلّوا بأمر منها.

وبهذا أمنت الدولة الغوائل والتدخلات من المجاور (١) ...

إبراهيم باشا وحسين باشا افراسياب :

إن حسين باشا هذا علم أن قد اتسع الخرق ولم يطق التخلص إلا بطريقة صالحة وأن المقاومة والاعتزاز استنادا إلى القوة لا تجدي نفعا. أرسل جماعة إلى دار السلطنة يبذلون الأموال ولكنهم عادوا بفشل ذريع لما رأى السلطان ما عرضه الشريف زيد فقدمه للمفتي فكتب إليه أن حسين باشا هذا يجب أن يعزل وإن بغى فيقتل كسائر البغاة ...

وعلى هذا أرسل السلطان وزيرا هو إبراهيم باشا إلى بغداد ليقوم بالأمر وينقذ محمد باشا وعزّزه بأمراء آخرين بينهم والي ديار بكر ووالي حلب ووالي شهرزور الوزير كنعان باشا الگرجي ووالي الموصل إبراهيم باشا الگرجي وغيرهم من الأمراء بمن معهم من جيوش ، وبلغت جيوشهم ما يربو على خمسين ألفا ، استكملوا العدة والعدد في بغداد ثم توجهوا نحو حسين باشا. وهذا لما علم بالأمر سار إلى القرنة مسرعا ينتظر ما سيجري ... وقد قضى مدة يترقب الأخبار فلم يصل إليه منها شيء ، ولم يأته بيان ولكنه لم يدع الفرصة بل أرسل إلى شيوخ العشائر كتبا يدعوهم بها لمؤازرته فجاءه بعضهم وتخلف آخرون ...

ثم إن حسين باشا كتب إلى الوزير إبراهيم باشا والي بغداد يستفهم عما دعا وفيه تهديد من جهة واستعطاف من جهة أخرى معتذرا أنه إنما

__________________

(١) تاريخ السلحدار ج ١ ص ٣٩٩ ـ ٤٠١.

٩١

فتح الاحساء بناء على الأمر الوارد إليه ولم يكن منه تقصير فأجابه انك معزول ولك الخيار في أن تأتي إلى السلطان ، أو تخرج من بلاده وبذلك تحقن الدماء وكذا كتب إليه سائر الوزراء ينصحونه فلم يلتفت. وكان الرسول أحد السادات من أتباع والي آمد فأغلظ القول على الرسول جهرا وأخفى خلافه وقال له : إن أصلحت هذا الأمر منحتك خيرا وحزت أجرا وقد أراه جماعة من العجم ليرهبه بهم وفي الوقت نفسه أكرمه وقال له بلّغ ما رأيت فأجابه : إننا نود القتال مع هؤلاء الاعجام وقد سمعنا بذكرهم فلم يبال بهم الوزراء. ثم أتى بعد ذلك خبر مؤداه أن ابنه الاصغر قد عبر نحو العسكر مصحوبا بالبن والسكر فدس الذهب في البن لبعض ذوي الرتب من عسكر الروم وربما أفسد بعضا من الجند على ما نقلوا (١) ...

وفي گلشن خلفا : إن السلطان أمر بإعادة الاحساء إلى حاكمها السابق ، وأن يساعد في الاستيلاء عليها واستخلاصها ، وأن يؤدب حسين باشا على عمله ... فجعل ابراهيم باشا أميرا ، وعهد إلى والي ديار بكر إبراهيم باشا ، ومحافظ حلب الوزير حسين باشا ومتصرف الموصل إبراهيم باشا الگرجي وأمير الرقة (صاري محمد باشا) ووالي شهرزور كنعان باشا أن يكونوا معه تبعا له وأن يقوم كل منهم بقيادة جيشه وإدارته ...

أما الوزير فإنه حينما ولي بغداد جاءه محمد باشا من مكة المكرمة وحسب الفرمان جهز الجيوش واجتمع الكل في بغداد. وحينئذ أرسل من هؤلاء نحو ألف فارس على عجل وبينوا له ما وقع بتحرير جاؤوا به إليه من الوالي وفيه تحذير ما يتوقع حدوثه وأن يذعن للدولة ولكنه أبى أن يقدم معذرته وإنما صار يبذل مبالغ من جهة ، وطورا ينذر ويهدد فلم يفد ذلك كله ، ذهبت الاتعاب سدى ولم يتلقوا منه سوى التعنّت والجواب الفظ والخطاب المملوء غرورا ...

