موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٥

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٠٨

اثنين من مشاهيرهم فكان لهذه الوقعة تأثيرها. كان في هذا غزو ونهب أو مقابلة عمل بمثله (١).

آل حميد وشيخهم :

كان شيخ الحميد (سعد الصعب) في الرماحية. والعشائر هناك منقادة له. ويعرف بالدهاء. امتد نفوذه إلى الحلة والبصرة. وكان معتصمه الشيخ سلمان الخزعلي. أقام في الحسكة. وفي هذه الوقعة هاجمه الجيش ليلا حينما رأى منه تأهبا فامحى أكثر قومه وغنمت العساكر أموالهم لا سيما أغنامهم فسيقت إلى بغداد.

ولما وصل الوزير إلى قرب الرماحية أرسل الشيخ شبيبا بألفي فارس إلى هور نجم فانتصر على من هناك ...

وهكذا نكّل بسائر العشائر وأثرت هذه الوقيعة أكثر.

ولما أتم الوزير أعماله عاد لزيارة الإمام علي (رض) ومنها جاء إلى بغداد فاستقبله النقيب والعلماء والمفتي والموالي وسائر الأعيان وهنّأوه بالنصر (٢) ...

حوادث سنة ١١١٩ ه‍ ـ ١٧٠٧ م

عشائر زبيد :

وكان من جملة من ثار على الوزير عشائر زبيد ، وفيهم الجحيش ، والسعيد ، والمعامرة. وآل خالد ، وكذا عشائر الدليم وآل نوفل ، وآل حسين. وهم برئاسة شيخ شيوخهم (عبد القادر) ، مضت لهم وقائع تغلبوا فيها (٣).

__________________

(١) قويم الفرج وحديقة الزوراء.

(٢) حديقة الزوراء وقويم الفرج.

(٣) كلشن خلفا ص ١٢٥ ـ ٢.

٢٠١

وفي هذه السنة جاهروا بالعصيان ، صاروا ينتهبون المارة ويقطعون السبل. تكاثرت الاراجيف عنهم من كل صوب وزاد الخوف منهم. فأنذرهم الوزير وفي الوقت نفسه طلب المدد من أنحاء مختلفة.

رأى أن النصح غير مجد ، وأنهم لم يذعنوا. وصلت إليه الجيوش من أنحاء شهرزور والموصل فتقدم بهم إلى حد المحاويل.

وحينئذ مال العربان إلى الخديعة فجاءه كثير من رؤسائهم والسيوف برقابهم ، صاروا يتذللون وطلبوا أن لا يؤاخذهم بما جنوا ، وأن يعفو عما سلف. وبينوا أنهم طوع أمره يؤدون ما يجب عليهم من ضرائب.

أراد الوزير أن يختبر صدق نياتهم فطلب منهم بعض المفسدين وأن يأتوه بهم فرضوا وقالوا سمعا وطاعة. ولكنهم لما ذهبوا إليهم عادوا إلى سيرتهم الأولى فكان ذلك نقضا للعهد ...

وعلى هذا مشى عليهم وكانت عدتهم كافية وعددهم كبيرا يقدر بمائة ألف أو يزيد. فكانوا متأهبين للنضال فهاجمهم بجميع قوته فتلاقى الفريقان ولم تستمر المحاربة أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات حتى نكسوا الأعلام هاربين من ساحة الوغى ... فطلبوا الأمان ولكن الجيوش اغتنمت جميع أموالهم وأسرت الكثير من عائلاتهم وصغارهم ثم عفا الوزير عن الأهل والعيال. ورجع ظافرا.

ومما ينقل صاحب الحديقة عن والده الشيخ عبد الله السويدي أن شاويا جد آل شاوي الحميري (١). قال :

«إننا كنا مع المرحوم حسن باشا والي بغداد أربعة أشخاص في غزو قبيلة زبيد سائرين أمام الجيش. وبينما نحن نتجاذب الحديث ، وقد بعدنا عن الجيش لدرجة أننا صرنا لا نراهم إذ صعدنا على كثب وعند ذاك شاهدنا مقدمة الأعداء وكانت الساقة خلفها أيضا فألويت عنان

__________________

(١) رئيس عشيرة العبيد من عشائر زبيد.

٢٠٢

فرسي إلى الوراء فمنعني الوالي وزجرني ، وفي الحال هاجمنا العدو فظن هؤلاء بل اعتقدوا أن الجيش وراءنا فدمرنا الكثير من فرسانهم وشتتنا جمعهم وهزمناهم عنا.

ولما رأى أصل جيشهم هزيمتهم هذه أصابهم الارتباك وقبل أن يلتئم شملهم وافاهم جيشنا ولم يمكنهم. وفرقهم وأوقع بهم وقيعته في طرفة عين.

ثم إن الوزير وقف هنيهة وأوصاني بهذه الوصية وأكد لي أن لا أنساها وهي أن العدو حينما يراك لا تتأخر عن مهاجمته ولا تبين له تراخيا أو اهمالا فيظن فيك ضعفا بل عاجله بالهجوم وإلا طمع فيه ويخشى حينئذ عليك منه ...» اه (١).

