موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

بأمل أن ينال الوزارة العظمى فوجهت إليه ايالة بغداد. وحينئذ أبدى تمارضا ولم يرغب في الذهاب. فلم يتمكن بوجه من التخلص من هذا المنصب فأرسل متسلّمه ثم ذهب هو في الأثر.

أما سلفه إبراهيم باشا فإنه علم بقتل (سيده) صالح باشا فأيس ولم يبق له أمل في الحكومة. ولذا قبض على بغداد بيد من حديد واستولى عليها بأمل أن يستقل في البلاد العراقية. وصار يدبر ما يقتضي لنهوضه ويعدّ لوازم القيام ... وأن جيش بغداد ارتبط به قلبا وقالبا. فرد المتسلّم المرسل من جانب موسى باشا ...

فلما شاهد الينگچرية ذلك قاموا في وجهه معارضين له. فحدث قتال بين القبيلين. وأن صف حجاب الباب (قپوقولي) داخل القلعة دفعوا هجوم الجيش الأهلي والباشا معا.

وحينئذ سلك الضباط طريق الحيلة استفادة من بساطة الوالي وصفاء سريرته وأبدوا أنهم تركوا النزاع وأنهم مطيعون لأوامره ، وأظهروا البشاشة فتمكنوا من أخذه إليهم إلى القلعة فألقوا القبض عليه وحبسوه في غرفة. أما الجيش الأهلي فإنه سعى لإنقاذه بهجومات متعددة فلم يتيسر له. فسمعت الدولة بالأمر فعهدت بولاية بغداد إلى مرتضى باشا المعزول من بودين وهو أخو صالح باشا المقتول. ثم صدر خط همايوني آخر بقتل إبراهيم باشا. وسير مع الميراخور الثاني.

ثم صدر فرمان بقتل والي بغداد مرتضى باشا وعهد بإيالة بغداد إلى الوالي السابق موسى باشا. فأدرك المباشر مرتضى باشا في مدينة ديار بكر فقتله وقطع رأسه وكذا الميراخور الثاني قتل إبراهيم باشا في بغداد فأرسلت رؤوسهما إلى استنبول.

أن الميراخور الثاني لم يكتف بقتل إبراهيم باشا وحده. وإنما قتل كتخداه أيضا. وكذا بعض المشهورين من آغواته ممن لهم اليد في

٤١

العصيان كما أن المتهمين من الأهلين من أعيان البلد حبسوا وصودرت أموالهم ونكّل بهم.

وحينئذ ضبط موسى باشا إدارة بغداد بيد من حديد وقتل بعض المشايعين لإبراهيم باشا من متقدمي (الجيش الأهلي) كما أنه فرت جماعة منهم إلى بلاد العجم» (١) ..

وفي تاريخ الغرابي ما نصّه :

«وفيها ـ في سنة ١٠٥٦ ه‍ ـ وقعت فتنة عظيمة في بغداد. وذلك أنه كان فيها من الجند طائفتان يقال لهم (الينگچرية). وهم (طائفة) كانت وظائفهم تأتي من طرف السلطنة ، وهم ليسوا مربوطين ببغداد بل تذهب منهم جماعة ويأتي مكانها غيرها. والطائفة الأخرى من الجند كانت تعطي وظائفهم من حاصل بغداد ، وهم لا يتغيرون ، فاتفق أنه كان في السنة المزبورة إبراهيم باشا واليا على بغداد ، فعزل عنها ، ووليها موسى باشا ، ولما أن جاء متسلمه قالت الطائفة التي وظائفها من محصول بغداد نحن راضون عن والينا إبراهيم باشا لا نريد غيره ، ونريد أن يخرج من هذه البلدة آلتنجي أحمد آغا الذي هو أحد رؤساء الينگچرية فتحزبوا واجتمعوا ، فأرسل الباشا يستفسر عن تحزبهم فذهب إليه أحمد آغا فسأله عن السبب فقال له تقول طائفة الينگچرية أن الباشا يريد أن يستبدّ بهذا القطر ويخرج عن طاعة السلطان ، فقال له ليس مرادي ما تقول. وإنما الجند يريد أن أبقى هنا واليا وأنا لا أرضى بالبقاء فضلا عن العصيان ، فقال له أحمد آغا : يا مولانا الوزير إن كنت صادقا فيما تقول فقم واركب واذهب إلى القلعة واجلس بها ساعة ، ثم ارجع إلى مكانك حتى يصدق هذا الجمّ الغفير ما في ضميرك. وحلف له ايمانا مؤكدة بأنه ما

__________________

(١) نعيما ج ٤ ص ٢٤٩ ، ومثله في فذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٣١٠.