__________________

(١) منظومة الشهابي. وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٣٩٩ ، وتاريخ راشد ج ١ ص ١٢٦.

٩٢

ولما رأى وضعه في خطر أرسل أهله وأمواله إلى حدود العجم وتحصّن هو ومن معه في القرنة وصارت تتلاحق جنوده إليها ... تأهب للحرب واستعد لها (١) ...

وقال الشهابي :

«ثم جاءت الأخبار إليه أن الجيش العثماني قد حل العرجة (٢) فاهتم للأمر وجمع الأعراب وشجع الجيوش والأحزاب العائدة له فساقهم إلى الرملة ومن بينهم يحيى أمير الحملة وحينئذ اشتبك القتال بين الفريقين وابتدأ برمي المدافع ولكن جيش يحيى قد انهزم ولم يطق الصبر على الحرب. فرّ قبل طلوع الشمس فاستولت الروم على المؤونة وكانت كثيرة جدا ولما عادوا وجدوا حسين باشا خارج الفتحية ومعه قوة جيش فعاد إلى القرنة وعلى هذا أرسل البريد إلى أهله أن يخرجوا فخرجوا جميعا وحاول الهزيمة. خاف أن يكون في قبضة عدوه. ولكنه رأى الرياح مخالفة ، وصادف المد في النهر أيضا ، جاءه أكبر أمرائه يخيّره بين اللقاء وضده وكذلك الجيش خيّره بذلك فلم يلتفت لقولهم ولم يعوّل على رأيهم. ولما رأوه بهذه الحالة قالوا له اترك العربان وما حوته واذهب لشأنك لصد غائلة الروم وفيها نحتمي من أذاهم. أتت إليه جموع كبيرة فلما أصبح عليه الصباح ورأى جموعه هذه زال عنه الوهم. فاستقر في القرنة بعد ما كاد يترك الحرب إلا أنه لم يعلم بنيّاته هذه سوى مشاركيه ومن كان يسر إليهم القول.

ثم جاءه أهل الجزائر فاعتز بهم أكثر. وهكذا استعد للقتال فجاء

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٤ ـ ٢ وتاريخ السلحدار ج ١ ص ٣٩٩ إلا أن كلشن خلفا أوسع نوعا.

(٢) العرجاء. تقع شمالي الناصرية بنحو ثلاث كيلو مترات. وهي قرية على ضفة الفرات. مباحث عراقية ص ٣٩.

٩٣

إبراهيم باشا بعسكر عظيم إلى القرنة إلا أن مجيئه كان متأخرا ولو جاء في حينه لاستولى عليها فحاصرها مدة شهرين فلم ينل غير الخيبة والخذلان. وقد تصدى للقتال جنوده المعروفون ب (صارجه) (١) وهؤلاء كانوا معاندين عنادا بالغا حده فلم يهتموا بالحرب بل فقدوا الطاعة المطلوبة في الجيش فكان ذلك من أهم أسباب الخذلان.» اه (٢).

وأما الوزير فإنه في أواسط جمادى الأولى سنة ١٠٧٦ ه‍ جهز جيوشه ونهض من بغداد سائرا نحو البصرة. كل هذا وحسين باشا لم يطرأ خلل على تجلده وأصر على الدفاع محتقرا عدوه. وفي هذه الحالة قصّر الوزير في احضار المدافع المعدة لهدم القلاع والحصون ، ومع هذا طاول في الأمر على أمل أن يذعن حسين باشا اليوم أو غدا وبهذا الأمل كان يترقب ورود رسول في الاستئمان. سار حتى وصل إلى (الرمّاحية) (٣) ، ومع كل هذا لم يظهر أثر فتور في حسين باشا فأرسل الوزير كتابا إليه يدعوه إلى الطاعة والانقياد مشتملا على نصائح قدمه إليه مع قاصد ذهب به. وهذا أيضا لم يفلّ من عزمه ولم يقلل من غلوائه ، ولم يتلق منه جوابا سوى قوله (المقدر كائن).