وبهذه الحالة انتصر على عشائر زبيد بعد أن كانت أعجزت الولاة مرارا. وحينئذ أسكن الوزير العشائر المطيعة من مسعود وشمر طوگة وأعاد إليها السكينة. ثم عاد إلى بغداد.

استعان بالعشائر مثل العبيد وبعشائر الكرد. وكان هذا شأن من بعده ، ويستخدمون جيوش الألوية الأخرى للوقيعة والتنكيل. وفي هذه المرة أيضا استقبله العلماء والأعيان. أرادوا ارضاءه بأمثال هذه الاحتفالات (٢) ...

حوادث سنة ١١٢٠ ه‍ ـ ١٧٠٨ م

غوائل البصرة :

بعد أن تمكن الوزير من اخضاع العشائر التي تعوقه في طريق البصرة عزم على السفر إلى البصرة.

__________________

(١) حديقة الزوراء ومجلة لغة العرب ج ٩ ص ٣٩ وما بعدها.

(٢) الحديقة وقويم الفرج بعد الشدة وكلشن خلفا ص ١٢٥ ـ ٢ والتفصيل عن زبيد في عشائر العراق ج ٣.

٢٠٣

فأخبر الدولة بعزمه هذا فاهتمت للأمر وقررت لزوم القضاء على غائلتها ، وأخذ في تجهيز الجيوش.

ومن جملة من وافى إليه للقيام بالمهمة محافظ كركوك يوسف باشا ووالي آمد (ديار بكر) رجب باشا ووالي كوتاهية حسن باشا (١) من سلحدارية السلطان. ثم ورد إليه الفرمان بولاية البصرة في ذي القعدة سنة ١١٢٠ ه‍ وجاء والي الموصل شهسوار زاده ومعه طوغان. ومن هؤلاء يوسف باشا صار بمرتبة قائممقام. ناب عن الوزير.

وفي غرة رجب سنة ١١٢٠ ه‍ خرج الوزير وبقي مدة أسبوع زار خلالها بعض مراقد الصلحاء مثل الإمام معروف الكرخي واستكمل العدة فرحل عن بغداد يوم الاثنين ٧ من الشهر المذكور.

ثم وصل إلى شرقي الحلة وقضى هناك بضعة أيام. وفي ٢٢ منه تحرك منها. فوصل إلى السماوة فبدت غرة شعبان (٢).

ثم مضى إلى مواطن المنتفق ، فورد يوم ٦ منه (خطر الزور). وهناك علم ببعض الثوار وحينئذ عهد بالقيادة إلى الكتخدا بألفي فارس لتعقيب أثرهم ، وأرسل مائة أخرى بالقرب منهم للترصد من الجوانب وكان منزلهم (عين الذهب) فنال الكتخدا أربه فوصل إلى جمع الاعراب فظفر بهم وسيطر على تلك الانحاء.

وفي ١٤ منه وصل إلى (أم التمن) (٣) فحلها الجيش. وكان هناك

__________________

(١) شركسي ، تخرج من البلاط ونال مناصب عديدة. وتوفي في ١٦ رجب سنة ١١٢٣ ه‍. (سجل عثماني ج ٢ ص ١١٦).

(٢) في كلشن خلفا والحديقة لا يعدد المنازل وإنما يذكر وصوله إلى (قرية العرجة).

استراح بها ومضى ... وفي الحديقة ذكر (قلعة العرجاء).

(٣) مقاطعة في الجانب الشرقي من الغراف بقرب صدر البدعة عن الأستاذ يعقوب سركيس.

٢٠٤

٢٠٥

بعض المنتفق فضربهم وفرق شملهم ، فاستولى على غنائم وافرة. وحينئذ نال الكتخدا رضا الوزير ، وهكذا قطعوا المسافات والطرق بتأنّ. واعترضتهم صعوبات بسبب وعورة المسالك ...

وفي ٢٢ منه وصل إلى ضواحي البصرة. وكان الثوار متجمعين في الشرش فمر الوزير من وسط هذا المنزل فاتخذت الجيوش (نهر عنتر) موطنا لها. أما الثوار فاحتشدوا في موقع يقال له (دكاكين).

ومن ثم تقابل الفريقان جيش الوزير وجموع المنتفق. وحينئذ صف الوزير الصفوف وحشدها وأعدها للقاء. وعين لكل وزير ممن كان معه موقفه وقابل بينهم وبين عدوهم ... فأكمل تعيينه كما اراد ثم شرع في سد النهر.

وكان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحارى والمواطن المجاورة.

جموع العرب :

إن عشائر المنتفق لا تتجاوز العشرة آلاف إلا أن النجدات توالت إليهم من كل صوب فبلغت جموعهم الكثرة الزائدة. جاءهم المدد من بغداد ومن الاحساء والحويزة وممن انتصر لهم الشيخ سلمان الخزعلي. كان مقيما عندهم من أمد بعيد ، والتحق بهم كل من آل سراج (١) ، وزبيد ، وبني خالد ، وغزية ، وميّاح ، وشمر ... ملأوا تلك السهول ، وانتشروا في ساحات البر ... وكل واحد منهم مدجج بسلاحه.