٤٢

يصيبه ضرر ولا وصب. فقام الوزير الغافل وذهب إلى القلعة فلما جلس واستقر ساعة أراد الذهاب فقال له أحمد آغا أنت محبوس. وليس لك خلاص من هذا المكان حتى يأتي الإذن من طرف السلطان. فلما آل الأمر إلى هذا تحزبت الينگچرية في الميدان. وجند بغداد اجتمعوا في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره وأرادوا تخليص إبراهيم باشا فلم يمكنهم ، وبقي كل منهم يرتقب الفرصة ، وداموا على هذا الحال نحو شهرين. فأتى من طرف السلطنة أمر بأن يقتل إبراهيم باشا ، ويكون موسى باشا واليا على بغداد ، فأتى موسى باشا بالأمر ودخل بالسفينة ليلا ، فلما أصبح الصباح قتل إبراهيم باشا. ولما رأى جند بغداد أن إبراهيم باشا قتل طلبوا الخروج والذهاب ، ففتح لهم الباب ، فخرجوا وفروا إلى جهة العجم وقتل موسى باشا بقاياهم. وكانت هذه الوقعة في سنة ١٠٥٧ ه‍.» اه (١).

ومن هذه النصوص علمنا أن الينگچرية منهم من يستوفي علوفته من استنبول ويسمى (الينگچرية) ، ومنهم من ترجى علوفته من بغداد. ويقال له (قول بغداد). وهو (الجيش الأهلي). وهذا أيضا من صنف الينگچرية. وسماه في (تاريخ الغرابي) : (جند بغداد). وهذا الأخير مال إلى الوالي ، وحاول الانتصار له ، فلم يفلح. واضطرب أمر بغداد.

فكان الوزير إبراهيم باشا ابتدأ حكمه في ١٦ شعبان لسنة ١٠٥٦ ه‍ ودامت ولايته إلى غرة ذي القعدة لسنة ١٠٥٧ ه‍ (٢).

وزارة موسى باشا :

كان مصاحب السلطان. اشتهر ب (سمين موسى باشا) أي موسى

__________________

(١) تاريخ الغرابي ص ٣٠١ ـ ٢.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٢ ـ ١.

٤٣

باشا السمين. فسمي بذلك من جراء أنه يصعب عليه الذهاب والإياب أو المشي. ويقال إن السلطان أنعم عليه بهذا المنصب لرفع الكلفة عنه.وفي تاريخ نعيما سماه (قپوجي موسى باشا).

وهذا الوزير من حين تسلم زمام الإدارة فوّض أموره إلى أرباب الاغراض بل تغلب الينگچرية عليه فلم يعدل بين الرعية فكانت ادارته طبق رغباتهم فلم يبق له اختيار. أهمل الصفح والعفو وراعى الشدة والقسوة دون أن يقف عند حد ولم يبق أثر من صفاته في وزارته الأولى من عفو وصفح.

أوقع برجال الفتنة ما أوقع فلم ينظر بعيدا في دقائق الأمور وبادر بالقسوة في (جند بغداد) ، متهما لهم جميعا ، أخرجهم من المدينة وبعث جيشا في تعقب أثرهم وعلى هذا أسر المشاة منهم فأمر بقتلهم ثم صار يتحرى المختفين داخل المدينة وخارجها حتى أنه اتهم من كان لم يرض بحدوث هذا الأمر فأوقع بهم مع أنهم كانوا أبرياء.

وعلى كل تركت البقية الباقية ديارها وأسرعت بالهزيمة إلى بلاد العجم فعاشت في غربة أو هلكت في طريق هذا التشتت وتبعثرت أحوالها ... صار القوم يشتبهون من كل واحد من الأهلين فلم يأمنوا على حياتهم ، يخشون الغوائل ويتوقعون الاخطار فكان الاضطراب مستوليا على بغداد ...

ذلك ما دعا أن ترسل الحكومة لتحقيق الأمر كلّا من الوزير محمد باشا جاووش زاده أمير أمراء ديار بكر والوزير أحمد باشا الطيار وجعفر باشا فكل هؤلاء مع جيوشهم في هذه الايالات أرسلوا لمحافظة بغداد ... (١) فكان لهم الأثر الكبير.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٢ ـ ٢.

٤٤

هدية الشاه :

وفي هذا التاريخ قدم شاه العجم فيلين يضاهي كل واحد منهما الجبل في عظمته! مع هدايا أخرى أرسلها إلى السلطان صحبه سفيره (محمد قولي خان) السفير السابق. مر بها من بغداد ، فذهب إلى استنبول (١).

عزل الوالي وقتله :

ورد الفرمان بعزل الوزير. وكان من مرافقي السلطان السابق. ذهب إلى استنبول. ولما كان تعديه في بغداد وظلمه للأهلين تجاوز الحد صدر الفرمان بقتله حين وصوله فقتل في (يدي قله).

كان موسى باشا في زمن السلطان إبراهيم أمير سلاح (سلحدار) فعهد إليه بمنصب روم ايلي ثم صار والي بغداد فقتل في هذه السنة (٢).