وحينئذ لم ير الوزير بدا من أن يمضى بجيوشه إليه فوصلت الجنود إلى (المنصورية) (٤) فضربوا خيامهم هناك فتقابل الفريقان واشتعلت نيران

__________________

(١) صارجة وردت في منظومة الشهابي والترك يقولون صاروجه وتعني نوع جيش قديم من اللوند (اللاوند). ورد ذكرهم في تاريخ السلحدار ص ٤٧٥.

(٢) منظومة الشهابي.

(٣) الرماحية موجودة قبل العثمانيين ورد ذكرها في تاريخ العراق بين احتلالين ج ٣ وتعد لواء من ألوية بغداد أيام السلطان سليمان القانوني. ثم خربت في وقت متأخر. وتكوّن بدلها (لواء الديوانية). ولا تزال أطلالها معروفة في هذا اللواء. ومرّت في (ج ٤ من هذا التاريخ) في صفحات عديدة منه. وفي لغة العرب ج ٣ ص ٦١.

(٤) هي منصورية الجزائر.

٩٤

٩٥

الحرب بينهما وحمي الوطيس فغطى غبار الحرب السماء ، لا تسمع إلا قعقعة السلاح واشتباك الابطال ... دامت الحرب من العصر إلى نصف الليل ... وبالنتيجة ولي فرسان حسين باشا هاربين مذعورين من شدة ما لاقوه فاستولى الوزير على الجزائر وجعلها محط خيامه واتخذ جسرا قرب المنصورية فعبر إلى القرنة وهي بمثابة مفتاح للبصرة وأحاطت بها الجنود من جميع جهاتها فحاصروها.

وهناك نصبوا خيامهم وتأهبوا للحرب. ولكن كما سبق القول لا توجد مدافع حصار كافية لهدم القلاع. بعث الوزير إلى بغداد أن ترسل إليه مدافع لهدمها إلّا أنه لم يقف عند هذا الحد وإنما بادر بالهجوم بما عنده لأنه رأى أن العدو قد تكاثر مدده والمطاولة لا تفيده فاشتبك القتال بين الجمعين ورتب ما لديه من المدافع للهجوم على القلعة.

أما حسين باشا فإنه أرسل ابنه إلى العجم واستمد بهم. لجأ طالبا المعونة فأمدوه بعسكر يحسن الرمي ويقدر على المقارعة ... وكذا جمّع من الجزائر نحو خمسة آلاف من الرماة وألفين أو ثلاثة آلاف من سكبانية الروم. وملأ السفن العائدة للتجار من الأموال العائدة لهم فضبطها وربطها في ميناء القرنة تأهبا للطوارىء وللاستعانة بها عند الحاجة وارجع التجار إلى ميناء البصرة (١).

حالة البصرة :

ولما وصل هؤلاء التجار إلى البصرة وجدوها خالية من حاكم وأنها في هرج ومرج وحينئذ راجع هؤلاء الوزير بالاتفاق مع المشايخ (٢)

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٩٥ ـ ١.

(٢) آل باش أعيان. كانوا يسمون بهذا الاسم (المشايخ) لأن صفة المشيخة غالبة عليهم. ويقال لهم (الكواوزة) أو (الكوّازيون). ذكر لي الأستاذ المرحوم الشيخ ياسين من رجال الاسرة أنهم من أولاد الأمير محمد بن الحسن المستضيء بأمر الله العباسي. ولقبوا في العهد العثماني بلقب أحد أجدادهم (باش أعيان). ونشر

٩٦

وكتبوا له كتابا طلبوا فيه أن يرسل إليهم باشا أو متسلما. أما الوزير فإنه أرسل إليهم (حسين الصولاق) حاملا أمرا منه وهو من التجار وبعث إليهم بكتب طافحة بالاستمالة والترغيبات الكثيرة.

والتجار كانوا اتفقوا مع المشايخ المعروفين آنئذ بكثرة الاتباع والمريدين إلا أن الكثرة تحتاج إلى مهارة سياسية وقدرة على الادارة والحرب فالتاجر لا يصير في يوم واحد سياسيا محنكا أو قائدا مدربا. فالقوم دبروا البلدة وأظهروا عصيانهم على حسين باشا وخاصموه.