وفي هذه الأثناء تقارب الفريقان وصار يتجاول الفرسان فيمضي الواحد والواحد فتارة يكون الغلب في جهة ، وطورا في أخرى. وكانت ساحة الحرب ميدانا للابطال والشجعان ...

__________________

(١) وردت في قويم الفرج بعد الشدة بلفظ (سبراج) وهو غير صواب ويلفظ اليوم (سراي) وهم من ربيعة.

٢٠٦

ولم تمض مدة على هذه الحالة حتى اشتبكت الجموع وبطلت الرماح وصار الحكم للسيوف والخناجر ... ولم يتبين الغالب من المغلوب ، دام الحال على هذا المنوال حتى ظهر الانكسار في جموع العرب بعد أن أبلى الفريقان البلاء الحسن.

دامت الحرب إلى ١٩ شهر رمضان. لم تكن حاسمة وإن انكسار جهة لا يعني انكسار الكل فكان من رأي الوزير إنهاء الحرب وأن التطاول فيها مذموم فحرك همة الجيش وهاجم بالكل وتقدم أمام جموعه وأغار على العربان فألجأهم إلى قراهم فهزمهم. توالت المغلوبيات عليهم إلى سبع مرات وحينئذ وفي المرة الأخيرة تداخل بعضهم في بعض وصارت المضاربة بالسيوف والخناجر ...

وكان الشيخ تركي شيخ الاجود (١) سقط في المعركة. وكان يلازم الشيخ مغامسا وهو أشد منه كان جبارا قاهرا. فلما رآه الشيخ مغامس سقط صاح واه عليك! فاستولى عليه الخوف فاضطر إلى الفرار والهرب. فكان (تركي) شوكتهم. وبموته خذل الكل. وفروا جميعا. هلك في هذه المعمعة نحو العشرة آلاف بقيت أشلاؤهم مطروحة في ساحة القتال ... ولم يلتفت الباقون وراءهم من شدة ما أصابهم ... وحينئذ أنعم الوزير على الغالبين وكان يبذل الذهب والفضة لكل من يأتيه برأس أو قلب. لم يراع اقتصادا أو تقتيرا ...

بقي الوزير في موقعه ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع مضى إلى البصرة ... فدخلها في نهاية شهر الصيام. وأرخ ذلك صاحب گلشن خلفا ب (غزاي مبين) أي سنة ١١٢٠ ه‍ وفي اليوم التالي احتفل بالعيد واتخذت الأفراح. دام ذلك ثلاثة أيام بعد أن كان الجيش قضى ثلاثة أشهر كاملة لم ير في خلالها راحة وحدث عن سهر الوزير ولا حرج ...!!

__________________

(١) الأجود من المنتفق وهم الثلث كما أن بني مالك ثلث وبني سعد ثلث آخر.

٢٠٧

وفي ثالث العيد دعا الوزير شيوخ الجزائر. وطيّب خاطرهم ، وأكرم الجميع من الوزراء وغيرهم حسب درجاتهم ... وعين لكل مكانته ورتبته ... وأكد عليهم لزوم الطاعة ...

دام في ذلك المكان ستة أيام. ثم ذهب لزيارة الإمامين طلحة والزبير (رض) (١) ثم عاد إلى الفيلق ومن هناك قصد بغداد بعد أن تيقن أن قد تأسس النظام على الوجه المطلوب ، وحينئذ استقر والي البصرة في منصبه واشتغل في مهام أموره. وأن الأهلين فيها أثنوا على الوزير ولهجوا بذكره فحصلوا على الراحة من عناء الثورات والاضطرابات ...

مضى الوزير إلى الجزائر بجيوشه. أراد أن يؤمن الحالة بالقضاء على بعض الغوائل يوقع ببعض من هو مظنة فتنة ، ولكنهم لم يجدوا من كانوا يأملون العثور عليه وأصابهم في الطريق تعب شديد بسبب وعورة المسالك.

وفي غرة ذي القعدة وصلوا إلى (جفتاية) (٢) قرب الهور. وفي اليوم التالي مروا (ببني حسن) وكان شيخهم (عباسا) (٣) وهو امرؤ طاعن في السن وشجاع لا يجارى ثم وصلوا إلى الحلة. استراحوا فيها ليلة ثم ساروا نحو بغداد.

وحينئذ استقبلهم القوم وبينهم (يوسف عزيز المولوي) صاحب تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). وصل إليها في أواخر ذي القعدة لسنة ١١٢٠ ه‍ (٤).

وفي مجموعة عندي رأيت قصيدة طويلة ناقصة من أولها يثني

__________________

(١) رحلة المنشي البغدادي ص ٩٣ وفيها ذكر مشهد الزبير (رض).

(٢) في كلشن خلفا وصلوا قرية العرجة ومنها مضوا إلى بغداد.

(٣) ولا تزال الرئاسة في اعقابه إلى اليوم ومنهم عمران السعدون.