أوضح نعيما عن تعدياته. وسبب قتله فقال ما ملخصه إنه كان أمين العاصمة زمن السلطان إبراهيم فاكتسب الشهرة بانتسابه إلى شكر پاره. فنال آغوية الينگچرية برتبة وزارة ، ثم صار دفتريا. وبعد ذلك حصل على القيودانية ثم عزل. وبعد قتل صالح باشا أرسل إلى بغداد فاكتسب شهرة وشأنا ونال مكانة وظهورا. وحينئذ مال إلى الحصول على ختم الوزارة وصار لا يفكر في غيره.

وعلى هذا بذل ما في وسعه لجمع المال. جار في أمر ادخاره وأبدى وقاحة. فقتل في بغداد ما يربو على المائتين من المتمولين بتهم مختلفة فانتهب أموالهم ...

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٢ ـ ٢.

(٢) تاريخ نعيما ج ٤ ص ٣٨٣.

٤٥

وهذا بلغ حد التواتر عنه. قسا على أخي الخواجة حسب الله الشابندر الايراني صديق (آغا بغداد) آنئذ مراد آغا. ورجا منه الأهلون وعرفوه أنه من أعز أحباب (مراد آغا) الذي صار وزيرا فقتله واستولى على أمواله الوافرة.

ثم إنه جعل يرنججي (١) زاده (آغا الينگچرية) الذي صار كتخداه ، في مكان مراد آغا. فترك مراد آغا بعض الأموال وذهب إلى گريد بمنصب قبطان قپودان باشا ومن جراء ذلك تولدت نفرة بين مراد آغا والوزير. وقد عثر على كتابات منه بخط يده اطلع بها على نياته وأنه كان يحلم بالصدارة واتخذ الوسائل المالية تمهيدا للحصول على هذا المنصب ... مما دعا إلى اسقاطه فعزل من بغداد.

ولما ورد استنبول شاع عنه أنه قدم هدايا وأموالا للتوسط في الأمر المذكور كما وقعت الشكاوى من حسب الله الشابندر فأمر السلطان بقتله. ولا ننسى أنه تغلب عليه الينگچرية (٢).

كانت ولايته ابتدأت في ٢ ذي القعدة سنة ١٠٥٧ ه‍ ودامت إلى ٢١ ذي الحجة سنة ١٠٥٨ ه‍ (٣).

وزارة ملك أحمد باشا :

إن هذا الوزير حليم الطبع والسيرة والكلام الطيب. ويعرف ب (ملك أحمد باشا). نال منصب بغداد. وكان والي ديار بكر. جاء بغداد (٤). وفي رحلة اوليا چلبي مباحث واسعة عنه (٥).

__________________

(١) في تاريخ الغرابي (آلتنجي).

(٢) تاريخ نعيما ج ٤ ص ٤٣٠.

(٣) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ١.

(٤) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ١.

(٥) رحلة أوليا جلبي ج ٤ في صفحات عديدة.

٤٦

حوادث سنة ١٠٥٩ ه‍ ـ ١٦٤٩ م

أيام الوزير في بغداد :

كان سلوكه مع الناس مقبولا وحسنا جدا حتى أنه في زمنه سقط جدار على عامل فقير فتوفي ولما علم بذلك الوزير قال : مات شهيدا. لأن وفاته كانت في طريق الكسب والكاسب حبيب الله ، فحضر الجامع بنفسه وصلى عليه مع سائر الناس صلاة الجنازة. ذكر صاحب گلشن خلفا أنه شاهد ذلك بأم عينه. كان يتفطر قلبه أسى على الفقراء والضعفاء. لا يرضى بالظلم ويجتنب ما استطاعه من الانحراف عن العدل إلا أنه كان صافي القلب ، لا يستطيع أن يدرك النتائج للمقدمات وما تنجر إليه حوادث الأمور نظرا لبساطته (١). ولعل للينگچرية دخلا في غل يده.

كاتب الديوان :

كاتب الديوان في أيامه محمد أفندي. وكان عارفا بالقوانين العثمانية وهو منشىء ، وكاتب قدير (٢).

عزل الوزير :

بدأت حكومته من ٢٢ ذي الحجة سنة ١٠٥٨ ه‍ ودامت إلى ٢٠ ذي الحجة سنة ١٠٥٩ ه‍ (٣) وفي نعيما أنه عزل في المحرم سنة ١٠٦٠ ه‍.

وملك أحمد باشا من الابازة ابن پروانه القبودان من أمراء البحرية. فدخل السراي في غلطة ، ثم في السراي الجديد إلى أن ولي

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ١.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ٢.

(٣) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ٢.

٤٧

منصب (سلحدار). وفي فتح بغداد نال الوزارة ومنح منصب ديار بكر ، ومنها عين لمحافظة الموصل وهكذا تقلب في مناصب أخرى فصار واليا ببغداد بالوجه المذكور. ثم صار وزيرا أعظم في ١٠ شعبان سنة ١٠٦٠ ه‍ ثم صار في مناصب أخرى وفي سنة ١٠٧٠ ه‍ أحيل على التقاعد وفي ١٧ المحرم سنة ١٠٧٣ ه‍ توفي وكان حليما سليما ذا دين وصلاح حال وزهد وتقوى. بلغ الستين من العمر. وله استقامة في أعماله (١).