وكان في البلدة سفاك يقال له (ابن بداق) تربّى في نعيم حسين باشا وإحسانه ، فكتب إليه يخبره بكل ما جرى ويقول له : لو أمددتني بقليل من القوة وعهدت إليّ بالأمر فلا أقصر في دفع المخالفين والقضاء على مخالفتهم فأبذل ما أستطيعه من قوة في سبيل تأمين البلدة خالصة لكم.

أما حسين باشا فقد منّاه بما شاء وأمره أن يستأصل الخارجين ويدمرهم ما استطاع. جهز جماعة من العربان وسيرهم لمعاضدته وهؤلاء تقدموا إلى موقع التجار والمشايخ وهاجموهم فاستعرت نيران القتال نحو ساعة أو ساعتين فظهرت آثار الانتصار للتجار والمشايخ فقتل ابن بداق وأتباعه.

__________________

كتاب في تاريخ هذه الاسرة. تعرض لتاريخهم وللفرامين التي صدرت. وفي عنوان المجد للحيدري بيان عنهم (١).

__________________

(١) ورد في الهامش السابق أنهم من أولاد محمد بن الحسن المستضيء بأمر الله العباسي وجاء في الكتاب الذي نشره آل باش أعيان أنهم من أولاد هاشم بن المستضيء ، فبين الدكتور مصطفى جواد أن كنية المستضيء أبو محمد ولم يعرف له ولد بهذا الاسم. قال : ولعل الانتقال إلى هاشم أدى إلى التخلص من هذا ، وأوضح أن هاشما لم يكن له ابن أو لم يعرف.

٩٧

وحينئذ رجع الشيوخ والتجار ثملين بخمرة هذا الانتصار ولم يبالوا بمداخل البلد وضبطها من صولات الاعداء فعادوا كأنهم في مأمن ولم يبق ما يستدعي قلقهم فذهب كل من هؤلاء لشأنه وانسحب لمحله.

ولم تمض مدة حتى جاءت العربان أفواجا من جهة شط العرب لنصرة ابن بداق. هاجموا البلدة من جديد فدخلوها وبدأوا بنهب دور آل عبد السلام (١) وولدوا اضطرابا بسبب كثرتهم وشدة صولتهم. وفي هذه المعركة دارت الدائرة على التجار والمشايخ. وقتل من الشيوخ (ذو الكفل) والسريّ من آل (عبد السلام). وبهذا انفرط عقد نظام المشايخ والتجار وتبعثرت أحوالهم فعلت ضجة بلغت عنان السماء وقتل من التجار جماعة ، ولما رأى الأهلون الحالة وما وصلت إليه اختفى كل من أحس بخوف من حسين باشا كما أن جماعة من المشايخ رأوا أن لا طاقة لهم بالمقاومة فهربوا إلى جانب الوزير. نجوا فوصلوا إلى دار الأمان ، وحينئذ أخبروا بما وقع وقصوا القصة بآلامها وكان حالهم ينبىء عن خبرهم (٢).

وهذا ما قصه الشهابي البصري عن حالة البصرة قال :

«من حين أتى حسين باشا العليّة أرسل جندا فأخرجوا كل ما في الزكيّة من المدافع. ولما خرجت عياله من البلاد ، واختفت رجاله ولي البصرة شيوخها ، حصلوا على ادارتها حفظا للنظام وخوفا على البلاد من كيد أهل الشقاء لا رغبة في الحكم وحينئذ أخبروا الوزير إبراهيم باشا عن ذهاب كل أهل البلدة وأنها بقيت منحلة الادارة ... وأعلموا أنهم ضبطوا البلاد وطلبوا أن يأتيهم على عجل وحينئذ عقد الوزير مجلسا ،

__________________

(١) عبد السلام توفي سنة ١٠٣٥ ه‍ وهو ابن الشيخ عبد القادر المتوفى سنة ٩٩١ ه‍. قال ذلك الشيخ ياسين آل باش أعيان. وترجمته في زاد المسافر. ومن أولاده الشيخ محمد شيخ الشيوخ. يأتي الكلام عليه وعلى آخرين منهم.

(٢) كلشن خلفا ص ٩٥ ـ ٢.