(٤) قويم الفرج بعد الشدة وحديقة الزوراء وكلشن خلفا ص ١٢٦ ـ ٢.

٢٠٨

صاحبها عزيز المولوي على الوزير لما قام به. وهذه غير ما جاء في (قويم الفرج بعد الشدة). استعرض وقائعه وما أحدث من نظام ، ثم مضى إلى وقائع البصرة وذكر التغلب عليها.

وبعدها جاءت في هذه المجموعة قصيدة عامية بدوية ذكر فيها وقائعه مع البصرة وتعرض لذكر العبيد والعزة والغرير مع الشبيب وأوضح عن اليزيدية في سنجار ، وربيعة والخزاعل ودعا الوزير ب (أخو فاطمة). ولعله ذكر ذلك بمناسبة حرب البصرة. أورد عنها وعن زبيد (١) ...

ونرى من مجرى هذه الحادثة أن العشائر كانت متذمرة من إدارة الحكومة وكذا الأهلون. تجمعوا عليها من كل صوب وقاتلوا قتالا عنيفا. ولكن في مثل هذه المواطن يعوزهم النظام والتدريب ... وهذا سبب الخذلان ، ولو كانت هذه الحرب نجحت لصالحهم لا ستقلوا من ذلك الحين ولأخفق سعي الدولة ولما بقي لها أمل في كل العراق. وما ذلك إلا أنها لا تريد التحول عن سياسة واحدة مع كل الأقوام. وهذا أحد أسباب الفشل وإن التغلب لم يثن العزم. ودامت الوقائع مستمرة ومتوالية.

قارعهم العرب بعدها مقارعات وبيلة ، رأوا العطب منهم وصاروا يخافون من ظل العربي وخياله ومن عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة وسبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات ومقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر وأكثر.

ولا ينكر أن أكابر السلاطين أسسوا لهم ملكا عظيما ، وسيطروا على البلاد سيطرة لا مثيل لها ، ولا يزالون إلى أمد قريب يعيشون بتلك النعمة وفي كل هذه يجادل العربي عن استقلاله والقوى الفائقة لم تفل من عزمه ، ولا فترت من حبه لوطنه ... والمصيبة أن نرى مؤرخينا

__________________

(١) مجموعة منظومة فيها قصائد تركية وعربية ، غالبها مؤرخ في سنة ايراده. والظاهر أن التركي منها من نظم عزيز المولوي.

٢٠٩

المتزلفين للحكومة يعدون هذا غائلة ، أو فتنة ، أو خيانة ، أو ثورة ... وفي كل هذه لم يحذروا الحكومة من سوء العاقبة لتحسن سلوكها. بل مدحوها بقصائد وقووا عزمها للوقيعة بالعشائر ... فكانت نفوسهم ذليلة وخضوعهم بالغا حده. والتاريخ سجل ما هنالك. وغالب ما يعزى ذلك إلى سوء ادارة الموظفين وإلا فأصل الدولة لا تقصد الاضرار.

المدرسة المغامسية :

إن حكم المنتفق على البصرة لم يكن عشائريا. وإنما كان هناك قاضي شرع. وإن من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة إليه. ولا نعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم وإطعام الطعام للطلاب. ولما اندرست آلت موقوفاتها إلى المدرسة الحللية من تأسيس أحد آل المفتي من الحلليين بحكم من قاضي البصرة في ٨ ذي الحجة سنة ١٢٤٤ ه‍ (كتاب المعاهد الخيرية).

غزو آخر على زبيد :

إن الوزير بعد أن انتصر في البصرة وأعاد لها النظام على نصابه ، ورأى أحوال الجزائر ورتبها عاد إلى الزوراء ولكن عشيرة زبيد كانت في غيبة الوزير أخذت تعكر صفو الأمن. سمع بذلك فلم يعرهم اهتمامه وإنما أخرهم لوقت آخر وأضمر لشيخهم عبد القادر الغيظ والوقيعة.

قالوا : وهذا الشيخ لا يكاد يوازيه أحد في دهائه. كان نبيها متيقظا ، لم يطع الحكومة ولم يناوئها بصراحة. فتراه لا يجسر أن يقوم. وإنما يحرك العشائر الأخرى ويغريها في حين أنه يبدي للولاة الانقياد والطاعة والخدمة ... وكان يداريهم ولكنه يترقب الفرص. اطلع الوزير على دخائله. سامحه مرات وعفا عن كثير من أعماله إلا أنه رأى منه تعندا وطغيانا ...

٢١٠

ومن ثم ركن إلى طريقة حكيمة فأعلن (النفير) إلى العشار فارتاب الشيخ من ذلك ولكن الوزير طير إليه الخبر ودعاه طالبا منه النجدة فورد إليه وذهب الوزير معه مسيرة مرحلة واحدة وحينئذ ألقى القبض عليه وعلى من معه وهم نحو مائتي فارس أو ثلاثمائة فشد وثاقهم ثم أمر بقتلهم لاعتقاده أنهم مضرون لا يمكن اصلاحهم فأباد أكابر رجالهم (١).