الوزير ارسلان باشا :

هو ابن نوغاي باشا (٢). شجاع وحيد بين أقرانه ، يخترق الصفوف بقلب غير هياب ولا وجل ، ذو شهامة وكياسة عقل ، يتيقظ للأمر وينتبه ... ويحكى عنه وقائع كثيرة تدل على فروسيته وعقله. وله خدمات جلّى في الثغور.

دجلة :

زادت وكادت تغرق بغداد. جاء الماء على حين غرة فأحاط بها.

حوادث سنة ١٠٦٠ ه‍ ـ ١٦٥٠ م

جاء في گلشن خلفا أن هذا الوزير في أيام حكومته عاش أهل المدينة وقطّان البوادي براحة وطمأنينة وسلامة من الغوائل. وفي نعيما (٣) : إن آغا بغداد كان مصطفى آغا ال (طوبخانه لي) وكان منسوبا إلى الوزير الأعظم فعزله. وكان متنفذا حصر كل الأمور بيده فهو صاحب الحل والعقد ... ومن ثم أرسل إلى بغداد الياس آغا الخاصكي.

__________________

(١) تاريخ السلحدار ج ١ ص ٢٥٨ بتلخيص.

(٢) رحلة اوليا جلبي ج ٣ ص ٢٥٥. وكلشن خلفا.

(٣) تاريخ نعيما ج ٥ ص ٣.

٤٨

وفي هذه الأيام ذهبت جماعة من الينگچرية إلى استنبول يشكون آغا بغداد (مصطفى آغا) فأعيدوا وفي الحقيقة سمعت شكواهم. والغرض تقريب مصطفى آغا وكان قتل في بغداد جماعة من الينگچرية ورماهم في دجلة.

وكذا أرسل قاضي بغداد كتابا يشكو فيه من عدم اصغاء الأهلين إلى الأوامر والفرامين ويبدي اضطرابه وتألمه من هذه الحالة.

توفي والي بغداد فدفن في غرفة المحقق الجيلي (لعله الشيخ عبد الكريم الجيلي) ولم يحدث في أيامه من الوقائع ما يستحق البيان.

كانت حكومته من ٢١ ذي القعدة سنة ١٠٥٩ ه‍ إلى أواسط سنة ١٠٦٠ ه‍.

ولما وصل خبر وفاته إلى استنبول أرسل متسلم إلى بغداد ولم يصل إليها الخبر ولا أتى المتسلم إلا بعد نحو شهرين أو ثلاثة من تاريخ وفاته (١).

ولاية بغداد :

وفي نعيما كلّف كتخدا الوزير الأعظم في قبولها برتبة الوزارة فلم يقبل ومنحت إلى ملك أحمد باشا. ولما كان حديث العهد بالزواج لم يرض السلطان بإرساله لتزوجه (قيا سلطان) وطلبت هذه الخاتون من أبيها أن يبقيه أو يطلقها منه.

ولم تمض إلا بضعة أيام حتى استعفى الوزير بتضييق من الكتخدا وحاشيته وأعوانه من طائفة الينگچرية. ولكنه نصح السلطان أن يودع الوزارة العظمى إلى أحد من الينگچرية وإلا فعلى الدولة السلام. وحينئذ التأم الديوان وقرر ايداع ختم الوزارة إلى ملك أحمد باشا سوى أنه

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ٢.

٤٩

اشترط أن لا يتدخل في أعماله أحد من الينگچرية فوافق السلطان على هذا الشرط وأطلق يده ظاهرا. ولم تمض مدة إلا وقد غلت يده كسلفه.

وحينئذ بقيت بغداد شاغرة (١).

حوادث سنة ١٠٦١ ه‍ ـ ١٦٥٠ م

حكومة الوزير حسين باشا :

وهذا كان كريما ، هينا لينا ، يلاطف الصغير والكبير. وهو شاب في مقتبل العمر. عاش في بلاط السلطان مراد. ولما ورد بغداد بسط فيها بساط الحلم والشفقة ورفع الارجاس عن المدينة والشدة المألوفة فيها فصرف جهوده لجلب القلوب بالإحسان والأنعام.

وكان يعتكف في الجامع كل ليلة جمعة ويؤدي فريضة صلاة الجمعة في الجامع ويكرم الإمام والخطيب والفقراء بما تيسر له من احسان ذهبا وفضة. فاستعبد الناس بخيراته وأحبوه حبا جما.

ولم تطل أيام حكومته بل وافاه الأجل المحتوم فأسف الكثير على فقده فدفن بجوار الشيخ عبد القادر الجيلي. حزنوا عليه وسكبوا الدموع الغزيرة على فقده. إلى أن قال صاحب گلشن خلفا : كانت أيامه أشبه بالحلم ، مضت بهدوء وسكينة بلا تغلب واضطراب فلم يحدث في أيامه من الوقائع ما يكدر الخواطر (٢). وكان في أيامه آغا بغداد الياس آغا.