٩٨

استشار به الأمراء ممن كان معه فلم يوافقوا على إرسال جند ينقذونهم وظنوا أن ذلك مكر وحيلة من بعض الأمراء ، وهذا ما سهّل التضييق على البصرة وجعلها مهددة من (آل أفراسياب) كما أن حسين باشا اتخذ الوسائل وصار يسعى في افساد الجند ببذل المال لهم وبعث الوزير إلى الشيوخ أن سلّموا البلد إلى السولاخ (الصولاق) وهو من تجار البلد فلم يتمرن على الحكم ، ولا مارس الحرب وأيضا أرسل الوزير أمرا إليهم طلب فيه منهم أن ينصره فسلموا إليه بعد ذلك البلد مترقبين أن يجيء المدد ليزول عنهم الوجل والخوف ، إلّا أن حسين باشا سابقهم في ارسال موسى وسلمان ليحكما البلاد استفادة من استقرار الحرب وركودها. كتب مع اولئك كتابا يخاطب به الشيوخ مهددا لهم بالتهديد المر وقال : «هذا نجل خالي واصل إليكم وهو الرئيس عليكم». وقد أقاموا عند رأس الشط وبعثوا بالكتاب فامتنع الشيوخ من تمكينه فرجع من حيث أتى.

ولما طال بهم الأمر وانقطع الرجاء بادر آل أفراسياب بالمراسلة فتمكنوا من استهواء جماعة بينهم (ابن بداغ) وهو ابن بداق. انفصل عن جماعته أهل البصرة وجمّع الناس بناء على مخابرة جرت بينه وبين آل أفراسياب ووعد أن سيأتيه (بصري الديري) بعسكره لنصرته وأن يمسك الشيوخ ويضبط البلاد. وعند ذلك قام (بصري) بالأمر وجمع أهل الصيمر (١) ولفيفا من العسكر وبهؤلاء مشى إلى باب الشمال وكان فيها الشيخ عبد الله بن حبيب فاقتتلا هناك واستولت البغاة على مواطن أعدائهم ، ثم مشى إلى (المشراق) (٢) وعند ذلك جاءهم الروم من المقام فقتلوا بعضا وفر الآخرون فرأوا رأس (ابن بداغ) قرب بستان القصب

__________________

(١) محلة في البصرة.

(٢) محلة في البصرة.

٩٩

فتفرق قومه ... ومن ثم مال (بصري الديري) مع جماعته فمشوا على عجل إلى المشراق فاقتتلوا هناك وكادت الشيوخ تتغلب على جماعة حسين باشا لو لا أن أتى المدد إليهم ففر الشيوخ واتباعهم وانفل جمعهم فقتلوا بعض مقدميهم ومثّلوا به ثم أمسكوا (ذا الكفل) وعاملوه بأقسى المعاملة ، ونهبوا بيوت المخالفين وفتشوا عن رجال الروم ... وقد ألقوا القبض على كثيرين فاستولى (بصري) على المدينة.

وذكر الشهابي في منظومته القسوة بهؤلاء بحيث صار لا يستطيع أحد أن يدخل المساجد خوفا.

وجاء إبراهيم آغا بعد ذاك فزاد في ظلمه وجوره وصار يهين الأشخاص وينهب أموالهم. وفي هذه المدة جرى التضييق على البصرة وكان إبراهيم باشا الوزير محاصرا القرنة ، وحينئذ وصل إليه الخبر باستيلاء حسين باشا على البصرة ، ونقل شيوخها وأعيانها المذكورين.» اه (١).

دوام الحرب

أمير الموالي :

وفي هذه الأثناء توجه أمير الموالي علي الشديد (٢) من بغداد لنصرة الوزير وكان معه ثلاثمائة فارس سارع لإمداد الوزير فجاء البصرة. ولمّا وصل المحل المسمى (كوت معمر) تقاتل مع شيخ المنتفق وكان قد تابع حسين باشا. حدثت معركة شديدة بينهما ولكنه لم يتيسر له الانتصار على المنتفق وبعد القتال الشديد عاد الموالي بالخيبة فلم يطيقوا مواجهة الوزير لعدم النجاح ولهلاك الكثير منهم أثناء الحرب.

__________________

(١) منظومة الشهابي.

(٢) شديد بن أحمد ورد في تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤.

١٠٠