برّر مؤرخونا أمر الغدر بالشيخ عبد القادر بكل ما أوتوا من بيان ولم يذكروا ما يؤيد ذلك وجلّ ما قالوا إنه يتحرك بالخفاء ويغري غيره. وإن جاز الغدر في السياسة فإنه ينبىء عن ضعف وما نسب إلى الشيخ عبد القادر لا يستوجب قتله ولو جوّز قتله فما الداعي لقتل أعوانه الأبرياء! فهذه السياسة غير رشيدة. أفهمت العرب أن يحترسوا من الحكومة ولا يطيعوا أمرها لأنها تقتل كل من أطاع ... وهذا ما جعل التنافر بين العشائر والحكومة وبذلك زال التفاهم والاطمئنان المتقابل وماشى المؤرخون فكرة الحكومة بالرغم من خطلها. وكذا يقال عن التنديد بالعرب وإنهم مجبولون على الظلم والاعتداء ... هذا والقلم بأيديهم يسطر ما شاؤوا من ذم للعرب ومدح لعمل الوزير بلا مبرّر ...

وهذه الحادثة لم يذكرها بعض المؤرخين لما فيها من الغدر بما لا يقبل العذر ، فأضربوا عن ذكرها خوف الفضيحة وسوء السمعة.

حوادث سنة ١١٢١ ه‍ ـ ١٧٠٩ م

غزيّة :

بعد أن دمر الوزير عشائر زبيد عاد إلى بغداد. ولم تمض أيام حتى جاءه أمير قشعم شبيب يشكو حال غزيّة ويقول إنهم اتفقوا مع شيخ

__________________

(١) حديقة الزوراء ، وقويم الفرج.

٢١١

المنتفق مغامس وتعاهدوا فيما بينهم. ولما انكسر الشيخ مغامس صار يتجوّل ذهب إلى الاحساء مرة وإلى الحويزة أخرى. يحاول تجديد العهود مع العشائر ولم يجد من يوافقه إلا غزية. جدد العهد معها على أن لا يأتيه شر منها وتعهدت بسد هذه الثلمة أو الثغرة من الشامية ...

وحينئذ هاجم حسكة فانتهب بيادرها ... ونهب (الرماحية) وسائر انحائها وأحرق الزروع أيام الصيف.

أخبر الوزير بكل ذلك وقيل له إذا داموا على هذا تطاير شررهم وتعسر القضاء على الفتن ...

تحقق الوزير صحة هذه الأخبار كما حكاها أمير قشعم إلا أنه أخّر سفرته أياما ريثما تتم الزروع خشية أن تنتهب ... والصحيح أنه كتب إلى دولته فأرسلت إليه مرة أخرى والي ديار بكر ، ووالي كركوك بكهياتهم وبجنود غير قليلة. وكذا والي الموصل ووالي ديار الكرد جعلا تحت أمره فوردت الجنود تترى ... ومن ثم غزاهم إذ إنهم نقضوا العهد فوصل إلى الحلة وكان خروجه من بغداد في نهاية شهر رجب. ثم سمع أن القوم تشتتوا حينما علموا بالتأهب عليهم فسكن قسم منهم (الاخيضر) والقسم الآخر أقام في (دبلة). وحينئذ أرسل الوزير شبيبا (أمير قشعم) مع أربعة آلاف فارس. أمره عليهم ليذهبوا إلى حدود شفاثة (١) ، وذهب الوزير إلى جهة (دبلة). ولما وصل إليها لم يجد للقوم أثرا. وردت بلفظ (وبلة) (٢).

__________________

(١) وردت في معجم البلدان بلفظ (شفاثا) راجع (عين التمر) منه.

(٢) جاء في رسالة الشيخ وداي عطية : كنت أظن أن الميل إلى الحلة أولى من الميل إلى نفس لواء الديوانية وهذا ما تبادر للخاطر فقلت (دبلة) ونبهت على ما ورد في أصل المرجع التاريخي. وفي بيان الشيخ في تعيين صحة اللفظة وأنها مقاطعة معروفة في ناحية الغماس مما يشكر عليه.

٢١٢

وفي هذه الأثناء بدر له أن يميل إلى حسكة. وهناك كان الشيخ إسماعيل في بني مالك. ومن صدق لهجته علم الخبر وتيقن أن أصل هذه الفتنة الشيخ مغامس ، وأنه حدث بينه وبين المنتفق خلاف ...

وعلى هذا توجه من هناك وقصد منازلهم فوصل إلى محل (شوكة) جاءه البريد من المنتفق وفيه عرائض قدمت إليه من الشيخ ناصر أمير المنتفق فحواها :

إننا ضجرنا من شيخنا مغامس لما قام به من ظلم وليس لنا رضا بأعماله ، أنقدنا منه. وأمدنا بعنايتك ...!

وأبدوا أحواله واحدة فواحدة ورجوا أن ينهي الأمر وطلبوا أن يسرع لإمدادهم ، وهم لا يزالون في حرب معه. فكان جواب الوزير :

أتيناكم أبشروا بخير ، جئناكم بسرعة الريح. إنكم في حمانا فاطمئنوا وأيقنوا بالنصر.