هذا الوالي كانت قد بدأت حكومته في ٥ من شهر رمضان سنة ١٠٦٠ ه‍ ودامت إلى أواسط سنة ١٠٦١ ه‍ (٣).

__________________

(١) نعيما ج ٥ ص ١٩.

(٢) كلشن خلفا ص ٨٣ ـ ٢.

(٣) كلشن خلفا ص ٨٤ ـ ١.

٥٠

جاءت حوادثه في سنة ١٠٦١ ه‍ والظاهر أنه لم يصل إلى بغداد إلا في هذه السنة وليس في النصوص ما يكشف عن تاريخ وروده بغداد.

ولما وصل إلى استنبول خبر وفاته أرسلت إلى بغداد متسلما جديدا فمضت عليه مدة شهرين.

الوزير قره مصطفى باشا :

إن هذا الوزير نشأ في البلاط. ونال رتبة سلحدار. ثم جاءته الوزارة فورد بغداد. وعامل الناس على اختلاف طبقاتهم بحسن المعاملة ولطف المجاملة. وكان صبيح الوجه فصيح الكلام ، حليم الطبع ، نافذ الأحكام. لم يكن يعرف الكبر والغرور بل كان يراعي الناس على اختلاف مراتبهم بتواضع فهو هيّن لين.

واقعة داسني ميرزا :

هو من أمراء الأكراد الداسنية (١) ويعرف ب (مرداسني) والعشيرة المعروفة بالداسنية في أنحاء الموصل (من اليزيدية) (مير داسني) من سلالة الأمراء كان شجاعا باسلا ، وفي سنة (فتح بغداد) قام بخدمات مهمة وبسالة فائقة ففي سبعة أفراد من رجاله قتل مئات من القزلباشية فمنح (ايالة الموصل) في صدارة مراد باشا (قبل أن يتولى الوزير الأعظم ملك باشا) فنال لقب (ميرزا باشا) ، ثم عزل ، فلم ينل بعدها منصبا وبقي في استانبول مدة ، فلم يحصل على غرضه ، نالته مشقة واصابته فاقة. وفي شعبان سنة ١٠٦١ ه‍ يئس من حالته فعبر هو وجماعته البوسفور (المضيق) إلى الاناضول وعاثوا بالأمن ، فتعقبوهم ، وقتلوا أصحابه

__________________

(١) نسبة إلى داسن جبل في شمالي الموصل من جانب دجلة الشرقي فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لها (الداسنية). ذكره في معجم البلدان. ولم تكن نسبة إلى عقيدة. ثم اطلق على (اليزيدية) فقيل لهم (الداسنية).

٥١

وقبضوا عليه فقتل أيضا (١).

هذا والملحوظ أن صدارة مراد باشا كانت في سنة ١٠٥٩ ه‍ في جمادى الأولى. وعزل في سنة ١٠٦٥ ه‍ في شعبان منها. فكانت ولاية الداسني خلال المدة بين سنة ١٠٥٩ ه‍ وسنة ١٠٦١ ه‍ وفي عمدة البيان أن ولايته كانت سنة ١٠٦٠ ه‍ وفي كتابنا تاريخ اليزيدية تفصيل.

حوادث سنة ١٠٦٢ ه‍ ـ ١٦٥١ م

علي باشا افراسياب :

في هذه السنة توفي والي البصرة علي باشا أفراسياب ومن حين وفاة والده تولى شؤون البصرة ونظر في إدارتها. وكان جلّ ما قام به أن حافظ على البصرة أيام الحروب مع العجم فتمكن من حراستها. ولما ورد السلطان مراد الرابع بغداد وافتتحها أقره في ولايته ... وكانت قد حصلت منه مساعدات للجيوش التركية بكل ما استطاع.

وفي أيامه راجت سوق العلوم والآداب ، واشتهر شعراء عديدون. مثل عبد علي الحويزي وسوف نوضح عنهم. ولما توفي خلفه ابنه حسين باشا في ولاية البصرة (٢).

تزوير ولاية الموصل :

توفي والي الموصل ، فوجهت الايالة إلى محمد باشا الدباغ ، فبعث بمتسلمه فرأى محمد بن عثمان جاووش. وهذا كان أمير لواء پياس التابع لحلب ثم عزل. وطلب أن يكون واليا على البصرة بمكان علي باشا أفراسياب فلم يمكنه الوزير الأعظم گورچي باشا من ذلك

__________________

(١) تاريخ نعيما ج ٥ ص ٩٢ وفذلكة كاتب جلبي ج ٢ ص ٣٧٣.

(٢) سجل عثماني ج ٢ ص ١٩٥ وج ٣ ص ٥١٣.