كتب ذلك مختصرا وبعث به مع من جاء بالكتب. أراد أن يقرب لجهته قسما منهم. ورحل بسرعة يقطع المنزلين ليمد الشيخ ناصرا من أمراء المنتفق ولم يمض إلا القليل حتى وجده ومعه قليل من الفرسان حضروا وعرضوا الطاعة. خلع الوزير عليه وأكرمه وعرف منه أن الشيخ مغامسا فرّ مع عشيرة عبودة. وأن العشائر التابعة له قليلة جدا.

وحينئذ ركب الوزير السفن وعبر الفرات ليعقب أثر الفارين ، أرخى العنان نحو الجوازر فوصل (أبو مهفة) (١) الموقع المعروف فبات ليلته بقربه. وكان الشيخ مغامس تحصن فيه هو ومن معه من (ربيعة) و(ميّاح) (٢) وجماعة من المنتفق أيضا. ويعد الكل بخمسين ألفا أو

__________________

(١) اليوم يلفظ (أبو مهيفة) ملك آل المناع رؤساء الأجود. وقال الأستاذ يعقوب سركيس : مقاطعة في الجانب الأيمن من الغراف قرب البدعة.

(٢) مياح من ربيعة عشيرة كبيرة ومستقلة. وكذا عبودة من عشائر ربيعة. وهي اليوم في عداد المنتفق.

٢١٣

ستين. تأهب الفريقان للحرب واستعدوا للقتال ولكنهم قبل الشروع في المعركة تركوا أموالهم وأولادهم ، وتفرقوا في بعض الأنهر المندرسة (العتقان) في تلك الأنحاء فلما عبر الوزير بجيشه لم يجد لهم خبرا بالرغم من تتبع آثارهم. حاول أن يلحق بهم فلم يفلح.

أما مغامس فلم يطب له المقام في كل الأصقاع فذهب إلى الحويزة فنظم الوزير الأمور خلال سبعة عشر يوما أقامها في تلك الديار. وحينئذ وصل الشيخ شبيب أيضا فنال إكرام الوزير ولطفه. ذهب إلى شفاثة (شفاثا) فعقب الفارين واستولى على إبلهم وأموالهم ونجوا بأنفسهم فنال من الوزير خلعا فاخرة وكذا الرؤساء الآخرون أنعم على كل منهم بإنعام يليق به وعلى ابن الشيخ شبيب وقدر سعيهم.

قالوا : «وإن آل قشعم من أهل النسب العريق بين العشائر. وإن رئيسهم صادق اللهجة وله خدمات تذكر له فهو منقاد لأوامر الحكومة. ولذا عادته العشائر حتى أنهم نهبوا بيته مرات. وحاولوا إهانته فاستحق من الوزير كل رعاية ...».

كان على المرام. قام بكل ما فوض إليه من المهام حبا في الاطماع والرئاسة ...

ثم عين الوزير ضابطا لناحية (الجوازر) ورجع. ولما وصل إلى شريعة (ابو عمّار) هل شهر الصيام فقطع المراحل بلا توقف. وفي اليوم السابع وصل إلى بغداد.

ولاية البصرة :

وحين وصول الوزير أخبر دولته بما تم على يده فجاءه الجواب بالشكر لسعيه وأن تكون ولاية البصرة تحت تفويضه. يعين من يراه لائقا لإدارتها أرسل إليه منشور الولاية بلا تعيين اسم.

٢١٤

أما الوزير فقد نصب صهره وكتخداه مصطفى آغا. وكان ممتازا في خدماته. قال له : انظر في هذا الأمر. وحرر المنشور باسمه وسلمه إليه.

وفي ٢٢ ذي القعدة ألبسه الخلعة وكرك السمّور وعظمه بما يليق وأرسل المتسلم إلى (البصرة) ثم ذهب بعد أن رتب حجابه وأعوانه وسائر موظفيه وذهب إلى دار حكومته. قال في الحديقة : كان تعيينه في ذي القعدة من سنة ١١٢٢ ه‍ والصحيح ما قدمنا (١).

وفي عمدة البيان حدثت في هذه الأثناء أمراض طاعون في البصرة (٢).

حوادث سنة ١١٢٢ ه‍ ـ ١٧١٠ م

أحوال البصرة :

إن الكتخدا وصل إلى البصرة فوجد أن بعض العشائر في الجوازر نقضت العهد وعصت فأخبر الوزير بذلك فركب عليهم ودمرهم. وأبقى بعض العساكر في البصرة وعاد ظافرا. لجأ العصاة إلى الأهوار فاستولى على أموالهم ومواشيهم وعاد (٣) ...

ومصطفى باشا لم تطل مدته في هذا المنصب وإنما خلفه (قوجه حسن باشا) (٤).

ولعل هذه الوقعة متداخلة في حوادث بني لام الآتية.

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٢٧ ـ ٢ وحديقة الزوراء.

(٢) عمدة البيان.

(٣) حديقة الزوراء وكلشن خلفا ص ١٢٧ ـ ٢ وقويم الفرج بعد الشدة.

(٤) سجل عثماني ج ٢ ص ١٤٨ وقويم الفرج بعد الشدة.

٢١٥

عشائر الحي :

ثم عصت بعض العشائر في أنحاء (الحي) فعزم الوزير على السفر إليهم. وهذه العشائر (ربيعة) و(ميّاح) وكانوا من مناصري الشيخ مغامس في وقعة المنتفق. وكان شيخ شيوخهم (خلفا). ثم جاء إلى الوزير يشكو الحالة. فجهز الوزير جيشا عليهم.

مضى الوزير من ديالى فورد سلمان الفارسي (رض). ولما وصل تجاه (أم الغزلان) أمر كتخدا الحجاب يوسف آغا أن يعبر دجلة بألفين من جنده وذهب مع الشيخ المزبور فمضوا في طريقهم ...

أما الوزير فإنه سار على طريقه حتى وصل إلى العمارة فساق جيوشه نحو (آل ازيرك) (١) عبر شط العمارة ومنه مضى إلى شط زكية فأغار على منزل فمنزل حتى وصل إلى قرب هور (أبي غرافة). وحينئذ لمح ثوار العشيرة فلم يمهلهم. أعمل السيف فيهم واغتنم كافة مواشيهم وعفا عن الأولاد والأهل (٢).

عشائر بني لام :

ثم إن الوزير سدّ (گرمة حتيرش). ورأى أنه يجب أن يسد شط الحي (الغراف) باشر العمل فردمه ردما محكما. فجعل الثوار في شغل شاغل. ثم رأى المصلحة أن يعود إلى جانب العمارة. وهناك بقي بضعة أيام للاهتمام بأمر بني لام. فأرسل (خط الأمان) إلى شيخهم عبد العال بعثه مع أحد آغواته ومكث أياما أطاعته خلالها بعض العشائر.

وحينئذ شاور أهل الخبرة العسكرية عن الوضع وحقيقته فأبدوا لزوم سدّ (شط العمارة) فإذا لم يسد فلا يتمكن من ضبط العشائر ولذا يجب

__________________

(١) ويلفظون (آل ازيرج) أي (آل ازيرق) تصغير أزرق.

(٢) قويم الفرج بعد الشدة.

٢١٦

أن يمر دجلة من زكية ليذهب إلى الجوازر لأن شط العمارة (خليج العمارة) لم يكن له أصل قديم (١). فاضطر إلى سدّه في ٥ شهر رمضان سنة ١١٢٢ ه‍ واستمر العمل ٥٣ يوما حتى أتمه. بذل اهتماما زائدا وصرف مبالغ طائلة.

ولما عاد إلى بغداد فاضت مياه دجلة فحصلت ثلمة في الجانب الغربي من هذا السد فتخرب وعادت المياه إلى مجراها الأول ، فلم تفد هذه التدابير. وهي دليل العجز (٢).

حوادث سنة ١١٢٣ ه‍ ـ ١٧١١ م

عشائر بني لام أيضا :

عاد بنو لام إلى العصيان. أغاروا على انحاء نهر خريسان (٣) ، فنهبوا ودمروا ، فكانت أضرارهم بليغة. وفي هذه السنة جهز عليهم الوزير جيشا. وتعقب أثرهم ففروا من وجهه إلى ايران حتى وصلوا إلى الحويزة والتجأوا إلى أميرها المولى عبد الله.

ولما قرب الوزير من أرض الحويزة أرسل بعض آغواته بصفة رسول إلى العجم فطلب من أميرها أن تسلم إليه عشيرة بني لام وعند ذلك أبدى أنه التجأ إليه ، وأنه يعيد المنهوبات إلا أنه ماطل في ذلك فكان هذا خدعة منه. وقدم إلى الوزير بعض الهدايا ، فلم يقبلها وكتب أمير الحويزة إلى الشاه بأن العثمانيين تجاوزوا وكان الشاه قد علم حقيقة

__________________

(١) ورد ذكره في رحلة سيدي علي وأشير إليه في تاريخ العراق ج ٤ ولا شك أنه كان قبل ذلك.

(٢) قويم الفرج بعد الشدة ص ١٦١.

(٣) نهر خريسان أصله نهر طريق خراسان. طريق خراسان (لواء ديالى) لوقوعه في طريق خراسان القطر المعروف من ايران ، فخفف وسمي ب (نهر خريسان) بإمالة الألف. وليس معناه شرقي نهر ديالى.

٢١٧

الأمر فأقصاه عن منصبه ، فمال إلى شيخ بني لام ، فلقي هناك من البؤس ما لا يوصف ثم عفا عنه. وعشيرة بني لام من طيىء (١).

عشيرة بلباس :

ذكر صاحب الحديقة أن حرب الوزير لهذه العشيرة كانت عام ١١٢٤ ه‍. وفي گلشن خلفا أنها كانت سنة ١١٢٦ ه‍ ولكن صاحب قويم الفرج أورد أنها حدثت عام ١١٢٣ ه‍ ولما كان أقدم المصادر وأوسعها بحثا رجحنا قوله. أوردنا تفصيلات عن أصلها وفروعها في (عشائر العراق ـ الكردية) (٢).