٥٢

فزوّر منشورا في الموصل فوردها وضبطها. وقال إن هذا المنصب صار عليّ بمبلغ اثني عشر ألف قرش. وبدأ في تحصيل أربعة آلاف قرش. ثم عرض على استنبول أنه وجد الموصل خالية فضبطها وأنه يقبلها بمبلغ اثني عشر ألف قرش قال : والآن قدمت أربعة آلاف وما بقي فمهتم بتحصيله. غضب گورچي باشا واستغرب من مثل هذه البيانات الغريبة من هذا الرجل وأمر بلزوم إحضاره.

ومن الجهة الأخرى إن متسلّم محمد باشا الدباغ وصل إليها فوجده مشغولا بجمع الأموال ، وإنه منتظر الأمر بخصوص ما كتب ومن ثم أبرز الفرمان وضبط المدينة ثم ذهب إلى ذلك الرجل وكان نصب خيامه خارج المدينة بأمل مطالبته بالأموال التي استوفاها من أهل الموصل. وحينئذ ضرب المتسلّم بغدارته (١) في ذراعه وركب مع اتباعه وذهب إلى أنحاء البصرة بخفارة بعض الشيوخ. ومن ثم وصل إلى البصرة فنجا (٢).

حوادث سنة ١٠٦٣ ه‍ ـ ١٦٥٢ م

حفر نهر السيب :

في هذه السنة كان النهر الواقع بين دجلة والفرات المسمى (نهر السيب) قد اندثر من مدة طويلة. وفي هذه الأيام قام محمد وعمر وعثمان من الينگچرية في بغداد بحفر هذا النهر فحفروه مجددا بهمة لا مزيد عليها وجمعوا الناس لزرعه. وغرس البساتين فيه فصار يعطي من الخراج لبيت المال ألفي طغار (تغار) من الحنطة والشعير وهذا هو عشر المحاصيل (٣).

__________________

(١) الغدارة أشبه بالسيف ذات حدين وإنها غير منحنية.

(٢) تاريخ نعيما ج ٥ ص ١٩٤.

(٣) كلشن خلفا ص ٨٤ ـ ١.

٥٣

عزل الوالي :

لا تذكر عنه وقائع مهمة في هذه الأيام سوى أنه كان ولي بغداد ثلاث مرات وسيمر بنا الايضاح عنها في حينها. وفي هذه المرة عزل وخرج من بغداد في ١٣ شوال سنة ١٠٦٣ ه‍ وكان أول حكومته في ٢٢ من شهر رمضان سنة ١٠٦١ ه‍ (١).

الوزير مرتضى باشا :

هذا الوزير خلف سابقه. وكان ممن عاش في البلاط. ثم صار برتبة سلحدار وولي الشام والروم. ومنها صار واليا على بغداد. لا يبالي من عمل سوء وغضب في طبعه. إلا أنه كان موافقا للعوام في طباعهم ، جالبا لحبهم حتى أنه ليس له في دار حكومته حاجب يمنع المراجعين أو يوصد الباب في وجوههم بل ترى بابه مفتوحا في كل وقت لمن يتطلب العدل لحد أنه كان نائما يوما للاستراحة وقد انفض عنه خدمه فدخل عليه بعض أصحاب الشكوى فأيقظه وقدم إليه عريضة. فلم يجد من يأتيه بالقلم فطلب من صاحب الشكوى أن يأتي بمحبرته فكتب أمرا قطعيا ، نافذا للحال فجبر خاطر صاحب المظلمة.

ومن خصائله أنه كان يقرأ المولد الشريف كل سنة فيطعم ويقدم الشراب للحضار.

ومن المؤسف أنه كان يميل إلى الإفراط في معاشرة النساء. راجت الفحشاء في زمنه. فكان مجلسه ملوثا بتصاوير أمثال هذه الفواحش. ومع كل هذا كان وحيدا في الفروسية ، شجاعا ، فأذعن العابثون بالأمن لحكمه ولم يتمكن أحد منهم أن يعصي فصار الداخل والخارج زمن حكومته في حراسة تامة وأمن فاشتهر في الانحاء.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٤ ـ ١.

٥٤

ومما يعزى إليه أنه كان يجترىء في تحميل الفقراء تكاليف لا يطيقونها فكان أمن المملكة مشوبا بالقسوة والظلم ... فكانت أطواره بين شدة وغضب وقبول عذر وهكذا ظهرت في حكمه أنواع التقلبات (١).

حوادث سنة ١٠٦٤ ه‍ ـ ١٦٥٣ م

واقعة مفاجئة :

ومما يذكر لهذا الوالي أنه خرجت طائفة من الجيش عن دائرة الأدب فتجمعت في ليلة. ولما سمع بالخبر ذهب على حين غرة راكبا فرسه وهاجمهم ففرق جمعهم ونكل بهم. ففي ٢٧ شهر رمضان قتل منهم محمود آغا الرئيس الأول لاتهامه في هذه القضية.