والملحوظ أن حكومة العراق اتخذت ضعف بابان وسيلة للتدخل ، فناصرتهم وقضت على بلباس. ومن هذا التاريخ قوي أمر بابان وصار بازدياد وضعفت عشائر بلباس ... وكانت تفحصت الحالة من أهل كركوك فتدخلت وناصرت بابان.

حوادث سنة ١١٢٤ ه‍ ـ ١٧١٢ م

والي البصرة :

في هذه السنة نصب الوزير عثمان باشا واليا على البصرة بعد أن قمع الوزير حسن باشا كل عصيان أو ثورة ظهرت فيها. ذهب إليها فوجدها آمنة مطمئنة. وعلى ما قال صاحب (الحديقة) في معرض مدح الوزير إنه تركها جسدا بلا روح (٣) ...

__________________

(١) كلشن خلفا ص ١٢٧ ـ ٢ وقويم الفرج بعد الشدة ص ١٧٣ ـ ١٨١ وعشائر العراق ج ٣.

(٢) عشائر العراق ج ٢ ص ١٠١.

(٣) الحديقة وكلشن خلفا ص ١٢٨ ـ ١.

٢١٨

البو ناصر والمليك :

قالوا : في هذه السنة أطاعت العربان كافة وتركت كل فتنة ولكن البو ناصر والمليك ثاروا وسلكوا طريق الشرور فأدبهم الوزير. صاروا عبرة لغيرهم فانتهب أموالهم وفرق شملهم (١) ...

الجراد :

وفي هذه الأثناء هاجم الجراد فأضر بالبلاد كثيرا ، فولد غلاء فكانت مصيبة الناس فادحة وخساراتهم عظيمة فبلغ سعر وزنة الحنطة سبعة دراهم. أما الوزير فقد تمكن من المحافظة على هذا السعر بسبب ما قدمه للناس من حبوب باعها بخمسة دراهم بدل السبعة ... فالتزمت الوقوف ولم تحصل زيادة ... فخفّفت عن الناس وفي آخر هذه السنة لم يبق أثر للجراد.

حوادث سنة ١١٢٥ ه‍ ـ ١٧١٣ م

عشيرة بلباس :

وفي شهر رمضان ظهرت فتنة بلباس. تجاوزوا حدود العجم فحصل بينهم وبين الايرانيين قتال. خربوا قرى العجم فأخبر الوزير بواقع الحال فعين كتخداه لمعرفة الأمر ... وهذا الكتخدا كان مقتدرا مستعدا وهو صهر الوزير (٢).

فلما وصل إلى هنا أوقع الرعب في القلوب. فعلم جلية الأمر. وجد أن أصل الفتنة من بلباس ولكن العجم لم يكونوا خالين من تقصير فقضى على الفتنة وزجر بلباس ولامهم لوما عنيفا. وحينئذ عرض الأمر بتفاصيله على الوزير.

__________________

(١) قويم الفرج بعد الشدة.

(٢) قويم الفرج بعد الشدة.

٢١٩

وعلى هذا أمر بترحيلهم لرفع الكدورة وعجل بإنهاء ذلك وفق المراد (١) ...

حوادث سنة ١١٢٦ ه‍ ـ ١٧١٤ م

والي البصرة :

وجه في هذه السنة منصب البصرة إلى الوزير حسن باشا فمرّ ببغداد ولم يتعرض لما جرى على الوزير السابق (٢).

البرد القارس :

مضى الشتاء ببرد شديد. صار البرد قارسا والهواء زمهريرا ولذا رأى الوزير أن لا يخرج من بغداد خشية أن يضر بالجنود. ولكن التجارب قضت بأن الحكومة إذا سكنت يثور أهل الشغب. ولذا اقتضى ترقب الأحوال حذرا من وقوع حوادث ... أبدى عزمه في زيارة الإمام الحسين (رض) فذهب وزار. خيّم خارج البلد مدة يومين. ثم توجه إلى زيارة الإمام علي (رض). وفي هذه المرة جدد صندوق ضريحه. ولما تم حضر القاضي والمفتي والنقيب. فأجري الاحتفال المهيب ورفع الصندوق العتيق فوضع مكانه الجديد فغطاه بالستار. ووضع له (يوسف عزيز المولوي) صاحب قويم تاريخا باللغة التركية وكان في جملة من حضر الاحتفال. جاء في كتاب (ماضي النجف وحاضره) أن هذا الصندوق كان من الساج المطعم بالعاج إلا أنه يبين أن هذا الصندوق قديم. جرت عليه اصلاحات عديدة منها ما كان في هذه السنة. والحال أن النص المنقول عن قويم الفرج يعين أن الوزير حسن باشا هو الذي عمله. وممن أرخه الحاج محمد جواد بن عواد. وفيه إشارة إلى أنه

__________________

(١) قويم الفرج بعد الشدة.

(٢) كلشن خلفا ص ١٢٨ ـ ١.

٢٢٠