حسين باشا آل افراسياب :

في هذه الأيام وردت رسائل من أحمد بك وفتحي بك عمي أمير البصرة حسين باشا أفراسياب ومن أمير الأحساء محمد باشا يشكون فيها من أمير البصرة حسين باشا جاء بها (قاصد) على عجل. ومفاد هذه الشكوى أن أعمام أمير البصرة أصابهم منه حيف واعتداء. حكوا ما جرى عليهم. كان في أيديهم لواء أو لواءان فجاؤوا البصرة لبعض الشؤون فبادر بالتوجيه إليهم وأكرمهم إلا أنه صار يتخذ الوسائل للقضاء عليهم واغتيالهم. ولما لم ير هؤلاء طريقا للنجاة ركنوا إلى من تحزب لهم وقاموا في وجهه وسلّوا سيف العدوان عليه ، واستعدوا لمناضلته إلا أنهم رأوا أن لا طريق للخلاص من هذه الورطة وبتوسط المصلحين اكتفى بنفيهم إلى الهند. ولما وصلوا إلى سواحل الأحساء ، وجدوا فرصة ففروا هاربين إلى أمير الأحساء. ومن ثم عجلوا بالالتجاء إلى الدولة.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٤ ـ ١.

٥٥

جاء في تاريخ السلحدار ذكر هذه الواقعة في حوادث سنة ١٠٦٥ ه‍ والظاهر أن ذلك كان مبنيا على تاريخ وصول الخبر والصواب أن ذلك كان أيام الوزير مرتضى باشا لا مصطفى باشا (١). كتب ما كتب بعد أن تمت الواقعة وانتهى أمرها. وبين أن الخلاف كان بين المذكورين والمشايخ والأهلين من جهة ، وبين حسين آل أفراسياب من الجهة الأخرى. ويقصد بالمشايخ (آل باش أعيان) (٢).

ثم إن أتباع هؤلاء ركبوا السفن ومضوا بها إلى مأمنهم في الهند. وفي هذا الحين لا تزال الاحساء بيد واليها محمد باشا. فركن إليه احمد بك ويحيى بك ونزلوا عنده ضيوفا. وهذا أنهى واقع أحوالهم إلى الدولة بكتاب قدمه إلى وزير بغداد مع رسول فلما وافت الكتب أمر أن يأتوا إليه دون تأخر وعرض القضية على دولته فاغتنمت هذا الخلاف وسيلة للتدخل بإدارة البصرة ... وحينئذ أرسلهم حاكم الاحساء بكتاب و(قاصد) إلى بغداد على وجه العجلة كما رغب الوزير فوصلوا إليها في أيام قليلة.

أما الوزير فإنه حينما رأى هؤلاء وما تعهدوا به له ولخزانة الدولة أسرع في الأمر ولم يتدبر العواقب بروية فجمع العساكر وتدارك المؤونة الحربية (العتاد) والمدافع وجعل كتخداه رمضان آغا سردارا وبعث به وأن يكون هؤلاء بصحبته فتوجهوا نحو البصرة.

ثم تبعهم الوالي ومعه العساكر فطوى المسافات حتى ورد العرجاء (العرجة). وحينئذ ولد الخبر في البصرة اضطرابا. ومنها وصل إلى (الشالوشية) و(العقارة) فدخلتهما الجنود ...

__________________

(١) تاريخ السلحدار ج ١ ص ١٦.

(٢) من الأسرات المعروفة في البصرة.

٥٦

أما البصرة فقد انقادت قراها وعشائرها وجندها للحكومة بسبب حبهم واخلاصهم لأحمد بك وبأمل أن ينالوا قسطهم من الاختصاص به في الإدارة المدنية. ولذا عدّوا سدّ الطريق في وجههم اساءة محضة فأذعنوا بالطاعة والانقياد واتخذت العساكر نخيل الجزائر مضربا لخيامهم.

وهكذا استولى الباشا على البصرة بلا تعب ولا عناء. وأول ما توجه إلى القرنة أخذها بسهولة فوضع فيها محافظين. وكانت تعد مفتاح البصرة المتين. ومن جهة أخرى إن خبر هذا الزحف أحدث خوفا عظيما وارتباكا في حالة حسين باشا وسبب له اضطرابا زائدا فلم يجسر على المقاومة بل فرّ إلى حدود العجم.

ثم دخلها بلا عناء. واستقبل بأبهة واحتفال لا مزيد عليهما.

أما أحمد بك فإنه نال ولاية البصرة وفرح بها بعد أن ناله ما ناله من وبال وإن الأشراف والأعيان قاموا بما يقتضي لتوقير الوزير وإكرامه فاهتموا في جمع هدية نقدية له تليق به وبينا هم في مداولة هذا الأمر إذ غلب على الوزير الطمع ومال إلى الغدر وأول عمل قام به أن استولى على أموال حسين باشا ووالده وأموال أولادهم وأحفادهم. ولم تكفه هذه بل مدّ يده إلى أموال أغنياء البصرة ومتموليهم في (القبان) مما لم تصل إليها الأيدي أو كانت بعيدة المنال عنه أمر بجلبها وبعث أحمد بك وفتحي بك مع مقدار من (السكبان) وبعض الآغوات من أعوانه فذهبوا إلى (القبان). وصوبوا المدافع إلى جهة السراي فأوقعوا الخوف والرعب في القلوب وأعملوا السيف في أشراف البلد. سوّل بعض الأشرار للوالي سوء عمله هذا. وحينئذ وقع كثير من القتلى بنيران المدافع والبنادق ...

وأيضا كان قصد هذا الوالي أن يستولي على البصرة ويقطع دابر

٥٧

٥٨

هؤلاء لتكون تابعة لدولته ولكنه خذل في هذا المسعى ، فوجّه اللوم عليه من جراء عدم نجاحه ، وذلك أنه حينما أرسل أحمد بك وفتحي بك كان قد أمر من معهما أن يقتلوهما فامتثلوا أمره وأوردوهما حتفهما. ثم أحضروا رأسيهما إلى البصرة. علم الناس بما وقع وما جرى من أفعال فلم يبق من لم يتألم وحينئذ علموا أن الغرض المقصود لم يكن نصرة الموما إليهما وإنما كان النهب والسلب والاستيلاء على المملكة للوقيعة بأهليها ... فسل الجميع سيوفهم للانتقام من هذا الوالي والنفرة من أعماله الشائنة. ثار الأهلون جميعا وقاموا على قدم وساق ، وبادروا للعمل على إمحاء الروم ومحاربتهم من جراء فعلاتهم هذه وغدرهم.

ومن ثم شرعوا في مناوشة المحافظين في القرنة فورد الخبر إلى الوزير فارتبك للحادث فسير السفن لامدادهم ومعهم جماعة من الرماة بالبنادق فاجتازوا المهالك كما بعث بثلاثة آلاف أو أربعة من ناحية البر وهؤلاء من جند بغداد من (السكبان) وهم خيالة.

تحاربوا في محل تجاه القرنة يقال له الشرش «وقعت معركة دامية بين الفريقين دامت بضع ساعات كان لها وقع كبير في النفوس. وفي هذه الحرب أبدى كل من الطرفين بسالة لا توصف. فكانت النتيجة أن انتصر العرب على (الروم). فتغيرت قدرتهم إلى خذلان ذريع وولوا الأدبار.

وأن السفن أيضا أصابها قرب ساحل الدير ما أصاب الجيش فلم تتمكن من الوصول إلى القرنة. فدمرها الثائرون ولم تبق إلا شرذمة قليلة في القرنة مقهورة. ولكنها ثبتت في دفاعها.

كان جيش بغداد قد تألم من الوزير لما جرى. فتركوه والبصرة وعادوا إلى بغداد. وحينئذ ندم الوزير على ما بدر منه فترك جميع ما كان أحرزه من الأموال والنفائس وفرّ بنفسه فوصل إلى جيش بغداد في

٥٩

العرجاء (العرجة). وهذه الطائفة من الجيش حينما وصل إليها فرّ بعض رجالها من وجهه لما رأوا أنه يخشى أن يعاقبهم بما بدا منهم من تقصير ، وأنهم محل التهمة فتفرقوا وانهزم أكابرهم ، لما علموا أن سوف ينتقم منهم (١).

وفي تاريخ السلحدار بين أن الجيش فرّ من الوزير وذهب إلى بغداد قبله ولم يدعه يدخل المدينة فاضطر إلى مقابلته ، واحتمى بجانب الكرخ (قلعة الطيور) ووصلت الأخبار إلى استنبول فعلم السلطان بذلك فعزله (٢).

وهذا الحادث صار سبب حصول حسين باشا على مرغوبه وعودته إلى مملكته لقلة تدبيره ونظره في العواقب عاد حسين باشا إلى محل ولايته وقام بشؤون الإدارة وعلى كل أراد الوزير أن يستفيد من الخلاف الأول فساء رأيه وخسر مكانته (٣).

وجاء في تاريخ الغرابي :

«وفي سنة ١٠٦٤ ه‍ سافر مرتضى باشا والي بغداد وصحب معه فتحي بك وأحمد آغا أولاد سياب باشا (أفراسياب) لأخذ البصرة من يد حسين باشا بن علي باشا وتسليمها إلى عمه أحمد آغا. فلما وصلوا إلى البصرة ورأى حسين باشا أهلها يريدون أحمد آغا خرج منها ودخلها مرتضى باشا والعسكر وقعدوا فيها ثلاثة عشر يوما فسوّل له بعض الرؤساء أن يقتل فتحي بك وأحمد آغا ويقيم في البصرة ، فقتلهما فسمع الرعايا بتلك الأطراف ، فقاموا عليه فهرب مرتضى باشا وقتل جانب من العسكر ، فأرسل الأهلون إلى حسين باشا بهذا الخبر وطلبوا أن يعود

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٨٦ ـ ١.

(٢) تاريخ السلحدار ج ١ ص ١٧.

(٣) كلشن خلفا ص ٨٤ ـ ١ ، وتاريخ نعيما ج ٦ ص ١١٢.

٦٠